العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أحكام البيع المتعلقة ببدو الثمار وصلاحها

إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي

الحمد لله الذي شرح صدورنا بالهداية إلى الإسلام ، ووفقنا للتفقه في الدين وما شرعه من بديع محكم الأحكام ، أحمده سبحانه وتعالى على جزيل الإنعام ، وأشكره أن علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فأتقن وأحكم أي إحكام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام ، والهادي إلى سواء الصراط وإيضاح الحلال والحرام - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام - صلاة وسلاما دائمين لا يعتريهما نقص ولا انثلام أما بعد :
فهذا بحث مختصر عن أحكام البيع المتعلقة ببدو الثمار وصلاحها , والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وقد انتظم البحث في ستة مباحث , وهي على النحو التالي :
المبحث الأول : التعريف بمفردات العنوان , وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تعريف البيع
المطلب الثاني : تعريف الثمار
المطلب الثالث : تعريف البدو والصلاح في الثمار
المبحث الثاني : بيع الثمر قبل ظهوره
المبحث الثالث : بيع الثمار مع أصله
المبحث الرابع : بيع الثمر بعد ظهوره دون أصله , وفيه مطلبان :
المطلب الأول : بيعه قبل بدو صلاحه , وفيه مسائل :
المسألة الأولى: بيعها بشرط التبقية
المسألة الثانية : بيعها بشرط القطع
المسألة الثالثة : بيعها مطلقا
المطلب الثاني : بيعه بعد بدو صلاحه , وفيه مسائل :
المسألة الأولى: بيعها بشرط القطع
المسألة الثانية : بيعها بشرط الترك
المسألة الثالثة : بيعها مطلقا
المبحث الخامس : الضابط في بدو صلاح الثمار
المبحث السادس: أثر بدو الصلاح في البستان أو بعضه على البيع ,وفيه أربعة مطالب :
المطلب الأول : أن تكون شجرة واحدة ويبدو الصلاح في بعض ثمرها
المطلب الثاني : أن يكون بستانا ويبدو الصلاح في ثمر شجرة منه أو أكثر مع اتحاد جنس الثمر ونوعه
المطلب الثالث : أن يكون بستانا ويبدو الصلاح في ثمر شجرة منه أو أكثر مع اتحاد جنس الثمر واختلاف النوع
المطلب الرابع : أن يكون بستانا ويبدو الصلاح في ثمر شجرة منه أو أكثر مع اختلاف جنس الثمر
فهارس المراجع والمصادر
فهرس المواضيع


المبحث الأول : التعريف بمفردات العنوان , وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تعريف البيع
المطلب الثاني : تعريف الثمار
المطلب الثالث : تعريف البدو والصلاح في الثمار

المطلب الأول :تعريف البيع
البيع لغةً مبادلة الشيء بالشيء. والبيع ضد الشراء ([1])، وهما من أسماء الأضداد، إذ يطلق أحدهما على الآخر , قال الله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) [يوسف:20] أي باعوه .
واصطلاحا : اختلفت عبارة فقهاء المذاهب الأربعة بشأن تعريف البيع في الاصطلاح الفقهي، والثابت لديهم أنه مبادلة مال بمال على وجه مخصوص
وسأقتصر على تعريف الحنابلة للبيع , فقد جاء في الإنصاف للمرداوي أن البيع تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي..([2])

المطلب الثاني : تعريف الثمار
الثَّمَرُ : حَمْلُ الشَّجَرِ وأَنواع المال , والثمار جمع ثمر , وواحد الثمر : ثمرة ..([3])
والظاهر أنه عام في كل ما تنتجه الشجرة وإن لم يؤكل , قال ابن نجيم : والثمر هو الحمل الذي تخرجه الشجرة أكل أو لم يؤكل فيقال ثمر الأراك وثمر العوسج وثمر العنب .([4])

المطلب الثالث : تعريف بدو الصلاح
البدو : مأخوذ من بَدا الشيءُ يَبْدُو بَدْواً وبُدُوّاً وبَداءً ظهر وأَبْدَيْته أَنا أَظهرته وبُدَاوَةُ الأَمر أَوَّلُ ما يبدو منه .([5])
والصلاح في اللغة : ضد الفساد ([6]) .
ويراد به هنا ظهور مبادئ النضج والحلاوة فيما لا يتلون ، وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة أو السواد .([7])
وسيأتي مزيد بحث في الضابط في ذلك في المبحث الخامس .



المبحث الثاني : بيع الثمر قبل أن يخلق ..
أجمع العلماء على أن بيع الثمار قبل أن تخلق لا ينعقد ؛ لأنه من باب النهي عن بيع ما لم يخلق ومن باب بيع السنين والمعاومة ([8]), وعمدتهم في ذلك ما يلي :

  1. عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كراء الأرض وعن بيعها السنين وعن بيع الثمر حتى يطيب.
وفي رواية : قال نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة ([9])...
قال النووي رحمه الله : وأما النهى عن بيع المعاومة وهو بيع السنين فمعناه أن يبيع ثمر الشجرة عامين أو ثلاثة أو أكثر فيسمى بيع المعاومة وبيع السنين وهو باطل بالإجماع نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره لهذه الأحاديث ولأنه بيع غرر لأنه بيع معدوم ومجهول غير مقدور على تسليمه وغير مملوك للعاقد والله أعلم .([10])
وقال ابن رشد : أما بيع الثمار قبل أن تخلق فجميع العلماء مطبقون على منع ذلك لأنه من باب النهي عن بيع ما لم يخلق ومن باب بيع السنين والمعاومة.([11])
وقال أبو العباس القرطبي : والمعاومة : بيع الثمر أعوامًا . وهو المعبَّر عنه باللفظ الآخر : بيع السنين . ولا خلاف في تحريم بيعه ؛ لكثرة الغرر والجهل .([12])

  1. عن أبى هريرة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر.([13])
ووجه دخول بيع الثمر قبل أن يخلق في الغرر هو أن العاقدين لا يدريان أتننج هذه الشجرة أم لا , والغرر مبني على ما خفيت عاقبته , وهو بيع معدوم لا يدرى أيتم أم لا يتم .
قال الإمام مالك رحمه الله :
وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها من بيع الغرر .([14])

  1. عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : يا رسول الله يأتينى الرجل فيريد منى البيع ليس عندى أفأبتاعه له من السوق فقال : لا تبع ما ليس عندك ([15]).
قال القاضي عياض : وقوله نهى عن بيع السنين وهي المعاومة وهو بيع الثمر سنين وهو من الغرر ومن بيع ما ليس عندك ومن بيع الثمر قبل وجوده وطيبه ([16])..

فرع : بيع السلم يفارق بيع المعاومة وبيع السنين لأن الأول في بيوع الصفات , والثاني في بيوع الأعيان , قال الخطابي رحمه الله : بيع السنين هو أن يبيع الرجل ما تثمره النخلة أو النخلات بأعيانها سنين ثلاثا أو أربعا أو أكثر منها ، وهذا غدر لأنه يبيع شيئاَ غير موجود ولا مخلوق حال العقد ولا يدري هل يكون ذلك أم لا وهل يتم النخل أم لا وهذا في بيوع الأعيان ، فأما في بيوع الصفات فهوجائز مثل أن يسلف في الشيء إلى ثلاث سنين أو أربع أو أكثر ما دامت المدة معلومة إذا كان الشيء المسلف فيه غالبا وجوده عند وقت محل السلف.([17])

المبحث الثالث : بيع الثمار مع أصله
بيع الثمار مع أصله لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يباع مع أصله وقد بدا صلاحه , فهذا لا إشكال في جواز بيعه وهو محل اتفاق لأنه يجوز أن يباع منفردا إذا كان قد بدا صلاحه فبيعه مع أصله جائز من باب أولى .
قال الزركشي الحنبلي : أما بيعها مع أصلها فيجوز إجماعاً ، لأنها إذاً تتبع الأصل ، فأشبهت الحمل مع أمه ، وأس الحيط ....([18])
الثاني :أن تباع مع أصلها قبل بدو صلاحها فهذا جائز أيضا , لأن الثمار هنا تابعة للشجر والقاعدة أنه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها ..
قال ابن قدامة رحمه الله : وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع على ثلاثة أضرب .... الثاني : أن يبيعها مع الأصل فيجوز بالإجماع لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من اتباع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع ] ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعا في البيع فلم يضر احتمال الغرر فيها كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع بيع الشاة والنوى في التمر مع التمر وأساسات الحيطان في بيع الدار .([19])

المبحث الرابع : بيع الثمر بعد ظهوره دون أصله , وفيه مطلبان :
المطلب الأول : بيعه قبل بدو صلاحه , وفيه مسائل :
المسألة الأولى: بيعها بشرط التبقية
المسألة الثانية : بيعها بشرط القطع
المسألة الثالثة : بيعها مطلقا

المسألة الأولى : بيعها بشرط التبقية
اتفق العلماء على بطلان هذا البيع لأن لأنه ربما تتلف الثمرة قبل إدراكها فيكون البائع قد أكل مال أخيه بالباطل .([20])
قال ابن هبيرة : واتفقوا على أن بيع الثمار قبل أن يبدوا صلاحها بشرط التبقية لا يصح .([21])
وقال ابن قدامة : لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام أحدها : أن يشتريها بشرط التبقية فلا يصح البيع إجماعا ..([22])
وقال ابن الهمام : لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر ، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك ، ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به ...([23])
وقد حكى الإجماع أيضا على هذا جماعة من أهل العلم .([24])
ومستند الإجماع في هذا أدلة كثيرة , منها :

  1. عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له وما تزهي قال حتى تحمر فقال أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه.([25])
  2. أن في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط التبقية غرراً وخطراً ظاهراً يفضي إلى المفاسد الكثيرة بين المسلمين من إيقاع التشاحن والتشاجر وأكل مال الغير بغير حق , وقد تضافرت أدلة الشرع وقواعده على سد هذا الباب من كل وجه .

المسألة الثانية : بيعها بشرط القطع
اختلف العلماء رحمهم الله في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع على قولين :
القول الأول : الجواز , وهو مذهب الحنفية , والمالكية , والشافعية , والحنابلة , وحكاه غير واحد من أهل العلم إجماعا ..
واستدلوا بما يلي :

  1. عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له وما تزهي قال حتى تحمر فقال أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه .([30])
قال ابن قدامة : أن يبيعها – أي الثمرة قبل بدو صلاحها - بشرط القطع في الحال ، فيصح بالإجماع ؛ لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة ، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها ؛ بدليل ما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو .قال : أرأيت إذا منع الله الثمرة ، بم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ وهذا مأمون فيما يقطع ، فصح بيعه كما لو بدا صلاحه .([31])

  1. الإجماع , وقد حكاه غير واحد من أهل العلم منهم ابن قدامة كما سبق والنووي([32]) وابن تيمية([33]) وابن الهمام الحنفي([34]) وغيرهم , وعليه فيكون هذا الإجماع مخصصا لعموم حديث أنس السابق .
قال النووي رحمه الله : وإنما صححناه بشرط القطع للإجماع فخصصنا الاحاديث بالإجماع فيما اذا شرط القطع ولأن العادة في الثمار الابقاء فصار كالمشروط .([35])
وقد حكى أبو المظفر السمعاني الإجماع على جواز تخصيص العموم بالإجماع ([36]).

  1. القياس على سائر ما يصح من البيوع بجامع أنهما مبيع لمعلوم ، يصح قبضه حالة العقد عليه , وهذا تخصيص لعموم الحديث السابق بالقياس ([37]) , وتخصيص العموم بالقياس هو قول أكثر الأصوليين , بل حكاه أبو الخطاب إجماعا للصحابة .([38])
  2. أنه بيع لا غرر فيه ولا تدخله زيادة ولا نقص لجده إياه عقيب العقد .([39])

القول الثاني : عدم الجواز , وهو قول بعض الحنفية ([40]), واختاره ابن حزم ([41]) وحكي عن الثوري وابن أبي ليلي ([42]).
واستدلوا بعموم حديث أنس السابق , وابن حزم لا يرى القياس , وأما الإجماع فلا يصح لما نقل عن الثوري وابن أبي ليلى .

الراجح : الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا البيع جائز لما يلي :

  1. أن النهي معقول المعنى , فقد جاء في الحديث : أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه , ومع اشتراط القطع ينتفي هذا الأمر , ومعلوم أن الأمر يدور مع علته وجودا وعدما وقوة وضعفا , فإذا انتفت العلة التي لأجلها سيق النهي فهذا يدل على انتفاء الحكم .
  2. أنه قول جماهير العلماء من السلف والخلف , وحكاه جمع من العلماء اجماعا كما سلف .
  3. أنه متوافق مع ما تقرر من أن الأصل في البيوع الحل .

فرع أول : الفقهاء القائلون بجواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع في الحال , اشترطوا بعض الشروط لصحة هذا البيع , منها :
الشرط الأول : أن يكون الثمر منتفعا به :
فالحنفية - في الأصح من مذهبهم - وكذا المالكية على إطلاق الانتفاع به ، وصرح الحنفية بشمول الانتفاع لما هو في الحال أو في الزمان الثاني ، وهو المآل ، أو في ثاني الحال - كما يعبرون .
فمثل القصيل ( وهو الفصفصة التي يعلف بها الحيوان ) والحصرم مما يجوز بيعه ، لانتفاع الحيوان وانتفاع الإنسان به .
والشافعية والحنابلة ، قيدوا الجواز بالانتفاع به في الحال ، وزاد الشافعية تقييد المنفعة بأن تكون مقصودة لغرض صحيح ، وإن لم يكن بالوجه الذي يراد بالانتفاع به منه كما في الحصرم ، بخلاف الكمثرى ؛ لأن قطعه في الحال إضاعة مال - كما علله المالكية - وبخلاف ثمرة الجوز ، وزرع الترمس ، فإنه لا يصح بيعه بالشرط المذكور نفسه ، لعدم النفع بالمبيع - كما علله الحنابلة .
الشرط الثاني : أن يحتاج إليه المتبايعان أو أحدهما .
الشرط الثالث : أن لا يكثر ذلك بين الناس ، ولا يتمالئوا عليه .
وهذان الشرطان نص عليهما المالكية ، فإن تخلف واحد ، منع البيع ، كما يمنع بشرط التبقية المار أو الإطلاق ، كما يأتي .
الشرط الرابع : نص عليه الحنابلة ، وهو أن لا يكون ما بيع قبل بدو صلاحه مشاعا ، بأن يشتري نصف الثمرة قبل بدو صلاحها مشاعا بشرط القطع ، وذلك لأنه لا يمكنه قطع ما يملكه ، إلا بقطع ما لا يملكه ، وليس له ذلك ([43]).

فرع ثان : إن ترك المشتري الثمرة حتى بدا صلاحها , فهل يبطل البيع ؟
محل المسألة فيما إذا لم يقصد وقت الشراء تأخيره ولم يجعل شراءه بشرط القطع حيلة على المنهي عنه من شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها ، فأما إن قصد ذلك فالبيع باطل من أصله لأنه حيلة محرمة ([44]), بل نقل ابن رجب في قواعده عن بعض العلماء أنه متى تعمد الحيلة فسد البيع من أصله ولم ينعقد بغير خلاف , وإنما الخلاف فيما إذا لم يقصد الحيلة ثم تركه حتى بدا صلاحه ..
فإن لم ينو التحايل ففي المسألة قولان لأهل العلم , أولهما : أن البيع يبطل , فعلى هذا يرد المشتري الثمرة إلى البائع ، ويأخذ الثمن , وهذا القول أصح الروايتين عن الإمام أحمد .([45])
ولهذا القول مأخذان :
أحدهما: أن تأخيره محرم لحق الله تعالى فأبطل البيع كتأخير القبض في الربويات ولأنه وسيلة إلى شراء الثمرة وبيعها قبل بدو صلاحها وهو محرم , ووسائل المحرم ممنوعة وبهذا علل أحمد في رواية أبي طالب.
والمأخذ الثاني: أن مال المشتري اختلط بمال البائع قبل التسليم على وجه لا يتميز منه فبطل به البيع كما لو تلف فإن تلفه في هذه الحال يبطل البيع لضمانه على البائع ..([46])

القول الثاني : أن البيع لا يبطل , وهو قول أكثر الفقهاء ؛ لأن أكثر ما فيه أن المبيع اختلط بغيره ، فأشبه ما لو اشترى ثمرة ، فحدثت ثمرة أخرى ، ولم تتميز ، أو حنطة فانثالت عليها أخرى ، أو ثوبا ، فاختلط بغيره ([47]) , ولأنه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها .([48])

الراجح : الذي يظهر أن البيع يبطل سدا لذريعة التحايل على بيع الثمرة قبل بدو صلاحها .

المسألة الثالثة : بيعها مطلقا أي دون اشتراط التبقية والقطع
اختلف العلماء في هذه المسالة على قولين :
القول الأول : عدم الجواز وهو مذهب المالكية ([49]), والشافعية ([50]), والحنابلة ([51]).
واستدلوا بما يلي :

  1. حديث أنس السابق من النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها , ووجه الاستدلال به من ثلاثة أوجه :

  • أنه عام فوجب حمله على جميع أفراده , وإنما استثني بيعها بشرط القطع من النص للإجماع والقياس , وسبق بيانه .
  • أن النهي توجه إلى المعهود من البيعات ، والمعهود من البيع إطلاق العقد دون تقيده بالشرط ، فصار النهي بالعرف متوجها إلى البيع المطلق دون المقيد .
  • أن النهي لا يخلو من أن يتوجه إلى بيعها بشرط القطع ، أو على شرط الترك ، أو على الإطلاق ، فلم يجز أن يحمل على شرط القطع لجوازه إجماعا ، ولا على شرط الترك لأن النهي ورد مطلقا ، فثبت أنه محمول على البيع المطلق ([52]) .

  1. أن العادة والعرف في الثمار الإبقاء فصار كالمشروط , وقد نص العلماء أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا .

القول الثاني : الجواز , وهو قول الحنفية ([53]) , لأن من أصولهم المقررة أن إطلاق العقد يقتضي تعجيل القطع ، ومن حقوق العقد تسليم المبيع من غير تأخير ، والتسليم لا يتم إلا بالقطع ، وأن الترك ليس بمشروط أيضا إذ أن العقد مطلق عن الشرط أصلا فلا يجوز تقييده بشرط الترك من غير دليل وخاصة إذا كان التقييد يترتب عليه فساد العقد .([54])
قال الماوردي الشافعي مجيبا على استدلالهم :
فأما الجواب عما ذكروه في أن إطلاق عقدها يقتضي تعجيل قطعها ، فهو أنها دعوى تخالف فيها ، وليس التسليم بالقطع والتحويل ، وإنما هو برفع اليد والتمكين . وأما حمله على وجه الصحة فغير مسلم ، وإنما يحمل على ما يقتضيه إطلاقه ، ثم يعتبر حكمه في الصحة والفساد . وأما قياسه على المشروط قطعه فلا يصح : لأن المطلق يقتضي الترك فبطل ، والمشترط قطعه لا يقتضي الترك فصح . وأما قياسه على ما بدا صلاحه فلا يصح من وجهين : أحدهما : أنه يرفع النص فكان مطروحا . والثاني : أن ما بدا صلاحه قد نجا من العاهة ، وجاز بيعه بشرط الترك ، فلذلك جاز مطلقا وليس كذلك ما لم يبد صلاحه ([55]).

الراجح : الذي يظهر أن البيع باطل لعموم حديث أنس رضي الله عنه , ولأن هذا قد يفضي إلى النزاع والشقاق , و يستثنى من هذا ما إذا تعارف الناس على أنه عند الإطلاق فإن المراد البيع بشرط القطع فهذا يصح لأنه أصبح الشرط العرفي هنا كالشرط اللفظي .

فرع أول :
استثنى بعض العلماء من المسألة السابقة ما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها لمالك أصلها وصورتها أن يبيع النخلة بعد أن أبرها فينتقل الأصل للمشتري وتبقى الثمرة للبائع ثم يبدو للبائع أن يبيع النخلة لصاحب النخلة , وللعلماء فيها قولان :
القول الأول : يجوز بيعها , وهو قول المالكية ([56])، وقول عند الشافعية ([57])، والحنابلة([58]) .
أدلة هذا القول:

  1. حصول التسليم للمشتري على الكمال لملكه الأصل والقرار , فصح كبيعها معهما.
  2. لأنه يحصل لمالك الأصل , فجاز كما لو باعها مع الشجرة والأرض.

القول الثاني : لا يجوز بيعها ولا يصح.
وهو المذهب عند الشافعية ([59]) .
أدلة هذا القول:
1- استصحاباً للنهي الشديد عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، ولا دليل على التفريق بين بيعها لمالكها أو لغير مالك أصلها .
2- قالوا إن الثمرة هي محل العقد ، وهي بالتالي محل الغرر،والغرر في محل العقد يمنع صحة العقد.
والراجح والعلم عند الله هو القول بالجواز لانتفاء علة النص – أعني النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها .
فرع ثان:
قال صاحب مجمع الأنهر : محل الخلاف البيع بعد الظهور قبل بدو الصلاح مطلقا أي بلا شرط القطع ، ولا بشرط الترك ، فعند الأئمة الثلاثة لا يجوز وعندنا يجوز ولكن اختلفوا فيما إذا كان غير منتفع به الآن أكلا وعلفا للدواب فقيل بعدم الجواز ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا والصحيح الجواز كما في البحر ([60]).

المطلب الثاني : بيعه بعد بدو صلاحه , وفيه مسائل :
المسألة الأولى: بيعها بشرط القطع
المسألة الثانية : بيعها بشرط الترك
المسألة الثالثة : بيعها مطلقا

المسألة الأولى : بيعها بشرط القطع
أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على صحة هذا البيع , لمفهوم النهي عن بيعها قبل بدو صلاحها .
قال الماوردي :
فأما بيع ما بدا صلاحه من الثمار فلا يخلو من ثلاثة أقسام : أحدها : أن يباع بشرط القطع فيجوز بيعها إجماعا .([61])
قال النووي مستدلا لهذا الصورة وغيرها :
وأما اذا بيعت الثمرة بعد بدو الصلاح فيجوز بيعها مطلقا وبشرط القطع وبشرط التبقية لمفهوم هذه الأحاديث – يقصد أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها - ولأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها اذا لم يكن من جنسها ولأن الغالب فيها السلامة بخلاف ما قبل الصلاح .([62])

المسألة الثانية : بيعها بشرط الترك
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : الجواز , وهو قول المالكية ([63]), والشافعية ([64]), والحنابلة ([65]).
واستدلوا بما يلي :

  1. مفهوم أحاديث النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها فإنه يدل على إباحة بيعها بعد بدو صلاحها .
  2. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، وتأمن العاهة , وتعليله بأمن العاهة يدل على التبقية ؛ لأن ما يقطع في الحال لا يخاف العاهة عليه ، وإذا بدا الصلاح فقد أمنت العاهة ، فيجب أن يجوز بيعه مبقى لزوال علة المنع .
  3. ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف ، فإذا شرطه جاز ، كما لو شرط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان .([66])

القول الثاني : المنع , وهو قول الحنفية ([67]), واستدلوا بما يلي :

  1. لأنها عين بيعت بشرط تأخير القبض ، فوجب أن يكون بيعها باطل كالعروض والأمتعة .
  2. ولأنها ثمرة بيعت بشرط الترك فوجب أن يكون بيعها باطلا ، كالثمرة التي لم يبد صلاحها .
قال الماوردي في الرد على أدلتهم :
وأما الجواب عما ذكروه من أنه مبيع شرط فيه تأخير القبض ، فمن وجهين :
أحدهما : أن القبض يتأخر : لأن القبض في الثمار بالتمكين منها كالعقار .
والثاني : أنه لما كان العرف في الثمار تأخير قبضها جاز اشتراطه فيها ، ولما لم يجز العرف في العروض بتأخير قبضها لم يجز اشتراطه فيها .
وأما قياسه على ما لم يبد صلاحه فلا يصح , لأن السنة قد فرقت بينهما في الجواز والمنع ([68]).

المسألة الثالثة : بيعها مطلقا
اتفق الفقهاء على صحة هذا البيع , لكن اختلفوا في وجوب القطع بعد الشراء على قولين :
القول الأول : أنه يجب قطعه على المشتري , وهو قول الحنفية ([69]), لأن الأصل في اطلاق العقد يقتضي القطع , ولأن فيه إشغالا لمحل البائع .
القول الثاني : لا يجب , وله أن يؤخره إلى وقت الجداد , وهو قول الجمهور لأن الأصل في اطلاق العقد يقتضي الترك , قاله الماوردي([70]) .
والظاهر أن المرجع في ذلك هو العرف , والله أعلم .

المبحث الخامس : الضابط في بدو صلاح الثمار
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن صلاح الثمرة قدر زائد على ظهورها , لكنهم اختلفوا في ضبط هذه الزيادة التي بها يصح البيع على أقوال :

  • الحنفية قالوا في تفسيره : أن تؤمن العاهة والفساد ، وقيل بأن تصلح الثمرة لتناول بني آدم ، وعلف الدواب([71]).
  • المالكية فسروه بحسب الثمر , فهو في التمر : أن يحمر ويصفر ويزهو ، وفي العنب : أن يسود وتبدو الحلاوة فيه ، وفي غيرهما من الثمار : حصول الحلاوة ، وفي الخس والعصفر : أن ينتفع بهما ، وفي سائر البقول : أن تطيب للأكل ، وفي الزرع والحب : أن ييبس ويشتد.([72])
  • الشافعية فأرجعوه إلى ظهور مبادئ النضج والحلاوة ، فيما لا يتلون منه ، أما فيما يتلون فبأن يأخذ في الحمرة أو السواد أو الصفرة . وذكر الماوردي وغيره ثماني علامات يعرف بها بدو الصلاح ,
أحدها : اللون ، في كل ثمر مأكول ملون ، إذا أخذ في حمرة ، أو سواد أو صفرة ، كالبلح والعناب والمشمش والإجاص .
ثانيها : الطعم ، كحلاوة القصب وحموضة الرمان .
ثالثها : النضج واللين ، كالتين والبطيخ .
رابعها : بالقوة والاشتداد ، كالقمح والشعير .
خامسها : بالطول والامتلاء ، كالعلف والبقول .
سادسها : الكبر كالقثاء ، بحيث يؤكل .
سابعها : انشقاق أكمامه ، كالقطن والجوز .
ثامنها : الانفتاح ، كالورد , وما لا أكمام له كالياسمين ، فظهوره . ([73])


  • الحنابلة فقالوا : ما كان من الثمرة يتغير لونه عند صلاحه ، كثمرة النخل والعنب الأسود والإجاص ، فبدو صلاحه بتغير لونه ، وإن كان العنب أبيض فصلاحه بتموهه ، وهو : أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفر لونه , وإن كان مما لا يتلون كالتفاح ونحوه ، فبأن يحلو ويطيب . وإن كان بطيخا أو نحوه ، فبأن يبدو فيه النضج . وإن كان مما لا يتغير لونه ، ويؤكل طيبا صغارا وكبارا ، كالقثاء والخيار ، فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادة.([74])
هذه أقوال المذاهب في المسألة , والظاهر أن كل ثمر له ضابط في صلاحه , وعليه فيقال : ما نص عليه الشارع من علامات البدو والصلاح في بعض الثمار فالمصير إليه حتما , وما لا فيرجع فيه إلى أعراف الناس , والله أعلم .

المبحث السادس : أثر بدو الصلاح في البستان أو بعضه على البيع .
تمهيد : هذه المسألة ، وهي اشتراط بدو صلاح كل الثمر لصحة بيعه ، لا مدخل للأحناف فيها ؛ لأن مذهبهم في أصلها ، وهو بيع الثمر قبل بدو صلاحه أنه إن كان بحيث ينتفع به ، ولو علفا للدواب ، فالبيع جائز عندهم إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ، ويجب قطعه على المشتري في الحال .
وكل ما سيأتي من الخلاف بين المالكية والشافعية والحنابلة في اشتراط صلاح كل الثمر ، وصلاح كل الحب ، إنما هو فيما ينتفع به عند الحنفية ، وكله جائز البيع عندهم .

المطلب الأول : أن تكون شجرة واحدة ويبدو الصلاح في بعض ثمرها
صورتها : أن يكون عنده شجرة من الرمان فيبدو الصلاح في بعضها فهل يجوز بيعها كلها ؟
هذه الصورة جائزة , بل قال ابن قدامة : لا أعلم فيها خلافا .
قال السبكي في تكملة المجموع مستدلا لهذه الصورة :
إذا بدا الصلاح في بعض الثمرة جاز بيع جميعها ، وذلك أن الله تعالى أجرى العادة بأن الثمار لا تطيب دفعة واحدة رفقا بالعباد ، فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها وإنما تطيب شيئا فشيئا ، ولو اشترط في كل ما يباع طيبه في نفسه لكان فيه ضرر ، فإن العذق الواحد يطيب بعضه دون بعض ، وإلى أن يطيب الأخير يتساقط الأول ، فكان يؤدي إلى أنه إما أن لا يباع ، وإما أن يباع حبة حبة ، وفي كلا الأمرين حرج ومشقة , وقال صلى الله عليه وسلم : بعثت بالحنيفية السمحة وذكر الشافعي رضي الله عنه في الأم عن عطاء في الحائط : تكون فيه النخلة فتزهي ، والحائط بلح ، قال : حسبه إذا أكل منه فليبع ، ولا أعلم بين العلماء خلافا في أنه لا يشترط الصلاح في جميع المبيع ..([75])

المطلب الثاني : أن يكون بستانا ويبدو الصلاح في ثمر شجرة منه أو أكثر مع اتحاد جنس الثمر ونوعه
صورة المسألة : أن يكون عند البائع بستانا به خمسون شجرة من الرمان مثلا , فهل يجوز له إذا بدا الصلاح في شجرة أو بعضها أن يبيع جميع ثمر هذا البستان ؟
اختلف العلماء في هذه الصورة على قولين :

الأول : الجواز , وهو مقتضى مذهب المالكية([76]) , وهو قول الشافعية ([77]) والأصح عند الحنابلة ([78])
ودليلهم أنه بدا الصلاح في نوعه من البستان الذي هو فيه فجاز بيع جميعه كالشجرة والواحدة ولأن اعتبار بدو الصلاح في الجميع يشق ويؤدي إلى الاشتراك واختلاف الأيدي فوجب أن يتبع ما لم يبد صلاحه من نوعه لما بدا .
القول الثاني : المنع , وهو رواية عن أحمد ([79])
ودليل هذه الرواية لأن ما لم يبد صلاحه داخل في عموم النهي ولأنه لم يبد صلاحه فلم يجز بيعه من غير شرط القطع كالجنس الآخر وكالذي في البستان الآخر ..
والراجح والعلم عند الله هو القول الأول للمشقة الحاصلة ولحصول الضرر على الثمرة إذا قلنا بالقول الثاني .

المطلب الثالث : أن يكون بستانا ويبدو الصلاح في ثمر شجرة منه أو أكثر مع اتحاد جنس الثمر واختلاف النوع
صورة المسألة : أن يكون عند البائع بستانا به عدة أنواع من النخيل كأن يكون عنده سكري وخلاص وبرني , فهل صلاح أحدها يجيز بيع ما لم يبد صلاحه من الأنواع الأخرى ؟
اختلف العلماء على قولين :
الأول : الجواز , وهو مقتضى مذهب المالكية كما سبق وهو رواية عن أحمد([80]) ووجه عند الشافعية ([81]) , ودليلهم أن الجنس الواحد يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب في الزكاة فيتبعه في جواز البيع كالنوع الواحد .
الثاني : المنع وهو المعتمد عند الحنابلة ([82]) وقول عند الشافعية ([83]) , ودليلهم أن النوعين قد يتباعد إدراكهما فلم يتبع أحدهما الآخر في بدو الصالح كالجنسين .
والظاهر أن المرجع في ذلك إلى الزمن فإن كان يتأخر صلاح أحدها عن غير تأخرا كثيرا فلا يجوز , وإن كان الزمن يسيرا بين نضج أحدهما والآخر فجائز لانتفاء الضرر والغرر .

المطلب الرابع : أن يكون بستانا ويبدو الصلاح في ثمر شجرة منه أو أكثر مع اختلاف جنس الثمر
صورة المسألة : أن يكون عنده بستانا فيه أجناس شتى من الثمار كأن يكون عنده رمان ومشمش وخوخ وغيرها , فهل صلاح أحد هذه الأجناس يجيز بيع البستان كله ؟
القول الأول : المنع وهو مقتضى قول الشافعية ومقتضى قول الحنابلة في المسألة السابقة , لأن هذه الصورة أولى بالمنع من الصورة السابقة , بل لم يتطرقوا لها أصلا .
القول الثاني : الجواز , وهو محكي عن الليث بن سعد , وانتصر له ابن تيمية انتصارا بالغا .([84])
وجملة ما استدل به رحمه الله فيما يلي :

  1. أن التفريق بين ثمر البستان الواحد فيه ضرر عظيم , والضرر مرفوع , والحاجة تدعو إلى ذلك , وفي المنع فساد لا تأتي الشريعة بمثله .
  2. أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة .
  3. أنه يدخل تبعا ما لا يدخل استقلالا , ولا يلزم من بيع الثمر قبل بدو صلاحه مفردا منعه مضموما الى غيره .
والظاهر أن الأمر منوط بوجود الضرر والحرج من عدمه , فإن ثبت الضرر فيجوز رفعا للضرر , وإن كان الضرر متوهما أو يمكن التحرز منه فالقول بالمنع أصح لصراحة النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله , ومن تبعه بإحسان الى يوم الدين .

وكتبه / فهد بن عبد الله القحطاني


([1]) ينظر لسان العرب 8/23

([2]) الإنصاف 4/187

([3]) ينظر لسان العرب 4/106

([4]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق 5/322

([5]) لسان العرب 14/65

([6]) تاج العروس للزبيدي 6/547 ( الشاملة )

([7]) الموسوعة الفقهية الكويتية 27/50

([8]) والمقصود هنا بيع الثمر مجردا , أما إجارة الأرض والشجر أو إجارة الشجر مفردا ففيها خلاف .

([9]) رواه مسلم في صحيحه , حديث رقم 3994

([10]) شرح صحيح مسلم للنووي 10/193

([11]) بداية المجتهد 2/149

([12]) المفهم 14/45

([13]) رواه مسلم في صحيحه , حديث رقم 3881

([14]) الموطأ 2/618

([15]) رواه أبو داود في سننه ,حديث رقم 3505 , والترمذي في جامعه , حديث رقم 1232 وغيرهما , وإسناده صحيح

([16]) مشارق الأنوار 2/222

([17]) معالم السنن للخطابي 3/670

([18]) شرح الزركشي على متن الخرقي 2/40

([19]) المغني 4/218

([20]) وفي المسألة خلاف هو للشذوذ أقرب , حكاه ابن رشد في البداية قال رحمه الله : وأما بيعها قبل الزهو بشرط التبقية فلا خلاف في أنه لا يجوز إلا ما ذكره اللخمي من جوازه تخريجا على المذهب. انظر بداية المجتهد 2/149


([21]) اختلاف الأئمة العلماء 1/377

([22]) المغني 4/218

([23]) فتح القدير 6/287

([24]) منهم ابن المنذر والغزالي والرافعي وولي الدين العراقي وابن تيمية وغيرهم ..

([25]) رواه البخاري في صحيحه , حديث رقم 2198 , ومسلم في صحيحه من حديث ابن عمر , واللفظ للأول .

([26]) فتح القدير لابن الهمام 6/287 ,

([27]) الذخيرة للقرافي 5/183

([28]) الحاوي الكبير للماوردي 5/395

([29]) الإنصاف للمرداوي 5/53

([30]) سبق تخريجه

([31]) المغني 4/218

([32]) شرح صحيح مسلم 10/181

([33]) مجموع الفتاوى 20/544

([34]) فتح القدير 6/287

([35]) المفهم للقرطبي 14/45

([36]) قواطع الأدلة 1/188

([37]) شرح صحيح مسلم 10/181

([38]) التخصيص بالقياس للدكتور عبد العزيز العويد

([39]) انظر المنتقى للباجي 3/171

([40]) بدائع الصنائع 11/227

([41]) المحلى 8/424

([42]) ينظر : طرح التثريب للعراقي والمفهم للقرطبي

([43]) الموسوعة الفقهية الكويتية 9/190

([44]) المغني لابن قدامة 8/144

([45]) المغني لابن قدامة 8/144

([46]) القواعد لابن رجب 1/186


([47]) المغني لابن قدامة 8/144

([48]) شرح منتهى الارادات للبهوتي 5/99

([49]) بداية المجتهد 2/149

([50]) الحاوي الكبير 5/395

([51]) المغني 8/136

([52]) الحاوي الكبير 5/396

([53]) المبسوط للسرخسي 12/348

([54]) انظر في ذلك : المبسوط 12/344 , البحر الرائق لابن نجيم 5/324, فتح القدير لابن الهمام 6/287

([55]) الحاوي الكبير 5/193

([56]) الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر 2/689

([57]) البيان في مذهب الشافعي للعمراني 5/254

([58]) شررح منتهى الارادات 5/91

([59]) حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين 2/289


([60]) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لشيخي زاده 5/128

([61]) الحاوي الكبير 5/193

([62]) شرح صحيح مسلم 10/182

([63]) التلقين للقاضي عبدالوهاب المالكي 2/147

([64]) فتح العزيز في شرح الوجيز المسمى الشرح الكبير للرافعي 9/60

([65]) المغني 8/147

([66]) المرجع السابق

([67]) بدائع الصنائع 11/230

([68]) الحاوي الكبير 5/400

([69]) البحر الرائق 5/325

([70]) الحاوي الكبير 5/400

([71]) البحر الرائق 5/325

([72]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 12/262

([73]) الحاوي الكبير 5/195

([74]) الإنصاف 5/64

([75]) المجموع 11/450

([76]) لأن بدو صلاح جنس من الثمر قي أي بستان يكون صلاحا لكل بساتين البلد التي بها هذا الثمر

([77]) البيان للعمراني 5/259

([78]) المغني 6/156

([79]) المصدر السابق

([80]) المغني 6/156

([81]) البيان للعمراني 5/259

([82]) الإنصاف 5/62

([83]) البيان للعمراني 5/259

([84]) الفتاوى 29/482
 
إنضم
21 مارس 2012
المشاركات
168
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سعد المراكشي
التخصص
فقه النوازل المعاصرة
الدولة
المغرب
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
رد: أحكام البيع المتعلقة ببدو الثمار وصلاحها

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
25 يوليو 2012
المشاركات
505
الكنية
أبو زيد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
حضرموت
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: أحكام البيع المتعلقة ببدو الثمار وصلاحها

بحث قيم جزاكم الله خير الجزاء وبارك الله فيكم​
 
أعلى