العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القِطْفُ الجَنِيّ في بيان نجاسة المَنِيّ لشيخنا عبد الوهاب الجزائري

إنضم
14 يونيو 2012
المشاركات
307
الكنية
أبو محمد
التخصص
فقه و أصوله
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
------------------
القِطْفُ الجَنِيّ في بيان نجاسة المَنِيّ
للشيخ عبد الوهاب مهية الجزائري المالكي

الحمد لله على نعمه التي لا يحتويها عدّ ، و لا يحصيها ذاكر مهما جدّ . سبحانه لا يحصى ثناؤه ، و لا يستقصى عطاؤه . فالألسن مهما لهجت بشكره فهي عاجزة . و مِنّتُهُ على الخلق عالية ناشزة .
فله الحمد حمدا يجلب الرضى ، و يستر قبيح ما هو آت و ما مضى . و يكون لنا نورا إذا الليل غضا .
و صلى الله و سلم و بارك على الرحمة المهداة ، و النعمة المسداة ، سيد الأولين و الآخرين و إمام الأنبياء و المرسلين ؛ حبيب رب العالمين ، محمد الصادق الأمين .
و رضي الله عن الآل الكرام و الصحابة الأعلام ، و من اقتفى آثارهم و اتبع أخبارهم إلى يوم الزحام ...
أما بعد ...
استدل القائلون بطهارة المني بأدلة ، جمعها العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه الممتع " الشرح الممتع " (1/454) فقال :
ولنا في تقرير طهارته ثلاث طُرُق:
1- أنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة، فَمَن ادَّعى نجاسة شيء فَعَلَيْه الدَّليل.
2- أن عائشة رضي الله عنها كانت تَفرُك اليابس من مَنِيِّ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ، و تَغْسِل الرَّطب منه ، و لو كان نَجِساً ما اكتفت فيه بالفَرْكِ ، فقد قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ في دَمِ الحيض يُصيب الثَّوب، قال: « تَحُتُّه، ثمَّ تَقْرُصُه بالماء ، ثمَّ تَنْضِحُه ، ثمَّ تصلِّي فيه » . فلا بُدَّ من الغَسْل بعد الحتِّ ، ولو كان المنيُّ نجساً كان لا بُدَّ من غَسْله ، ولم يُجْزِئ فَرْكُ يابِسِه كدَمِ الحيض.
3- أن هذا الماء أصل عِبَاد الله المخلصين من النَّبيين ، و الصِّدِّيقين ، و الشُّهداء ، و الصَّالحين ، و تأبى حكمة الله تعالى ، أن يكون أصل هؤلاء البَررة نَجِساً.
و مرَّ رجل بعالمين يتناظران ، فقال : ما شأنكما ؟ قال : أحاول أن أجعل أَصْلَه طاهراً، و هو يحاول أن يجعل أصْلَه نجِساً ؛ لأن أحدهما يرى طهارة المنيِّ ، والآخر يرى نجاسته.اهـ

وها أنا ذا أشرع في بيان ما في تلك الأدلة . فأقول مستعينا بالله الجواد الكريم :
أما أولا :
•بيان أمر النبي صلى الله عليه و سلم بغسل المني ، و إبطال حجة من يتمسك بالبراءة الأصلية :
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال :
« ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : توضأ واغسل ذكرك ثم نم »
أخرجه البخاري (286) و مسلم (730) .
و قوله :" توضأ ...إلخ " الواو هنا للجمع و ليست للترتيب . أي فاجمع بين غسل الذكر و الوضوء ، و معلوم أن غسل الذكر يكون أولا .
و قد رواه ابن حبان في صحيحه (1212) بلفظ : « اغسل ذكرك ثم توضأ ثم ارقد »
و عند أحمد (5190) و الدارمي (756) بلفظ : « سأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تصيبني الجنابة من الليل فأمره أن يغسل ذكره وليتوضأ ».
و في هذا دليل واضح على نجاسة المني ، و هو نظير قوله صلى الله عليه و سلم في المذي - و هو نجس بالإتفاق - : « توضأ و اغسل ذكرك » أخرجه البخاري (266) و مسلم (721).
و الأمر فيه للوجوب ، و لا يقال إنما أمره النبي بغسل الذكر من أجل ما يصيبه من رطوبة فرج المرأة و ليس من أجل المني ، فإنا نقول إنما سأله عمر عن مطلق الجنابة ، و هي تعم الجماع و الإحتلام .
و قد كان عمر رضي الله عنه يعاني من كثرة الإحتلام ؛ ففي الموطأ (111) عن زييد بن الصلت أنه قال :
« خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم ، و صلى ولم يغتسل ، فقال : والله ما أراني إلا احتلمت و ما شعرت ، و صليت و ما اغتسلت ! قال : فاغتسل و غسل ما رأى في ثوبه ، و نضح ما لم ير ، و أذن أو أقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا »
و في رواية محمد بن الحسن (2/50) قوله : « و لقد سلط علي الإحتلام منذ وليت أمر الناس ».

و لم يكن أمره مقتصرا على أصحابه فحسب ، بل كان هو كذلك يفعل ما يأمرهم به و يواظب عليه . ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت :
« كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام و هو جنب غسل فرجه و توضأ للصلاة ».
رواه البخاري (284) و مسلم (305)
و عند أحمد (26045) : عن أبى سلمة قال :
« سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام وهو جنب ؟ قالت : نعم و لكنه كان لا ينام حتى يغسل فرجه و يتوضأ وضوءه للصلاة ».
و ليس أدل من هذا على نجاسة المني .

و عن زيد بن خالد الجهنى أخبر أنه سأل عثمان بن عفان قال :
قلت : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن ؟ قال عثمان « يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ». قال عثمان رضي الله عنه : سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم
رواه البخاري (288) و مسلم (807)
و مثله عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل ؟ قال :
« يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ و يصلي ».
البخاري (289) و مسلم (805) و لفظه :
قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل ؟ فقال :
« يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ و يصلى ».
و قوله : " يغسل ..." خبر بمعنى الأمر و هو أبلغ عند العلماء من الأمر المجرد ، و هذا مثل قوله تعالى ( و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) أي المطلقات مأمورات بالإنتظار ثلاثة قروء قبل زواجهن .
و وجه الدلالة من الحديثين السابقين قوله : " يغسل ما أصابه .." و من المعلوم أن ( ما ) الموصولة من أدوات العموم ، فدل على نجاسة ما يخرج من فرج المرأة في تلك الحال ، و هو إما أن يكون مذيا أو منيا .
و لا يقال أن هذا قد نسخ . فقد قال البيهقي رحمه الله (2/411) : فإنما نسخ منه ترك الغسل . فأما غسل ما أصابه من المرأة فلا نعلم شيئا نسخه.اهـ
هذا فيما يتعلق بأمره بالقول .
و أما ما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري (241) من حديث ميمونة رضي الله عنه قالت - و هي تصف غسله من الجنابة -:
« وغسل فرجه وما أصابه من الأذى »
و في رواية له أيضا (257) :
« أن النبي صلى الله عليه و سلم اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط ثم غسلها ثم توضأ وضوءه للصلاة فلما فرغ من غسله غسل رجليه ».
و في رواية لمسلم (748) :
« ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا ».
و في صحيح مسلم (482) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل عنه بشماله حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه ».
وجه الدلالة من هذه الروايات : وصف المني بالأذى الذي يعني النجاسة و سيأي مزيد بيان حول هذه الكلمة . و مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم بدلك يده بعد الإنقاء من المني ، كما كان يفعل في الإستنجاء من الغائط ، و في إزالة سائر النجاسات ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
« أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ فلما استنجى دلك يده بالأرض ». أخرجه أبو داود (50) و النسائي (51) و غيرهما
.............
 
إنضم
14 يونيو 2012
المشاركات
307
الكنية
أبو محمد
التخصص
فقه و أصوله
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
------------------
رد: القِطْفُ الجَنِيّ في بيان نجاسة المَنِيّ لشيخنا عبد الوهاب الجزائري

و من الأدلة على نجاسة المني :

حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :
« سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصلي في الثوب الذي آتى فيه أهلي ؟ قال : نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله ».
رواه أحمد (20959) و ابن ماجة (542) و ابن حبان في صحيحه (2333) و أبو يعلى (7460) صححه الأرنؤوط في تعليقه على المسند (5/97) و كذا في تعليقه على ابن حبان (6/102) ، و قال الألباني في " الثمر المستطاب " (328) : رجاله رجال الشيخين.
و هذا فيه الأمر بتطهير الثوب من المني ، حيث علق الإذن في الصلاة فيه بإزالته ، و هو كاف للدلالة على نجاسته .
و مثله عن معاوية بن أبى سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فى الثوب الذى يجامعها فيه ؟ فقالت :
« نعم إذا لم ير فيه أذى ».
رواه أبوداود (366) و ابن خزيمة (776) و ابن حبان (2331)
و مفهوم الشرط أنه إذا رأى فيه أذى لم يصل فيه . و هذا حد النجاسة .

و اعلم أن المراد بالأذى في الحديث المني ، بقرينة الوصف المناسب ، و هو الجماع . إذ هو المتوقع منه . و قد أبعد من زعم أنه الدم . و كذلك أيضا من زعم أن الأذى ليس بظاهر في النجاسة .
و قد ورد في السنة وصف النجاسة بالأذى في أحاديث كثيرة منها – على سبيل المثال -قوله صلى الله عليه و سلم :
" إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " . أخرجه أبو داود (385) ، والحاكم (591) وقال : صحيح على شرط مسلم
و في سنن الدارمي (1008) عن عائشة قالت :
" إذا طهرت المرأة من الحيض فلتتبع ثوبها الذي يلي جلدها فلتغسل ما أصابه من الأذى ثم تصلي فيه ".
و منها قوله صلى الله عليه و سلم :
" فى الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى " . أخرجه النسائي (4214) .
قال الطحاوي : أن الأذى الذي أمر بإماطته عن رأس المولود هو الدم الذي كان يلطخ به رأسه في الجاهلية . و قال الخطابي : هو ما علق به من دم الرحم .

و من الأدلة على أن المني أذى نجس :

ما رواه ابن خزيمة في صحيحه (280) بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت :
" تتخذ المرأة الخرقة فإذا فرغ زوجها ناولته فيمسح عنه الأذى ومسحت عنها ثم صليا في ثوبيهما ".
و في " سنن " البيهقي (4303) : قالت :
" ينبغى للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة ، فإذا جامعها زوجها ناولته فيمسح عنه ، ثم تمسح عنها ، فيصليان فى ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة ".
و لا شك أن هذا الأمر كانت تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و يطلع عليه و تأخذه عنه . فلا غرو أن يتفق أزواجه على حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم الصلاة في الثوب الذي يحمل المني ، إلا بعد تطهيره .
ففي صحيح البخاري (228) عن سليمان بن يسار قال : سألت عائشة عن المني يصيب الثوب ؟ فقالت :
« كنت أغسله من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة و أثر الغسل في ثوبه بقع الماء ».
و في صحيح مسلم (698) عن عمرو بن ميمون قال : سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب ثوب الرجل أيغسله أم يغسل الثوب ؟ فقال :
أخبرتنى عائشة « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة فى ذلك الثوب و أنا أنظر إلى أثر الغسل فيه ».
قال الشنقيطي في " أضواء البيان " (2/400) : و هذه الرواية الثابتة في صحيح مسلم تقوي حجة من يقول بالنجاسة ؛ لأن المقرر في الأصول : أن الفعل المضارع بعد لفظة كان يدل على المداومة على ذلك الفعل ، فقول عائشة في رواية مسلم هذه : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل "، تدل على كثرة وقوع ذلك منه ، و مداومته عليه ، و ذلك يشعر بتحتم الغسل.اهـ
قال القرطبي في " المفهم " (1/549) : لا يقال : كان غسله إياه مبالغة في النظافة ، لأنا نقول : الظاهر من غسله للصلاة ، و انتظار جفافه و خروجه إليها و في ثوبه بقع الماء ، أن ذلك إنما كان لأجل نجاسته . و أيضا فإن مناسبة الغسل للنجاسة أصلية ، إذ هي المأمور بغسلها ، فحمل الغسل على النجاسة أولى .اهـ
قلت : و من إشارة الحديث ؛ الدلالة على أمر النبي صلى الله عليه و سلم بغسله ، إذ لا يتصور أن تفعل عائشة ذلك دون أن يأمرها به . و بهذا يندفع قول من قال أن فعلها فعل مجرد لا يدل على الوجوب .
و فيه أيضا أن المني لو كان طاهرا لتركه النبي صلى الله عليه وسلم على حاله مرة لبيان الجواز . فلما لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم على ثوبه مرة دل على أنه نجس . و مواظبته صلى الله عليه وسلم على شيء من غير ترك في الجملة يدل على الوجوب بالإتفاق .
 
إنضم
14 يونيو 2012
المشاركات
307
الكنية
أبو محمد
التخصص
فقه و أصوله
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
------------------
رد: القِطْفُ الجَنِيّ في بيان نجاسة المَنِيّ لشيخنا عبد الوهاب الجزائري

وبقية البحث هنا لمن اراد ان يجعلها رسالة يتفع بها الطلبة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=183165
 
أعلى