العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
كتاب الطهارة
قال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً } يشترط لرفع الحدث والنجس ماء مطلق : وهو ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد ؛ فالمتغير بمستغنى عنه كزعفران تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء غير طهور ؛ ولا يضر تغير لا يمنع الاسم ولا متغير بمكث وطين وطحلب وما في مقره وممره ؛ وكذا متغير بمجاور كعود ودهن أو بتراب طرح فيه في الأظهر .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
الْكِتَابَ لُغَةً مَعْنَاهُ : الضَّمُّ وَالْجَمْعُ . يُقَالُ : كَتَبْت كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : تَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ إذَا اجْتَمَعُوا ؛ وَكَتَبَ إذَا خَطَّ بِالْقَلَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ . وَاصْطِلَاحًا : اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ .
وَالطَّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ : اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ ، وَبِالْكَسْرِ : اسْمٌ لِمَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ سِدْرٍ وَنَحْوِهِ ، وَبِالْفَتْحِ الْمُرَادُ هُنَا لُغَةً : النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالنَّجَاسَاتِ ، أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ مِنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهَا ، فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا – أي : في الأدناس الحسية والمعنوية - ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقِيلَ : مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا ، وَقِيلَ : مُشْتَرَكَةٌ ، وَعَطْفُ الْخُلُوصِ تَفْسِيرٌ . وَعُرْفًا : زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ . قَالَهُ الْقَاضِي .

أَوْ : صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ . قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ ، وَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ لِلثَّوْبِ ، وَبِالثَّانِي لِلْمَكَانِ ، وَبِالثَّالِثِ لِلشَّخْصِ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَوْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ الْمَيِّتَ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُمْ بِالْغُسْلِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَنَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعِبَادَةٍ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ بِمُنَاكَحَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ ، وَأَهَمُّهَا الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالدِّينِ ، ثُمَّ الْمُعَامَلَةُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا ، ثُمَّ الْمُنَاكَحَةُ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ لِأَنَّهَا غَالِبًا إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ ، فَرَتَّبُوهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَتَّبُوا الْعِبَادَةَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِ خَبَرِ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَخْ . رواه البخاري ومسلم . وَاخْتَارُوا رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ ، لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَوْرِيٌّ وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ وَإِفْرَادُ مَنْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِهَا الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ » رواه الترمذي ؛ وقال : هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ .
وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا .
مسألة :

أقسام المياه :

المياه على أربعة أقسام :

1 – القسم الأول : طَاهِر في نفسه مطهر لغيره غير مَكْرُوه استعماله وَهُوَ المَاء الْمُطلق .

2 – القسم الثاني : طَاهِر في نفسه مطهر لغيره مَكْرُوه استعماله وَهُوَ المَاء المشمس .

3 – القسم الثالث : طَاهِر في نفسه غير مطهر لغيره وَهُوَ نوعان :

أ – النوع الأول : المتغير بِمَا خالطه من الطاهرات .

ب - النوع الثاني : الماء المستعمل .

4 – القسم الرابع : الماء المتنجس .

وسنفصل القول في هذه الأقسام إن شاء الله تعالى .
مسألة :

معنى الماء المطلق :

اخْتلف فِي حَد الماء المطلق :
1فَقيل : هُوَ العاري عَن الْقُيُود وَالْإِضَافَة اللَّازِمَة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة وَالْمُحَرر وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي . فَقَوله : عَن الْقُيُود خرج بِهِ مثل قَوْله تَعَالَى { من مَاء مهين } { من مَاء دافق } وَقَوله : الْإِضَافَة اللَّازِمَة . خرج بِهِ مثل مَاء الْورْد وَنَحْوه . وَاحْترز بِالْإِضَافَة اللازمة عن الْإِضَافَة غير اللَّازِمَة كَمَاء النَّهر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا تخرجه هَذِه الْإِضَافَة عَن كَونه يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس لبَقَاء الْإِطْلَاق عَلَيْهِ .

2وَقيل : المَاء الْمُطلق هُوَ الْبَاقِي على وصف خلقته .

3 - وَقيل : مَا يُسمى مَاء .
وَسمي مُطلقًا ؛ لِأَن المَاء إِذا أطلق انْصَرف إِلَيْهِ . وَهَذَا مَا ذكره ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي شرح الْمُهَذّب .

مسألة :
تباح الطهارة بِكُلِّ مَاءٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ الَّتِي ذَكَرناهَا ، عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ ، وَالْعُذُوبَةِ وَالْمُلُوحَةِ ، نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَدِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
الأدلة :
1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11]

2 - قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [الفرقان: 48]

3 - قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ »

4 – قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْهُ . هُوَ نَارٌ . وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لما يلي :

1 - قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } [النساء: 43] وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ .

2 - رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ » أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

3 - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ "

4 – إنه مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصِلْ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ .

وَقَوْلُهُمْ: " هُوَ نَارٌ " إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً .

مسألة :
اشتراط الماء المطلق في رفع الحدث ؛ ولايجوز بالنبيذ ؛ وغيره من المائعات :

1 - ذهب الحنفية – على المعتمد عندهم – والشافعية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة . إلى عدم جواز رفع الحدث إلا بالماء المطلق .

الأدلة :
أ – قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا ) فَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِغَيْرِهِ .

ب – قوله صلى الله عليه وسلم : « الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

2 – روي فِي النَّبِيذِ عَنْ الْإِمَامِ أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ :

الْأُولَى : أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ . وَهِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ .

الثَّانِيَةُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .

وَالثَّالِثَةُ : التَّيَمُّمُ فَقَطْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عند الحنفية .

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْأَوْزَاعِيُّ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : النَّبِيذُ وَضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِد الْمَاءَ . وَقَالَ إِسْحَاقُ : النَّبِيذُ حُلْوًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّيَمُّمِ ، وَجَمْعُهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ .
استدلال القائلين بهذا القول :
استدلوا بما رَوَى « ابْنُ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ، فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَقَالَ: أَمَعَكَ وَضُوءٌ ؟ فَقَالَ: لَا ، مَعِي إدَاوَةٌ فِيهَا نَبِيذٌ . فَقَالَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» .
رد الجمهور على هذا الاستدلال :
أجاب الجمهور على هذا الدليل بقولهم : هذا الحديث لَا يَثْبُتُ ، وَرَاوِيهِ أَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ سُئِلَ : هَلْ كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ فَقَالَ : مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد . وَرَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَمْ أَكُنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَوَدِدْت أَنِّي كُنْت مَعَهُ .
قال ابن قدامة في المغني : فَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيذِ مِنْ الْمَائِعَاتِ ، غَيْرِ الْمَاءِ ، كَالْخَلِّ، وَالدُّهْنِ ، وَالْمَرَقِ ، وَاللَّبَنِ ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِيمَا نَعْلَمُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَا وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الطَّهُورِيَّةَ لِلْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11] ، وَهَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ .

مسألة :
هل يشترط الماء المطلق في إزالة النجاسة ؟
قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
1القول الأول : يشترط الماء المطلق في إزالة النجاسة . وهو مذهب الجمهور من الشافعية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة .
أدلة الجمهور :
أ - عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ : سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ »

ب - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .

ج – إنها طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ ، فَلَا تَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمَاءِ ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ .

2القول الثاني : يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ وَالْأَثَرِ، كَالْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَنَحْوِهِمَا . وهو قول الإمام أبي حنبفة رحمه الله تعالى ؛ وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ رحمه الله تعالى .

أدلة أصحاب القول الثاني :

أ – قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا »

أَطْلَقَ الْغَسْلَ ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ .
ب – إنه مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ ، فَجَازَتْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ ، كَالْمَاءِ .

رد الجمهور :

رد الجمهور على استدلال أصحاب القول الثاني فقالوا : مُطْلَقُ حَدِيثِهِمْ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِنَا، وَالْمَاءُ يَخْتَصُّ بِتَحْصِيلِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ ، فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى .
 
إنضم
28 فبراير 2011
المشاركات
170
التخصص
القراءات العشر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

ال فى الطهارة للجنس فتشمل كل انواع الطهارات ولم يجمعها لانه مصدر وهو لا يجمع
وللطهارة وسائل اربع ومقاصد كذلك اما الوسائل فالماء والتراب والدابغ والانقلاب والمقاصد الوضوء والغسل والتيمم وازالة النجاسة
والطهارة بالضم اسم للماء المعد للتطهير فى نحو الاناء لا البئر
ويرد على تعريف القاضى حسين امور منها ان المنع قد يرتفع مع بقاء الحدث كما فى التيمم
ومنها انه لايشمل الطهر المندوب ومنه انه لايشمل غسل الميت وغسل الانثيين من خروج المذى
والاحسن عندى ( ارتفاع الحدث وما فى معناه وازالة النجس او ارتفاع حكم ذلك )
وقولى ارتفاع اولى من رفع لان الرفع تعريق للتطهير لا الطهارة
وما فى معناه بشمل التيمم والطهر المندوب
او فى الحد للتنويع
ارتفاع حكم ذلك يشمل غسل الميت والاستجمار والتخلل ونحوها
ابن عرفة بسكون الراء
وجه اعظمية الطهارة مع ان الصلاة تتوقف صحتها على تحقق كل الشروط
ان القبلة يتسامح فيها للميافر المتنفل ولا يجب القضاء على فاقد السترة ودخول الوقت شرط لصحة وقوع الصلاة فرضا فلو احرم قبل الوقت ظانا دخوله ثم تبين الخطا صحت صلاته نفلا بخلاف الطهار فلا يتسامح فيها البتة
الحد الاول للماء للبويطى
ويرد على الثانى الما المستعمل والمتغير كثيرا بالمجاور وطول المكث واجيب بان المراد الباقى على خلقته حقيقة او حكما
النوع الثانى من انواع الماء داخل فى الاول
مناقشة شيخ الاسلام
ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية الى ان الماء نوعين فقط طهور ونجس
ودليلنا قوله تعالى ( وانزلنا من السماء ماء طهورا )
وجه الدلالة ان ماء نكرة فى سياق الامنتنان فتعم فتشمل ( على قوله ) الطهور والنجس والنجس خارج بدلالة السياق لان الله لايمتن بنجس فبقى الطهور ثم وصف الله الماء بطهورا والاولى حمل النعت على التاسيس لا التاكيد وعلى قول شيخ الاسلام لا يتاتى حمل النعت على التاسيس لكن لو قلنا الماء طهور وطاهر ونجس والنجس خارج فبقى الطاهر والطهور جازلنا الحمل المذكور
ولنا ايضا حديث ماء البحر اذ السائل يعلم يقينا طهارة الماء ماء البحر لكنه سال عن الطهورية فعلم ان ثم فرق ظاهر
مناقشة ادلة الحنفية
استدل الحنفية بحديث عائشة ام المؤمنين ( ما كان لاحدانا الا الثوب تحيض فيه فاذا اصابه شئ من ذلك قالت بريقها فمصعته ) فاذا زالت النجاسة بالريق فبالخل اولى
قلنا يحتمل ان الدم قليل حقير فيكون معفوا عنه ومع الاحتمال سقط الاستدلال
قالوا مائع طاهر مزيل للعين كالماء
قلنا الماء يرفع الحدث فرفع حكم النجس والخل لايرفع الحدث فلا يرفع النجس والشارع امر بالماء فى الاية والحديث
فالوا خرج مخرج الغالب قياسا على الاستجمار بالحجر فلم قستم على الحجر ما فى معناه
قلنا بل الماء مقصود الشارع فلو قيل صم يوم الخميس تعين ولا يقال خرج مخرج الغالب واما قياسنا على الحجر فلان الشارع استثنى من الحجر العظم والروث وهما لايقع عليهما اسم الحجر ففهمنا ان المراد ما فى معنى الحجر ولولا الاستثناء لقصرنا الحكم على الاحجار
قالوا لو اصاب ثوب نجاسة فقطع محلها طهر الثوب اذ المراد ازالة العين وهى يحصل بالخل والماء بل الخل ابلغ
قلنا فلم لم تجيزوا الوضوء بالخل فان قالوا تعبدا لان الحدث غير معقول المعنى قلنا وكذلك حكم النجاسة
والفقه فى المسالة ان مبنى طهارة المحل النجس على التعبد يدل على ذلك ان الماء القليل اذا ورد على النجاسة فمقتضى القياس الجلى تنجسه لملاقاته النجاسة كما اذا وقعت فيه فاذا عصر المحل فالجزء الباقى فى المحل جزء من المنفصل وهو نجس عندكم فاذا قلتم بطهارة الباقى فى المحل علم خروج ذلك عن مقتضى القياس وثبت انه طهر شرعا كما فى طهارة الحدث سواء
وايضا طهارة دن الخمرة بعد الانقلاب لا تحصل بالخل بل بالانقلاب ولو كانت تحصل بالخل لما طهر حتى ينفصل الخل عنه
هذا جهدى والله اعلم
واصل اخى ليث بارك الله فيك
 

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

الأخ الفاضل ليث فائز السامرائي جزاك الله خيرا،
نريد منك، أخي الفاضل، أن تذكر لنا مصادر الدرس (اسم الكتاب والجزء والصفحة) لنرجع إليها ونستطيع المتابعة، وكذلك إذا أتيت برأي في مسألة أو ترجيح، نعرف هل هو قولك في المسألة أو قول من تنقل عنه.
و من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله.
والله أعلم..
بارك الله فيك ونفع بك. آمين
 
إنضم
2 سبتمبر 2012
المشاركات
423
الكنية
جلال الدين
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
انواكشوط -- أطار
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

بوركتم
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

الأخ الفاضل مصطفى أحمد عبد النبي . . جزاك الله خيرا .
اختي الفاضلة العاصمية لك ما أردتي ؛ وهو الصحيح .
أخي الفاضل محمد جلال المجتبى . . جزاك الله خيرا .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة :
الماء المضاف إلى غيره :
الماء المضاف إلى غيره؛ مثل :ماءالورد ؛ وماء الباقلاء ؛ ونحو ذلك ؛ هل تصح الطهارة به ؟
نقول : قد قسم الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى الماءالمضاف إلى غيره إلى ثلاثة اقسام "1" :
1 – القسم الأول : ما تصح الطهارة به عند جميع الفقهاء .
2 – القسم الثاني : ما لا تصح الطهارةبه عند جميع الفقهاء .
3 – القسم الثالث : ما اختلف فيه الفقهاء . هل تصح الطهارة به ؟
وسنفصل القول في هذه الأقسام إن شاء الله تعالى .

مسألة :
الماء المضاف إلى غيره الذي تصح الطهارة به عند جميع الفقهاء :
إن الماء المضاف إلى غيرهالذي تصح الطهارة به عند جميع الفقهاء هو أربعة أنواع :
النوع الأول : مَا أُضِيف إلَى مَحَلِّهِ وَمَقَرِّهِ ، كَمَاءِ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِمَا ؛فَهَذَا لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ مَاءٌ وَهِيَ إضَافَةٌ إلَى غَيْرِ مُخَالِطٍ .وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
النوع الثاني : مَا لَا يُمْكِن التَّحَرُّزُ مِنه ، كَالطُّحْلُبِ وَالْخَزِّ وَسَائِرِ مَا يَنْبُتُ في الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ وَرَقُ الشَّجَرِ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ ، أَوْتَحْمِلُهُ الرِّيحُ فَتُلْقِيهِ فِيهِ ، وَمَا تَجْذِبُهُ السُّيُولُ مِنْ الْعِيدَانِ وَالتِّبْنِ وَنَحْوِهِ، فَتُلْقِيهِ فِي الْمَاءِ ، وَمَا هُوَ فِيقَرَارِ الْمَاءِ كَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَغَيْرِهِمَا ، إذَا جَرَى عَلَيْهِا الْمَاءُ فَتَغَيَّرَ بِهِ ، أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَقِفُ فِيهَاالْمَاءُ .
فَهَذَا كُلُّهُ يُعْفَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، فَإِنْ أُخِذَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ،مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ مُمْكِنٌ .
النوع الثالث : مَا يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي صِفَتَيْهِ - الطَّهَارَةِ ، وَالطَّهُورِيَّةِ - ، كَالتُّرَابِ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ لَا يَمْنَعُ الطَّهُورِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ كَالْمَاءِ ،فَإِنْ ثَخُنَ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُبِهِ ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ وَلَيْسَ بِمَاءٍ ، وَلَا فَرْقَ فِي التُّرَابِ بَيْنَوُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ.
وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ الَّذِي أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْبَحْرِيِّ ، وَالْمِلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يُرْسَلُ عَلَى السَّبْخَةِ فَيَصِيرُ مِلْحًا ، فَلَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ ؛لِأَنَّ أَصْلَهُ الْمَاءُ ، فَهُوَ كَالْجَلِيدِ وَالثَّلْجِ ، وَإِنْ كَانَ مَعْدِنًا لَيْسَ أَصْلُهُ الْمَاءَ فَهُوَ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ .
النوع الرابع : مَا يَتَغَيَّرُ بِه الْمَاءُ بِمُجَاوَرَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَة ، كَالدُّهْنِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ ، وَالطَّاهِرَاتُ الصُّلْبَةِ كَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ،إذَا لَمْ يَهْلِكْ فِي الْمَاءِ ، وَلَمْ يَمِعْ فِيهِ ، لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ إطْلَاقِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ مُجَاوَرَةٍ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَوَّحَ الْمَاءُ بِرِيحِ شَيْءٍ عَلَى جَانِبِهِ .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ خِلَافًا . وَفِي مَعْنَى الْمُتَغَيِّرِ بِالدُّهْنِ مَا تَغَيَّرَبِالْقَطِرَانِ وَالزِّفْتِ وَالشَّمْعِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دُهْنِيَّةً يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَاءُ تَغَيُّرَ مُجَاوَرَةٍ ، فَلَا يُمْنَعُ كَالدُّهْنِ .
أقول : مسألة التراب المطروح قد شملها قول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى - صاحب هذا التقسيم - قد شملها قوله : ( وَلَانَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ خِلَافا ) لكن الخلاف فيها موجود . قال المصنف رحمه الله تعالى في المجموع في مسألة عدم سلب التراب لطهورية الماء وإن طرح فيه قصدا . قال : هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جماهير العراقيين وصححه الخراسانيون وذكروا وجها آخر أَنَّهُ يَسْلُبُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَوْلًا. "2"

مسألة :
الماء المضاف إلى غيره الذي لا تصح الطهارة به عند جميع الفقهاء :
إن الماء المضاف إلى غيرهالذي لا تصح الطهارة به عند جميع الفقهاء على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : مَا اُعْتُصِرَ مِنْ الطَّاهِرَات كَمَاءِ الْوَرْدِ ، وَمَاءِ الْقَرَنْفُلِ ، وَمَا يَنْزِلُ مِنْ عُرُوقِ الشَّجَرِ إذَا قُطِعَتْ رَطْبَةً .
النوع الثَّانِي : مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌفَغَيَّرَ اسْمَهُ ، وَغَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ ، حَتَّى صَارَ صِبْغًا، أَوْحِبْرًا ، أَوْ خَلًّا ، أَوْ مَرَقًا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ .
النوع الثالث : مَا طُبِخَ فِيهِ طَاهِرٌ فَتَغَيَّرَ به ، كَمَاءِ الْبَاقِلَّا الْمَغْلِيِّ.
فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لَا يَجُوزُالْوُضُوءُ بِهَا، وَلَا الْغُسْلُ . قال ابن قدامة : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَصَمِّ فِي الْمِيَاهِ الْمُعْتَصَرَةِ ؛ أَنَّهَا طَهُورٌ يَرْتَفِعُ بِهَا الْحَدَثُ ، وَيُزَالُ بِهَاالنَّجَسُ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهٌ فِي مَاءِ الْبَاقِلَّا الْمَغْلِيِّ ، وَسَائِرُ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِمْ . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوُضُوءَ غَيْرُ جَائِزٍبِمَاءِ الْوَرْدِ ، وَمَاءِ الشَّجَرِ، وَمَاءِ الْعُصْفُرِ، وَلَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِمَاءٍ مُطْلَقٍ ، يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ ؛وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ إنَّمَا تَجُوزُ بِالْمَاءِ ، وَهَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِا اسْمُ الْمَاءِ بِإِطْلَاقِهِ .
مسألة :
الماء المضاف إلى غيره الذي اختلف الفقهاء في صحة رفع الحدث به :
الماء المضاف إلى غيره الذي اختلف الفقهاء في صحة رفع الحدث به هو مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُمِنْهُ ، فَغَيَّرَ إحْدَى صِفَاتِهِ ، - طَعْمَهُ ، أَوْ لَوْنَهُ، أَوْ رِيحَهُ- ، كَمَاءِ الْبَاقِلَّا ، وَمَاءِ الْحِمَّصِ ، وَمَاءِ الزَّعْفَرَانِ .
وقد اختلف العلماء في صحة التطهر به على قولين :
1 – القول الأول : إن هذا الماء لا يصح الوضوء أو الغسل به ؛ وهو قول الشافعية ؛ والمالكية "3" ؛ والمعتمد عند الحنابلة .
الأدلة :
أ – إنه مَاءٌ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَالَيْسَ بِطَهُورٍ ، وَيُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ ، فَلَمْ يَجُزِ الْوُضُوءُبِهِ كَمَاءِ الْبَاقِلاَّ الْمَغْلِيِّ .
ب – إن اخْتِلاَطَ الْمَاءِ بِطَاهِرٍ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ كَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُهُ الإْطْلاَقَ،وَلِهَذَا لاَ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ الْحَالِفُ عَلَى أَلاَّ يَشْرَبَ مَاءً .
القول الثاني : إن هذا الماء يصح الوضوء أوالغسل به ؛ بشرط أن لا يخرجه عن طبع الماء وهو الرقة والسيلان ؛ فلو خرج عن طبعه أو حدث له اسم على حدة - كأن صار ماء الصابون أو الأشنان ثخيناً أو صار ماءالزعفران صبغاً - لا تجوز به الطهارة . وهو قول الحنفية .
قالوا : لا تجوز الطهارة بماء غلب عليه غيره من الجامدات الطاهرة فأخرجه ذلك المخالط عن طبع الماء وهو الرقة والسيلان، أو أحدث له اسماً على حدة ، وإنما قيدوا المخالط بالجامد ؛ لأن المخالط إذا كان مائعافالعبرة في الغلبة :
أ - إن كان موافقاً في أوصافه الثلاثة كالماء المستعمل فبالأجزاء .
ب - وإن كان مخالفاً فيها كالخل فبظهور أكثرها .
ج - أو في بعضها فبظهور وصف ، كاللبن يخالف في اللون والطعم، فإن ظهرا أو أحدهما منع ، وإلا لا .
وزادوا" أو أحدث له اسماً على حدة " لإخراج نبيذ التمر ونحوه فإنه لا تجوز الطهارة به ولو كان رقيقا مع أن المخالط جامد "4".
استدلال الحنفية :
1 – قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } [النساء: 43] وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَاءٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْي تَعُمُّ ، فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ .
2 - قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: « التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْتَجِدْ الْمَاءَ » وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ .
3 – إن اسم الماء باق فيه ، واختلاط هذه الأشياء لا يمكن الاحتراز عنه .

مسألة :
حكم الماء المختلط به ما يوافقه في صفاته :
إذا اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته ؛كالماء المستعمل ؛ وماء الورد المنقطع الرائحة ؛ فهل تصح الطهارة به ؟
قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
1 – القول الأول : إن الماء المستعمل ؛ أو الماء المنقطع الرائحة اللذان يوافقان الماء في صفاته إذا اختلط بالماء الطهور يقدر ماء مخافا للماء الطهور في صفاته ؛ كلون العصير ؛ وطعم الرمان ؛ وريح اللاذن"5" ؛ فإن غير الماء بعد تقديره مخالفا لصفاته فهو غير طهور ؛ وإن لم يغير فهو طهور . وهو قول الشافعية " 6" ؛ ومذهب الحنابلة مثل مذهب الشافعية في غير الماء المستعمل ؛ اما في الماء المستعمل ؛ فقالوا : يعفى عن يسيره ؛ قالوا : وَهَذَا ظَاهِرُ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْأَقْدَاحِ وَالْأَتْوَارِ،وَيَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجِفَانِ، وَقَدْ رُوِيَ « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ هُوَ وَمَيْمُونَةُ مِنْ جَفْنَةٍفِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ » « وَاغْتَسَلَ هُوَ وَعَائِشَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍتَخْتَلِفُ أَيْدِيهِمَا فِيهِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ:أَبْقِ لِي » .
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَسْلَمُ مِنْ رَشَاشٍ يَقَعُ فِي الْمَاءِ ؛ دَلَّ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ، فَإِذًا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ ، فَمَا كَانَ كَثِيرًا مُتَفَاحِشًا مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ شَكَّ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَلَايَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ . " 7" .

دليل الشافعية :
أما دليل الشافعية فهو القياس على الحر إذاجني عليه دون الموضحة فإنه يقوم كأنه عبد . فكذا هنا يقدر الموافق كأنه غير موافق.
2 – القول الثاني : إن كان وزن الماء المستعمل ؛ وماء الورد المنقطع الرائحة أكثر من الماء الطهور أو مساوي له ؛ فلا تصح الطهارة به ؛ وإن كان أقل صحت الطهارة به . وهو مذهب الحنفية "8" .
3 – القول الثالث : لا يضر مثل هذا الاختلاط في طهورية الماء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بالحنيفية السمحاء ) ولأن الماء باق على أوصاف خلقته . وهذا هوالمعتمد عند المالكية "9" .
_________________
1 – المغني للإمام موفق الدين عبد الله بن احمد بن محمد ابن قدامة المقدسي ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ سنة الطباعة 2009 م ؛ ج1 ؛ ص 24 و 25 و 26 و 27 .
2 – المجموع شرح المهذب للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ( المتوفى:676هـ )ط : دارالفكر ؛ ج 1 ؛ ص 102 .
3 – مختصر خليل بهامش شرح الخرشي وحاشية العدوي ؛ ط :المكتبة العصرية ؛ الطبعة الأولى 2006 م ؛ ج 1 ؛ ص 138 .
4 – اللباب في شرح الكتاب للإمام عبد الغني الغنيمي الميداني ؛ ط : دار الكتاب العربي ؛ سنة الطباعة2003 م ؛ ج 1 ؛ ص 43 .
5 - اللاذن : نوع من العلوك يستعمل عطراً وداوء .
6 – أسنى المطالب شرح روض الطالب ؛ للإمام زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري ؛ ط : دارالكتاب الإسلامي ؛ ج 1 ؛ ص 7 .
7 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 29 ؛ و 30 .
8 – مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ؛ ط : دارالكتب العلمية بيروت – لبنان ؛ ص 27 .
9 – شرح الخرشي على مختصر خليل مع حاشية العدوي ؛ ط :المكتبة العصرية ؛ الطبعة الأولى 2006 م ؛ ج 1 ؛ ص 144 ؛ و 146 .
 
إنضم
2 سبتمبر 2012
المشاركات
423
الكنية
جلال الدين
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
انواكشوط -- أطار
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مجرد تنبيه : مسألة الموافق للماء المخالط له
مجرد ما فيها احتمالات عند ابن عطاء الله من المالكية ولهم فيها استظهاران منهم من تبع سند بن عنان في سلب الطهورية ومنهم من تبع ابن عبد السلام في طهوريته
وهناك ملاحظة أن الاستظهار هنا هو الأولى لأنها احتمالات لا أقوال ( الشرح الكبير مع الدسوقي1\40)

ويذكر عندهم أن ذكرها هو أيضا من باب كون الجواهر ذكرها تبعا للغزالي
والله أعلم
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مشكور على الاضافة .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

ويكره المشمس .
والمستعمل في فرض الطهارة قيل : ونفلها غير طهور في الجديد فَإِنْ جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة :
الماء المشمس :
1 – أولا :
معنى الماء المشمس :
الماء المشمس : هو المسخن بتأثير الشمس فيه "1" .
2 – ثانيا :
حكم استعمال الماء المشمس :
قد اختلف الفقهاء في حكم الماء المشمس على قولين :
1 – القول الأول : إن استعمال الماء المشمس مكروه بشروط ستأتي إن شاء الله تعالى . وهو مذهب الشافعية ؛ والمعتمد عند الحنفية "2" ؛ والمعتمد عند المالكية "3" .
وهو مكروه كراهة تنزيهية عند الشافعية "4" ؛ والحنفية "5" ؛ أي : إن الكراهة عند الشافعية ؛ والحنفية شرعية ؛ فيثاب على تركه .
وعند المالكية : مكروه كراهة طبية "6" ؛ فلا يثاب على تركه .
أدلة الشافعية والحنفية القائلين بالكراهة الشرعية :
1 - رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ - وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً بِالشَّمْسِ - : ( يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَفْعَلِي هذا فانه يورث البرص ) "7" .
2 - عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
( من اغْتسل بِمَاء مشمس فَأَصَابَهُ وضح فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه ) "8" ؛ "9"
3 – ما روي عن سيدنا عمر انه كره الماء المشمس ؛ وقال : إنه يورث البرص "10" ؛ "11" .
واستدل المالكية القائلون بأن الكراهة طبية : بأن حَرَارَةَ الشَّمْسِ لَا تَمْنَعُ مِنْ إكْمَالِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ "12" .
2 – القول الثاني : إن استعمال الماء المشمس غير مكروه ؛ وهو مذهب الحنابلة ؛ وترجيح الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع .
الأدلة :
1 - أَنَّهُ سُخِّنَ بِطَاهِرٍ ، فأَشْبَهَ مَا لو سُخِّنَ بِالنَّارِ .
2 – إن الحديث غير ثابت ؛ كما عرفنا .
3 - حُكِيَ عَنْ أَهْلِ الطِّبِّ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الضَّرَرِ.

3 – ثالثا :
شروط كراهة استعمال الماء المشمس :
1 - أَنْ يَكُونَ بِبِلَادٍ حَارَّةٍ : أَيْ تَقْلِبُهُ الشَّمْسُ عَنْ حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى .
2 - أَنْ يَكُونَ فِي آنِيَةٍ مُنْطَبِعَةٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ ، وَهِيَ كُلُّ مَا طُرِقَ كَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِ .
3 - أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيَحْتَبِسَ الدَّمُ فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ كَغَسْلِ ثَوْبِهِ فَلَا يُكْرَهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ الْمُعْتَدِلَةِ ، وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجِسٍ، وَلَوْ بِرَوْثِ نَحْوِ كَلْبٍ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ عَنْهُ وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا – أي : النار - ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي بِلَادٍ بَارِدَةٍ أَوْ مُعْتَدِلَةٍ ، وَبِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ فِي غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَالْخَزَفِ وَالْحِيَاضِ أَوْ فِي مُنْطَبِعِ نَقْدٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ "13" .

فائدة :
قال الإمام الرملي في كتابه ( نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ) : الْمِيَاهُ الْمَكْرُوهَةُ ثَمَانِيَةٌ :
الْمُشَمَّسُ .
وَشَدِيدُ الْحَرَارَةِ .
وَشَدِيدُ الْبُرُودَةِ .
وَمَاءُ دِيَارِ ثَمُودَ إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ .
وَمَاءُ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ .
وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ "14" .
وَمَاءُ أَرْضِ بَابِلَ .
وَمَاءُ بِئْرِ ذَرْوَانَ "15" "16" .

مسألة :
الماء المستعمل :
1 – أولا : معنى الماء المستعمل :
أ - معنى الماء المستعمل عند الحنفية :
قد اختلف الحنفية رحمهم الله تعالى في المراد بالماء المستعمل على قولين:
القول الأول : الماء المستعمل : هو كُلُّ مَاءٍ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ "17" وهو قول الإمام أبي يوسف ؛ وَقِيلَ : هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا .
القول الثاني : الماء المستعمل : هو كُلُّ مَاءٍ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ . وهو قول محمد رحمة الله على الجميع .
فقَوْلُهُ ( أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ ) بِأَنْ تَوَضَّأَ مُتَبَرِّدًا أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا الْوُضُوءَ أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ وَسَخٍ أَوْ تُرَابٍ وَهُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ مُحْدِثٌ .
وَقَوْلُهُ : ( عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ ) بِأَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ طَاهِرٌ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ .
وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
1 - إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَنَوَى الْقُرْبَةَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا
2 - وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَلَمْ يَنْوِهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا
3 - وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَنَوَاهَا صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ :
إمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ
أَوْ يَرْفَعَ بِهِ الْحَدَثَ
4 - وَالرَّابِعَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ وَهِيَ مَا إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَلَمْ يَنْوِهَا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا ؛ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا .
وَلَوْ كَانَ جُنُبًا وَاغْتَسَلَ لِلتَّبَرُّدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ .
وَقَوْلُهُ : ( فِي الْبَدَنِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ غُسَالَةِ الْجَمَادَاتِ كَالْقُدُورِ وَالْقِصَاعِ وَالْحِجَارَةِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا " 18" .

ب - معنى الماء المستعمل عند الشافعية :
الماء المستعمل عند الشافعية : هو ما أدي به ما لابد منه ؛ أثم الشخص بتركه أم لا ؛ عبادة كان أم لا .
قولهم : ( ما لابد منه ) أي : لصحة الصلاة مثلا ؛ وهو ماء المرة الاولى ؛ إذ لا تصح الصلاة من دون هذا الماء – وهو الوضوء الواجب – اما ماء المرة الثانية والثالثة فليس مما لا بد منه لصحة الصلاة ؛ فلا يسري عليه حكم الماء المستعمل الذي سياتي معنا إن شاء الله تعالى .
قولهم : ( أثم الشخص بتركه ) وذلك كَحَنَفِيٍّ تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ .
( أم لا ) كوضوء الصبي ؛ إذ لا بد لصحة صلاة الحنفي والصبي من الوضوء .
( عبادة كان ) وذلك كوضوء المكلف .
( أم لا ) وذلك كوضوء الذمية لتحل لحليلها المسلم "19" .

ج - معنى الماء المستعمل عند المالكية :
عرف المالكية الماء المستعمل بأنه : ما رفع به حدث ؛ أو أزيل به حكم خبث "20" .

د - معنى الماء المستعمل عند الحنابلة :
الماء المستعمل : هو ما استعمل في رفع حدث أكبر أو أصغر "21" ؛ أو إزالة نجاسة من آخر غسلة زالت بها النجاسة وهي الغسلة السابعة كما هو المذهب ، ولم يتغير أحد أوصاف الماء ( لونه أو طعمه أو ريحه) "22"

مسألة :
حكم الماء المستعمل في فرض الطهارة :
ذهب الإمام الشافعي في الجديد "23" ؛ والحنابلة في ظاهر مذهبهم "24" ؛ ومحمد من الحنفية وهو روايته عن الإمام أبي حنيفة وهو اختيار أكثر المشايخ من الحنفية "25" إلى أن الماء المستعمل في فرض الطهارة طاهر غير طهور فلا يجوز رفع الحدث به عند الشافعية والحنابلة والحنفية ؛ ولا إزالة الخبث به عند الشافعية والحنابلة ؛ وجاز عند الحنفية "26" .
الأدلة على طهارة الماء المستعمل :
1 - إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
2 – إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَّ عَلَى جَابِرٍ مِنْ وَضُوئِهِ إذْ كَانَ مَرِيضًا . وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ فِعْلُ ذَلِكَ .
3 – إن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ وَنِسَاءَهُ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي الْأَقْدَاحِ وَالْأَتْوَارِ وَيَغْتَسِلُونَ فِي الْجِفَانِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَسْلَمُ مِنْ رَشَاشٍ يَقَعُ فِي الْمَاءِ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ نَجِسًا لَنَجَّسَ الْمَاءَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ " 27" .

الدليل على عدم جواز رفع الحدث ولا إزالة الخبث بالماء المستعمل :
1 - قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ . مَنَعَ مِنْ الْغُسْلِ فِيهِ كَمَنْعِهِ مِنْ الْبَوْلِ فِيهِ ، فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُهُ مَنْعًا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ .
2 - وَلِأَنَّهُ أُزِيلَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةٍ أُخْرَى ، كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ "28" .
3إن الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ فِي أَسْفَارِهِمْ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ لِيَتَطَهَّرُوا بِهِ ، بَلْ عَدَلُوا عَنْهُ إلَى التَّيَمُّمِ "29" .

مسألة :
حكم المستعمل في غير فرض الطهارة :
وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ ، كَالتَّجْدِيدِ ، وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ؛ فالأصح في مذهب الإمام الشافعي الجديد أنه طهور "30" ؛ وهو إحدى الروايتين في مذهب الحنابلة ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ ، أَشْبَهَ مَاءْ تَبَرَّدَ بِهِ "31" والرواية الثانية في مذهب الحنابلة ؛ ومقابل الأصح عند الشافعية أنه غير طهور ؛ وذلك لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مَشْرُوعَةٌ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اغْتَسَلَ بِهِ مِنْ جَنَابَةٍ " 32"
أما الحنفية فعندهم : إذا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَنَوَى القربة صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا كما تقدم .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ مَشْرُوعَةً كالغسلة الرابعة ؛ فقال في المغني : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ مَشْرُوعَةً لَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهَا شَيْئًا ، وَكَانَ كَمَا لَوْ تَبَرَّدَ بِهِ ، أَوْ غَسَلَ بِهِ ثَوْبَهُ ، وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي التَّبَرُّدِ وَالتَّنْظِيفِ ، أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا "32" .

مسألة :
إذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وارتفع حدثه عند الشافعية "33" لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِارْتِفَاعِ حَدَثِهِ فِيهِ.
وعند الحنابلة : يصير مُسْتَعْمَلًا ولا يرتفع حدثه . لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ بِانْفِصَالِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ عَنْ بَدَنِهِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ فِيهِ شَخْصٌ آخَرُ. فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا ارْتَفَعَ حَدَثُهُ ، وَلَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ الْمَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ "34".

مسألة :
( إِنْ جُمِعَ ) المستعمل ( فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ ) عند الشافعية ؛ قياسا على النجس إذَا بَلَغَهُمَا بِلَا تَغَيُّرٍ ؛ فإنه يصبح طهورا ؛ بل المستعمل أولى "35"
ووجه الأولوية : أنه إذَا زَالَ الْوَصْفُ الْأَغْلَظُ وَهُوَ النَّجَاسَةُ بِالْكَثْرَةِ فَالِاسْتِعْمَالُ أَوْلَى "36" .
والقول الثاني عند الشافعية : أنه لا يصبح طهورا ؛ وفرق أصحاب هذا القول بين الماء المتنجس ؛ والماء المستعمل بأن وصف النجاسة يزول عن الماء إذا بلغ قلتين ولا تغير به ؛ أما وصف الاستعمال لا يزول "37" .
قلت : ومن تمام هذا التعليل أن يقال : فإن النجاسة وصف حسي يرى زواله ؛ والاستعمال وصف معنوي لا يرى زواله . والله تعالى أعلم .
وهذا الفرق ممنوع لأن الوصف بالنجاسة والاستعمال مَوْجُودٌ فِيهِمَا قَبْلَ الْجَمْعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْجَمْعُ عَنْ وَصْفِ النَّجَاسَةِ فَلَأَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ وَصْفِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الِانْتِقَالَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ إلَى الطَّهُورِيَّةِ فَقَطْ وَالِانْتِقَالَ فِي الْمُتَنَجِّسِ إلَى الطَّاهِرِيَّةِ وَالطَّهُورِيَّةِ مَعًا فَتَأَمَّلْ "38" .

مسألة :
ذهب المالكية إلى أن الماء المستعمل في رفع الحدث طهور يجوز رفع الحدث به لكن مع الكراهة " 39" ؛ واستدلوا :
1 - بقوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) قالوا : إن صيغة " فعول " تدل على المبالغة وهذا يقتضي جواز تكرر الطهارة مرة بعد أخرى .
2 - ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: [ إِن الماءَ طَهور لا يُنجِّسُهُ شَيء ] ، فدل على أن الأصل في الماء أنه طهور، وإستعماله هنا في رفع الحدث لم يؤثر في لونه ، ولا طعمه ، ولا ريحه فوجب البقاء على الأصل الموجب للحكم بطهوريته .
3 - قوله عليه الصلاة والسلام : [ إِن الماءَ لا يُجْنِب ] فدل على أن إستعمال الماء في رفع الجنابة ، أو الحدث عموماً لا يوجب سلبه الطهورية ، بل هو باقٍ عليها ما لم يتغير " 40" .
وإنما يكره عندهم في حال توفرت ثلاثة قيود :
أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا
وَأَنْ يَكُونَ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ لَا حُكْمِ خَبَثٍ
وَأَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْمَالُ الثَّانِي فِي رَفْعِ حَدَثٍ " 41" .
وعُلِّلَتْ كَرَاهَةُ الِاسْتِعْمَالِ بِعِلَلٍ سِتٍّ :
أَوَّلُهَا: لِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ.
ثَانِيهَا: لِأَنَّهُ رُفِعَ بِهِ مَانِعٌ.
ثَالِثُهَا: لِأَنَّهُ مَاءُ ذُنُوبٍ.
رَابِعُهَا: لِلْخِلَافِ فِي طَهُورِيَّتِهِ.
خَامِسُهَا: لِعَدَمِ أَمْنِ الْأَوْسَاخِ .
سَادِسُهَا: لِعَدَمِ عَمَلِ السَّلَفِ . وَأَوْجُهُ تِلْكَ الْعِلَلِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ" 42"
وإن استعمل في طهارة مستحبة ؛ كالغسلة الثانية ؛ والثالثة ؛ وتجديد الوضوء ؛ فهل يكره ؟ قولان : والأظهر : نعم "43" .
_______________________________________
1 - الموسوعة الفقهية الكويتية ؛ صادر عن : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت ؛ الطبعة الثانية ، طبع الوزارة ؛ ج 39 ؛ ص 363 .
2 – حاشية الإمام ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الثانية 2003 م ؛ 1424 ه ؛ ج 1 ؛ ص 325 .
3 – الشرح الكبير على مختصر خليل ؛ للشيخ أحمد الدردير ؛ ط : دار الفكر ؛ ج 1 ؛ 45 .
4 – نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ؛ للإمام شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي ؛ ط : دار الفكر، بيروت ؛ ط أخيرة - 1404هـ/1984م ؛ ج 1 ؛ ص 69
5 - حاشية الإمام ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 325 .
6 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ للإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ؛ ط : دار الفكر - بدون تاريخ – ج 1 ؛ ص 45 .
7 – رواه البيهقي . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ .
8 – أورده الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ؛ وأوضح أن فيه عمر بن صبح . قال : وهو كذاب ؛ وفيه : أن الضحاك – الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس – لم يلق ابن عباس .
9 - كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار ؛ أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى الحسيني الحصني، تقي الدين الشافعي ؛ ط : مؤسسة الرسالة ؛ الطبعة الأولى ؛ 2000 م ؛ ج 1 ؛ ص 15 .
10 - الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ؛ الدكتور مُصطفى الخِنْ، الدكتور مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي ؛ دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق ؛ الطبعة: الرابعة ، 1413 هـ - 1992 م ؛ ج1 ؛ ص 32 .
11 – قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ .
12 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 45 .
13 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ؛ المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي ؛ ط : الفيحاء ؛ دار المنهل ناشرون ؛ ج 1 ؛ ص
14 – وَادٍ بِالْيَمَنِ . جَاءَ أَنَّ فِيهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ .
15 – الموضع الذي وضع فيه ما سحر به النبي صلى الله عليه وسلم .
16 – نهاية المحتاج ؛ شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي ؛ دار الفكر، بيروت ؛ ط أخيرة - 1404هـ/1984م ؛ ج 1 ؛ ص 71 ؛ و 72 .
17 - مختصر القدوري بهامش اللباب ؛ ص 46 ؛ و 47 .
18 - الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ؛ المؤلف: أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي ؛ ط : المطبعة الخيرية ؛ الطبعة : الأولى، 1322هـ ؛ ج 1 ؛ ص 16 .
19 – حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي على متن أبي شجاع ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الرابعة 2004 م ؛ ج 1 ؛ ص 56 .
20 – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 41 .
21 - كشاف القناع عن متن الإقناع ؛ منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ ج 1 ؛ ص 32 .
22 - الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ ؛ أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ ؛ دار الفكر - سوريَّة - دمشق
؛ ج 1 ؛ ص 276 .
23 – كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين ؛ جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الثانية 2003 م ؛ ج 1 ؛ ص 30 .
24 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 34 .
25 – الاختيار لتعليل المختار ؛ الإمام عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي ؛ ط : دار قباء ؛ ج 1 ؛ ص 26 .
26 – مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ؛ ج 1 ؛ ص 22 .
27 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 35 .
28 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 36 .
29 – كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين ؛ ج 1 ؛ ص 30 .
30 – نفس المكان .
31 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 37 .
32 – نفس المكان .
33 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 122 .
34 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 38 .
35 - تحفة المحتاج في شرح المنهاج ؛ المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي ؛ الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد ؛ عام النشر: 1357 هـ - 1983 م ؛ ج 1 ؛ ص 79 .
36 – حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ؛ الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد ؛ عام النشر: 1357 هـ - 1983 م ؛ ج 1 ؛ ص 80 .
37 – كنز الراغبين ؛ ج 1 ؛ ص 31 . بتصرف .
38 – حاشية القليوبي ؛ ج 1 ؛ ص 31 .
39 – مختصر خليل بهامش شرح الخرشي وحاشية العدوي ؛ ج 1 ؛ ص 147 .
40 – انظر الأدلة في شرح الشيخ محمد مختار الشنقيطي على زاد المستقنع ؛ الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء - الإدارة العامة لمراجعة المطبوعات الدينية، الرياض - المملكة العربية السعودية ؛ الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م ؛ ص 50 .
41 - الشرح الصغير هو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ؛ دار المعارف ؛ ج 1 ؛ ص 39 .
42 - بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير ؛ أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي ، الشهير بالصاوي المالكي ؛ دار المعارف ؛ ج 1 ؛ ص 38 .
43 – سراج السالك شرح أسهل المسالك ؛ السيد عثمان بن حسنين بري الجعلي المالكي ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ ج 1 ؛ ص 58 .
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

وجزاك الله خيرا أخي العزيز .
 
إنضم
28 فبراير 2011
المشاركات
170
التخصص
القراءات العشر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

بسم الله
قال الحطاب فى شرح خليل ( وكلام سند فى الطراز يقتضى كراهته ونصه فرع كره وضوء بالماء المسخن بالشمس من جهة الطب وهو قول الشافعى )
وانظر ذلك مع قول الامام الشافعى فى الام ولا اكره المشمس الا من جهة الطب فالامام سند سوى بين مذهب مالك والامام الشافعى فيظهر والله اعلم ان الكراهة عند المالكية تنزيهية ايضا كما عندنا معاشر الشافعية
ويدل على ذلك نص الامام الحطاب على ان الكراهة شرعية يثاب على تركها خلافا لابن فرحون من المالكية
قول من قال ان الطب لم يثبت فى المشمس كراهة مردود عليه بقول ابن النفيس فى شرحه على التنبيه حيث قال (ان المشمس بشرطه يورث البرص لان جوهر المنطبع مركب من الزئبق والكبريت ومن شان الشمس تصعيد الزئبق فاذا كانت قوية بحيث لاتعجز عن تصعيد قدر يعتد به من الزئبق ولا تقوى على تحليل ما تصاعد منه خالط الماء الزئبق فاذا لاقى البشرة من خارج غاص فى المسام واضعف القوة بما فى الزئبق من السمية فيحدث البرص الى ان قال واما الذهب فامتزاجه شديد جدا فلا تقو الشمس على تصعيد اجزاء زئبقية من الا اذا كانت شديدة جدا وحينئذ تقوى على تحليل المتصاعد من فى الماء واجاب عن كون الاطباء لم يذكروه بان حصول هذا الشرط قليل جدا وهو من الاسباب الضعيفة فى حصول البرص واجاب عن ان الزئبق نفسه لا يورث البرص بانه اذا لم تتصعد ( تحلل ) اجزؤه قد لا ينفذ الى المسام قال على انا لانمنع من احداث ذلك البرص )
قال اصحابنا وبسبب توهم الضرر من المشمس كره ولم يحرم لقوله ( ص) " دع ما يريبك الى مالا يريبك "

 
إنضم
28 فبراير 2011
المشاركات
170
التخصص
القراءات العشر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

اما قول الحنفية بجواز ازالة النجس بالماء المستعمل فمبنى على جواز ازالتها بكل مائع طاهر لا دهنية فيه وقد اجبنا عن ادلتهم وبينا فساد قولهم بما فيه الكفاية اول المشاركات
واما قول المالكية فنقول
لنا قوله ( لا يغتسلن احدكم فى الماء الدائم وهو جنب ) < وهو جنب > جملة حال وهى صفة لصاحبها مقيدة لعاملها فالنبي نهى عن الاغتسال والحال هذه لئلا يقسد الماء بالاستعمال ولا يقال انما نهى لئلا يصير الماء قذرا لانا نقول لو كان هذا هو المراد لنهى عن مطلق الاغتسال ولم يقيده بالجنابه
ولنا ان الماء المستعمل ليس بمطلق عند ارباب العرف واللسان والامر بالطهارة فى القران لايتناول الا المطلق لتبادره للاذهان
قالوا لنا ان النبى مسح راسه بفضل ماء كان فى يده
قلنا يحتمل انه ماء الغسلة الثانية او الثالثة اذ من عادة النبي عدم الاقتصار على الاولى ومع الاحتمال سقط الاستدلال
قالوا طهور فى قوله تعالى ( ماء طهورا ) يقتضى التكرار
قلنا واتى وزن فعول فى اللغة على اسم الاله نحو سحور فطور
ولو سلم لقلنا نعم يطهر فى المحل الواحد الجزء بعد الجزء مالم ينفصل او ان المراد جنس الماء الصادق بالكثير والكثير لا يثبت فيه الاستعمال
اما استدلالهم بقوله ( ص) ان الماء لا يجنب وبقوله الماء طهور لاينجسه شئ
فلا يتم لاحتمال ان ال فى الماء العهد الذكرى اذ النبي سئل عن بئر بضاعة فقال الماء طهور .... وهى ماء كثير ولو سلم ان ال للاستغراق لقلنا هذا عام دخله التخصيص بما تقدم من ادلة
ولنا الاجماع على ان من معه ماء لايكفيه قيل يستعمله وقيل لا ويتيمم ولم يقل احد من السلف يستعمله ويجمعه لستعمله ثانياولا يقال لم يقل احد ذلك لاستقذار ذلك الماء لانا نقول الاجماع منعقد على جواز استعمال الماء الاجن ( المتعفن ) مع وجود غيره وعلى وجوب استعماله عند فقد غيره
 
إنضم
28 فبراير 2011
المشاركات
170
التخصص
القراءات العشر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

اما قول الحنابله لو انغمس محدث فى الماء القليل لم يرتفع الحدث للنهى ولصيرورة الماء مستعملا بالانغماس فغير ظاهر
لانا نقول النهى منفك الجهة على انا نقول النهى للكراهة ما دام الماء له
اما قولهم الماء يصير مستعملا بالانغماس يلزم عليه -بموجب القياس الجلى - ان الما اذا تردد على عضو لم ينتقل من جزء الى اخر حتى يصير مستعملا وهذا لم يقل به احد اذا الماء لا يصير مستعملا الا بعد تمام الانفصال عن الاعضاء
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

جزاك الله خيرا .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

ولا تنجس قلتا الماء بملاقاة نجس ؛ فإن غيره فنجس ؛ فإن زال تغيره بنفسه أو بماء طهر ؛ أو بمسك وزعفران فلا ؛ وكذا تراب وجص في الأظهر .
ودونهما ينجس بالملاقاة ؛ فإن بلغهما بماء ولا تغير به فطهور فلو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغهما لم يطهر وقيل : طاهر لا طهور ؛ ويستثنى ميتة لا دم لها سائل فلا تنجس مائعا على المشهور وكذا في قول نجس لا يدركه طرف .قلت : ذا القول أظهر والله أعلم .
والجاري كراكد وفي القديم لا ينجس بلا تغير . والقلتان خمسمائة رطل بغدادي تقريبا في الأصح والتغير المؤثر بطاهر أو نجس طعم أو لون أو ريح.

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة :
اتفق العلماء رحمهم الله تعالى عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي غَيَّرَتِ النَّجَاسَةُ إِمَّا طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍة مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَلَا الطُّهُورُ "1" .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى : فَأَمَّا نَجَاسَةُ مَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ لِلْمَاءِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رَائِحَةً ، أَنَّهُ نَجِسٌ مَا دَامَ كَذَلِكَ . وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : « الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ "2" .

مسألة :
اتفق العلماء رحمهم الله تعالى عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الكثير لَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ الَّتِي لَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ "3" .
واختلفوا في حد الماء الكثير على أقوال :
1 – القول الأول : إن الماء الكثير هو ما بلغ قلتين فأكثر ؛ وهو قول الشافعية "4" ؛ والحنابلة "5" .
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) "6" رواه ابن ماجة .
وَالْقُلَّةُ : هِيَ الْجَرَّةُ ، سُمِّيت قُلَّةً لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْأَيْدِي ، أَيْ تُحْمَلُ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا } "7" " 8"
والمراد : قلال ( هجر ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ " 9" ؛ وَلَيْسَتْ هَجَرَ الْبَحْرَيْنِ " 10" ومقدار قلتي هجر خمسمئة رطل عراقي " 11" وهي مايقارب : 186 لترا .
وإنما خصصوا القلتين بقلال هجر لوجهين:
الوجه الأول : أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مُبَيَّنًا، رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ، فِي " مَعَالِمِ السُّنَنِ " بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
الوجه الثاني : أَنَّ قِلَالَ هَجَرَ أَكْبَرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِلَالِ ، وَأَشْهُرُهَا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ : وَهِيَ مَشْهُورَةُ الصَّنْعَةِ ، مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ . لَا تَخْتَلِفُ كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الصِّيعَانُ وَالْمَكَايِيلُ ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَقَعُ بِالْمَجْهُولِ " 12"
مسألة :
هَلْ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَحْدِيدًا أَوْ تَقْرِيبًا ؟
المعتمد عند الشافعية " 13" ؛ والحنابلة " 14" ؛ أن القلتين خمسمئة رطل تقريبا لا تحديدا .
واستدلوا :
بأن الَّذِينَ نَقَلُوا تَقْدِيرَ الْقِلَالِ لَمْ يَضْبِطُوهُمَا بِحَدٍّ ، إنَّمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُقَيْلٍ : أَظُنُّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ .
وَهَذَا لَا تَحْدِيدَ فِيهِ "15" .
وَفَائِدَةُ هَذَا ، أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ التَّحْدِيدَ ، فَنَقَصَ عَنْ الْحَدِّ شَيْئًا يَسِيرًا، لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَنَجِسَ بِوُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ .
وَمَنْ قَالَ بِالتَّقْرِيبِ عُفِيَ عَنْ النَّقْصِ الْيَسِيرِ عِنْدَهُ ، وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يُقَارِبُ الْقُلَّتَيْنِ، إنْ شَكَّ فِي بُلُوغِ الْمَاءِ قَدْرًا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ أَوْ لَا يَدْفَعُهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا، يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا قَبْلَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَشَكَّ هَلْ يَنْجُسُ بِهِ أَوْ لَا ؟ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ .
وَالثَّانِي يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قِلَّةُ الْمَاءِ، فَنَبْنِي عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ "16".
2 – القول الثاني : إن الماء الكثير لا يتقدر بالقلتين فأكثر ؛ وهو قول الحنفية رحمهم الله تعالى ؛ وقد اختلفوا في تقدير الماء الكثير على اثني عشر قولا "17" :
أولا : إن الماء الكثير هو الذي إذا اغتسل في طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر فإن تحرك لا يجوز الوضوء منه ولا الاغتسال عند وقوع النجاسة . و صورة هذا أن يغتسل إنسان في جانب منه اغتسالا وسطا فلم يتحرك الجانب الآخر والثاني. وهو قول أبي يوسف ؛ وهو روايته عن الإمام أبي حنيفة رحمهم الله تعالى . لأن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد منها إلى التوضؤ .
ثانيا : إن الماء الكثير هو الذي إذا حرك بيده طرفا منه لا يتحرك الطرف الآخر ؛ وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ؛ وعن الإمام أبي حنيفة رحمهما الله تعالى . لأنه أخف فكان الاعتبار به أولى توسعة على الناس.
ثالثا : إن الماء الكثير هو الذي إذا توضأ في طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر فإن تحرك لا يجوز الوضوء منه ولا الاغتسال عند وقوع النجاسة . وهو قول محمد ؛ وقد رجع عنه .
رابعا : إن الماء الكثير هو ما مساحته عشرة أذرع في عشرة أذرع "18" ؛ وعليه الفتوى "19" .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَنْجَسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَالْكَثِيرُ لَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ: « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ » وَاعْتَبَرْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ. فَنَقُولُ : كُلُّ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَامْتَحَنَ الْمَشَايِخُ الْخُلُوصَ بِالْمِسَاحَةِ فَوَجَدُوهُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَقَدَّرُوهُ بِذَلِكَ تَيْسِيرًا "20" .
خامسا : إن الماء الكثير مَوْكُولٌ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي خُلُوصِ النَّجَاسَةِ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ . قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق : وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ تَجْرِي مَجْرَى الْيَقِينِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الرَّائِي وَظَنِّهِ . . . وَهَكَذَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبُ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ "21" .
سادسا : يلقي فيه قدر النجاسة صبغ فإن لم يظهر أثره في الجانب الآخر لا ينجس، حكي عن أبي حفص الكبير في " المبسوط " و" البدائع " .
سابعا : يعتبر بالتكدر روي عن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام ذكره في " البدائع " و" المفيد ".
ثامنا : إذا كانت ثمانيا في ثمان قاله محمد بن سلمة .
تاسعا : قدر بعضهم اثني عشر في اثني عشر أخذ من مسجد محمد بن الحسن من خارجه؛ لأنه لما سئل عن ذلك قال: مثل مسجدي هذا، فمسحوه من داخله فكان ثمانيا في ثمان ومن خارجه كان اثني عشر في اثني عشر.
عاشرا : خمسة عشر في خمسة عشر قاله عبد الله بن المبارك ثانيا وبه أخذ أبو المطيع البلخي، وقال: أرجو أن يجوز.
الحادي عشر: عشرين في عشر . قال أبو مطيع : حينئذ لا أجد في قلبي شيئا.
الثاني عشر: عن محمد بن الحسن لو انغمس رجل في جانب لا يتحرك الجانب من ساعته ، وهذا قريب من معنى ما تقدم .
قال في البناية : فإن قلت: نصب المقدرات بالرأي لا يجوز وكيف اخترتم في حد الماء الكثير بالعشر في العشر وما استنادكم وهذا كل أحد من الأئمة الثلاثة استند في هذا الباب على الأثر.
أما مالك فإنه اعتمد على حديث أبي سعيد الخدري وقال: إن الماء لا ينجس بشيء إلا إذا تغير أحد أوصافه وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وعبد الله بن وهب وإسماعيل بن إسحاق ومحمد بن بكير والحسن بن صالح وبه قال أحمد في رواية.
وأما الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه اعتبر القلتين بالحديث الوارد فيهما وبه قال أحمد في المشهور عنه.
وقالت الظاهرية : الماء لا ينجس أصلا سواء كان جاريا أو راكدا وسواء كان قليلا أو كثيرا تغير طعمه أو لونه أو ريحه أو لم يتغير لظاهر حديث أبي سعيد الخدري. وقال ابن حزم في " المحلى " : وممن روي عنه القول مثل قولنا: إن الماء لا ينجسه شيء : عائشة أم المؤمنين ؛ وعمر بن الخطاب ؛ وعبد الله بن مسعود ؛ وعبد الله بن عباس ؛ والحسن بن علي بن أبي طالب ؛ وميمونة أم المؤمنين ؛ وأبو هريرة ؛ وحذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والأسود بن يزيد ؛ وعبد الرحمن أخوه ؛ وعبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ وسعيد بن جبير ؛ ومجاهد ؛ وسعيد بن المسيب ؛ والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ؛ والحسن البصري ؛ وعكرمة ؛ وجابر بن زيد ؛ وعثمان البتي ؛ وغيرهم .
قلت : حديث بئر بضاعة يصلح أن يكون استنادا في التقدير بالعشر . بيان ذلك أن محمدا لما سئل عن ذلك قال : إن كان قدر مسجدي فهو كثير فلما قاسوه وجدوه ثمانيا في ثمان من داخله وعشرا في عشر من خارجه ؛ وقيل : اثني عشر في اثني عشر، وكان وسع بئر بضاعة ثمانيا في ثمان، والدليل عليه ما قاله أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي مددتها عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي الباب وأدخلني إليه هل غيرتموها عما كانت عليه ؟ فقال : لا ، ورأيت الماء فيها متغير اللون ، انتهى .
فإذا كان عرضها ستة أذرع يكون طولها أكثر منها ؛ لأن الغالب أن يكون الطول أمد من العرض، ولو كانت البئر مدورة يقال : فإذا دورها ستة أذرع فإن أضيف ما في الطول من الزيادة إلى العرض يكون مقداره الثمانية أو أكثر؛ لأن منشأ ذلك على التقدير لا على التحرير، فأخذ محمد من هذا ولكن ما اعتبر إلا خارج مسجده الأصلي للاحتياط في باب العبادات "22"
أقول : تبين من خلال عرض أقوال أئمة الحنفية رحمهم الله تعالى في تقدير الماء الكثير يتبين لنا أن المعتمد عندهم هو القول الرابع ؛ أو القول الخامس ؛ فهذان القولان هما المنصوران عندهم ؛ ولهذا قال صاحب الهداية - ناصرا للقول الرابع - : وعليه الفتوى . وقال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق – معتمدا القول الخامس – قال : وَهَكَذَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبُ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ . وقد مر كل هذا . والله تعالى أعلم .
3 – القول الثالث : وهو قول المالكية . قالوا : الْيَسِيرُ: مَا كَانَ كَآنِيَةِ الْمُغْتَسِلِ كَالصَّاعِ وَالصَّاعَيْنِ وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ " 23" .
______________________________
1 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد ؛ المؤلف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الرابعة ؛ 2010 ؛ ص 29 .
2 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 41 .
3 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد ؛ ص 29 .
4 – عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج ؛ سراج الدين عمر بن علي بن أحمد المعروف بابن النحوي والمشهور بابن الملقن ؛ دار الكتاب الثقافي ؛ 2001 ؛ ج 1 ؛ ص 67 .
5 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 41 .
6 – زاد المحتاج ؛ للعلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن الحسن الكوهجي ؛ ط : المكتبة العصرية ؛ 1988 ؛ ج 1 ؛ ص 19 .
7 - الأعراف: 57 .
8 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 39 .
9 – فتح الوهاب شرح منهج الطلاب ؛ لشيخ الإسلام زكريا بن محمد بن احمد الأنصاري ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الأولى ؛ 1996 ؛ ج 1 ؛ ص 69 .
10 – حاشية الجمل على فتح الوهاب ؛ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي المصري الشافعي ؛ ط : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الأولى ؛ 1996 ؛ ج 1 ؛ ص 69 .
11 – متن الغاية والتقريب ؛ بشرح كفاية الأخيار ؛ ج 1 ؛ ص 22 .
12 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 40 .
13 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 87 .
14 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 46 .
15 – نفس المكان .
16 – نفس المكان .
17 - البناية شرح الهداية ؛ المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى ؛ الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان ؛ الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م ؛ ج 1 ؛ ص 384 وما بعدها .
18 - المختار للفتوى بهامش الاختيار ؛ ج 1 ؛ ص 24 .
19 - الهداية في شرح بداية المبتدي ؛ المؤلف: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين ؛ المحقق: طلال يوسف ؛ الناشر: دار احياء التراث العربي - بيروت – لبنان ؛ ج 1 ؛ ص 22 .
20 - الاختيار لتعليل المختار ؛ ج 1 ؛ ص 24 .
21 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ؛ المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري ؛ وفي آخره: تكملة البحر الرائق لمحمد بن حسين بن علي الطوري الحنفي القادري ؛ وبالحاشية : منحة الخالق لابن عابدين ؛ الناشر: دار الكتاب الإسلامي ؛ ج 1 ؛ ص 79 .
22 – البناية ؛ ج 1 ؛ ص 386 .
23 - الشرح الصغير وهو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بهامش حاشية الصاوي ؛ ج 1 ؛ ص 39 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة :
قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغير أحد أوصافه على قولين :
1 – القول الأول : إن هذا الماء متنجس ؛ وهو قول الحنفية "1" ؛ والشافعية ؛ وظاهر مذهب الحنابلة "2" .
2 – القول الثاني : إن هذا الماء طهور ؛ فتصح الطهارة به لكن مع الكراهة ؛ وهو المعتمد عند المالكية ؛ لكنهم قيدوا الكراهة في حالة اختلط بالماء نجس فوق القطرة أما القطرة فما دونها فلا كراهة فيهما "3" .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ هُوَ تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ :
فقد روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ) "4" فهذا الحديث يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ قَلِيلَ الْمَاءِ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ) "5" فَإِنَّهُ يُوهِمُ بِظَاهره أَيْضًا أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ قَلِيلَ الْمَاءِ.
وَكَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اغْتِسَالِ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ "6" .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الثَّابِتُ: ( أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَنُوبِ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ ) "7"
فَظَاهِرُهُ أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ لَا يُفْسِدُ قَلِيلَ الْمَاءِ، إِذْ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ قَدْ طُهِّرَ مِنْ الذَّنُوبِ .
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَذَلِكَ أَيْضًا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ : ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ " إِنَّهُ يُستَقَى مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَالْمَحَائِضُ وَعَفَرَةُ النَّاسِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) "8"
فاختلف العلماء في طريق الجمع بين هذه الأحاديث الشريفة ؛ فَاخْتَلَفَتْ لِذَلِكَ مَذَاهِبُهُمْ :
فأما أصحاب المذهب الأول فجمعوا بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِأَنْ حَمَلَا حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ، وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ.
وذهب الشافعية والحنابلة إِلَى أَنَّ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأَحَادِيثَ هُوَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ قَالَ : ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ ؟ فَقَالَ : إِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا )
وأما أصحاب المذهب الثاني فحملوا حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ على الْكَرَاهِيَةِ، وَحَمَلَ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى ظَاهِرِهِمَا ( أَعْنِي عَلَى الْإِجْزَاءِ ) "9"

مسألة :
قد اختلف أصحاب المذهب الأول في الماء الجاري ؛ أيكون كالراكد ؛ فقليله ينجس بوقوع النجاسة وإن لم يتغير ؟ أم لا ينجس إلا بالتغير ؟ على مذهبين :
أ – المذهب الأول : إن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير ؛ وهو مذهب الحنفية "10" ؛ والحنابلة "11" ؛ والقول القديم للإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
الأدلة :
1 – إن الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي تَنْجِيسِهِ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ .
2 – إنه يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ - : ( الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) ، وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : ( الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ ) "12"
ب – المذهب الثاني : إن الماء الجاري كالراكد ؛ فقليله ينجس بوقوع النجاسة وإن لم يتغير ؛ وهو مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى .
واستدلوا : بمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ "13" لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجَرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ ، فَإِذَا كَانَتْ الْجَرْيَةُ وَهِيَ الدَّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ أَتَغَيَّرَ أَمْ لَا "14"

مسألة :
كيفية تطهير الماء المتنجس :
الماء المتنجس لا يخلوا إما أن يكون :
1 – دون القلتين .
2 – قلتين .
3 – فوق القلتين .
فإن كان دون القلتين ؛ فعند الشافعية يطهر بالمكاثرة بالماء إذا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ – ولا تغير به - فَيَصِيرُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا ) فَلَوْ فَرَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ التَّفْرِيقُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ "15" .
واشترط الحنابلة أن يكون المضافُ كثيراً ؛ لأنَّنا لو أضفنا قليلاً تنجَّس بملاقاة الماء النَّجس "16" .
فإن كوثر بإيراد طهور فلم يبلغ قلتين ؛ فالمعتمد عند الشافعية أنه متنجس ؛ وذلك لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ ؛ ولِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيل فِيهِ نَجَاسَةٌ ، وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ غَاسِلًا لَا مَغْسُولًا .
وقيل : هو طاهر بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ قِيَاسًا لِلْمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ "17" .
فإن كان قلتين ؛ فيطهر عند الشافعية بأحد أمرين :
أ - أَنْ يَزُولَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ .
ب - أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ .
فإن كان أكثر من قلتين ؛ فيطهر عند الشافعية بأحد أمور ثلاثة :
أ - أَنْ يَزُولَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ .
ب - أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ .
ج - أَنْ يُؤْخَذَ بعضه والباقي قلتان فأكثر "18" .

مسألة :
إن زال تغير الماء المتنجس لا بمكاثرة ماء ؛ ولا بنفسه ؛ فهل يطهر ؟
ذهب الشافعية إلى أن الماء إن زال تغيره بمسك أو زعفران أو خل ونحو ذلك مما يوهم زوال اللون أو الطعم أو الرائحة ؛ فلا يطهر بل هو متنجس لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ أَوْ اسْتَتَرَ بَلْ الظَّاهِرُ الِاسْتِتَارُ .
ومثل ذلك لو زال تغيره بتراب وجص على المعتمد للشك المذكور "19" .
والقول الثاني : يَطْهُرُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُسْتَرُ التَّغْيِيرُ .
وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يُكَدِّرُ الْمَاءَ ، وَالْكُدْرَةُ مِنْ أَسْبَابِ السَّتْرِ، فَإِنْ صَفَا الْمَاءُ، وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِ طَهُرَ هُوَ وَالتُّرَابُ مَعَهُ جَزْمًا "20" .
وقال المالكية : إن الماء الكثير إن زال تغيره بمضاف طاهر ؛ أو طين أو تراب ولم يظهر فِيهِ أَحَدُ أَوْصَافِ مَا أُلْقِيَ فِيهِ ، فهو طهور ؛ فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا نَصَّ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ نَجَاسَتَهُ ؛ وَبَعْضُهُمْ طَهُورِيَّتَهُ"21" .
وقال الحنابلة : إِنْ كُوثِرَ بِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَزَالَ تَغَيُّرُهُ، أَوْ طُرِحَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ مَائِعٌ غَير الْمَاءَ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ كَالْمَاءِ النَّجِسِ.
وَالثَّانِي : يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ نَجَاسَتِهِ التَّغَيُّرُ، وَقَدْ زَالَ ، فَيَزُولُ التَّنْجِيسُ ، كَمَا لَوْ زَالَ بِمُكْثِهِ، وَكَالْخَمْرَةِ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا "22" .

مسألة :
البئر الذي وقعت فيه نجاسة :
قال الشافعية : إذَا قَلَّ مَاءُ الْبِئْرِ وَتَنَجَّسَ لَمْ يَطْهُرْ بِالنَّزْحِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا، وَقَدْ تَتَنَجَّسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا بِالنَّزْحِ بَلْ بِالتَّكْثِيرِ كَأَنْ يُتْرَكَ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ لِيَكْثُرَ وَلَوْ كَثُرَ الْمَاءُ، وَتَفَتَّتَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا فَهُوَ طَهُورٌ وَيَعْسُرُ اسْتِعْمَالُهُ بِاغْتِرَافِ شَيْءٍ مِنْهُ كَدَلْوٍ إذْ لَا يَخْلُو مِمَّا تَمَعَّطَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ الْمَاءُ كُلُّهُ لِيُخْرَجَ الشَّعْرُ مَعَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فَوَّارَةً وَتَعَسَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ نُزِحَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ خَرَجَ مَعَهُ فَإِنْ اغْتَرَفَ مِنْهُ قَبْلَ النَّزْحِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ فِيمَا اغْتَرَفَهُ شَعْرًا لَمْ يَضُرَّ"23" .
وقال المالكية : إِذَا مَاتَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ؛ أَيْ : دَمٍ سَائِلَةٍ ؛ أَيْ : جَارِيَةٍ بمَاءٍ رَاكِدٍ غَيْرِ مُسْتَبْحَرٍ جِدًّا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ نُدِبَ نَزْحٌ مِنْهُ لِتَزُولَ الرُّطُوبَاتُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ فِيهِ عِنْدَ فَتْحِهِ وَقْتَ خُرُوجِ رُوحِهِ وَيُنْقِصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ لِئَلَّا تَطْفُوَ الدُّهْنِيَّةُ فَتَعُودَ لِلْمَاءِ وَيَكُونَ النَّزْحُ (بِقَدْرِهِمَا) أَيْ بِقَدْرِ الْحَيَوَانِ وَالْمَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ وَصِغَرِ الْحَيَوَانِ وَكِبَرِهِ فَيَقِلُّ النَّزْحُ مَعَ صِغَرِ الْحَيَوَانِ وَكَثْرَةِ الْمَاءِ وَيَكْثُرُ مَعَ كِبَرِهِ وَقِلَّةِ الْمَاءِ وَيُتَوَسَّطُ فِي عِظَمِهِمَا وَصِغَرِهِمَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى ظَنِّ زَوَالِ الرُّطُوبَاتِ وَكُلَّمَا كَثُرَ النَّزْحُ كَانَ أَحْسَنَ .
وَاحْتُرِزَ بِالْبَرِّيِّ عَنْ الْبَحْرِيِّ وَبِذِي النَّفْسِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْعَقْرَبِ وَبِالرَّاكِدِ عَنْ الْجَارِي فَلَا يُنْدَبُ النَّزْحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
لَا إنْ وَقَعَ الْبَرِّيُّ فِي الْمَاءِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَأُخْرِجَ حَيًّا فَلَا يُنْدَبُ النَّزْحُ ؛ لما مر من تَعْلِيلِ الرُّطُوبَاتِ "24" .
وقال الحنابلة : إذَا نُزِحَ مَاءُ الْبِئْرِ النَّجِسِ ، فَنَبَعَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَاءٌ ، أَوْ صُبَّ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْبِئْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَجِسَتْ جَوَانِبُ الْبِئْرِ، فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ :
إحْدَاهُمَا : يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ نَجَسٍ، فَأَشْبَهَ رَأْسَ الْبِئْرِ.
وَالثَّانِيَةُ : لَا يَجِبُ ؛ لِلْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِذَلِكَ ، فَعُفِيَ عَنْهُ ، كَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ ، وَأَسْفَلِ الْحِذَاءِ "25" .
وقال الحنفية : إِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ فَأُخْرِجَتْ ثُمَّ نُزِحَتْ طَهُرَتْ ؛ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا تَطْهُرُ، لِأَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ تَنَجَّسَ الطِّينُ، فَإِذَا نَزَحَ الْمَاءَ بَقِيَ الطِّينُ نَجِسًا، فَكُلَّمَا نَبَعَ الْمَاءُ نَجَّسَهُ لَكُنَّا خَالَفْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ الْآثَارِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَالُوهُ سَمَاعًا.
وَإِذَا وَقَعَ فِي آبَارِ الْفَلَوَاتِ مِنَ الْبَعْرِ وَالرَّوْثِ وَالْأَخْثَاءِ لَا يُنَجِّسُهَا مَا لَمْ يَسْتَكْثِرْهُ النَّاظِرُ؛ لِأَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ بِغَيْرِ حَوَاجِزَ، وَالدَّوَابُّ تَبْعَرُ حَوْلَهَا وَالرِّيَاحُ تُلْقِيهَا فِيهَا، فَكَانَ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةٌ دُونَ الْكَثِيرِ.
وَخُرْءُ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ لَا يُفْسِدُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عندهم .
وَإِذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا إِلَى ثَلَاثِينَ، وَفِي الْحَمَامَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ، وَفِي الْآدَمِيِّ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِجَمِيعُ الْمَاءِ، وَإِنِ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ "26" .

مسألة :
قال رحمه الله تعالى : ( ويستثنى ميتة لا دم لها سائل فلا تنجس مائعا على المشهور ) وهو مذهب الحنفية ؛ والحنابلة "27" ؛ وعند المالكية : لا كراهة بوقوع ما لا نفس له سائلة في الماء "28" .
الأدلة :
1 – قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً ) "29"
ومن المعلوم : أن الذباب قد يموت فيه ؛ فلو كان ينجسه لما أمرنا به "30" .
2 - مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا "31" .
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وكذا في قول نجس لا يدركه طرف ) أي : بصر؛ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ ؛ وهذا القول رجحه المصنف رحمه الله نعالى هنا .
والقول الثاني للشافعية ؛ وهو مذهب الحنفية ؛ والحنابلة : أن النجاسة التي لا يدركها البصر تضر بالماء فتنجسه ؛ وذلك قياسا عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ"32" .

مسألة :
قال رحمه الله تعالى : ( وَالتَّغَيُّرُ الْمُؤَثَّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ طَعْمٌ، أَوْ لَوْنٌ، أَوْ رِيحٌ ) وهذا مذهب الحنفية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة "33"
وذهب بعض الحنفية إلى أن الماء الجاري إن جرى نصفه فأكثر على النجاسة فهو متنجس ؛ وإن لم تتغير إحدى أوصافه ؛ وهو أحوط عندهم وقول مصحح "34" .
وذهب الخرشي من الحنابلة إلى اشتراط الكثرة في الرائحة إذا اختلط بالماء طاهر ؛ لِأَنَّ لَهَا سِرَايَةً وَنُفُوذًا، فَإِنَّهَا تَحْصُلُ عَنْ مُجَاوَرَةٍ تَارَةً، وَعَنْ مُخَالَطَةٍ أُخْرَى، فَاعْتُبِرَ الْكَثْرَةُ فِيهَا لِيُعْلَمَ أَنَّهَا عَنْ مُخَالَطَةٍ .
والمذهب عندهم التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ وَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَاءِ، فَأَشْبَهَتْ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ "35" .
والله تعالى أعلم .

___________________________________
1 – المختار للفتوى ؛ ج 1 ؛ ص 24 .
2 – الشرح الكبير على متن المقنع ؛ ج 1 ؛ ص 51 .
3 – شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه ؛ ج 1 ؛ ص 150 .
4 – أخرجه مسلم . انظر : المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري ؛ الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت ؛ ج 1 ؛ 233 .
5 – أخرجه مسلم بلفظ : ( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ) ج 1 ؛ ص 235 .
6 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 236 .
7 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 236 .
8 – سنن ابن ماجة ؛ المؤلف: ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد ؛ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ؛ الناشر: دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي ؛ ج 1 ؛ ص 173 .
9 – بداية المجتهد ونهاية المقتصد ؛ ج 1 ؛ ص 29 و 30 .
10 – تنوير الابصار بهامش الدر المختار ورد المحتار ؛ ج 1 ؛ ص 334 و 335 .
11 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 50 .
12 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 50 و 51 .
13 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 93 و 94 .
14 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 85 و 86 .
15 – المجموع ؛ ج 1 ؛ ص 136 .
16 - الشرح الممتع على زاد المستقنع ؛ المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين ؛ دار النشر: دار ابن الجوزي ؛ الطبعة: الأولى، 1422 - 1428 هـ ؛ ج 1 ؛ ص 56 .
17 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 90 .
18 - المهذب والمجموع ؛ ج 1 ؛ ص 132 .
19 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 77 .
20 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 88 .
21 – الشرح الكبير على مختصر خليل مع حاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 46 ؛ و 47 .
22 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 56 .
23 – حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج ؛ الإمام عبد الحميد الشرواني ؛ دار إحياء التراث العربي – بيروت ؛ ج 1 ؛ ص 88 .
24 – مختصر خليل بالشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 45 و 46 .
25 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 62 .
26 – المختار مع الاختيار ؛ ج 1 ؛ ص 27 و 28 .
27 – المختار للفتوى ؛ ج 1 ؛ ص 25 ؛ ومختصر الخرقي بهامش المغني والشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 63 .
28 – أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك ؛ ج 1 ؛ ص 24.
29 - الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري ؛ المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ؛ المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر ؛ الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) ؛ الطبعة: الأولى، 1422هـ ؛ ج 4 ؛ ص 130 .
30 – النجم الوهاج في شرح المنهاج ؛ للإمام محمد بن موسى بن عيسى الدميري ؛ دار المنهاج ؛ الطبعة الأولى 2004 م ؛ ج 1 ؛ 241 .
31 – شرح المحلي على المنهاج ؛ ج 1 ؛ ص 33 .
32 – مغني المحتاج ؛ ط : الفيحاء ؛ ج 1 ؛ ص 92 ؛ والمختار للفتوى ؛ ج 1 ؛ ص ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 49 .
33 – تنوير الأبصار ج 1 ؛ ص ؛ ومختصر خليل ج 1 ؛ ص 138 ؛ والمقنع بهامش المبدع ؛ المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين ؛ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان ؛ الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م ؛ ج 1 ؛ ص 28 .
34 – الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 336 .
35 – الخرشي و المغني ؛ ج 1 ؛ ص 28 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة :
قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغير أحد أوصافه على قولين :
1 – القول الأول : إن هذا الماء متنجس ؛ وهو قول الحنفية "1" ؛ والشافعية ؛ وظاهر مذهب الحنابلة "2" .
2 – القول الثاني : إن هذا الماء طهور ؛ فتصح الطهارة به لكن مع الكراهة ؛ وهو المعتمد عند المالكية ؛ لكنهم قيدوا الكراهة في حالة اختلط بالماء نجس فوق القطرة أما القطرة فما دونها فلا كراهة فيهما "3" . وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ هُوَ تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ :
فقد روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده )
"4" فهذا الحديث يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ قَلِيلَ الْمَاءِ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ) "5" فَإِنَّهُ يُوهِمُ بِظَاهره أَيْضًا أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ قَلِيلَ الْمَاءِ.
وَكَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اغْتِسَالِ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ "6" .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الثَّابِتُ: ( أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَنُوبِ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ ) "7" فَظَاهِرُهُ أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ لَا يُفْسِدُ قَلِيلَ الْمَاءِ، إِذْ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ قَدْ طُهِّرَ مِنْ الذَّنُوبِ .
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَذَلِكَ أَيْضًا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ : ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ " إِنَّهُ يُستَقَى مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَالْمَحَائِضُ وَعَفَرَةُ النَّاسِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) "8"
فاختلف العلماء في طريق الجمع بين هذه الأحاديث الشريفة ؛ فَاخْتَلَفَتْ لِذَلِكَ مَذَاهِبُهُمْ
:

فأما أصحاب المذهب الأول
فجمعوا بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِأَنْ حَمَلَا حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ، وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ.
وذهب الشافعية والحنابلة إِلَى أَنَّ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأَحَادِيثَ هُوَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ قَالَ : ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ ؟ فَقَالَ : إِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا )
وأما أصحاب المذهب الثاني فحملوا حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ على الْكَرَاهِيَةِ، وَحَمَلَ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى ظَاهِرِهِمَا ( أَعْنِي عَلَى الْإِجْزَاءِ ) "9"
مسألة :
قد اختلف أصحاب المذهب الأول في الماء الجاري ؛ أيكون كالراكد ؛ فقليله ينجس بوقوع النجاسة وإن لم يتغير ؟ أم لا ينجس إلا بالتغير ؟ على مذهبين :
أ – المذهب الأول : إن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير ؛ وهو مذهب الحنفية "10" ؛ والحنابلة "11" ؛ والقول القديم للإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
الأدلة :
1– إن الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي تَنْجِيسِهِ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ .
2 – إنه يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ - : ( الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) ، وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : ( الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ ) "12"
ب – المذهب الثاني : إن الماء الجاري كالراكد ؛ فقليله ينجس بوقوع النجاسة وإن لم يتغير ؛ وهو مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى .
واستدلوا : بمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ "13" لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجَرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ ، فَإِذَا كَانَتْ الْجَرْيَةُ وَهِيَ الدَّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ أَتَغَيَّرَ أَمْ لَا "14"
مسألة
:
كيفية تطهير الماء المتنجس : الماء المتنجس لا يخلوا إما أن يكون :
1– دون القلتين .
2 – قلتين .
3 – فوق القلتين .
فإن كان دون القلتين ؛ فعند الشافعية يطهر بالمكاثرة بالماء إذا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ – ولا تغير به - فَيَصِيرُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا ) فَلَوْ فَرَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ التَّفْرِيقُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ "15" .
واشترط الحنابلة أن يكون المضافُ كثيراً ؛ لأنَّنا لو أضفنا قليلاً تنجَّس بملاقاة الماء النَّجس "16" .
فإن كوثر بإيراد طهور فلم يبلغ قلتين ؛
فالمعتمد عند الشافعية أنه متنجس ؛ وذلك لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ ؛ ولِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيل فِيهِ نَجَاسَةٌ ، وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ غَاسِلًا لَا مَغْسُولًا .
وقيل
: هو طاهر بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ قِيَاسًا لِلْمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ "17" .
فإن كانقلتين ؛ فيطهر عند الشافعية بأحدأمرين :
أ - أَنْ يَزُولَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ .
ب - أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ .
فإن كان أكثر من قلتين ؛ فيطهر عند الشافعية بأحد أمور ثلاثة :
أ - أَنْ يَزُولَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ .
ب - أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ .

ج - أَنْ يُؤْخَذَ بعضه والباقي قلتان فأكثر
"18" .
مسألة :
إن زال تغير الماء المتنجس لا بمكاثرة ماء ؛ ولا بنفسه ؛ فهل يطهر ؟
ذهب الشافعية
إلى أن الماء إن زال تغيره بمسك أو زعفران أو خل ونحو ذلك مما يوهم زوال اللون أو الطعم أو الرائحة ؛ فلا يطهر بل هو متنجس لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ أَوْ اسْتَتَرَ بَلْ الظَّاهِرُ الِاسْتِتَارُ .
ومثل ذلك لو زال تغيره بتراب وجص على المعتمد للشك المذكور "19" .
والقول الثاني : يَطْهُرُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُسْتَرُ التَّغْيِيرُ . وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يُكَدِّرُ الْمَاءَ ، وَالْكُدْرَةُ مِنْ أَسْبَابِ السَّتْرِ، فَإِنْ صَفَا الْمَاءُ، وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِ طَهُرَ هُوَ وَالتُّرَابُ مَعَهُ جَزْمًا "20" .
وقال المالكية : إن الماء الكثير إن زال تغيره بمضاف طاهر ؛ أو طين أو تراب ولم يظهر فِيهِ أَحَدُ أَوْصَافِ مَا أُلْقِيَ فِيهِ ، فهو طهور ؛ فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا نَصَّ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ نَجَاسَتَهُ ؛ وَبَعْضُهُمْ طَهُورِيَّتَهُ"21" .
وقال الحنابلة : إِنْ كُوثِرَ بِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَزَالَ تَغَيُّرُهُ، أَوْ طُرِحَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ مَائِعٌ غَير الْمَاءَ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ كَالْمَاءِ النَّجِسِ.
وَالثَّانِي
: يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ نَجَاسَتِهِ التَّغَيُّرُ، وَقَدْ زَالَ ، فَيَزُولُ التَّنْجِيسُ ، كَمَا لَوْ زَالَ بِمُكْثِهِ، وَكَالْخَمْرَةِ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا "22" .
مسألة
:
البئر الذي وقعت فيه نجاسة :
قال الشافعية
: إذَا قَلَّ مَاءُ الْبِئْرِ وَتَنَجَّسَ لَمْ يَطْهُرْ بِالنَّزْحِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا، وَقَدْ تَتَنَجَّسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا بِالنَّزْحِ بَلْ بِالتَّكْثِيرِ كَأَنْ يُتْرَكَ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ لِيَكْثُرَ وَلَوْ كَثُرَ الْمَاءُ، وَتَفَتَّتَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا فَهُوَ طَهُورٌ وَيَعْسُرُ اسْتِعْمَالُهُ بِاغْتِرَافِ شَيْءٍ مِنْهُ كَدَلْوٍ إذْ لَا يَخْلُو مِمَّا تَمَعَّطَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ الْمَاءُ كُلُّهُ لِيُخْرَجَ الشَّعْرُ مَعَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فَوَّارَةً وَتَعَسَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ نُزِحَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ خَرَجَ مَعَهُ فَإِنْ اغْتَرَفَ مِنْهُ قَبْلَ النَّزْحِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ فِيمَا اغْتَرَفَهُ شَعْرًا لَمْ يَضُرَّ"23" .
وقال المالكية : إِذَا مَاتَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ؛ أَيْ : دَمٍ سَائِلَةٍ ؛ أَيْ : جَارِيَةٍ بمَاءٍ رَاكِدٍ غَيْرِ مُسْتَبْحَرٍ جِدًّا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ نُدِبَ نَزْحٌ مِنْهُ لِتَزُولَ الرُّطُوبَاتُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ فِيهِ عِنْدَ فَتْحِهِ وَقْتَ خُرُوجِ رُوحِهِ وَيُنْقِصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ لِئَلَّا تَطْفُوَ الدُّهْنِيَّةُ فَتَعُودَ لِلْمَاءِ وَيَكُونَ النَّزْحُ (بِقَدْرِهِمَا) أَيْ بِقَدْرِ الْحَيَوَانِ وَالْمَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ وَصِغَرِ الْحَيَوَانِ وَكِبَرِهِ فَيَقِلُّ النَّزْحُ مَعَ صِغَرِ الْحَيَوَانِ وَكَثْرَةِ الْمَاءِ وَيَكْثُرُ مَعَ كِبَرِهِ وَقِلَّةِ الْمَاءِ وَيُتَوَسَّطُ فِي عِظَمِهِمَا وَصِغَرِهِمَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى ظَنِّ زَوَالِ الرُّطُوبَاتِ وَكُلَّمَا كَثُرَ النَّزْحُ كَانَ أَحْسَنَ . وَاحْتُرِزَ بِالْبَرِّيِّ عَنْ الْبَحْرِيِّ وَبِذِي النَّفْسِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْعَقْرَبِ وَبِالرَّاكِدِ عَنْ الْجَارِي فَلَا يُنْدَبُ النَّزْحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . لَا إنْ وَقَعَ الْبَرِّيُّ فِي الْمَاءِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَأُخْرِجَ حَيًّا فَلَا يُنْدَبُ النَّزْحُ ؛ لما مر من تَعْلِيلِ الرُّطُوبَاتِ "24" .
وقال الحنابلة : إذَا نُزِحَ مَاءُ الْبِئْرِ النَّجِسِ ، فَنَبَعَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَاءٌ ، أَوْ صُبَّ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْبِئْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَجِسَتْ جَوَانِبُ الْبِئْرِ، فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ :
إحْدَاهُمَا : يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ نَجَسٍ، فَأَشْبَهَ رَأْسَ الْبِئْرِ.
وَالثَّانِيَةُ : لَا يَجِبُ ؛ لِلْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِذَلِكَ ، فَعُفِيَ عَنْهُ ، كَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ ، وَأَسْفَلِ الْحِذَاءِ "25" .
وقال الحنفية
: إِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ فَأُخْرِجَتْ ثُمَّ نُزِحَتْ طَهُرَتْ ؛ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا تَطْهُرُ، لِأَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ تَنَجَّسَ الطِّينُ، فَإِذَا نَزَحَ الْمَاءَ بَقِيَ الطِّينُ نَجِسًا، فَكُلَّمَا نَبَعَ الْمَاءُ نَجَّسَهُ لَكُنَّا خَالَفْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ الْآثَارِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَالُوهُ سَمَاعًا. وَإِذَا وَقَعَ فِي آبَارِ الْفَلَوَاتِ مِنَ الْبَعْرِ وَالرَّوْثِ وَالْأَخْثَاءِ لَا يُنَجِّسُهَا مَا لَمْ يَسْتَكْثِرْهُ النَّاظِرُ؛ لِأَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ بِغَيْرِ حَوَاجِزَ، وَالدَّوَابُّ تَبْعَرُ حَوْلَهَا وَالرِّيَاحُ تُلْقِيهَا فِيهَا، فَكَانَ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةٌ دُونَ الْكَثِيرِ. وَخُرْءُ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ لَا يُفْسِدُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عندهم . وَإِذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا إِلَى ثَلَاثِينَ، وَفِي الْحَمَامَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ، وَفِي الْآدَمِيِّ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِجَمِيعُ الْمَاءِ، وَإِنِ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ "26" .
مسألة
:
قال رحمه الله تعالى : ( ويستثنى ميتة لا دم لها سائل فلا تنجس مائعا على المشهور ) وهو مذهب الحنفية ؛ والحنابلة "27" ؛ وعند المالكية : لا كراهة بوقوع ما لا نفس له سائلة في الماء "28" .
الأدلة :
1 – قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً ) "29" ومن المعلوم : أن الذباب قد يموت فيه ؛ فلو كان ينجسه لما أمرنا به "30" .
2 - مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا "31" .
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وكذا في قول نجس لا يدركه طرف ) أي : بصر؛ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ ؛ وهذا القول رجحه المصنف رحمه الله نعالى هنا .
والقول الثاني للشافعية ؛ وهو مذهب الحنفية ؛ والحنابلة : أن النجاسة التي لا يدركها البصر تضر بالماء فتنجسه ؛ وذلك قياسا عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ"32" .
مسألة : قال رحمه الله تعالى : ( وَالتَّغَيُّرُ الْمُؤَثَّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ طَعْمٌ، أَوْ لَوْنٌ، أَوْ رِيحٌ ) وهذا مذهب الحنفية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة "33"
وذهب بعض الحنفية إلى أن الماء الجاري إن جرى نصفه فأكثر على النجاسة فهو متنجس ؛ وإن لم تتغير إحدى أوصافه ؛ وهو أحوط عندهم وقول مصحح "34" .
وذهب الخرشي من الحنابلة إلى اشتراط الكثرة في الرائحة إذا اختلط بالماء طاهر ؛
لِأَنَّ لَهَا سِرَايَةً وَنُفُوذًا، فَإِنَّهَا تَحْصُلُ عَنْ مُجَاوَرَةٍ تَارَةً، وَعَنْ مُخَالَطَةٍ أُخْرَى، فَاعْتُبِرَ الْكَثْرَةُ فِيهَا لِيُعْلَمَ أَنَّهَا عَنْ مُخَالَطَةٍ .
والمذهب عندهم التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ وَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَاءِ، فَأَشْبَهَتْ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ
"35" . والله تعالى أعلم .
_________________________________
1– المختار للفتوى ؛ ج 1 ؛ ص 24 .
2– الشرح الكبير على متن المقنع ؛ ج 1 ؛ ص 51 .
3 – شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه ؛ ج 1 ؛ ص 150 .
4 – أخرجه مسلم . انظر : المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري ؛ الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت ؛ ج 1 ؛ 233 .
5 – أخرجه مسلم بلفظ : ( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ) ج 1 ؛ ص 235 .
6 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 236 .
7 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 236 .
8 – سنن ابن ماجة ؛ المؤلف: ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد ؛ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ؛ الناشر: دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي ؛ ج 1 ؛ ص 173
9 – بداية المجتهد ونهاية المقتصد ؛ ج 1 ؛ ص 29 و 30 .
10 – تنوير الابصار بهامش الدر المختار ورد المحتار ؛ ج 1 ؛ ص 334 و 335 .
11 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 50 .
12 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 50 و 51 .
13 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 93 و 94 .
14 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 85 و 86 .
15 – المجموع ؛ ج 1 ؛ ص 136 .
16 - الشرح الممتع على زاد المستقنع ؛ المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين ؛ دار النشر: دار ابن الجوزي ؛ الطبعة: الأولى، 1422 - 1428 هـ ؛ ج 1 ؛ ص 56 .
17 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 90 .
18 - المهذب والمجموع ؛ ج 1 ؛ ص 132 .
19 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 77 .
20 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 88 .
21 – الشرح الكبير على مختصر خليل مع حاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 46 ؛ و 47 .
22 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 56 .
23 – حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج ؛ الإمام عبد الحميد الشرواني ؛ دار إحياء التراث العربي – بيروت ؛ ج 1 ؛ ص 88 .
24 – مختصر خليل بالشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 45 و 46 .
25 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 62 .
26 – المختار مع الاختيار ؛ ج 1 ؛ ص 27 و 28 .
27 – المختار للفتوى ؛ ج 1 ؛ ص 25 ؛ ومختصر الخرقي بهامش المغني والشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 63 .
28 – أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك ؛ ج 1 ؛ ص 24.
29 - الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري ؛ المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ؛ المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر ؛ الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) ؛ الطبعة: الأولى، 1422هـ ؛ ج 4 ؛ ص 130 .
30 – النجم الوهاج في شرح المنهاج ؛ للإمام محمد بن موسى بن عيسى الدميري ؛ دار المنهاج ؛ الطبعة الأولى 2004 م ؛ ج 1 ؛ 241 .
31 – شرح المحلي على المنهاج ؛ ج 1 ؛ ص 33 .
32 – مغني المحتاج ؛ ط : الفيحاء ؛ ج 1 ؛ ص 92 ؛ والمختار للفتوى ؛ ج 1 ؛ ص ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 49 .
33 – تنوير الأبصار ج 1 ؛ ص ؛ ومختصر خليل ج 1 ؛ ص 138 ؛ والمقنع بهامش المبدع ؛ المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين ؛ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان ؛ الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م ؛ ج 1 ؛ ص 28 .
34 – الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 336 .
35 – الخرشي و المغني ؛ ج 1 ؛ ص 28 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

ولو اشتبه ماء طاهر بنجس اجتهد وتطهر بما ظن طهارته ؛ وقيل : إن قدر على طاهر بيقين فلا ؛ والأعمى كبصير في الأظهر ؛ أو ماء وبول لم يجتهد على الصحيح بل يخلطان ثم يتيمم ؛ أو ماء ورد توضأ بكل مرة ؛ وقيل : له الاجتهاد ؛ وإذا استعمل ما ظنه أراق الآخر فإن تركه وتغير ظنه لم يعمل بالثاني على النص بل يتيمم بلا إعادة في الأصح ؛ ولو أخبره بتنجسه مقبول الرواية وبين السبب أو كان فقيها موافقا اعتمده .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة :
اشتباه الماء الطهور بالمتنجس :
لشخص أكثر من إناء فيها ماء ؛ وقد تنجس بعضها ؛ لكن اشتبه عليه الأمر فلم يعرف الطهور من المتنجس ؛ فماذا يفعل ؟
قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على عدة مذاهب وكما يلي :
1 – المذهب الأول : مذهب الشافعية . قالوا : يجتهد في معرفة الطهور منها ؛ ويتطهر بما ظن بالاجتهاد طهوريته بِأَمَارَةٍ كَاضْطِرَابٍ أَوْ رَشَاشٍ أَوْ تَغَيُّرٍ أَوْ قُرْبِ كَلْبٍ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَةُ هَذَا ، وَطَهَارَةُ غَيْرِهِ ، وَلَهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِذَوْقِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ . وَلَا يُقَالُ : يَلْزَمُ مِنْهُ ذَوْقُ النَّجَاسَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ ذَوْقُ النَّجَاسَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ .
والاجتهاد يكون :
أ - واجبا إن لم يقدر على طهور بيقين .
ب – جائزا إن قدر على طهور بيقين . كأن يكون بجانب نهر . لِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْمَظْنُونِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَيَقَّنِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ مِنْ بَعْضٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ، وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
هذا هو المعتمد عندهم ؛ وغير المعتمد أقوال :
القول الأول : لا يجتهد ؛ بل يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه ؛ لأنه تحقق النجاسة ولا تزال بغلبة الظن . وهو قول المزني وأبي ثور .
وقد ضعف هذا القول بقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) وهذا واجد للماء .
القول الثاني : أنه يهجم ويتوضأ بأحد الآنية ؛ ويصلي ولا إعادة عليه ؛ لأن الأصل في كل منهما الطهارة وعدم وقوع النجاسة . وهو للصيدلاني .
وقد ضعف هذا القول بأن أصل الطهارة قد عارضه تحقق وقوع النجاسة فارتفع .
القول الثالث : إذا ظن طهارة إناء من غير أمارة عول عليه .
وضعف : بأن الأحكام الشرعية لا تبنى على الإلهامات والخواطر .
القول الرابع : إن كان معه ماء طهور بيقين فلا يجوز الاجتهاد ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ) وقياسا على من كان بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ .
والجواب : إن الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا كَانَ طَلَبُهُ لَهَا فِي غَيْرِهَا عَبَثًا وَبِأَنَّ الْمَاءَ مَالٌ، وَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ تَفْوِيتُ مَالِيَّةٍ مَعَ إمْكَانِهَا بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، وَعَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ "1" .
واعلم أن للاجتهاد شروط :
الشرط الأول : أن يكون كل من الإنائين له أصل في التطهير ؛ فلو اشتبه ماء وبول منقطع الرائحة لم يجتهد على المعتمد ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُقَوِّي مَا فِي النَّفْسِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْبَوْلُ لَا أَصْلَ لَهُ فِيهَا فَامْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ : ( لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ ) عَدَمُ اسْتِحَالَتِهِ عَنْ خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمُتَنَجِّسِ وَالْمُسْتَعْمَلِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَسْتَحِيلَا عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِمَا إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ نَحْوِ الْبَوْلِ وَمَاءِ الْوَرْدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ اسْتَحَالَ إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى .
فإذا اشتبه ماء وبول منقطع الرائحة فإنه يريق المائين ؛ أو يخلطهما ثم يتيمم لئلا يكون معه ماء طاهر بيقين.
وإن اشتبه ماء وماء ورد توضأ بكل إناء مرة وصلى ؛ وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ .
وفي هذا الشرط خلاف ؛ فمن العلماء من ذهب إلى جواز الاجتهاد وإن كان الماء المشتبه به لا أصل له في التطهير ؛ كَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ .
قَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الْمُتَّجِهُ فِي الْقِيَاسِ ، وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ .
الشرط الثاني : أن يكون المجتهد بصيرا ؛ فأما الأعمى فلَا يَجْتَهِدُ في قول غير معتمد ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ أَثَرٌ فِي حُصُولِ الظَّنِّ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ ، وَقَدْ فَقَدَهُ فَلَمْ يَجُزْ كَالْقِبْلَةِ .
والمعتمد جواز الاجتهاد للأعمى ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ الْأَمَارَةَ بِاللَّمْسِ أَوْ الشَّمِّ أَوْ الذَّوْقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ الِاسْتِمَاعِ كَاضْطِرَابِ الْغِطَاءِ .
وأجابوا عن قياس أصحاب القول الأول القائلين : بأنه لا يجتهد قياسا على القبلة . أجابوا : بِأَنَّ الْقِبْلَةَ أَدِلَّتُهَا بَصَرِيَّةٌ . وليس كذلك الماء ؛ فكان قياسا مع الفارق .
الشرط الثالث : أَنْ يَبْقَى الْمُشْتَبِهَانِ فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجْتَهِدْ فِي الْبَاقِي بَلْ يَتَيَمَّمُ، وَلَا يُعِيدُ .
الشرط الرابع : أن يَكُونَ لِلْعَلَامَةِ فِيهِ مَجَالٌ بِأَنْ يَتَوَقَّعَ ظُهُورَ الْحَالِّ فِيهِ وذلك كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي وَالْأَطْعِمَةِ فَلَا يَجْتَهِدُ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ مَحْرَمُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَأَكْثَرَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي النِّكَاحِ أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
الشرط الخامس : أَنْ يَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي مُتَعَدِّدٍ ، فَلَوْ تَنَجَّسَ أَحَدُ كُمَّيْهِ أَوْ إحْدَى يَدَيْهِ وَأَشْكَلَ فَلَا يَجْتَهِدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى "2" .
2 – المذهب الثاني : مذهب الحنفية . قالوا : لو اختلط أوان أكثرها طاهر وأقلها نجس اجتهد في معرفة الطاهر ؛ وإن كان النجس أكثر أو تساوى الطاهر والنجس لم يجتهد بل ينتقل إلى التيمم ؛ والأفضل أن يمزجها أو يريقها فيتيمم لفقد المطهر قطعا .
ولو اختلطت أوان ولم يتحر وتوضأ بكل وصلى , صحت إن مسح في موضعين من رأسه لا في موضع واحد ؛ لأنه لا يخلو : إما أنه قد قدم الطاهر وفي هذه الحالة يكون الطاهر قد أزال الحدث ؛ لكنه تنجس بالماء الثاني ولا يضر ؛ لأن فاقد المطهر يصلي مع النجاسة .
وإما أنه قد قدم المتنجس ؛ وفي هذه الحالة يكون قد طهر بالغسل الثاني ؛ وحينئذ يمسح محلا آخر من رأسه ؛ فإن مسح محلا واحدا بالماءين ؛ فإن فرضنا أنه قدم الطاهر ؛ ففي هذه الحالة قد ارتفع حدثه ؛ ولا يضر تنجسه بالماء الثاني كما عرفنا.
وإن فرضنا أنه قدم المتنجس ؛ ففي هذه الحالة يتنجس بالماء الأول ؛ ولا يرتفع حدثه بالماء الثاني لتنجسه بأول ملاقاة الرأس المتنجس بالماء الأول .
وإنما كان هذا التفصيل في الرأس لأن باقي أعضاء يغسل فإذا قدم النجس فبالغسل ثانيا بالطاهر تطهر ويرتفع به الحدث وإن قدم الطاهر ارتفع الحدث من أول الأمر فتصح صلاته ولا يضره تنجس الأعضاء بالغسل ثانيا بالنجس لأنه حينئذ فاقد لما يزيل به النجاسة وفاقده يصلي بالنجاسة ولا يعيد "3" .
3 – المذهب الثالث : وهو مذهب الحنابلة . فقد ذهبوا إلى أن اشْتَبَاهَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أَنْ يَزِيدَ عَدَدُ النَّجِسِ ، أو يتساويان ؛ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهِمَا .
الحالة الثانية : أَنْ يَكْثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرَاتِ ؛ فالصحيح من المذهب أنه لا يجتهد بل يتيمم ؛ ولا يعيد وإن علم النجس بعد الصلاة .
لأنه اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ، فِيمَا لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ ، فَلَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي ، كَمَا لَوْ اسْتَوَى الْعَدَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ سَلَّمَهُ، وَاعْتَذَرَ أَصْحَابُهُ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الطَّهَارَةِ .
قُلْنَا : وَهَذَا الْمَاءُ قَدْ زَالَ عَنْهُ أَصْلُ الطَّهَارَةِ، وَصَارَ نَجِسًا ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَصْلِ الزَّائِلِ أَثَرٌ، عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ قَدْ كَانَ مَاءً ، فَلَهُ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ ، كَهَذَا الْمَاءِ النَّجِسِ "4" .


مسألة :
إن توضأ بما ظنه الطهور بالاجتهاد أراق الآخر ندبا ؛ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَيَشْتَبِهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ .
فإن لم يرقه ثم حضر وقت صلاة أخرى وقد أحدث ؛ وتغير ظنه السابق بظن لاحق فله حالتان :
الحالة الأولى : أن لا يبقى من الأول شيء ؛ وفي هذه الحالة لا يجب إعادة الاجتهاد ؛ فلو اجتهد ؛ فإنه لا يعمل بالا جتهاد الثاني ؛ لئلا يلزم نقض الاجتهاد بالاجتهاد ؛ بل يتيمم بلا إعادة للصلاتين .
الحالة الثانية : أن يبقى معه بقية تكفيه ؛ أو لا تكفيه وقلنا : يجب استعماله ؛ وفي هذه الحالة يعيد الاجتهاد لأن معه ماء طاهر بيقين ؛ وهو ماء الإناء الأول أو ماء الإناء الثاني ؛ أو أو . . . الخ ؛ فإن وافق الاجتهاد الأول عمل به ؛ وإن خالفه لم يعمل به ؛ لئلا يلزم نقض الاجتهاد بالاجتهاد ؛ بل يتيمم بلا إعادة للصلاتين ؛ كما سبق في الحالة الأولى "5" .

مسألة :
إذا أخبره بتنجس الماء عدل الرواية اعتمده إذا بين السبب ؛ كأن يقول له : إن هذا الإناء قد ولغ فبه كلب .
وعدل الرواية : هُوَ مَقْبُولُ الْخَبَرِ ، وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ ؛ وَلَوْ عَنْ عَدْلٍ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا أَوْ مُعَيَّنًا ثُمَّ الْتَبَسَ. اهـ وَلَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ خَبَرُ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ ذَاكَ ، وَعَكَسَهُ الْآخَرُ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا صُدِّقَا وَحَكَمَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْوُلُوغِ فِي وَقْتَيْنِ فَلَوْ تَعَارَضَا فِي الْوَقْتِ أَيْضًا بِأَنْ عَيَّنَاهُ عَمِلَ بِقَوْلِ أَوْثَقِهِمَا ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ عَدَدًا ؛ فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَ خَبَرُهُمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ ، وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الْإِنَاءَيْنِ "6" .
وكذا يعتمد قول الفقيه الموافق له في أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ أَوْ الِاسْتِعْمَالِ وَالطَّهُورِيَّةِ ؛ وإن لم يبين السبب ؛ ويعتمد قول الفقيه العَارِف بِمذهب المخبر وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُهُ بِاعْتِقَادِهِ لَا بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُوَافِقِ لِلْغَالِبِ "7"

___________________________________
1 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ ص 248 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 97 و 98 .
2 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 100 ؛ و الديباج في توضيح المنهاج ؛ المؤلف : الإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي ؛ الناشر : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة : الأولى ؛ 1430 ه ؛ 2009م ؛ ج 1 ؛ ص 20 ؛ ونهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 93 .
3 – مرقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي عليه ؛ ج 1 ؛ ص 63 و 64 .
4 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 83 ؛ والمقنع والمبدع ؛ ج 1 ؛ ص 43 .
5 – الديباج في توضيح المنهاج ؛ المؤلف : الإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي ؛ الناشر : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة : الأولى ؛ 1430 ه ؛ 2009م ؛ ج 1 ؛ ص 21 . بتصرف .
6 - التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج ؛ المؤلف : سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ المصري الشافعي ؛ الناشر : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة : ؛ ج 1 ؛ ص
7 – تحفة المحتاج إلى شرح المنهاج ؛ الناشر : دار الكتب العلمية ؛ الطبعة : ؛ ج 1 ؛ ص 47 .
 

محمد إبراهيم صبري

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 يوليو 2011
المشاركات
125
الكنية
ابو إبراهيم
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
القدس
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

شكر الله لكم أخي الكريم
ولكن يا حبذا لو تم تقسيم الموضو إلى حلقات ، أو رفعه بصيغة pdf ،
حتى تسهل قراءته وتتيسر الاحاطة به ، فتتم بذلك الفائدة المرجوة بإذن الله تعالى
والله ولي توفيقنا وتوفيقك...
 
أعلى