العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

من يجمع بين هاتين القاعدتين المتعارضتين في الصورة بالنطق الصريح؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
من يجمع بين هاتين القاعدتين المتعارضتين في الصورة، وهما:

القاعدة الأولى:
يغتغر في الابتداء ما لا يغتفر في البقاء.

القاعدة الثانية:
يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
شيخنا الكريم فؤاد وفقني الله وإياك
لا تعارض بين القاعدتين في حقيقة الأمر ، وإنما هو تعارض في الظاهر والصورة كما ذكرتَ بارك الله فيك ، ويزول هذا التعارض حينما نعلم متعلق القاعدة ، فمتعلقات القواعد - الزمان والمكان والحال والعدد والشخص ونحو ذلك - تغير أحكام القاعدة ، ونظير هذا قولهم : ( إذا اتسع الأمر ضاق ) وقولهم : ( إذا ضاق الأمر اتسع ) كل من القاعدتين محمولة على حال وعندها يكون المدرك للقاعدة مختلفاً .
وقد أشار إلى هاتين القاعدتين - أعني قاعدة : ( يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في البقاء) وقاعدة : ( يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء ) أو ( يغتفر في الدوام ما لايغتفر في الابتداء ) - وتعاكسهما في الظاهر السيوطي في الأشباه والنظائر وابن نجيم في الأشباه والنظائر وغيرهما ، وقد ذكر القاعدتين أيضا الزركشي في المنثور ومثل لهما .

والفقهاء حينما ذكروا هاتين القاعدتين اختلفوا في صياغتهما وذكرهما في مؤلفاتهم ومنهجهم في الجمع بينهما :
1 - فمنهم من جعلهما مستقلتين بناء على المتعلق كما سبق .
2 - ومنهم من جعل القاعدة الأولى ( يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في البقاء) مستثناة من القاعدة الثانية وهي قاعدة ( يغتفر في الدوام ما لايغتفر في الابتداء ) لأن الثانية أشهر من الأولى وأكثر فروعاً ، والاستثناء كما هو معلوم يكون باستثناء فروع من قاعدة وأحيانا قاعدة من قاعدة كما نقول قاعدة ( من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ) مستثناة من قاعدة ( الأمور بمقاصدها )
3 - ومنهم من جعلهما قاعدة واحدة بصيغة الاستفهام كما صنع الونشريسي في إيضاح المسالك حيث يقول : ( الدوام على الشيء كابتدائه أولا ؟ ) وصياغة القاعدة بصيغة الاستفهام تفيد وقوع الخلاف في القاعدة بين الفقهاء .
4 - يرى ابن السبكي في الأشباه والنظائر أن قولهم ( يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ) مستثنى من الأصل ، وهو أن حكم الدوام كحكم الابتداء ، وأن الاستثناء لا يعني إفراد هذه المستثنيات في قاعدة ويمكن أن تدخل هذه المستثنيات ضمن قاعدة ( الدفع أسهل من الرفع )

أمثلة توضح القاعدتين :
أولاً: قاعدة ( يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام أو البقاء ) معنى القاعدة : أنه يتسامح في ابتداء بعض التصرفات لكن يمنع من الاستمرار عليها بعد ذلك.
ومن أمثلة ذلك :
أنه يجوز للمسلم أن يشتري أحد أبويه إذا كان أحدهما مملوكاً لكن لا يصح له استمرار الملك لهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ملك ذا محرم فهو حر " فأثبت له الملك ابتداء دون الاستمرار .
ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن نجيم من أنه تصح تولية الفاسق القضاء ابتداء لكن لو ولي القضاء وهو عدل ثم طرأ عليه الفسق فإنه ينعزل ، فصح هنا الفعل في حال الابتداء ، ولم يصح وجوده حال الدوام والاستمرار والبقاء .

ثانياً : قاعدة ( يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ) وبمعناها قاعدة ( الدفع أسهل من الرفع )
ومن أمثلة هذه القاعدة :
1 - إقرار أنكحة الكفار بعد إسلامهم .
2 - الرجعة في حق المحرم دون النكاح على قول الجمهور في المنع من نكاح المحرم .
3 - من تزوج أمة لعدم طول الحرة ثم أيسر لم يفسد نكاحه للأمة .
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أخي طالب هدى:
جزاك الله خيرا على ما أفدتنا ، وشكر الله لك إثراءك لهذا الموضوع بحسن العرض وبراعة الترتيب، مع وضوح التصور ولمِّ متفرقات المسائل وإدارتها حول أصولها وقواعدها، فالدعاء لك بأن يزيك الله علما وعملا وفقها وبيانا....
وقد دفعني حسن ما قررتَه إلى أن أرجع من جئتُ بهاتين القاعدتين ، وهو بحث :
الشيخ سامي السويلم "فقه التدرج"، فقد ذكر هاتين القاعدتين ضمن القواعد والأصول الفقهية للتدرج
لأنقل هنا بحول الله وقوته كلامه بنصه، ثم محاولته الجمع بين هاتين القاعدتين وبيان متعلَّقهما:

" 5- يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في القاء:
وردت هذه القاعدة في عدد من المصادر [المنثور، الأشباه والنظائر للسيوطي]
ومضمونها:
أن الشرع يتسامح ويتجاوز حال ابتداء العمل عما لا يتجاوز عنه حال الاستمرار فيه والبقاء عليه.
ومن شواهد القاعدة:
أن بعض الأعمال المستحبة يجوز تركها ابتداء لكن بعد الشروع فيها يجب إتمامها، وذلك كالحج والجهاد والعلم [الفتاوى 28/186] ...
ففي هذه الأعمال حكم الابتداء يخالف حكم البقاء، فالأول مستحب والثاني واجب.
ومن حكمة ذلك والله أعلم:
حماية المسلم من التردي والانهزام....فأوجب الشرع إتمام هذه الأعمال ترقيا للمسلم في مدارج الكمال.
ومن شواهد هذه القاعدة:
ما سبق أن من شرع في التوبة فله حكم التائب، فمن ابتدأ التوبة اغتفر ما يتلبس من المحرم، كالتصرف في الأرض المغصوبة أو المال المحرم تشجيعا له وترغيبا في التوبة، لكن لا يغتفر الاستمرار والدوام على التصرف في المحرم لأن هذا ينافي المقصد من التجاوز في الابتداء أصلا.
وأوضح من هذا:
أن كثيرا من الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسلمون رغبة في المال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم بذلك، ثم إذا أسلموا حسن إسلامهم ودخل الإيمان في قلوبهم، فإسلامهم أول الأمر لم يكن لله، واغتفر ذلك ترغيبا لهم وتشجيعا للدخول في الإسلام رجاء إذا عرفوه عن كثب وأدركوا حقيقته صار إسلامهم عن إيمان وقناعة، فاغتفر حال الدخول في الإسلام ما لا يغتفر في البقاء عليه والاستمرار فيه، وإذا جاز ذلك في الدخول في الإسلام، الذي هو أصل الدين، فسائر الأحكام الشرعية من باب أولى.
فالقاعدة تدل بوضوح:
على أصالة التدرج في الفقه الإسلامي، وتمييز الشريعة بين حالات الابتداء التي يعتورها الضعف والنقص والقصور، وحالات الدوام والاستمرار التي يجب أن ينتفي منها ذلك.
ويقابل هذه القاعدة قاعدة أخرى هي:
يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء
وقد تبدو لأول وهلة معارضة للقاعدة السابقة، لكنها في حقيقة الأمر مكملة لها بل هما متلازمتان، كما سيأتي.
ومن شواهد هذه القاعدة:
إقرار الشرع للعقود التي أجراها من أسلم من الكفار قبل إسلامهم، من البيوع والأنكحة وغيرها مع كونها لم تقع وفق الضوابط الشرعية ولم يطالبهم بتجديدها، فاغتفر في بقاء هذه العقود واستدامتها ما لا يغتفر في إنشائها بعد إسلامهم.
ومن هذا الباب:
إقرار الشرع لما قبضه المربي من الربا مع تحريم وإبطال ما لم يقبضه مما هو في ذمة المدينين، وذلك بقوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}......
ومن ذلك:
إقرار الكنائس والمعابد التي كانت قائمة حين فتحت البلاد الإسلامية مع حرمة إقامة كنائس ومعابد جديدة فاغتفر بقاء هذه المعابد تأليفا لقلوب أهلها وترغيبا لهم في الإسلام دون إنشاء معابد جديدة حفاظا على العقيدة الإسلامية.
ومن ذلك:
ألا يولى على المسلمين فاسق، لكن لو طرأ الفسق بعد الولاية لم يعزل لما يخشى من المفسدة.
ومن حكمة هذه القاعدة:
أن تغيير الأمر الواقع كثيرا ما يكون أصعب من ابتدائه وإيجاده من الأساس، كما في القاعدة الفقهية : المنع أسهل من الرفع، فمنع وقوع الخلل والانحراف ابتداء أسهل من رفعه وإزالته بعد وقوعه.
ولذلك يغتفر في البقاء والاستدامة ما لا يغتفر في الإنشاء والإيجاد، فإذا كان التغيير والإزالة يترتب عليه مفسدة أكبر من مفسدة بقائه، حكم ببقائه ترجيحا لكبرى المصلحلتين، ودفعا لأعظم المفسدتين.

الجمع بين القاعدتين:
ولا تعارض بين هذه القاعدة والتي قبلها:
فقاعدة:"يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في البقاء":
تتعلق بالأمور الواجبات التي قد يعتورها النقص في بداياتها، لكن ذلك خير من تأخيرها بالكلية، وهذا هو منطق التدرج ، فاغتفر النقص في البداية على أن يتم تداركه فيما بعد.
أما قاعدة:"يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء":
فتتعلق بالمحذورات والمفاسد القائمة، فهذه المفاسد إن كانت إزالتها تترتب عليها مفاسد أكبر ترجح بقاؤها.
فالقاعدة الأولى: تتعلق بجلب المصالح وإيجادها،
أما القاعدة الثانية: فتتعلق بدرء المفاسد وإزالتها وفي الحالتين تقدم المصلحة الكبرى على الصغرى، وتغتفر المفسدة الصغرى دفعا للكبرى.
فهما ترجعان:
إلى قاعدة تزاحم المصالح التي سبقت الإشارة إليها.
لكن هاتين القاعدتين تنفردان:
بالتأكيد على البعد الزمني للإصلاح والتغيير، وذلك بالتمييز بين مرحلة الابتداء والإنشاء، وبين مرحلة الاستمرار والبقاء، فيغتفر في إحداهما ما لا يغتفر في الأخرى، بحسب ما تقتضيه مقاصد الشريعة وغاياتها. وهذا من أوضح الشواهد على حكمة هذه الشريعة وكمالها."
========================================
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: من يجمع بين هاتين القاعدتين المتعارضتين في الصورة بالنطق الصريح؟

يرفع للفائدة
 
أعلى