العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي

ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية


هذه بعض النقائص الفنية التي شاعت في الدراسات الشرعية، وهي في الواقع ليست دائما من تقصير الباحث، بل كثيرا ما تكون نتيجة التأثر بالبيئة العلمية التي يعيش فيها الباحث، وقد تكون أحيانا من تأثير المشرف، الذي هو بدوره كان متأثرا بالبيئة التي تكوّن فيها.

أولا: الإعجاب بالكمّ

كثيرا ما تجد الطالب يسأل الأستاذ، إذا طُلِب منه كتابة بحث، كم عدد الصفحات المطلوب؟ ما الحد الأدنى من عدد الصفحات المطلوب كتابتها؟ وكثيرا ما تجد طالب الدراسات العليا يتباهى بأن رسالته جاءت في كذا من الصفحات، أو في مجلدين، على سبيل التباهي بكِبَر الحجم. وتسمع أحيانا من شخص يقول: لقد حقق فلان كتاب كذا في كذا مجلّد على سبيل الإعجاب بكثرة عدد المجلدات التي أخرج فيها تلك المخطوطة. وإذا نظرت في تلك الأبحاث الضخمة وجدت الحشو يغلب فيها على الكلام المفيد وما هو من صميم الموضوع.
ومما يدفع الباحث إلى الحشو اعتقاده أن كِبَر حجم بحثه يدل على قوته وثرائه وعلى عِظَم جُهدِ الباحث فيه، وأن صِغَر الحجم يدل على عكس ذلك. ومن العوامل المساعدة على ذلك ما تشترطه بعض الجامعات من تحديد حدٍّ أدنى لحجم الرسالة الجامعية، فيلجأ الطالب، إذا لم تكن المادة العلمية الجادة وافية بذلك النصاب، إلى الحشو حتى يستوفي النصاب المطلوب.
ويزيد البعض شرطا آخر هو التوازن بين مباحث الرسالة من حيث الحجم. وقد يحصل أن يكون هناك تفاوت كبير في فصول البحث، بحكم أن بعض العناصر تحتاج كلاما قليلا، في حين أن البعض الآخر يحتاج نفسا طويلا في البحث والمناقشة، وعندها يكون الطالب بالخيار بين أن يبخس الموضوع الطويل حقه في البحث حتى لا يزيد حجمه كثيرا عن حجم المبحث الصغير، أو أن يمطط الموضوع القصير ويحشوه بحشوات تنفخه إلى درجة التورّم المرضي. وغالبا ما يختار الطالب خيار الحشو؛ لأنه يوافق هوى الإعجاب بالحجم الكبير.
كما تجد هذا لدى بعض الدوريات الصادرة باللغة العربية، حيث تشترط حدا أدنى من الصفحات في البحوث التي تنشرها يقدر بخمس عشرة صفحة أو يزيد أو ينقص. فإذا أضفنا هذا الشرط إلى ما هو منتشر من ثقافة الحشو وقلة الجدِّية في كتابة البحوث، تكون النتيجة أنك تجد بحثا قُدِّم لإحدى الدوريات عن "الوسائل والمقاصد" يتكون من حوالي ثلاثين صفحة، منها ما يقارب خمس عشرة صفحة حشو لا علاقة له بالموضوع. والأسوأ من ذلك أني تلقيت بحثا للتحكيم من إحدى الدوريات، وكان البحث يتكون من حوالي ثلاثين صفحة، لم أجد فيه أكثر من خمس صفحات تستحقّ الإثبات، أما ما عداها فهو حشو لا داعي له.
ولا شك أن نية الجهات التي تشترط نصابا معينا من الصفحات نيّة حسنة، فهم يقصدون من وراء ذلك دفع الباحث إلى تناول الموضوع بشمولية وعمق، ولكن بعض الباحثين يأخذ بالشكل ولا يلتفت إلى الجوهر، فيكون تركيزه على عدّ الصفحات أثناء الكتابة لا على عمق البحث وشموليته.
والأصل أن يتم تقييم البحث بناء على المضمون لا على الحجم. ففي الرسائل الجامعية يُنظر في الموضوع الذي يتقدم به الطالب: هل يصلح أن يكون بحثا للماجستير أو للدكتواره من حيث الجهد الفكري المطلوب من الطالب في كل مرحلة من تلك المرحلتين أم لا؟ فإذا كان الموضوع المعروض لا يناسب حجم الجهد الفكري المطلوب من الطالب في هذه المرحلة، يرفض الموضوع. أما إذا كان الموضوع يناسب الجهد الفكري المطلوب في تلك المرحلة، فيُقبل الموضوع بغضّ النظر عن عدد الصفحات التي سيكون فيها البحث. ثم بعد ذلك يكون المطلوب من الباحث أن يعطي كل عنصر حقه من البحث دون بخس ودون حشو (وهذه مهمة المشرف في التحقّق من ذلك)، ولا يهم أن تكون الفصول متوازنة في الحجم أو غير متوازنة، كما لا يهم أن يكون حجم البحث كبيرا أو صغيرا؛ لأن الغرض من البحث هو مضمونه لا حجمه.
وكذلك الحال في الدوريات، فالمفترض النظر إلى مضمون المقال المقدم، فإذا كانت الفكرة تستحق البحث والنشر، وكان الباحث قد تناولها بعمق وأعطاها حقها من البحث بمنهج سليم، فالمقال يستحق النشر حتى ولو كان في بضع صفحات. فرب باحث قدير يكتب في صفحات معدودة كتابة مركّزة ما يسوِّد به غيره عشرات الصفحات؛ وهذه هي البلاغة، وخير الكلام ما قلّ ودلّ. ولماذا تضييع الورق وإرهاق القارئ بقراءة صفحات كثيرة من أجل تحصيل فكرة يمكن تقديمها بشكل وافٍ في صفحة أو بضع صفحات.
ومن مظاهر الحشو ما نجده عند بعض محققي المخطوطات، حيث يكتب المحقق حاشية على متن المخطوطة تفوق أحيانا حجم متن المخطوطة بمرات، يعرض فيها آراء الأصوليين في كل مسألة تقريبا من مسائل المخطوط. وهذا أمر لا داعي له في تحقيق المخطوط، لأن الغرض من التحقيق إخراج متن المخطوط للقارئ بشكل سليم. أما تعليقات المحقق فينبغي أن تقتصر على التعريف بعَلَم غير معروف يلتبس اسمه بغيره، وشرح لفظ غريب، والمقارنة بين نسخ المخطوط حيث توجد اختلافات. أما وضع حاشية بآراء الأصوليين في المسألة فليس من مهمته، وهو عمل لا يعدو أن يكون إهدارا لوقته، وزيادة في تكاليف طبع الرسالة/ الكتاب. والمعلوم أنه ينبني على الزيادة في الحجم الزيادة في تكاليف شراء الكتاب، هذا فضلا عن إهدار آلاف الصفحات في شيء لا داعي له، وما ينتج عن ذلك من قطع مئات الأشجار دون حاجة.
وههنا مثال لهذا، فقد حصلت مرة على نسخة إلكترونية من كتاب قواطع الأدلة لابن السمعاني، وأردت طباعة تلك النسخة لعدم وجود نسخة ورقية وحاجتي لقراءة آراء هذا الأصولي الجليل، ولكني اكتشفت أن النسخة المحققة جاءت في ما يزيد على ألفين وست مائة صفحة (2600) منها (100) صفحة للدراسة عن المؤلف والكتاب، و(127) صفحة للفهارس، وما يزيد على نصف كل صفحة حاشية من المحقق في ذكر آراء الأصوليين في المسألة. وكان بالإمكان إخراج الكتاب في بضع مئات من الصفحات، لا تصل بالتأكيد إلى خمس الحجم الذي أُخرج فيه. وعندها أحجمت عن الطباعة لأنها تكلفني من الورق قرابة ما استعمله لسنة في الاستعمال الاعتيادي. وتصور كم كلّف المطبعة التي طبعته؟ وكم من الموارد تسبب في إهداره؟ وكم كلّف القارئ الذي كان بإمكانه الحصول على نسخة من الكتاب على أكمل وجه بأقل من خمس تكلفته الحالية؟

ثانيا: التعريف بالمصطلحات

التعريف بالمصطلحات الواردة في البحث من المقدمات اللازمة في البحث، إذا كان في عنوان البحث مصطلحات تحتاج إلى تحديد معانيها. والمراد بهذا بيان مفهوم المصطلحات الواردة في عنوان البحث وحدودها؛ أي بيان مفهوم المصطلحات الغامضة التي لم تصل مرتبة الشيوع بين المشتغلين بالعلم، أو بيان حدود المصطلحات التي لها معاني متعددة ولها امتدادات متداخلة في فنون متعددة، فيبيِّن الباحث المعنى الذي يقصده في بحثه هذا، والحدود التي سيتناول فيها هذا المصطلح. أما إذا كانت المصطلحات واضحة ومحددة، فإنه لا يبقى لهذا العنصر لزوم، وينبغي تجاوزه. وقد رأيت في رسالة للدكتوراه عن حقوق الإنسان في الإسلام كيف أن صاحبها سوّد حوالي ثمان صفحات تحت عنوان: تعريف الإنسان! وضيّع وقته ووقت الممتحن ثم وقت القارئ.
ومن القضايا التي لها علاقة بهذا الجانب، ما نجده في عامة الرسائل في العلوم الشرعية من تضخم الفصل/الباب التمهيدي بسبب حشوه بمادة مكرورة وليست ذات صلة وثيقة بصلب البحث. ففضلا عن تسويد صفحات كثيرة في تعريف المصطلحات الواضحة، نجد تضخما في التعريفات اللغوية، حيث تجد الباحث يسرد في صفحات ما هو مكرر وما لا علاقة له بالمعنى الاصطلاحي. والأصل أن التعريف اللغوي إنما تدعو إليه الحاجة لربطه بالتعريف الاصطلاحي إذا كان بينهما اختلاف، ويكفي فيه نقل المعاني اللغوية من أمهات كتب اللغة، أو من أحدها إذا كان الوارد في تلك الكتب متشابها. وكذلك التعريفات الاصطلاحية يكون النقل فيها من مصادر متعددة مقبولا إذا كان هناك اختلافات في التعريفات لها أثر في مفهوم المصطلح المعرَّف، أما إذا كان التعريف متفقا عليه فيكفي نقل تعريف واحد. أما الإكثار من النقل من تلك الكتب فهو عين الحشو.
ومن مظاهر تضخم الفصل التمهيدي تناول موضوعات ذات صلة ضعيفة بصلب البحث، وذكرها لا يزيد في صلب البحث كما أن حذفها لا يُنقص منه. ومن أمثلة ذلك ذلك ما وقع لي في بحث الماجستير، حيث أني لما رجعت إلى ذلك أثناء كتابة هذه الورقة اكتشفت أني قد سوّدت حوالي (35) صفحة في تعريفات العلة والمناقشات الواردة عليها، والتفريق بين العلة والسبب والشرط والعلامة. وقد كان الموضوع عن قوادح العلة بعنوان: "طرق إبطال العلة"، وكان يكفيني بضع صفحات في التعريف بالعلة مع التركيز على جانب الخلاف بين العلماء في العلة المستنبطة وفي شروطها، وما يترتب على ذلك من قدح في عِلل بعضهم بعضا، ولكني كنت ضحية بيئة الحشو.

ثالثا: دراسة البيئة
لقد صار من الشائع في الدراسات الشرعية المتعلقة بمنهج عالم من العلماء أو بتحقيق مخطوطة أن يفتتح الباحث عمله بدراسةٍ نظرية عن صاحب الكتاب أو المنهج، تجد فيها تعريفا مستفيضا به، وهو في الغالب تكرار لما هو موجود وشائع في كتب التراجم. ولو أن الباحث ركّز على الجوانب المجهولة من حياة ذلك العالم وأعماله العلمية لكان الأمر مفيدا، ولكن تكرار المعلومات العامة الشائعة عن ذلك العالم بإسهاب لا يعدو أن يكون حشوا لا داعي له. ومما يزيد الأمر سوءا أن يكتب المحقق فصولا مطولة يسرد فيها الأحداث التاريخية التي عاصرته، وغالبا ما يكون ذلك السرد دون ربط لها بحياة المؤلف وأعماله العلمية، ودون بيان أثرها في فكره وأعماله، ويزيد بعضهم فصلا في تلك المقدمات عن عقيدة المؤلف ينقِّب فيها عن موقفه من آيات الصفات (وهي القضية التي صيَّرها البعض عنوان عقيدة الإنسان)، وقد يخوض فيها فيما ليس من شأنه وما ليس له علاقة بموضوع البحث.
إن الحديث عن الحالة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والفكرية يكون من لوازم البحث إذا كان لتلك الجوانب أو لأحدها أثر في فكر الشخص الذي تتم دراسته، أما إذا لم يكن لها أو لأحدها أثر حقيقي في فكر ذلك الشخص فإن إقحامها لا يعدو أن يكون حشوا. وإذا رأى الباحث ضرورة الحديث عن تلك الجوانب فلابد أن يكون التركيز على بيان أثر تلك البيئة في فكر الشخص، ولا يكتفى بمجرد السرد، وأن يبيِّن الباحث ذلك التأثير في ثنايا البحث عند الحديث عن العنصر الذي يعتقد أنه تأثر فيه ببيئته، فذلك يكون أبلغ وأنفع. أما عقد دراسة مطولة في بداية البحث للحديث عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية فإنه، حتى وإن كانت له علاقة بأفكار الشخص، فإنه إما أن يكون مبتورا أو أن يكون مكرورا، حيث يضطر الباحث إلى أن يعيد الحديث عنه عندما يصل إلى ذلك العنصر في ثنايا البحث.
وههنا مثال، وهو رسالة دكتوراه بعنوان: علم أصول الفقه في القرن الخامس الهجري: دراسة تاريخية وتحليلية. خصص فيها الباحث الباب الأول لـ"الحالة السياسية والعلمية للعالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري"، وبلغ حجم هذا الباب (110) صفحات (من ص35 إلى ص145) طوّف فيه في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، وجمع أشياء هي في مجملها معلومات عامة موجودة في مظانها من الكتب، وإهمالها لا ينقص من قيمة الموضوع، وذكرها لا يزيد في موضوع الكتاب، بل يزيد في حجمه فقط.

رابعا: الفهارس

ومما شاع في بعض الأماكن جعل الفهارس من لوازم البحث: فهناك فهرس للآيات، وفهرس للأحاديث، وفهرس للأعلام، وفهرس للأماكن، وفهرس للأبيات الشعرية، وفهرس للمصطلحات، وفهرس للقبائل، وفهرس للأمثال، وفهرس للآثار، وفهرس للمراجع، وفهرس للموضوعات. ولا شك أن فهرس المراجع والموضوعات لازمان لا يستغني البحث عنهما. وإذا كانت في البحث مسائل فإن وضع فهرس لتلك المسائل يسهّل على من يريد الرجوع إلى مسألة بعينها. كما أن فهرس الأحاديث لبحث متخصص في الحديث، وفهرس للآيات في بحث يتحديث عن تفسير آيات من القرآن الكريم، وفهرس للأبيات الشعرية في بحث عن شعر شخص من الأشخاص، قد يكون لها ما يبررها. أما ما عدا هذا مثل فهرس الأماكن، والأعلام، والآيات، والأحاديث، والأبيات الشعرية في بحث ليس متخصصا في هذه المجالات فإنه لا طائل من ورائه.

خامسا: التعريف بالأعلام
مما يرد في مناهج البحث أن من لوازم البحث التعريف بالأعلام عند تحقيق المخطوطات أو كتابة البحوث العلمية، والمراد بهذا في الأصل التعريف بالأسماء الواردة في البحث بكنية أو نسبة يشترك فيها عادة أكثر من عالم، مع عدم ذكر اسم ذلك العالم، فيحتاج الأمر إلى تعريف بذلك العالم دفعا للالتباس وبيانا للشخص المقصود في هذا الموضع. أو قد يرد اسم علم من الأعلام غير مشهور في هذا الفن، فيُحتاج إلى التعريف به لبيان من هو وما نسبته إلى هذا الفن ومشاركته فيه. أما أن يصير الباحث إلى التعريف بجميع الأعلام الواردة، حتى التي يعرفها المبتدئ في هذا الفن (مثل إمام الحرمين الجويني، والغزالي، والسرخسي، والبزدوي، وغيرهم)، كما شاع في بعض الأماكن، فإنه من باب تحصيل الحاصل، وإهدار الطاقات، وتضييع الورق والحبر.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

بارك الله فيكم، وسلمت أناملكم
من جملة دائرة الحشو في المضمون: استغراق الباحث في معالجة قضايا تعترضه أشكلت عليه بسبب قصور علمه أو أنها خارج نطاق تخصصة أو لرغبته في بحثها: ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بصلب الكتاب، وهو شكل شائع لدى المعاصرين، يظهر في المقدمات بالذات، وقد يستغرق ثلث الكتاب، وكما أنه حشو فقد ولَّد مع ذلك خبطا عريضا.
أما تسليط طلاب الأطاريح على عقائد الأئمة فأمرٌ جلل.
وقد اعتذرت في ترجمتي لابن حزم عن عدم الخوض عن الحالة السياسية والاجتماعية بما يلي:
وأخيراً:
فما سَبَقَ كان إيجازاً لحياته، حرصتُ أن أكتبها بقلمه، وأن أرسمها بريشته، وهي بقصَصها وأسراراها أدق مِن تكلّف الحالة السياسية، والحالة الاجتماعية، كما هي عادة جماعة كبيرة مِن الباحثين في تَقْدمتها بين يدي المترجَم له، وقد أعرضتُ عنها؛ فإن ذاك على قدر ما يكلِّف الباحث، فإنه لا يجد من القارئ إلا اجتيازه إلى ما بعده!
ولئن صحت هذه الطريقة في مترجمٍ ما؛ لأنه شيخ الإسلام، أو أنه حافظ الملة، أو كان قاضي القضاة، فما يصح ذلك في عالمٍ منزوٍ في بيته، منكبٍ على كتبه.
ولقد عايش فتنةَ الأندلس الإمامان القرطبيان: ابن حزم وابن عبد البر، فظهرت آثارها على الأول دون الثاني، مع أن الثاني كان أمدَّ عمراً، حيث بلغ خمسة وتسعين عاما، وزاد أياماً، إلا أن الأول كان من بيوت الوزارة، فظهرت آثارها عليه، ومع ذلك فقد يسَّر الله أن نستغني بملاحظة تفاصيل حياته عن تتبع أحوال زمانه.


 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

أشكرك يا عزيزي.. موضوع مهم

الحشو ربما أخذ مسارين:
1- الاغراق في المقدمات كما ذكرت.. (وهذا الجانب فعلته كثيرا الدراسات الأكاديمية وساعدت في انتشاره)
2- الاستطراد بمناسبة، أو أحيانا فرض مناسبة خاصة لأجله.. (وهذا الأمر أكثر ما ساعد في انتشاره وفرضه على الدرس الشرعي والبحث العلمي: المتون وشروحها وحواشيها وتقريراتها.. وأحيانا العلماء الذين يغلب عليهم طابع الجمع كالسيوطي مثلا وغيره).

عموما هذه آفة شنيعة وساهمت في الضعف العلمي كثيرا بل الترف أحيانا.. فلا تستغرب حينما تجد كتاب ربما ألف صفحة وكله أو جله كلام فاضي.. انتزع منه النصوص المقدسة وضعه في أقرب نفاية.. ولا تبتئس من ذلك فقدر العلم أكبر من شأنا منه مهما كان مؤلفه!!
 

حسين سعيد يعقوب

:: متابع ::
إنضم
16 يناير 2012
المشاركات
3
الكنية
أبو هشام
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
تمالي - شمال غانا
المذهب الفقهي
المالكي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

هذا الكلام جيد ، وقد وضع الباحث النقاط على الحروف ، ونأمل من الجامعات النظر في الموضوع ، والسعي لمعالجتها ، وإلا فلا تزال هذه الظاهرة هي السائدة والمعمولة لدى طلاب العلم
والله المستعان.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

ونأمل من الجامعات النظر في الموضوع ، والسعي لمعالجتها
جزاك الله خيرا
هذه التوصية لا تقل أهمية عن الموضوع
مشكلتنا في بلادنا أننا ننتقد ونتكلم ونقترح ونضع حلولا
ولكنها لا تجد حيزا من التطبيق
ولو طالبت بالتغيير لوجدت الجامعات في بلادنا من مشرقها إلى مغربها تمتنع، ثم ترفع لك شعار
(إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

شكر الله للدكتور وللمشاركين ...
لعله ينطلق من هذا الموضوع -في ملتقى صناعة البحث العلمي- لمعلمة متقنة تأسِّس لبناءٍ أصيل في طرائق الدراسات الشرعية؛ مع مراعاة النظر في أنواع التخصصات ...
والله الموفق والمعين ...
 

الزهراء

:: مطـًـلع ::
إنضم
4 يوليو 2010
المشاركات
143
الإقامة
الرياض
الجنس
أنثى
الكنية
أم عبدالرحمن
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
من أهل السنة والجماعة
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

أما أنا فأوافقكم في نقاط وأخالفكم في أخرى
فأوافقكم على لزوم نبذ الحشو ، والذي يتمثل عندي في :
التعاريف المطولة والتي تزيد على صفحة ، أو أن يورد الباحث عند تعريف مصطلح ، تعريف ثلة من العلماء أو المذاهب ؛ كأن يقال عرفه فلان بكذا ، وفلان بكذا .....ثم بعد ذكر طائفة من المتقدمين ، يبدأ بسلسلة من تعاريف المعاصرين ،ينتخبها من رسائلهم العلمية ، وما ذاك التعريف عن غيره ببعيد . وأقترح أن يورد الباحث التعريف المختار في نظره ، مع شرح مايلزم شرحه ، وبيان محترازته التي قد توهم بدخولها فيه بوضوح وإيجاز.
كما يتمثل عندي في تضييع الجهود والوقت في عمل مكرور ، وهذا يظهر واضحا في المشاريع العلمية ، فعلى كل منتسب إلى هذا المشروع التعريف بالمؤلف ، ومنهج المؤلف في مؤلفه ، والتعريف بالفن ، وعلاقته بما يشابهه من الفنون ، وكان من الممكن أن يكون هذا جزءاً من بحث مُقْتَرِح المشروع ، وَمَنْ بعده لا يتطرقون إليه .
وكذلك في تعدد الفهارس التي لا فائدة من استقصاء بعضها إلا إشغال الباحث بالتنقيب والفرز والأبجدة والترتيب ، مع إقرارنا لضرورة بعضها .
ولكني أختلف معكم في نقاط منها :
قبل أن أسوقها أقدم لها بأن :
خريج البكالوريس عنده إلمام لا بأس به بفروع تخصصه ، وبموضوعات كل فرع ، ولكنه يجهل كثيراً من الكتب المتخصصة المتقدمه ، ويجهل أكثر معظم الأعلام غير البارزين ؛ فأنا أرى أن مرحلة كتابة الرسالة هي أشبه ما تكون بما يطلقون عليه اليوم بالتعلم الذاتي ؛ لذا فأنا أخالفكم في نقاط ،ما يحضرني منها :
1- لولا ترجمة الأعلام ما عرف الباحث كتب التأريخ والتراجم والطبقات ، ولا تعرَّف على مؤلفيها ، ولا أطلع على تباين طرقهم واختلاف مناهجهم ، ولا فرق بين الشيخ و التلميذ ولا مايز بين الأقران .
2-لولا تعريف المصطلحات ما فتح الباحث كتب المعاجم واللغة والتعريفات ، ولا غاص في أغوارها ، ولا كشف عن علاقة المعنى اللغوي بالاصطلاحي .
3-لولا الفهارس على تنوعها ما استدل الباحث على بغيته بكل يسر وسهولة واختصار زمن . فإذا استعصى علي معرفة مراجع ترجمة علم ، بحثت في الرسائل العلمية عمن ترجم له ، فأرجع للترجمة ، وأطلع على مصادر الترجمة فأرجع لها وأترجم حسب طريقتي .
4- لولا تخريج الأحاديث ، ماتصفح الباحث كتب الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات ،ولا طاف يقلبها ويطلع على مافيها .
ولو اكتفى كل باحث بعمل من قبله ، ماتمايزت الأعمال صحيحها من سقيمها ، ولتكرر النقل الخطأ واختفى الوجه الصحيح ، وكم مر على كل باحث مواطن عدة من كتب المتقدمين أو المتأخرين ظهر فيها النقل الخطأ بوجه شنيع يغير المعنى ، ويحيل الفهم إلى فهم مغاير للصحيح ؛ ولولا تعدد المؤلفات لما اكتشف الخطأ .
وفائدة ماسبق ذكره تظهر واضحة جلية إذا ما أطلعنا على مخطوط قديم ، وعلى رسالة أكاديمية هي تحقيق لذلك المخطوط ، فنفع هذه الرسالة الأكاديمية عميم يكاد يفوق نفع المخطوط الذي خطه العالم بقلمه أو خطه تلميذه - مع بقاء الفضل لمؤلفه - ؛لأنه لا يستغلق عند قراءة الرسالة الأكاديمية فهم ، ولا يعوزه بحث عن مذكور فيه يجهله ؛سواءً كان كتابا أو علما أو بلدا أو مصطلحا .
 

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

1- لولا ترجمة الأعلام ما عرف الباحث كتب التأريخ والتراجم والطبقات ، ولا تعرَّف على مؤلفيها ، ولا أطلع على تباين طرقهم واختلاف مناهجهم ، ولا فرق بين الشيخ و التلميذ ولا مايز بين الأقران .
2-لولا تعريف المصطلحات ما فتح الباحث كتب المعاجم واللغة والتعريفات ، ولا غاص في أغوارها ، ولا كشف عن علاقة المعنى اللغوي بالاصطلاحي .
3-لولا الفهارس على تنوعها ما استدل الباحث على بغيته بكل يسر وسهولة واختصار زمن . فإذا استعصى علي معرفة مراجع ترجمة علم ، بحثت في الرسائل العلمية عمن ترجم له ، فأرجع للترجمة ، وأطلع على مصادر الترجمة فأرجع لها وأترجم حسب طريقتي .
4- لولا تخريج الأحاديث ، ماتصفح الباحث كتب الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات ،ولا طاف يقلبها ويطلع على مافيها .
ولو اكتفى كل باحث بعمل من قبله ، ماتمايزت الأعمال صحيحها من سقيمها ، ولتكرر النقل الخطأ واختفى الوجه الصحيح ، وكم مر على كل باحث مواطن عدة من كتب المتقدمين أو المتأخرين ظهر فيها النقل الخطأ بوجه شنيع يغير المعنى ، ويحيل الفهم إلى فهم مغاير للصحيح ؛ ولولا تعدد المؤلفات لما اكتشف الخطأ .
.
1- يمكن تدريب الطلاب على التعريف بالأعلام وما يلزم ذلك في البحوث الفصلية، فتتحقق الفائدة على تمامها.

2- التعريف بالمصطلحات من أركان البحث، ولكن المقصود هو التعريف بما يحتاج إلى تعريف. أما تعريف ما هو معروف، أو الاسترسال في التعريف بذكر ما لا داعي له فذاك هو الحشو.

3- إذا كان العَلَم الذي استعصت عليك الترجمة له قد ترجم له غيرك، وعثرت على تلك الترجمة، فلم تترجمين له مرة أخرى؟ لو كانت الترجمة من باب الدعاء لأولئك العلماء لكان مستحبا تكرارها من كل باحث لما في ذلك من خير، أما وأنها مجرد ذكر نسبه وميلاده ووفاته وبعض مؤلفاته، فلا ينتفع بذلك ميت ولا حي.

4- تخريج الأحاديث والاكتفاء في الاستشهاد بما هو مقبول منها وطرح ما هو غير مقبول من ضرورات البحث التي لا يمكن الاستغناء عنها، وليست من الحشو. ولكن قد يدخل شيء من الحشو التخريج إذا كان ذلك بالاستقصاء في تخريج حديث ثبتت صحته وليس في رواياته المختلفة اختلاف في اللفظ يسبب اختلافا في المعنى وكان البحث غير متخصص في علوم الحديث. أما إذا كان البحث في الحديث أو كان الحديث محل اختلاف في صحته أو اختلفت الروايات بما يؤدي إلى اختلاف المعنى فإن الاستقصاء مطلوب، لأن ذلك يصير من لوازم البحث.

5- الاكتفاء بما فعله السابقون يكون في ما قتل بحثا وصار من الأمور الشائعة التي لا تحتاج إلى مزيد بحث، أما التعرض لما كتبه السابقون بالنقد والتمحيص فهذا جوهر البحث وأساس تطور العلوم. أما أن يصير -مثلا- كل من يكتب بحثا في موضوع من موضوعات التفسير يصدِّر بحثه بفصل مطوّل في تعريف التفسير لغة واصطلاحا، والفرق بينه وبين التأويل، وأنواع التفسير ومدارسه، وغيرها، فهذا هو الحشو.

أما تكرر الأخطاء في النقل فلا علاقة له بالحشو، وإنما هو ناتج عن عدم الرجوع إلى المصادر الأصلية والاكتفاء بالنقل على النقل، أو هو ناتج عن غش "المحققين" التجار الذين يدفعون بما يسمونه "تحقيقا" لكتاب من الكتب إلى المطابع دون تدقيق، فيخرج الكتاب "مُشوَّها" لا "محققا".
 

علي سلمان عبود

:: متابع ::
إنضم
2 مارس 2010
المشاركات
24
التخصص
اصول الفقه
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

السلام عليكم وبعد: فقد اجاد وافاد اخونا الفاضل بذكر الحشو في الرسائل والاطاريح،وقد يحصل هذا وحصل في أول مشروع بحثي للطالب ،واعتقد انه حصل مع اخينا صاحب المقال،وكذلك حصل معي ،ولكن خبرة وعلمية الاستاذ المشرف لها دورها في تهذيب البحث ،ولا اشك أن اخانا الباحث قد نضجت عنده ملكة التأليف فصار الى هذا القول ،اركز على دور المشرف هنا،متمنيا التوفيق للجميع
 
إنضم
22 يناير 2012
المشاركات
2
الكنية
ابو عبد الرحمن
التخصص
ثقافة اسلامية
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

جزاك الله خيرا ، ولاينقص من مقالك يا دكتور كون هذه الملاحظات و الإقتراحات معروفة لدى أكثر الباحثين ، لكن يا دكتور حفظك الله الذي نحتاجه هو التغيير نحو ما نراه الأصلح وتفعيل تلك الإقتراحات لتكون هي المعمول بها أكاديميا ، لا ما أتانا عن طريق الغرب في ظل الإنهزامية النفسية .
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

بارك الله فيكم
قد وقعتم على مشكلة تحتاج فعلا إلى نظر الباحثين وأصحاب القرار في وزارة التعليم العالي ومجالس الجامعات ومجالس الأقسام العلمية الشرعية في وضع لوائح تضبط البحث في التخصصات الشرعية .
في نظري - بالإضافة لما ذكره الفضلاء - أن أسباب المشكلة تعود إلى :
1 - توارث فكرة أهمية النظر إلى الكم ويبدو لي ان الدراسات الأولى الأزهرية كان لها الدور الأكبر في وضع هذه الفكرة ، وعنهم أخذ أساتذتنا الكبار في جامعاتنا في السعودية وربما في كثير من البلاد العربية ، فجامعة الأزهر هي منبع الدراسات العليا في التخصصات الشرعية وأساتذتنا وشيوخنا حفظ الله الحي منهم ورحم الميت لقنوها تلامذتهم وتلامذتهم جعلوها سياسة في جامعاتنا ولهذه السياسة في نظر الأساتذة أهداف كثيرة منها المحمود ومنها المذموم ولا حاجة لذكرها هنا .
2 - طبيعة بعض طلبة العلم في التشقيق والاستطراد وحب الاستكثار والتي تغلب عليهم في التدريس والمحادثات والمحاورات والبحوث حتى اصبحت لازمة لهم يصعب عليهم الانفكاك عنها حتى إنهم يظنون أنهم إن لم يصنعوا ذلك فقد نقصوا وقصروا في العلم .
3 - بعض طلبة العلم يريد المثالية في بحثه فلا يحب أن يترك شاذة ولا فاذة إلا ويذكرها حتى لا يرد على بحثه النقص والنقد فهو يريد أن يسد جميع الأبواب ولا يريد ان يدع شيئا لمن جاء بعده - بظنه - فأشد الأمور عليه ان يكتب أحد في موضوع بحثه بعده فيستدرك فتصبح هذه القضية هاجسه الذي لا يفارقه وكانه يقول للقاريء : أي سؤال يرد في ذهنك في هذه المسألة ستجده في هذه الموسوعة التي بين يديك ولن أدعك تبحث عنها في كتاب آخر فأنا قد جمعت كل ما يتعلق بهذه المسألة .
4 - شغف الباحثين بذكر المقدمات والتمهيدات ورؤيتهم أن تلك المقدمات من المهمات اللازمات للبحث علما ان بعض المقدمات معروفة عند المتخصصين والأصل في البحوث انها تعرض على المتخصصين لا عوام الناس .
أذكر أن مشرفي الفاضل شيخنا الدكتور عياض السلمي عاتبني مرة فقال : يا بدر لماذا أنت إذا أردت كتابة مسألة تبدأ من آدم ثم نوح ثم تمر بالبشرية كلها حتى تصل للمسألة لماذا لا تدخل في المسألة مباشرة وتترك هذا الحشو ؟ ومع قناعتي بكلامه إلا أني كنت أجد ثقلا في قبولها لأني كنت أجد نفسي لا ترتاح بالدخول مباشرة وأحس بالنقص في بحث المسألة .

ويبدو لي ان هذه المشكلة غير واردة في كتابات المغاربة وإنما هي حكر على كتب المشارقة فمن يرى كتب المغاربة يجدها خالية من المقدمات والتمهيدات وإن كانوا أحياناً قد استعاضوا عن هذا بالطرح الفلسفي الذي يطيل المسألة أحياناً من غير حاجة .

إن من اعظم سلبيات هذا الحشو هو حرمان الباحثين وطلبة العلم من هذه البحوث لأن البحوث الكبيرة يصعب طبعها وكثير من البحوث المطبوعة الان هي مهذبة قد حذف منها الكثير ليتمكن الباحثون من طبعها .
وأنا أحد من عاني من هذه المشكلة فرسالتي في الماجستير تحقيق مخطوط لب الأصول لابن نجيم وقد خرجت في 1833 صفحة في أربع مجلدات وهذا يجعل طباعة الرسالة من الصعب جدا ولذا نزعت من فكري أن أطبعها .
ورسالتي في الدكتوراه في 1342 صفحة المقاصد عند القرافي المالكي ولرغبتي في طباعتها ها انا اقوم بتهذيبها وقد حذفت قرابة النصف ، وأعتقد أن في قسم الرسائل في مكتبات جامعاتنا مئات الرسائل العلمية التي لا يمنع من طباعتها سوى ضخامة حجمها .

وفي نظري أن حل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل العلمية هو في تحديد الأهداف ثم البناء وفق الأهداف :
ما الهدف من البحث بالنسبة لطالب الماجستير وطالب الدكتوراه ؟
هل الهدف هو جمع أكبر قدر من المعلومات ومن ثم يشتغل النسخ واللصق والتكرار ؟ أو الهدف هو صناعة باحث وبناء الملكة والقدرة على التحليل عنده ؟
ثم الأهداف الخاصة من البحث وذلك ان لكل بحث اهدافا خاصة به يذكرها في مقدمة بحثه ينبغي له أن يحوم حولها ولا يتعدى نطاقها كما أن لاعب الكرة له مساحة لا يتجاوزها متى خرج من المستطيل الأخضر أصبح خارج اللعبة - والتمثيل للتقريب بالمحسوس - كذلك من يبحث خارج أهداف بحثه هو يغرد خارج السرب وذلك يعود على بحثه بالنقص لا بالزيادة .

وفي نظري مثل هذا ما يقع في الدراسة المنهجية للماجستير والدكتوراه وكذا الاختبار الشامل من الاهتمام بالكم وتكليف الطالب بأكبر قدر من المراجع والكتب وإغفال جانب الفهم والتحليل وبناء الملكة عند الطالب .
 

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

جزاك الله خيرا ، ولاينقص من مقالك يا دكتور كون هذه الملاحظات و الإقتراحات معروفة لدى أكثر الباحثين ، لكن يا دكتور حفظك الله الذي نحتاجه هو التغيير نحو ما نراه الأصلح وتفعيل تلك الإقتراحات لتكون هي المعمول بها أكاديميا ، لا ما أتانا عن طريق الغرب في ظل الإنهزامية النفسية .

جزاكم الله خير الجزاء
التغيير سهل إذا توفرت الرغبة والإرادة فيه. فليتزم كل واحد منا بتجنب الحشو في ما يكتب؛ وإذا صار يوما مشرفا أو ممتحنا فليوجّه من هو تحت إشرافه إلى تجنب الحشو، وليلفت نظر زملائه إلى تجنب الحشو.
 

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

جزاكم الله خيرا ونفع بكم وبعد كل هذه المداخلات الطيبة ، فهل من سبيل للتصحيح ؟ وعلى عاتق من يقع بالدرجة الأولى ؟
جزاك الله خير الجزاء
السبيل هو أن يلتزم كل واحد منا بتجنب الحشو في ما يكتب؛ وإذا صار يوما مشرفا أو ممتحنا فليوجّه من هو تحت إشرافه إلى تجنب الحشو، وليلفت نظر زملائه إلى تجنب الحشو.
 
إنضم
21 فبراير 2010
المشاركات
456
الإقامة
الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو حاتم
التخصص
أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الدولة
الإمارات العربية المتحدة
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

بارك الله فيكم
قد وقعتم على مشكلة تحتاج فعلا إلى نظر الباحثين وأصحاب القرار في وزارة التعليم العالي ومجالس الجامعات ومجالس الأقسام العلمية الشرعية في وضع لوائح تضبط البحث في التخصصات الشرعية .
في نظري - بالإضافة لما ذكره الفضلاء - أن أسباب المشكلة تعود إلى :
1 - توارث فكرة أهمية النظر إلى الكم ويبدو لي ان الدراسات الأولى الأزهرية كان لها الدور الأكبر في وضع هذه الفكرة ، وعنهم أخذ أساتذتنا الكبار في جامعاتنا في السعودية وربما في كثير من البلاد العربية ، فجامعة الأزهر هي منبع الدراسات العليا في التخصصات الشرعية وأساتذتنا وشيوخنا حفظ الله الحي منهم ورحم الميت لقنوها تلامذتهم وتلامذتهم جعلوها سياسة في جامعاتنا ولهذه السياسة في نظر الأساتذة أهداف كثيرة منها المحمود ومنها المذموم ولا حاجة لذكرها هنا .
2 - طبيعة بعض طلبة العلم في التشقيق والاستطراد وحب الاستكثار والتي تغلب عليهم في التدريس والمحادثات والمحاورات والبحوث حتى اصبحت لازمة لهم يصعب عليهم الانفكاك عنها حتى إنهم يظنون أنهم إن لم يصنعوا ذلك فقد نقصوا وقصروا في العلم .
3 - بعض طلبة العلم يريد المثالية في بحثه فلا يحب أن يترك شاذة ولا فاذة إلا ويذكرها حتى لا يرد على بحثه النقص والنقد فهو يريد أن يسد جميع الأبواب ولا يريد ان يدع شيئا لمن جاء بعده - بظنه - فأشد الأمور عليه ان يكتب أحد في موضوع بحثه بعده فيستدرك فتصبح هذه القضية هاجسه الذي لا يفارقه وكانه يقول للقاريء : أي سؤال يرد في ذهنك في هذه المسألة ستجده في هذه الموسوعة التي بين يديك ولن أدعك تبحث عنها في كتاب آخر فأنا قد جمعت كل ما يتعلق بهذه المسألة .
4 - شغف الباحثين بذكر المقدمات والتمهيدات ورؤيتهم أن تلك المقدمات من المهمات اللازمات للبحث علما ان بعض المقدمات معروفة عند المتخصصين والأصل في البحوث انها تعرض على المتخصصين لا عوام الناس .
أذكر أن مشرفي الفاضل شيخنا الدكتور عياض السلمي عاتبني مرة فقال : يا بدر لماذا أنت إذا أردت كتابة مسألة تبدأ من آدم ثم نوح ثم تمر بالبشرية كلها حتى تصل للمسألة لماذا لا تدخل في المسألة مباشرة وتترك هذا الحشو ؟ ومع قناعتي بكلامه إلا أني كنت أجد ثقلا في قبولها لأني كنت أجد نفسي لا ترتاح بالدخول مباشرة وأحس بالنقص في بحث المسألة .

ويبدو لي ان هذه المشكلة غير واردة في كتابات المغاربة وإنما هي حكر على كتب المشارقة فمن يرى كتب المغاربة يجدها خالية من المقدمات والتمهيدات وإن كانوا أحياناً قد استعاضوا عن هذا بالطرح الفلسفي الذي يطيل المسألة أحياناً من غير حاجة .

إن من اعظم سلبيات هذا الحشو هو حرمان الباحثين وطلبة العلم من هذه البحوث لأن البحوث الكبيرة يصعب طبعها وكثير من البحوث المطبوعة الان هي مهذبة قد حذف منها الكثير ليتمكن الباحثون من طبعها .
وأنا أحد من عاني من هذه المشكلة فرسالتي في الماجستير تحقيق مخطوط لب الأصول لابن نجيم وقد خرجت في 1833 صفحة في أربع مجلدات وهذا يجعل طباعة الرسالة من الصعب جدا ولذا نزعت من فكري أن أطبعها .
ورسالتي في الدكتوراه في 1342 صفحة المقاصد عند القرافي المالكي ولرغبتي في طباعتها ها انا اقوم بتهذيبها وقد حذفت قرابة النصف ، وأعتقد أن في قسم الرسائل في مكتبات جامعاتنا مئات الرسائل العلمية التي لا يمنع من طباعتها سوى ضخامة حجمها .

وفي نظري أن حل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل العلمية هو في تحديد الأهداف ثم البناء وفق الأهداف :
ما الهدف من البحث بالنسبة لطالب الماجستير وطالب الدكتوراه ؟
هل الهدف هو جمع أكبر قدر من المعلومات ومن ثم يشتغل النسخ واللصق والتكرار ؟ أو الهدف هو صناعة باحث وبناء الملكة والقدرة على التحليل عنده ؟
ثم الأهداف الخاصة من البحث وذلك ان لكل بحث اهدافا خاصة به يذكرها في مقدمة بحثه ينبغي له أن يحوم حولها ولا يتعدى نطاقها كما أن لاعب الكرة له مساحة لا يتجاوزها متى خرج من المستطيل الأخضر أصبح خارج اللعبة - والتمثيل للتقريب بالمحسوس - كذلك من يبحث خارج أهداف بحثه هو يغرد خارج السرب وذلك يعود على بحثه بالنقص لا بالزيادة .

وفي نظري مثل هذا ما يقع في الدراسة المنهجية للماجستير والدكتوراه وكذا الاختبار الشامل من الاهتمام بالكم وتكليف الطالب بأكبر قدر من المراجع والكتب وإغفال جانب الفهم والتحليل وبناء الملكة عند الطالب .
وأخيرا.... ظهر الفارس.
أين أنت يا رجل؟
أتصل عليك مرارا...والله اشتقنا إليك.
لا حرمنا الله وصلك.
قد عانيت مما عانى منه الجميع مما ذكرته وذكره الدكتور نعمان حشوا وإضافات، وقد نقحت وأثبت وحذفت ما شاء الله وقد طبع البحث ولا يزال يحتاج إلى المزيد، فلعلي أفعل في قابل الأيام.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

وأخيرا.... ظهر الفارس.
أين أنت يا رجل؟
أتصل عليك مرارا...والله اشتقنا إليك.
لا حرمنا الله وصلك.
قد عانيت مما عانى منه الجميع مما ذكرته وذكره الدكتور نعمان حشوا وإضافات، وقد نقحت وأثبت وحذفت ما شاء الله وقد طبع البحث ولا يزال يحتاج إلى المزيد، فلعلي أفعل في قابل الأيام.
بارك الله فيكم شيخنا الكريم .
كيف تتصلون مرارا ولا أرد قطعا قد غيرتم رقم هاتفكم وإلا لرددت عليكم فأنا مشتاق لسماع صوتك يا ابا حاتم .
ونحن في انتظار خروج رسالتكم .فالبدار البدار
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

ويبدو لي ان هذه المشكلة غير واردة في كتابات المغاربة وإنما هي حكر على كتب المشارقة فمن يرى كتب المغاربة يجدها خالية من المقدمات والتمهيدات وإن كانوا أحياناً قد استعاضوا عن هذا بالطرح الفلسفي الذي يطيل المسألة أحياناً من غير حاجة .
ربما كان هذا لافتاً للنظر، ولعل هذا سبب إعجابي بكثير من أبحاث المغاربة المطبوعة لثرائها في صلب موضوع البحث، بخلاف بعض بحوث المشارقة التي قد لا تجد في صلب الموضوع سوى خمُس البحث!
 
إنضم
9 يونيو 2011
المشاركات
25
التخصص
شريعة
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

كلام أحلا من العسل وابرد من الثلج
لكن لن يعمل الا ما يرضي المشرف والمناقشين
إرضا هم مهم يا دكتور
الوقت يضيع ويطول في الحشو المكرر المكرر
بعض المناقشين يقول لم تعط المبحث حقه في المناقشة للآراء التي ذكرتها وهلم جر
جزاك ربي خير الجزاء وبارك فيك ونفع المسلمين منك
 
إنضم
14 يناير 2010
المشاركات
545
الجنس
أنثى
التخصص
دراسات
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية


ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية


هذه بعض النقائص الفنية التي شاعت في الدراسات الشرعية، وهي في الواقع ليست دائما من تقصير الباحث، بل كثيرا ما تكون نتيجة التأثر بالبيئة العلمية التي يعيش فيها الباحث، وقد تكون أحيانا من تأثير المشرف، الذي هو بدوره كان متأثرا بالبيئة التي تكوّن فيها.

أولا: الإعجاب بالكمّ

كثيرا ما تجد الطالب يسأل الأستاذ، إذا طُلِب منه كتابة بحث، كم عدد الصفحات المطلوب؟ ما الحد الأدنى من عدد الصفحات المطلوب كتابتها؟ وكثيرا ما تجد طالب الدراسات العليا يتباهى بأن رسالته جاءت في كذا من الصفحات، أو في مجلدين، على سبيل التباهي بكِبَر الحجم. وتسمع أحيانا من شخص يقول: لقد حقق فلان كتاب كذا في كذا مجلّد على سبيل الإعجاب بكثرة عدد المجلدات التي أخرج فيها تلك المخطوطة. وإذا نظرت في تلك الأبحاث الضخمة وجدت الحشو يغلب فيها على الكلام المفيد وما هو من صميم الموضوع.
ومما يدفع الباحث إلى الحشو اعتقاده أن كِبَر حجم بحثه يدل على قوته وثرائه وعلى عِظَم جُهدِ الباحث فيه، وأن صِغَر الحجم يدل على عكس ذلك. ومن العوامل المساعدة على ذلك ما تشترطه بعض الجامعات من تحديد حدٍّ أدنى لحجم الرسالة الجامعية، فيلجأ الطالب، إذا لم تكن المادة العلمية الجادة وافية بذلك النصاب، إلى الحشو حتى يستوفي النصاب المطلوب.
ويزيد البعض شرطا آخر هو التوازن بين مباحث الرسالة من حيث الحجم. وقد يحصل أن يكون هناك تفاوت كبير في فصول البحث، بحكم أن بعض العناصر تحتاج كلاما قليلا، في حين أن البعض الآخر يحتاج نفسا طويلا في البحث والمناقشة، وعندها يكون الطالب بالخيار بين أن يبخس الموضوع الطويل حقه في البحث حتى لا يزيد حجمه كثيرا عن حجم المبحث الصغير، أو أن يمطط الموضوع القصير ويحشوه بحشوات تنفخه إلى درجة التورّم المرضي. وغالبا ما يختار الطالب خيار الحشو؛ لأنه يوافق هوى الإعجاب بالحجم الكبير.
كما تجد هذا لدى بعض الدوريات الصادرة باللغة العربية، حيث تشترط حدا أدنى من الصفحات في البحوث التي تنشرها يقدر بخمس عشرة صفحة أو يزيد أو ينقص. فإذا أضفنا هذا الشرط إلى ما هو منتشر من ثقافة الحشو وقلة الجدِّية في كتابة البحوث، تكون النتيجة أنك تجد بحثا قُدِّم لإحدى الدوريات عن "الوسائل والمقاصد" يتكون من حوالي ثلاثين صفحة، منها ما يقارب خمس عشرة صفحة حشو لا علاقة له بالموضوع. والأسوأ من ذلك أني تلقيت بحثا للتحكيم من إحدى الدوريات، وكان البحث يتكون من حوالي ثلاثين صفحة، لم أجد فيه أكثر من خمس صفحات تستحقّ الإثبات، أما ما عداها فهو حشو لا داعي له.
ولا شك أن نية الجهات التي تشترط نصابا معينا من الصفحات نيّة حسنة، فهم يقصدون من وراء ذلك دفع الباحث إلى تناول الموضوع بشمولية وعمق، ولكن بعض الباحثين يأخذ بالشكل ولا يلتفت إلى الجوهر، فيكون تركيزه على عدّ الصفحات أثناء الكتابة لا على عمق البحث وشموليته.
والأصل أن يتم تقييم البحث بناء على المضمون لا على الحجم. ففي الرسائل الجامعية يُنظر في الموضوع الذي يتقدم به الطالب: هل يصلح أن يكون بحثا للماجستير أو للدكتواره من حيث الجهد الفكري المطلوب من الطالب في كل مرحلة من تلك المرحلتين أم لا؟ فإذا كان الموضوع المعروض لا يناسب حجم الجهد الفكري المطلوب من الطالب في هذه المرحلة، يرفض الموضوع. أما إذا كان الموضوع يناسب الجهد الفكري المطلوب في تلك المرحلة، فيُقبل الموضوع بغضّ النظر عن عدد الصفحات التي سيكون فيها البحث. ثم بعد ذلك يكون المطلوب من الباحث أن يعطي كل عنصر حقه من البحث دون بخس ودون حشو (وهذه مهمة المشرف في التحقّق من ذلك)، ولا يهم أن تكون الفصول متوازنة في الحجم أو غير متوازنة، كما لا يهم أن يكون حجم البحث كبيرا أو صغيرا؛ لأن الغرض من البحث هو مضمونه لا حجمه.
وكذلك الحال في الدوريات، فالمفترض النظر إلى مضمون المقال المقدم، فإذا كانت الفكرة تستحق البحث والنشر، وكان الباحث قد تناولها بعمق وأعطاها حقها من البحث بمنهج سليم، فالمقال يستحق النشر حتى ولو كان في بضع صفحات. فرب باحث قدير يكتب في صفحات معدودة كتابة مركّزة ما يسوِّد به غيره عشرات الصفحات؛ وهذه هي البلاغة، وخير الكلام ما قلّ ودلّ. ولماذا تضييع الورق وإرهاق القارئ بقراءة صفحات كثيرة من أجل تحصيل فكرة يمكن تقديمها بشكل وافٍ في صفحة أو بضع صفحات.
ومن مظاهر الحشو ما نجده عند بعض محققي المخطوطات، حيث يكتب المحقق حاشية على متن المخطوطة تفوق أحيانا حجم متن المخطوطة بمرات، يعرض فيها آراء الأصوليين في كل مسألة تقريبا من مسائل المخطوط. وهذا أمر لا داعي له في تحقيق المخطوط، لأن الغرض من التحقيق إخراج متن المخطوط للقارئ بشكل سليم. أما تعليقات المحقق فينبغي أن تقتصر على التعريف بعَلَم غير معروف يلتبس اسمه بغيره، وشرح لفظ غريب، والمقارنة بين نسخ المخطوط حيث توجد اختلافات. أما وضع حاشية بآراء الأصوليين في المسألة فليس من مهمته، وهو عمل لا يعدو أن يكون إهدارا لوقته، وزيادة في تكاليف طبع الرسالة/ الكتاب. والمعلوم أنه ينبني على الزيادة في الحجم الزيادة في تكاليف شراء الكتاب، هذا فضلا عن إهدار آلاف الصفحات في شيء لا داعي له، وما ينتج عن ذلك من قطع مئات الأشجار دون حاجة.
وههنا مثال لهذا، فقد حصلت مرة على نسخة إلكترونية من كتاب قواطع الأدلة لابن السمعاني، وأردت طباعة تلك النسخة لعدم وجود نسخة ورقية وحاجتي لقراءة آراء هذا الأصولي الجليل، ولكني اكتشفت أن النسخة المحققة جاءت في ما يزيد على ألفين وست مائة صفحة (2600) منها (100) صفحة للدراسة عن المؤلف والكتاب، و(127) صفحة للفهارس، وما يزيد على نصف كل صفحة حاشية من المحقق في ذكر آراء الأصوليين في المسألة. وكان بالإمكان إخراج الكتاب في بضع مئات من الصفحات، لا تصل بالتأكيد إلى خمس الحجم الذي أُخرج فيه. وعندها أحجمت عن الطباعة لأنها تكلفني من الورق قرابة ما استعمله لسنة في الاستعمال الاعتيادي. وتصور كم كلّف المطبعة التي طبعته؟ وكم من الموارد تسبب في إهداره؟ وكم كلّف القارئ الذي كان بإمكانه الحصول على نسخة من الكتاب على أكمل وجه بأقل من خمس تكلفته الحالية؟

ثانيا: التعريف بالمصطلحات

التعريف بالمصطلحات الواردة في البحث من المقدمات اللازمة في البحث، إذا كان في عنوان البحث مصطلحات تحتاج إلى تحديد معانيها. والمراد بهذا بيان مفهوم المصطلحات الواردة في عنوان البحث وحدودها؛ أي بيان مفهوم المصطلحات الغامضة التي لم تصل مرتبة الشيوع بين المشتغلين بالعلم، أو بيان حدود المصطلحات التي لها معاني متعددة ولها امتدادات متداخلة في فنون متعددة، فيبيِّن الباحث المعنى الذي يقصده في بحثه هذا، والحدود التي سيتناول فيها هذا المصطلح. أما إذا كانت المصطلحات واضحة ومحددة، فإنه لا يبقى لهذا العنصر لزوم، وينبغي تجاوزه. وقد رأيت في رسالة للدكتوراه عن حقوق الإنسان في الإسلام كيف أن صاحبها سوّد حوالي ثمان صفحات تحت عنوان: تعريف الإنسان! وضيّع وقته ووقت الممتحن ثم وقت القارئ.
ومن القضايا التي لها علاقة بهذا الجانب، ما نجده في عامة الرسائل في العلوم الشرعية من تضخم الفصل/الباب التمهيدي بسبب حشوه بمادة مكرورة وليست ذات صلة وثيقة بصلب البحث. ففضلا عن تسويد صفحات كثيرة في تعريف المصطلحات الواضحة، نجد تضخما في التعريفات اللغوية، حيث تجد الباحث يسرد في صفحات ما هو مكرر وما لا علاقة له بالمعنى الاصطلاحي. والأصل أن التعريف اللغوي إنما تدعو إليه الحاجة لربطه بالتعريف الاصطلاحي إذا كان بينهما اختلاف، ويكفي فيه نقل المعاني اللغوية من أمهات كتب اللغة، أو من أحدها إذا كان الوارد في تلك الكتب متشابها. وكذلك التعريفات الاصطلاحية يكون النقل فيها من مصادر متعددة مقبولا إذا كان هناك اختلافات في التعريفات لها أثر في مفهوم المصطلح المعرَّف، أما إذا كان التعريف متفقا عليه فيكفي نقل تعريف واحد. أما الإكثار من النقل من تلك الكتب فهو عين الحشو.
ومن مظاهر تضخم الفصل التمهيدي تناول موضوعات ذات صلة ضعيفة بصلب البحث، وذكرها لا يزيد في صلب البحث كما أن حذفها لا يُنقص منه. ومن أمثلة ذلك ذلك ما وقع لي في بحث الماجستير، حيث أني لما رجعت إلى ذلك أثناء كتابة هذه الورقة اكتشفت أني قد سوّدت حوالي (35) صفحة في تعريفات العلة والمناقشات الواردة عليها، والتفريق بين العلة والسبب والشرط والعلامة. وقد كان الموضوع عن قوادح العلة بعنوان: "طرق إبطال العلة"، وكان يكفيني بضع صفحات في التعريف بالعلة مع التركيز على جانب الخلاف بين العلماء في العلة المستنبطة وفي شروطها، وما يترتب على ذلك من قدح في عِلل بعضهم بعضا، ولكني كنت ضحية بيئة الحشو.

ثالثا: دراسة البيئة
لقد صار من الشائع في الدراسات الشرعية المتعلقة بمنهج عالم من العلماء أو بتحقيق مخطوطة أن يفتتح الباحث عمله بدراسةٍ نظرية عن صاحب الكتاب أو المنهج، تجد فيها تعريفا مستفيضا به، وهو في الغالب تكرار لما هو موجود وشائع في كتب التراجم. ولو أن الباحث ركّز على الجوانب المجهولة من حياة ذلك العالم وأعماله العلمية لكان الأمر مفيدا، ولكن تكرار المعلومات العامة الشائعة عن ذلك العالم بإسهاب لا يعدو أن يكون حشوا لا داعي له. ومما يزيد الأمر سوءا أن يكتب المحقق فصولا مطولة يسرد فيها الأحداث التاريخية التي عاصرته، وغالبا ما يكون ذلك السرد دون ربط لها بحياة المؤلف وأعماله العلمية، ودون بيان أثرها في فكره وأعماله، ويزيد بعضهم فصلا في تلك المقدمات عن عقيدة المؤلف ينقِّب فيها عن موقفه من آيات الصفات (وهي القضية التي صيَّرها البعض عنوان عقيدة الإنسان)، وقد يخوض فيها فيما ليس من شأنه وما ليس له علاقة بموضوع البحث.
إن الحديث عن الحالة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والفكرية يكون من لوازم البحث إذا كان لتلك الجوانب أو لأحدها أثر في فكر الشخص الذي تتم دراسته، أما إذا لم يكن لها أو لأحدها أثر حقيقي في فكر ذلك الشخص فإن إقحامها لا يعدو أن يكون حشوا. وإذا رأى الباحث ضرورة الحديث عن تلك الجوانب فلابد أن يكون التركيز على بيان أثر تلك البيئة في فكر الشخص، ولا يكتفى بمجرد السرد، وأن يبيِّن الباحث ذلك التأثير في ثنايا البحث عند الحديث عن العنصر الذي يعتقد أنه تأثر فيه ببيئته، فذلك يكون أبلغ وأنفع. أما عقد دراسة مطولة في بداية البحث للحديث عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية فإنه، حتى وإن كانت له علاقة بأفكار الشخص، فإنه إما أن يكون مبتورا أو أن يكون مكرورا، حيث يضطر الباحث إلى أن يعيد الحديث عنه عندما يصل إلى ذلك العنصر في ثنايا البحث.
وههنا مثال، وهو رسالة دكتوراه بعنوان: علم أصول الفقه في القرن الخامس الهجري: دراسة تاريخية وتحليلية. خصص فيها الباحث الباب الأول لـ"الحالة السياسية والعلمية للعالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري"، وبلغ حجم هذا الباب (110) صفحات (من ص35 إلى ص145) طوّف فيه في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، وجمع أشياء هي في مجملها معلومات عامة موجودة في مظانها من الكتب، وإهمالها لا ينقص من قيمة الموضوع، وذكرها لا يزيد في موضوع الكتاب، بل يزيد في حجمه فقط.

رابعا: الفهارس

ومما شاع في بعض الأماكن جعل الفهارس من لوازم البحث: فهناك فهرس للآيات، وفهرس للأحاديث، وفهرس للأعلام، وفهرس للأماكن، وفهرس للأبيات الشعرية، وفهرس للمصطلحات، وفهرس للقبائل، وفهرس للأمثال، وفهرس للآثار، وفهرس للمراجع، وفهرس للموضوعات. ولا شك أن فهرس المراجع والموضوعات لازمان لا يستغني البحث عنهما. وإذا كانت في البحث مسائل فإن وضع فهرس لتلك المسائل يسهّل على من يريد الرجوع إلى مسألة بعينها. كما أن فهرس الأحاديث لبحث متخصص في الحديث، وفهرس للآيات في بحث يتحديث عن تفسير آيات من القرآن الكريم، وفهرس للأبيات الشعرية في بحث عن شعر شخص من الأشخاص، قد يكون لها ما يبررها. أما ما عدا هذا مثل فهرس الأماكن، والأعلام، والآيات، والأحاديث، والأبيات الشعرية في بحث ليس متخصصا في هذه المجالات فإنه لا طائل من ورائه.

خامسا: التعريف بالأعلام
مما يرد في مناهج البحث أن من لوازم البحث التعريف بالأعلام عند تحقيق المخطوطات أو كتابة البحوث العلمية، والمراد بهذا في الأصل التعريف بالأسماء الواردة في البحث بكنية أو نسبة يشترك فيها عادة أكثر من عالم، مع عدم ذكر اسم ذلك العالم، فيحتاج الأمر إلى تعريف بذلك العالم دفعا للالتباس وبيانا للشخص المقصود في هذا الموضع. أو قد يرد اسم علم من الأعلام غير مشهور في هذا الفن، فيُحتاج إلى التعريف به لبيان من هو وما نسبته إلى هذا الفن ومشاركته فيه. أما أن يصير الباحث إلى التعريف بجميع الأعلام الواردة، حتى التي يعرفها المبتدئ في هذا الفن (مثل إمام الحرمين الجويني، والغزالي، والسرخسي، والبزدوي، وغيرهم)، كما شاع في بعض الأماكن، فإنه من باب تحصيل الحاصل، وإهدار الطاقات، وتضييع الورق والحبر.
مبحث مهم جدا سيدي الفاضل،بارك الله بكم على هذا الطرح الرائق و المفيد
استفدت منه كثيرا، و إن كنت أرى ما ذهبتم إليه إلا أنه زاد تعلقي به بعد أن رأيت تقريراتكم المنيفة.
وفقكم الله تعالى.
 

غادة آل شريف

:: متابع ::
إنضم
27 أبريل 2014
المشاركات
19
التخصص
أصول فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ظاهرة الحشو في الدراسات الشرعية

جزاكم الله خيراً
 
أعلى