8-الظاهرية وخاصة ابن حزم جهمية وينكرون الصفات
قبل الرد على هذا (دعوى موافقة الإمام ابن حزم للجهمية أو تجهمه )
هناك مقدمة :
ما هى عقيدة أهل الظاهر ؟
عقيدة أهل الظاهر كعقيدة السلف الصالح بلا فرق ، لكن الظاهرية ليسوا فرقة من الفرق التي قلّد بعضهم بعضا ، فهم ليسوا كالمعتزلة أو الأشعرية أو غيرهم من الطوائف والنحل التي وضعت قواعد ما في باب الاعتقاد ، فسار عليها كل أتباعها .
فأهل الظاهر جُلّهم من الأئمة المجتهدين الذين لا يقلدون في دينهم ، يثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه ، وينفون ما نفاه سبحانه وتعالى ، فليس عندهم تأويل للنصوص ولا عندهم إبطال لكلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، فكل ما جاء به الشرع بما صح منه فهو حق على ظاهره .
ولكن هناك من أهل الظاهر من أخطأ في مسألة أو مسائل في باب الاعتقاد ، ولا يعني هذا خطأ منهج أهل الظاهر ، بل هذا يؤكد أن ما من أحد إلا وله أخطاء ، وهذا طبع البشر ، فما أخطأ فيه أحدهم : تعقبه أهل الظاهر من بعده أو في زمانه .
فإنهم ليس عندهم كبير لا يرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم فقط ، ، فهو المعصوم المنزه من الخطأ في التشريع ، أما سائر الناس فهم سواء في دخول الخطأ عليهم في شرع الله تعالى .
وقد شنّع البعض من المذاهب على بعض أئمة أهل الظاهر في مسائل لم يفهموها ، قلّدوا فيها قول عالم عندهم ، وإذا سئلوا عنها لم يستطيعوا شرحها ، فيشنعون بما لم يفهموا ، وكأن أئمتهم الذين يقلدونهم لم يقع منه خطأ البتة !
وقد أخطأ الكثير من مقلدة المذاهب الأربعة ، وقد أخطأ ابن تيميه في مسائل ، (فليس هناك معصوم إلا محمد صلى الله عليه وسلم) ، فلا يعني ذلك فساد كل أقواله أو أقوالهم ، وإنما يعني أن ما قالوه وكان خطأ هو باطل لا يصح .
وقد وقع الكثير ممن انتقد أهل الظاهر بأشنع مما وقع فيه ذلك الإمام الظاهري المجتهد ، وإذا كان الظاهري يجتهد في أمر عقيدته أو غير ذلك ثم دخل عليه الخطأ : فهو مأجور بلا شك .
أما من ينتقد الظاهرية ويرميهم بأوصاف قبيحة كمن يصف الإمام ابن حزم بأنه جهمي ، ويصفه آخر : بأن كلامه هرمسة الهرامسة ، وأنه حائر في الفروع جامد في الأصول ونحو ذلك من العبارات ، فكان الأولى بهم أن يسلكوا سبيل الاجتهاد أولاً ، ثم بعد ذلك فلينتقد المجتهد مجتهداً مثله ، أما انتقاد المقلد لمجتهد فهذه من الطوام ، نسأل الله السلامة
أما ما يردده البعض بدون تحقيق أن ابن حزم يوافق الجهمية فى الأسماء والصفات وغيرها فكان أولى به أن يقرأ كتاب الدرة وكتاب الفصل للإمام ليعرف كلامه ...
وأرد على اتهام ابن حزم بالتجهم فى الأسماء والصفات :
قيل عن الإمام : خالف السلف الصالح في هذا الأسماء والصفات وعطّل صفات الله تعالى ..
فهل كان الإمام ابن حزم معطلاً للصفات بما في لفظ التعطيل من القبائح .. ؟!أو كان مثبتاً لصفات الله تعالى .. ؟!
فعندما أتى الإمام ابن حزم لهذا القاعدة الأصيلة في الإسلام واجه عدة خصوم ..وكان من الخصوم أولئك ثلة من أئمة علم الكلام والفلسفة ..
فعندما واجه الإمام ابن حزم هذه العقول جاهد بالاستدلال عليهم بما يسلّمون به من أدلة عقلية ..
وقد أصاب في ذلك رحمه الله تعالى ..
وواجه أولاً من قال أن الله تعالى جسم ..
فأعلن قاعدته المتينة التي ارتضاها وفق ما ثبت عنده من برهان بأن قال ..
إن فاعل الجسم والعرض ليس جسماً ولا عرضاً ..
ولا بد من بيان معنى بعض الألفاظ عند أهل الكلام ليُفهم مراد الإمام ابن حزم في هذا الباب ..
]وهي من نصوص الإمام ولم أعبث بتأويلها ولا تفسيرها ..
وإنما جمعت ما كان مبعثراً منها .
تعريف الجسم ..
هو ما يوصف بالطول والعرض والعمق والمحتمل للقسمة ذي الجهات الست ..
والتي هي فوق وتحت ووراء وأمام ويمين وشمال وقد يفقد جهة الفوقية
والمتحرك وذو صورة .. وما كان محدثاً مخلوقاً ..
تعريف العرض .
هي كل صفة محمولة في الجسم ( المتحرك ) وهي مخلوقة محدثة في الجسم الذي حلت به .
فينتج من تعريف كلا من الجسم والعرض ما يلي ..
القضية الأولى ..
لا يوجد في العالم إلا جسم أو عرض
أي ( لا يوجد في العالم إلا جسم وهو ما عرفناه آنفا أو صفات ) ..
القضية الثانية .
الجسم والعرض تقتضي طبيعة وجودهما وجود فاعل لهما ..
أي ( هذا الجسم وهذه الصفات توجب بطبيعتيهما وجود من خلقهما ) ..
القضية الثالثة ..
الفاعل ليس بجسم ولا بعرض .
أي ( الخالق لا بد أن يكون هو غير ذلك الجسم وكذلك هو غير هذه الصفات ) ..
فتنتج هذه القضية الصحيحة .
أن فاعل الجسم والعرض ليس جسماً ولا عرضاً ..
وهي قضية ضرورية يجب التسليم بها سواء بهذا الاستدلال المنطقي أو باستدلال من نص شرعي ..
إذ قضايا العقل الضرورية شاهدة للنصوص ولا تضادها البتة ..
فإن قيل بخلاف هذه النتيجة بأن قال أحد ..
إن الفاعل هو الجسم أو هو العرض لاقتضى ذلك أن يكون له فاعل هو غير هذا الجسم أو ذاك العرض ..
وتستمر في هذا إلى ما نهاية له وهذا باطل ..
ويطلق على ذلك الدور ..
فنخلص إلى نتائج مهمة ..
أولاً ..عدم جواز إطلاق لفظ الجسم لله تعالى ..
فلا يجوز للمسلم أن يقول أن الله تعالى جسم
ثانياً ..عدم جواز إطلاق لفظ الصفات لله تعالى ..
فلا يجوز للمسلم أن يقول أن الله تعالى صفة ..ولاحظ العبارة كما هي من نص الإمام ابن حزم ..
( وأما إطلاق لفظ الصفات لله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز ) ..
ومن بداية هذا وقع الإشكال عند من يعارض الإمام ابن حزم في باب التوحيد ..في باب الأسماء والصفات كما يطلقون عليها ..
فالمخالف للإمام يقول أن لله تعالى صفات ..وينسب للإمام ابن حزم أنه يقول ليس لله تعالى صفات ..
أي أنه من المعطلة ..
أي بمعنى أبسط ..
أن ابن حزم عطّل صفات الله تعالى ..
ورفض الإمام ابن حزم أن نطلق على أسماء الله تعالى بأنها صفات يختلف عن مبدأ التعطيل الذي جرى عليه من عطّل صفات الله تعالى ..
فعندما نعلم أن معنى تعطيل الصفات هو ..
سَلْبُ الرّب من الصفات التي كان بها رباً ..
فهنا أنت تقول أن الله تعالى ليس له من الصفات التي تخوله بأن يكون رب الأرباب كلها ..
وحين نعلم أن مفهوم إثبات الصفات لله تعالى هو ..
إثبات وجود صفات عند الرب صار بها رباً ..
وهنا تقول أن الله تعالى له من صفات الكمال والربوبية التي بارز فيها عبّاد الأصنام وتحداهم أن يخلقوا شيئاً أو يدبروا أمراً ..
فكان رباً دون منازع بوجود صفات الربوبية فيه ..
ومن تلك الصفات ..
الخلق والتدبير والعلم والرزق وغيرها مما يتصف به الرب ..
وهذا يشهد به العقل الصحيح وإن لم يكن خوطب برسالة من نبي ..
لذلك عندما ادعى فرعون الربوبية استجاب له طائفة من الناس ..
باعتبار أنه يرزقهم ويدبر أمورهم ويعلم غير ما يعلمون ونحو هذه الصفات ..
وليس هذا الاتباع بصحيح مع ما قلته عن استحقاق الرب لهذه الربوبية بهذه الصفات ..
وإنما اتبع هؤلاء فرعون لظنهم أنه يملك صفات الربوبية بعدما علموا بعض ما يوافق صفات الرب لا علي سبيل الحقيقة ..فإنهم علموا وحققوا أنه يرزقهم ..
لكن الرازق حقيقة هنا هو الله تعالى لفرعون ومصر كلها ..
وإنما فرعون هو المعطي والمانح والواهب وليس الرازق في الأصل ..
فحصل الخلط عندهم فاتبعوا ظنهم الأعور هذا وأشركوا ..
فالذي يود أن يعارض أو يعقّب هنا ينتبه إلى كلام الإمام وهو ..
لا يجوز إطلاق لفظ الصفات لله تعالى عز وجل ..
والله تعالى هو نفسه العليم القدير اللطيف الودود الرحيم الرحمن الوهاب الغني ..
إلى آخر أسمائه الحسنى ..
فنحن هنا لا نتكلم عما يفهم من هذه الأسماء من صفات وما يشتقه من خالف الإمام ابن حزم من معاني ..
وإنما نتكلم عن إطلاق لفظ صفة على اسم من أسماء الله تعالى التي ثبتت في القرآن والسنة
وكل أسماء الله تعالى هي نفسه لا غيره ..
ويذكر الإمام ابن حزم أول من اخترع وصف الله وأسمائه بأنه صفات ..
وإنما اخترع لفظة الصفات المعتزلة .. وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام .. سلكوا غير مسلك السلف الصالح ..
[ليس فيهم أسوة ولا قدوة .. وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
ويستمر الإمام في كلامه ..
وربما أطلق هذه اللفظة من متأخري الأئمة من الفقهاء من لم يحقق النظر فيها ..فهي وهلة من فاضل .. وزلة عالم ..
وإنما الحق في الدين ما جاء عن الله تعالى نصاً ..أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك ..أو صح إجماع الأمة كلها عليه
وما عدا هذا فضلال ..
ففي هذا الموطن يتحدث الإمام عن إطلاق لفظ معين على الله تعالى ..فلا تطلق عليه لفظ جسم ولا تطلق عليه لفظ عرض وصفات ..
والرب عند الإمام ابن حزم وغيره ممن خالفه هو الله تعالى وكل اسم سمى به نفسه في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
فهل يستطيع أحد أن يقول عن اسم السميع أنها صفة أو جسم .. ؟!
وهذا محل اتفاق بين الإمام ابن حزم وبين من خالفه ..
وإنما هي أسماء لله تعالى لا يجوز ومحال أن نطلق عليها أنها أجسام أو أعراض ..
ويبيّن الإمام هذا وكأنه يعلم أن هناك من سيتأول كلامه على غير محمله عندما ردّ على خصومه فقال ..
إنما أنكرنا قول من قال إن أسماء الله تعالى مشتقة من صفات ذاتية فأطلق ذلك على العلم والقدرة والقوة والكلام أنها صفات ..
أي أن أسماء الله تعالى هي أسماؤه كاسم ( الله ) وليست هذه الأسماء مشتقة مما يوصف به ..
فإن قلت الرحيم فهو اسم الله تعالى وكذلك الخبير والعليم ..
وليس اسم الرحيم والرحمن والغفور والخبير صفة أو عرض ..
فكل حديث الإمام ابن حزم في هذا الموضع هو في إطلاق لفظ الجسم أو الصفة على الله تعالى ..
فلا فرق بين الله تعالى واسم الرحيم والرحمن وبقية أسمائه الحسنى كلها مما نعلم ومما لا نعلم ..
فكلها أسماء له تعالى ..
فإن أطلقنا على الرحيم أو الله لفظ الجسم ..
فينتج أنه مخلوق ..
وإن أطلقنا على الله تعالى أو الرحيم أنها صفة ..
فينتج كذلك أنها مخلوقة ..
فيكون الله تعالى مخلوق من خالق غيره ..
لأننا نصف اسماً من أسمائه أنه صفة ..
والصفة كما قدمت مخلوقة ..
فيكون الرب مخلوق بهذا النظر ..
والإمام هنا لا يتكلم عن ما يفعله الله تعالى أو ما يتصف به من صفات الربوبية ..
فهذه القاعدة متفق عليها بينه وبين من يخالفه ..
ومن أنكر أن لله تعالى صفات الربوبية فقد ناقض نفسه ..
والإمام لا ينكر ذلك بل يقرره في مواطن عدة نأتي عليها قريباً ..
لأن بدهية العقل توجب وجود الرب عند الإمام وإلا كان كافراً بهذا التعطيل ..
وقد استشهد بعض من يخالفه بما قاله الإمام رحمه الله في موطن إذ قال ..
إننا لا نفهم من قولنا : قدير وعالم إذا أردنا بذلك الله عز وجل إلا ما نفهم من قولنا الله فقط ..
لأن كل ذلك أسماء أعلام لا مشتقة من صفة أصلاً ..
وكذلك يقول في أسماء كالسميع والبصير وغيرها فيقول ..
المعنى في سميع وبصير عن الله تعالى هو المعنى في عليم ولا فرق ..
أي أنها كلها أسماء لله تعالى وتدل عليه ..
لأنه يثبت أنه سميع لا كسمع المخلوقين ..
ويبصر لا كبصر المخلوقين ..
لأنه ليس كمثله شيء ..
فالعفو والغفور والرحيم والحليم والملك فلا يقتضي وجود شيء من هذا وجود مرحوم معه ولا معفوّ عنه مغفور له معه ..
ولا مملوك مرحوم عنه معه ..
بل هو تعالى رحيم بذاته عفو بذاته غفور بذاته ملك بذاته .
وهي أسماء أعلام له عز وجل .
لكن إذا قلنا هو الله تعالى بكل شيء عليم ويعلم الغيب ..
فإنما يفهم من كل ذلك أن ههنا له تعالى معلومات وأنه لا يخفى عليه شيء ..
ولا يفهم منه ألبتة أن له علما هو غيره ..
أي إذا أطلق قول عالم وأردنا به الله تعالى أي اسمه فلا فرق بين هذا الاسم وبين بقية أسمائه ..
لأن هذه الأسماء أسماء أعلام وليست صفات أو مشتقة من صفات ..
ويوضح الإمام أن لله تعالى صفات الكمال حين ناظر من يقول بحدوث علم الله تعالى فيقول ..
من قال بحدوث العلم فإنه قول عظيم جداً ؛ لأنه نص بأن الله تعالى لم يعلم شيئاً حتى أحدث لنفسه علماً ..
وإذا ثبت أن الله تعالى يعلم الآن الأشياء فقد انتفى عنه الجهل يقيناً ..
فلو كان يوماً من الدهر لا يعلم شيئاً مما يكون فقد ثبت له الجهل به ولا بد من هذا ضرورة ..
وإثبات الجهل لله تعالى كفر بلا خلاف ..
لأنه وصفه تعالى بالنقص ووصفه يقتضي له الحدوث ولا بد ..
وهذا باطل مما قدمنا من انتفاء جميع صفات الحدوث عن الفاعل تعالى ..
هذا نص كلامه رحمه الله تعالى
فهنا يحق لي أن أسأل
هل ينكر الإمام ابن حزم أن لله تعالى صفاتاً اختص بها فيما ذكره من كلام عن إطلاق لفظ صفة على اسم من أسماء الله تعالى أم أنه لا ينكر اتصاف الله تعالى بصفات الربوبية .. ؟
من يتسرع ويردد كلام غيره فالأولى به أن يتفقه في الدين ويعلم ما يتحدث به علم يقين لا علم ظن يزعم أنه راجح ..
فإن قال أحد ..
إن الإمام ابن حزم ينكر أن لله تعالى له صفات اختص بها عمن دونه من الخلق فقد كذب وادعى على الإمام ما لم يقله البتة
لأن الإمام لو كان كذلك لم يكن يوماً مؤمناً منذ اعتقد هذا الاعتقاد ..
ولا اعتقد جازماً أن الله هو الرب ما دام أنه فاقد لصفات الربوبية ..
ومن قال أن الإمام ابن حزم قال أن أسماء الله تعالى كلها أسماء أعلام ولذلك لا صفات له فقد كذب وادعى على الإمام ما لم يقله أيضاً ..
لأن الإمام قال بتحريم إطلاق لفظ الصفة على اسم من أسماء الله تعالى
وفرق بين أن تطلق على اسم من أسماء الله تعالى لفظ صفة ..
وأن تقول أن لله تعالى صفات الكمال والربوبية التي يجب أن تكون في الرب ..
فلا يجحد الإمام ابن حزم أن يكون الله تعالى متصفاً بالرحمة والخلق والتدبير والقدرة والعلم والرزق وغيرها من صفات الربوبية وكل صفة كمال ..
لوجوب أن يتصف الرب بجميع صفات الكمال
ولا يجوز ومحال أن يتصف بصفة نقص أو عيب ألبتة ..
وهذا أمر مسلّم عند كل مسلم وليس عند الإمام ابن حزم فحسب ..لذلك يرفع يديه داعيا ربه ويقول ..
يا رحيم ارحمني .. ويا رازق ارزقني ..
ولذلك يبطل حجة بعض خصومه ويقول ..
إن حكيماً وعليماً ورحيماً وقديراً وسائر ما جرى هذا المجرى لا يسمى في اللغة إلا نعوتاً وأوصافاً ولا تسمى أسماء البتة ..
وإذا سمي الإنسان حكيماً أو حليماً أو حياً وكان ذلك اسماً له فهي حينئذ أسماء أعلام غير مشتقة بلا خلاف من احد ..
لكن ما يعنينا هنا ..
هل قال ابن حزم بسلب الرب صفات الكمال والربوبية .. ؟!
أو لم يقل ذلك .. ؟!
وسيأتي الكلام على كل ما قاله في باب أسماء الله تعالى وفق تسمية الإمام ..
وباب الأسماء والصفات عند من يخالفه في هذا الإطلاق ..
لكن ما ينبغي أن ينبه عليه هو مسألة الاشتقاق ..
فإن الإمام ابن حزم أقرّ باشتقاق بعض أسماء الله تعالى ورفض البعض الآخر ..
فقاعدة الأمام في هذا هي ..
أسماء الله تعالى لا تكون مشتقة من صفات محمولة فيه عز وجل إلا ما كان مشتقاً من فعل محدث كالخالق والمصور ..
فهذه أسماء أعلام ومشتقة من فعل محدث لله تعالى ..
أما سائر أسماء الله تعالى التي لا فعل محدث فيها فلا يدخلها الاشتقاق ..
فهنا يصحح الإمام ابن حزم فهم من قرأ كلامه فيقول له
أن لله تعالى صفات محمولة فيه ..
وأن أسماء الله تعالى منها ما يشتق منه ومنها ما لا يشتق منه ..
وأن هناك أفعالاً محدثة يحدثها الله تعالى ..
وأن ما يشتق من هذه الأسماء ما كان مشتقاً من صفة محمولة فيه من فعل محدث ..
وإنما أنكرت أن تسمى أسماء الله تعالى صفات وهي أسماء لذاته سبحانه وتعالى كاسم ( الله ) تماماً ..
فليتأمل المتأمل ..
قال ابن تيمية رحمه الله أن الأشاعرة أفضل من ابن حزم في باب الأسماء والصفات وابن حزم لا يثبت حتى صفة العلم ...
وقال ابن عبد الهادي: ابن حزم جهمي جلد ووافقه على الحكم الشيخ الألباني
وأقول جواباً على ذلك ..
أولاً ..
لم يذكر هذه الأقوال إلا ويعلم معنى الجهمية ..وهذا لا أشكك فيه البتة ..
ثانيا .. أوضحت في كلامى أن كلام ابن حزم متعلق بالأسماء فقط ..
ولم يتعلق بما تطلق عليه أنت أو مخالف الإمام ابن حزم بـ الصفات ..
فتحرير محل الكلام هنا هو ..
عدم جواز إطلاق لفظ الصفة على اسم من أسماء الله تعالى ..
لا يعنيني مسألة الاشتقاق هنا ..
ولكن أصل المسألة هو ما أطلق على أسماء الله تعالى أنها صفات ..
ثالثا..لا بد من وضع ما يرجع إليه من الكتاب والسنة حال الاختلاف ..
وما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب ..
لأن كلنا وبما فيهم الإمام ابن حزم الظاهري ينتسب إلى سلف الأمة ..
فقد قال الإمام ابن حزم الظاهري ..
إن إطلاق لفظ الصفات على اسم من أسماء الله تعالى حدث من المتأخرين ولم يكن إطلاق سلف الأمة ..
فسلف الأمة عنده وعندك وعند كل مسلم من أهل السنة هم ..
الصحابة رضي الله عنهم ..ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين لمن بعدهم ..
فإن نقلت لي خلاف قول الإمام ابن حزم الظاهري عن الصحابة رضي الله عنهم أصبت وصوبت غيرك ..
ولا أريد أن تنقل لي ما روي عمن بعدهم لأنهم أخذوا من الصحابة ..
فنرجع للأصل في هذا لنريح ونستريح ..
لأن الدعوى الثانية أن الصحابة لم يطلقوا هذا الإطلاق ..
فإذا ثبت أن الصحابة أطلقوا على اسم من أسماء الله تعالى لفظ الصفة فهنا يرتفع الإشكال كله والحمد لله رب العالمين ..
وإن لم يثبت ذلك فادعاء كل أحد أنه يتبع سلف الأمة كل ذلك بلا برهان ..
سواء ادعاه الإمام ابن حزم الظاهري أو غيره ممن ذكرتهم أو من غيرهم ..
ولا فرق حينها بين دعوى ابن حزم ودعوى ابن تيمية ..ولا بين ابن تميمة ولا بين المعتزلة ..
ولا بين كل الطوائف الأخرى ..فكل طائفة تدعي أن تلك عقيدة سلفية أخذوها عن الصحابة رضي الله عنهم ..
فمن أثبت ذلك كان سلفياً في اعتقاده ولا بد ..
ومن لم يثبت ذلك فكلنا لا يعجز عن الدعوى ..
ويقيناً لم يفرق ابن تيميه بين قول الإمام ( لا يجوز إطلاق لفظ الصفات لله تعالى ) ..
وبين ما ذكرته في تعليقاتي السابقة ( لا يجوز أن يكون لله صفات ) ..
فالأولى هي كلام الإمام والثانيه هي فهم الأئمة ابن تيميه وابن عبد الهادي والألباني وكل من نحا نحوهم وبينهما فرق ذكرته من كلام الإمام فلن أعيد ما ذكرته فراجعه إن شئت ..
*** استفدت ما سبق من توضيح شيخنا ابن تميم الظاهرى حفظه الله فى مقال (عندلة ظاهرية ويراع تميمي)
واريد هنا ان اكرر ما سبق ذكره ان ابن حزم رحمه الله انما ينكر لفظ الصفات ولا ينكر الصفات كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ومن تابعه , وذلك واضح من كلام الامام لمن اراد الحق , وقول الامام هي اسماء شتى لشي واحد ليست كقولنا هي اسماء شتى بمعنى واحد , فقوله اسماء شتى لشيى واحد اي انها ترجع لمسمى واحد هو الله تبارك وتعالى وهنا يرد الامام ابن حزم على ما ادعاه الفلاسفة من ان القول بالصفات يستلزم الكثرة في الذات, وهذا بحث فلسفي قديم فنده الامام الجليل باوضح برهان.
الامام ابن حزم يعترض على التسمية فقط وهذا من حقه لانه كما تقرر في الاصول انه لا يسمى الله الا بما سمى به نفسه او سماه به رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام, لذا وجب عدم تسمية الله تعالى الا بما ذكر , هذا وقد وقع شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه في خطأ قديماَ حين سمى الله بالقديم اتباعاَ للفلاسفة ,وقد علق على ذلك الشيخ الالباني في تعليقه على كتاب رفع الاستار وهذه زلة عالم لا نظن فيه الا خيرا, لانه لا يقبل قول الا ببرهان كما قال الله تعالى (( قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)).
أمر هام أيضاً............
الأصل الذي يعتمده الإمام ابن حزم في إثبات الديانة من الاعتقاد والفقه ليس هو أصل الجهمية، فكيف نصف أحد الناس بأنه جهمي وهو يبطل أصل تلك الفرقة والمعلوم أننا لا ننسب أحداً إلى فرقة ما إلا إذا كان عاملاً بأصولها...والإمام يبطل هذا الأصل ، فأصلهم الأول هو : إثبات ما أثبتوه من خلال العقل، والإمام يبطل هذا ويقول نثبت ما يثبت فيها بالنص، والعقل وسيطة للفهم فقط ولا يوجب ولا يمنع شيء أصلاً....ثم بالمقارنة مع أصول الجهمية الأخرى وهل وافقها ابن حزم ؟
فقضية نسبة أحد إلى فرقة يجب أن يكون عاملاً بأصولها كلها، أو على أقل تقدير بأكثرها، والإمام مخالف لهم في أصولهم فكيف نطلق عليه هذا ؟
فالقرآن مخلوق عندهم ولم يتكلم الله به، وعند الإمام أنه غير مخلوق وأن الله تكلم به (المحلى مسألة58 : وَالْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ وَعِلْمُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. )
ورؤية الله يوم القيامة للمؤمنين أبطلوها وأثبتها ابن حزم(63المحلى مسألة63 وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُوَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْقُوَّةِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وُجُوهٌ يَوْمُئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)
وأن الله في كل مكان، عندهم، وابن حزم نص على أن العرش نهاية المخلوقات فليس بعده مخلوق أي الله تعالى بعده
والصفات: أثبتوا ثلاث صفات، وكان منعهم من البقية لأن وصف الله بأنه سميع وبصير لا يصح، لأن هذه الأوصاف تطلق على المخلوق، فيقتضي ذلك المشابهة
وابن حزم أبطل لفظ صفة وقال لم يقل أحد من الصحابة ولا نص أن الله صفة، وإنما له صفة فعل كالنزول وغيره، والإتيان فهو يطلق ما أطلقه النص ولا يقول أن هذه صفة لأن الصفة عندنا هي شيء مخلوق وعرض محمول على جسم، والله تعالى لا يجوز أن نطلق عليه هذا لأنه ليس كمثله شيء، ولكن نقول كما قال: له يد، ووجه، وذات، ونفس، ولا نخوض فيها لأن النص لم يبينها ، ولا تكلم فيه الصحابة ...فهم وصفوا الله بأنه قادر وخالق وعالم وقالوا لأن البشر لا يتصف بذلك، ومنعوا من البقية، فسبب المنع عندهم ليس كسبب منع ابن حزم...بل قال ابن حزم إن لله علم ولم يقل العلم صفة وبينهما فارق كبير (انظر المحلى مسألة 60ٌ : وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ لَمْ يَزَلْ عَزَّ وَجَلَّ عَلِيمًا بِكُلِّ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا دَقَّ أَوْ جَلَّ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. )
وكذلك الأمر في غيرها من الأصول، فعند الجهمية الإيمان هو معرفة القلب وإن أظهر التثليث والكفر، وعند ابن حزم عقد بالقلب ونطلق باللسان وعمل بالجوارح من ترك العقد والنطق كفر، ومن ترك الجوارح فلا يكفر إلا بجحدها للنصوص الواردة في ذلك
كل هذه الأصول التي اشتهر فيها الجهمية، اذا قارنتها مع ابن حزم وجدته بخلاف قولهم فكيف يصح أن ننسبه إلى هذه الفرقة
بل يقول ابن بدران الحنبلي وهو على مذهب ابن عبد الهادي وابن تيميه الفقهي والعقدي أن أول من شن الغارة على الجهمية أبو محمد بن حزم ورد عليهم بالنقل والعقل ثم تلاه ابن تيميه وابن القيم وأن من أراد ذلك فليرجع إلى كتب أساطين العلماء ، ويعني ...الثلاثة، فلو كان جهمياً فكيف يضعه من الذين شنوا الغارة عليهم وقدمه على أصحابه ....
فعدم التحرير لمذهب ابن حزم هو الذي أوجب هذا الوصف الخاطئ
بل إن ابن عبد الهادي تكلم بكلام لم يقله ابن حزم وقال بخلافه أيضاً
قال أننا لا نفهم من العلم والقدرة إلا الذات المجردة فقط، وهذا لم يقله ابن حزم أصلا، بل قال جواباً على سؤال خصمه: أننا إذا أردنا الذات بالسؤال، فإن العليم والقدير لا يدلان على أحد إلا الله تعالى، وإن أردنا ما فيها من معنى فيعني في العليم أن لله تعالى معلومات يعلمها من المخلوقين ونحو هذا الكلام فلم يقل ( العلم والقدرة ) بل قال العليم والقدير، وهذا كان جواب خصومه المبطلين أصحاب جهم من المعتزلة وأضرابهم ... فنقله ابن عبد الهادي وليته نقله بشكله الصحيح... وللأسف تبعه العلامة الالبانى قدس الله روحه .... والمعصوم هو النبي صلى الله عليه وسلم فقط..
فالمقارنة بين أصول الجهمية وابن حزم هي التي تفصل في هذا الأمر ، وتدفع الكذب ببرهان لا شك فيه من كلام الإمام .
إضافةً لكلامى فى الرد على ما ذكره :
ابن حزم قال أن الشافعي وعبد العزيز الكناني وداود الظاهري قالوا: أن الله تعالى سميع لا كالسامعين، بصير لا كالمبصرين، ولا نقول بصفة، لأن الله لم يقله، وبهذا نقول
فهل الشافعي والكناني وداود كانوا جهمية بهذا النفي للفظ صفة ؟
أترك الجواب للقارئ اللبيب .......