فهد عبدالله محمد الحبيشي
:: متابع ::
- إنضم
- 25 ديسمبر 2012
- المشاركات
- 6
- الكنية
- أبو عبد الرحمن
- التخصص
- علوم قرآن
- المدينة
- صنعاء
- المذهب الفقهي
- شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرون هم الذين كانت أعمالهم وآثارهم أكبر من شهرتهم، فهناك من العلماء من اعترى شخصيتهم التهميش ربما لأسباب مذهبية أو غيرها، ومن هؤلاء الإمام العلم: يحيى بن أبي الخير العمراني، هذا الإمام الذي له سابقته ومرتبته العليا في المذهب الشافعي إلا أنه لم يحظ باهتمام كبير سواء من المتقدمين أم المتأخرين، ولعل من أسباب ذلك أنه كان يمثل مذهب السلف في العقيدة، ففي حين كان كثير من علماء المذهب الشافعي ممن عاصره يقتفون أثر أبي الحسن الأشعري في طوره التلفيقي، ويتبعون آثاره وكتبه في نسختها الكلابية كان العمراني مدافعا عن عقيدة السلف، لا يتنازل عنها قيد أنمله، واشتهر عنه شدته مع أهل البدع، ومن ذلك ما يحكي المؤرخون من أن ابنه طاهرا انتقل إلى مذهب الأشاعره بسبب تأثره ببعض شيوخه، فلما علم والده بذلك طرده من منزله، ولكن بعضهم أراد رأب الصدع بين الأب وابنه بطلب من الابن فكان شرط الوالد –العمراني- أن يتوب ابنه من هذه البدعة، ويعلن توبته في المسجد أمام الناس كافة، فقبل الابن هذا الشرط وأعلن توبته، لكنه نكص على عقبه بعد وفاة والده!ومما يحكى في هذا المضمار أن إمام الزيدية في عصر ابن أبي الخير أرسل جعفر بن عبد السلام وهو أحد شيوخ الزيدية -وهم معتزلة كما هو معروف- إلى محافظة إب وكانت في ذلك الوقت دويلة مستقلة كبقية دويلات اليمن ولم تدخل بعد في حكم الزيدية، فلما جاء جعفر إلى حاكم إب وأراد المناظرة بغية نشر المذهب الزيدي المعتزلي وإظهار عجز السنة كما يتصور قال له حاكم إب: ناظر عالم مدينة إب، فلما ناظره هذا العالم في خلق أفعال العباد أفحمه ثم قال له: كيف لو نزلت إلى ذي أشرق لوجدت بحرا خضما تغرق فيه، وذي أشرق مدينة قريبة من مدينة إب، ويقصد بالبحر الخضم الإمام ابن أبي الخير، فما كان من الزيدي إلا أن حمل متاعه ورحل إلى صنعاء حاملا أذيال الخيبة والهزيمة، فكتب كتابا كأنه نحته من صخر وأسماه: "الدامغ للباطل من مذهب الحنابل"، ويقصد بالحنابل أهل السنة كما هو ديدن أهل البدع في تسمية أهل السنة بالحنابلة رغم أن ابن أبي الخير شافعي وليس حنبليا، فما كان من هذا الإمام إلا أن صنف كتابه الرائع الماتع: "الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار"، فند فيه كثيرا من أقوال وشبه المعتزلة وفق عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد أفاد وأجاد جزاه الله خير الجزاء.
هذا ويعتبر الإمام ابن أبي الخير معلما من معالم المذهب الشافعي، وإماما من أئمته ويكفي في إثبات ذلك كتابه الرائع "البيان" الذي شرح فيه المهذب فأجاد أيما إجادة، كما أنه يعتبر من أئمة المذهب الذين ناصروا عقيدة السلف، وردوا على المخالفين ففي كتاب الانتصار السابق الذكر لم يقتصر ابن أبي الخير على تزييف أقوال المعتزلة وإنما زيف كذلك جملة من عقائد الأشاعرة، وبهذا يظهر زيف ما يحكيه البعض من أن عقيدة الأشعري الكلابية هي عقيدة أئمة الشافعية، ويكفي أن نعلم أن شافعية الجبال في اليمن ويقصد بهم شافعية محافظتي إب وتعز بالتقسيم الإداري الحديث كانوا ممن يعتقد معتقد السلف ولهذا سماهم الزيدية بالحنابلة كما سلف، وقد استمرت هذه العقيدة فيهم إلى حوالي القرن السابع واندثرت وغلبت عقيدة الأشاعرة كما ذكر هذا الخزرجي في تاريخه، والله المستعان.
مكة- العزيزية