العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
كيف السبيل إلى
موضوع رسالتي؟؟


عناصر المقالة:
1- مقدمة هزلية في معاناة الباحث اليوم في العثور على موضوع لرسالته.
2- ضرورة التصنيف.
3- خطأ إنكار التصنيف على المتأخرين.
4- خطورة القصور في هذا الباب: وجه الخطورة، سبب القصور، طريقة العلاج.
5- الدور المنوط بالأقسام الشرعية.
6- قيمة الرسالة هو ما تحمله من إضافة علمية.
7- الحكم بالفشل هو أحد الأسباب المانعة من الفشل، وإن تمرير هذه الأعمال الفاشلة لهو إقرار للفشل.
8- الإضافة العلمية يجب أن تكون متسقة في التراكم العلمي.
9- الإضافة العلمية إنما تأتي حين الشعور بوجود مشكلة.
10- لإدراك المشكلة طريقان:
من طريق الباحث نفسه، وهذا هو الأمر المفترض.
والطريق الثاني: عن طريق استشارة الغير، وهذا فيه عقبات.
11- الطريقة المقترحة تتلخص في أمرين:
أ*- أن تتحدد له المشكلة بشكل محدد
ب*- أن يحدد الباحث المجال الذي يريد البحث فيه ثم يواصل القراءة فيه.
12- وسائل تحديد الموضوع من حيث الإطار ومن حيث العمق.
13- صياغة العنوان.

14- نماذج تطبيقية في تحليل الموضوعات باستعمال معايير الإضافة العلمية.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة الأولى


يصطدم الباحث بغيومٍ متلبدة حال اتجاهه في رحلته المكوكية للبحث عن موضوع يصلح أن يكون مادة دسمة لرسالته العلمية
كما تتناوبه أنواع من الهموم والغموم، وأقول: إلى حد الكآبة، وتصطبغ على جبينه المعقد ألوان الأرق والأسف مستوعبة أطيافها السبعة.
همٌ وغمٌ في معرفة السبيل إليها، والوصول فالوصال بها، وإلا فنكدٌ، وكل شيء في الدنيا إلا النكد.
وأرقٌ مِن الفشل والخيبة و خوف التورط بما لا تحمد عقباه فأسفٌ وندم، ثم لا طائرة ولا قدم!
وما إن يبلغ صاحبَنا خبرُ تتويجه طالباً في سدة الدراسات العليا إلا وبيَّتت مع هذه الأفراح أتراح، فتبيت مبيت الشتاء، ويا ليل الشتاء ما أطولك!
يسأل الطالب أستاذه في أول محاضرة:
فضيلة الدكتور: ليتك تقترح علينا بعض الموضوعات التي تستحق البحث والدارسة؟
الدكتور: في الحقيقة الموضوعات كثيرة.
الطالب بأحرف متسارعة: هلا ذكرت بعضها؟
الدكتور: في الحقيقة تحتاج إلى بحث ودراسة!!
الطالب بعد أن أصيب بخيبة أمل: طيب يا دكتور، هل هناك بحث أو دراسة قصدت هذا الموضوع؟
الدكتور: هذا دوركم أنتم.
الطالب: إن شاء الله.
إيه يا دكتور، ماذا صنعت، وأي شيء فعلت، هل تريد من الطالب الحائر في موضوعه أن يكتب بحثا ودرسا في إفادة الباحثين عن موضوعاتهم!
لو كان يقدر ينفع كان نفع نفسه أو أنا غلطان؟
ولا أظرف منك إلا طالبك الحائر الذي سيكتب بحثا يفيد فيه الباحثين عن موضوعات رسائلهم!
ولكن بيني وبينكم: فعلاً، هذا موضوع يستحق الدراسة! ويصلح أن يكون رسالة علمية!
لكن بشرطين اثنين:
1- ألا يكون هذا الطالب هو صاحبها.
2- وألا يكون ذاك الدكتور هو مشرفها.

------
الطالب يسأل زميله: هل تقترح عليَّ موضوعا أتقدم به؟
الزميل: نعم، هناك عدة موضوعات مهمة.
الطالب بلهف: ما هي؟
الزميل: للأسف، لا تزال في طي الكتمان!
الطالب بتشنج وعصبية:
يا هذا، لقد قلت أن عندك عدة موضوعات، وليس موضوعا واحدا، اكتمها كلها واشبع منها، واعطني واحدا منها؟
الزميل: أخاف أن يتسرَّب الموضوع، والقصص عليك لا تخفى.
الطالب: هات الموضوع الذي يخصني، ولا عليك لو تسرب فإنه لن يضرك شيء.
الزميل: لكن في الحقيقة... كل الذي عندي موضوعان اثنان: واحد سأقدمه، والآخر احتياط، وأنا في خوف وقلق ألا يقبل الموضوعان فأذهب إلى حيص وبيص، وحينها أتقاسم معك تقاسيم ملامح وجهك البادية الآن، ولكن بالمناسبة، ما رأيك؟ أن تكون علي دراسة التقاسيم، وعليك تطبيق التجاعيد.
الطالب: طيب دعك من الفلسفة، ولا تكررها يا أبا الموضوعات التي في حيز الكتمان.
الزميل: أصلاً أنا ضد الفلسفة!
====================
هذه مقدمة هزلية أحببت أن أصوِّر فيها حجم المعاناة التي يلاقيها الباحثون في العثور على العنوان المناسب لموضوعاتهم والتي سيبذلون تجاهها قطعة معدودة من أعمارهم.
وهنا انتهت الحلقة الأولى.
 
التعديل الأخير:

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي

بارك الله في الأخ هاشم الذي برع في تصوير موقف من أدق المواقف، وأثبت أن له قدرات خاصة في حبك الحوار والحكي.
وقد فتح موضوعا يستحق كثيرا من المناقشات. وأثار أولا سؤالا في ذهني:
ماذا يريد طالب الدراسات العليا برسالته؟
أكل همه الحصول على الدرجة العلمية، لتتويج نفسه دكتورا في التخصص، واكتساب سبب من أسباب المعايش؟
أم همه الأول تحصيل العلم الذي يرفعه عند الله درجات، ومحاولة الإتيان فيه بجديد؟
إن طلاب الدراسات العليا يأخذون اتجاهات أساتذتهم في الغالب. فهل قدم أساتذتنا القدوة، وأحسنوا الأسوة؟
وهكذا ترى أن واقعنا المعاصر المؤسف هو الذي يصنع هذه المأساة:طالب علم لا يريد إلا الحصول على الدرجة العلمية بأسرع وقت، وبأقل جهد.
وأساتذة لا يشغلون أنفسهم إلا بما يعود عليهم مباشرة بالنفع المادي؛ فيضنون على الطالب بالعلم والتوجيه؛ ويخشون أن يصير منافسا لهم فيما اكتسبوا من مناصب علمية وإدارية هي أسباب للعيش.
فكيف نصلح هذا الواقع الذي يؤدي جفاف نبع العلم في مؤسساتنا، وتخبط الطلاب في بداية حياتهم العلمية؟
سؤال مطروح أمام كل مخلص؟
والله الموفق،،،
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على هذه الإضافة، فإضافتكم الماتعة تفيد كثيرا في العنصر الرابع من هذه المقالة:
فؤاد يحيى هاشم;7788 قال:
4- خطورة القصور في هذا الباب: وجه الخطورة، سبب القصور، طريقة العلاج.
.

وأتمنى تسجيل أي ملاحظات أو حتى مجرد ما ينقدح في الذهن، في هذا الموضوع حتى نستطيع أن نخرج في نهاية الموضوع بنتائج محددة نسجلها في موضوع مستقل نفيد فيه الباحثين الذين هم في خضم البحث عن الموضوع الذي يصلح أن يكون مادة لرسائلهم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة الثانية


الرسائل العلمية هي ضرب من التصنيف، والتصنيف كما يقول الزركشي في قواعده:
(فرض كفاية على مْنْ منحة الله فهماً واطلاعاً، فلو ترك التصنيف لضيع العلم على الناس، وقد قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين...) الآية.
ولن تزال هذه الأمة في ازدياد وترق في المواهب والعلم.) (1)
ومن الخطأ الفادح إنكار التصنيف على المتأخرين، وبالتالي لمز هذه الرسائل العلمية بالجملة.
يقول ملا كاتب جلبي رحمه الله:
(ومِن الناس مَنْ ينكر التصنيف في هذا الزمان مطلقاً، ولا وجه لإنكاره مِنْ أهله، وإنما يحمله عليه التنافس والحسد الجاري بين أهل الأعصار.
والله در القائل:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئاً ويرى للأوائل التقديما
إن ذاك القديم كان حديثاً وسيبقى هذا الحديث قديما
واعلم:
أن نتائج الأفكار لا تقف عند حد، وتصرفات الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له، وليس لأحد أن يزاحمه فيه؛ لأن العالم المعنوي واسع كالبحر الزاخر والفيض الإلهي ليس له انقطاع ولا آخر، والعلوم منح إلهية، ومواهب صمدانية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما لم يدخر لكثير من المتقدمين.
فلا تغتر بقول القائل: (ما ترك الأول للآخر)، بل القول الصحيح الظاهر: ( كم ترك الأول للآخر).
فإنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته، لا تقدمه وحدوثه.
ويقال: ليس كلمة أضر بالعلم من قولهم: (ما ترك الأول شيئا).
لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم، فيقتصر الآخر على ما قدم الأول من الظاهر، وهو خطر عظيم، وقول سقيم ، فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها، فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها، كما قال عليه الصلاة والسلام: "أمتي أمة مباركة لا يدري أولها خير أو آخرها"(2) (3)
ويقول ابن عبد ربه في العقد الفريد:
(رأيت آخر كل طبقة واضعي كل حكمة، ومؤلفي كل أدب، أهذب لفظا، وأسهل لغة، وأحكم مذاهب، وأوضح طريقة من الأول؛ لأنه ناقض متعقب، والأول باديء متقدم.) (4)
ويقول الدكتور يحيى بن وهيب الجبوري:
( حقا إن الشكوى من عدم وجود جديد قديمة منذ الجاهلية حيث عنترة الذي شكا:
هل غادر الشعراء من متردم؟
إلى زهير الذي يقول:
وما أُرانا نقول إلا معارا....أو معادا من قولنا مكرورا.) (5)
قلت:
لكن ضرورة التصنيف لا تعني تمادي الناس فيه، فإن متعلق ضرورة التصنيف هي الأهلية المناسبة وإلا عاد التصنيف وبالا ونكالا.
وهذا بدوره يدفعنا إلى ضرورة تأهيل الباحثين لسد ضرورة التصنيف، فإن قيمه كل امرئ هو ما يحسن:
وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله":
أن عليا رضي الله عنه قال في خطبة خطبها:
(واعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون، وقدر كل امريء ما يحسن، فتكلموا في العلم تتبين أقداركم.)
قال ابن عبد البر:
"ويقال: إن قول علي بن أبي طالب "قيمة كل امرئ ما يحسن" لم يسبقه إليه أحد. وقالوا:
ليس كلمة أحض على طلب العلم منها.
وقالوا:
ولا كلمة أضر بالعلم والعلماء والمتعلمين من قول القائل: "ما ترك الأول للآخر شيئاً" انتهى

====================================================
1- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث لمحمد جمال الدين القاسمي (ص37)
2- أخرجه ابن عساكر في تاريخه مرسلا ، وفي الباب ما يعضده، وعند الترمذي : ( مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره ).انظر: المقاصد الحسنة للسخاوي ص 592
3- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ص38
4- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ص39
5- منهج البحث وتحقيق النصوص ص 28
 
التعديل الأخير:

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
وأتمنى تسجيل أي ملاحظات أو حتى مجرد ما ينقدح في الذهن، في هذا الموضوع حتى نستطيع أن نخرج في نهاية الموضوع بنتائج محددة نسجلها في موضوع مستقل نفيد فيه الباحثين الذين هم في خضم البحث عن الموضوع الذي يصلح أن يكون مادة لرسائلهم.

على الفور، دفعني كلامك هذا إلى كتابة عدد من الوسائل، التي تعين الباحث على اختيار موضوع لرسالة الماجستير أو الدكتوراه، سأرفعها في موضوع مستقل.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
على الفور، دفعني كلامك هذا إلى كتابة عدد من الوسائل، التي تعين الباحث على اختيار موضوع لرسالة الماجستير أو الدكتوراه، سأرفعها في موضوع مستقل.
ماشاء الله تبارك الله ، ولا أدري أهي روح الشباب المتوقدة أم هو إفراغ لإناء ملآن، قد حانت ساعنه، وآنت لحظته، زادكم الله من فضله وأتم عليكم نعمته.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة الثالثة




إذا تبين ما تقدم من أهمية التصنيف، وأن الأمر لا يقتصر على المتقدمين، بل هو مشرَعٌ لكل الباحثين عن الحقيقة، بلا حجاب زمان ولا مكان، بشرط أن يكون ذاك فيما يحسنه المرء: فإننا نشرع الآن بحول الله وقوته في الدخول في صلب الموضوع بالقول:
إذا كان قيمة كل امرئ ما يحسن فإن قيمة كل بحث هو ما فيه من الإضافة العلمية، وإلا كان الجهد المبذول فيه مكرورا،والزمن الذي استغرق فيه مأسوفا.
وقد نقل جمال الدين القاسمي عن أبي حيان قوله:
"ينبغي أن لا يخلو تصنيف من أحد المعاني الثمانية التي تصنِّف لها العلماء، وهي:
1-اختراع معدوم
2-أو جمع مفترق.
3-أو تكميل ناقص.
4-أو تفصيل مجمل.
5-أو تهذيب مطول.
6-أو ترتيب مخلط.
7-أو تعيين مبهم.
8-أو تبيين خطأ."(1)
قال جمال الدين القاسمي:
"كذا عدها أبو حيان، ويمكن الزيادة فيها."(2)
قلت:
ولذا فمن المفترض بالأصالة أن يقدِّم الطالبُ أوالباحث في مستهل رسالته الأسبابَ المنطقية والعلمية لكتابة رسالته، وما هي الإضافة التي سيقدمها في بحثه، بشكل محدد ودقيق، وأين موقعها مِن البحوث التي سبقته، وهل هي ابتكار من عند نفسه فهو أبو عذرها، أم أنها تحمل جديدا في الاستدراك أو التتميم أو الشرح أو الترتيب أو غير ذلك.
هذه الأسئلة من الأهمية بمكان، وهي تحدد بشكل مجمل، وبتقدير أولي محل هذا البحث في ضمن التراكم العلمي الهائل في بناء المدارس العلمية بشتى طرقها، وتعيد له شيئا من الترتيب والتوازن اللذين كادا أن يكونا أمرين مفقودين اليوم لولا بقية مِن المخلصين والمبدعين.
وللأسف؛ فإن المجامع العلمية والهيئات الشرعية على غزارة إنتاجها وإحكام إنتاجها إلا أنها إلى الساعة لم تستطع أن تقوم بالدور الذي قامت به المدراس الفقهية قرونا متطاولة وفي بلاد شاسعة ممتدة، كل ذلك في بناء منتظم متسق.
كما أنه يطلب من الباحث استعراض الجهود السابقة إن كان قد سُبِقَ إلى موضوعه بشكل أو آخر - فيبرهن من خلالها على أنها في مجموعها لا توصد الباب أمام البحث المقترح، وأن الدراسة المقترحة ستضيف شيئا إلى الموضوع.(3)
وإذا كان الباحث قد كتب في بداية بحثه ما يدَّعيه من الجدة والإضافة العلمية التي يحملها بحثه، فمن المفترض أن يسجل في نهايته ما استنتجه واستخلصه من النتائج والتوصيات، بل والملاحظات.
أما إذا لم يجد الباحثُ من الإضافات والنتائج ما يسجلها في نهاية بحثه فهو بذلك يعلن أمام الملأ عدم جدة موضوعه وعدم أهميته، وأن قلمه ما انحبس عن تسجيل أي إضافة علميه إلا إعلاناً لفشله، ولن يشفع له ما أعطي من عالي الأوسمة، وثمين النياشين، أو التوصية بالطبع أو حتى بالختم والتخليد والتحنيط في متحف التاريخ.
وإن الله سبحانه سيحاسب كل أحد عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، فإن الزمن الذي يستغرقه الباحث في كتابة موضوعه لهو محاسب عليه، وإن الجهد الذي يبذله في معالجة بحثه لهو مسؤول عنه.
وإن أمته لتسأل هذا عن طاقةٍ بدَّدها كانت هي أحوج ما تكون إليها، ولات ساعة مندم، فإن عقارب الساعة لا تعود، والتوبة لا تعيد الماضي، وتصحيح المستقبل لا يغير من خطأ الفائت شيئا؛ إنما هي أيام تذهب ولا تعود.
وإن البحث في علوم الشريعة ليس هو بناء تجريبيا في سبيل تحقيق غرض دنيوي أو متاع حاجي أو ترفٍ معيشي، إنما هو استجابة لله ولرسوله إذ دعانا لما يحيينا.
وإن لم يكن البحث الذي يقدمه الإنسان من الإيمان والعمل الصالح لهو في خسار ، يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: { بسم الله الرحمن الرحيم. وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
--------------------------------------

=============================
1-قواعد التحديث لجمال الدين القاسمي ص38

2- قواعد التحديث ص38

3- قواعد أساسية في البحث العلمي للدكتور سعيد إسماعيل الصيني ص166
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة الرابعة


البناء العلمي المتين يرفض بنفسه أي خلل في انتظامه، وهو يلفظ أي محاولة لإدخال أية أجسام غريبة غير متناسقة ولا منتظمة تؤثر على كيانه وبنيانه.
وإن الأبحاث التجريبية بجديتها - لا تتوانى في الحكم بالفشل والخيبة والخسارة على أي تجربة لا تحقق غرضها، فلا محل للعبث ولا للمجاملة.
فإذا أردتُ أن أصنع جهازا للتبريد، ففشلت في تحقيق هذا الغرض، فإن هذا العمل محكوم عليه بالفشل من قبلي قبل غيري، فإن التبريد لم يحصل، وكترتيب بدهي فإن تجربتي قد فشلت.
وكان من المفترض أن يكون الأمر كذلك في الأبحاث العلمية إلا أن غياب القيادات العلمية، وتنامي روح المجاملة، وخفوت صوت الجدية مرَّر كثيرا من هذه الأبحاث على عورها.
لاسيما وأنه لا أثر ملموس نجده ونتحسسه بشكل مباشر في رؤية نجاح المشاريع العلمية أو فشلها على غرار الواقع في المشاريع التجريبية.
لاسيما أيضاً، أن كل موضوع يبحث على حدة، ثم يرمى في عماية، فليست هناك مشكلة يراد حلها، أو إضافة يقصد تدوينها، إنما هناك بحث يراد له أن يكتب، ثم يراد له أن يقدم، ثم يراد به شيء، فإذا حصل انتهى المقصود، وانتهى كل شيء.
إن القصور في أداء الرسائل العلمية لواجباتها المنوطة بها في التصنيف لهو بلا شك ينسحب بشكل تلقائي ليشكل أحد الأسباب الرئيسة في تعثر كثير من المشاريع العلمية وإعلان إفلاسها، إذ تحتل الرسائل العلمية قسما رئيسا في التصنيف في هذا العصر لاسيما ما كان مِن المشاريع الجماعية.
هذا، وإن المدارس الفقهية الأربعة قد سجلت أرقى أشكال التكامل والنضج والتحرير ببناء منتظم رصين لا تكاد تجد نظيرا له بين أطنان الورق مِن أبحاث المعاصرين.
وما لا يدرك كله لا يترك جله، وعلى الباحث أن يعالج هذا القصور بحكمة وعقل، فيحدد موقعه، ثم يضيف ما عنده ، فإذا ما نمت هذه الصور المشرقة ظهرت مِنْ جديد بشكل أو آخرا منارات المدراس الفقهية لا أقول كما كانت ولكن شيئا فشيئا، وما ذلك على الله بعزيز.
===================================
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة الخامسة

مما سبق نعرف أن قيمة الرسالة تكمن فيما تقدمه من الإضافة العلمية.
وللمتسائل أن يقول الآن:
صدَّقتُ وآمنتُ بما ذكرتَ، لكن كيف لي أنْ أحصَلَ على الموضوع الذي يحقق هذه الإضافة؟
والجواب:
أن الإضافة تأتي إذا ما تم معرفة المشكلة.
ولذلك فلا تحسب أني أكثرتُ عليك فيما سبق مِن النياحة والعويل، ولا تبتأس بما أصابني وإياك مِنْ لظى حرِّ هذا الموضوع ومِنْ كلف غمَّه، فإنما أردتُ أن أقف معك على المشكلة بعجرها وبجرها، فربما نقف على الخيط المعقَّد والذي في مَقْعَد عُقَده يتربَّع الحل.
ولبيان ذلك نقول، ونحن نبحث في مجال الشريعة:
إن هذه الشريعة جاءت تامة كاملة ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولا طائر يطير بجناحية وإلا وقد ذكر لنا منه علما.
وإنما علينا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أداء رسالته من القيام بشرعة، والبلاغ لأمره
لكن لاتساع الحوادث، وتجدد الوقائع تَعْرِضُ بعضُ المشكلات في تحقيق حكم الشريعة، فيحوجنا ذلك إلى حل هذه المشكلات، لمواصلة القيام بأمره سبحانه وتعالى على الوجه الذي يرضيه.
هذه المقدمة مهمة للغاية، والسبب في المبالغة في تقرير أهميتها هو أن الواقع يحكي لنا استغراقا بالغا في التفاصيل العلمية، والتي قد اشتطت كثيرا عن هذا المسار الأصيل.
وسأجاهد نفسي هنا ألا أنساب في سرد نماذج لما ذكرت، فإن ذلك يستدعي أموراً تخرجنا عن المقصود، وما يستتبعها من الشكاية والتذمر، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وإنما حسبنا هنا أن نرجع فنؤكد القول بـ:
أن استحضار الوظيفة الأساسية للإنسان الذي كرمه الله، وأخذ عليه العهد والميثاق، واستحضار الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم: لهو معين إلى الغاية في معرفة موقعه في أداء رسالته على الوجه المطلوب.
============================================
ولا يزال السؤال إلى الآن قائما:
كيف لي أن أقف على المشكلة، والتي أستطيع منها أن أختار موضوعا يحلها، ثم أقدم بها إضافة علمية ؟
مرة أخرى أؤجل الجواب عن هذا السؤال، لأنبه إلى أمر أخشى أن يقع به اللبس:
وهو أنه ليس المقصود بالمشكلة فيما ذكرتُ قاصراًَ على أن هناك أمراً خطأ يراد تصحيحه، كما قد توحي بذلك كلمة "المشكلة"، ولكن المقصود هو ما سبق أن هناك حاجة للتصنيف لسبب ما، هذا السبب قد يكون خطأ يراد تصحيحه، وقد يكون هناك نتيجة يراد الوصول إليها، وقد يكون تنظيما أو ترتيبا أو تطويرا .....
وسيأتي الكلام على أنواع مواد البحث، وإنما المقصود هنا دفع ما قد يقع من الوهم من استعمال بعض الباحثين لهذا المصطلح فيظن ظانٌ أنه قاصر على معنىً من المعاني، وبالتالي اختزال جملة كبيرة من الأبحاث المشتملة على الإبداع والابتكار والتي تحمل في طياتها الكثير من الإضافات، والتي قد يحسب أنها لا تشتمل على مشكلة.
فالمشكلة هي الدافع للبحث، ولكن ليس بالضرورة أن تكون حلا مباشرا فقد تكون كذلك، وقد تكون تطويرا للحل، أو ترتيبا له، المهم أن تكون الحاجة إلى التصنيف قائمة.
وللأسف انتهت هذه الحلقة، ولم نجب عن السؤال بعد، فلتكن هذه الحلقة برمتها تقريرا للسؤال، وفي الحلقة لقادمة إن شاء الله نفرد الكلام في الجواب عن السؤال الذي أصابه ما يشبه نسيئة أهل الجاهلية.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة السادسة


نأتي الآن لمحاولة الجواب عن السؤال الذي تلكئنا مرارا في الجواب عنه، وهو معرفة طريقة الوقوف على المشكلة التي يراد حلها من خلال موضوع الرسالة:
فنقول وبالله التوفيق:
إن تحديد المشكلة المقصود حلها يتم في العادة بأحد أمرين:
1-عن طريق الباحث نفسه.
2-عن طريق آخر، قد يكون أستاذه أو زميله أو غيرهما.
والمفترض أن يكون تحديد المشكلة نابعاً مِنْ نفس الباحث، فإن أساس التصنيف هو الحاجة، فالحاجة هي الداعية إلى التصنيف.
فإذا وقف الباحث على المشكلة بنفسه استطاع حينئذ أن يعرف سبب إشكالها، ومحل استغلاقها، وطريقة حلها، كما يعرف مقدار هذه المشكلة ودرجتها، والمجال الذي يمكن له أن يسير في حلها.
فالأسباب التي دعته إلى معرفة هذه المشكلة هي نفس الأسباب التي تدعوه إلى طريقة حلها، والتي تنتج له الإضافة العلمية المقصود الوصول إليها.
سأفترض كمثال:
أن هناك مشكلة في استدلال بعض الفقهاء بقول الصحابي حيث لا يطردون في الاحتجاج به، فيحتجون به تارة، ولا يحتجون به أخرى.
فبما أني استطعت أن أصل إلى هذه النقطة المحددة من المشكلة، فمن الطبيعي أن أستطيع أن أعرف حلها، لأني لم أصل إلى معرفة هذه المشكلة حتى استطعت أن أقف على جماعة من الفقهاء وقع منهم هذا الخلل، وحتى استطعت أن أدرك التقعيد الأصولي في لزوم الاطراد في اعتبار الدليل ما دام يقوم مقتضاه، وحتى استطعت أن أعرف المأخذ الأصولي في الاحتجاج بأقوال الصحابة، وهذا يدفعني إلى الوقوف إلى كلام العلماء في الاحتجاج به.... وما إلى ذلك من المعاني التي احتاطت بإدراك أصل المشكلة.
فإدراك المشكلة هو أول الحل، كما أن هذا الإدراك هو الذي يقرر إمكان الحل، ومعرفة الداء هي أساس الدواء، ويشبه هذا قولهم: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
لكنْ مَنْ أخبرته بأصل هذه المشكلة في عدم الاطراد في الاستدلال بقول الصحابي، فمن المحتمل أنه لا يدرك ولا يعي كل هذه التفاصيل فهذا وقف على صورة المشكلة لكن في وسط التيه، ورآها لكن في غسق الليل، فربما أدرك صورة المشكلة ولم يدرك معناها، وربما أدرك معناها ولم يدرك حجمها، وربما أدرك حجمها ولم يدرك أبعادها.
وهنايقع الإشكال:
وهو ما إذا تم تحديد المشكلة من طرف آخر، فالباحث الذي أخذ موضوعه من غيره لم يقف على حاجة أو مشكلة حتى يصنف لأجلها، وإنما هو احتاج إلى التصنيف لسبب أو آخر، فأعوزه ذلك إلى استشارة الآخرين حتى يوقفوه على بعض المشكلات التي تحتاج إلى حل، فانقلبت الآية فبدل أن تكون الحاجة هي التي تدفع إلى التصنيف، صار التصنيف هو الحاجة نفسها.
والعادة أنَّ مَنْ وصل إلى المشكلة بشكل مباشر ومستقيم، فهو في يريد أن يخرج منها كما دخل، بشكل مباشر ومستقيم، يريد حلاً سريعا ومباشرا ومختصرا، وهذا ما لا يمكن أن يكون أبداً في موضوعات الرسائل العلمية التي يقصد منها الإضافة والإنتاج إلا إذا كان على طريقة وزن الأوراق أو كيلها، فهذا ممكن، ولكن ليس له في ميزان الإضافات العلمية وإنما رواجه يكون في أسواق الورَّاقين!
إن عدم إدراك تعقيدات المشكلة لهو لوحدِه عائق كافٍ أمام حلها.
أمثِّل لما نحن فيه:
بما إذا أشار الأستاذ على التلميذ بموضوع "الحيلة الربوية"، وأن هناك لبسا في تناول هذا الموضوع، فهذا الطالب ربما أدرك هذا العنوان العريض، وعرف المشكلة، لكن هل عنده ما عند الأستاذ من صور الأغلاط الواقعة في تناول هذه المسألة، هل يتفق أصله مع أصل أستاذه في توصيف المسألة بأنها مشكلة، فثمة فريق آخر لا يراها مشكلة، بل هي عندهم محل اجتهاد ونظر.
فإذا لم تكن هذه المشكلة قد عرضت للطالب من قبل فهو حينئذ في حاجة إلى تصور المسالة أولا، ومَنْ كان هذا حاله فهو أبعد مِنْ معرفة حلها .
فإن البحث إنما يقدم إضافة وإبداعا وابتكارا وهذا بحاجة إلى درس وتلقي وتلقين، وبين المقامين من الفرق ما بينهما.
ثم إن المسؤول عن موضوع الرسالة قد لا يكون عارفا بتكوين السائل العلمي، فقد يواجه الأساتذة في محاضرة الدرس وبعدها هذه الأسئلة المتكررة من الطلاب والباحثين وقد لا يميزون بعضهم، كما يقع هذا السؤال عن طريق الهاتف، أو الشبكة العنكبوتية.
إن أقصى ما يمكن أن يقدمه المسؤول أستاذا كان أو غيره هو سرد بعض الموضوعات التي هي بحاجة إلى دراسة، وتجد هذا الأستاذ ومَنْ كان في محله يضنّ ببعض الموضوعات المعينة والتي تتطلب تكوينا معينا من الطالب.
فإن إفادة الباحثِ عن موضوعه يتوقف على أمور متعددة تتحكم في تشكيل الإطار العام للموضوع الذي يصلح أن يبحثه الطالب.
منها: معرفة ميول الباحث من جهة التخصص الدقيق؛ فإن العلم بحر لا ساحل له.
ومنها: معرفة القدرات العقلية والبحثية التي يتمتع بها الباحث، والأدوات التي يمتلكها.
ومنها: معرفة تعقيدات الموضوع المقترَح مِنْ قبل السائل وإشكالاته.
ومنها: معرفة المادةالعلمية التي وفِّق الباحث إلى جمعها في مرحلة الطلب، فإن هذا يبين إلى حد بعيد معرفة كمية المعلومات التي يحتاجها في إعداد الرسالة.
ومنها: معرفة الرصيد السابق للباحث من الأبحاث كما وكيفا، وماهية الموضوعات التي طرقها، ومعرفة المجال الذي يمكن أن يبدع فيه، والمجال الذي لا يزال تكوينه فيه طرياً فهو بحاجة فيه إلى مزيد قراءة وتلقي.
ومنها: معرفة منهج البحث الذي يريدطرقه: هل هو البحث الاستقرائي أو البحث الوصفي أو الاستنباطي، وهل هو البحث الشمولي أو البحث الجزئيالتدقيقي.؟
ومنها: معرفة الوقت الذي يتوفر لدى الطالب مما يسمح بإعداد البحث من جهةالطول والقصر ومن جهة العمق والاستيعاب...
ومنها: معرفة الجدية التي يملكها الباحث في تناول البحث.
ولهذه الأسباب كلها وغيرها تجد أن كثيرا من الأساتذة يعتذرون عن إجابة الباحثين عن موضوعات رسائلهم ، بل إن بعضهم يخاف على الموضوع الذي يدور في ذهنه مِنْ أن يسيء إليه هذا الباحث، فيقتله في مهده ، فلا هو أحسن في بحثه، ولا أنه ترك غيره يسترزق، فيتعثر هذا المشروع البكر وهو لما يرى النور، لا لشيء إلا لأنه وسِدَ إلى غير أهله.
ولذا فإن تخوّف هؤلاء الأساتذة على بنيات أفكارهم مِنْ أن لا يحسن هؤلاء الباحثون فضَّ أبكارها لهو أمر مبرَّر، وفي محله.
هذا، وإن كان بعض الأساتذة لا يبالي ويجلس يعدُّ دقائق الموضوعات على طلبته في قاعة المحاضرة، وهو يظن أنه أحسن إلى هؤلاء، وهذا بحسب رأيي - ليس بحسن، فلو افترضنا أنَّ هذا يملك عقارا وأراد أن يستثمره في مشروع يستغرق ماله كله، فهل يدفعه لأي أحد؟ أم أنا نجده يتخير ويتنوَّق ويتكلَّف حتى يقع على المهندس الكفء، فيتشبث به، ويدفع إليه هذا العقار مغدقاً عليه بالأموال؟
سيفعل الثاني بلا شك؛ فلماذا إذن ندفع المشاريع العلمية إلى مَنْ لا يستحقها، وهذه المشاريع العلمية أثمن، بل لا مجال للمقارنة، فإن السيف سوف ينقص قدره، بل إن هذا الأمر متعلقِّ بذمة الأمة كلها وإن كان على الكفاية.
والمفترض في هذا الأستاذ وفي كل مَنْ وفقه الله إلى معرفة النواقص في المادة البحثية أن يلبس كل مادة أهلها، فيعدل في القسمة بحسب المعايير السابقة لا على طريقة التساوي؛ فإن التساوي كما هو مقرر في حجج الإسلاميين لا يعني العدل دائما، بل قد يناقضه.
ومَنْ كان حريصاً على طلابه أو على إجابة السائل فإن له أن يثير بعض الأسئلة والنقاط التي يمكن أن مِنْ خلالها أن يحدد طبيعة البحث وشكله بما يمكن أن ينجح هذا الطالب في إعداده.
وله كذلك أن يسرد على الباحثين جملة من الموضوعات التي يتساوى الباحثون في العادة بإمكان بحثها، فيعمل هنا بقاعدة الحديث الصحيح أن الضعيف أمير الركب، فيذكر الأبحاث لكن على مقياس الأضعف.
وإلا فلا يمكن من خلال السؤال المجرَّد عبر الهاتف أو الشبكة أن يقترح الأستاذ على الباحث موضوعا معقدا في إشكاليات النقود، أو أن يشير عليه أن يعقد صلحا في صراع كاد أن يكون مسلَّحاً بين مدرستين من مدراس الأصول.
وإني على قناعةتامة أن البحث الذي يشتمل على إضافات نوعية وابتكار في الطرق والتحليل لا يقع إلاإذا كان نابعا من اختيار الباحث نفسه، لكن على المرشد أو المشرف أو الزميل أن يوضحواللباحث الإطارات العامة في اختياره للموضوع.
يقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه "البحث الأدبي":
إن من (أخطر الاشياء أن يبدأ الباحث حياته عالة على غيره من الباحثين الذين سبقوه فإن ذلك يصبح خاصة من خواص بحوثه ولا يستطيع فيما بعد أن يتحول باحثا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث، فقد انطبع بطوابع التبعية لغيره، ولم يعد يشعر لنفسه بوجود حقيقي، فوجوده دائما تابع لوجود غيره كوجوج النباتات المتسلقة على الأشجار الشامخة.) (1)
ولا تحسب أني ههنا أقف بصف الأستاذ على حساب الباحث، ولكن هذا الموقف في هذا الموضع، أقتضى ما ذكرت، وأما الإشكاليات التي تعرض للأساتذة فسيأتي الكلام عنها إن شاء الله.
انتهت هذه الحلقة بعد أن طالت، لكن وللأسف الشديد، إلى الآن لم نستكمل الحل بعد، فما زال هناك العديد من الطلاب والباحثين الذين هم بحاجة إلى مَنْ يرشدهم إلى معرفة الموضوع، فكيف السبيل، وما ذكرته ههنا غير كاف ولا مقنع، وأخشى أن يكون هذا الموضوع مدرجا في جدول البحوث الناقصة التي تفتش على مَنْ يحل إشكالها؟!

============================1
- نقلا من كتاب البحث الفقهي لـ إسماعيل عبد العال.
 
التعديل الأخير:
إنضم
1 سبتمبر 2008
المشاركات
111
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الإمام أحمد بن حنبل
يسأل الطالب أستاذه في أول محاضرة:
فضيلة الدكتور: ليتك تقترح علينا بعض الموضوعات التي تستحق البحث والدارسة؟
الدكتور: في الحقيقة الموضوعات كثيرة.
الطالب بأحرف متسارعة: هلا ذكرت بعضها؟
الدكتور: في الحقيقة تحتاج إلى بحث ودراسة!!
الطالب بعد أن أصيب بخيبة أمل: طيب يا دكتور، هل هناك بحث أو دراسة قصدت هذا الموضوع؟
الدكتور: هذا دوركم أنتم.
الطالب: إن شاء الله.
إيه يا دكتور، ماذا صنعت، وأي شيء فعلت، هل تريد من الطالب الحائر في موضوعه أن يكتب بحثا ودرسا في إفادة الباحثين عن موضوعاتهم!
لو كان يقدر ينفع كان نفع نفسه أو أنا غلطان؟
من جهة أخرى أخي الفاضل:
ألا ترى أن المفترض في طالب الدراسات العليا أن يكون مؤهلاً لإدراك ولو بعض المشكلات والمباحث المتعلقة بتخصصه.

أرى كثيراً من طلبة الدراسات العليا لا يدركون كثيراً من المسائل الفقهية (البدهية) فضلاً عن أن يدركوا المباحث الدقيقة، والتي تحتاج إلى بحث وتحرير.

دام عطاؤك.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
[
من جهة أخرى أخي الفاضل:
ألا ترى أن المفترض في طالب الدراسات العليا أن يكون مؤهلاً لإدراك ولو بعض المشكلات والمباحث المتعلقة بتخصصه.

أرى كثيراً من طلبة الدراسات العليا لا يدركون كثيراً من المسائل الفقهية (البدهية) فضلاً عن أن يدركوا المباحث الدقيقة، والتي تحتاج إلى بحث وتحرير.

دام عطاؤك.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، فعلا المفترض شيء والواقع شيء آخر.

ولذا فنحن في هذا الموضوع نحاول أن نسير في مسارين اثنين:

الأول: أن نعرف الحل والطريق للترقي إلى الحال المفترضة.

الثاني: نحاول في نفس الوقت أن نكون واقعيين فنفقتش عن حلولٍ مؤقته لمعالجة الوضع الراهن.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يرفع للفائدة ولعلي أنشط مرة أخرى لإكماله، والله المعين
 
إنضم
8 نوفمبر 2011
المشاركات
7
الكنية
أبو عبدالله
التخصص
تنمية موارد بشرية
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
من العوام
رد: كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

في جامعاتنا ومع أستاذتنا ومن خلال التعامل مع السكرتارية والادارة
من يتجاوز درجة الماجستير بتقدير مقبول معلن عنه على الملأ فقد تجاوز بتقدير ممتاز مرتفع غير معلن عنه في الصبر وتخطي العوائق
 

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

كثيراً ما يواجهني هذا السؤال
ماذا يكون عنوان بحثي؟
لماذا لا يترك الدكتور أمر الكتابة للطالب نفسه حتى لو كان العنوان مطروقاً من قبل؟ فقد يكون هناك إضافة!
 

علي سلمان عبود

:: متابع ::
إنضم
2 مارس 2010
المشاركات
24
التخصص
اصول الفقه
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

السلام عليكم اساتذتي الكرام،تحديد مشكلة البحث مسؤولية الباحث ،فعندما يقبل الطالب في الدراسات العليا ينبغي ان يبدء بالتفكير في عنوان بحثه ،وإلا اصبح متشتت الفكر ولاباس عليه ان يستأنس بأراء اساتذته وزملائه ويبقى هو صاحب القرار ، وللأسف رأينا طلابا يدخلون الدراسات العليا وليس في بالهم مشكلة جديرة يبحثونها.
 

أم عكرمه

:: متابع ::
إنضم
4 فبراير 2012
المشاركات
15
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

جزاك الله خير على الموضوع الملامس لأرض الواقع
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

الحلقة السابعة

قد يستشير الباحثُ أستاذه أو غيره عن جدوى بعض الموضوعات لكن تكمن المشكلة الكبرى أن كثيراً من الطلبة ليسوا في مستوى الوقوف على المشكلة فضلا عن حلها .
ولتجاوز هذه الإشكالية، يمكن أن يقال:
هناك منطقتان:
المنطقة الأولى: داخل الدوائر الجامعية، وبالأخص مجالس الأقسام، فهؤلاء على عاتقهم إقامة خطط تفصيلية لمشاريع علمية ناهضة، يحدد الباحثون فيها من خلال معايير الكفاءة أو التأهيل.
ولا بأس بإقامة دورات مكثفة ولو كانت بمقابل لتأهيل الطالب للقيام بهذه المهمة.
لنفترض أن المشروع المزمع إقامته هو في مسائل المعاملات المعاصرة، والطلاب على فئتين:
1. فئة جاهزة علميا: فهؤلاء يدرجون مباشرة في البحث ضمن هذا المشروع.
2. فئة غير جاهزة، وهؤلاء على قسمين:
فئة يمكن تجهيزها: فهؤلاء يجهزون من خلال الدورات التي سبق الإشارة إليها.
فئة يصعب تجهيزها في الفترات القريبة المحددة: فهؤلاء يتم تأهيلهم من خلال إدراجهم في برامج جماعية يكون فيها البحث غير مختص، ثم يطلب منهم في نهاية البرنامج كتابة أبحاث تكميلية تؤكد استفادتهم من هذه البرامج، أما قضية الإضافة والإبداع والابتكار، فلا مجال لأن نسرح في الخيال، أو أن نتطلب المستحيل، فإن أجمل ما يمكن عمله في هذه الشريحة من الباحثين هو تأهيلهم تأهيلا جزئيا يمكنهم من تغذية علمية مناسبة، يكون بمقدورهم من خلالها تقديم بعض الأبحاث المحددة التي تكون تحت المراقبة والاختبار.
وهؤلاء يمثلون شريحة واسعة من طلاب الأطاريح، فلا داعي لتكليفهم ما لا يطاق، وتحميلهم ما لا يحتمل، بل يدرجون في مناطق عمل هي أصلح لهم، وأبعد أن يكونوا عبئا على مجتمعاتهم العلمية من اختلاق مشاكل علمية، أو إفساد عناوين بحثية، وما إلى ذلك.
المنطقة الثانية: دائرة الباحث القريبة من أساتذته وشيوخه ونحوهم، فهاهنا سبيلان:
السبيل الأول: أن يُحدد للباحث المشكلة بشكل محدد وبعناصر مفصلة، ويفضل أن يتأنى في كتابة الخطة، وأن يكون ذلك بمساعدة أساتذته وزملائه.
السبيل الثاني: أن يحدد الباحثُ المجالَ الذي يريد البحث فيه، فيشتغل بالقراءة فيه فترة زمانية تسمح له أن يكون ملما بهذا المجال، ويمكنه بعده أن يقف على ما يمكن له أن يضيف في هذا الباب.
فمثلا كثير من الباحثين: تجده حريصا أن يكون بحثه في المعاملات المعاصرة، والمفترض في مثل هذا أن يكون قد فرغ من قراءة القواعد الأساسية لهذا الباب، وأن يكون عارفا بتفاصيل الفروع الفقهية فيه.
فإن لم يكن كذلك: فلا بد من جدولة نفسه في برامج مكثفة في درس هذا العلم، ومعرفة حدوده ومعالمه، وهو في خلال درسه سيقف على الكثير من الإشكالات، وستبدو عنده جملة من السؤالات لا حل لها سوى البحث والدراسة، وهو المقصود.
يقول الدكتور يحيى الجبوري:
النظر في الدراسات الناضجة وكثرة القراءة في بحوث الباحثين، وملاحظة ما فيها من إشارات في الهوامش وما تحويه فهارس المصادر والمراجع، وقراءة المصادر القديمة، كل ذلك يوحي بموضوعات جديدة، أو يذكر بأفكار تصلح أن تكون موضوعا، المهم أن يحدد الطالب العصر الذي يريد أن يدرس فيه فيكثر القراءة فيه، ويتعرف على تاريخه وفنونه وتياراته وأعلامه([1]).
فلو أراد مثلا: أن يكتب بحثا يتعلق بالمدرسة الظاهرية فإنه من المتعين عليه قراءة كتب ابن حزم والأبحاث الخاصة المتعلقة بمدرسته، والمعتنين بشخصيته، فإنه إذا أطال المقام في رحابها فسيخرج بجملة حسنة من الموضوعات الجيدة.
بل يمكنه بعد ذلك إذا أفاد وأجاد وتعمق واستغرق: أن يقود فريقا كاملا من الباحثين في مضمار المدرسة الظاهرية.
وقل مثل ذلك في موضوع يتعلق بالغزالي أو الجويني أو ابن تيمية أو الشاطبي.
هذا فيما يتعلق بالموضوعات التي تبحث في إ طار شخصية علمية.
وهكذا يقال: فيما إذا أرد أن يكتب شيئا في علم المعاني والمقاصد فما عليه إلا أن يلج هذه المدرسة من بابها سواء كان من منافذها القديمة المألوفة أو ما كتبه المعاصرون المتخصصون في هذا الشأن.
لعل قائلا يقول:
لقد كبرت الموضوع ، وزدت من الصعوبة، وبالغت في التصوير!
وأقول:
نعم، وهو كذلك، فالكلام في التصنيف، وهو شأن الكبار، فكيف يتم تذليله لمن كان دون مرتبة التلميذ!!
أقصى الحيلة هي سلوك أمثل الحلول فيما هو متاح.
وكون الحل معقدا سببه أن المسألة معقدة في جذرها، فلا مناص من العقدة لكن أن نمشي في حلها الممكن خير من أن نفاقم عقدها.


([1]) منهج البحث وتحقيق النصوص ص28.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: كيف السبيل إلى "موضوع رسالتي"؟؟

المشكلة باختصار:
طلب بحث إبداعي في التصنيف من غير المؤهلين.
وما سبق وما سيأتي هو محاولة للتخفيف من حدة نتائج المعادلة، وذلك من خلال طريقين:
الطريق الأول: تخفيف الطلب الإبداعي لأن القائم به غير مؤصل فضلا أن يكون مبدعاً، وذلك بإدراجهم في مشاريع جاهزة ومحددة.
الطريق الثاني: تأهيل الباحثين بما يمكنهم من تقديم الحد الأدنى من الإبداع.
 
أعلى