تعليق:
على أن ما ذكره ابن رشد رحمه من حصر سبب الخلاف في الإجمال الواقع في قوله عليه الصلاة والسلام: "فاقدروا له" له ما يبرره في زمانه لأن من نزع إلى جواز الاعتماد على الحساب من المتقدمين إنما نزع من دلالة هذا النص.
إضافةً :
إلى أن الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب...." أحسب أنه لم يكن أساسا صلبا لمن بنى قوله في الحساب على أقل تقدير إلى زمن ابن رشد.
على أن ابن تيمية رحمه الله – مع تأخره عن زمن ابن رشد بما يقرب من القرن والنصف باعتبار تاريخ ولادتهما- ناقش دلالة هذا النص في عدم إفادته للحساب مما يشير إلى أن هناك من اتكأ عليه في القول بالحساب.
ومما يبرر لابن رشد صحة حصره للخلاف في المسألة حسب ما ذكره من إجمال دلالة النص في التقدير :
هو أن الخلاف القديم لم يكن كما هو الحال بين المعاصرين من تطور هذا العلم وإفادته نتائج متقدمة مما رجح الكفة من هذه الناحية لصالح القائلين بالحساب.
وإنما كان الخلاف في هذه المسألة إلى زمن ابن رشد بل وبعده: أقل قيمة بكثير مما هو واقع بين المعاصرين
بسبب اعتماد العلم في ذاك الوقت على بعض الحسابات المتناقضة والمختلفة، ولهذا كان لابن تيمية محقا عندما قال:
"وسبب ذلك أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب، فأخطأؤا طريق الصواب...."
لكن:
هل يمكن للقائلين من المعاصرين بعدم صحة الاعتماد على الحساب أن يطلقوا هذه القاعدة اليوم بهذا السبب المعين الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله؟!
المقصود أنه لم يكن حجة من مال إلى اعتبار الحساب – في الغالب الكثير - إلا الاتكاء على الإجمال الواقع في قوله عليه الصلاة والسلام: "فاقدروا له" فساغ لابن رشد أن يحصر سبب الخلاف في المسألة في الإجمال الواقع في قوله عليه الصلاة والسلام: "فاقدروا له"
---------------
أمر آخر:
ترجيح ابن رشد رحمه الله لمذهب الجمهور في هذه المسألة من حمل المجمل في النص على مفسره ووصفه له بأنه لائح.
مذهب وجيه ومعتبر.
إذ إن هذا هو الظاهر الذي يبدو فيمن نظر في مجموع الروايات، مع التخبط الواقع في الحسابات الفلكية وبداءة آلياتها ....
لكن إذا أخذنا بالاعتبار التقدم الحاصل في علم الفلك ودقة نتائجه وضبط المسلمين في غالب عباداتهم على نتائجه تنكشف لنا اليوم بعض دلالات قوله عليه الصلاة والسلام: "فاقدروا له" فإنها في الزمن القديم كان المناسب في التقدير هو إكمال شعبان ثلانين يوما لعدم العلم بوضع الهلال في حال الغيم، أما اليوم فإن المناسب في التقدير هو ترتيب دخول الشهر حسب العلم بحال الهلال.
فيكون قوله عليه الصلاة والسلام: "فاقدروا له" مفيدا لإكمال شعبان ثلاثين يوما في حال عدم العلم بحال وضع الهلال فإن هذا هو التقدير المناسب له.
ويكون التقدير له بالحساب في حال الوصول به إلى نتائج دقيقة، لأن هذا هو التقدير المناسب له في هذه الحال.
ومن التزم تفسير التقدير مطلقا بإكمال شعبان ثلاثين يوما حتى في حال علمه بوضع الهلال بالحساب، فإنه لازم عليه - والحال هذه - أن يغمض عن علمه بوضع الهلال ويغترض حالا مقدرا في ذهنه أنه لا يعلم بوضع الهلال .
وهذا فيه ما فيه.
ناهيك عن أنه يقر في حال إكماله شعبان ثلاثين يوما في حال الغيم أنه من الممكن أن يكون ناقصا وإنما أتمه بناء على عدم علمه بحال الهلال.
وهذا مبرر في حال عدم العلم بحال الهلال لكن أن يكون الأمر كذلك حتى في حال علمه بالهلال، هذا أمر يحتاج إلى مراجعة.
ولا أظن للمخالف جوابا إلا الطعن في صحة ودقة نتائج الحسابات الفلكية، وأحب أن أذكِّر أنه في الأيام القريبة السابقة حددوا زمن كسوف الشمس في الإمارات بوقت محدد وأنه يكون في اثتتي عشرة دقيقة وأنه يكون في الدمام والخبر ثماني دقائق وفي الرياض دقيقتين، وأنه لن يحصل كسوف في الحجاز...
وكان الأمر كما ذكروا ، ولم نسمع أي تناقض أو اختلاف أو خطأ.
وأحسب كذلك أن نتائج حسابات الفلكيين صارت من الدقة بمكان وأن الخطأ فيها من البعد بمكان وأن نسبته كما ذكروا واحد من مائة ألف، حتى أصبحت دقة هذه النتائج مسألة مبتوتة لا أقول عند الحسابيين والفلكيين المختصين بل حتى عند عامة المسلمين والاعتماد عليها في ضبط صلواتهم وصيامهم وإفطارهم.