العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

نموذج لدراسة اختيار فقهي (مطول)

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
نموذج
لدراسة اختيار فقهي (مطول)

( 133) الاختيار الثالث والثلاثون بعد المئة: (الطلاق- الحلف بالطلاق: الحلف بالحرام)

المسألة: إن قال لزوجته: أنتِ عليَّ حرام، أو: ما أحلَّ الله عليَّ حرام، أو الحرام يلزمني. فهل يكون تحريم الزوجة ظهارًا، أو إيلاءً، أو طلاقًا، أو يمينًا، أو لغوًا؟
الاختيار: تحريم الزوجة يمين يكفرها الزوج، وإن أوقع التحريم كان ظهارًا، ولو نوى به الطلاق.
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة اختلافًا واسعًا. ومن ذلك:
القول الأول: أن التحريم لغو لا شيء فيه، لا طلاق، ولا إيلاء، ولا يمين، ولا ظهار.
وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، ومذهب الظاهرية، وأكثر أصحاب الحديث. ودليله:
1. يقول الله تعالى:[FONT=&quot]][/FONT]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ[FONT=&quot][[/FONT][التحريم:1].فأنكر الله تعالى تحريم ما أحله له، والزوجة مما أحله الله، فتحريمها منكر. والمنكر مردود، لا حكم له إلا التوبة والاستغفار.
2. يقول الله سبحانه:[FONT=&quot]][/FONT]وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ{116}[FONT=&quot][[/FONT][النحل]. فمن حرَّم امرأته، فقد كذب وافترى. ولا تكون عليه حرامًا بقوله. فصحَّ أن التحريم باطل.
3. قال ابن عباس: "إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ". وَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"[FONT=&quot][1][/FONT].
القول الثاني:أن تحريم الزوجة ثلاث تطليقات.
وهو قول علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن البصري، وابن أبي ليلى، ورواية عن أحمد.
وحجة هذا القول أنها لا تحرُم عليه إلا بالثلاث، فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حرامًا عليه[FONT=&quot][2][/FONT].
القول الثالث: أنه ثلاث في حق المدخول بها، لا يُقبل منه غير ذلك. وإن كانت غير مدخول بها، وقع ما نواه من واحدة، واثنتين، وثلاث. فإن أطلق فواحدة.
وهذا مذهب مالك. وحجته أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه، وغير المدخول بها تحرم بواحدة، والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث[FONT=&quot][3][/FONT].
القول الرابع: أنه إن نوى الطلاق كان طلاقًا، ثم إن نوى به الثلاث فثلاث، وإن نوى دونها فواحدة بائنة، وإن نوى يمينًا فهو يمين فيها كفارة، وإن لم ينو شيئًا فهو إيلاء فيه حكم الإيلاء.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وحجتهم:
1. قول الله تعالى:[FONT=&quot]][/FONT]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{2}[FONT=&quot][[/FONT][التحريم]. نزلت في تحريم النبي[FONT=&quot]e[/FONT] جاريته مارية. وسمى الله ذلك يمينًا، وأباح حله بالكفارة.
2. روي عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة أنهم قالوا: الحرام يمين.
3. احتمال اللفظ لما ذكره، غير أنه إن نوى واحدة كانت بائنة ؛لاقتضاء التحريم للبينونة. وهي صغرى وكبرى، والصغرى هي المتحققة فاعتبرت دون الكبرى.
وعنه رواية أخرى: إن نوى الكذب دُيِّنَ ولم يُقبل في الحكم، بل يكون موليًا. ولا يكون مظاهرًا عنده، نواه أو لم ينوه. ولو صرح به فقال: أعني به الظهار، لم يكن مظاهرًا[FONT=&quot][4][/FONT].
القول الخامس: إن نوى به الطلاق، كان طلاقًا، ويقع ما نواه، فإن أطلق وقعت واحدة، وإن نوى الظهار كان ظهارًا، وإن نوى تحريم عينها من غير طلاق ولا ظهار فعليه كفارة يمين. وإن لم ينو شيئًا ففيه قولان: أحدهما لا يلزمه شيء، والثاني يلزمه كفارة يمين.
وهذا مذهب الشافعي. وحجته أنه كناية في الطلاق؛ فإن نواه به كان طلاقًا. وإن لم ينوه كان يمينًا لقوله تعالى:[FONT=&quot]][/FONT]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {2}[FONT=&quot][[/FONT][التحريم]. ويجب عليه بذلك كفارة يمين؛ لأن النبي [FONT=&quot]e[/FONT] حرم مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله[FONT=&quot]e[/FONT] [FONT=&quot][5][/FONT].
القول السادس: أنه ظهار بإطلاقه، نواه أو لم ينوه، إلا أن يصرفه بالنية إلى الطلاق، أو اليمين، فينصرف إلى ما نواه.
وهذا ظاهر مذهب أحمد. وحجته:
1. أنه تحريم للزوجة بغير طلاق، فوجبت به كفارة الظهار، كما لو قال: أنتِ عليََّ حرام كظهر أمي.
2. أنه صريح في تحريمها، فكان ظهارًا وإن نوى به غيره، كقوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي.
3. هو قول: عثمان بن عفان، وابن عباس، وأبو قلابة[FONT=&quot][6][/FONT].
القول السابع: أنه إن نوى به ثلاثًا فهي ثلاث، وإن نوى به واحدة فهي واحدة بائنة، وإن نوى به يمينًا، فهي يمين، وإن لم ينو شيئًا فهي كذبة لا شيء فيها.
وهذا مذهب سفيان الثوري. وحجته أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك، فيتبع نيته[FONT=&quot][7][/FONT].
القول الثامن: التوقف في ذلك، لا يحرمها المفتي على الزوج، ولا يحللها له.
صح ذلك عن علي بن أبي طالب، قال: "ما أنا بمحلها، ولا بمحرمها عليك. إن شئت فتقدَّم، وإن شئت فتأخَّر". وحجته: أن التحريم ليس بطلاق، وهو لا يملك تحريم الحلال، وإنما يملك إنشاء السبب الذي يحرم به وهو الطلاق، وهذا ليس بصريح في الطلاق، ولا هو مما يثبت له عرف الشرع في تحريم الزوجة، فاشتبه الأمر فيه[FONT=&quot][8][/FONT].
القول التاسع: أنها تطليقة واحدة. وهي إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب، وقول الزهري، و حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وروي عن أحمد.
وحجة هذا القول: أن مطلق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث، بل يصدق بأقله، والواحدة متيقنة، فحمل اللفظ عليها لأنها اليقين. فهو نظير التحريم بانقضاء العدة[FONT=&quot][9][/FONT].
القول العاشر: أنها يمين يكفرها ما يكفر اليمين على كل حال.
صح ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعائشة، وزيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وابن مسعود، وابن عمر. وهو قول: الحسن، وعطاء، وطاوس، والأوزاعي، ورواية عن أحمد.
وحجة هذا القول: ظاهر القرآن؛ فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال، فلابد أن يتناوله يقينًا. فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور قبلها، وإخراج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله[FONT=&quot][10][/FONT].
القول الحادي عشر: أنها بذلك حرام عليه. ولم يذكروا طلاقًا، ولا ظهارًا، ولا يمينًا. بل ألزموه موجب تحريمه فقط، وأمروه باجتناب امرأته.
صح هذا عن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، والحسن، وخلاس بن عمرو، وجابر بن زيد[FONT=&quot][11][/FONT].
القول الثاني عشر: أنها يمين مغلظة، يتعين فيها عتق رقبة.
صح ذلك عن ابن عباس، وأبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وجماعة من التابعين.
وحجته: أنه لما كان يمينًا مغلظة، غلظت كفارتها بتحتم العتق. ووجه تغليظها تضمنُها تحريمَ ما أحل الله، وليس إلى العبد. وقولُ المنكر والزور إن أراد الخبر فهو كاذب في إخباره، معتدٍ في إقسامه، فغلظت كفارته بتحتم العتق، كما غلظت كفارة الظهار به أو بصيام شهرين، أو بإطعام ستين مسكينًا[FONT=&quot][12][/FONT].
القول الثالث عشر: الفرق بين أن يوقع التحريم منجزًا، أو معلقًا تعليقًا مقصودًا، وبين أن يخرجه مخرج اليمين. فالأول ظهار بكل حال ولو نوى به الطلاقَ، ولو وصله بقوله: أعني به الطلاق.
والثاني يمين يلزمه به كفارة يمين. فإذا قال: أنت عليَّ حرام، أو إذا دخل رمضان فأنت عليَّ حرام فظهار. وإذا قال: إن سافرتُ، أو إن أكلتُ هذا الطعام، أو كلمت فلانًا، فامرأتي عليَّ حرام- فيمين مكفَّرة.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية[FONT=&quot][13][/FONT].
وعقب ابن القيم عليه قائلا:
"وعليه يدل النص والقياس؛ فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرًا من القول وزورًا، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة، وإذا حلف به كان يمينًا من الأيمان، كما لو حلف بالتزام العتق والحج والصدقة. وهذا محض القياس والفقه، ألا ترى أنه إذا قال: لله عليَّ أن أعتق، أو أحج، أو أصوم- لزمه. ولو قال: إن كلمت فلانا فلله عليَّ ذلك، على وجه اليمين- فهو يمين... وطرْد هذا، بل نظيره من كل وجه- أنه إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، كان ظهارًا، فلو قال: إن فعلتِ كذا فأنت عليَّ كظهر أمي- كان يمينًا... فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة المأخوذة من الكتاب والسنة والميزان"[FONT=&quot][14][/FONT].
وأكد ابن القيم اختياره بالأدلة التالية:
1. قال الله تعالى:[FONT=&quot]][/FONT] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{2}[FONT=&quot][[/FONT][التحريم]. وثبت في الصحيحين أنه [FONT=&quot]e[/FONT] شرب عسلا من بيت زينب بنت جحش، فاحتالت عليه عائشة وحفصة حتى قال: "لن أعود له"، وفي لفظ: "قد حلفتُ"[FONT=&quot][15][/FONT].
2. أن رسول الله [FONT=&quot]e[/FONT] كانت له أمة يطؤها. فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها، فأنزل الله[FONT=&quot]U[/FONT]: [FONT=&quot]][/FONT]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ...[FONT=&quot][[/FONT][التحريم:1][FONT=&quot][16][/FONT].
3. عن عَائِشَةَ قالت: آلى رَسولُ اللَّهِ[FONT=&quot]e[/FONT] من نسائِهِ، وحرَّمَ. فجعلَ الحرامَ حلالاً، وجعلَ اليمينِ كفَّارةً"[FONT=&quot][17][/FONT].
وقولها: جعل الحرام حلالا، أي: جعل الشيء الذي حرمه، وهو العسل، أو الجارية حلالا بعد تحريمه إياه.
4. إن تحريم الحلال من الطعام، والشراب، واللباس، يمين تكفر بالنص وآثار الصحابة، ولابد أن يكون تحريم الحلال داخلا تحت هذا النص؛ لأنه سببه، وتخصيص محل السبب من جملة العام ممتنع قطعًا، وإذ هو المقصود بالبيان أولا، فلو خُص لخلا سبب الحكم عن البيان، وهو ممتنع وهذا الاستدلال في غاية القوة.
فالتحريم إذا وقع فهو يمين كبرى في الزوجة، كفارتها كفارة الظهار. وإذا حلف فهو يمين صغرى، كفارتها كفارة اليمين بالله. ولا يستوي إيقاع التحريم ومجرد الحلف به، بل الفرق واقع حكمًا ومعنى بين المسألتين، كما فرق الشافعي، وأحمد بينهما في النذر.
5. قول الرجل: الحرام يلزمني. إن نوى به التحريم كان كما لو نوى بالطلاق التطليق، فكأنه التزم أن يُحرِّم، كما التزم ذلك أن يطلق. فهذا التزام للتحريم. وذلك التزام للتطليق، وإن نوى به: "ما حرم الله عليَّ يلزمني تحريمه"، لم يكن يمينًا ولا تحريمًا ولا طلاقًا ولا ظهارًا. ولا يجوز أن يفرق بين المسلم وبين امرأته بغير لفظ لم يوضع للطلاق ولا نواه، وتلزمه كفارة يمين حرمه لشدة اليمين، إذ ليست كالحلف بالمخلوق التي لا تنعقد، ولا هي من لغو اليمين، وهي يمين منعقدة ففيها كفارة يمين[FONT=&quot][18][/FONT].
وقد وافق الشوكانيُّ ابنَ حزم من وجه وخالفه من وجه آخر، فرجّح أن التحريم لغو. فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم عليه. وخالف بأنه من أراد طلاقها بلفظ التحريم، فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة، وعدم جوازه بما سواها، فيكون التحريم من كنايات الطلاق، ويقع بالنية[FONT=&quot][19][/FONT].
ووافق الشوكانيَّ في اختياره تلميذه صديق حسن خان. إلا أنه في "الروضة الندية" رجَّح أن التحريم يمين تكفر[FONT=&quot][20][/FONT].
ووافق ابنُ المطهّر اختيار ابن حزم تمامًا مخالفًا ابن القيم[FONT=&quot][21][/FONT].
وخالف د.محمد الحفناوي ابنَ القيم أيضًا، ولكنه رجَّح اعتبار النية مطلقًا، فإن نوى به الطلاق كان طلاقًا، وإلا فهو يمين[FONT=&quot][22][/FONT].
وقريب من ذلك قول أبي بكر الجزائري بأنه إن نوى به الطلاق فهو طلاق، وإن نوى به ظهارًا فهو ظهار، يجب فيه كفارة الظهار، وإن لم يرد به طلاقًا ولا ظهارًا، أو أراد به الحلف، كأن يقول: أنت حرام إن فعلتِ كذا ففعلتْ، ففيه كفارة يمين لا غير[FONT=&quot][23][/FONT].
وفي مشروع القانون العربي الموحد: لا يقع الطلاق بالحنث بالحرام[FONT=&quot][24][/FONT]. والقانون الإماراتي[FONT=&quot][25][/FONT].
الترجيح:
رأينا ابن القيم، وشيخه ابن تيمية يميزان بين حالتين في الحرام:
الأولى: أن يحلف الزوج بالحرام، كقوله: الحرام يلزمني لا أفعل كذا، وأنت عليَّ حرام إن فعلت.
وهذه يمين مكفرة، كما في الطلاق، والنذر.
وهي ظاهر ما يقضي به القانون الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي[FONT=&quot][26][/FONT].
الثانية: أن يحرم الزوجة ناجزًا، كقوله: أنت عليَّ حرام، أو يعلقه بشيء، فهذا ظهار فيه كفارة ظهار.
ويترجح ما اختاره ابن القيم؛ وذلك لأن كل يمين يحلف بها المسلمون في أيمانهم ففيها كفارة يمين، كما دلّ عليه الكتاب والسنة. وأما إذا كان مقصود الرجل الظهار، فتكون ظهارًا، ويلزمه ما أوقع بلفظه؛ لأن الظهار: تحريم الحلال، فمعنى قول الزوج: "أنتِ عليَّ كظهر أمي"، أي أنت حرام عليَّ كما يحرم عليَّّ ظهر أمي.
ودليل الحالة الأولى قول الله تعالى: [FONT=&quot]][/FONT]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{2}[FONT=&quot][[/FONT][التحريم]. وتحلة اليمين هي تكفيرها.
ودليل الحالة الثانية قول الله سبحانه:[FONT=&quot]][/FONT]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{3} فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ[FONT=&quot][[/FONT][المجادلة:3-4].
وتغلظت كفارة الظهار؛ لأنه منكر من القول وزور محض. أما اليمين بالحرام فكان فيها كفارة صغرى، لأن اليمين تصرف مشروع، وإنما كان عليه الكفارة فيه لأنه حرَّم الحلال، وليس له تحريم الحلال كما قال الله تعالى:[FONT=&quot]][/FONT]وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {116}[FONT=&quot][[/FONT][النحل].
والأوْلى في كل ذلك حفظ اللسان عن تحريم ما أحل الله تعالى من المطاعم والزوجات، أو تشبيه الزوجة بالأم على وجه الظهار. فإن أراد الزوج مفارقة زوجته فالطلاق يكفيه.


[FONT=&quot][1][/FONT]مسلم في الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق (1473). المحلى 11/185-186.

[FONT=&quot][2][/FONT]المغني 7/155. الإنصاف 8/486.

[FONT=&quot][3][/FONT]بداية المجتهد، مج3، ص1427. حاشية الدسوقي 2/213. القوانين الفقهية، ص198.

[FONT=&quot][4][/FONT]المبسوط 6/80. بدائع الصنائع 3/262-263.

[FONT=&quot][5][/FONT] مغني المحتاج 3/373. الوجيز في فقه الشافعي، ص287.

[FONT=&quot][6][/FONT]المغني 7/154. الإنصاف 8/486.

[FONT=&quot][7][/FONT]المحلى 11/183.

[FONT=&quot][8][/FONT]المحلى 11/184. إعلام الموقعين 2/71.

[FONT=&quot][9][/FONT]المغني 7/155. الإنصاف 8/486. المحلى 11/183.

[FONT=&quot][10][/FONT] المغني 7/156. المحلى 11/184. فتح الباري 9/284.

[FONT=&quot][11][/FONT]المحلى 11/183. زاد المعاد 5/279.

[FONT=&quot][12][/FONT]إعلام الموقعين 2/72.

[FONT=&quot][13][/FONT]مجموعة الفتاوى 33/45، 69، 93، 97. اختيارات ابن تيمية، ص396.

[FONT=&quot][14][/FONT]إعلام الموقعين 2/74. وانظر: زاد المعاد 5/279.

[FONT=&quot][15][/FONT]البخاري في كتاب التفسير،باب: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم}(4912). ومسلم في الطلاق، باب: وجوب الكفارة على من حرم امرأته (1474).

[FONT=&quot][16][/FONT]أخرجه النسائي، كتاب عشرة النساء، باب الغيرة (3959). وصححه ابن حجر في تلخيص الحبير (1595).

[FONT=&quot][17][/FONT]أخرجه ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب الحرام (2072). وابن حبان في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الإيلاء (4278). والبيهقي في السنن، كتاب الخلع والطلاق، باب من قال لامرأته أنت علي حرام (14848). وذكره الألباني في صحيح ابن ماجة (1685).

[FONT=&quot][18][/FONT]إعلام الموقعين 2/69 وما بعدها. زاد المعاد 5/274 وما بعدها.

[FONT=&quot][19][/FONT]نيل الأوطار 6/264-266.

[FONT=&quot][20][/FONT]السراج الوهاج 5/358. الروضة الندية 2/265-266.

[FONT=&quot][21][/FONT]أحكام الأحوال الشخصية 2/120-121.

[FONT=&quot][22][/FONT]الطلاق، ص56.

[FONT=&quot][23][/FONT]منهاج المسلم: أبو بكر الجزائري، مكتبة التراث، القاهرة، ص389.

[FONT=&quot][24][/FONT]المادة (88/ب) من مشروع القانون العربي الموحد.

[FONT=&quot][25][/FONT]المادة (103/2).

[FONT=&quot][26][/FONT] المادة (85/ب).
 
التعديل الأخير:
أعلى