د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تحرير قول ابن تيمية في الاعتبار باتفاق المطالع في رؤية الهلال.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:اشتهر عن ابن تيمية رحمه الله - لاسيما ما كان بين المعاصرين - اعتباره لاتفاق المطالع في لزوم الصوم، فإذا اختلفت المطالع فلا يلزم الصوم بهذه الرؤية سوى من اتفقت مطالعهم فحسب.
وهذا المعنى هو الذي نقله عنه البعلي في الاختيارات، يقول رحمه الله:
" تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا فإن اتفقت لزمه الصوم وإلا فلا وهو الأصح للشافعية وقول في مذهب أحمد ."
لكن لابن تيمية رحمه الله كلام موسع في مجموع فتاويه:
لا أقول: قد ذهب فيه إلى قول آخر في المسألة فحسب، بل إنه قد ضعَّف فيه الاعتبار باتفاق المطالع وهو ما يتناقض تماما مع الترجيح المنقول عنه في الاختيارات، ثم إن ابن تيمية رحمه الله في هذه الفتوى الموسعة بعد أن ضعَّف هذا القول في اعتبار المطالع ، ذكر القول الراجح عنده في هذه المسألة وبين مأخذه وضابطه بتفصيل يجزم الواقف عليه بخطأ النسبة المذكورة إليه في الاختيارات باعتباره للمطالع في الرؤية، أو أنه باعتبار فهم صانع الاختيارات.
ولم أضع احتمالا من تقدم هذا القول زمنا لما سيأتي من نقل كلامه في شرح العمدة وهو من أوائل كتبه.
وسأقسم هذا المبحث إلى قسمين اثنين:
القسم الأول: ما ذكره في مجموع الفتاوى:
أنتخب فيه من كلام ابن تيمية رحمه الله ما يفيد ما ذكرته:
يقول رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 25 / ص 104):
والذين قالوا لا تكون رؤية لجميعها كأكثر أصحاب الشافعي:
1- منهم من حدد ذلك بمسافة القصر.
2- ومنهم من حدد ذلك بما تختلف فيه المطالع كالحجاز مع الشام والعراق مع خراسان.
وكلاهما ضعيف [يعني التحديد بمسافة القصر والتحديد بما تختلف فيه المطالع]:
فان مسافة القصر لا تعلق لها بالهلال.
وأما الأقاليم فما حدد ذلك؟
ثم هذان خطأ من وجهين:
أحدهما:
أن الرؤية تختلف باختلاف التشريق والتغريب فانه متى رؤي في المشرق وجب أن يرى في المغرب ولا ينعكس.....
الوجه الثاني:
أنه إذا اعتبرنا حدا كمسافة القصر أو الأقاليم فكان رجل في آخر المسافة والإقليم فعليه أن يصوم ويفطر وينسك وآخر بينه وبينه غلوة سهم لا يفعل شيئا من ذلك وهذا ليس من دين المسلمين
فالصواب في هذا والله أعلم:
ما دل عليه قوله: ( صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) فإذا شهد شاهد ليلة الثلاثين من شعبان أنه رآه بمكان من الأمكنة قريب أو بعيد وجب الصوم
وكذلك إذا شهد بالرؤية نهار تلك الليلة الى الغروب فعليهم إمساك ما بقى سواء كان من إقليم أو اقليمين
والاعتبار ببلوغ العلم بالرؤية في وقت يفيد:
فاما اذا بلغتهم الرؤية بعد غروب الشمس فالمستقبل يجب صومه بكل حال لكن اليوم الماضي هل يجب قضاؤه فانه قد يبلغهم في أثناء الشهر انه رؤي بإقليم آخر ولم ير قريبا منهم الأشبه انه إن رؤي بمكان قريب وهو ما يمكن أن يبلغهم خبره في اليوم الأول فهو كما لو رؤي في بلدهم ولم يبلغهم
وأما إذا رؤي بمكان لا يمكن وصول خبره إليهم إلا بعد مضى الأول فلا قضاء عليهم:
لان صوم الناس هو اليوم الذي يصومونه ولا يمكن أن يصوموا إلا اليوم الذي يمكنهم فيه رؤية الهلال وهذا لم يكن يمكنهم فيه بلوغه فلم يكن يوم صومهم وكذلك في الفطر والنسك لكن هؤلاء هل يفطرون إذا ثبت عندهم في أثناء الشهر أنه رؤي بناء على تلك الرؤية.
لكن إن بلغتهم بخبر واحد لم يفطروا لأنه قد ثبت عندهم في أثنائه ما يفطرون به ولا يقضون اليوم الأول فيكون صومهم تسعة وعشرين كما يقوله من يقول بالمطالع،إذا صام برؤية مكان ثم سافر إلى مكان تقدمت رؤيتهم فانه يفطر معهم ولا يقضى اليوم الأول...
ثم قال رحمه الله:
فالضابط أن مدار هذا الأمر على البلوغ:
لقوله: ( صوموا لرؤيته) فمن بلغه أنه رؤي ثبت فى حقه من غير تحديد بمسافة أصلا.
وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد البر في أن طرفي المعمورة لا يبلغ الخبر فيهما إلا بعد شهر فلا فائدة فيه
بخلاف الأماكن الذي يصل الخبر فيها قبل انسلاخ الشهر فإنها محل الاعتبار.
فتدبر هذه المسائل الأربعة:
1- وجوب الصوم والإمساك.
2- ووجوب القضاء.
3- ووجوب بناء العيد على تلك الرؤية.
4- ورؤية البعيد والبلاغ في وقت بعد انقضاء العبادة .
ولهذا قالوا:
إذا أخطأ الناس كلهم فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم اعتبارا بالبلوغ.
وإذا أخطأه طائفة منهم لم يجزهم لإمكان البلوغ.
فالبلوغ هو المعتبر:
سواء كان علم به للبعد او للقلة وهذا الذي ذكرته هو الذي ذكره أصحابنا إلا وجوب القضاء إذا لم يكن مما يمكنهم فيه بلوغ الخبر
والحجة فيه [أي في عدم القضاء إذا لم يكنهم فيه بلوغ الخبر]:
أنا نعلم بيقين انه ما زال في عهد الصحابة والتابعين يرى الهلال في بعض أمصار المسلمين بعد بعض فان هذا من الأمور المعتادة التي لا تبديل لها ولابد أن يبلغهم الخبر في أثناء الشهر فلو كانوا يجب عليهم القضاء:
1- لكانت هممهم تتوفر على البحث عن رؤيته في سائر بلدان الإسلام كتوفرها على البحث عن رؤيته في بلده.
2- ولكان القضاء يكثر في أكثر الرمضانات.
ومثل هذا لو كان لنقل ولما لم ينقل دل على انه لا أصل له وحديث ابن عباس يدل على هذا .
القسم الثاني :
ما ذكره في شرح العمدة من كتاب الصيام:
يؤكد ما نقلناه عن ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاويه أنه في شرحه لكتاب الصيام من كتاب العمدة لابن قدامة، عقد فصلا خاصا نقل فيه قول الحنابلة في هذه المسألة ونصره بما يتفق مع أصل هذا القول الذي انتهى إليه في الفتوى المذكورة في مجموع الفتاوى.
فقول الحنابلة [وهو من مفرداتهم، ونصره الشوكاني وصديق حسن خان] :
أنه إذا رأى الهلال أهل بلد لزم سائر البلدان الصوم وإن لم يروه، سواء كان البلدان متقاربين لا يختلف مطالع الهلال فيهما أو متباعدين يختلف.
وقد قرر ابن تيمية في شرح العمدة هذا القول واستدل له.
لكن فتوى ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى تميزت بأمرين اثنين:
1- أنه أنضج هذا القول وحرَّره بما يمكن أن يقال إنه طوَّره إلى مرحلة متقدمة، وهو أنه بعد تأكيده لصحة هذا القول وأنه إذا رآه أهل بلد لزم سائر البلدان الصوم، أزاح عنه ما يمكن أن يعترض عليه وهو تعذر بلوغ هذه الرؤية لسائر البلدان فقال:
إن مدار الأمر على البلوغ، فمتى أمكن بلوغ الرؤية لزمت أحكامها، ومتى تعذرت فإنه لا فائدة حينئذ بهذه الرؤية ، فيستقل أصحاب تلك البلاد برؤية تختص بهم بحسب ما يبلغهم.
إن مدار الأمر على البلوغ، فمتى أمكن بلوغ الرؤية لزمت أحكامها، ومتى تعذرت فإنه لا فائدة حينئذ بهذه الرؤية ، فيستقل أصحاب تلك البلاد برؤية تختص بهم بحسب ما يبلغهم.
2- أنه ميز تفصيل قوله عن قول أصحابه الحنابلة، وذلك ببيانه أمرين اثنين:
أ*- أن قوله هذا هو القول الذي صار إليه أصحابه الحنابلة.
ب*- أنه ينفرد عنهم بالقول بعدم الحكم بقضاء الصوم للبلد الذي تتعذر فيه بلوغهم الرؤية.
==============================
وقد ذكر الشيخ سمير بن خليل المالكي في بحث له بعنوان "توحيد رؤية الهلال" ما قررناه من اختلاف كلام ابن تيمية المقرر في الاختيارات عن بحثه الموجود في مجموع الفتاوى، فأورثني ذلك طمأنينة وانشراحا ولله الحمد والمنة.
يقول سمير المالكي بعد أن نقل بعض النقولات عن ابن تيمية رحمه الله:
" وإنما أطلت النقل من كلامه رحمه الله لنفاسته ، وهو يخالف ما ذهب إليه في الاختيارات من اعتبار اختلاف المطالع ، بينما نص هنا على أن العبرة هي في بلوغ العلم بالرؤية في الوقت الذي يؤدى فيه الصوم أو الفطر ، بمعنى أنه لو بلغهم خبر الرؤية بعد ذلك لم يلزمهم قضاء ذلك اليوم ، والله أعلم .
وعليه:
فإننا في هذا الزمان ، نرى أن العلم بالرؤية يحصل للجميع في نفس الوقت عبر وسائل الإعلام ، فما المانع من الاعتبار برؤية الآخرين ، خاصة والقائلون بهذا هم من تقدم ذكرهم من الأئمة الأعلام ؟"
يقول سمير المالكي بعد أن نقل بعض النقولات عن ابن تيمية رحمه الله:
" وإنما أطلت النقل من كلامه رحمه الله لنفاسته ، وهو يخالف ما ذهب إليه في الاختيارات من اعتبار اختلاف المطالع ، بينما نص هنا على أن العبرة هي في بلوغ العلم بالرؤية في الوقت الذي يؤدى فيه الصوم أو الفطر ، بمعنى أنه لو بلغهم خبر الرؤية بعد ذلك لم يلزمهم قضاء ذلك اليوم ، والله أعلم .
وعليه:
فإننا في هذا الزمان ، نرى أن العلم بالرؤية يحصل للجميع في نفس الوقت عبر وسائل الإعلام ، فما المانع من الاعتبار برؤية الآخرين ، خاصة والقائلون بهذا هم من تقدم ذكرهم من الأئمة الأعلام ؟"
التعديل الأخير: