د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
بين الاختيار والترجيح
الاختيار هو إلحاق المجتهد- الموافق لمذهب من المذاهب الفقهية المستقرة- حكمًا بمسألة يتجاذبها حكمان أو أكثر في هذه المذاهب.
إذن، الاختيار نوع اجتهاد، وليس مجرد انتقاء بالذوق، ويتأكد هذا بكون الاختيار وقوفًا على الأقوال المتنازعة في المسألة، وإدراكًا لأوجه الخلاف بينها، واستيعابًا لأدلة كل قول منها، وتقديم ما حقه التقديم، وتأخير ما مكانه المؤخرة، والأخذ بالصحيح من بينها؛ فهو اختيار صادر عن عمق في الإدراك، وقوة في النقد والتمحيص، وقدرة على التمييز والترجيح، وإحاطة بالأدلة والمذاهب. ولا يختار من لا يعرف الأقوى، والأنسب، والأصلح.
والخلاصة: أن الاختيار هو اجتهاد لمعرفة الصواب، أو الأقرب إليه.
أما الترجيح، فهو أن يكون لأحد الدليلين زيادة قوة مع قيام التعارض ظاهرًا. فالجمهور-مثلا- يُقوِّي أحدَ الدليلين. ويُعمل به، ويُطرح الآخر .
فإن كان أحدهما مرجوحًا بحيث لا يكون حجة في مقابلة الآخر، فلا يقال ترجح أحد الدليلين، وذلك مثل الكتاب والحديث المتواتر، مع خبر الواحد والقياس . فلا شك أن الكتاب والحديث المتواتر يُقدَّم على خبر الواحد والقياس، ولا يجري التعارض هنا، ولا يقال إن الكتاب يرجح خبر الواحد بهذا المعنى، كما لا يقال: إن الحديث المتواتر يرجح على القياس بهذا المعنى... وإن كان بعض الفقهاء يستعملون ذلك تجوزًا إذا تعارضت ظواهر النصوص.
وعلى هذا، يمكن أن نقول: إن الترجيح مقدمة للاختيار؛ لأن الترجيح معناه الاجتهاد حتى يصل إلى الراجح، وإذا كانت الأدلة لا يمكن أن تستوي من كل وجه، فلابد من مرجِّح يُعتمد عليه. ويوضح هذا ابن القيم في مناقشة مسألة: هل يجب على الزوج مجامعة زوجته، واختلاف الفقهاء فيها، فقد اختار أنه: يجب عليه أن يطأها بالمعروف، كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف.
ثم قال:
"وكان شيخنا- رحمه الله تعالى- يرجح هذا القول، ويختاره" .
ومن هنا، فإن أهل الاختيار أعلى من أهل الترجيح، لأن الترجيح قد يكون بين أقوال الإمام، ويختص به مجتهد المذهب، فإن اختار القول المرجوح من القولين اللذين رجح الإمام أحدهما، رفعه هذا ليصير من أهل الاختيار. وليس ذلك في كل أنواع الترجيح، وإنما في هذه الحالة فقط.
والطريف: أن فقهاء المذاهب اعتمدوا الترجيح بما اختاره شيوخ المذهب، باعتباره إحدى طرق الترجيح في المذهب. فقد رجَّح الحنابلة مثلا بما يلي:
1. الترجيح باختيار جمهور الأصحاب.
2. الترجيح بما اختاره القاضي أبو يعلى، والشريفان، والسراج، وأبو الخطاب، وأبو الوفاء ابن عقيل، وكبار أقرانهم وتلامذتهم ممن اشتهروا بتنقيح المذهب وتحقيقه.
3. الترجيح بما اختاره الموفق، والمجد، والشمس ابن أبي عمر، والشمس ابن مفلح ، وابن رجب، والدجيلي، وابن حمدان، وابن عبد القوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن عبدوس في تذكرته.
4. الترجيح إن اختلف هؤلاء فيما قدمه صاحب الفروع الشمس ابن مفلح، فإن لم يرجِّح فما اتفق عليه الشيخان: الموفق، والمجد. فإن اختلف الشيخان فالراجح ما وافق فيه ابن رجب، أو شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، أو الموفق في كتابيه "الكافي"، و"المغني" .
_______________________________________
- المحصول في علم الأصول: فخر الدين الرازي، 5/397.
- ميزان الأصول في نتائج العقول: علاء الدين السمرقندي، ص730. روضة المحبين ونزهة المشتاقين: ابن القيم، ص194.
- روضة المحبين، ص194.
- المدخل المفصل: بكر أبو زيد، ص294-295.
التعديل الأخير: