ضرغام بن عيسى الجرادات
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 26 فبراير 2010
- المشاركات
- 596
- الكنية
- أبو الفضل
- التخصص
- الفقه المقارن
- المدينة
- الخليل
- المذهب الفقهي
- فقه مقارن
عُرضت علي فتوى لفضيلة الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي-حفظه الله- في معاملة مالية ، استشعرت غرابتها ، ولأجل ذلك عرضتها على فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة -حفظه الله- وهو المتخصص في المعاملات المالية والمصرفية ورئيس هيئة الرقابة الشرعية في البنك الإسلامي الفلسطيني وبنك الأقصى، فأجاب فضيلته بجواب مؤصل مفصل أحببت أن يطلع عليه رواد الملتقى:
وفي الرابط فتوى الشيخ الشنقيطي:
http://youtu.be/zEVdQKSViWM
وفي مايلي جواب فضيلة الدكتور حسام حفظه الله
الجواب:قرأت الفتوى المشار إليها وسمعتها أيضاً ووجدت أن الفتوى بُنيت على أن العملة الورقية رصيدُها فضة،ومعنى ذلك أن المشتري لما دفع المئة وبقيت له أربعون،فالباقي يعتبر فضةً في مقابل فضة,وأن هذه الصورة حصل فيها عقدان:
العقد الأول:عقد البيع وهو الستون مقابل السلعة.
والعقد الثاني:عقد الصرف وهو الأربعون الباقية من المئة في مقابل المئة المدفوعة من المشتري.
وبناءً على هذا التكييف اعتبر الشيخ الفاضل أن هذا عقدَ صرفٍ،فقال:إنه يلزم المشتري إذا دفع المئة أن يستلم الباقي،لأن عقد الصرف لا بد أن يكون يداً بيدٍ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:(الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح يداً بيد)
فأمرنا أن نأخذ يداً بيدٍ,والريالات الموجودة يعتبر رصيدها فضة،فلو قال قائلٌ إن الرصيد ألغي،نقول لو أُلغي الرصيدُ لما وجبت الزكاة فيها،لأن الورق لا يُزكى,فلذلك هذا الرصيد الفضة معناه أنك إذا دفعت عشرةً تبقى تسعةٌ وإذا دفعت المائة وأنت قد اشتريت بعشرةٍ بقيت تسعين،فالتسعون تعتبر فضةً في مقابل فضة.
واعتبر الشيخ الفاضل أن هذا العقد فيه ربا نسيئةٍ،هذا ملخص ما ورد في الفتوى.
وفي الحقيقة إذا دققنا النظر في هذه الصورة المذكورة في السؤال نجد أن هذا عقدَ بيعٍ لا عقدَ صرفٍ،فالصرف في الاصطلاح،عرفه جمهور الفقهاء،بأنه "بيع الثمن بالثمن،جنساً بجنسٍ،أو بغير جنس"
فيشمل بيع الذهب بالذهب،والفضة بالفضة،كما يشمل بيع الذهب بالفضة.
والمراد بالثمن ما خُلق للثمنية،فيدخل فيه بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد،وبيع العملة الورقية كالدينار بعملة أخرى كالدولار،عقدُ صرفٍ.
وعرَّف المالكيةُ عقد الصرف بأنه "بيع النقد بنقدٍ مغايرٍ لنوعه،كبيع الذهب بالفضة"،أما بيع النقد بنقدٍ مثله،كبيع الذهب بالذهب،أو بيع الفضة بالفضة،فسمَّوه باسمٍ آخر حيث قالوا:إن اتحد جنسُ العوضين،فإن كان البيع بالوزن فهو المراطلة،وإن كان بالعدد فهو المبادلة.الموسوعة الفقهية الكويتية26/348.
وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في المجلس قبل اقترافهما،قال الشيخ ابن المنذر:[أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]المغني4/41.
فلذلك يشترط في عملية بيع عملةٍ بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس،ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما،وإن حصل التأجيل،فالعقد باطلٌ،ويدل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(الذهب بالذهب مثلاً بمثلٍ،يداً بيدٍ،والفضة بالفضة مثلاً بمثلٍ يداً بيدٍ)رواه مسلم.
وقد ذهب جماهير علماء العصر وكذا المجامع الفقهية المعتبرة إلى أن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة،وتأخذ أحكامهُما،فتثبت لها صفةُ الثمنية،وبالتالي يجري فيها الربا بنوعيه النسيئة والفضل،فإنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض،ولا يجوز التأجيل.
وأما في الصورة محل السؤال فلا يوجد صرف،وإنما باع سلعةً وبقي للمشتري في ذمة البائع مبلغٌ من المال،وهذا الباقي على سبيل الأمانة،وليس من باب عقد الصرف.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ولو اشترى فضةً بدينارٍ ونصف ودفع إلى البائع دينارين,وقال:أنت وكيلي في نصف الدينار الزائد صح.ولو صارفه عشرة دراهم بدينارٍ،فأعطاه أكثر من دينارٍ ليزن له حقه في وقت آخر,جاز وإن طال ويكون الزائدُ أمانةً في يده,لا شيء عليه في تلفه،نصَّ أحمدُ على أكثر هذه المسائل]المغني4/178.
وقال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي:[ولو اشترى فضةً بدينارٍ ونصف دينار ودفع المشتري إلى البائع دينارين ليأخذ قدر حقه منه،أي من المدفوع له وهو الديناران،فأخذه،أي فأخذ البائع قدر حقه من الدينارين،ولو بعد التفرق صح الصرفُ لحصول التقابض قبل التفرق،والذي تأخر إنما هو تمييزُ حقه من حق الآخر،والزائد من الدينارين أمانةٌ في يده،أي يد البائع لعدم المقتضي لضمانه]كشاف القناع عن الإقناع 9/283.
وقد أجاب علماء اللجنة الدائمة للإفتاء على سؤالٍ مشابهٍ فقالوا:[ليس في إبقاء المشتري بعضَ نقوده عند البائع شيءٌ من الربا،لأن هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن،وليس من باب الصرف] http://islamqa.info/ar/ref/120696
ولو كيفنا هذه الصورة على أنها اجتماع عقد بيع مع عقد صرف،وهو محل خلاف بين الفقهاء،فإن من الفقهاء من منع ذلك،ومنهم من أجازه كالمالكية وهو المذهب عند الحنابلة،قال الشيخ المرداوي:[وإن جمع بين بيعٍ وإجارةٍ،أو بيعٍ وصرفٍ،يعني بثمنٍ واحدٍ صح فيهما]الإنصاف 7/313.
وورد في فتوى للشبكة الإسلامية حول مثل الصورة المذكورة:[اختلف أهل العلم في هذه المسألة بين مانعٍ ومجيز،وسبب اختلافهم في الحكم هو اختلافهم في التكييف الفقهي لها،فمن قال بجوازها كيَّفها على أنها أمانة،أي أن المشتري يترك الباقي له من دراهمه أمانةً عند صاحب المتجر.ومن رأى منعها كيَّفها على أنها تجمع بين بيعٍ وصرفٍ.ومن أصحاب الرأي الأول-وهو القول بالجواز-اللجنة الدائمة،فقد أجابوا..:ليس في إبقاء المشتري بعض نقوده عند البائع شيء من الربا؛لأن هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن،وليس من باب الصرف.ومن أصحاب الرأي الثاني-وهو المنع-:الشيخ محمد بن صالح العثيمين،فقد أجاب...هذه الصفقة بارك الله فيك جمعت بين بيعٍ وصرف،الخمسين ريالا الآن صارت عوضاً لصرفٍ وبضاعة،فأما البضاعة فمعروفٌ أنه ليس بينها وبين الدراهم رباً،وأما الصرف الذي هو باقي قيمة الخمسين فهو بيع نقدٍ بنقدٍ،فلا يجوز أن تفارقه حتى تأخذ منه ما بقي من الخمسين...والراجح إن شاء الله هو القول بالجواز،لأن الصرف في مثل هذه الصفقة ليس مقصوداً؛ولأن أهل العلم لم يتفقوا على امتناع اجتماع البيع والصرف في عقدٍ واحد.ومن منع ذلك منهم علل المنع بالاختلاف في بعض الأحكام.وذهب المالكية إلى جواز اجتماع البيع والصرف في نحو الدينار معللين ذلك بأن قلة ما اجتمعا فيه تفيد أن اجتماعهما ليس مقصوداً]
http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=110524
ويؤيد ما جاء في الفتوى السابقة أن القاعدة الفقهية تقول:يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً [ومعناها:أن الشرائط الشرعية المطلوبة يلزم توافرها جميعاً في المحل الأصلي المقصود،ولكن التوابع له التي ليست مقصودة بعينها،فإنه يُغتفر فيها،ولو قصد هذا التابع لإبطالها،فيغتفر في التوابع الجهالة والغرر وعدم الرؤية والوصف ونحوها،كلُّ ذلك مغتفرٌ فيها؛لأنها تابعة لغيرها والتابع تابع]تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية
.وينبغي أن يُعلم أن قول الشيخ الفاضل في الفتوى المذكورة[والريالات الموجودة يعتبر رصيدُها فضة،فلو قال قائل إن الرصيد أُلغي،نقول لو أُلغي الرصيدُ لما وجبت الزكاة فيها،لأن الورق لا يُزكى]
أقول هذا كلامٌ غير دقيق،فالفضةُ ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم،فالغطاء للعملات الورقية كان بالذهب،فقد كانت العملات الورقية تُغطى بالذهب ثم أُلغي هذا النظام ابتداءً من عام 1971م،قال د.خالد المزيني:[وقد كانت العملات الورقية مغطاة بالذهب بحسب المعيار الدولي السائد في القرنين الماضيين،وهو ما يجعل الذهب قاعدة لتحديد قيمة العملة،وتتكفل أي دولة بتحويل عملتها الورقية إلى ذهب عند الطلب،لكن منذ سبعينيات القرن العشرين الميلادي،تم إلغاء الغطاء الذهبي للعملات الورقية،ففي عام(1971م)تحديداً أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون بقرار منفرد إيقاف الالتزام بتحويل الدولار إلى ذهب،والبدء بنظام التثبيت،الأمر الذي خسر به الاقتصادُ العالمي معياراً محكماً يضبط حركة الاقتصاد العالمي،هو الذهب،الذي كان يكبح التضخم،ويحدُّ من الإنفاق الحكومي وينظمه،ويقوم بتثبيت أسعار العملات] http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-40-117766.htm
وهذا التغيير في الغطاء لا يؤثر في جريان الربا في العملات الورقية كما هو الصحيح من أقوال أهل العلم، ولكني ذكرت ذلك لتوضيح مسألة غطاء العملات الورقية فقط.
وأما قول الشيخ الفاضلأن الورق لا يُزكى،فكلام غير موافقٍ لما هو مقررٌ عند جماهير علماء العصر وما قررته المجامع الفقهية المعتبرة من أن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة وتأخذ أحكامهُما بما في ذلك وجوبُ الزكاة فيها بشروطها،فقد ورد في قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بالأوراق النقدية:[وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة،أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة،إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها].
وورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بأحكام النقود الورقية ما يلي:[بخصوص أحكام العملات الورقية:أنها نقود اعتبارية فيها صفةُ الثمنية كاملةً،ولها الأحكامُ الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسَّلَم وسائر أحكامهما].
وخلاصة الأمر أنه ليس في إبقاء المشتري بعضَ نقوده عند البائع شيءٌ من الربا،لأن هذا من باب البيع وإنما هو ائتمان البائع على بقية الثمن،وليس من باب الصرف.وأن الفضةَ ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملةٍ في العالم،فالغطاءُ للعملات الورقية كان بالذهب ثم أُلغي هذا النظام،وأن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة،وتأخذ أحكامَهُما،فتثبت لها صفةُ الثمنية كاملةً،ولها الأحكامُ الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسَّلَم وسائر أحكامهما وهذا قول جماهير علماء العصر وكذا المجامع الفقهية المعتبرة، والله الهادي إلى سواء السبيل .
وفي الرابط فتوى الشيخ الشنقيطي:
http://youtu.be/zEVdQKSViWM
وفي مايلي جواب فضيلة الدكتور حسام حفظه الله
عقدُ بيعٍ لا عقدَ صرفٍ
السؤال:بعث لي أحدُ طلبة العلم فتوىً لأحد المشايخ الفضلاء مضمونها أن شخصاً اشترى بضاعةً بستين شيكلاً مثلاً،فأعطى البائع ورقة المئة شيكل،وليس عند البائع فكة،فقال البائع:لك في ذمتي أربعون شيكلاً تأخذها غداً،فهل يعتبر هذا من الربا المحرم شرعاً،أفيدونا؟ الجواب:قرأت الفتوى المشار إليها وسمعتها أيضاً ووجدت أن الفتوى بُنيت على أن العملة الورقية رصيدُها فضة،ومعنى ذلك أن المشتري لما دفع المئة وبقيت له أربعون،فالباقي يعتبر فضةً في مقابل فضة,وأن هذه الصورة حصل فيها عقدان:
العقد الأول:عقد البيع وهو الستون مقابل السلعة.
والعقد الثاني:عقد الصرف وهو الأربعون الباقية من المئة في مقابل المئة المدفوعة من المشتري.
وبناءً على هذا التكييف اعتبر الشيخ الفاضل أن هذا عقدَ صرفٍ،فقال:إنه يلزم المشتري إذا دفع المئة أن يستلم الباقي،لأن عقد الصرف لا بد أن يكون يداً بيدٍ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:(الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح يداً بيد)
فأمرنا أن نأخذ يداً بيدٍ,والريالات الموجودة يعتبر رصيدها فضة،فلو قال قائلٌ إن الرصيد ألغي،نقول لو أُلغي الرصيدُ لما وجبت الزكاة فيها،لأن الورق لا يُزكى,فلذلك هذا الرصيد الفضة معناه أنك إذا دفعت عشرةً تبقى تسعةٌ وإذا دفعت المائة وأنت قد اشتريت بعشرةٍ بقيت تسعين،فالتسعون تعتبر فضةً في مقابل فضة.
واعتبر الشيخ الفاضل أن هذا العقد فيه ربا نسيئةٍ،هذا ملخص ما ورد في الفتوى.
وفي الحقيقة إذا دققنا النظر في هذه الصورة المذكورة في السؤال نجد أن هذا عقدَ بيعٍ لا عقدَ صرفٍ،فالصرف في الاصطلاح،عرفه جمهور الفقهاء،بأنه "بيع الثمن بالثمن،جنساً بجنسٍ،أو بغير جنس"
فيشمل بيع الذهب بالذهب،والفضة بالفضة،كما يشمل بيع الذهب بالفضة.
والمراد بالثمن ما خُلق للثمنية،فيدخل فيه بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد،وبيع العملة الورقية كالدينار بعملة أخرى كالدولار،عقدُ صرفٍ.
وعرَّف المالكيةُ عقد الصرف بأنه "بيع النقد بنقدٍ مغايرٍ لنوعه،كبيع الذهب بالفضة"،أما بيع النقد بنقدٍ مثله،كبيع الذهب بالذهب،أو بيع الفضة بالفضة،فسمَّوه باسمٍ آخر حيث قالوا:إن اتحد جنسُ العوضين،فإن كان البيع بالوزن فهو المراطلة،وإن كان بالعدد فهو المبادلة.الموسوعة الفقهية الكويتية26/348.
وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في المجلس قبل اقترافهما،قال الشيخ ابن المنذر:[أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]المغني4/41.
فلذلك يشترط في عملية بيع عملةٍ بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس،ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما،وإن حصل التأجيل،فالعقد باطلٌ،ويدل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(الذهب بالذهب مثلاً بمثلٍ،يداً بيدٍ،والفضة بالفضة مثلاً بمثلٍ يداً بيدٍ)رواه مسلم.
وقد ذهب جماهير علماء العصر وكذا المجامع الفقهية المعتبرة إلى أن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة،وتأخذ أحكامهُما،فتثبت لها صفةُ الثمنية،وبالتالي يجري فيها الربا بنوعيه النسيئة والفضل،فإنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض،ولا يجوز التأجيل.
وأما في الصورة محل السؤال فلا يوجد صرف،وإنما باع سلعةً وبقي للمشتري في ذمة البائع مبلغٌ من المال،وهذا الباقي على سبيل الأمانة،وليس من باب عقد الصرف.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ولو اشترى فضةً بدينارٍ ونصف ودفع إلى البائع دينارين,وقال:أنت وكيلي في نصف الدينار الزائد صح.ولو صارفه عشرة دراهم بدينارٍ،فأعطاه أكثر من دينارٍ ليزن له حقه في وقت آخر,جاز وإن طال ويكون الزائدُ أمانةً في يده,لا شيء عليه في تلفه،نصَّ أحمدُ على أكثر هذه المسائل]المغني4/178.
وقال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي:[ولو اشترى فضةً بدينارٍ ونصف دينار ودفع المشتري إلى البائع دينارين ليأخذ قدر حقه منه،أي من المدفوع له وهو الديناران،فأخذه،أي فأخذ البائع قدر حقه من الدينارين،ولو بعد التفرق صح الصرفُ لحصول التقابض قبل التفرق،والذي تأخر إنما هو تمييزُ حقه من حق الآخر،والزائد من الدينارين أمانةٌ في يده،أي يد البائع لعدم المقتضي لضمانه]كشاف القناع عن الإقناع 9/283.
وقد أجاب علماء اللجنة الدائمة للإفتاء على سؤالٍ مشابهٍ فقالوا:[ليس في إبقاء المشتري بعضَ نقوده عند البائع شيءٌ من الربا،لأن هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن،وليس من باب الصرف] http://islamqa.info/ar/ref/120696
ولو كيفنا هذه الصورة على أنها اجتماع عقد بيع مع عقد صرف،وهو محل خلاف بين الفقهاء،فإن من الفقهاء من منع ذلك،ومنهم من أجازه كالمالكية وهو المذهب عند الحنابلة،قال الشيخ المرداوي:[وإن جمع بين بيعٍ وإجارةٍ،أو بيعٍ وصرفٍ،يعني بثمنٍ واحدٍ صح فيهما]الإنصاف 7/313.
وورد في فتوى للشبكة الإسلامية حول مثل الصورة المذكورة:[اختلف أهل العلم في هذه المسألة بين مانعٍ ومجيز،وسبب اختلافهم في الحكم هو اختلافهم في التكييف الفقهي لها،فمن قال بجوازها كيَّفها على أنها أمانة،أي أن المشتري يترك الباقي له من دراهمه أمانةً عند صاحب المتجر.ومن رأى منعها كيَّفها على أنها تجمع بين بيعٍ وصرفٍ.ومن أصحاب الرأي الأول-وهو القول بالجواز-اللجنة الدائمة،فقد أجابوا..:ليس في إبقاء المشتري بعض نقوده عند البائع شيء من الربا؛لأن هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن،وليس من باب الصرف.ومن أصحاب الرأي الثاني-وهو المنع-:الشيخ محمد بن صالح العثيمين،فقد أجاب...هذه الصفقة بارك الله فيك جمعت بين بيعٍ وصرف،الخمسين ريالا الآن صارت عوضاً لصرفٍ وبضاعة،فأما البضاعة فمعروفٌ أنه ليس بينها وبين الدراهم رباً،وأما الصرف الذي هو باقي قيمة الخمسين فهو بيع نقدٍ بنقدٍ،فلا يجوز أن تفارقه حتى تأخذ منه ما بقي من الخمسين...والراجح إن شاء الله هو القول بالجواز،لأن الصرف في مثل هذه الصفقة ليس مقصوداً؛ولأن أهل العلم لم يتفقوا على امتناع اجتماع البيع والصرف في عقدٍ واحد.ومن منع ذلك منهم علل المنع بالاختلاف في بعض الأحكام.وذهب المالكية إلى جواز اجتماع البيع والصرف في نحو الدينار معللين ذلك بأن قلة ما اجتمعا فيه تفيد أن اجتماعهما ليس مقصوداً]
http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=110524
ويؤيد ما جاء في الفتوى السابقة أن القاعدة الفقهية تقول:يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً [ومعناها:أن الشرائط الشرعية المطلوبة يلزم توافرها جميعاً في المحل الأصلي المقصود،ولكن التوابع له التي ليست مقصودة بعينها،فإنه يُغتفر فيها،ولو قصد هذا التابع لإبطالها،فيغتفر في التوابع الجهالة والغرر وعدم الرؤية والوصف ونحوها،كلُّ ذلك مغتفرٌ فيها؛لأنها تابعة لغيرها والتابع تابع]تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية
.وينبغي أن يُعلم أن قول الشيخ الفاضل في الفتوى المذكورة[والريالات الموجودة يعتبر رصيدُها فضة،فلو قال قائل إن الرصيد أُلغي،نقول لو أُلغي الرصيدُ لما وجبت الزكاة فيها،لأن الورق لا يُزكى]
أقول هذا كلامٌ غير دقيق،فالفضةُ ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم،فالغطاء للعملات الورقية كان بالذهب،فقد كانت العملات الورقية تُغطى بالذهب ثم أُلغي هذا النظام ابتداءً من عام 1971م،قال د.خالد المزيني:[وقد كانت العملات الورقية مغطاة بالذهب بحسب المعيار الدولي السائد في القرنين الماضيين،وهو ما يجعل الذهب قاعدة لتحديد قيمة العملة،وتتكفل أي دولة بتحويل عملتها الورقية إلى ذهب عند الطلب،لكن منذ سبعينيات القرن العشرين الميلادي،تم إلغاء الغطاء الذهبي للعملات الورقية،ففي عام(1971م)تحديداً أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون بقرار منفرد إيقاف الالتزام بتحويل الدولار إلى ذهب،والبدء بنظام التثبيت،الأمر الذي خسر به الاقتصادُ العالمي معياراً محكماً يضبط حركة الاقتصاد العالمي،هو الذهب،الذي كان يكبح التضخم،ويحدُّ من الإنفاق الحكومي وينظمه،ويقوم بتثبيت أسعار العملات] http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-40-117766.htm
وهذا التغيير في الغطاء لا يؤثر في جريان الربا في العملات الورقية كما هو الصحيح من أقوال أهل العلم، ولكني ذكرت ذلك لتوضيح مسألة غطاء العملات الورقية فقط.
وأما قول الشيخ الفاضلأن الورق لا يُزكى،فكلام غير موافقٍ لما هو مقررٌ عند جماهير علماء العصر وما قررته المجامع الفقهية المعتبرة من أن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة وتأخذ أحكامهُما بما في ذلك وجوبُ الزكاة فيها بشروطها،فقد ورد في قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بالأوراق النقدية:[وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة،أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة،إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها].
وورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بأحكام النقود الورقية ما يلي:[بخصوص أحكام العملات الورقية:أنها نقود اعتبارية فيها صفةُ الثمنية كاملةً،ولها الأحكامُ الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسَّلَم وسائر أحكامهما].
وخلاصة الأمر أنه ليس في إبقاء المشتري بعضَ نقوده عند البائع شيءٌ من الربا،لأن هذا من باب البيع وإنما هو ائتمان البائع على بقية الثمن،وليس من باب الصرف.وأن الفضةَ ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملةٍ في العالم،فالغطاءُ للعملات الورقية كان بالذهب ثم أُلغي هذا النظام،وأن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة،وتأخذ أحكامَهُما،فتثبت لها صفةُ الثمنية كاملةً،ولها الأحكامُ الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسَّلَم وسائر أحكامهما وهذا قول جماهير علماء العصر وكذا المجامع الفقهية المعتبرة، والله الهادي إلى سواء السبيل .