رد: كتاب العمد لإمام الحرمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وفيكم بارك الله أخي الكريم.
سأجيب على عجالة إن شاء الله لكثرة المشاغل.
انا تكلمت من جهة اللغة وانت اخي رددته الى العرف ولا اعرف كيف ذهبت الى هذا القول ،بل هو تخصيص بالعقل إذ يشترك فيه كافة اهل المعمورة ، بل قد ادعي ان الحيوان لو سمع طرق الباب لعرف أن أحدا يريد الدخول ودونك القط او الكلب الاليف ...ولا أرى العلاقة بين العرف و حرف من هنا ولعلك توضح كلامك اخي الكريم
أولا : لم ألتفت لكلامك حول حرف "من" لسببين : أولهما أن "من" تأتي لغير العاقل كقوله تعالى {
أفمن يخلق كمن لا يخلق } و قوله تعالى {
والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع}.
وكقول امرؤ القيس : ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن مَنْ كان في العصر الخالي.
وقول العباس بن الأحنف : أَسِربَ القَطا هَل مَن يُعِيرُ جَناحَهُ *** لَعَلِّي إِلَى مَن قَد هَوِيتُ أَطِيرُ.
و السبب الثاني أن وجود "من" من عدمها في المثال السابق لا يغير شيئا في أصله فلك أن تجعله على هذه الصياغة " مثال ذلك أن يقول رجل لعبده أطعم كل طارق لهذا الباب فإذا بقرد يطرق الباب" ولست ممن يحبذ الخروج من الموضوع الأصلي إلى فروع لا تأتي بفائدة لأصل الموضوع.
ثانيا : ليس هذا من قبيل التخصيص بالعقل إذ من القرود من يطرق الباب و هذا مشاهد فلا علاقة للعقل بالتخصيص هنا إنما هو العرف و هو عرف تشترك فيه كافة المعمورة لذلك وضعته في النوع الأول من العرف أي "ما كان نادر الوقوع مطلقا" لكنه ليس بمستحيل الوقوع عقلا و هذا هو الفرق بين هذا النوع و بين التخصيص بالعقل.
أخي الكريم ،الدليل انما يطلبُ من المثبت حكما في الشرع ،وانت اخي من اثبت ان الرضيعة تدخل في عموم الحديث بعرف العرب ،أما أنا فسائل و ناف فرحع القول الى انك انت المطالب باثبات دعوى عرفية زواج الرضيعة؟
أولا : لفظ الحديث "
لا تنكح البكر" و ليس تنكح كل بكر ، فهذا عموم نفي فقولك
أن الرضيعة لا تدخل فيه يعني أنها تنكح لا العكس.
ثانيا : العموم الذي أشرت إليه موجود في قوله تعالى : "
وأحل لكم ما وراء ذلكم" أي جواز تزويج الرضيعة و غيرها وأنت تريد إخراج الرضيعة منه بعادة العرب إذن عليك أنت أخي الكريم أن تثبت أنه نادر عندهم تزويج الرضيعة لا أنا إذ أنا عندي عموم اللفظ وهذا الأصل أما التخصيص فغير موجود فأنت من عليه إثبات وجود المخصص لا أنا الذي عليه إثبات استغراق العموم لما وضع له اللفظ إذن أنا من نفيت وجود المخصص و أنت من تدعي وجوده.
سن زواج أمنا الكريمة عائشة رضي الله عنها ليس بالثابت المتيقن وان روي في الصحيحين فلا اسلم الاستدلال به ، ولو ثبت فقد وجهه غير واحد بأن الزواج كان في السنة السابعة من عمرها رضي الله عنها وهذا كاف للخروج من حد الصغر لاشتهار بلوغ بعض الفتيات في هذا السن؟
إن أردت أن تجمع بين شواذ الفقه وشواذ الأصول و شواذ علم الحديث فأخبرني حتى ننهي النقاش بارك الله فيك.
دعوى حمل القران والسنة على العرف اللغوي لا خلاف فيه ولكن الخلاف في الافراد المستثناة من ذلك وقد اقررت بان تخصيص العموم باللغة مقيد بعدم ادخال الشواذ و النوادر كما هو اصل النقل اعلاه عن ابن العربي والجويني رحمهم الله فانت الان تناقض نفسك و تناقض كلام الشيخين؟
أولا : هذا نص كلامي "أما كلام الشارع فيحمل على عرف العرب - ما لم يخصصه عرف شرع - ذلك أنه نزل بلغتهم
وإن كان نادر الوقوع بصنفيه بل قد لا تتصوره العرب كقوله عليه الصلاة و السلام كل مسكر خمر ، فما كانت العرب تعرف جميع ما يسكر لكن العرب وضعت السكر لوصف يتحقق فيما عرفته و ما لم تعرفه بل لو تصورنا شرابا مسكرا لا يصنع إلا من نوع نادر من الشجر لدخل في العموم السابق و إن لم يشر له النص بعينه
فإذا عرف ما سبق تبين الصورة النادرة داخلة في عموم نص الشارع إذا شملها العرف اللغوي لكلام العرب." فأين التناقض ؟
ثانيا : التأصيل في علم الأصول لا يجتمع مع التقليد وقد تقدم نقل الخلاف الأصولي في المسألة مع ترجيحي الأصولي فيها.
فالعموم هنا مشروط بموضع استعماله و ووجوب ذلك في اي مسالة و لا اجد ما يوجب القول بالعموم في المسالة و لعلك اخي تظهر ما خفي علي من وجود استعمال العموم في مسالة الرضيعة
ثم قال انما يتناول الغالب دون الشاذ النادر و زواج الرضيعة وان قال به الفقهاء فهو نادر في وقتنا وليس عليه العرف و هو شاذ استنكرته العقول
ولو سلمنا صحة زواج الرضيعة بهذا الاستدلال حينها نقع في مخالفة الاحاديث الاخرى التي تشترط الكفاءة و القبول و غيرهما و المعروف عند اهل الاصول ان الجمع بين الاحاديث مقدم على اعمال احدهما دون الاخر ، بل ولو قلت ان اعمال الاحاديث التي جاءت باعتبار الكفاءة و القبول وادعيتُ انها مقيدة للاطلاق الوارد في الحديث الذي قلت انت اخي الكريم بأنه يتناول حميع افراد العموم ،لما كان قولي بعيدا ولا مستنكرا
أولا : قولك "فالعموم هنا مشروط بموضع استعماله" ، هذا يسمى المخصص المتصل و بالضبط التخصيص بالسياق لكن مسألتنا خارجة عن هذه وقد تقدم الجواب على هذه النقطة في قولي :
صيغة الحديث جاءت بتخصيص عموم قوله عليه الصلاة و السلام "
لا تنكح البكر" بالغاية و هي السكوت ولا يشترط في الغاية أن تكون ممكنة التحقق في جميع أفراد العموم فلا يستشكل من هذا دخول الصغيرة في العموم السابق مثال ذلك قوله عليه الصلاة و السلام "
لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" ففاقد الماء و المريض داخلان في عموم الحديث رغم أن الغاية غير متحققة فيهما إلا أنه جاء مخصص ثان أخرجهما من هذا الحديث فشرع لهما التيمم.اهــ
ثانيا : صحة زواج الرضيعة إنما ذكرته في المثال الثاني لا في العموم أي هو مستفاد عندي من زواج النبي عليه الصلاة و السلام بأمنا عائشة رضي الله عنها لا من عموم قوله عليه الصلاة و السلام "لا تنكح البكر" فالذي قلته أن حديث زواج البكر يفيد بعمومه عدم جواز تزويج الرضيعة وهذا نص كلامي "قوله عليه الصلاة و السلام "
ولا تنكح البكر حتى تستأذن" يدل على العموم بنفي النكرة ذلك أن النكرة بعد النفي تفيد العموم ، هذا العموم خصص بمخصص متصل و هو الاستئذان."
هذا العموم خصص بفعله عليه الصلاة و السلام فخرجت الرضيعة من عموم المنع إلى الجواز بالتخصيص و هذا نص كلامي "بالنسبة للبنت البكر غير البالغة فقد أجمع العلماء على أن للأب تجويزها و إن كرهت ، (
ينظر هذا الموضوع)، و دليلهم في ذلك حديث زواج عائشة رضي الله عنها و هي بنت ست أو سبع سنين"
فالظاهر من كلامك أنك فهمت العكس و الله أعلم.
ثالثا: ما دخل عرف زمننا في تخصيص العموم في نصوص الشرع، العموم في نصوص الشارع الذي دلت عليه لغة العرب إنما يخصص بعرف العرب حين مجيئ الوحي لأنه نزل بلغتهم لا بأعراف الأزمنة الأخرى و قد تقدم نقل ما في البحر : "وقد استشكل بعض المتأخرين إطلاق الخلاف في هذه المسألة ، وقال : لا يتبين لي في كلام الله تعالى ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، فكيف يقال : لا يخطر بالبال ؟ وأجيب بأن المراد عدم الخطور ببال العرب في مخاطباتها ، فإذا كانت عوائدهم إطلاق العام الذي يشمل وضعا ، صورة لا تخطر عند إطلاقهم غالبا ببالهم ، فورد ذلك العام في كلام الباري تعالى ، قلنا : إنه تعالى لم يرد تلك الصورة ، لأنه أنزل كتابه على أسلوب [ العرب ] في محاوراتها وعاداتها في الخطاب . " اهــ
ثم يجب التفريق بين ألفاظ الشارع و ألفاظ الناس فألفاظ الناس تحمل على عرف زمنهم أما ألفاظ الشارع فتحمل على عرف العرب زمن الوحى و الله الموفق.