د. هشام يسري العربي
:: متخصص ::
- إنضم
- 11 أكتوبر 2008
- المشاركات
- 165
- التخصص
- الفقه المقارن
- المدينة
- نجران
- المذهب الفقهي
- حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه.أما بعد؛ فمما يؤسى له أن نرى هذه الحملة الشعواء التي أثارها بعض الإعلاميين وغيرهم على فضيلة المفتي الأستاذ الدكتور/ علي جمعة، بسبب زيارته للقدس وصلاته في المسجد الأقصى وزيارته لكنيسة القيامة، واصفين فضيلته بخيانة القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، بل ومطالبين بعزله بسبب هذه الزيارة، وبلغ التبجح ببعضهم أنه طالب بمحاكمته محاكمة تأديبية لأجل ذلك.
وفي الواقع إن مسألة زيارة المسجد الأقصى تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي تكلم فيها المعاصرون، وأشهر من تكلم فيها الأستاذ الدكتور/ يوسف القرضاوي؛ حيث أفتى فضيلته بحرمتها؛ لأنها تعني القبول الضمني للتطبيع والاعتراف بسلطة الاحتلال.
لكن لا أظن أن أحدًا يمكنه ادعاء أن هذه المسألة من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، أو تلك المجمع عليها بحيث لا تجوز مخالفتها، بل هي مسألة اجتهادية تقديرية، يختلف تقديرها من مجتهد لآخر.
وليس من الضروري أبدًا أن مجرد دخول مدينة القدس، لاسيما إذا كان بشكل شخصي، وفي مهمة علمية كالتي ذهب لأجلها فضيلة المفتي لافتتاح كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية بالقدس، باعتباره عضوًا بمجلس أمناء مؤسسة آل البيت الأردنية المشرفة على المقدسات الإسلامية بالقدس، وكان ذلك بصحبة الأمير الأردني غازي بن محمد، ودون الحصول على تأشيرة من السلطات الإسرائيلية- أقول: ليس من الضروري أبدا أن دخولا كهذا يعتبر تطبيعا مع الصهاينة وخيانة للقضية الفلسطينية، وكأن فضيلة المفتي لو لم يذهب إلى القدس لكانت القضية الفلسطينية قد حُلَّت وتم تحرير الأقصى.
وهذا منطق عجيب وغريب، وينذر بعواقب وخيمة لهذه الأمة التي لا تسمح بمخالفة ما تعتقد، ولا تقبل الرأي الآخر، بل ولا تسمح للمجتهدين منها أن ينفردوا بآراء واجتهادات قد يخالفون فيها الأكثرية. وهذه آفتنا الآن.
ومن المقرر في علم أصول الفقه أن المجتهد يجب عليه أن يعمل بما أداه إليه اجتهاده، ما دام مستكمل الأدوات، ولديه القدرة على الاجتهاد.
وليس رأي أي مجتهد مهما بلغ صيته وشهرته بل وعلمه بأولى من رأي المجتهد لنفسه.
وفضيلة المفتي الأستاذ الدكتور/ علي جمعة ليس بحاجة لكي نؤكد على علمه وعلو كعبه في علوم عديدة، وهو رجل متخصص وعالم في الفقه والأصول وصاحب مدرسة في الإفتاء والاجتهاد.
ولذلك لا يجوز ولا يليق أبدا أن نحجر عليه في اجتهاده وما يرتضيه لنفسه، وهو أهل لذلك بلا خلاف ولا أدنى شك. فله رأيه وتقديره للأمور، ولغيره أيضًا آراؤهم وتقديرهم للأمور.
لكن أن نحمل على الرجل ونشنع عليه ويتطاول عليه من لا يعرف قبيلا من دبير بما لا يقبله إنسان أوتي مسكة من أدب؛ فهذا حقًّا هو العار والخزي، وهو الخيانة للواجب علينا تجاه علمائنا ومجتهدينا.
وهذه الحملة التي رأيناها اليوم شبيهة بحملة سبقتها منذ أيام ضد الداعية اليمني الحبيب علي الجفري للسبب نفسه، وهو زيارة الأقصى. ولم تتوقف الحملة عند حد انتقاد الزيارة، بل ذهب بعض ضيقي العطن إلى التشنيع على الحبيب الجفري وعلى عقيدته الفاسدة- على حد قوله- وعلى تصوفه.
وأنا أدعو هؤلاء الذين ينصِّبون أنفسهم أوصياء على غيرهم، والذي يسيئون الأدب مع العلماء لمجرد المخالفة في الرأي في مسألة أن يتقوا الله وأن يفيئوا إلى أدب الخلاف، وألا يطلقوا ألسنتهم في المخالفين ولو لم يكونوا علماء، بل يتركوا مساحة للرأي الآخر، ما دام منضبطًا بضوابط الاجتهاد، وما دام لم يصادم نصًّا صريحًا بشكل صريح قطعي، أو يخالف إجماعًا صحيحًا على ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
والله من وراء القصد.