د. نعمان مبارك جغيم
:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
- إنضم
- 4 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 197
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- أصول الفقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- -
- المذهب الفقهي
- من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
التعريف الجامع المانع
لقد كان من آثار صناعة المنطق الصوري، وخاصة مسألة التعريف بالحد، أن شاع بين كثير من المتأخرين من الأصوليين والفقهاء العناية الشديدة بصياغة التعريفات الحدية. ولا شكّ أنه من الجميل أن يُصاغ تعريف واضح جامع مانع لمصطلح من المصطلحات، يتمكَّن به القارئ من تحصيل فكرة عامة عن مفهوم ذلك المصطلح. ولكن عندما يبالغ الكاتب في اعتصار الألفاظ ويغلِّب الرغبة في الاختصار على الوضوح، يصير التعريف أقرب إلى الإلغاز، ولا يحصل منه القارئ على معنى واضح لذلك المصطلح. ولأن صاحب التعريف ذاته يُدرك أن التعريف الذي اعتصره لا يفي بالغرض الأصل من التعريف، وهو إعطاء فكرة واضحة عن المصطلح، فإنه يلجأ إلى وضع جريدة طويلة لبيان معاني الألفاظ الواردة في التعريف وإخراج المحترزات. وينتهي الأمر بفقدان التعريف لخاصيتي الوضوح والإيجاز. فلا يكون التعريف مستغنيا بنفسه في بيان معنى المصطلح لعدم وضوحه، كما أنه لا يكون موجزا؛ لأن صاحبه يكتب صفحات عديدة في شرحه وإخراج المحترزات، ولا يحصل القارئ على المعنى الواضح للمصطلح إلا بعد قراءة صفحات عديدة في شرح التعريف، وتصبح الحقيقة أن التعريف استغرق صفحات كثيرة وليس عبارات موجزة. ولو أن الكاتب وضع تعريفا بسيطا ومطوَّلا دون اعتصار للألفاظ، لما احتاج الأمر إلى أكثر من نصف صفحة ليصير مفهوم المصطلح في غاية الوضوح للقارئ مع كونه جامعا مانعا، دون أن يُتْعِب نفسَه زمنا في اعتصار الألفاظ، ثم يتعبها ثانيا في شرح تلك الألفاظ وإخراج المحترزات، ولوفَّر على نفسه وعلى القارئ وقتا وجهدا وورقا للكتابة.
وقد جاء على المؤلِفين في العلوم الشرعية زمنٌ أصبح فيه وضعُ مثل تلك التعريفات مقصدا من مقاصد التأليف عند بعضهم، فيُتْعب أحدُهم نفسه دهرا طويلا لاعتصار تعريفات من ذلك النوع، ثم يأتي آخر ليُتْعب نفسه دهرا آخر في شرح تلك التعريفات. ولو أن الأوّل وضع تعريفات بسيطة وواضحة دون تكلُّف في الاختصار والاعتصار لأراح نفسه وأراح من جاء بعده. وقد تزامن هذا الفعل مع فعل آخر هو وضع متن في غاية الاختصار، ثم بعد وقت يتولى صاحبه شرحه، وقد يلجأ أحيانا إلى وضع حاشية على ذلك الشرح. وكأن ذلك المتن قد اكتسب قداسة لا ينبغي تجاوزه بسببها، فيلجأ صاحبه إلى شرحه بدلا من إنشاء كتاب مفصَّل في ذلك العلم. ويكون سائغا أن يلجأ عالمٌ إلى شرح مَتْن وضعه غيرُه، إذا كان ذلك المتن قد اكتسب مكانة في المذهب، أما أن يلجأ الشخص إلى شرح المتن الذي وضعه هو بنفسه، فهو أمر لا يخلو من الطرافة.
ومن آثار الشكلية في التعريفات أنك تجد البعض يُسَوِّد صفحات في استعراض تعريفات السابقين ونقدها. وعندما يكون النقد بسبب قصور في المفهوم الذي يشمله التعريف، فذلك أمرٌ مطلوب، أما عندما تكون الاعتراضات الطويلة شكلية فإنه لا يكون من وراء الاشتغال بها فائدة ذات بال؛ لأن ما غاب عن صاحب ذلك التعريف المُنتَقَد في تعريفه المُعْتصر سيكمله في ما يضعه بعد ذلك من شرح على ذلك التعريف عند شرح مفرداته وإخراج المحترزات، فتكون المحصلة في النهاية واحدة، ولكن بعد جهد ووقت طويلين.