العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المشاركة المتتالية في البنوك الإسلامية لـ جمال الدين عطية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المشاركة المتتالية في البنوك الإسلامية




لـ



جمال الدين عطية



بحث نشر في


مجلة جامعة الملك عبد العزيز :


الإقتصاد الإسلامي، م 1 ص 105 [FONT='Tahoma','sans-serif']– 114 (1409 هـ / 1989 م) .[/FONT]

إن تكييف علاقة المصرف الإسلامي بالمودعين، وعلاقة المودعين فيما بينهم علي أساس عقد المضاربة يثير مشكلة تطبيقية، هي مسألة التداخل الزمني، ونقصد بها، اختلاف مواعيد بدء وتصفية الاستثمارات التي استخدمت فيها أموال الودائع، الأمر الذي يحول دون تحديد الربح أو الخسارة الفعلية العائدة لأي وديعة بعينها. ويمكن التغلب علي هذه المشكلة بأن نجعل علاقة البنك بالمودعين قائمة علي أساس الوكالة بأجر (بدل المضاربة) :
حيث يعتبر البنك وكيلا عن المودعين في استثمار أموالهم لقاء أجر ثابت، أو لقاء نسبة من مبلغ الوديعة ذاتها، وذلك يجعل دخل البنك مستقلا عن مواعيد ونتائج عمليات الاستثمار الفعلية.
أما علاقة المودعين بعضهم ببعض فإنها تبقي بحاجة إلي تأصيل فقهي يأخذ في الحسبان مسألة التداخل الزمني المذكورة، ونقترح لذلك صيغة عقد مستحدث سميناه : المشاركة المتتالية، وبينا بعض خصائصه وضوابطه.
1- المشكلة من الناحية المصرفية
أن ما تقتضيه ضرورات التخطيط في حياة الأفراد والمؤسسات في الوقت الحاضر
من توافر بعض الأموال فترة من الزمن والحاجة إليه فترة أخري، دعا إلي استحداث نظام الودائع المحددة الأجل غير المرتبطة بنهاية مشروع محدد وتصفية حساباته وتحصيل مستحقاته.
ومن هنا، كانت مهمة المؤسسة الوسيطة أن ترتب استثمارها بصورة تمكنها من رد الودائع إلي أصحابها في موعد استحقاقها، فضلا عن تمكنها من رد الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) في أي وقت مع الاستفادة منها باستثمارها في ذات الوقت.
وقد طورت البنوك التقليدية أدواتها بحيث تقوم باستخدام الموال المتاحة لها مراعية توافق الآجال بين مدد الودائع ومدد القروض، وسهل عليها هذه المهمة أن علاقتها بمستخدمي الأموال علاقة دائن بمدين لأجل محدد، وبالرغم من هذه السهولة النسبية في ترتيب البنوك التقليدية للسيولة إلا أنها كثيرا ما تقع في أزمات سيولة ناتجة عن استثمار الودائع القصيرة الأجل في فروض طويلة الأجل مخالفة بذلك إحدي القواعد الذهبية للعمل المصرفي، يشجعها علي ذلك الأمل في تجديد بعض المودعين لمدد ودائعهم، ذلك الأمل المبني، في غالب الأحوال، علي استقراء خبرتها مع عملائها علي مدي السنين.
وتختلف حالة البنوك الإسلامية اختلافا جذريا عن البنوك التقليدية في أنها لا تقدم الأموال كقروض لآجال محددة، بل تقوم بتمويل مشروعات حقيقة يصعب في معظم الأحيان انضباط مواعيد تصفيتها وتحصيل ناتجها (تنضيضها بالمصطلح الفقهي) مهما كانت تنبؤات دراسات الجدوى وبرامج التنفيذ.
ويترتب علي ذلك صعوبة تنفيذ مبدأ توافق الآجال، وبالتالي صعوبة إيجاد السيولة اللازمة في الوقت المناسب لرد الودائع عند مواعيد استحقاقها.
وإذا كانت البنوك الإسلامية لم تقابل هذه الصعوبة في الواقع فإن مرجع ذلك إلي ظروف خارجة عن طبيعة نظامها وترتيبات السيولة لديها، إذ أنها لحسن حظها تشكو من توافر السيولة لا من عجزها نتيجة تدفق الودائع لديها بما يزيد أضعافا عن إمكانيات استخدامها، تستوي في ذلك البنوك القائمة في بلاد مصدرة لرؤوس الأموال، كدول النفط، أو في بلاد مستوردة لرؤوس الأموال كمصر والسودان.
فحالة توافر السيولة أو فائض السيولة القائمة لدي بعض البنوك الإسلامية تثير مشكلة أخري تخرج عن نطاق هذه الورقة، ولا يجوز أن تصرفنا عن المشكلة الكامنة في طبيعة النظام نفسه،

والتي تسلتزم إيجاد ضوابط في صيغ الاستثمار التي تستعملها البنوك الإسلامية تكفل توافق الآجال، وتسييل بعض أصول البنك في حالة تعذر توافق الآجال.
وتنعكس هذه الضرورة في الأمور التالية :
1- اعتماد مبدأ توافق الآجال بصفة أساسية، واختيار الصيغ التي تحقق هذا المبدأ.
2- تطوير الصيغ المستعملة بإضافة الشروط والخيارات والبدائل التي تكفل خروج البنك الإسلامي من العملية الاستثمارية قبل نهايتها لتحقيق السيولة التي قد يحتاج إليها.
3- تطوير أدوات وأجهزة السوق الثانوي وهي التعبير الطبيعي عن الخروج من الاستثمار قبل نهاية مدته بحلول مستثمر آخر محل المستثمر الراغب في الخروج.
2- المشكلة من الناحية الشرعية
هذا من الناحية المصرفية.
أما من الناحية الشرعية، فإن علاقة المودع بالبنك الإسلامي وعلاقة المودعين بعضهم ببعض تثير عددا من المشاكل الفقهية.
أولا : أول هذه المشكلات هو تكييف علاقة المودع بالبنك علي أساس عقد المضاربة حيث المودع رب المال والبنك هو المضارب، فإن هذا التكييف يصطدم بعدة اعتبارات :
1- منها أن تحديد المضاربة بمدة يفسدها لدي بعض المذاهب، إذ الأصل أن تستمر حتى تصفي العمليات التي يقوم بها المضارب ويحصل المال المستثمر نقدا أو ما يعبر عنه الفقه بالتنضيض، وهذا ما لا يناسب حالة المودع الذي يريد ترك ماله للاستثمار فترة زمنية محددة يسترجعه بعدها لاستخدامه في أموره الأخرى.
2- ومنها ان التوافق بين المبلغ الذي أودعه المودع والمدة التي يريد الإيداع لها، وبين مبلغ ومدة إحدي العمليات الاستثمارية تكاد تكون مستحيلة الوقوع في العمل، إذ الواقع أن البنوك تصب فيها الودائع يوميا بالعشرات والمئات بمبالغ متفاوتة، وتقوم باستخدامها في عمليات لا ينظر فيها إلي هذا التوافق، فأساس عمل البنك أن الودائع تصب في سلة عامة أشبه بالنهر الجاري الذي تأخذ منه قنوات الاستثمار المختلفة.
وتطبيق أحكام خلط أموال المضاربة لا يفيد كثيرا في هذا المجال، إذ حالة الخلط التي أشار إليها الفقهاء هي خلط يتم في عمليات محددة يتم الحساب بانتهائها وتوزيع نتيجة العمليات علي المشاركين فيها، في
حين أن الخلط في سلة المودعين خلط متداخل تدخل فيه بعض الودائع بعد ان تكون بعض العمليات قد بدأت، وتخرج منه بعض الودائع قبل أن تنتهي بعض العمليات، فهي تيار مستمر لا يمكنه تتبع العمليات التي استثمرت فيها أموال وديعة بعينها لمعرفة حصتها من الربح أو الخسارة.
3- وقد وجدت عدة محاولات للإبقاء علي تكييف علاقة المودع بالبنك ضمن إطار عقد المضاربة، مثل القول بالتنضيض الحكمي بدلا عن التنضيض الحقيقي، والتسامح في حساب الخلطاء عن تخارج بعضهم، وغير ذلك من أساليب الصناعة الفقهية.
4- هذا وقد نبه د. سامي حمود في رسالته للدكتوراه " تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية " وفي المذكرة التفسيرية لمشروع قانون البنك الإسلامي الأردني إلي عدم كفاية صيغة المضاربة بالصورة التي وردت في كتب الفقه كأساس لعلاقة المودعين بالبنك الإسلامي، واقترح البديل الذي سماه " المضاربة المشتركة ".
ومع اتفاقنا في الرأي مع د. حمود علي أن صيغة المضاربة لا تكفي أساسا لعلاقة المودعين بالبنك الإسلامي، إلا أننا لا نشاركه الاتجاه إلي تكييف هذه العلاقة علي أساس المضاربة المشتركة، وذلك لسببين :
(أ) إن البقاء في إطار المضاربة ولو أسميناها مشتركة، يتنافي مع ما نريده لهذه العلاقة من أحكام لا تتفق وعقد المضاربة.
(ب) إن المشكلة ليست في الحقيقة في علاقة المودع مع البنك وإنما هي في علاقة المودعين بعضهم ببعض، ولذلك يحسن أن نفصل بين الأمرين عند بحث الأساس الشرعي لكل منهما، إذ أن علاقة المستثمرين المتشاركين متصورة دون وجود بنك وسيط بينهما، ومع ذلك، تبقي مشكلة خلط الأموال وتوزيع الأرباح، التي أشار إليها د. حمود، قائمة.
5- فبخصوص علاقة المودع مع البنك، طرحت بدائل لعقد المضاربة كأساس لتكييف هذه العلاقة أهمها عقد الوكالة، إذا يعتبر البنك وكيلا عن المودع في استثمار وخلط الأموال، وهذا التكييف جيد في رأينا وكاف كأساس لعلاقة المودع مع البنك ويبعدنا عن مشكلات تكييف هذه العلاقة علي أساس عقد المضاربة، ولكنه لا يحل مشكلة الحساب بين
الخلطاء الذين تتداخل أموالهم في فترات مختلفة لا تتفق مع مواعيد بدء وتصفية العمليات التي استخدمت فيها هذه الأموال. (وهي المشكلة التي نري أن تبحث منفصلة) .
والميزة الرئيسية لصيغة الوكالة هي جواز أن يكون أجر الوكيل (بدلا من نسبة من الأرباح كما في حالة المضارب) مبلغا مقطوعا أو نسبة من مبلغ الوديعة ذاتها، وهذا مما يسهل حساب الدخل في البنك الإسلامي ويفصله عن نتيجة السلة الاستثمارية، ويمكن معه معرفة الأجر مقدما في كل فترة حسابية دون حاجة إلي الدخول في تقديرات بحيث يصنف الدخل المحقق أو المستحق لا المقدر .
ثانيا : ورغم أن تكييف علاقة المودع بالبنك علي أساس عقد الوكالة لا المضاربة يحل كما ذكرنا أحد شقي المشكلة، إلا أن علاقة المودعين بعضهم ببعض تبقي بحاجة إلي تكييف شرعي لها. وتكييف هذه العلاقة يطرح موضوع المشاركة المتتالية.
فإن المعروف في الفقه الإسلامي هو المشاركة المتوازية أي اشتراك مبلغين هو عملية أو عدة عمليات منذ بداية العملية حتى نهايتها، وهي حالة دخول أحد الشركاء بعد بداية العملية أو خروجه قبل نهايتها، فمن الضروري عمل تقدير لقيمة العملية عند الدخول أو الخروج.
ولما كان هذا الوضع غير متصور تطبيقه علي الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية حيث تدخل وتخرج عشرات بل مئات الودائع يوميا، فإن فكرة السلة العامة للودائع تقوم علي نوعين من المشاركة بين أصحاب الودائع : المشاركة المتوازية كما أشرنا، والمشاركة المتتالية، حيث ينظر إلي جميع الودائع في نهاية السنة المالية التي اعتبرت بديلا عن مدة العملية علي أنها مشتركة في أرباح وخسائر مختلف العمليات التي استثمرت فيها الودائع خلال السنة المالية، بمعني انه لا يقبل من مودع أودع في النصف الأخير من السنة أن يطلب حصته من ربح النصف الأخير دون تحمل خسائر النصف الأول وإنما شاركت فقط في العمليات الرابحة في النصف الثاني.
فهذا النوع من المشاركة المتتالية لم يكن مقبولا في الفقه إلا إذا تم تقويم الشركة عند كل دخول أو خروج لأحد الشركاء.
وهذا التخارج متعذر من الناحية العملية نظر لدخول وخروج المئات الودائع يوميا،
الأمر الذي لا يمكن معه تقويم الشركة يوميا.
وقد فطن الدكتور سامي حمود عند إعداد المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون البنك الإسلامي الأردني إلي وجود مشكلة فقهية في هذه المسألة، وحاول إيجاد الأساس الفقهي للممارسة المقترحة لسلة الودائع العامة.
ويقول د. سامي حمود : " ويستند الأساس الفقهي لهذا التقسيم المتفاوت إلي ما هو مقرر في الفقه الإسلامي من ناحية ربط استحقاق الربح بتخصيص المال للمشاركة، ولذلك قالوا بأنه لو كان لأحد الشريكين دراهم (من الفضة) وللثاني دنانير (من الذهب) فإن الشركة عند من لم يشترط خلط المالين كما نقل الكاساني تجوز وهم شركاء في الربح وإن اشتري كل واحد منهما بمال نفسه علي حدة لأن الزيادة وهي الربح تحدث علي الشركة " (الكساني : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الجزء السابع ص 3540 3541) .
ويوجد لهذا التطبيق نظير أيضا في شركة الأعمال، حيث يمكن أن يعمل أحد الشريكين ولا يعمل الآخر، ومع ذلك فإنهما يتقاسمان الربح. والسبب في ذلك كما بينه الكاساني رحمه الله هو ان " استحقاق الربح في الشركة بالأعمال بشرط العمل لا بوجود العمل " (الكاساني، الجزء السابع ص 3541)
وكذلك في الشركة بالمال، فإن استحقاق الربح ليس مرتبطا بنماء المال ذاته ولكنه مبني علي مجرد وضع المال تحت تصرف من يعمل فيه سواء استعمل هذا المال فعلا أم لم يستعمل.
وبذلك يكون مجرد إيداع المستثمرين نقودهم في حسابات الاستثمار موجب لتحقيق الربح المعين لهم بالنسبة التي يخضع لها الحسابات المفتوح سواء استعمل المال المودع أم لم يستعمل، وسواء كان بالعملة الأردنية أو بالعملات الأجنبية كالاسترليني والدولار والريال.
وقد اتخذت السنة المالية أساس للمحاسبة، لأن هذا الاستثمار بطبيعته عمل مستمر ومتلاحق، ولابد فيه من التحديد الزمني، ولكن علي أساس ما يتحقق فعلا من أرباح بدون القيام بإجراء التصفية الشاملة لكل العمليات الممولة في تاريخ موحد. (من مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني، ص 13، 14. منسوخ علي الآلة، تموز 1977) .
وواضح مما كتبه د. سامي حمود أنه أساس فقهي جيد للمشاركة المتوازية مع عدم خلط الأموال. ولكنه لا يكفي أساس فقهيا للمشاركة المتتالية، إذ أن نية

الاشتراك في حالة المشاركة المتوازية مع عدم خلط الأموال قائمة. اما في حالة المشاركة المتتالية، فإن نية المشاركة تنتهي بسحب المودع ماله من سلة الودائع. ومع ذلك، يبقي مشاركا في نتيجة السنة المالية ربحا أو خسارة وهو ما يتنافي مع أحكام عقد الشركة كما عرفه الفقه التقليدي، ولا تنطبق عليه الحالة التي أشار إليها الكاساني في (بدائع الصنائع) .
ولذلك، تبقي حالة المشاركة المتتالية دون أساس يساندها من الفقه التقليدي.
ولا مناص إذن في رأينا من قبول أن هذه هي إحدي الصور المستحدثة من المشاركة، وهي ما يمكن أن نسميه : المشاركة المتتالية او المتداخلة.
ويترتب علي قبول هذه المشاركة المتتالية وضع المعالم والضوابط لها :
يمكن تصور وجود المشاركة المتتالية في عملية واحدة، كما يمكن وجودها في سلة من العمليات.
(أ) ففي حالة العملية الواحدة، نفترض أن عملية ما تحتاج إلي تمويل مليون دولار لمدة سنة، وأن المتوافر لدي الشخص الراغب في التمويل مليون دولار لمدة ستة شهور، وأن شخصا آخر علي استعداد لتقديم المليون دولار في ستة الشهور التالية، فإذا اتفق الشخصان علي تمويل العملية بهذه الصورة المتتالية واقتسام أرباجها وخسائرها، فإن الشخص الثاني عند نهاية الستة شهور يقدم المليون دولار إلي الشخص الأول الذي يسترد بذلك تمويله، وعند نهاية العملية يسترد الشخص الثاني المليون دولار من العملية ويتحاسبان علي نتيجتها ربحا أو خسارة.
(ب) كما أن المشاركة المتتالية قائمة بالفعل في سلة الودائع العامة حيث تصب مئات وألوف الودائع وتخرج عند استحقاق مواعيدها دون انتظار تصفية العمليات وإنما يتم دفعها إلي أصحابها ما يتوافر لدي البنك من سيولة سواء من حصيلة ودائع جديدة أو من حصيلة استثمارات منتهية أو غير ذلك من الموارد. ويتم الحساب مع جميع المودعين في السلة خلال العام بعد تصفية حسابات الاستثمارات في نهاية السنة المالية ويقتسمون معا الربح والخسارة وفق نظام النمر أي مع مراعاة المبالغ والمدد.
وهذه المشاركة المتتالية والمتداخلة إلي جانب المشاركة المتوازية (سلة الودائع العامة) مع اعتبار السنة المالية وحدة بدلا من تصفية كل عملية علي حدة تثير عدة جوانب محاسبية :
(أ) دخول بعض أرباح العام السابق إلي سلة السنة محل المحاسبة وتأخير بعض أرباح السنة محل المحاسبة إلي العام التالي، بسبب تأخر تصفية حسابات بعض الاستثمارات عن نهاية السنة المالية.
(ب) خصم بعض مبالغ كمخصصات للديون المشكوك فيها أو المعدومة أو لانخفاض قيمة الأصول أو قيمة العملات المستثمر بها من أرباح السنة محل المحاسبة عن استثمارات تمت في العام السابق، وقد يعاد بعض هذه المبالغ عند تحصيلها أو تغير قيمة العملات إلي أرباح العالم التالي.
(ج) حجز نسبة من ربح السنة لتكوين احتياطي مخاطر الاستثمار (تصل هذه النسبة في البنك الإسلامي الأردني إلي 20% وفي البنك الإسلامي الماليزي إلي 50%) . بما يمكن معه تفادي تحميل احدي السنوات كامل خسائرها وتوزيعها علي عدة سنوات من خلال هذا الاحتياطي المقتطع من أرباح عدة سنوات.
وقد عولجت هذه الجوانب المحاسبية في مختلف البنوك الإسلامية بصورة أو أخري، ولكن يبقي الجانب الشرعي فيها بحاجة إلي تأصيل. ومن المهم التنبه هنا إلي أن المسألة ليست من البساطة بحيث يكفي فيها التسامح المتبادل. فقد تصل المبالغ المنقولة من سنة إلي سنة إلي عدة ملايين من الدولارات، وقد تؤثر هذه المبالغ علي نتيجة حسابات الأرباح زيادة او نقصانا بنسب كبيرة، بل قد تصبح النتيجة لمودعي سنة بعينها ربحا بدل ان تكون خسارة، أو بالعكس قد تصبح خسارة بدل أن تكون ربحا.
وهذه العلاقة المستمرة بين السنوات المالية المتتالية مظهر مهم من مظاهر المشاركة المتتالية نظرا لأن هذا التتالي مستمر من عام إلي عام بتجدد خروج المودعين ودخول غيرهم.
وليس واردا من الناحية العملية أن يقال بإجراء حساب مؤقت للمودع الذي سحب وديعته وبقاء التصفية النهائية معلقة، إذ أن أقصي ما يمكن تصوره من تعليق هذه التصفية هو انتهاء حسابات السنة التي سحب فيها وديعته، فضلا عن ان التصفية النهائية التي يأخذ فيها كل مودع حصته من العمليات التي شاركت فيها وديعته غير ممكنة عمليا لعدم إمكان فرز العمليات وتخصيص عمليات بعينها لودائع بعينها.
كما أنه ليس واردا أن يحل البنك أي مساهموه في استحقاق مبالغ المخصصات
والاحتياطات الخاصة بالاستثمار وفي تحمل الالتزامات الواقعة علي عاتق سلة الودائع العامة، إذ أن وضع البنك كوكيل عن المودعين أو حتى كمضارب مشترك في أموالهم وفقا لرأي د. حمود لا يجعله مسئولا عن الالتزامات المتعلقة بالاستثمارات فتصرفه كوكيل تعد إلي موكله، وخسارة المضاربة تعود إلي رب المال دون المضارب، وفي الحالتين لا يكون الوكيل أو المضارب مسئولا إلا في حالة التقصير أو التعدي.
فإذا أخذنا الاعتبارات السابقة جميعا في الحسبان نجد ان سلة الودائع العامة بمثابة شركة مستقلة داخل البنك يقوم البنك بإدارتها نيابة عن المودعين ولحسابهم، وإذا كان التبسيط في الإجراءات يستدعي عدم استكمال شكليات هذه الشركة بما يضفي عليها شخصية معنوية خاصة، ولكنها من الناحية المحاسبية تعامل كما لو كانت شخصية معنوية، إذ تقيد علي حسابها ولحسابها جميع القيود الحاسبية المتعلقة بها منفصلة عن حسابات المساهمين التي لا تتأثر إلا بما يدخل عليها من حصة الإدارة في أرباح سلة الودائع.
ونشير فيما يلي إلي شرطين أساسيين في هذا النوع من المشاركة المتتالية :
أولا : ينبغي في رأينا توافر نية المشاركة بهذه الصورة المتتالية أو المتداخلة لدي الشركاء.
(أ) ويكون التعبير عن هذه النية في حالة البنوك الإسلامية وأمثالها من المؤسسات المخصصة لإدارة سلات المؤسسات المخصصة لإدارة سلات استثمارية مشتركة بالنص في نظمها ونماذج عقودها علي تفاصيل هذا الأمر، بحيث يكون المودع باطلاعه علي هذه النظم وتوقيعه علي هذه النماذج عالما بها وموافقا عليها.
ونورد مثالا لذلك ما يمكن أن يتضمنه طلب فتح حساب الوديعة العامة مما يتعلق بهذه الناحية :
- تحدد الأرباح سنويا علي أساس الربح الفعلي المتحصل، وأيضا الربح المحقق الذي لم يدفع إلي البنك، والذي هو من حق من تكون ودائعهم قائمة خلال الأجل اللازم لتحصيله وتشترك الودائع في نتائج عمليات السلة الاستثمارية عن سنة المحاسبة بصرف النظر عن التوافق بين تواريخ بدء العمليات وتواريخ بدء الودائع.
- بمجرد دفع النصيب النهائي السنوي في الربح علي الودائع المستحقة، ليس للمودع حق الرجوع علي البنك وليس للبنك حق الرجوع علي المودع. ويقر الطرفان مقدما بموافقتهما علي التسامح المتبادل في الغبن اليسير الذي يتعذر تلافيه في حساب ربح الودائع النهائي.
في حالة سحب الوديعة يوافق الطرفان علي التخارج* طبقا للوضع الراهن حينئذ بالنسبة للحقوق المتبادلة بصرف النظر عما إذا تحققت فيما بعد خسائر أزيد أو أقل من المخصصات المرصدة لها.
(ب) أما في حالة العلاقات المباشرة بين المستثمرين المشاركين علي التتالي أو بصورة متداخلة، وحيث لا يتوسط بين بينهم بنك إسلامي أو مؤسسة تقوم بتفصيل هذا الأمر في نظمها ونماذج علي النحو الذي أضحناه أعلاه، فينبغي في رأينا كذلك أن يكون الاتفاق بين المستثمرين علي المشاركة صريحا قبل بدء العملية الاستثمارية حتى ولو تأخر دفع الحصة إلي تاريخ لاحق.
مثال ذلك أن تكون هناك عملية بيع بالمراجعة مع السداد الآجل بعد سنة من البيع، ويكون رأس مال العملية أي ثمن الشراء متوافر بأكمله لدي أحد المستثمرين، ولكن لمدة ستة شهور فقط، فيتفق مع مستثمر آخر، يتوافر لديه المبلغ في ستة الشهور التالية، علي أن يشتركا في ربح العملية بأن يشتري الأول البضاعة ويبيعها لأجل، وبعد ستة شهور يدفع إليه الثاني المبلغ، وبعد ستة شهور أخري، حين يحل موعد سداد المشتري للثمن متضمنا الربح، يحصل الشريك الثاني علي ما دفعه ويقتسم مع الشريك الأول الربح.
وسبب اشتراط أن يكون الاتفاق علي المشاركة سابقا علي الشراء أي علي بدء العملية هو :
1- استبعاد صورة التمويل المحض في حالة ما إذ دخل الشريك الثاني بعد بدء العملية، إذا أنها في هذه الحالة تكون قد تمخضت عن دين في ذمة المشتري، ويكون دخوله بمثابة شراء للدين. اما في حالة الاتفاق المسبق علي المشاركة قبل بدء العملية، فإن الشراء والبيع يكون لصالح الشريكين، وبالتالي يكون ثمن البيع دينا في ذمة المشتري لصالح الشريكين، ولا يكون الشريك الثاني مشتريا للدين حين يدفع المبلغ إلي الشريك الأول بعد ستة شهور، وإنما يكون ذلك بمثابة ترتيب للسيولة فيما بينهما مع ارتباطهما بالعملية من حيث ربحها وخسارتها من بدايتها إلي نهايتها.
2- ويستوي في هذا أن تكون العملية مرابحة او مشاركة؛ لأن شرط استحقاق الربح في الحالتين هو الضمان، ولا يتحقق الضمان دون التزام مسبق قبل بدء العملية والاتفاق علي الالتزامات المترتبة




*التخارج (أو المخارجة) هو فقها لشراء بعض الشركاء حصص بعضهم.
عليها. وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في النقطة التالية.
ثانيا : ينبغي أن يكون الاتفاق المسبق علي المشاركة قبل بدء العملية ملزما للأطراف الممولين، إذ أن هذا الإلزام هو الذي يتحقق به الضمان شرط استحقاق الربح وبغير الإلزام يكون الشريك الذي سيؤخر دفع حصته من التمويل بالخيار بعد بدء تنفيذ العملية ومعرفة نتائجها الأولية إن شاء شارك فيها، وإن شاء رجع عن وعده بالمشاركة وترك مخاطر العملية كلها للشريك الذي دفع حصته من التمويل، وهذا مخل بطبيعة المشاركة.
****
المراجع
*الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، القاهرة، زكريا علي يوسف، ج 7، ص 3540 / 3541.
*مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني، منسوخ علي الآلة، ص 13، 14 (تموز 1977 م) .
 
التعديل الأخير:

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
ونشير فيما يلي إلي شرطين أساسيين في هذا النوع من المشاركة المتتالية :
أولا : ينبغي في رأينا توافر نية المشاركة بهذه الصورة المتتالية أو المتداخلة لدي الشركاء.

ثانيا : ينبغي أن يكون الاتفاق المسبق علي المشاركة قبل بدء العملية ملزما للأطراف الممولين، .

وهذا مع الأسف الشديد لا يحصل أو لا يكون مفهوما كما تم إيضاحه هنا

وجزاك الله خيرا على الموضوع

حيث وجهت إستفسارا للبنك الإسلامي عن مصير النسبة المحتجزة للمخاطر؟

وأنها في الغالب تذهب وتصبح ضمن أرباح البنك!!!

فما الحكم الشرعي في ذلك؟؟؟؟؟
 
أعلى