د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
مقدمة كتاب
قراءة جديدة
في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة
لـ
د. نزيه حماد
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة جديدة
في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة
لـ
د. نزيه حماد
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد رسوله وعبده وعلى آله وصحبه ومن تبعه من بعده.
وبعد: فهذه قراءة جديدة ففي فقه قضايا معاصرة ذات صلة وثيقة بالمعاملات المالية الراهنة، وتترتب عليها آثار ونتائج خطيرة تتعلق بأعمال المصارف الإسلامية القائمة على نهج التجديد في الدين الذي ورد التنبيه إليه والثناء عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"
قوامها إعادة النظر في فهم النصوص الفقهية التراثية، ومحاولة استنباط الأحكام الشرعية في النوازل والحوادث عن أدلتها التفصيلية، أو تخريجها على كليات فقهية أو مسائل فرعية في ضوء الواقع ومستجداته واحتياجات الناس وأعرافهم الجارية وفي إطار مقاصد الشريعة في جلب المصالح ودرء المفاسد، ورفع الحرج عن العباد وإبطال الحيل الفاسدة ونبذ التقليد الأعمى والتعصب المذهبي وفق منهج العلامة الطاهر ابن عاشور:
"ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين : رجل معتكف فيما شاده الأقدمون ، وآخر آخذ بمعولة في هدم ما مضت عليه القرون وفي تلك الحالتين ضر كثير ، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير ، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده وحاشا أن ننقضه أو نبيده ، علما بأن غمص فضلهم كفران للنعمة ، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة."
وتتضح معالم هذه القراءة الجديد في النقاط الآتية:
أ- الاعتماد على ما ثبت في نصوص الكتاب والسنة.
ب- النظر في آراء الفقهاء واختلافهم في المسائل الاجتهادية والتبصر في أدلتهم وحججهم...فقد اشتهر عن أئمة الفقه قولهم: "لا ينبغي للرجل أن يفتي حتى يعرف اختلاف الفقهاء، فيختار منها على علمه الأحوط للدين والأقوى باليقين"(1)
وكما قال زورق في قواعده: "ثم إن أتى المتأخر بما لم يسبق إليه، فهو على رتبته، ولا يلزمه القدح في المتقدم، ولا إساءة الأدب معه، لأن ما ثبت من فضالة المتقدم قاض برجوعه للحق عند بيانه لو سمعه...ومن ثم خالف أئمة متأخري الأمة أولها، ولم يكن قدحا في واحد منهما".
ج- استنباط أحكام المسائل المستجدة التي لم يرد فيها نص شرعي أو اجتهاد مذهبي أو خلاف فقهي من أصولها وأدلتها الكلية والجزئية.
د- ملاحظة وجوب تغير الأحكام بتغير الأزمان في المسائل التي بنيت أحكامها على العوائد والأعراف عند تبدلها وتغيرها
وفي ذلك يقول القرافي في الفروق:
الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت .
وتبطل معها إذا بطلت.... فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده واجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين."
ويقول في الإحكام:
"إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع، وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد، يتغير فيه الحكم عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس هذا تجديدا للاجتهاد من المقلدين، حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد".
وقد نبه رحمه الله إلى أن هذا المعنى "قد غفل عنه كثير من الفقهاء، ووجدوا الأئمة الأول قد أفتوى بفتاوى بناء على عوائد لهم، وسطروها في كتبهم بناء على عوائدهم، ثم المتأخرون وجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها، وقد زالت تلك العوائد، فكانوا مخطئين خارقين للإجماع، فإن الفتيا بالحكم المبني على مدرك بعد زوال مدركه خلاف الإجماع."(2)
هـ - التعويل في تخريج الأحكام واستنباطها على مقاصد الشريعة في جلب المصالح ودرء المفاسد، فكما قال العز بن عبد السلام: "الشريعة كلها مشتملة على جلب المصالح كلها، دقها وجلها، وعلى درء المفاسد بأسرها دقها وجلها، فلا تجد حكما لله إلا وهو جالب لمصلحة عاجلة أو آجلة أو عاجلة وآجلة، دارئ لمفسدة عاجلة أو آجلة أو عاجلة وآجلة".
ثم قال:
"ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها وإن لم يكن فيها نص ولا إجماع ولا قياس خاص فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك".
و- الأخذ بالعفو الشرعي عن كل ما ليس في مقدور المكلف فعله أو تركه من المطلوبات أو المنهيات الشرعية المتعلقة بمعاملات الناس في الواقع المعاصر...
وكذا العفو الشرعي عن كل ما يعسر أو يشق تحاشيه أو الاحتراز عنه من المحظورات التي تمس الحاجة لإصابتها أو يشيع الوقوع والتلبس بها في تعامل الناس الراهن وفق قاعدة "عموم البلوى" المتفق عليها بين جماهير أهل العلم.
وقد عبر عن ذلك القرافي بقوله:
"كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به، وكل منهي عنه شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه".
وجاء في تهذيب الفروق:
"القاعدة في الملة السمحة التخفيف في كل ما عمت به البلوى"
وجاء في القواعد الفقهية: "ما عمت بليته خفت قضيته".
وقال الونشريسي:
"ما جرى به عمل الناس، وتقادم في عرفهم وعاداتهم ينبغي أن يلتمس له مخرج شرعي ما أمكن على خلاف أو وفاق".
وجاء في القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام:
"قال الشافعي: بنيت الأصول على أن الأشياء إذا ضاقت اتسعت.
يريد بالأصول: قواعد الشريعة.
وبالاتساع: الترخيص الخارج عن الأقيسة وطرد القواعد، وعبر بالضيق عن المشقة".
ز- النظر إلى مآلات الأفعال وإبطال سائر الحيل المذمومة، وهي ما يتوسل به من العقود والتصرفات المشروعة إلى مقصود محظور والعمل بالمخارج الشرعية وهي ما يتوسل به من التصرفات الجائزة إلى مقصود حسن مشروع، ويتخلص به من الوقوع في الإثم...
ح- التنبه إلى التفرقة والتمييز بين الغلو في الدين وبين العمل بقاعدة سد الذرائع،كما قال العلامة الطاهر بن عاشور:
"ومما يجب التنبيه له في التفقه والاجتهاد: التفرقة بين الغلو في الدين وسد الذريعة، وهي تفرقة دقيقة فسد الذريعة موقعه وجود المفسدة، والغلو موقعه المبالغة والإغراق في إلحاق مباح بمأمور أو منهي شرعي، أو في إتيان عمل شرعي بأشد مما أراده الشارع، بدعوى خشية التقصير عن مراد الشارع، وهو المسمى في السنة بالتعمق والتنطع، وفيه مراتب، منها ما يدخل في الورع في خاصة النفس، الذي بعضه إحراج لها، أو الورع في حمل الناس على الحرج، ومنها: ما يدخل في معنى الوسوسة المذمومة. ويجب على المستنبطين والمفتين أن يتجنبوا مواقع الغلو والتعمق في حمل الأمة على الشريعة وما يسن لها من ذلك، وهو موقف عظيم".
وقد تناولت قراءتي الجديدة في بحوثي المجموعة في هذا الكتاب الموضوعات الآتية:
1- المفهوم الاصطلاحي للربا بين دلالات النصوص وتقسيمات الفقهاء.
2- المواطأة على إجراء العقود والمواعدات المتعددة في صفقة واحدة.
3- قلب الدينة وبدائله المعاصرة في البنوك الإسلامية.
4- التورق وتطبيقاته المعاصرة.
5- المعاوضة عن الالتزام بصرف العملات في المستقبل.
6- عقود الإذعان.
7- ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط.
8- المقاصة بين الفوائد الدائنة والمداينة واختلافها عن تبادل القروض..
9- صكوك الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة.
10- الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية (معالم وضوابط).
11- تأجير العين المشتراة لمن باعها (صراحة وضمنا).
12- أدوات الاستثمار في إدارة وتمويل المرافق العامة.
وهذه البحوث العلمية قد سبق لبعضها أن قدم لمؤتمرات أو ندوات علمية في بلدان مختلفة أو نشر في دوريات علمية محكمة غير أني بعد ذلك عدت عليها جميعها بالتنقيح والتحرير وأعملت فيها يد الإصلاح والتهذيب والزيادة ووشيت حللها بإضافات وتحقيقات علمية ذات بال.
وفي الختام أقول:
لقد انتهيت في بحوث هذا الكتاب إلى تقرير أفكار ومبادئ جديدة وترجيحات واختيار ات فريدة لم أكتبها إلا بعد روية وفكر وتدبر ونظر ونبد للتقليد والعصبية المذهبية، لعلي أصبت فيها وجه الصواب بعون الله وتوفيقه. ولله در ابن مالك حيث قال:
"إذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين."
فانكوفر كندا 9/9/ 1427هـ.
الدكتور نزيه حماد
-------------------------------------------------
1- قوت القلوب لأبي طالب المكي 1/160
2- الفروق
التعديل الأخير: