العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقدمة ونتائج: قراءة جديدة في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة لـ د. نزيه حماد

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
مقدمة كتاب


قراءة جديدة


في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة


لـ


د. نزيه حماد


المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد رسوله وعبده وعلى آله وصحبه ومن تبعه من بعده.
وبعد: فهذه قراءة جديدة ففي فقه قضايا معاصرة ذات صلة وثيقة بالمعاملات المالية الراهنة، وتترتب عليها آثار ونتائج خطيرة تتعلق بأعمال المصارف الإسلامية القائمة على نهج التجديد في الدين الذي ورد التنبيه إليه والثناء عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"
قوامها إعادة النظر في فهم النصوص الفقهية التراثية، ومحاولة استنباط الأحكام الشرعية في النوازل والحوادث عن أدلتها التفصيلية، أو تخريجها على كليات فقهية أو مسائل فرعية في ضوء الواقع ومستجداته واحتياجات الناس وأعرافهم الجارية وفي إطار مقاصد الشريعة في جلب المصالح ودرء المفاسد، ورفع الحرج عن العباد وإبطال الحيل الفاسدة ونبذ التقليد الأعمى والتعصب المذهبي وفق منهج العلامة الطاهر ابن عاشور:
"ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين : رجل معتكف فيما شاده الأقدمون ، وآخر آخذ بمعولة في هدم ما مضت عليه القرون وفي تلك الحالتين ضر كثير ، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير ، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده وحاشا أن ننقضه أو نبيده ، علما بأن غمص فضلهم كفران للنعمة ، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة."

وتتضح معالم هذه القراءة الجديد في النقاط الآتية:

أ‌- الاعتماد على ما ثبت في نصوص الكتاب والسنة.

ب‌- النظر في آراء الفقهاء واختلافهم في المسائل الاجتهادية والتبصر في أدلتهم وحججهم...فقد اشتهر عن أئمة الفقه قولهم: "لا ينبغي للرجل أن يفتي حتى يعرف اختلاف الفقهاء، فيختار منها على علمه الأحوط للدين والأقوى باليقين"(1)
وكما قال زورق في قواعده: "ثم إن أتى المتأخر بما لم يسبق إليه، فهو على رتبته، ولا يلزمه القدح في المتقدم، ولا إساءة الأدب معه، لأن ما ثبت من فضالة المتقدم قاض برجوعه للحق عند بيانه لو سمعه...ومن ثم خالف أئمة متأخري الأمة أولها، ولم يكن قدحا في واحد منهما".

ج- استنباط أحكام المسائل المستجدة التي لم يرد فيها نص شرعي أو اجتهاد مذهبي أو خلاف فقهي من أصولها وأدلتها الكلية والجزئية.

د- ملاحظة وجوب تغير الأحكام بتغير الأزمان في المسائل التي بنيت أحكامها على العوائد والأعراف عند تبدلها وتغيرها
وفي ذلك يقول القرافي في الفروق:
الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت .
وتبطل معها إذا بطلت.... فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده واجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين."
ويقول في الإحكام:
"إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع، وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد، يتغير فيه الحكم عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس هذا تجديدا للاجتهاد من المقلدين، حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد".
وقد نبه رحمه الله إلى أن هذا المعنى "قد غفل عنه كثير من الفقهاء، ووجدوا الأئمة الأول قد أفتوى بفتاوى بناء على عوائد لهم، وسطروها في كتبهم بناء على عوائدهم، ثم المتأخرون وجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها، وقد زالت تلك العوائد، فكانوا مخطئين خارقين للإجماع، فإن الفتيا بالحكم المبني على مدرك بعد زوال مدركه خلاف الإجماع."(2)

هـ - التعويل في تخريج الأحكام واستنباطها على مقاصد الشريعة في جلب المصالح ودرء المفاسد، فكما قال العز بن عبد السلام: "الشريعة كلها مشتملة على جلب المصالح كلها، دقها وجلها، وعلى درء المفاسد بأسرها دقها وجلها، فلا تجد حكما لله إلا وهو جالب لمصلحة عاجلة أو آجلة أو عاجلة وآجلة، دارئ لمفسدة عاجلة أو آجلة أو عاجلة وآجلة".
ثم قال:
"ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها وإن لم يكن فيها نص ولا إجماع ولا قياس خاص فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك".

و- الأخذ بالعفو الشرعي عن كل ما ليس في مقدور المكلف فعله أو تركه من المطلوبات أو المنهيات الشرعية المتعلقة بمعاملات الناس في الواقع المعاصر...
وكذا العفو الشرعي عن كل ما يعسر أو يشق تحاشيه أو الاحتراز عنه من المحظورات التي تمس الحاجة لإصابتها أو يشيع الوقوع والتلبس بها في تعامل الناس الراهن وفق قاعدة "عموم البلوى" المتفق عليها بين جماهير أهل العلم.
وقد عبر عن ذلك القرافي بقوله:
"كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به، وكل منهي عنه شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه".
وجاء في تهذيب الفروق:
"القاعدة في الملة السمحة التخفيف في كل ما عمت به البلوى"
وجاء في القواعد الفقهية: "ما عمت بليته خفت قضيته".
وقال الونشريسي:
"ما جرى به عمل الناس، وتقادم في عرفهم وعاداتهم ينبغي أن يلتمس له مخرج شرعي ما أمكن على خلاف أو وفاق".
وجاء في القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام:
"قال الشافعي: بنيت الأصول على أن الأشياء إذا ضاقت اتسعت.
يريد بالأصول: قواعد الشريعة.
وبالاتساع: الترخيص الخارج عن الأقيسة وطرد القواعد، وعبر بالضيق عن المشقة".

ز- النظر إلى مآلات الأفعال وإبطال سائر الحيل المذمومة، وهي ما يتوسل به من العقود والتصرفات المشروعة إلى مقصود محظور والعمل بالمخارج الشرعية وهي ما يتوسل به من التصرفات الجائزة إلى مقصود حسن مشروع، ويتخلص به من الوقوع في الإثم...

ح- التنبه إلى التفرقة والتمييز بين الغلو في الدين وبين العمل بقاعدة سد الذرائع،كما قال العلامة الطاهر بن عاشور:
"ومما يجب التنبيه له في التفقه والاجتهاد: التفرقة بين الغلو في الدين وسد الذريعة، وهي تفرقة دقيقة فسد الذريعة موقعه وجود المفسدة، والغلو موقعه المبالغة والإغراق في إلحاق مباح بمأمور أو منهي شرعي، أو في إتيان عمل شرعي بأشد مما أراده الشارع، بدعوى خشية التقصير عن مراد الشارع، وهو المسمى في السنة بالتعمق والتنطع، وفيه مراتب، منها ما يدخل في الورع في خاصة النفس، الذي بعضه إحراج لها، أو الورع في حمل الناس على الحرج، ومنها: ما يدخل في معنى الوسوسة المذمومة. ويجب على المستنبطين والمفتين أن يتجنبوا مواقع الغلو والتعمق في حمل الأمة على الشريعة وما يسن لها من ذلك، وهو موقف عظيم".

وقد تناولت قراءتي الجديدة في بحوثي المجموعة في هذا الكتاب الموضوعات الآتية:
1- المفهوم الاصطلاحي للربا بين دلالات النصوص وتقسيمات الفقهاء.
2- المواطأة على إجراء العقود والمواعدات المتعددة في صفقة واحدة.
3- قلب الدينة وبدائله المعاصرة في البنوك الإسلامية.
4- التورق وتطبيقاته المعاصرة.
5- المعاوضة عن الالتزام بصرف العملات في المستقبل.
6- عقود الإذعان.
7- ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط.
8- المقاصة بين الفوائد الدائنة والمداينة واختلافها عن تبادل القروض..
9- صكوك الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة.
10- الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية (معالم وضوابط).
11- تأجير العين المشتراة لمن باعها (صراحة وضمنا).
12- أدوات الاستثمار في إدارة وتمويل المرافق العامة.
وهذه البحوث العلمية قد سبق لبعضها أن قدم لمؤتمرات أو ندوات علمية في بلدان مختلفة أو نشر في دوريات علمية محكمة غير أني بعد ذلك عدت عليها جميعها بالتنقيح والتحرير وأعملت فيها يد الإصلاح والتهذيب والزيادة ووشيت حللها بإضافات وتحقيقات علمية ذات بال.
وفي الختام أقول:
لقد انتهيت في بحوث هذا الكتاب إلى تقرير أفكار ومبادئ جديدة وترجيحات واختيار ات فريدة لم أكتبها إلا بعد روية وفكر وتدبر ونظر ونبد للتقليد والعصبية المذهبية، لعلي أصبت فيها وجه الصواب بعون الله وتوفيقه. ولله در ابن مالك حيث قال:
"إذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين."
فانكوفر كندا 9/9/ 1427هـ.

الدكتور نزيه حماد




-------------------------------------------------
1- قوت القلوب لأبي طالب المكي 1/160

2- الفروق
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المفهوم الاصطلاحي للربا
بين دلالات النصوص وتقسيمات الفقهاء.
الخاتمة
لقد انتهينا بعد الدراسة الفقهية المستوعبة للمفهوم الاصطلاحي للربا، المستقى من تعريفات الفقهاء، وأقاويلهم وأنظارهم وتقسيماتهم لأنواع الربا وصنوفه، وما يتعلق بذلك من ضوابط كلية وأحكام استثنائية مستنبطة من مصادر التشريع ومدارك الاجتهاد الأصلية والتبعية إلى ما يأتي:
1- إن مفهوم الربا في الاصطلاح الشرعي، وما يتعلق به من أحكام وتعليلات، ومباحث وتقسيمات، وذرائع ومفضيات، وأحكام أصلية واستثناءات، واتفاقات لأهل العلم واختلافات، يعد من أدق وأصعب وأوعر القضايا الفقهية، وتلك حقيقة لا يكابر فيها عالم منصف أو باحث محقق، تجاوز نظره للموضوع حد السطحية، ودخل في أعماق القضية.
2-يطلق الربا في اصطلاحات الفقهاء بمعنيين:
أحدهما: أخص مطلقا.
والآخر: أعم مطلقا.
3-فأما إطلاقه بالمعنى الأخص (وهو الذي غلب عليه عرف الشرع) فيشمل كلا من:
أ‌- ربا النسيئة الذي كان معروفا في الجاهلية، ونزلت في شأنه الآيات القرآنية في أواخر سورة البقرة.
ب‌- وربا البيوع الذي ثبت تحريمه في حديث عبادة بن الصامت وغيره مرفوعا: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر...إلخ".
4- وحقيقة ربا النسيئة، الذي يسمى ربا الديون، والربا الجلي:
كل زيادة مشروطة على رأس المال في عقد قرض – سواء كانت ثابتة المقدار (أو النسبة) أو متغيرة بحسب مبلغه ومدته، وهو ما يعرف اليوم بالفائدة على القرض – وكل زيادة مقابل الأجل عند كل تأجيل لاحق للدين بعد حلوله، سواء كان موجبه قرضا أو بيعا بالنسيئة أو غير ذلك.
وهذا النوع من الربا حرمته قطعية ومعلومة من الدين بالضرورة وهو المقصود بالتحريم أصالة.
5- أما ربا البيوع، وهو الذي يعبر عنه أحيانا بـ "الربا الخفي" فلم يكن معروفا عند العرب في الجاهلية، ولم يأت تحريمه في الإسلام حتى كان يوم خيبر في السنة السابعة من الهجرة، حيث روى عبادة بن الصامت وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".
6- وقد اتفق الفقهاء – وقد اتفق الفقهاء بالنسبة لهذه الأصناف الستة المذكورة في الحديث – على تقسيمها إلى فئتين: فئة الذهب والفضة، وفئة القمح والشعير التمر والملح.
· وأجمعوا على أنه مبادلة متجانسين (كالذهب بالذهب، أو التمر بالتمر) لا يجوز فيها فضل ولا نساء.
· كما أجمعوا على أن مبادلة متقاربين، أي صنفين واقعين في فئة واحدة (كالذهب بالفضة، أو الشعير بالملح) يجوز فيها الفضل دون النساء.
· وأجمعوا أيضا على أن مبادلة مختلفين، أي صنفين كل منهما في فئة (كالذهب بالشعير ، أو الفضة بالتمر ) يجوز فيها الفضل والنساء.
ثم اختلفوا في تعدية أحكامها إلى ما سواها على مذهبين.
واختلف القائلون بالتعدية في المعنى العام الذي وقع التنبيه عليه بهذه الأصناف الستة على رأيين:
أحدهما: للحنفية ووالحنابلة، وهو أن العلة في الذهب والفضة كونهما مما يقدر بالوزن، وفي الحنطة والشعير والتمر والملح كونها مما يقدر بالكيل.
الثاني: للشافعية والمالكية، وهو أن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية، وفي الحنطة والشعير والتمر والملح هي الطعم.
7- ثم إن ربا البيوع في قول سائر أهل العلم نوعان:
ربا الفضل، وربا النسية:
· فإذا باع شخص غيره درهما بدرهمين، أو صاعا من تمر بصاعين منه، مع تعجيل البدلين كان ذلك ربا فضل.
· وإذا باعه دينار بعشرة دراهم ، أو صاعا من تمر بصاع من شعير، مع تأخير أحد البدلين، كان ذلك ربا نساء.
· وإن باعه دينارا بدينار ونصف، مع تأخير أحد البدلين، كان ذلك ربا فضل ونساء.
8-وقد نبه بعض محققي الفقهاء إلى أن ربا البيوع يغتفر شرعا في حالتين:
1- إذا كان تابعا في العقد.
2- وعند اقتضاء الحاجة أو المصلحة الراجحة، تيسيرا لهم على العباد، ورفقا بهم، ورفعا للحرج عنهم.
9- وضابط التبعية: أن ما كان مقصودا في العقد أصالة، وهو ما يتوجه إليه قصد العاقدين، من المعاملة غالبا، فهو المتبوع، ويعبر عنه بعض الفقهاء بالمقصود الأكبر والمقصود الأعظم ومعظم المقصود، وما كان تاليا للمقصود أصالة، أو لاحقا به في الاستهداف وتوجه الإرادة فيها، فهو التابع أو المقصود تبعاً.
10- وضابط الحاجة إلى عقد من العقود: أن يترتب على اجتنابه عسر وحرج، أي مشقة شديدة، وذلك لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعاً.
11- وضابط المصلحة الراجحة ههنا: أن تكون المصلحة المترتبة على التعامل بربا البيوع أعظم من المفسدة التي تترتب على ذلك.
12- وأما الربا بمعناه الأعم فيطلق في قول جمهور الفقهاء على كل زيادة في المال أو الأجل في ربا الديون والبيوع، وعلى كل بيع فاسد أو ممنوع شرعا.
وذكر بعض الفقهاء والمفسرين: أنه يطلق على كل تعامل مالي محظور وكل كسب خبيث محرم أيا كان سببه.
13- ولو رجعنا إلى أنواع الربا وصنوفه وتقسيماته في الاصطلاح الفقهي لوجدناها أحد عشر صنفا، وقد جاءت تعريفات الفقهاء لها على النحو الآتي (مرتبا على حروف الهجاء):
1- الربا الحقيقي: هو الزيادة المشروطة مقابل الأجل في قرض أو عند تأجيل دين بعد حلوله، وكذا الزيادة في بيع المال الربوي بجنسه حالا.
2- الربا الحكمي: هو فضل (زيادة) الأجل في بيع المال الربوي بجنسه أو بغير جنسه، إذا اتفقا في علة الربا.
3- الربا الحلال (هبة الثواب): هو أن يهب الرجل غيره شيئا يريد أن يثاب عليه بما هو أفضل منه.
4- ربا العجلان: ويرد في اصطلاح الفقهاء بمعنيين:
أحدهما: ربا الفضل.
والثاني: القَبَالة. وهي أن يضمن الرجل الأرض التي فيها النخل والفلاحون بقدر معين من جنس مغلها. فهي طلب ربح في مبادلة المال الربوي بجنسه من غير توسط صناعة أو تجارة.
5- ربا الفضل: هو بيع مال ربوي بجنسه حالا مع زيادة أحد العوضين على الآخر، كبيع دينار بدينارين نقدا، أو صاع من حنطة بصاعين منها مع التقابض. (وهو أحد نوعي ربا البيوع).
6- ربا القروض: وهو الزيادة على رأس المال المشروطة للمقرض مقابل الأجل في عقد القرض.
7- ربا المزابنة: هو بيع مال ربوي معلوم بمجهول، أو مجهول بمجهول من جنسه.
8- ربا النساء: هو تأخير أحد البدلين في بيع مال ربوي بجنسه أو بغير جنسه إذا اتفقا في علة الربا، وهي الكيل والوزن عند الحنفية والحنابلة، والثمنية والطعم عند الشافعية والمالكية. (وهو أحد نوعي ربا البيوع).
9- ربا النسيئة (ربا الديون ): هو كل زيادة مشروطة على رأس المال في قرض، وكل زيادة مقابل الأجل عند كل تأجيل لاحق للدين بعد حلوله، سواء كان سببه قرضا أو بيعا بالنسيئة أو غير ذلك. ويطلق عليه أيضاً: ربا الجاهلية، والربا الجلي.
10- ربا النقد: هو زيادة أحد العوضين في بيع المال الربوي بجنسه معجلا، كبيع الدرهم بالدرهمين مناجزة.
11- ربا اليد: هو تأخير قبض البدلين أو أحدهما مطلقا من غير ذكر أجل في بيع مال ربوي بجنسه أو بغير جنسه إذا اتفقا في علة الربا.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
1- إن مفهوم الربا في الاصطلاح الشرعي، وما يتعلق به من أحكام وتعليلات، ومباحث وتقسيمات، وذرائع ومفضيات، وأحكام أصلية واستثناءات، واتفاقات لأهل العلم واختلافات، يعد من أدق وأصعب وأوعر القضايا الفقهية، وتلك حقيقة لا يكابر فيها عالم منصف أو باحث محقق، تجاوز نظره للموضوع حد السطحية، ودخل في أعماق القضية.
.

هذه نقولات توضيحية من كلام المؤلف في أصل بحثه:
يقول الشيخ محمد رشيد رضا:
وليس في الشريعة الإسلامية مسألة مدنية وقع فيها الخلاف والاضطراب منذ العصر الأول، ثم مازالت تزداد إشكالا وتعقيدا بكثرة بحث العلماء إلا مسألة الربا، فهي تشبه مسألة القدر في العقائد.
ويقول ابن كثير في تفسيره:
"باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم"
وقال الشاطبي عن ربا البيوع:
"إنه محل نظر يخفى وجهه على المجتهدين، وهو من أخفى الأمور التي لم يتضح معناها إلى اليوم."
وقال العز بن عبد السلام:
"وكذلك المفسدة المقتضية لجعل الربا (ربا البيوع) من الكبائر، لم أقف فيها على ما يعتمد على مثله، فإن كونه مطعوما أو قيمة للأشياء أو مقدرا لا يقتضي مفسدة عظيمة، يكون من الكبائر لأجلها، ولا يصح التعليل بأنه لشرفه حرِّم فيه ربا الفضل وربا النساء، فإن من باع ألف دينار بدرهم واحد صح بيعه، ومن باع كُر َّ شعير بألف كر حنطة أو باع مد شعير بألف مد حنطة، أو باع مدا من حنطة بمثله، أو دينارا بمثله، أو درهما بمثله، وأجَّل ذلك لحظة، فإن البيع يفسد، مع أنه لا يلوح في مثل هذه الصور معنى يصار إليه ولا يعتمد عليه"
وقال البُجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب معلقا على قول الشارح أن الربا من الكبائر:
"أي من أكبر الكبائر. والمعتمد أن أكبر الكبائر: الشرك بالله، ثم القتل، ثم الزنا، ثم السرقة، ثم شرب الخمر، ثم الربا والغصب...
وكونه من الكبائر ظاهر في بعض أقسامه، وهو ربا الزيادة، وأما الربا من أجل التأخير أو الأجل من غير زيادة في أحد العوضين، فالظاهر أنه صغيرة، لأن غاية ما فيه أنه عقد فاسد. وقد صرحوا بأن العقود الفاسدة من قبيل الصغائر".
ولا عجب في ذلك فقد روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
"ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فيهن عهدا ينتهى إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا"
وروى عبد الرزاق في مصنفه عنه رضي الله عنه قال:
تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا.
وروي عنه أيضا أنه قال:
لقد خفت أن نكون قد زدنا في الربا عشرة أضعافه بمخافته.
وروى أحمد وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
"من آخر ما نزل آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها فدعوا الربا والريبة".
ونقل ابن رشد الجد عن عمر بن الخطاب قوله:
إنكم تزعمون أنا نعلم أبواب الربا، لأن أكون أعلمها أحب إلي من أن يكون لي مثل مصر وكورها".
وناقش الشيخ الطاهر ابن عاشور كلام عمر رضي الله عنه ثم انتهى إلى القول:
"والوجه عندي أن ليس مراد عمر أن لفظ الربا مجمل، لأنه قابله بالبيان وبالتفسير، بل أراد أن تحقيق حكمه في صور البيوع الكثيرة خفي، لم يعمه النبي صلى الله عليه وسلم بالتنصيص."
وقد سبق للإمام المازري أن نبه إلى أصل الإشكال القضية ومحوره ومفتاح لغزها بقوله:
"هذا، والشرع لم يستوف النص على كل النوازل، بل ذكر شيئا، ووكل للعلماء الاستنباط منه، كما فعل في النص على تحريم التفاضل في الستة، ومن الممكن أن يورد لفظا مستوعبا لجميع الربويات، حتى لا يتصور فيها اختلاف بين العلماء، ولكنه لم يفعل توسعة على الأمة بالاجتهاد في المسكوت عنه، وليرفع الله درجة الذين أوتوا العلم بالاستنباط من كلامه في الأمور الدالة على مراداته وأحكامه".
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

وقد نبه بعض محققي الفقهاء إلى أن ربا البيوع يغتفر شرعا في حالتين:
1- إذا كان تابعا في العقد.
2- وعند اقتضاء الحاجة أو المصلحة الراجحة، تيسيرا لهم على العباد، ورفقا بهم، ورفعا للحرج عنهم.
المعروف أن هذا الاغتفار إنما هو في ربا الفضل وفيه ورد الاستثناء كما في حديث العرايا

أما ربا النسيئة فهو مقصود بالأصالة في التحريم ، يقول عليه الصلاة والسلام: "إنما الربا في النسيئة"

فلعل المسألة تراجع

ولعل ملحظ الدكتور نزيه حماد تفرقته بين:
1- ربا الديون
2- وبين ربا البيوع،

وأن الأول هو هو المحرم بالأصالة دون الثاني.

وعلى هذا التقسيم صار ربا النسيئة يندرج في القسمين:

المحرم بالأصالة وهو ربا الديون
والمحرم بالتبع وهو ربا البيوع.

فالأول يتحقق فيه أنه نسيئة مطلقا.
والثاني يتحقق في بعض الصور.

وبالتالي :
يكون ربا النسيئة:
1- إذا وقع دينا فإنه محرم بالأصالة ولا يباح مطلقا
2- وإذا وقع بيعا فإنه يكون محرما بالتبع ويغتفر فيه في بعض الصور إذا اقتضت الحاجة أو المصلحة.

وكل هذا تفريعا على طريقة الدكتور نزيه حماد في تقسيم الربا إلى هذين القسمين : ربا الديون وربا البيوع.

ثم جعله المحرم بالأصالة هو الأول دون الثاني.
وبالتالي جواز الاغتفار في ربا البيوع إذا اقتضت الحاجة أو المصلحة ، ومن صوره النسيئة إذا وقعت على وجه البيع.
----------------
والمسألة تحتاج إلى مزيد بحث ومراجعة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المواطأة على إجراء العقود والمواعدات المتعددة في صفقة واحدة


الخاتمة

أهم نتائج هذا البحث


لقد انتهينا بعد الدراسة الفقهية المستوعبة لأقاويل أهل العلم وأنظارهم وأدلتهم في قضية المواطأة على العقود والوعود في المعاملات المالية التقليدية وفي الاتفاقيات والمنظومات العقدية المستحدثة إلى الخلاصة الآتية:


1- لقد جرى الاصطلاح الفقهي على استعمال لفظ "التواطؤ" و"المواطأة" بمعانٍ متعددة أهمها:


أ*- الاتفاق المضمر المتقدم بين طرفين – صراحة أو دلالة – على التعامل بعقود جائزة، يقصد بها التحايل على الربا، أو تكون ذريعة إليه، استحلالا لما حرمه الله.


ب*- تمالؤ البائع مع شخص، في بيع المزاودة ونحوه، على أن يزيد في ثمن سلته، لا بقصد شرائها، بل ليخدع غيره ويغُرّه فيزيد ويشتريها.


ت*- التقية بإظهار الطرفين عقدا غير مقصود لهما باطنا. وهو ما يعرف بالتلجئة.


ث*- الاتفاق المتقدم – الظاهر أو المستتر – بين طرفين على عقد معاملة أو صفقة مشروعة، يتوصل بها إلى مخرج شرعي (حيلة محمودة).


ج*- اتفاق إرادة الطرفين في المداولة التمهيدية التي تسبق إبرام الاتفاقية (الصفقة) المركبة من مجموعة عقود ووعود متتابعة مترابطة – وفقا لشروط تحكمها كمنظومة واحدة، تهدف إلى أداء وظيفة محددة مقصودة – على عقدها وإنجازها على النحو الذي تقدم الاتفاق عليه. (وذلك في المعاملات المالية المستحدثة)


2- وأن المواطأة كما تكون بالتصريح بها لفظا، فقد تقع بدلالة العرف والعادة، كما تتحقق بكل ما ينبئ عنها ويدل عليها من قرائن الأحوال.


3-وأن للمواطأة على العقود والوعود في النظر الفقهي ثلاث خصائص:


الأولى: أنها اتفاق بين طرفين على إجراء عقود وإنجاز وعود في المستقبل.


والثانية: يعتبر هذا الاتفاق بمثابة الشرط المتقدم على تلك العقود والوعود، وتسري عليه أحكامه، من حيث الحل والحرمة، والصحة والفساد وما إلى ذلك.


والثالثة: القوة الملزمة للموطأة لها نفس القوة الملزمة للشروط المتقدمة على العقود والالتزامات، التي تعتبر – على الراجح من أقاويل الفقهاء – كالشروط المقارنة لها، في الصحة ووجوب الوفاء، وفي الفساد والإلغاء. وعلى ذلك:


فإذا اتفق الطرفان على شيء، ثم عقد العقد بعد ذلك، فهو مصروف إلى ما اتفقا عليه سلفا؛ إذ لا فرق بين الشروط المنصوص عليها في صلب العقد والشروط المتواطأ عليها قبله، ولو لم يصرح بها حال التعاقد، ما دام العقد قد اعتمد عليها إذ الشرط الملحوظ كالملفوظ، والشرط العرفي كالشرط اللفظي، والمقصود في العقود معتبرة شرعا.


4- للتواطؤ على إجراء العقود والصفقات ضروب وصنوف متعددة، يختلف حكمها بحسب الأمر المتواطأ عليه، وهي ترجع في الجملة إلى سبعة أنواع:


أ*- المواطأة على الحيل الربوية: وهي محظورة مذمومة فاسدة. ومن أمثلتها: التواطؤ على بيع العينة، وعلى بيع الرجا، وعلى الحيلة إلى ربا الفضل.


وقد نبه جمع من الفقهاء إلى أن مناط تحقق تلك الحيل وشرط تحريمها وفسادها هو تواطؤ الطرفين عليها. وعلى ذلك، فإذا وقعت تلك البيوع بدون مواطأة متقدمة، فلا حرج فيها شرعا.


ب*- المواطأة على الذرائع الربوية: وهي محظورة فاسدة شرعا إذا كانت تلك الذريعة مما تقوى التهمة – ويكثر قصد الناس – في التوسل والتطرق بها إلى الربا، ولم يكن هناك حاجة أو مصلحة راجحة إليها.


ومن أمثلتها: المواطأة على الهدية أو الزيادة في القدر أو الصفة للمقرِض في عقد القرض، والمواطأة على الجمع بين المعاوضة والقرض.


وقد نبه جمع من الفقهاء إلى أن مناط حظر وفساد الذرائع الربوية تواطؤ الطرفين عليها. فإن وقعت بدون مواطأة مسبقة فلا حرج فيها شرعا.


ح*-المواطأة على المخارج الشرعية (الحيل المحمودة ): وهي صحيحة جائرة شرعا، لأن وسائلها لا تخالف نصا شرعيا، وأغراضها لا تناقض مقاصد الشريعة، كما أنها لا تؤول ولا تفضي إلى مفسدة خالصة أو راجحة.


ومن أمثلتها:


التواطؤ على التورق، وكذا التواطؤ على إجراء الاتفاقيات المستحدثة التي تجمع عقودا والتزامات مترابطة متلاحقة سائغة شرعا عند الانفراد وعند الاجتماع، تهدف إلى تحقيق غرض محدد مشروع.


خ*-المواطأة على بيع التلجئة:كما إذا تواطأ شخصان على إظهار عقد بيع، لم يريداه باطنا بل خوفا من ظالم ونحوه دفعا له أو لغير ذلك واتفقا على أنهما إذا أظهراه لا يكون بيعا بينهما.


وهو مع المواطأة المتقدمة عليه عقد باطل، لا يترتب عليه شيء من أحكام البيع وموجَبَاته.


د*- المواطأة على الاحتكار: وذلك كما لو تواطأ أهل حرفة يحتاج إليهم الناس على إغلاء الأجرة عليهم بغير حق، فيعتبر ذلك جورا وظلما، يستوجب تدخل الدولة بالتسعير الجبري عليهم، وإلزامهم ببذل خدماتهم بأجرة المثل.


ومثل ذلك ما لو تواطأت طائفة معينة من التجار – كالذين يتبايعون بنوع من السلع التي يحتاج إليها عامة الناس – على شرائها من جالبيها أو منتجيها بثمن بخس، أو بيعها لمن يحتاج إليها بغبن فاحش، فيجب على الدولة التسعير عليهم، وإجبارهم على الشراء والبيع بالثمن العادل.


و- المواطأة على النجش: والمراد بالنجش أن يزيد شخص في ثمن السلعة لا لرغبة في شرائها، بل ليخدع غيره ويغره فيزيد ويشتريه. وهو فعلة محظورة شرعا.


والنجْش قد يقع من الناجش بدون علم البائع، فيكون الإثم مختصا به، وقد يكون بفعل البائع نفسه – حيث لا يعلم السائم أنه مالك السلعة – وعند ذلك يختص الإثم به، وقد يحص بفعل الناجش بمواطأة البائع، وفي هذه الحالة يشتركان في الإثم.


ز- المواطأة على المنظومات العقدية المستحدثة: وهي الاتفاقيات التي ينضوي تحت كل صفقة منها مجموعة عقود ووعود، مترابطة، متوالية، صممت على نسق محدد متتابع الأجزاء، متلاحق المراجل، وفقا لشروط تحكمها كمعاملة واحدة، لا تقبل التفكيك والتجزئة، تهدف إلى تحقيق وظيفة محددة، وبلوغ غرض معين اتجهت إرادة العاقدين وقصدهما إلى تحقيقه.


ومن أمثلتها:


الصور المشروعة من المرابحة للآمر بالشراء، والإجارة المنتهية بالتمليك، والمشاركة المتناقصة، والاعتمادات المستندية.


وهذا النوع من المواطآت يعتبر جائزا صحيحا ملزما للطرفين إذا توافرت الضوابط الشرعية لصحة المنظومة التي جرى التواطؤ المسبق على إنشائها وتنفيذها حيث إنه اتفاق متقدم على المعاملة في حكم الشرط المقارن لها في الصحة ووجوب الوفاء، أو في الفساد والإلغاء.


5-أما الضوابط الشرعية لصحة المواطأة على المنظومات العقدية المستحدثة فهي خمسة:


أ*- أن لا يقع التواطؤ على إنشاء معاملة محظورة بنص شرعي: فإن وقع على شيء من ذلك، كانت المواطأة ومحلها (الاتفاقية) فاسدين مردودين شرعا.


ومن أمثلة ذلك: المواطأة على الجمع بين بيع وقرض، أو على العينة، أو على نكاح التحليل.


ب*- أن لا تقع المواطأة على حيلة ربوية: كالتواطؤ على العينة أو على بيع الرجاء، أو على الحيلة إلى ربا الفضل.


ت*- أن لا تقع المواطأة على ذريعة ربوية: كالتواطؤ على دفع المقترض للمقرض هدية أو زيادة على مقدار القرض، والتواطؤ على الجمع بين المعاوضة والقرض.


وذلك إذا توافر شرطا العمل بقاعدة سد الذرائع وهما:


· أن تكون الذريعة مما تقوى التهمة – ويكثر قصد الناس – في التطرق والتوسل بها إلى المحظور.


· وأن لا يكون هناك حاجة أو مصلحة راجحة إلى تلك المعاملة.


ث*- أن لا يقع التواطؤ على الجمع بين عقدين – فأكثر – بينهما تناقض أو تضاد في الموجَبَات والأحكام.


ومن أمثلة ذلك:


الجمع بين المضاربة وإقراض المضارب رأس المال، أو بين الصرف والجعالة ببدل واحد، أو بين البيع والإجارة في اتفاقية واحدة وفق ما يسمى في التقنيات المعاصرة بالبيع الإجاري.


ج*- أن يكون كل جزء من أجزاء الاتفاقية (العقود والوعود والشروط) صحيحا مشروعا بمفرده.


غير أنه يستنثى من عموم هذا الضابط:


الرخص والتخفيفات الشرعية المبنية على قاعدة التبعية والضمنية، والتي يغتفر بموجبها (في العقود التابعة والضمنية ) الخلل والقصور الناشئ عن وجود بعض موانع الصحة أو فوات بعض شروطها، وذلك في الأمور الخمسة الآتية:


أ*- الغرر المؤثر في صحة عقود المعاوضات المالية.


ب*- الجهالة المؤثرة في صحة عقود المبادلات المالية.


ت*- ربا البيوع، وعدم توافر شروط صحة الصرف في بيع النقود ببعضها.


ث*- بيع الكالئ بالكالئ.


ج*-فوات شيء من الأركان أو شروط الصحة.


إذ الأصل أن يغتفر في التابع والضمني عند الاجتماع ما لا يغتفر عند الانفراد.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

أبو عبد الباري المدني

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
7 يونيو 2008
المشاركات
16
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
المالكي
بارك الله فيك أخي الكريم الأستاذ فؤاد يحيى على هذه الجهود المباركة وهذا التقريب المنتخب من كتاب الشيخ نزيه ، وقد أجدت وأفدت ، أعانك الله على المضي قدماً في سبيل تقريب مادة الفقه إلى محبيها وإلى كافة المسلمين
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قلب الدين: أحكامه وبدائله المعاصرة


الخاتمة


الضوابط الشرعية لقلب الدين واستبداله


لقد انتهيت بعد استقراء أقاويل الفقهاء وتتبع آراء المذاهب في موضوع قلب الدين واستبداله (1)، وتحليلها ومناقشة أدلتهم وحججهم على ما ذهبوا إليه في الصور المتفق عليها والمختلف فيها بإنصاف وتجرد وروح تنشد الوصول إلى الحق في القضية وتسعى للظفر به، وتدور معه حيث دارت ركائبه، دون تعصب لمذهب من المذاهب أو رأي من الآراء إلى استنباط الضوابط الشرعية الآتية:


الضابط الأول:


تأخير الدين الذي حل أجله عن المدين مقابل زيادة في قدره أو وصفه محرم شرعا سواء كان دين سلم، أو ثمن مبيع، أو بدل قرض، أو عوض إتلاف، أو غير ذلك، حيث إنه يعتبر بإجماع أهل العلم من ربا الجاهلية، وهو: انظرني أزدك. أو: تقضي أو تربي؟.


الضابط الثاني:


تأخير الدين الذي حل أجله عن المدين مقابل زيادة في قدره أو وصفه يتوصل إليها عن طريق حيلة ظاهرة، تتمثل في إبرام عقد أو عقود غير مقصودة لذاتها، ولا معنى لها إلا التحايل لبلوغ الغرض محرم فاسد شرعا، سواء كان المدين موسرا أو معسرا – ويعتبر ذلك في حكم بيع العينة المحظور شرعا- غير أن إلجاء الدائن مدينه المعسر إلى ذلك أعظم قبحا وأشد إثما وأكثر ظلما لأنه مأمور بإنظاره فلا يجوز له إكراهه على ذلك.


الضابط الثالث:


بيع الدائن دينه الذي حل أجله للمدين نفسه بثمن مؤجل من غير جنسه – مما يجوز أن يباع به نسيئة – جائز صحيح شرعا.


الضابط الرابع:


اعتياض الدائن عن دينه الذي حل أجله بجعله رأس مال سلم لدى المدين نفسه، في مقابل مسلم فيه موصوف في ذمته إلى أجل معلوم جائز صحيح شرعا.


الضابط الخامس:


اعتياض الدائن عن دينه الذي حل أجله بمنافع عين مملوكة للمدين –كدار أو بستان أو عمارة أو مستودع أو طائرة- إلى أجل محدد كسنة أو خمس سنين أو غير ذلك جائز صحيح شرعا.


الضابط السادس:


حصول المدين على تمويل نقدي مقابل بدل مؤخر – عن طريق التورق أو بيع السلم أو الاستصناع أو غير ذلك من العقود الشرعية – من أجل وفاء دينه غير المتوفر لديه عند محل أجله جائز صحيح شرعا، ولو كلفه ذلك زيادة على المبلغ الذي حصل عليه لأداء دينه.


ولا حرج شرعا في قيام المؤسسات المالية الإسلامية بإجراء ترتيبات للعملاء لتحقيق هذا الغرض بشرط أن لا تعود تلك الزيادة بوجه من الوجوه إلى الدائن (المؤسسة المالية الإسلامية) وأن تنتفي في الأسلوب المتبع لبلوغ هذا الغرض تهمة الذريعة الربوية أو الحيلة إلى ربا النسيئة (ربا الجاهلية).


والله تعالى أعلم.


1- قال النووي: الاستبدال: هو بيع الدين ممن هو عليه. المجموع 9/275
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
فوائد وإضافات من البحث السابق مما لم يذكر في النتائج:


الفائدة الأولى:


مفهوم قلب الدين:

هذا مصطلح فقهي ورد ذكره في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، ثم حكاه بعض متأخري الحنابلة مع الأحكام الشرعية المتعلقة به عن ابن تيمية، ولم يعرف استعماله بهذه التسمية على لسان أحد من الفقهاء قبل ذلك أو بعده.
غير أن لفقهاء المالكية مصطلحا آخر قريبا منه في الدلالة والمفهوم، عرف في مصنفاتهم، واشتهر في مذهبهم باسم "فسخ الدين في الدين"
=====================================

الفائدة الثانية:


يقول ابن تيمية رحمه الله:


"من نسب جواز القلب على المعسر بحيلة من الحيل إلى مذهب بعض الأئمة فقد أخطأ في ذلك وغلط، وإنما تنازع الناس في المعاملات الاختيارية مثل التورق والعينة."


وقال في موضع آخر:


"لم يجز بإجماع المسلمين"


أما إذا كان المدين موسرا :


"فتوسلوا إليه بمعاملة أخرى فهذا تنازع فيه المتأخرون من المسلمين وأما الصحابة فلم يكن بينهم نزاع في أن هذا محرم..."

=====================================


الفائدة الثالثة:


الصورة الثالثة:


بيع الدائن دينه الذي حل أجله للمدين نفسه بثمن مؤجل من غير جنسه ( مما يجوز أن يباع به نسيئة).


هذا البيع غير جائز في قول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة لأنه من بيع الدين بالدين الذي نهي عنه شرعا ووقع الإجماع على فساده.


ويعد المالكية هذا البيع من قبيل "فسخ الدين بالدين".


وخالفهم في ذلك الإمام ابن القيم وقال بجوازه وصحته واحتج على ذلك:


1- بأن لهذا التصرف غرضا صحيحا، وفيه منفعة مطلوبة، ومصلحة مرغوبة لكل من العاقدين، حيث تبرأ ذمة المدين عن دينه الأول، وتشغل بدين آخر قد يكون أسهل عليه في الوفاء، وأنفع للدائن في الوقت نفسه.


2- أن الشارع قد أجاز أن يشغل أحد العاقدين ذمته بدين ويحصل الآخر في مقابلة ذلك على الربح، في بيع العين بالدين.


وعلى ذلك:


فإنه يجوز للعاقد أن يفرغ ذمته من دين ثبت فيها، ويشغلها بغيره، وكأنه شغله به ابتداء إما بقرض أو بمعاوضة حيث إن ذمته كانت مشغولة بشيء فانتقلت من شاغل إلى شاغل.


3- أن بيع الدين بالدين ليس فيه عن الشارع نص عام في المنع، وغاية ما ورد فيه حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" وهو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض، فهذا لا يجوز بالاتفاق كما لو أسلم شيئا في شيء في الذمة وكلاهما مؤخر فهذا لا يجوز بالاتفاق وهو بيع الكالئ بالكالئ، أما مسألتنا فهي بيع دين حال بدين مؤخر، فافترقا، ثم إنه لا إجماع يعلم في هذه المسألة.

=====================================


الفائدة الرابعة:


الصورة الرابعة:


اعتياض الدائن عن دينه الذي حل أجله بجعله رأس مال سلم لدى المدين في مقابل مسلم فيه موصوف في ذمته إلى أجل معلوم.


وقد ذهب جمهور الفقهاء:


إلى حظره وفساده لأنه بيع دين بدين.


وخالفهم في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم:


وذهبا إلى جواز هذه الصورة، وذلك لعدم صدق المنهي عنه، وهو بيع الكالئ بالكالئ، وهو الدين المؤخر بالدين المؤخر عليه، وعدم ثبوت إجماع على حظرها.


يؤكد ذلك ويقويه:


أنه اعتبارا لهذه المعاني ذهب الحنفية إلى تجويز هذه الصورة (بعد إجراء تعديل شكلي عليها ) استحسانا.

=====================================

الفائدة الخامسة:

الضابط الخامس:

اعتياض الدائن عن دينه الذي حل أجله بمنافع عين مملوكة للمدين –كدار أو بستان أو عمارة أو مستودع أو طائرة- إلى أجل محدد كسنة أو خمس سنين أو غير ذلك.


وقد عدَّ الإمام مالك – في أحد قوليه – هذه الصورة نوعاً من "فسخ الدين في الدين" المحظور شرعا، وهو الراجح من مذهب المالكية، وبه أخذ ابن القاسم.


وحجتهم على منعه:


أن تلك المنافع وإن كانت معينة فهي كالدين، نظرا لتأخر أجزائها، أي تأخر استيفاء تمامها عن وقت الفسخ، حيث إنها أعراض تحدث شيئا فشيئا، وآناً فآناً، فكان الاعتياض عن الدين بها من بيع الكالئ بالكالئ.


وخالف في ذلك أشهب، وقال بجواز فسخ ما في الذمة في منافع الذات المعينة، لأن قبض الدائن لتلك الأعيان يعتبر قبضا لمنافعها.


وقوله هذا مرويٌ عن الإمام مالك أيضا، وقد صححه المتأخرون، وحكي عن ابن رشد أنه أفتى به لظهوره عنده.


القول المختار:


جواز فسخ الدين الذي حل أجله بمنافع ذات معينة مملوكة للمدين، وذلك لعدم وجاهة اعتبار منافعها كالدين، ولو تأخر استيفاء سائر أجزائها عن وقت بيعها:


1- إذ الأصل "أن قبض الأول ينزل منزلة قبض الجميع" و"أن قبض الأوائل قبض للأواخر".


2- ولأن المنافع لو كانت كالدين – يمنع فسخ الدين فيها – لامتنع اكتراؤها بدين، بينما ذلك جائز باتفاق الفقهاء، فوجب أن يكون شراؤها به جائزا مشروعا لانتفاء الفارق.


3- ولما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصية أسيد بن حضير أنه قبَّل بستانه بعد وفاته لغرمائه بالدين الذي لهم عليه، ولم يعلم له مخالف من الصحابة. وذلك حجة عند جمهور العلماء.


جاء في مختصر الفتاوى المصري لابن تيمية: "وقد روى سعيد بن منصور عن عمر بإسناد ثابت أنه قبل حديقة أسيد بن حضير لغرمائه ثلاث سنين، وكان لهم عليه ستة آلاف درهم لما مات، وفيها النخل والثمر، وتسلف القابلة ووفى دينه، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة."


وفي القواعد النورانية:


"هذه القصة لا بد أن تشتهر ولم يبلغنا أن أحدا أنكرها فيكون إجماعا."


وقال ابن القيم في زاد المعاد:


"إن عمر فعل ذلك بالمدينة بمشهد المهاجرين والأنصار وهي قصة في مظنة الاشتهار ولم يقابلها أحد بالإنكار بل تلقاها الصحابة بالتسليم والإقرار وقد كانوا ينكرون ما هو دونها، وإن فعله عمر رضي الله عنه."
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قلب الدين: أحكامه وبدائله المعاصرة





الخاتمة


الضوابط الشرعية لقلب الدين واستبداله



الضابط السادس:


حصول المدين على تمويل نقدي مقابل بدل مؤخر – عن طريق التورق أو بيع السلم أو الاستصناع أو غير ذلك من العقود الشرعية – من أجل وفاء دينه غير المتوفر لديه عند محل أجله جائز صحيح شرعا، ولو كلفه ذلك زيادة على المبلغ الذي حصل عليه لأداء دينه.


ولا حرج شرعا في قيام المؤسسات المالية الإسلامية بإجراء ترتيبات للعملاء لتحقيق هذا الغرض بشرط أن لا تعود تلك الزيادة بوجه من الوجوه إلى الدائن (المؤسسة المالية الإسلامية) وأن تنتفي في الأسلوب المتبع لبلوغ هذا الغرض تهمة الذريعة الربوية أو الحيلة إلى ربا النسيئة (ربا الجاهلية).


والله تعالى أعلم.



1- قال النووي: الاستبدال: هو بيع الدين ممن هو عليه. المجموع 9/275




إليكم المبحث المتعلق بهذا الضابط، تكلفت كتابته لأهميته ولبعض الملاحظات التي عرضت لي أثناء قراءة هذا المبحث وسأسجلها إن شاء الله لاحقا:



البدائل الشرعية


لقلب الدين


في المعاملات الإسلامية المصرفية



لقد أوضحنا فيما سبق أن الصورتين الأولى والثانية لقلب الدين محظورتان فاسدتان شرعا إذ أولاهما: صورة من ربا النسيئة (ربا الجاهلية) ....والثانية: حيلة مذمومة إليه...


ثم إن من الجدير بالبيان في هذا المقام:


ما جدَّ في هذا العصر من ظروف وملابسات، وصعوبات ومشكلات وأزمات في ممارسات المؤسسات المالية الإسلامية أعمالها، تعود إلى عدم التزام كثير من العلماء بوفاء ديونهم الناشئة عن عقود معاوضات- كبيع النسيئة والسلم والاستصناع وغيرها – عند حلول آجالها بدعوى الإعسار وعدم القدرة على الأداء في الوقت المحدد مما قد يؤدي إلى عجز المؤسسة عن الوفاء بالتزاماتها المالية المؤجلة نظرا لاعتمادها على ذلك في كثير من الأحيان على ما يردها من الديون المؤخرة في ذمة عملائها في الآجال المتفق عليها معهم، وكذا عجزها عن رد أموال المودعين والمستثمرين لديها عند طلبهم لها، نظرا لتعثر التدفقات المالية المتوقعة السداد من قبل العملاء في آجالها المقررة، وعجزها كذلك عن الوفاء بديون السلم والاستصناع التي التزمت بها في مواعيدها، التي روعي عند التزامها بها ارتباطها بعقد سلم أو استصناع موازٍ مع الغير – تتخذ فيه آجال سداد الديون – وذلك عند نكوله عن السداد أو مطله فيه بدعوى الإعسار أو عدم القدرة على الوفاء في الوقت المطلوب.


ويقارن هذا الحال في عصرنا الحاضر:

أن النظام المصرفي العالمي والتزامه بالسرية المطلقة فيما يتعلق بحسابات المودعين والمستثمرين وإمكانية فتح التجار والأفراد حسابات جارية واستثمارية لدى البنوك الأجنبية بالاسم والرقم، أو بالرقم فقط، وقدرتهم على تحريك أموالهم، وسحب ما يشاؤون منها في أي بلد من البلدان بسرية تامة – كثيرا ما يساعد المدين الموسر إن شاء المطل على إخفاء ثروته وادعاء العسرة عند محل دينه، وإظهار أدلة مزورة وقرائن كاذبة على ذلك، لا سبيل إلى دحضها من قبل الدائن أمام القضاء، وبذلك يستطيع المدين الموسر المماطل أن يخدع القضاء، وأن يتمتع بحمايته عند ادعائه الإعسار كذبا وزورا، وبخاصة مع فساد الناس، وغياب الوازع الديني لدى الكثير منهم، وعدم مبالاتهم بأكل المال الحرام، والمطل بالحرام، مما قد يؤدي في النتيجة إلى زعزعة النظام المصرفي الإسلامي، وتعريضه للفشل والإخفاق نظرا لتخلف طائفة من العملاء عن وفاء ديونهم بدعوى الإعسار، وهذا يستتبع ضياع الثقة المطلوبة بسدد الديون والالتزامات المالية التي ارتبطت بها المؤسسة مع دائنيها في أوقاتها بدقة.

وليس بخاف على الخبير البصير بشؤونها:


أن الثقة الكاملة بقبض الديون وأدائها في آجالها بالدقة التامة من أهم أسباب نجاح العمل المصرفي الإسلامي، وحماية مسيرته من التعثر أو التوقف، وموجوداته من الخسائر أو الإفلاس أو غير ذلك من القواصم.


ونتيجة لما تقدم:


حاولت بعض المؤسسات المالية الإسلامية ابتكار أساليب مناسبة لحل هذه المشكلة، ومعالجة هذه المعضلة عند نكول المدينين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية عند حلول أجلها، بعيدا عن أسلوب قلب الدين في صورتيه المحظورتين المنوه بهما، بحيث تكفل رفع الضرر الذي قد يلحق بالمؤسسات المالية عند نكول أو مطل عملائها المدينين، وادعائهم العجز والإعسار، وتراعي تغير أحوال الناس، وتبدل ظروفهم المعيشية، ومعاملاتهم المالية، وغياب الوازع الديني في سلوكهم وتصرفاتهم، وتأخذ بعين الاعتبار مبدأ "فساد أهل الزمان" وأثره في تغير بعض الأحكام في اجتهادات الفقهاء، جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد عن الأمة والملة. (1)


والذي أراه سائغا في النظر الفقهي منها – في حالة نكول المدين عن سداد دينه عند محل أجله – :


أن تعمد المؤسسة المالية الإسلامية إلى الاتفاق مع العميل على ترتيب أمر حصوله على سيولة مالية (نقود معجلة ) تعدل مقدار دينه الذي حل أجله ليوفيه بها دون تأخير، وذلك عن طريق التورق أو بيع السلم أو بيع الاستصناع أو غير ذلك، ولو كلفه ذلك زيادة على المبلغ الذي سيحصل عليه من أجل وفاء دينه (2)، بشرط أن لا تعود هذه الزيادة بوجه من الوجوه إلى الدائن (المؤسسة المالية الإسلامية) وأن تنتفي في الترتيب المتبع لبلوغ هذا الغرض تهمة الذريعة الربوية أو الحيلة إلى ربا النسيئة.


فإن قيل:


كيف تقول بجواز حيلة مخترعة وترتيب مبتدع لقلب الدين على المدين المحرم شرعا؟


قلت:


هذا الأسلوب ليس من جنس قلب الدائن دينه الذي حل أجله على مدينه بتأخير سداده مقابل زيادة يحصل عليها في القدر أو الصفة صراحة أو حيلة، فذلك هو المحظور الفاسد، وإنما هو وسيلة تيسر على المدين وفاء دينه عند محل أجله، وبراءة ذمته منه في مقابل التزامه بدين جديد مؤخر إلى أجل آخر، دون أن يحصل الدائن على أية زيادة مالية تترتب على استبدال الدين الساقط عن مدينه بدين جديد واجب عليه، وهذا التصرف العقدي ليس هناك دليل شرعي على حظره، فكان جائزا صحيحا ....


أما كونه حيلة مصطنعة لحمل المدين على سداد دينه عند محل أجله:


فلا تثريب في ذلك شرعا لأنه حيلة شرعية محمودة ومخرج شرعي حسن، إذ الحيل في النظر الشرعي نوعان:


أحدهما: حيل مذمومة فاسدة......


والثاني: مخارج شرعية محمودة.....


ومعيار التفرقة بين النوعين:


مبني على النظر إلى مآلات الأفعال، والتعويل على مقاصد التصرفات وأغراض المكلفين منها.........


وبناء على ما تقدم :


فيعتبر تواطؤ طرفين فأكثر على المخارج الشرعية (أي الحيل المحمودة) التي لا تخالف وسائلها أصلا شرعيا، ولا تناقض أغراضها شيئا من مقاصد الشارع الحكيم، ولا تؤول إلى مفسدة خالصة أو راجحة أمرا سائغا في النظر الفقهي، حيث إنه اتفاق على إبرام عقود وتصرفات جائزة أصلا، يتوسل بها إلى تحقيق أهداف ومقاصد مشروعة ومصالح خالصة أو راجحة فكان مشروعا.

===============================================


1- وقد سبق للخلفاء الراشدين أن قضوا بتضمين الصناع (الأجراء المشترَكين ) على خلاف الأصل الشرعي مراعاة للمصلحة العامة وصيانة لأموال الناس عن التَّوى، ورفعا للضرر عن أرباب السلع - لعدم قدرتهم على إثبات تعدي أو تفريط الصناع في المحافظة عليها لو لم يضمَّنوا – عند فساد الناس وظهور خيانة الأجراء وكثرة ادعائهم التلف....


2- وذلك بغض النظر عن كون المدين موسرا أو معسرا أو مجهول الحال (ما لم يكن معدما أو في حالة فقر مدقع ظاهر) أخذا بقول ابن عباس والقاضي شريح والنخعي في قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} : إن المقصود به ربا الدين (أي ربا القرض) خاصة وفيه يكون الإنظار.
فأما الديون في سائر المعاملات فليس فيها نظرة، بل تؤدى إلى أهلها، أو يحبس المدين فيه حتى يؤديه. واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} وذلك اعتبارا للمصلحة العامة وصيانة لأموال الناس عن التَّوى والهلاك عند فساد الزمان، وغياب الوازع الديني لدى عامتهم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ملاحظات على المبحث السابق:
فكرة اقتراح "البدائل الشرعية لقلب الدين في المعاملات المصرفية الإسلامية" مبنية على عدة أسس:
الأساس الأول: إحسان الظن بسلوك المصارف الإسلامية.
الأساس الثاني: أن واجب الإنظار على المعسر إنما هو في ربا القروض خاصة أما الديون في سائر المعاملات فليس فيها نظرة بل أداءها أو الحبس.
الأساس الثالث: تصحيح جملة من العقود التمويلية، وعلى رأسها "التورق المصرفي المنظم".
الأساس الرابع اعتماد المصارف الإسلامية على العائد المتحصل من الإقراض [بغض النظر عن صورتها أو عن صحتها] .
الأساس الخامس: النظر في مصلحة المصارف الإسلامية في المحافظة على ربحيتها ومحاولة تجنيبها التعثر في تحصيل ديونها.
الأساس السادس: عدم النظر إلى جشع هذه المؤسسات المالية بغض النظر عن أجهزتها التي توصف بأنها إسلامية أو ربوية، والتي تتجشم أنواع الحيل في تحصيل قروضها، وتبالغ في الاستيثاق والاحتياط لضمان أرباحها فضلا عن رؤوس أموالها.
الأساس السابع: عدم الالتفات إلى مصلحة المدين.
الأساس الثامن: النظر إلى المدين بنظرة سلبية وهي المماطلة.
الأساس التاسع: إلغاء النظرة الشرعية في إعسار المنظر والمتعثر.
الأساس العاشر: النظر في اعتبار تغيير الأحكام إلى فساد أهل الزمان، ثم قصر هذا الفساد على المدين بعلة فساده وخيانته دون النظر إلى فساد المصرف وتلاعبه.
الأساس الحادي عشر: عدم الحذر من تطويع المصارف المالية [الإسلامية منها والربوية ] لهذه الفتوى في تحقيق مآربها وذلك بإعادة صورة ربا الجاهلية من مضاعفة الديون، فإن المصارف حريصة كل الحرص على أن يكون هذا الربح الذي سينتج من عملية التمويل الذي سيرتبه المصرف والذي سيتكلفه العميل لسداد ديونها: يصب في خزانتها وذلك بأن يكون الممولُ جهةً لحسابها بطريقة أو أخرى أو أن يكون بينها وبين البنوك مقاصةً، فإن هذا الربح هو مقصود البنوك من إنشائها، ويسيل له لعابها، وما ذكر في هذه الفتوى من قيد ألا يعود هذا الربح بوجه من الوجوه إلى الدئن (البنك أو المصرف) إن تقبله المصرف شكلا فإنه لن يستطيع الصبر على مرارة مضمونه من تفويت الربح، فيقع المحذور ويقع الربا بصورته الجاهلية.
بل إني أزيد فأقول:
إن من الصعب تصور أن يتنازل المصرف أو البنك بكامل هذا المقدار من الربح، وذلك لسبب بسيط وهو أن سرعة اقتحامها في باب الحيل واستصدار الفتاوى يساوي أضعاف حرصها على مضمونها الإسلامي.
وللمجيب أن يقول:
إذا كان د. نزيه حماد بنى بحثه هذا على إحسان الظن بالمصارف الإسلامية فإن جوابك هذا مبني على إساءة الظن بها.
وأقول:
والأمر كذلك لما أرى ولما أسمع حتى يتبين لي العكس.

========================================
ملاحظات:
الملاحظة الأولى:
المتأمل في النصوص الشرعية المحرمة للربا يجد أن فيها نظرا إلى جهتين اثنتين:
1- إلى جشع الأغنياء في مضاعفة الدين الذي لهم.
2- إلى ضعف الفقراء في مضاعفة الدين الذي عليهم.
وبما أن د. نزيه حماد يرى جواز التورق المنظم:
فظاهرٌ جداً التئام هذه الفتوى من بعض الوجوه مع أصله في هذا الباب، وهو حصر معنى الربا في الجهة الأولى وهي دفع جشع الأغنياء في مضاعفة الديون التي لهم.
وبالتالي:
فإنه أجاز هذه الصورة من العقد مع تضمنها لأحد المعاني الموجودة في ربا الجاهلية وهو تكلف المدين في السداد فوق دينه.
وإذا سلم بصحة هذه الطريقة:
بناء على أن المعنى الآخر في ربا الجاهلية لم يتوفر في هذا العقد وهو جشع الدائن بمضاعفة دينه الذي له من المدين، وذلك عن طريق تمويل العميل من جهة أخرى غير المصرف، وإنما يقوم المصرف بالترتيب فحسب.
فعلى فرض التسليم بصحة وإمكان وقوع هذه الطريقة فإنا نقول:
هذا المعنى الذي انتهى إليه الأستاذ يحوم قريبا من أغلظ صور الربا وأبشعها، ومن أنعم النظر في احتياط الشارع في المباعدة والنأي عن الربا حتى منع صورا أشكل على العلماء وجه منعها: علم أن إجازة هذه الصورة إنما هو تفكيك للنظام الإسلامي في باب الربا لما فيها من تجويز بعض الصور القريبة والتي هي قاب قوسين أو أدنى من أغلظ صور الربا ، وقد سبق بيانه وجه قربه في الأساس الحادي عشر.
الملاحظة الثانية:
تفوق المصارف المالية الإسلامية بصورتها الحالية على المصارف الربوية أتى من عدة نواحي أبرزها أمرين اثنين:
1- صبغتها الإسلامية المناوئة للربا.
2- تحصيل الفوائد من غير تصريف لها، فتحصل الأرباح عن طريق العمليات المتخذة صورا عدة من أشكال القروض، كل ذلك من غير دفع أية فوائد لحسابات المودعين حفاظا لصورتها الإسلامية.
ولا أدري ما السبب – إلا أن يكون الجشع - في ابتكار أنواح الحيل في جواز تحصيلها للفوائد عن طريق كثير من المنتجات المبتكرة أو المكررة، مع عدم السعي في طرق أي باب يجيز للعميل تحصيله للفوائد جراء ديونه المودعة في حساباته الاستثمارية
بينما المؤسسات الربوية تقوم أرباحها من الفوائد عن طريق معادلة حسابية تقوم أحد أطرافها بدفع فوائد على الحسابات لديها بنسب معلومة، وأصل هذه الفوائد فائضة من فوائد القروض التي تم إقراضها للأفراد والمؤسسات، فالفرق بين الفوائد المحصلة والفوائد المدفوعة يمثل ربحية هذه البنوك الربوية.
بينما يسلم للبنوك الإسلامية ربحها المحصل من القروض بشكل كامل غير منقوص.
الملاحظة الثالثة:
دافع د. نزيه حماد عن اقتراحه لهذه البدائل:
بكونها من المخارج الشرعية المحمودة وليست من الحيل المذمومة الفاسدة.
ثم جعل معيار التفرقة بين النوعين:
مبنيا على النظر إلى مآلات الأفعال والتعويل على مقاصد التصرفات وأغراض المكلفين منها.
وإذا كان الأمر كذلك:
فإن من المصلحة حمل المدين على سداد دينه عند محل أجله بترتيب المؤسسات المالية مع العميل على حصوله على سيولة تعدل مقدار دينه....
ويبدو لي:
أن هذا النظر قاصر على مصلحة المصرف وهو أمر مسلم به لكن هل في هذا مصلحة للمدين، وهل في هذا احتراز من تلاعب المصارف في مضاعفة أرباحها من المدين أم أن فيه تسليطا للمصارف والبنوك على رقبة المدين، وما إلى ذلك من الفاسد المذكور بعضها في هذه الجواب.
لعل الأمر يحتاج إلى ميزان آخر في الترجيح بين كفتي هذا العقد، وذلكم بضبطه بمعايير جديدة تكفل للضعفاء حقوقهم والتي أرساها الإسلام وفرغ منها، ومن أهمها إنظار المعسر، والتي تشكل هذه الفتوى كسر آخر ما تبقى له من حق في عالم الأقوياء.
الملاحظة الرابعة:
يجب النظر إلى هذه المصارف بكونها مصارف مالية ربحية وليست جمعيات خيرية، وإذا صح إضافة "الإسلامية" إليها فإنما يكون من باب الجواز الشرعي لا الثناء الشرعي.
الملاحظة الخامسة:
تظهر الحاجة إلى وجود جهة فاعلة تقوم بالنظر في مصلحة المدينين الضعفاء، ولكن يكمن الإشكال أن مصالح البنوك تقوم عليها جهات تمويلية وعلى رأسها البنوك أنفسها، لكن من يمول للأبحاث التي تقوم على حقوق الضعفاء؟
هل هم الضعفاء؟
إن الضعفاء لو استطاعوا تمويل هذه المشاريع لاستطاعوا تسديد القروض التي أنهكت ظهورهم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
===============================

التورق: حكمه وبدائله المعاصرة


خاتمة ملخص البحث

1- التورق مصطلح فقهي جرى استعماله على ألسنة فقهاء الحنابلة دون غيرهم من أهل العلم، ومرادهم به "أن يشتري المرء سلعة بالنسيئة ثم يبيعها لغير بائعها نقدا بأقل مما اشتراها به، ليحصل بذلك على النقد".

وهذا المفهوم الاصطلاحي مستمد من المعنى اللغوي للكلمة، وهو: سعي المرء بكلفة ومشقة للحصول على النقد. (نظرا لاشتقاقها من "الوَرِق" الذي يعني في أصل الوضع الدراهم الفضية، التي هي مقصود المتورق وغرضه، ثم توسع في مدلول الكلمة حتى شملت تحصيل مطلق النقود على ذلك النحو).

ويستعمل الشافعية مصطلح "الزرنقة" بدل التورق، أما بقية الفقهاء فقد عرفوا مفهوم التورق، وتكلموا عنه في معرض كلامهم عن "العينة" أو "بيوع الآجال" ولكن من غير إطلاق تسمية خاصة عليه.
===============================
2- وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى جواز التورق، وخالفهم في ذلك ابن تيمية، وذهب إلى كراهته، وهي رواية عن أحمد، وحكي عنه اختار حرمته، وهي رواية ثالثة عن أحمد. وقد ارتضى ابن القيم مذهب شيخه ابن تيمية بحظر هذه المعاملة.
===============================
3- وظهر لنا بعد النظر والتأمل في أدلة الفريقين ومناقشتها بإنصاف وتجرد أن حجج جمهور الفقهاء المجيزين للتورق صحيحة قوية، سالمة من الإيراد عليها، بخلاف أدلة المانعين، فإنها ضعيفة واهية، لا تصمد أمام النقد العلمي النزيه، البعيد عن التقليد والتعصب، ولا يصح الركون إليها أو الاعتماد عليها.
===============================
4- أما عن التطبيقات المعاصرة للتورق، فقد بينا توجه كثير من المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة إلى التعامل بالتورق المصرفي المنظم كبديل شرعي للقرض الربوي، الذي تقدمه البنوك التقليدية من جهة، وكبديل عملي منسق مبرمج للتورق الفردي، الذي يكلف المتورق عادة خسائر مالية فادحة، وكثيرا من المشقة والعناء من جهة أخرى، وأنه يقوم على التورق الشرعي وآليته، غير أنه يجري وفق منظومة تعاقدية مستحدثة أفضل، تكفل حصول العميل على السيولة النقدية المطلوبة في الوقت المرغوب، من غير تعرض للصعوبات والخسائر البالغة التي تكتنف عملية التورق الفردي عادة، وذلك عن طريق شراء المصرف للعميل سلعة أو أكثرب من سوق السلع الدولية (التي تتسم أسعارها بالثبات النسبي، لتقيه مخاطر التقلبات الحادة في أسعار غيرها) ثم بيعها نقدا لطرف ثالث بالنيابة عن العميل بعد ثبوت ملكيتها له، بغينة توفير النقد المطلوب له.
===============================
5- وقد تبين لنا بعد المناقشة المستفيضة للتورق المصرفي المنظم أن حكمه الشرعي –إذا وقعت سائر عقوده ووعوده على الوجه الشرعي – هو الجواز والمشروعية، بشرط أن تباع السلعة أو السلع التي يشتريها العميل لطرف ثالث، لا علاقة للمصرف به، وأن لا تؤول المعاملة بأي وجه من الوجوه إلى رجوع السلعة إلى بائعها بثمن معجل أقل مما باعها به نسيئة.
===============================
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
=========================

فوائد وإضافات من البحث السابق مما لم يذكر في النتائج:

يقول الأزهري اللغوي الشافعي (1) في كتابه " الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (2):


وأما الزرنقة: فهو أن يشتري الرجل سلعه بثمن إلى اجل ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد وهذا جائز عند جميع الفقهاء وروى عن عائشة رضي الله عنها إنها كانت تأخذ من معاوية عطاءها عشرة آلاف درهم وتأخذ الزرنقة مع ذلك وهي العينه الجائزة
===========================================

عرض بعض أدلة المجيزين (التورق):
1- عموم النصوص القرآنية الدالة على جواز كل بيع إلا ما خص بالدليل.
2- قياس الأمور بأشباهها ونظائرها، وإن من المؤكد :
أ‌- أن التورق شبيه ونظير لمبايعات التجار المشروعة بالإجماع فقد يشتري بالنسيئة ويبيع بالنقد...وقد يبيع بأقل مما اشترى به ليتورق ويحصل على النقد فيعيد الاتجار به أو يفي به ديونه..
ولا فرق في النظر الشرعي أن يكون قصده من الشراء مصلحة التورق أو مصلحة الاسترباح أو مصلحة الانتفاع بالمبيع، فكل ذلك قصد مشروع لعدم وجود دليل شرعي معارض قطعا وفي ذلك يقول ابن سعدي: ...
ب‌- وأن التورق شبيه بالمخرج الشرعي الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم صاحب التمر الرديء الذي يريد الحصول على تمر جيد بدله بعدما حظر الشارع عليه أن يبيع صاعين من تمره مثلا بصاع من الجيد يساويه في القيمة باعتباره من ربا الفضل)ِ.....
فقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتعد عن الصيغة المحرمة وأن يستبدلها بعقدين صحيحين مستقلين لا صلة بينهما يحقق تواليهما غرض صاحب التمر الرديء بالحصول على بدله من التمر الجيد مع التفاضل في القدر، دون أن يؤثر ذلك القصد في مشروعية وصحة العقدين المشار إليهما لأنه قصد سائغ شرعا، وإن كان التوسل إليه ببيعة واحدة محرما.
وكذلك الأمر في التورق، فإذا كان من المحظور شرعا الحصول على النقد بقرض ربوي أو ببيع العينة الذي هو حيلة ربوية، فإن من السائغ في النظر الفقهي الحصول عليه بطريق التورق لأن قصد الحصول على النقد للتوسع فيه أو لوفاء دين حال
أو لأية حاجة أخرى أمر جائز كأصل شرعي إذا تم ذلك أثر لعقد معاوضة جائزة....

===========================================

عرض بعض أدلة المانعين:
1- أن فيه معنى الربا مع زيادة الكلفة، وأن الشارع لا يمنع الضرر اليسير ثم يبيح ما هو أكثر منه.
2- أن التورق بيع المضطر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

الأجوبة:
أن قياس المتورق على المقترض بالربا بعلة التزام كل منهما في ذمته بزيادة على ما حصل عليه من نقد معجل فياسٌ مع الفارق لأن هذه العلة غير مؤثرة لمناقضتها لأصل تشريعي مفاده أن حصول المحتاج وغيره على النقد المعجل مقابل بدل مؤجل أكثر منه إنما هو محظور شرعا في مسألة القرض الربوي والعينة التي هي حيلة إليه فقط.

أما الحصول عليه عن طريق عقود مشروعة أو مخارج شرعية ليست من هذا القبيل فهو جائز مرخص فيه والأصل الشرعي إباحته لانتفاء أي دليل حاضر، واعتبارا للأشباه والنظائر الآتية:
1- مشروعية عقد السلم، الذي سماه الفقهاء "بيع المفاليس" ,و"بيع المحاويج" حيث يحصل فيه المحتاج ونحوه على نقد معجل مقابل سلعة موصوفة من ذمته مؤجلة تساوي قيمتها السوقية أكثر مما أخذ، وذلك في معنى التورق من حيث النتيجة والمآل. قال الكاساني: "السلم مبناه على الغبن ووكس الثمن، لأنه بيع المفاليس".
2- مشروعية القرض الحسن الذي يتم عبر ذي جاه يقترض للمحتاج النقود بناء على طلبه من ثالث مقابل جعل له على ذلك في قول الشافعية والحنابلة إذ في هذه المسألة يلتزم المقترض بأكثر من المبلغ الذي اقترضه، ولكن الزيادة لا تكون للمقرض بل جَعالة لمن أعانه على الحصول عليه. ولا حرج شرعا في ذلك.
===============
الأمر الثاني:
احتجاج المانعين بأن المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود في مسألة التورق مع زيادة الكلفة وأن الشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه غير مسلم من وجهين:
أحدهما: أن المعنى الذي لأجله حرم الربا هو ظلم المقرض للمقترض بأخذ زيادة مشروطة على ما دفع إليه في عقد قرض أو حيلة ربوية إليه.
وليس مجرد تحمل المحتاج خسارة مالية مقابل حصوله على نقد معجل في عقد معاوضة مالية محضة كالسلم أو في مقابلة الحصول على سلعة معجلة في بيع النسيئة، فذلك جائز مشروع بإجماع الفقهاء. إذ إن من المقرر شرعا جواز كون النقد المعجل (رأس المال) في عقد السلم أقل من القيمة الحاضرة للمبيع المؤجل فيه، بحيث يزاد في المسلِّم فيه مقابل تأجيله، وكذلك يأخذ الأجل قسطا من الثمن في بيع النسيئة.(3)

ولا يخفى:
أن بائع السلعة نيسئة للمتورق ليس بآخذ زيادة على رأس المال في قرض ربوي أو حيلة إليه، وليس بظالم له كالمرابي، وإنما هو بائع سلعته منه بثمن مؤجل عادل زائد على الحال، وذلك جائز شرعا حتى ولو كان المشتري مضطرا إليها....
والثاني: إن زيادة الكلفة في التورق على الاقتراض بفائدة إن وقعت لا تصلح دليلا على حظر التورق نظرا لأن الشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه...فذلك كلام لا معنى له في هذا المقام، لأن القرض الربوي محرم نصا والتورق جائز شرعا لعموم الأدلة المبيحة له مع انتفاء الحاضر.

يوضح ذلك ويؤكده:
1- أنه لا يوجد أحد من أهل العلم يقول بحظر بيع التمر الردئ بالدراهم، ثم ابتياع مقدار أقل من التمر الجيد بتلك الدراهم، إذا كان مقدار ما يحصل عليه صاحب التمر الردئ من التمر الجيد نتيجة لذلك أدنى مما يحصل عليه من الجيد فيما لو باع التمر الردئ بالتمر الجيد مع التفاضل من آخر بحجة أن الشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه!

2- ولا أحد من أهل العلم أيضا يقول بتحريم شراء المحتاج للسلعة بثمن عادل نسيئة إذا كان اقتراض ثمنها فائدة بالفائدة ثم شراؤها به نقدا يجعلها أرخص عليه من الشراء بالنسيئة بحجة أن الشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه!

3- ولا أحد من أهل العلم يقول بحضر بيع السلم إذا أدى استرخاص رب السلم للبيع المؤجل إلى زيادة كلفة حصول المسلم إليه على النقد (رأس مال السلم) عما إذا اقترض مقدار رأس المال بالربا، بحجة أن الشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه!.

الأمر الثالث:
استدل المانعون على تحريم جواز التورق بأنه من بيع المضطر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، فيكون التورق محظورا، وهذا الاستدلال غير مسلم لوجوه:

أحدها: أن حديث النهي عن بيع المضطر ضعيف لا يصلح الاحتجاج به كما قرر علماء الحديث...

والثاني: أننا لو سلمنا جدلا بمنع بيع المضطر، فيجب التنبه إلى أنه ليس كل مضطر إلى شراء ما يحتاج إليه هو وعياله من طعام وشراب ودواء...أو إلى بيع ما عنده لشراء ذلك يدخل في مفهوم المضطر الذي نهي عن بيعه، قال ابن حزم – بعد بيانه ضعف حديث النهي عن بيع المضطر- : فإذا لم يصح هذان الخبران، فلنطلب هذا الحكم من غيرهما، فوجدنا كل من يبتاع قوت نفسه وأهله للأكل واللبس فإنه مضطر إلى ابتياعه بلا شك، فلو بطل ابتياع هذا المضطر لبطل بيع كل من لا يصيب القوت من ضيعته، وهذا باطل بلا خلاف...وقد ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم أصواعا من شعير لقوت أهله، ومات ودرعه مرهونة في ثمنها، فصح أن بيع المضطر إلى قوته وقوت أهله، وبيعه ما يبتاع به القوت بيع صحيح لازم فهو بيع عن تراض، لم يجبره عليه أحدٌ، فهو صحيح بنص القرآن.".

والثالث: إن المانعين لبيع المضطر لم يقولوا بذلك على عمومه، حتى يشمل التورق على وجهه الصحيح، بل خصوه بحالة الظلم والغبن الفاحش في مبايعة المضطر، أما مبايعته بالعدل بمعنى بيعه ما هو مضطر إليه بمثل المثل أو ما في حمكها (وهو الغبن اليسير) أو الشراء منه ...فهي صحيحة مشروعة باتفاق أهل العلم، بل إن بعضهم نص على كونها مطلوبة في النظر الشرعي لما في ذلك من معونته على دفع ضرورته.

قال الخطابي في معالم السنن:
بيع المضطر يكون من وجهين:

أحدهما: أنه يضطر إلى العقد من طريق الإكراه عليه. فهذا فاسد لا ينعقد.

والوجه الآخر: أن يضطر إلى البيع لدين يركبه، أو مؤنة ترهقه، فيبيع ما في يده بالوكس من أجل الضرروة. فهذا سبيله في حق الدين والمروءة أن لا يبايع على هذا الوجه، وأن لا يفتات عليه بماله".

والرابع: لو سلمنا جدلا بمنع بيع المضطر، فإن المعنى الذي من أجله منع بيع المضطر غير متحقق في التورق.....
===========================================

يقول د. نزيه حماد:
أما تحمل المتورق بعض الخسارة في عملية التورق نظرا لكون الثمن الذي يشتري به السلعة نسيئة أكثر من الثمن الذي يبيعها به نقدا لطرف ثالث فذلك مأذون به شرعا إذ نص جماهير الفقهاء على أن الأجل يأخذ قسطا من الثمن في بيع النسيئة...قال الكاساني: "لا مساواة بين النقد والنسيئة لأن العين خير من الدين، والمعجل أكثر من قيمة المؤجل".

===============================

يقول ابن سعدي معللا جواز التورق:
لأن المشتري لم يبعها من البائع عليه، وعموم النصوص تدل على جوازها، وكذلك المعنى، لأنه لا فرق بين أن يشتريها ليستعملها في أكل أو شرب أو استعمال أو يشتريها لينتفع بثمنها، وليس فيه تحيل على الربا بوجه من الوجوه مع دعاء الحاجة إليها، وما دعت إليه الحاجة، وليس فيه محذور شرعي، لم يحرمه الشارع على العباد."(4)
==========================================

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالته المدينة:

ولكن نظرا لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط :


1- أن يكون محتاجا إلى الدراهم ، فإن لم يكن محتاجا فلا يجوز ، كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره .

2- أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض ، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنه لا حاجة به إليها .

3- أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول : بعتك إياها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك ، فإن اشتمل على ذلك فهو إما مكروه أو محرم ، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا : كأنه دراهم بدراهم ، لا يصح . هذا كلام الإمام أحمد . وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين : بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة .

4- أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم . فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجه كيلا يحصل تضييق على الناس .

==========================================

يقول ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية:
اسم التحيل يفيد معنى إبراز عمل ممنوع شرعا في صورة عمل جائز أو إبراز عمل غير معتد به شرعا في صورة عمل معتد به، بقصد التفصَّي من مؤاخذاته، فالتحيل شرعا ما كان المنع فيه شرعيا، والمانع الشارع.
فأما السعي إلى عمل مأذون بصورة غير صورته، أو بإيجاد وسائله، فليس تحيلا، ولكنه يسمى تدبيرا أو حرصا أو ورعا".(5)
===========================================

قال ابن القيم في إعلام الموقعين:
"وكان شيخنا يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مرارا، وأنا حاضر، فلم يرخص فيها، وقال: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه."
===========================================

يقول الشافعي رحمه الله في كتابه الأم(6):

فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذى اشتراها منه ومن غير بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوى، وليست البيعة الثانية من البيعة الاولى بسبيل، ألا ترى أنه كان للمشترى البيعة الاولى إن كانت أمة أن يصيبها أو يهبها أو يعتقها أو يبيعها ممن شاء غير بيعه بأقل أو أكثر مما اشتراها به نسيئة؟ فإذا كان هكذا فمن حرمها على الذى اشتراها؟ وكيف يتوهم أحد؟ وهذا إنما تملكها ملكا جديدا بثمن لها لا بالدنانير المتأخرة؟ أن هذا كان ثمنا للدنانير المتأخرة وكيف إن جاز هذا على الذى باعها لا يجوز على أحد لو اشتراها؟


ويقول الشافعي (7):

أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر لم أبطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين وأجزته بصحة الظاهر
وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع
وكما أكره للرجل أن يشترى السيف على أن يقتل به ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه أنه يقتل به ظلما لأنه قد لا يقتل به ولا أفسد عليه هذا البيع
وكما أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يراه أنه يعصره خمرا ولا أفسد البيع إذا باعه إياه لأنه باعه حلالا، وقد يمكن أن لا يجعله خمرا أبدا، وفى صاحب السيف أن لا يقتل به أحدا أبدا، وكما أفسد نكاح المتعة، ولو نكح رجل امرأة عقدا صحيحا وهو ينوى أن لا يمسكها إلا يوما أو أقل أو أكثر لم أفسد النكاح إنما أفسده أبدا بالعقد الفاسد.


ويقول أيضاً:
ولا خير في أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق غير فاسد
وأكره لهما النية
إنما أنظر في كل شيء إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لأن النية حديث نفس وقد وضع الله عن الناس حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا.
=============================================

قال أبو فراس:
الذي يبدو لي والعلم عند الله :
هو جواز عقد التورق من حيث الأصل مع كراهة العمل به لقصد الشارع عدم إشغال الذمم بالديون بأكثر مما تقترض، واشتماله على أحد المعاني الواقعة في الربا وهو تكلفه بأكثر من دينه الذي اقترض، وإن كان غياب المعنى الآخر في الربا وهو ظلم المقرض للمستقرض يمنع من إنزال حكم الربا على هذا العقد لقصوره عنه، ولكن لا أقل من الكراهة نظرا إلى التفات الشارع إلى حظ المقترض....
وتزول الكراهة بالحاجة....
والمفتي في هذه المسألة :
ينبغي عليه أن يكون حذرا فطنا لأحوال الناس، فقد يكون إطلاق الفتوى بالجواز سببا من أسباب إغراق الناس بالديون في سبيل تحصيلهم للرفاهية التي تكون غالباً على حساب حاجياتهم وضروراتهم المستقبلية لاسيما وأن كثيرا ممن يتورط في هذه العقود هم فئام من صغار السن الذين استغلت البنوك حداثة أسنانهم لابتلاع رواتبهم الوليدة عن طريق إغرائهم بأحدث أنواع المركبات التي آلت إلى هؤلاء نكبات مبكيات يحدثك عنها المجتمع بأسره
-----------------
هذا بالنسبة لمن احتاج إلى الورق فلجأ إلى هذه العملية
أما البائع فهو على قسمين:
إن كان يبيع نقدا وآجلا فهذا لا بأس به مثله مثل سائر أنواع البيع.
أما إن كان لا يبيع إلا إلى أجل فهؤلاء هم أهل العينة والشبهة فيهم قوية جدا ويتمثلون اليوم في البنوك بأظهر صورها.
===========================================

1- هو محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي أبو منصور.

2- الزاهر - (ص 216)

3- كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 29/499، وحكى ابن قدامة وجه لزوم الأجل عند التراضي على تأخير ثمن المبيع والأجرة والصداق وعوض الخلع: "بأن الأجل فيها يأخذ جزءا من العوض". المغني 6/432

وأساس ذلك أن للأجل قيمة مالية معتبرة عرفا وشرعا إذا كان في عقود المعاوضات المالية المحضة لأنها تجارة أذن الشارع فيها....وذلك على خلاف الأجل في القرض فإنه لا يجوز أخذ العوض عنه إذ هو من ربا النسيئة لأن القرض في النظر الشرعي عقد إرفاق وإحسان، قوامه تبرع المقرِض بمنافع ماله للمقترض مدة القرض في الدنيا على أن يستوفي قيمتها من الله تعالى يوم القيامة، ولا يصح شرعا جعل القرض سبيلا للاكتساب والاسترباح والمتاجرة بالديون في الدنيا بأخذ البدل عن الأجل فيه.

4- الإرشاد إلى معرفة الأحكام لابن سعدي ص107

5- مقاصد الشريعة الإسلامية ص 110

6- الأم - (ج 3 / ص 79)

7- الأم - (ج 3 / ص 75)
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المعاوضة من الالتزام
بصرف العملات في المستقبل



الخاتمة



الضوابط الشرعية للمعاوضة عن الالتزامات



لقد ظهر لي بعد الاستقراء والتتبع الدقيق للقضية (محل البحث) وإنعام النظر في مذاهب الفقهاء وأرائهم في المسائل ذات العلاقة بها، وإعمال الفكر في مناقشة أقاويلهم وأدلتهم، في ضوء مدارك الشريعة، وقواعدها الكلية ومقاصدها العامة في جلب المصالح ودرء المفاسد، ورفع الحرج عن العباد، في ظل حاجات الناس وظروف حياتهم في هذا العصر: أن كل التزام –سواء كان بفعل أو امتناع عن فعل، بتصرف عقدي أو غير عقدي، بمعاوضة أو تبرع أو غير ذلك- تجوز المعاوضة عنه بالمال إذا توافرت فيه الشروط الأربعة الآتية:



1- أن يكون فيه نفع حقيقي مقصود للملتزَم له.


2- أن يكون نفعه مشروعا في حالة السعة والاختيار.


3- أن يكون متقوِّما (أي له قيمة مالية في عرف الناس).


4- أن يكون مقدور الوفاء به.

والله تعالى أعلم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
عقود الإذعان


الخاتمة


أهم نتائج البحث

1- لقد ظهرت فكرة عقود الإذعان والتشريعات المتعلقة بها في الفقه القانوني الغربي الحديث، ولم تكن معروفة من قبل، ثم أخذت بها التقنيات العربية المستمدة منها.
ويرجع أساسها إلى ضررورة الحد من إطلاق العمل بمبدأ سلطان الإرادة العقدية، ولزوم الاستثناء من عموم قاعدة (العقود شريعة المتعاقدين) في بعض الظروف والأحوال التي يترتب على إعمالها لحوق ظلم وعسف بأحد طرفي العقد، وذلك بإعطاء السلطة القضائية حق تعديل أو إلغاء بعض الشروط التعسفية – التي تراضى عليها العاقدان – لصالح الطرف الضعيف، وفقا لما تقضي به العدالة، بالإضافة إلى وجوب تفسير العبارات الغامضة في العقد لمصلحة الطرف المذعن مطلقا، أي سواء كان دائنا أم مدينا.

2- ويشترط في عقد الإذعان توفر أربعة شروط:

أحدها: أن يكون محل العقد سلعا أو منافع يضطر أو يحتاج إليها عموم الناس، ولا غنى لهم عنها، كالماء والكهرباء والغاز والهاتف...إلخ.

والثاني: احتكار الموجِب لتلك السلع أو المنافع أو المرافق.

والثالث: انفراد الطرف الموجِب بوضع تفاصيل العقد وشروطه، دون أن يكون للطرف الآخر أي حق في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله.

والرابع: صدور الإيجاب (العرض) موجها إلى الجمهور، موحدا في تفاصيله، ساري المفعول لمدة طويلة.

4- ويتم انعقاده بتلاقي وارتباط الإيجاب والقبول (الحكميين) وهما كل ما يدل عرفا على تراضي طرفيه وتوافق إرادتيهما على إنشائه.

5- يجب شرعا خضوع عقود الإذعان لرقابة الدولة قبل بدء التعامل بها، من أجل إقرار ما هو عادل منها، وتعديل ما انطوى على ظلم أو شروط تعسفية بالطرف المذعن، بما يحقق العدل والتوازن بين المصالح.

6- تنقسم عقود الإذعان – في النظر الفقهي – إلى قسمين:

أحدهما: ما كان الثمن فيه عادلا، ولم تتضمن شروطه ظلما بالطرف المذعن، فهو صحيح شرعا، ملزم لطرفيه، وليس للدولة أو القضاء حق التدخل فيه بأي إلغاء أو تعديل.

والثاني: ما انطوى على ظلم أو إجحاف بالطرف المذعن، بأن كان الثمن فيه غير عادل أي فيه غبن فاحش أو تضمن شروطا تعسفية ضارة به. فهذا يجب تدخل الدولة في شأنه – قبل طرحه للتعامل مع الناس – بالتسعير الجبري العادل، الذي يدفع الضرر والظلم عن العامة قبل وقوعه، وذلك بتخفيض الثمن المتغالي فيه إلى عوض المثل، أو بإلغاء أو تعديل ما فيه من شروط جائرة بما يحقق العدل بين طرفيه.

8- أما الوكالات الحصرية للاستيراد – التي تشبه عقود الإذعان بوجه ما – فلها ثلاث حالات:
الأولى: عندما لا يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة إلى المنتج الذي تتعلق به الوكالة الحصرية، نظرا لكونه من السلع أو المنافع الترفيهية التي يمكن الاستغناء عنها، أو عندما يكون هناك ضرورة أو حاجة غير متعينة إليه، لوجود مثيل أو بديل له متوفر في الأسواق بسعر عادل، فإن من حق الوكيل المستورد أن يبيعه بالثمن الذي يتراضى به مع المشتري عليه، وليس للدولة أو للقضاء حق التدخل بالتسعير عليه فيه.

والثانية: عندما يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة متعينة بمتعلق الوكالة الحصرية، والوكيل باذل له بثمن عادل، لا يتضمن غبنا فاحشا أو تحكما ظالما، فلا يحق للدولة أن تتدخل بالتسعير عليه فيه.

والثالثة: عندما يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة متعينة بمتعلق الوكالة الحصرية، والوكيل ممتنع عن بيعه إلا بغبن فاحش أو شروط جائرة تضر بالناس المضطرين أو المحتاجين إليه وتضيق عليهم. ففي هذه الحالة يجب على الدولة أن تتدخل لرفع الظلم عن الناس عن طريق التسعير الجبري عن الوكيل، القاضي بإلزامه ببيعه لهم بالبدل العادل، وهو ثمن المثل الخالي عن شروط تعسفية.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
لم يسجل الدكتور نزيه حماد نتائج بحثه "ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط" فاستعنت بالله وسجلت أهم نقاط البحث:



ضمان الودائع الاستثمارية


في البنوك الإسلامية


بالشرط


قال القاضي أبو يوسف:
"ما كان أرفق بالناس فالأخذ به أولى لأن الحرج مرفوع."

قال الثوري:
" إنما العلم الرخصة من الفقيه، فأما التشديد فيحسنه كل أحد."

قال المقَّري في قواعده:
"قاعدة: التوسعة العامة عند مالك توجب الاستثناء من الأصول قياسا على ما وردت به النصوص" أي في الرخص الشرعية.

قال السرخسي:
"لا بأس للإنسان من مباشرة ما يعتقد جوازه وإن كان فيه اختلاف العلماء ولا يكون ذلك منه تركا للاحتياط في الدين".

================ ====================


تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً:
لا خلاف بين الفقهاء في أن يد المضارب على رأس مال المضاربة يدُ أمانة، وأن الأصل عدم ضمانه لخساته أو نقصانه أو تَوَاه إذا وقع ذلك من غير تعديه أو تفريطه.
واحتجوا على ذلك:
1- بأن المضارب نائب عن رب المال في اليد والتصرف وذلك يستوجب أن يكون ذهاب المال أو خسارته في يده كهلاكه أو خسارته في يد صاحبه حيث إنه قبضه بإذنه ورضاه دون قصد تملكه أو التوثق به.
وبعبارة أخرى: لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه لا على وجه البدل أو الوثيقة.
2- باستصحاب البراءة الأصلية للحائز، وقد عبر عن ذلك الشوكاني بقول: الأصل الشرعي هو عدم الضمان....فإن التضمين حكم شرعي يستلزم أخذ مال مسلم معصوم بعصمة الإسلام فلا يجوز إلا بحجة شرعية وإلا كان ذلك من أموال الناس بالباطل.-

ثانياً:
اخلتفوا في صحة تضمينه هلاك رأس مال المضاربة أو خسارته إذا اشترط رب المال عليه ذلك على قولين:

أحدهما:
لجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد المشهور من مذاهبهم، وهو أن هذا الاشتراط باطل لمنافاته لمقتضى العقد وأن الشرط لا يغير حكم أصله، وأن أصل القراض موضوع على الأمانة فإذا شرط فيه الضمان فذلك خلاف موجب أصله، والعقد إذا ضامه شرط يخالف موجَب أصله وجب بطلانه.
وأخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

الثاني:
للمالكية في غير المشهور (لابن بشير ونصره تلميذه ابن عتَّاب) وأحمد في رواية عنه واختاره ابن تيمية ونصره الشوكاني، وهو أن شرط الضمان على المضارب صحيح معتبر شرعا.

أدلة هؤلاء:
1- حديث "المسلمون على شروطهم". في المغني لابن قدامة: وعن أحمد أنه سئل عن شرط ضمان ما لم يجب ضمانه، هل يصيره الشرط مضمونا؟ فقال: "المسلمون على شروطهم". وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه، ووجوبه بشرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم."
2- بأن المضارب قد رضي لنفسه بقبوله اشتراط الضمان عليه التزام ما لم يكن يلزمه، والتراضي هو المناط في تحليل أموال العباد.
قال الشوكاني في السيل الجرار عن الأمناء :
"ولا يضمنون إلا لجناية أو تفريط، وإذا ضَمِنوا ضمِّنوا لأنهم قد اختاروا ذلك لأنفسهم، والتراضي هو مناط التحليل في أموال العباد."
وقال أيضاً:
"وقد عرَّفناك غير مرة أن المناط في تحليل الأموال أعم من أن تكون أعيانا أو منافع هو التراضي إلا أن يرد الذي تقوم به حجة بمنع التراضي في ذلك بخصوصه..."
3- أن اشتراط صاحب المال على المضارب عود رأس المال إليه أو مثله مثلُ اشتراط صاحب البذر في المزارعة أن يأخذ مثل بذره، ثم يقتسمان الباقي...ومثل اشتراط عود الشجر والأرض إلى صاحبها في المزارعة والمساقاة.
جاء في اختيارات ابن تيمية:
"وإذا شرط صاحبُ البذر أن يأخذ مثل بذره، ويقتسما الباقي جاز كالمضاربة".
وجاء في الفروع لابن مفلح:
"وشرط أخذ مثل بذره، واقتسام الباقي، فاسد. نص عليه. ويتوجه تخريج من المضاربة. قال شيخنا – تقي الدين ابن تيمية - : يجوز كالمضاربة."
ونقل ذلك المرداوي في الإنصاف عن ابن مفلح وشيخه ابن تيمية.
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية:
"فأما اشتراط عود مثل رأس المال أي (في المضاربة) فهو مثل اشتراط عود الشجر والأرض"
قال ابن القيم:
"فإن الأرض – في المزارعة – بمنزلة رأس المال في القراض."
===========================================

مناقشة أدلة المانعين:
مبنى احتجاج الذاهبين إلى عدم صحة ومشروعية تضمين المضارب بالشرط كون ذلك الشرط مخالفا لمقتضى عقود الأمانة، وليس من مصلحة العقد فيكون باطلا.
غير أن هذا الاستدلال غير مسلَّم ، وهو محل نظر ونقد، للأسباب الآتية:
أولاً:
أن قاعدة "عدم تضمين يد الأمانة ما تحتها من أموال الغير إلا بالتعدي أو التفريط" أغلبية لا كلية، ولذلك لوجود موجبات ومقتضيات أخرى لتضمين الأمناء، ذكرها الفقهاء غير التعدي والتفريط.
ومنها:
أ‌- التجهيل:
ومعناه:
عدم تبيين الأمين حال الأمانة التي بيده عند موته/ مع علمه بأن واريه لا يعرف كونها أمانة عنده، فإن يصير ضامنا.
والقول بأن تجهيل الأمانة موجب لتضمين الأمناء هو مذهب الحنفية والحنابلة، ووافقهم الشافعية والمالكية في المبدأ، مع خلاف في بعض التفصيلات...
ب‌- العرف:
ذهب بعض فقهاء الحنفية والمالكية إلى اعتبار العرف موجبا لتصيير يد الأمانة يد ضمان إذ العادة محمكة والعرف حجة يلزم العمل به ما لم يخالف نصا شرعيا،
ففي كشف القناع عن تضمين الصناع للمعداني :
"إن قاضي القضاة شمس الدين التتائي بعد أن ذكر في شرحه على خليل قوله في المختصر بعدم تضمين الحرَّاس ما يحرسونه قال ما نصه: والعرف الآن ضمان الحارسين لأنهم إنما يستأجرون على ذلك.
قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر أنه سأل فيمن آجر مطبخا لطبخ السكر وفيه فخار أذن للمستأجر في استعمالها فتلف ذلك،:
"وقد جرى العرف بضمانها على المستأجر، فأجبت بأن المعروف كالمشروط فصار كأنه صرح بضمانها...
أ‌- المصلحة:
ذهب المالكية في المشهور إلى تضمين الصناع....جاء في المقدمات الممهدات: "الأصل في الصناع أن لا ضمان عليهم...وضمنوهم نظرا واجتهادا ...
ب‌- التهمة:
وقد اعتبر بعض فقهاء المالكية التهمة موجبا لتغير حال يد الأمانة وصيرورتها يد ضمان في مسائل متعددة.
ومن ذلك:
1- تضمين الراعي المشترك والسمسار:
قال اللخمي في تبصرته:
"والحاصل أن القياس والنظر هو عدم ضمانه، والذي تقتضيه كثرة خيانة الرعاة في هذه الأزمنة هو ضمانه. وهذا هو الذي نختاره في سمسار الدواب، أعني الضمان فيهما.
2- فتوى ابن حبيب بتضمين صاحب الحمام في الثياب المودعة لديه لأنه جرت العادة بخيانته في ثياب الناس فيضمنها.
ويرجع السبب في كون قاعدة "عدم تضمين الأمناء إلا بالتعدي أو التفريط" أغلبية لا كلية إلى أنه لم يثبت في شيء من نصوص الكتاب أو السنة ما ينهض حجة على قصر موجبات تضمين الأمناء على هذين الموجبين...والتعدي أو التفريط بلا شك حجة شرعية موجبة لتضمينهم، بالإضافة إلى موجبات شرعية أخرى كالتجهيل والعرف والمصلحة والتهمة، وكذا الشرط الذي هو أقواها وأحراها بالاعتبار، وذلك لوقوعه برضا العاقدين...
ثانياً:
أن قاعدة "اشتراط الضمان على الأمين باطل" خلافية وليست محل اتفاق الفقهاء، وهي بالإضافة إلى ذلك أغلبية، وليست كلية مطردة، حيث إن لها استثناءات عديدة يشهد لذلك:
أ‌- القول بأن العارية في يد المستعير تصير مضمونة عليه بالشرط.
ب‌- القول بأن الوديعة أمانة في يد المستودَع غير أنها تصير مضمونة عليه بالشرط.
ت‌- قول عثمان البتي بأن يد المرتهن والراعي يد أمانة لكنها تنقلب إلى يد ضمان بالشرط..
ث‌- اختيار ابن تيمية صحة تضمين الحارس ونحوه بالشرط مع كونه أجيرا خاصا ويده يد أمانة.
ثالثاً:
الاستدلال بأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد غير مسلم، لأن هناك منهجين للفقهاء في مسألة الشروط العقدية ومدى صحة مخالفتها لمقتضيات العقود:
أحدها:
يذهب إلى أن كل شرط يخالف مقتضى العقد فهو فاسد شرعا.
والثاني:
يذهب إلى أن اشتراط ما يخالف مقتضى العقد ليس فاسدا بإطلاق بل ينظر فيه فإن كان فيه مخالفة لنص شرعي أو تحليل حرام أو تحريم حلال فإنه يكون فاسدا وإن لم يكن فيه شيء من ذلك فإنه يكون صحيحا.
وبناء على المنهج الثاني:
وهو الراجح في نظري يكون اشتراط الضمان على المضارب صحيحا ملزما، حيث إنه لا يهدم أصلا شرعيا ثابتا ولا يخالف نصا من نصوص الكتاب أو السنة.
وبيان ذلك:
أن الفقهاء اختلفوا في سلطة العاقدين على تعديل آثار العقود إما بالنقص منها وإما بإضافة التزامات على أحد الطرفين لا يستلزمها أصل العقد بشروط يشترطانها في التعاقد:
1- ذهب الحنفية إلى أن الأصل الشرعي في حرية الشروط هو التقييد، وذلك لأن لكل عقد في النظر الفقهي أحكاما أساسية تترتب عليه تسمى مقضى العقد...وعلى ذلك فلا يكون للعاقدين أن يشترطا ما يخالف هذا المقتضى، فإن اشترطا شرطا مخالفا له كان فاسدا.
وقد اتجه الشافعية وأكثر المالكية وطائفة من الحنابلة إلى نحو ما ذهب إليه الحنفية غير أنهم اختلفوا معهم في الفروع والتفصيلات ومدى صحة التوسع فيها.
2- وتتجه أصول أحمد المنصوصة عنه إلى أن الأصل الشرعي حرية العقود أنواعا وشروطا ووجوب الوفاء بكل ما يلتزمه المتعاقدان ويشترطانه فيه ما لم يكن هناك نص أو قياس صحيح يمنع من عقد معين أو شرط محدد.
قال ابن تيمية:
"وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبا بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما ، وعدم الإيجاب في الأصل ليس نفيا للإيجاب، حتى يكون المشترط مناقضا للشرع، ولك شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا."
ويقول:
الأصل في العقود والشروط الصحة.....وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه."
=========================
الشبهات حول جواز تضمين المضارب بالشرط:
الشبهة الأولى: شبهة القرض الربوي.
الشبهة الثانية:شبهة الذريعة الربوية.
====================
الشبهة الأولى: شبهة القرض الربوي:
أي أن اشتراط ضمان رأس المال على المضارب يفرِّغ عقد القراض من مضمونه، ويحوله إلى قرض ربوي.
والجواب عن ذلك:
أن هناك في الحقيقة شبها بين القرض الربوي وبين تضمين المضارب من رأس المال في المضاربة، من حيث كون رأس المال في كل منهما مضمونا في ذمة القابض.
غير أن هناك فرقا جوهريا بينهما:
من حيث كون الزيادة على رأس المال في القرض الربوي محققة مضمونة في ذمة المقترض إذ هو إقراض مع زيادة مشروطة على رأس المال، بينما القراض مع تضمين المضارب رأس المال بالشرط لا يترتب عليه زيادة محققة مضمونة على رأس المال في ذمة المضارب بحال، بل قد يترتب عليه زيادة محتملة في الربح لا في ذمة المقترض. إذ الأمر لا يخلو من ثلاثة احتمالات:
الأول: أن يخسر المضارب في استثماره لرأس مال المضاربة.
والثاني: أن لا يحقق ربحا ولا خسارة.
وفي كلتا الحالتين لا يستحق رب المال في المضاربة أي زيادة على رأس المال الذي دفعه للمضارب.
والاحتمال الثالث: أن يترتب على عمل المضارب ربح.
وفي هذه الحالة فقط يستحق رب المال نصيبه في الربح الحاصل، لا في ذمة المضارب. فاقترقا.
وبذلك يظهر لنا:
أن الشبه بين القرض الربوي وبين القراض مع اشتراط ضمان المضارب لرأس المال إنما هو شبه جزئي في جانب من الصورة، لا في المعنى المؤثر والحقيقة، ومن ثم لم يكن له تأثير شرعي في قلب المضاربة إلى عقد قرض ربوي، نظرا للفارق الجوهري بينهما.(1)

الشبهة الثانية: شبهة الذريعة الربوية:
أي أن يكون اشتراط الضمان على المضارب (البنك الإسلامي) ذريعة إلى إقراض المودعين البنك قروضا بفائدة.
والجواب على ذلك:
أن مجرد احتمال كون هذا الاشتراط ذريعة إلى القرض الربوي لا يترتب عليه حظر ذلك الاشتراط شرعا، وذلك لأن للعمل بقاعدة "سد الذرائع" عند المحققين من الفقهاء القائلين بها شرطين:
أحدهما:
أن يكون التوسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور فيها كثيرا بمقتضى العادة وأن تقوى التهمة وتظهر على قصد ذلك المحظور وإرادته....
ولا يخفى إن اشتراط الضمان على المضارب ليس فيه إفضاء كثير بمقتضى العادة إلى القرض الربوي، وليس هناك تهمة قوية تظهر على قصد الطرفين ذلك المحظور وإرادته إذ القصد والغرض من هذا الاشتراط إنما هو حماية رؤوس أموال المودعين من تعدي المضارب أو تفريطه في المحافظة عليها أو سوء إدارته لها في هذا الزمن الذي فسد فيه الناس وكثرت خيانات الأمناء.
والثاني:
أن لا يكون هناك حاجة ولا مصلحة راجحة إلى تلك المعاملة فإن ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح عند الحاجة أو المصلحة الراجحة

يقول ابن تيمية:
"أصل الإمام أحمد وغيره أن ما كان من باب سد الذريعة إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه.
ولهذا يفرق في العقود بين الحيل وسد الذرائع، فالمحتال يقصد المحرم، فهذا ينهى عنه، وأما الذريعة فصاحبها لا يقصد المحرم، لكن إذا لم يحتج إليها فهي منهي عنها، وأما مع الحاجة فلا."
وبالتأمل في مسألتنا:
يظهر لي أن هناك حاجة إلى هذا الاشتراط في هذا العصر، وأن فيه مصلحة راجحة كذلك:

فأما الحاجة:
فهي...عدم التوفر الثقة الكافية بالمضارب لحماية أموالهم من التَّوى، وصيانتها من الخسارة عند خيانة المضارب وعجزهم عن إثبات ذلك.
وقد أدرك فقهاء الحنفية منذ زمن بعيد حاجة الناس إلى هذا الاشتراط....فاتجهوا إلى رفع ذلك الحرج والعنت عن أرباب الأموال باختراع حيل فقهية لتضمينه رأس مال المضاربة، ومن ذلك....

وأما المصلحة:
في هذا الاشتراط فيه واضحة بينة إذ به يحافظ رب المال على ماله، ويحميه من التوى والخسارة عند خوفه من خيانة المضارب...
وهذه المصلحة راجحة على مفسدة تضمين المضارب بالشرط رأس مال المضاربة، حيث رضي بذلك واختاره، وبخاصة في هذا الزمن الذي لا يتورع فيه كثير من المضاربين عن التعدي أو التفريط في إدارة أموال أرباب المال والمحافظة عليها لعلمهم بأنهم مصدَّقون قضاء وأن القول قولهم في ادعاء التلف والخسارة [لأن العامل أمين] وأن من الصعب العسر على أصحاب المال إثبات عكس ذلك وإدانتهم بما يوجب ضمانهم.

الرأي المختار:
لقد ظهر لي بعد عرض خلاف الفقهاء وأدلتهم في مسألة تضمين المضارب رأس المال المضاربة بالشرط (في حالات والنقصان والخسارة وغيرها)
ثم مناقشتها بموضوعية وأمانة علمية بعيدة عن التعصب المذهبي أو اتباع الهوى رجحانُ القول بصحة تضمين المضارب ذلك بالشرط، نظرا لوجود كثير من الاعتراضات الوجيهة على أدلة المانعين، واعتبارا لقوة حجج وبراهين المجيزين، وسلامتها من الإيرادات المقبولة عليها، حيث ثبت لنا نه ليس في الأدلة الشرعية ما يمنع من جواز ذلك الاشتراط، وأن القول بصحته لا يقتضي مخالفة لقاعدة من قواعد الشرع المتفق عليها، ولا وقوعا في محظور من ربا أو قمار أو بيع غرر، ولا جلبا لمفسدة راجحة.
وهو بلا ريب خير وأولى من التشديد بالمنع، ثم اللجوء إلى تضمين المضارب عن طريق الحيل....

والله تعالى أعلم.



========================

1- يؤكد ذلك أن اشتراط ضمان رأس المال على المضارب – حتى عند المانعين له من الفقهاء – لا يعتبر مفرِّغا لعقد المضاربة من مضمونه، وناقلا له عن حكمه إلى حكم القرض الربوي، ويظهر ذلك من كلام القاضي عبد الوهاب البغدادي والونشريسي، وكلاهما من المالكية المانعين لاشتراط ضمان رأس المال على المضارب....
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
لم يسجل الدكتور نزيه حماد نتائج بحث " المقاصَّة بين الفوائد الدائنة واختلافها عن تبادل القروض" فاستعنت بالله وسجلت أهم نقاط البحث.



المقاصَّة
بين الفوائد الدائنة
واختلافها عن تبادل القروض




المطلب الأول:


القروض المتبادلة بالشرط حقيقة المعاملة وحكمها الشرعي:


إن ما يجري في الواقع من اتفاق بعض المودعين في المصارف مع البنوك التي يتعاملون معها على أن لا يتقاضوا أية فائدة (ربا) مقابل وديعتهم بشرط أن لا يتقاضى البنك منهم أية فائدة إذا انكشف حسابهم (بأن سحب المودع أكثر مما فيه) مقابل تلك المدة المماثلة لزمن مكوث حسابه لديهم بدون فائدة، وكذا اتفاق المصرف الإسلامي مع البنوك التقليدية المراسلة لها على نفس المبدأ والأساس من القروض اللاربوية المتقابلة، وهو ما يسمى الودائع المتبادلة أو القروض المتبادلة بالشرط أو القروض المقابلة للودائع أو "أسلفني وأسلفك"؛ هو سائغ مقبول شرعا إذا كانت اتفاقية القروض المتبادلة بين الطرفين بلا فائدة قائمة على أساس كون المبالغ المودعة المتبادلة متساوية المقدار، ومدة الإيداع المتقابلة متماثلة، ونحو ذلك.



ومستند هذا الرأي خمسة أمور:


أحدها: أن هذه القروض المتقابلة المتبادلة ليست من قبيل القرض المحظور الذي يجر منفعة للمقرض من المقترض، وتنطبق عليه قاعدة "كل قرض جر نفعا فهو ربا".


وذلك لأن المنفعة التي فيها الربا أو شبهته، ويجب خلو القرض منها: هي الزيادة المشترطة للمقرض على مبلغ القدر في القدر أو الصفة وكذا المنفعة المشترطة....


أما منفعة إقراضه نفس المبلغ ولذات المدة مقابل قرضه، فليست بزيادة في قدر ولا صفة وليست من جنس المنفعة التي فيها شبهة الربا أو حقيقته، وإنما هي من قبيل النفع المشترك الذي لا يخص المقرض وحده بل يعم المقرض والمقترض على السواء، ويحقق مصلحة عادلة للطرفين، فهذا ليس بمنصوص على تحريمه، ولا هو في معنى المنصوص فلزم إبقاؤه على الإباحة.


ثم إن المنفعة في هذه القروض المتبادلة تشبه المنفعة المشترطة في مسألة "السفتجة" من حيث كونها لا تخص المقرض وحده، بل تعم الطرفين، وهي مشروعة جائزة على الصحيح الراجح من أقوال الفقهاء.


يوضح ذلك أن الإمام ابن قدامة وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لما تعرضوا لمستند مشروعيتها بينوا أن المنفعة في القرض إذا كانت لا تخص المقرض وحده بل تعم المقرض والمقترض على السواء، فلا حرج في اشتراطها في عقد القرض.


يقول ابن قدامة في المغني:


وقد نص أحمد على أن من شرط أن يكتب له بها سفتجة لم يجز ، ومعناه : اشتراط القضاء في بلد آخر ، وروي عنه جوازها ؛ لكونها مصلحة لهما جميعا .


وقال عطاء : كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم ، ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق ، فيأخذونها منه .


فسئل عن ذلك ابن عباس ، فلم ير به بأسا ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن مثل هذا ، فلم ير به بأسا .


وممن لم ير به بأسا ابن سيرين ، والنخعي .


رواه كله سعيد .


وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد أخرى ليربح خطر الطريق .


والصحيح جوازه ؛ لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما ، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها ، بل بمشروعيتها .


ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ، ولا في معنى المنصوص ، فوجب إبقاؤه على الإباحة ."


وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:


ولكن قد يكون فى القرض منفعة للمقرض كما في مسالة السفتجة ولهذا كرهها من كرهها والصحيح انها لا تكره لان المقترض ينتفع بها ايضا ففيها منفعة لهما جميعا اذا اقرضه."


وقال فيه أيضاً:


قيل نهى عنه لأنه قرض جر منفعة و القرض اذا جر منفعة كان ربا و الصحيح الجواز لأن المقترض رأى النفع بأمن خطر الطريق فى نقل دراهمه الى ذلك البلد و قد انتفع المقترض أيضا بالوفاء في ذلك البلد و أمن خطر الطريق فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض و الشارع لا ينهى عما ينفعهم و يصلحهم و إنما ينهى عما يضرهم."



الأمر الثاني:


أن الربا إنما حرم شرعا لأنه ظلم من المقرض للمقترض.


أما الاتفاق على الإقراض المتبادل بين المقرض والمستقرض بمبالغ متساوية ولمدد متماثلة فليس فيه شيء من الظلم لأحد الطرفين بل فيه العدل المطلق والإنصاف التام لكل واحد منهما فيما يأخذ وفيما يعطي.



والأمر الثالث:


ما ذهب إليه المالكية في المشهور من جواز مسألة "أسلفني وأُسلفك" عند كلامهم على بيوع الآجال.


جاء في جامع الأمهات لابن الحاجب:


"بيوع الآجال: الآجال لقبٌ لما تفسد بعض صوره، منها لتطرق التهمة بأنهما قصدا إلى ظاهر جائز ليتوصلا به إلى باطن ممنوع، حسما للذريعة...


فإن كان مما يكثر القصد إليه كبيع وسلف أو سلف جر منفعة يمنع وفاقا.


وإن كان مما يقل ..ففيه قولان.


وإن كان بعيدا جدا كأسلفني وأسلفك فالمشهور جوازه".


قال ابن راشد القفصي في كتابه "لباب الألباب" في معرض كلامه عن بيوع الآجال:


"وقد منع من ذلك مالك سدا للذريعة، والأصل أن تنظر إلى ما خرج من اليد، وما رجع إليها، وتقابل أحدهما بالآخر:


فإن كان مما لو ابتديا المعاملة عليه جاز فأجز وإلا فامنع...."


والأمر الرابع:


أن حجة الفقهاء المانعين من "أسلفني وأسلفك" وهم الحنابلة على المذهب فيها نظر وغير سالمة من الإيراد عليها حيث إنهم استدلوا على عدم جواز القروض المتبادلة بالشرط بدليلين:


أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف.


ولا يخفى أن الجمع بين البيع والسلف في هذه المسألة غير متحقق بحسب المنطوق والمفهوم يقينا....


والثاني:أنها كبيعتين في بيعة المنهي عنها.


وغير خاف أيضا أن الودائع المتبادلة بالشرط ليست من هذا القبيل منطوقا ولا مفهوما...


والأمر الخامس:


أن التعامل بنظام "الودائع المتبادلة" بحسب تطبيقاته المصرفية المعاصرة هو أكثر أهمية وتعقيدا من الصورة التي عرفها الفقهاء من قبل وسموها بمسألة "أسلفني وأسلفك"، وأن الحاجة في هذا العصر للتعامل بهذا النظام وتطبيقاته أصبحت ماسة بلا ريب، ومتعينة أيضا إذ لا يوجد مشروع آخر أو نظام بديل يؤدي نفس الغرض، ويحقق ذات الغاية ويعطي نفس المرونة، ويرفع الحرج والمشقة في التعامل فيما يخص علاقة المصرف والمؤسسات المالية الإسلامية مع البنوك المراسلة وغيرها التي لا مندوحة من التعامل معها ولا غنى عن الإيداع لديها والسحب منها على الحساب...فتعين اللجوء إلى هذه المعاملة، واتجه الفكر إلى القول بمشروعيتها بناء على ما أسلفنا من حجج وبراهين ناصعة ونظرا لداعي الحاجة الخاصة، التي تنزل عند الفقهاء منزلة الضرورة....


المطلب الثاني:


التطبيقات المصرفية المعاصرة للمعاملة من خلال فتاوى وتوصيات وقرارات فقهية.


نقل د. نزيه حماد جوازها عن:


1- فتاوى ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي.


2- الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار.


3- هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني.


4- فتاوى المستشار الشرعي لبيت التمويل الكويتي.


5- فتوى المستشار الشرعية لمجموعة البركة.


================


المطلب الثالث:


مفهوم المقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة


حقيقة المقاصة:


المقاصة في الاصطلاح الفقهي: إسقاط دين مطلوب لشخص من غريمه في مقابلة دين مطلوب من ذلك الشخص لغريمه."


أقسامها:


هي قسمان: جبرية (تلقائية)، واختيارية (اتفاقية):


المقاصة الجبرية:


فهي التي تقع بين الدينين المتقابلين في ذمتين، المتماثلين من كل وجه بصورة تلقائية، دون توقف على تراضي الطرفين، أو طلب أحدهما، وذلك لعدم الفائدة من بقائهما.


فإن تفاوتا في القدر سقط من الأكثر بقدر الأقل، وبقيت الزيادة دينا على الآخر وعلى ذلك نص جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.


المقاصة الاختيارية:


فهي التي تتم بتراضي الطرفين، دون أن يترتب على ذلك محظور شرعي.


كما إذا كان الدينان من جنسين مختلفين أو متفاوتين في الوصف أو كان أحدهما حالا والآخر آجلا أو كان أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإنهما لا يسقطان قصاصا إلا بتراضي المتداينين وعلى ذلك نص الحنفية والمالكية.


وكلامنا في هذا المقام منصب على المقاصة الجبرية دون الاختيارية وعليها يحمل لفظ المقاصة إذا أطلق.


المقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة:


المراد بالمقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة: أن يقترض شخص طبيعي أو اعتباري من بنك تقليدي مبلغا من النقود بفائدة محددة، ويقترض نفس البنك من ذلك العميل المدين مبلغا من ذات العملة بفائدة محددة تماثل الأولى أو تزيد عليها أو تنقص.


وبعد جريان المقاصة الجبرية بين مبالغ القروض الأصلية، تبقى ذمة كل واحد من الطرفين مشغولة للطرف الآخر بالفائدة المقررة على المبلغ الذي اقترضه منه.


وعند ذلك تقع المقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة.......


المطلب الرابع:


أحكام المقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة:


بعد العرض السابق لمفهوم كل من القروض المتبادلة بالشرط والمقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة نخلص إلى الأحكام الآتية:


القروض المتبادلة بالشرط عملية جائزة في النظر الفقهي لأنها تقوم على التبادل العادل بين القروض اللاربوية....بخلاف مسألة "المقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة" فإنها مبنية على التعامل بقروض ربوية متبادلة بين الجهتين، وهذه القروض محرمة شرعا لا يجوز إبرامها ولا يحل اشتراط الفائدة الربوية فيها أصلا....


ومن هناك كانت مختلفة اختلافا جوهريا لا شكليا عن القروض اللاربوية المتبادلة بالشرط وإن كانت الغاية والنتيجة واحدة....


وعلى ذلك، فلا يجوز للمصرف الإسلامي أن يتفق أو يتفاهم أو يتواطأ مع البنك التقليدي على التعامل بقروض ربوية متبادلة بينهما، وإن كانت لا تؤول إلى أخذ فائدة منه على ودائعه لديه، أو دفع فائدة له عند انكشاف حسابه بناء على أساس المقاصة بين الفوائد الدائنة والمدينة لأن هذه العملية مبنية على أصل محظور شرعا....
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
//++صكوك الإجارة++//



الخاتمة


(أهم نتائج البحث)


لقد انتهينا بعد الدراسة المتقدمة لصكوك الإجارة إلى تقرير النتائج الآتية:


1- تعتبر صكوك الإجارة أداة متميزة للسياسة النقدية للدولة في هذا العصر - باعتبارها أوراقا مالية ذات استقرار نسبي في أسعارها وثبات في عوائدها - حيث يمكن أن أن تستخدمها في تنظيم كمية النقود الموجودة في أيدي الناس، عن طريق شرائها عند رغبتها في زيادة كمية النقود الموجودة في السوق، وبيعها عندما ترغب في تقليل كميتها فيه.


2- وهي صالحة لتلبية قدر لا يستهان من الحاجات التمويلية للدولة، كإقامة بعض المشروعات الكبيرة ذات النفع العام، التي لا ترغب في إقامتها على أساس الربح، نحو تمويل بناء الجسور والأنفاق والمطارات ومحطات السكك الحديدية..إلخ.


3- كما أنها تصلح بديلا مشروعا لسندات القرض العام (أو سندات الخزينة) في تمويل اقتناء الأصول الثابتة للمشروعات الحكومية، وعلى إقامة المنشآت العمرانية – بما في ذلك مشروعات البنية الأساسية – سواء أكانت انتاجية، تدرُّ أرباحا وعائدات، أم كانت خدمية بحتة.


4- ثم إنها تصلح أيضا لتمويل البنوك الإسلامية، من أجل تعبئة الموارد المالية التي تحتاج إليها، وذلك بإصدار صكوك إجارة مقابل التمويل بالتأجير الذي تقوم به، وذلك لغرض استرداد ما قدمته من تمويل لتستعمله في مشروعات تمويلية أخرى.


5- وتقوم فكرة صكوك الإجارة على مبدأ "التصكيك" الذي يعني في المصطلح الاقتصادي: "خلق أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على حافظة استثمارية ذات سيولة متدنية".


6- الغرض من صكوك الإجارة تحويل الأعيان والمنافع التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية أو "سندات" يمكن أن تجري عليها عمليات التبادل في سوق ثانوية. وعلى ذلك عرِّفت بأنها: "سندات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان ومنافع مؤجرة".


7- ولا يمثل صك الإجارة مبلغا معينا من النقود، ولا هو دين على جهة معينة، سواء كانت شخصية طبيعية أو اعتبارية – وإنما هو سند أو ورقة مالية تمثل جزءا شائعا (سهما) من ملكية عقار أو طائرة أو باخرة أو مجموعة من الأعيان الاستعمالية – المتماثلة أو المتباينة- إذا كانت مؤجرة، تدر عائدا محددا بعقد الإجارة.


ونظرا لخضوع أثمان الأعيان لعوام السوق (العرض والطلب) فإن قيمة صكوكها تدور مع القيمة السوقية لتلك الأعيان، فترتفع لارتفاعها، وتهبط لانخفاضها.


8- يمكن لصكوك الإجارة أن تكون اسمية، بمعنى أنها تحمل اسم الشخص المالك، ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين، أو بكتابة اسم المالك الجديد عليها، كلما تغيرت ملكيتها، كما يمكن لها أن تكون سندات للحامل، بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم، كما هو الحال في أسهم شركات المساهمة.


9- يجوز إصدار وتداول صكوك ملكية الأعيان المؤجرة في إجارة عادية لها – إذا توفرت فيها شروط الأعيان المؤجرة- كعقار وطائرة وباخرة ونحو ذلك من الأموال الاستعمالية، ما دام الصك يمثل ملكية أعيان حقيقية مؤجرة، تدر عائدا معلوما.


ويجوز لمالك الصك – أو الصكوك – بيعها في السوق لأي مشتر، بالثمن الذي يتفقان عليه – سواء كان مساويا أو أقل أو أكثر من الثمن الذي اشترى به.


ويستحق مالك الصك حصته من العائد – وهي الأجرة منقوصا منها ما يترتب على المؤجر من نفقة ومؤونة – على النحو وفي الأجل المنصوص عليه في عقد الإجارة


10- يجوز إصدار وتداول صكوك ملكية الأعيان المؤجرة في إجارة منتهية بالتمليك في الصورة السائغة شرعا من الإجارة المنتهية بالتمليك المنصوص عليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 110 (4/12) – ثالثا/ أ، والتي هي : "عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر معلقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة".


11- لا يجوز تصكيك ملكية الأعيان التي تتضمن المنفعة الموصوفة في إجارة الذمة (العادية) نظرا لجهالة العين – التي يمكن للمؤجر تقديمها للمستأجر، وتحتوي على المنفعة الموصوفة بالعقد، والثابتة في ذمته – حيث إن الأعيان التي تتوفر فيها تلك المنفعة الموصوفة متفاوتة الذوات والقيم تفاوتا فاحشا يتعذر معه تحديد العين التي يراد تصكيك ملكيتها، وتلك جهالة فاحشة مفضية للنزاع، تمنع صحة العقد.


12- إجارة الذمة المنتهية بالتمليك غير جائزة أصلا، لأن المنفعة المعقود عليها فيها دين موصوف في الذمة لا يتعلق بذات معينة، بل بذمة المؤجر، ومقتضى ذلك أنه يسعه الوفاء بالتزامه بتقديمه أية عين تحتوي على المنفعة الموصوفة في ذمته، ليستوفيها المستأجرن دون أن يكون له الحق في رد العين أو المطالبة بغيرها، ما دامت متضمنة لتلك المنفعة المثلية المعقود عليها.


وهذا يقتضي جهالة العين التي يجزئ المؤجر تقديمها للمستأجر، ثم تمليكها له عقب انتهاء مدة الإجارة، وتلك جهالة فاحشة مفضية إلى خصومة ونزاع بين العاقدين، لا سبيل إلى دفعهما أو التحرز عنهما، وموجبة لفساد الإجارة المنتهية بالتمليك إذا كانت إجارة ذمة.


ويترتب على عدم جواز عقد إجارة الذمة المنتهية بالتمليك عدم جواز إصدار صكوك ملكية أعيان لهذا النوع المردود أصلا من الإجارة.


13- يجوز تصكيك منافع العين – أو الأعيان – المؤجرة المحددة بذواتها، وتداول ملكية صكوكها بالبيع بمثل الأجرة التي استأجر بها المستأجر الأول وبأقل وبأكثر، حيث إن صكوكها تمثل ملكية تلك المنفعة – أو المنافع- المعقود عليها في الإجارة.


14- يجوز تصكيك المنافع المعقود عليها في إجارة الذمة، الثابتة دينا في ذمة المؤجر، وتداولها بالبيع، لأن المنافع المعلومة تقبل – بطبيعتها – البيع (بعقد الإجارة)، وكذا التداول بتأجير المستأجر المنفعة التي تملكها بعقد الإجارة لشخص ثالث ورابح وخامس...إلخ.، بمثل البدل الذي استأجر به وبأقل وبأكثر، سواء كان عقد الإجارة الأول إجارة عين أو إجارة ذمة إذ لا فرق – في النظر الفقهي- بين كون المنفعة التي ترد عليها الملكية بعقد الإجارة متعلقة بعين محددة بذاتها، وبين كونها متعلقة بذمة المؤجر، إذا كانت محددة بالوصف، مبينة على نحو تتحقق معه المعلومية المشترطة لصحة بيعها وتداولها.


15- لا يجوز إصدار صكوك إجارة تمثل ملكية عينية مؤجرة، جرى الاتفاق على تأجيرها لمن باعها بأجرة محددة مقسطة على نجوم إلى أجل معلوم في عقد إجارة منتهية بالتمليك، يلتزم فيه المستأجر بإعادة شراء تلك الاصول في نهاية مدة الإجارة بمثل الثمن الذي باع به، وذلك لابتناء عملية الإصدار على صفقة (منظومة عقدية/منتج) محظورة شرعا لأنها في حقيقتها ضرب مستحدث من "العينة" التي يقصد بها ستر القرض الربوي بحيلة خبيثة تتمثل في بيع مالك العقار أصله العيني بثمن معجل إلى طرف آخر، مع استبقائه في يده لمدة زمنية معلومة، بأجرة سنوية محددة في عقد إجارة منتهية بالتمليك، يستعيد البائع في نهايتها شراءه منه بمثل الثمن الذي باعه به.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تمهيد:
هذا بحث في "إجارة الذمة" مستل من البحث السابق "صكوك الإجارة"



//++ إجارة الذمة++//



التعريف: في الشرع:



هي تمليك المنافع بعوض مالي، سواء كان ذلك العوض عينا أو دينا أو منفعة.



وقد قسم جمهور الفقهاء الإجارة باعتبار محل تعلق المنفعة المعقود عليها إلى قسمين:



1- إجارة أعيان.



2- وإجارة ذمة.



فأما إجارة الأعيان:



فتكون المنفعة المعقود عليها متعلقة بنفس العين المستأجرة، كما إذا استأجر شخص دارا أو سيارة معينة بذاتها.



وهذا النوع من الإجارة لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يشترط فيه قبض الأجرة في المجلس لصحة العقد أو لزومه أو انتقال ملكية المنافع فيه، وذلك لأن إجارة العين كبيعها –إذ الإجارة بيع للمنفعة في مقابل عوض معلوم- وبيع العين يصح بثمن حال ومؤجل، فكذلك الإجارة.



وأما إجارة الذمة:



فتكون المنفعة المعقود عليها دينا متعلقا بذمة المؤجِر، كما إذا استأجر سيارة ذات أوصاف محددة للركوب أو الحمل، ونحو ذلك.



وقد سميت إجارة الذمة نظرا لتعلق المنفعة المعقود عليها بذمة المؤجر لا بعين محددة بذاتها.




حكمها:



وقد اختلف الفقهاء في مشروعية إجارة الذمة:



1- فذهب جمهورهم من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى جوازها في الجملة.



2- وذهب الحنفية إلى أنها غير جائزة أصلا، لأن من شروط صحة عقد الإجارة عندهم كون المؤجَر معينا، وعلى ذلك فلا يجوز في الإجارة ورود العقد على منفعة موصوفة في الذمة، غير متعلقة بذات معينة.



غير أن القائلين بجواز إجارة الذمة اختلفوا في اشتراط تسليم الأجرة في مجلس العقد لصحتها، وذلك على ثلاثة أقوال:



أحدها: للشافعية؛ وهو أنه يشترط في صحة إجارة الذمة قبض المؤجِر الأجرة في مجلس العقد، كما اشترط قبض المسلم إليه رأس مال السلم في المجلس.



فإن تفرقا قبل القبض بطلت الإجارة، لأن إجارة الذمة سلمٌ في المنافع، فكانت كالسلم في الأعيان في الحكم سواء عقدت بلفظ الإجارة أو السلم أو غير ذلك.



والثاني: للمالكية؛ وهو أنه يجب لصحة إجارة الذمة تعجيل الأجرة، لاستلزام التأجير بيع الكالئ بالكالئ، وتعمير الذمتين، وهو منهي عنه، إلا إذا شرع المستأجر باستيفاء المنفعة –كما لو ركب المستأجر السيارة الموصوفة في طريقه إلى المكان المشترط أن تحمله إليه- فيجوز عندئذ تأخير الأجرة، لانتفاء بيع المؤخر بالمؤخر، حيث إن قبض أوائل المنفعة كقبض أواخرها فارتفع المانع من التأخير...ولا فرق في ذلك بين عقدها بلفظ الإجارة أو السلم.



وقد اعتبر المالكية في حكم تعجيل الأجرة تأخيرها اليومين أو الثلاثة، لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، كما في السلم.



والثالث: للحنابلة؛ وهو أن إجارة المنفعة الموصوفة في الذمة إذا جرت بلفظ "سلم" أو "سلف" كأسلمتك هذا الدينار في منفعة سيارة صفتها كذا وكذا لتحملني إلى مكان كذا، أو في منفعة آدمي صفتها كذا وكذا لبناء حائط صفته كذا، وقبل المؤجر، فإنه يشترط لصحة إجارة الذمة عندئذ تسليم الأجرة في مجلس العقد، لأنها بذلك تكون سلما في المنافع، ولو لم تقبض قبل تفرق العاقدين لآل الأمر إلى بيع الدين بالدين (أي المؤخر بالمؤخر) وهو منهي عنه، أما إذا لم تجر إجارة الذمة بلفظ السلم، أو السلف، فلا يشترط فيها تعجيل الأجرة، لأنها لا تكون سلما في هذه الحالة، فلا يلزَم فيها شرطه.




وإنني اتجه إلى القول:



بجواز إجارة الذمة من غير اشتراط تسليم الأجرة في مجلس العقد إذا عقدت بلفظ إجارة ونحوه، ولم تعقد بلفظ سلم ولا سلف أخذا بمذهب الحنابلة القائلين بذلك، تيسير على الناس، وتخفيفا على العباد، ورفعا للحرج عنهم، فيما يحتاجون إليه من صنوف التعامل المالي، وتأسيا بقول القاضي أبي يوسف: "ما كان أرفق بالناس، فالقول به أولى، لأن الحرج مرفوع".
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تأجير العين المشتراة لمن باعها

الخاتمة

نتائج البحث



لقد تبين لي بعد هذا العرض الفقهي المفصل للموضوع، وبيان آراء الفقهاء ومذاهبهم في مسائله وصوره، وأدلتهم، ومناقشتها ما يأتي:


1- أن تأجير العين المشتراة لمن باعها، إما أن يقع صراحة، كما إذا باع شخصٌ داره لآخر، ثم استأجرها منه لمدة معينة، وإما أن يقع ضمنا (تقديرا) ، كما إذا باع تلك العين، واستثنى منفعتها مدة محدودة، حيث إن استثناء المنفعة معاوضة عن عن المستثنى (أي استئجار ضمني للعين عن مشتريها) لأن تلك المنفعة المستثناة يقابلها جزء من الثمن، ولذلك يكون ثمن العين من الاستثناء أقل منه بدون الاستثناء، والفرق بين الثمنين يمثل العوض عن المنفعة المستثناة.


2- وأن أجارة العين لمن باعها صراحة، إما أن تكون تشغيلية (وما في حكمها)، وإما أن تكون منتهية بالتمليك.


3- فإن كانت الإجارة تشغيلية فإما أن تقع بدون مواطأة متقدمة أو شرط مقارِن لعقد البيع، وإما أن تكون مشترطة فيه، أو أن يتواطأ عليها الطرفان:


أ‌- فإن وقعت بدون مواطأة سابقة أو شرط مقارن لعقد البيع، فلا خلاف بين الفقهاء في جوازها.


ب‌- وإن كانت مشترطة في عقد البيع، فقد اختلف الفقهاء في مشروعية هذه المعاقدة على قولين:


أحدهما: لجمهور الفقهاء، وهو عدم جوازها.


والثاني: للمالكية وابن تيمية وهو جوازها وصحتها وهو الراجح في نظري.


ج- وإن كان هناك تواطؤ مسبق بين البائع والمشتري على إجارة العين لبائعها، فتعتبر المعاملة صحيحة ملزمة عند المالكية وابن تيمية من الحنابلة، بناء على أن المواطأة المتقدمة لها حكم الشرط المقارن للعقد – على الراجح من مذاهب الفقهاء- في الصحة ووجوب الوفاء، ولو لم يصرح بها في صلب العقد، طالما أن العقد ابتنى واعتمد عليها.


4- أما إذا كانت إجارة العين لمن باعها منتهية بالتمليك، فإما أن تقع بمواطأة متقدمة أو اشتراط في عقد البيع، وإما أن تقع بدون ذلك:


أ‌- فإن وقعت بمواطأة أو شرط مقارن، وكان بدل الإجارة المؤجل فيها أكثر من الثمن المعجل الذي باعها به، كانت معاملة محظورة فاسدة، لأيلولتها إلى صورة مستحدثة مما يسمى في الاصطلاح الفقهي بـ "عكس العينة" حيث إن البائع قصد بهذه الصفقة استعادة ملكية العين التي باعها نقدا من مشتريها – بذريعة الصيغة العقدية المركبة الموسومة بالإجارة المنتهية بالتمليك – بثمن مؤجل أكثر من الثمن المعجل الذي باعها له به، وتلك حيلة مذمومة إلى القرض الربوي.


ب‌- وإن وقعت بدون مواطأة سابقة أو اشتراط في عقد البيع، فإنه يسري على هذه الصورة حكم مسألة "عكس العينة" إذا وقعت من غير تواطؤ أو تحايل أو اشتراط، وهو محل خلاف فقهي ، والراجح في نظري القول بجوازها ومشروعيتها.


5- أما إجارة العين لمن باعها ضمنا أو تقديرا – وذلك حين يبيع الشخص عينه ويستثني منافعها مدة معلومة- فقد اختلف الفقهاء في حكم هذه المعاملة على ثلاثة أقوال:


أحدها: للحنفية والشافعية في المذهب، وهو المنع والحظر مطلقا.


والثاني: للمالكية، وهو عدم جوازها إذا وقع ذلك على وجه الاستثناء ، وكانت المنفعة المستثناة كثيرة .

أما إذا وقع ذلك على وجه الشرط (أي اشتراط إجارة في بيع) فتكون صحيحة ملزمة بإطلاق.


والثالث: للحنابلة وأبي ثور وابن خزيمة ومحمد بن نصر وابن المنذر من الشافعية وكذا الأوزاعي وإسحاق وابن شبرمة وغيرهم، وهو جواز هذه المعاملة مطلقا، وهو الراجح في نظري.
والله تعالى أعلم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
لم يسجل الدكتور نزيه حماد حفظه الله نتائج هذين البحثين:
البحث العاشر: الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية.
البحث الثاني عشر: أدوات الاستثمار في أدارة وتمويل المرافق العامة.
=========================

وبهذا يكون انتهى المقصود طرحه من هذا الكتاب في هذا الموضوع، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
 
أعلى