د. مختار بن طيب قوادري
:: متخصص ::
- إنضم
- 21 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 396
- الإقامة
- وهران- الجزائر
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- الشريعة والقانون
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- سعيدة
- المذهب الفقهي
- مالكي
حرروا البحث العلمي من الإغراق في الشكليات
الدراسات الفقهية نموذجا
من المقرر عند أهل العلم أن الاعتدال في البحث العلمي هو فضيلة بين رذيلتين؛ هما الاطناب و الحشو والاستطراد من غير ما داع من جهة، والاختصار المخل والسطحية الموغلة التي لا طائل من ورائها مع وجود الداعي للشرح والبيان. فما أكثر ما اشتهرت كتب "الوسيط، والوجيز، والتلخيص، فضلا عن، المتون، والميسر..." عن كتب " لجـامـع والموسوعـة ونحو ذلك" التي أغرقنا بعضُهــا بالتفاصيل حتى خرجت في ثناياها عن حدود الدراسة، فتجد من يقول عن التفسير الكبير للرازي مثلا بأن فيه كل شيء إلا التفسير ، ومن يدافع عنه يقول فيه كل شيء مع التفسير، ولست أقصد أن أحاكم الرازي- رحمة الله عليه- فهو صاحب القدح المعلى، وقد تكون له مبررات عصره ومصره الذي دفعته إلى ذلك. بينما اشتهرت تفاسير مختصرة أو متوسطة الحجم مثل تفاسير البيضاوي وابن كثير والقرطبي ابن العربي والجصاص ..الخ. وهذا ينطبق على كتب الصحاح مقارنة بكتب السنن. بل لعلك تستغرب ما السر وراء اشتهار بعض كتب السنة كالموطأ ورياض الصالحين بل الأربعين نووية، وقد يُعْزِي بعضنا ذلك إلى تقوى أصحابها، وهذا لا شك فيه، لكن هذه الكتب فيها منهج علمي وحسن ترتيب وتبويب جعلها ميسورة التداول. طبعا قد يُرد على هذا بأن فتح الباري لابن حجر كبير وهو أكثر انتشارا من عمدة القاري الذي هو أقل حجما، وهذا صحيح، ويرجع ذلك إلى أن شرح ابن حجر له منهج فائق الدقة والتميز؛ جمع بين الصناعة الحيثية والصناعة الفقهية، وليس المعتبر حجمه. وهي نفس العلة التي جعلت النووي يبَزُّ غيره في شرحه لصحيح مسلم والله تعالى أعلم. أعتقد أن ما أطرحه، قد يكون مسلما بين أهل العلم من حيث المبدأ، لكن من حيث التطبيق فهم يختلفون اختلافـا بينـا، سواء في ظل شجرة الدراسات الإسلامية بمختلف أفنانها، أو حتى في التخصص الواحد أحياناً. كما ينجم الخلاف أيضا بين منهج الدراسات الإسلامية ومنهج أصحاب العلوم الإنسانية الأخرى المختلفة؛ كالدراسات القانونية أو الأدبية أو الاجتماعية. ولذلك، ارتأيت أن أطرح هذا الموضوع للنقاش؛ لنصل فيه إلى حد أدنى مقبول نرتضيه، ونستطيع من خلاله الاتفاق على ما هو مستحسن ما هو مستهجن في الدراسات الفقهية. ففي الدراسات الفقهية، فضلا عن غيرها، في تصوري الخاص، لا يُقبل الإطنـاب في تعريف المعروف؛ ككلمة الفقـه، والصلاة والزكاة ونحو ذلك. كما لا يقبل الإكثـار من حجم التراجـم؛ لأن ذلك يناسب الدراسات الحديثيـة، وإنما يُكتفى بسطر أو سطرين، وذلك إذا دعت الضرورة لمعرفة سياق الكاتب الزمكاني، وما لم تدع الضرورة له، فلا طائل من ورائه. فمثل هذا لا يقبل بشكل خاص في الدراسات الفقهية المقارنة بغيرها كعلم القانون مثلاً، حيث لا يقبل أهله مبينين أن هذا ضرب من السيرة الذاتية " cv"وليست ترجمة لعَلَمٍ أومؤلف. وفي الدراسات الفقهية البحتة قد يتوقف البعض في معرفة ضوابط ترجمة الأعلام، هل يتعلق بغير المشهورين، مع أن هذا نسبي للبعض، وما مدى استفادتنا من هذا، عدا أن يكون ترجمة العلم تمليها الضرورة كمعرفة الراوي في تخريج الحديث، أو معرفة سياق فتوى مفتي أو اجتهاد عالم؛ لنتبين ما ينبني من الأحكام على العوائد والمصالح. و في الدراسات الفقهية، في تصوري الخاص، لا تقبل الفصول والأبواب التمهيدية، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك ؛ كبيان الخلفية التاريخية للبحث، ويمكن وضع ذلك تحت مسمى تمهيـد أفضل من باب تمهيدي أو فصل تمهيدي؛ لما يقتضيه من مرونة يجب أن تكون للباحث، تجعله غير مقيد بعدد مباحث وما شاكله. وليس بالضرورة تقسيم البحث إلى مباحث ومطالب، خصوصا لدى الباحثين المتقدمين، بل يمكن أن تعالج المادة العلمية تحت محاور أو فصول؛ كما هو معمول في طريقة البحوث والدراسات الغربية "chapter 01, 02…". ويمكن أن يكتفى بذكر بيـانـات المراجع، في ذيل البحث في ثبت المراجع، في الرسائل الجامعية، وليس بالضرورة عند أول ذكر أو في كل صفحة إذا تعددت الطبعات، تيسيرا على الباحث؛ لأن المراجع الآن متوفرة حتى على الشبكة العنكبوتية، ويمكن الاستيثاق من معلومة يوردها الباحث ويعزيها لمرجع ما. وما يقال عن الرسائل ينطبق على المقـالات العلميـة المحكمـة في المجـلات المحليـة أو الدوليـة، وما يتعلق بها من ضوابـط من حيث الحـد الأدنى والأعلى لحجم المقال والمنهـج المتبع غير المعلـن عنه. ومن حسن الحظ أن بعض القائمين على المجلات يطلبون تعديلات، ولك أن تدخل معهم في نقاش لإقناعهم بوجهة نظرك أو تقتنع بوجهة نظرهم، إلا أنا هذا ليس مطردا مع الجميع، فربما عد ذلك من سوء الأدب في مناقشة لجنة التحكيم، فينساق الباحث وراء طلب تعديل، بغير قناعة، وربما يضر التعديل المقال أكثر مما ينفعه. قد يكون من الحكمة ألا نوغل في ذكر الأمثلة، ونترك المجال للباحثين الفضلاء والباحثات الفضليات للإدلاء بدلوهم، نفيا وإثباتا، تنظيرا وتطبيقا؛ لنكتشف معالم هذا الموضوع، فما أحوجنا إلى وضع ضوابط وأسس عامة تكون نبراسا للباحثين، في أطروحاتهم ودراساتهم ومقالاتهم العلمية، تبين ما هو مقبول مما هو مستهجن. ولا يضر إن اتفقنا على كثير من الأفكار واختلفنا في بعضها، فالعبرة بالغالب لا للشاذ النادر، والمنهـج العلمـي الذي اعتدنـا عليه ليس مقدسـاً، إذ لا يعدو أن يكون وسيلـة؛ فهو خـادم للموضوع لا العكس، ويغتفـر في الوسائـل ما لا يغتفـر في المقاصـد. والله تعالى أعلـم والـرد إليـه أسلـم وأحكـم.الدراسات الفقهية نموذجا