محب الانصاف
:: مخالف لميثاق التسجيل ::
- إنضم
- 4 يوليو 2008
- المشاركات
- 25
- التخصص
- مهندس غابات
- المدينة
- ولاية البيــــــــض
- المذهب الفقهي
- -
قال العلامة عبد الرحمن بن يحي المعلمي اليماني
> القائد الى تصحيح العقائد >
> القائد الى تصحيح العقائد >
الدين على درجات : كف عما نهي عنه ، و عمل ما أمر به ، و اعتراف بالحق ، و اعتقاد له و علم به . و مخالفة الهوى للحق في الكف واضحة ، فان عامة ما نهي عنه شهوات و مستلذات ، و قد لا يشتهي الإنسان الشيء من ذلك لذاته ، و لكنه يشتهيه لعارض . و مخالفة الهوى للحق في الاعتراف بالحق من وجوه :
الأول : أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل ، فالإنسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه و معلمه على أنه حق فيكون عليه مدة ، ثم إذا تبين له أنه باطل شق عليه أن يعترف بذلك ، و هكذا إذا كان آباؤه أو أجاده أو متبعوه على شيء ، ثم تبين له بطلانه ، و ذلك أنه يرى أن نقصهم مستلزم لنقصه ، فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه ، حتى أنك لترى المرأة في زماننا هذا إذا وقفت على بعض المسائل التي كان فيها خلاف على أم المؤمنين عائشة و غيرها من الصحابة أخذت تحامي عن قول عائشة ، لا لشيء إلا لأن عائشة امرأة مثلها ، فتتوهم أنها إذا زعمت أن عائشة أصابت و أن من خالفها من الرجال أخطأوا ، كان في ذلك إثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال ، فتكون تلك فضيلة للنساء على الرجال مطلقاً ، فينا لها حظ من ذلك ، و بهذا يلوح لك سر تعصب العربي للعربي ، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، و غير ذلك . حتى لقد يتعصب الأعمى في عصرنا هذا للمعري ! .
الوجه الثاني : أن يكون قد صار في الباطل جاه و شهرة و معيشة ، فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد .
الوجه الثالث : الكبر ، يكون الإنسان على جهالة أو باطل ، فيجيء آخر فيبين له الحجة ، فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص ، و أن ذلك الرجل هو الذي هداه ، و لهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشق عليه الإعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبين له ببحثه و نظره ، و يشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له .
الوجه الرابع : الحسد و ذلك إذا كان غيره هو الذي بين الحق فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافاً لذلك المبين بالفضل و العلم و الإصابة ، فيعظم ذلك في عيون الناس ، و لعله يتبعه كثير منهم ، و إنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئه غيره من العلماء و لو بالباطل ، حسداً منه لهم ، و محاولة لحط منزلتهم عند الناس .
ومخالفة الهوى للحق في العلم و الإعتقاد قد تكون لمشقة تحصيلية ، فإنه يحتاج إلى البحث و النظر ، و في ذلك مشقة و يحتاج إلى سؤال العلماء و الإستفادة منهم و في ذلك ما مر في الاعتراف و يحتاج إلى لزوم التقوى طلباً للتوفيق و الهدى و في ذلك ما فيه من المشقة . و قد تكون لكراهية العلم و الإعتقاد نفسه و ذلك من جهات ، الأول ما تقدم في الاعتراف فأنه كما يشق على الإنسان أن يعترف ببعض ما قد تبين له ، فكذلك يشق عليه أن يتبين بطلان دينه ، أو اعتقاده ، أو مذهبه ، أو رأيه الذي نشأ عليه ، و اعتر به ، و دعا إليه ، و ذهب عنه ، أو بطلان ما كان عليه آباؤه و أجداده و أشياخه ، و لا سيما عندما يلاحظ أنه أن تبين له ذلك تبين أن الذين يطريهم و يعظمهم ، و يثنى عليهم بأنهم أهل الحق و الإيمان و الهدى و العلم و التحقيق ، هم على خلاف ذلك ، و إن الذين يحقرهم و يذمهم و يسخر منهم و ينسبهم إلى الجهل و الضلال و الكفر هم المحقون ، و حسبك ما قصه الله عز و جل من قول المشركين ، قال تعالى : [ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ]
( الأنفال : 32 ) فتجد ذا الهوى كلما عرض عليه دليل لمخالفيه أو ما يوهن دليلاً لأصحابه شق عليه ذلك و أضطرب و أغتاظ و سارع إلى الشغب ، فيقول في دليل مخالفيه : هذه شبهة باطلة مخالفة للقطعيات ، و هذا المذهب مذهب باطل لم يذهب إليه إلا أهل الزيغ و الضلال…. ، و يؤكد ذلك بالثناء على مذهبه و أشياخه و يعدد المشاهير منهم و يطريهم بالألفاظ الفخمة ، و الألفاظ الضخمة ، و يذكر ما قيل في مناقبهم و مثالب مخالفيهم ، و إن كان يعلم أنه لا يصح ، أو أنه باطل !
ومن أوضح الأدلة على غلبة الهوى على الناس أنهم – كما تراهم – على أديان مختلفة، و مقالات متباينة ، و مذاهب متفرقة ، و آراء متدافعة ثم تراهم كما قال الله تبارك و تعالى :[ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ] .
فلا تجد من ينشأ على شيء من ذلك و يثبت عليه يرجع عنه إلا القليل ، و هؤلاء القليل يكثر أن يكون أول ما بعثهم على الخروج عما كانوا عليه أغراض دنيوية .
ومن جهات الهوى أن يتعلق الاعتقاد بعذاب الآخرة فتجد الإنسان يهوى أن لا يكون بعث لئلا يؤخذ بذنوبه ، فإن علم أنه لا بد من البعث هوي أن لا يكون هناك عذاب ، فإن علم أنه لا بد من العذاب هوي أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قول المرجئة ، فإن علم أن العصاة معذبون هوي التوسع في الشفاعة – و هكذا .
ومن الجهات أنه لا شق عليه عمل كالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هوي عدم وجوبه ، و إذا ابتلي بشيء يشق عليه أن يتركه كشرب المسكر هوي عدم حرمته . وكما يهوى ما يخفف عليه فكذلك يهوى ما يخفف على من يميل إليه ، و ما يشتد على من يكرهه ، فتجد القاضي و المفتي هذه حالهما . و من المنتسبين إلى العلم من يهوى ما يعجب الأغنياء و أهل الدنيا ، أو ما يعجبه العامة ليكون له جاه عندهم و تقبل عليه الدنيا، فما ظهرت بدعة ، و هويها الرؤساء و الأغنياء و أتباعهم إلا هويها و إنتصر لها جمع من المنتسبين إلى العلم ، و لعل كثيراً ممن يخالفها إنما الباعث لهم عن مخالفتها هوى آخر وافق الحق ، فأما من لا يكون له هوى إلا إتباع الحق فقليل ، و لا سيما في الأزمنة المتأخرة ، و هؤلاء القليل يقتصرون على أضعف الإيمان ، و هو الإنكار بقلوبهم و المسارة به فيما بينهم ، إلا من شاء الله .
فإن قيل : فلماذا لم يجعل الله عز و جل جميع حجج الحق مكشوفة قاهرة لا تشتبه على أحد ، فلا يبقى إلا مطيع يعلم هو و غيره أنه مطيع ، و إلا عاص يعلم هو و غيره أنه عاص ، و لا يتأتى له إنكار و لا اعتذار ؟ ([1]) .
قلت : لو كان كذلك لكان الناس مجبورين على إعتقاد الحق فلا يستحقون عليه حمداً و لا كمالاً و لا ثواباً ، و لكانوا مكرهين على الاعتراف كمن كان في مكان مظلم فزعم أن ذاك الوقت ليل وراهن على ذلك ففتحت الأبواب فإذا الشمس في كبد السماء ، و لكانوا قريباً من المكرهين على الطاعة من عمل و كف ، لفوات كثير من الشبهات التي يتعلل بها من يضعف حبه للحق فيغالط بها الناس و نفسه أيضاً .
فإن قيل : فإن المؤمن إذا كان موقناً كانت الحجة في معنى المكشوفة عنده أفلا يمون مثاباً على إيمانه و اعترافه و طاعته ؟
قلت : ليس هذا من ذاك في شيء ، أما الاعتقاد فمن وجهين :
الأول : أن الحجة لم تكن كلها مكشوفة للمؤمن من أول الأمر ، و إنما بلغ تلك الدرجة بنظره و تدبره و رغبته في الحق و مخالفته الهوى ، و بهذا ثبت صدق حبه للحق و ايثاره على الهوى فيستمر له حكم ذلك بعد انكشاف الحجة ، و هو بمنزلة الظمآن الذي يطلب الماء حتى ظفر به ، فأراد أن يشرب فقال له مصلط : أن لم تشرب ضربتك أو سجنتك . فمثل هذا لا يقال إذا شرب إنه إنما شرب مكرهاً .
الوجه الثاني : أن وضوح الحجة للمؤمن لا يستمر بدون جهاد ، لأن الشبهات لا تزال تحوم حول المؤمن لتحجب عنه الحجة و تشككه فيها ، و الشهوات تساعدها فثباته على الإيمان برهان على دوام صدق محبته للحق ، و ايثاره على الهوى .
وأما الاعتراف فالأمر فبه واضح ، فإن وضوح الحجة عند المؤمن لا يكون مكشوفاً لغيره ، فليس في معنى المكره على الاعتراف ، بل أنه إذا ذكرنا أن الحجة واضحة عنده وجد كثيراً من الناس يكذبونه أو يرتابون في دعواه .
وهكذا حاله في الطاعة من عمل و كف ، فأن انكشاف الحجة في الإيمان الاعتقادي لا يستلزم إنكشاف الحجج الأخرى التي تترتب عليها الطاعات ، وهب أن هذه انكشفت له أيضاً ، فقد بقيت شبهات أخرى ، لولا صدق حبه للحق و إيثاره على الهوى لأمكنه التشبث بها ، كأن يقول : ينبغي أروح عن نفسي فإن لي حسنات كثيرة لعلها تغمر هذا التقصير ، أرى لعلها تنالني من شفاعة الشافعين ، أو لعل الله يغفر لي ، أو أتمتع الآن ثم أتوب . و قال الله تبارك و تعالى : [ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ] الأنعام : 158 و في ( الصحيحين ) و غيرهما من حديث أبي هريرة قال ( قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت و رآها الناس آمنوا أجمعون ، و ذلك حين [ ينفع نفساً أيمانها ] ثم قرأ الآية )) . و نحوه من حديث أبو ذر و ابن مسعود و أبي سعيد الخدري و صفوان بن عسال و عبد الرحمن بن عوف و عبد الله ابن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص و غيرهم .
والأخبار بأن الشمس سوف تطلع من مغربها متواترة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، و معنى ذلك أن ما يشاهد الآن من سيرها ينعكس ، فسكان هذا الوجه الذي كان فيه النبي صلى الله عليه و آله و سلم يرونها تغرب في مغربها على العادة ثم يرونها في اليوم الثاني طالعة من مغربها ، و أما سكان الوجه الأخر فإنها تطلع عليهم من مشرقهم على عادتها ، ثم يرونها تسير إلى مغربها ما شاء الله ثم ترجع القهقري حتى تغرب فلي مشرقهم . و على زعم ([2]) أن الأرض هي التي تدور ، فإن دورة الأرض تنعكس ما ذكر .
فأما إيمان الناس جميعاً فوجهه و الله أعلم أن النفوس مفطورة على اعتقاد وجود الله عز و جل و ربوبيته ، و من شأن ذلك أن يسوق إلى بقية فروع الإيمان ، وآيات الآفاق و الأنفس تؤكد ذلك ، و لكن الشبهات و الأهواء تغلب على أكثر الناس حتى يرتابوا فيتبعوا اهوائهم ، فإذا طلعت الشمس من مغربها لحقهم من الذعر و الرعب لشدة الهول ما يمحق أثر الشبهات و الأهواء و تفزع النفوس إلى مقتضى فطرتها ، قال الله تعالى في ركاب البحر : [ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ] لقمان: 32 .
فتلك الآية في حق من يكون قد بلغه أن محمداً صلى الله عليه و آله و سلم أخبر بها حجة مكشوفة قاهرة ، و كذلك هي في حق من لم يبلغه لكن بمعونة الرعب و الفزع و شدة الهول .
وقد دلت الآية على أن من لم يكن آمن قبل تلك الآية لا ينفعه إيمانه عندها ، و من لم يكن من المؤمنين قبل يكسب الخير لا ينفعه كسب الخير عندها و فهم من ذلك أن من كان مؤمنا قبلها ينفعه الإيمان عندها ، و من كان من المؤمنين يكسب الخير قبلها ينفعه كسب الخير عندها ، و النظر يقتضي أنه إنما ينفعه من كسب الخير عندها ما كان عادة له، و في ( صحيح البخاري ) و غيره من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً )) . و جاء نحوه من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص و أنس و عائشة و أبي هريرة ، و أشار إليها ابن حجر في ( الفتح ) .
فمن كان معتاداً للعمل من أعمال الخير مواظباً عليه ثم طرأ عليه بغير إختياره أو باختياره مأذوناً له عارض يعجز معه عن ذاك العمل ، أو يشرع له تركه أو يدعه و هو نفل لإشتغاله عنه أو لزيادة المشقة فيه فقد ثبت باعتياده أنه لولا ذاك العارض – و هو غير مقصر فيه – لأستمر على عادته فلذلك يكتب له ثواب ذاك العمل ، فأولا من هذا من كان معتاداً لعمل في عرض باعث آخر على ذاك العمل و استمر العامل على عادته .
وقال الله عز و جل في قصة نوح [ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ] . هود: 27 - 28 يريد و الله أعلم أن كراهيتكم للحق و هواكم أن لا يكون ما أدعوكم إليه حقاً يحول بينكم و بين أن يحصل لكم العلم و اليقيين بصحته ، و في ( تفسير ابن جرير ) 12 / 17 عن قتادة قال ( أما و الله لو استطاع نبي الله صلى الله عليه و سلم لألزمها قومه و لكن لم يملك ذلك ، و لم يملكه )) . و الرسول لا يحرص على ظان يكره قومه إكراهاً عادياً على إظهار قبول الدين، فإنه يعلم أن هذا لا ينفعهم بل لعله أن يكون أضر عليهم ، و إنما يحرص على أن يقبلوه مختارين ، و لذلك يحرص هو و أصحابه على أن يظهر الله تعالى الآيات على يده أملاً أن يحصل للكفار العلم إذا رأوها فيقبلوا الدين مختارين ، و يزداد الحرص على هذا عندما يطالب الكفار بالآيات ، و هذه كانت حال محمد صلى الله عليه و آله و سلم و أصحابه، فبين الله تعالى لهم في عدة آيات أنه ليس على الرسول إلا البلاغ ، و أن الهداية بيد الله ، و أن ما أوتيه من الآيات كاف لأن يؤمن من في قلبه خير ، و أن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً ، لكن حكمته إنما إقتضت أن يهدي من أناب بأن كان يحب الهدى ، و يؤثره على الهوى .
فأما من كره الحق و استسلم للهوى ، فإنما يستحق أن يزيد الله تعالى ضلالاً ، قال الله عز و جل [ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ] إلى أن قال : [ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ] الرعد – 31 . ([3]) و قال تعالى : [ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ] . الأنعام : 109 - 110 و قال تعالى : [ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ] الشورى – 13 .
وقال سبحانه : [ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ] المؤمن : 13 .
وقال تعالى : [ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً . ([4]) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ]([5]) الاسراء : 101 – 102 .
وقال تعالى : [ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ . فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ . وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً]. النمل:12 – 14.
فلما تبين لموسى و هارون أن فرعون و قومه قد استحكم كفرهم انتهى مقتضى الحرص على أن يهتدوا ، و اقتضى حبهما للحق أن يحبا أن لا يهديهما الله ، قال الله تعالى: [ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ . قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ] يونس: 88 - 89 .
وفي القرآن آيات كثيرة في أن الله تعالى لا يهدي الكافرين ، و المراد بهم من استحكم كفرهم و ليس كل كافر كذلك ، فقد روى هدى الله تعالى و يهدي من لا يحصى من الكفار ، و إنما الحق أن لا يهدي الله تعالى من استكم كفره .
([1]) علق الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة على هذا الموضع ما لفظه ((يريد الشيخ بالسؤال و الجواب أن يبين حكمة الله تعالى في إبتلاء الناس بالهوى و الشبهات و الشهوات ليحصل الجهاد و الإبتلاء و يحمد المجاهد و يؤجر ، و إلا فوضوح الحق و الباطل أمر لإخفاء به ، ليهلك من هلك من بينه ، و يحيى من حي عن بينه )) .
وعلق على ما يأتي أو الفصل الثالث ما لفظه (( أن حجج الله تعالى التي سماها بينات هي مكشوفة واضحة لا خفاء بها و إنما تخفى على من في قلبه كن و في أذنيه وقر و على بصره غشاوة من هواه و أخلاقه و ما اعتاد )) .
قال المؤلف : لا أراه يخفى أن مرادي بالقضية المكشوفة القاهرة هو أن تكون بحيث لا تخفى هي و لا إفادتها اليقين على عاقل حتى لو زعم زاعم أنه يجهلها ، أو أنه يعتقد عدم دلالتها أو يرتاب فيها لقطع العقلاء بأنه إما مجنون الجنون المنافي للتكليف أو كاذب . و لا يخفى أنه ليس جميع حجج الحق هكذا ، و لكنها بينات البيان الذي تحصل به الهداية و تقوم به الحجة ، ثم هي على ضربين ، الضرب الأول الحجج التي توصل الإنسان إلى أن يتبين له أنه يجب عليه أن يكون مسلماُ ، الثاني ما بعد ذلك ، فالأول حجج واضحة لكن من أتبع هوى قد بان أنه يصد عن الحق ، أو قصر في القيام بما قد بان أن عليه أن يقوم به فقد يرتاب أو يجهل ، و الضرب الثاني على درجات ، منه ما هو في معنى الأول فيكفر المخطئ فيه ، و منه ما لا يكفر و لكن يؤاخذ ، و منه ما يعذر ، و منه ما يؤجر أيضاً على إجتهاده . المؤلف
([2] ) كذا قول المصنف رحمه الله ، و لعله من باب التقية ، و إلا فكون الأرض تدور في الفضاء أصبحت من الحقائق العلمية التي لا تقبل الجدل ، و ليس في الكتاب و لا في السنة نص ينافي ذلك ، خلافاً لبعضهم . ن
([3] ) الأصل ( 27 – 31 ) . وإنما هي آية واحدة . ن
([4] ) مسحوراً . أي : ساحراً كقوله في الآية الأخرى ( و قالوا يا أيه الساحر أدعو لنا ربك ) الخ و الآية : ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ) و غيرهما . م ع
([5] ) و المثبور الهالك كقوله : ( إذا رأتهم من كان بعيد سمعوا لها تغيضاً و زفيراً و إذا القوا فيها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً . لا تدعوا اليو ثبوراً و ادعوا ثبوراً كثيراً ) .
محمد عبد الرزاق
التعديل الأخير: