رد: هل يحكم بنجاسة الفضلات من النبي صلى الله علية وسلم ؟
أرجو أن تدلنا على موضع كلام الدارقطني على هذا الحديث فى كتبه جزاك الله خيراً.
هو في (علله) 16/415 والعبارة بتمامها : (وسئل عن حديث أم أيمن قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة في البيت، فبال فيها ثم قمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أعلم، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أما إنك لا تتجعين بطنك أبدا.
فقال: يرويه أبو مالك النخعي، واسمه عبد الملك بن حسين، واختلف عنه؛ فرواه شهاب، عن أبي مالك، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن أم أيمن.
وخالفه سلم بن قتيبة، وقرة بن سليمان فروياه، عن أبي مالك، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن.
وأبو مالك ضعيف، والاضطراب فيه من جهته)
والذي نُسِبَ إلى الدارقطني تصحيحه هو طريق الحجاج عن ابن جريج عن حكيمة عن أمها أميمة الحديث.
فهم ذلك ابن القطان الفاسي من أجل إيراده حكيمة في (الإلزامات) وتابعه ابن الصلاح ثم أخذه الناس من بعده عنه، واعترض عليه بأن الدارقطني إنما ذكر في (الإلزامات) أن حكيمة ممن يلزم البخاري إخراج حديثها ، لا أن حديثها في شرب البول بعينه صحيح.
وقد كنت ظننت أن الذي نقل تصحيح الدارقطني اعتمد تصحيحه في السنن ، ثم تبين لي أنه اعتمد نقل ابن الصلاح عنه من تعليقه على (الوسيط) وقد بان لك ما فيه
أما شعره صلى الله عليه وسلم وما روي فيه ، فهذا مبني على نجاسة الشعر من غيره ، والمعتمد عدم نجاسته ، فلا خصوصية.
وعلى فرض صحة ما ورد في شرب البول فقد يعترض على الدلالة بأن يقال إن الشرب إن كان من أجل التداوي كما زعمه بعضهم ، فهو لا يمنع القول بالنجاسة كأبوال الإبل.
وإيضاً فقد وردت روايات صريحة في أن الشارب لم يعلم بأن المشروب بول. فلا يستفاد منه الطهارة بل رفع التحريم والعتب على ما هي القاعدة أن الحرام يثبت حكمه بمعرفته.
وأيضاً لو كان طاهراً لما أمر بإراقته لأنه مال.
وأيضاً لو كان طاهراً لبطل الإستدلال بحديث عائشة في فرك المني على طهارته من ابن آدم لاختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بطهارة فضلاته.
وغير ذلك.
وعلى كل إن كان النقاش متعلق بدلالة الأحاديث ففي ثبوتها ودلالتها نظر.
وإن كان على النقل عن المذهب فيبقى ما ذكرته من إشكال وهو أن النقل يفيد ترجيح القول بالنجاسة لكثرة القائلين به ولاتفاق الشيخين عليه وغيره مما تقدم.
وهنا أمر ، وهو أني أرى الأخوة يكررون أن الطهارة وجه قال به الخراسانيون، أو نقله عنهم العمراني ، بشكل يوهم أن الطهارة وجهاً واحداً عند الخراسانيين ، وقد كررت أنه أحد الوجهين عندهم، بمعنى أن النجاسة متفق عليها بين الخراسانيين والبغداديين ، لكن الطهارة وجه آخر عند الخراسانيين.
ولو عرضنا المذهب مرة أخرى نقول : أطلق إمام المذهب نجاسة البول والغائط ، اختار شيخا المدرستين أبو حامد والقفال نجاستهما ولو من النبي صلى الله عليه وسلم ، المذهب ليس إلا النجاسة عند العراقيين ، وهو المنقول عن الأكثرين مطلقاً، اختاره شيخا المذهب الرافعي والنووي، اختاره كثيرٌ بعدهما.
إن جاز في هذه المسألة أن ننسب للمذهب خلاف ذلك لأن الرملي والمحشين اختاروا الطهارة ، فكذلك غيرها من المسائل ، وإلا كان حكماً بالتشهي.
فإن قيل : هذا قاصر على ما اختلف فيه ابن حجر والرملي فكل ما اختلفا لم يجز الإعتراض على أحدهما باتفاق الشيخين فضلاً عن قول أحدهما.
اعترض عليه بأن هذا مبني على أن معتمد المذهب هو قول ابن حجر والرملي أو أحدهما بحسب ترجيح كل جماعة. أما من قال كلام جميع المتأخرين معتمد ـ تقريباً كما ذهب إليه الشيخ الدكتور محمد الكاف ـ فإن كل واحد من المتأخرين ـ تقريباً ـ إن خالف الشيخين لم يجز الإعتراض عليه بهما، فيسقط بذلك أول ما يسقط ـ في نظري ـ اعتراض ابن حجر على المزجد مخالفته للشيخين في كثير من المسائل في (العباب). وهكذا تسقط القيمة الفعلية لما يُذكر حول اتفاق الشيخين أو اختيار أحدهما حيث لم يتكلم الآخر.
أما ما يذكر من حجج ، فهو تفقه لا نقل مذهب أو تخريج على ما هو المذهب. وهذا أن قبلناه لما خلا قول من هذه الدعوى وكل متأخر يخالف الشيخين يدعيها، ألا ترى المزجد يقول أنه ما ترك قول الشيخين إلا حيث خالفا الأصوب! فاغلقوا باب الإحتجاج بكلام الشيخين في الجملة واجعلوا المسألة مبنية على ترجيح المتأخر مطلقاً!
والله أعلم