العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خطأ شائع في تفسير سبب نشوء مدرسة أهل الحديث و أهل الرأي

إنضم
14 يناير 2010
المشاركات
545
الجنس
أنثى
التخصص
دراسات
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
الحمد لله، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين
بعد قراءتي للكتاب الرائق (منهج البحث و الفتوى في الفقه الإسلامي بين انضباط السابقين و اضطراب المعاصرين السيد سابق و الأستاذ القرضاوي نموذجا) للأستاذ المحقق محمد مصطفى البشير الطرابلسي الليبي حفظه الله تعالى،رأيت أن أتحفكم ببعض الفوائد المنتقاة منه، و هذا أوان الشروع في ذلك.
تنبيه:الكتاب من أقوى ما كتب في الرد على المتمجهدين المعاصرين.
يقول حفظه الله تعالى:
(خطأ شائع في تفسير سبب نشوء المدرستين
وقد ذاع في معظم الكتابات المعاصرة التي تحدثت عن تاريخ الفقه الإسلامي أن سبب نشوء المدرستين يعود إلى كثرة الحديث والرواية في الحجاز، مما أغنى علماءها عن اللجوء إلى الرأي، بينما شاع الوضع في الحديث بالعراق مما جعل العلماء بها يشددون في شروط قبول الرواية، هذا مع قلة الرواية والحديث أصلاً بهذا المصر، أضف إلى ذلك كثرة المسائل التي يحتاج إلى معرفة أحكامها، والناجمة عن كثرة العادات والنظم التي خلفتها دولة الفرس بها، في حين اتسم الحجاز بالبساطة في العيش ونمط الحياة.
هذا التعليل الشائع اليوم في تفسير نشأة المدرستين غير صحيح، وذلك لمخالفته بعض الحقائق المتعلقة بتاريخ الفقه وهي:
أولاً:نحواً من ألف وخمس مئة صحابي رضي الله عنهم نزلوا بالكوفة وأقاموا بها، وفيهم الكثير ممن اشتهر برواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بل إن بعضهم كان من المكثرين في الرواية كابن عباس، وأنس بن مالك، وكان من أوائل من سكنها: عبد الله بن مسعود الذي اهتم بتعليم أهلها، حتى بلغت عدة القراء والفقهاء والمحدثين الذين تتلمذوا عليه وعلى أصحابه نحو أربعة آلاف ثم واصل هذه المهمة من بعده الإمام علي رضي الله عنه، حتى أصبحت الكوفة لا نظير لها في كثرة الفقهاء والمحدثين.
يقول أنس بن سيرين: (أتيت الكوفة فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث وأربع مئة قد فقهوا).
ثانيا: مما ينبغي الانتباه له أن أحاديث الحرمين كانت معروفة لدى علماء التابعين وتابعيهم، ويدخل في ذلك الكوفيون منهم والسبب في ذلك: أن فقهاء التابعين ومحدثيهم بالكوفة لم يكتفوا بالرواية والأخذ عن الصحابة الذين أقاموا بها دون غيرهم بل نجدهم قد رحلوا وأخذوا عمن كان من الصحابة في مكة والمدينة، وقد ذكر ابن سعد في (طبقاته) مئتين واثنين ممن قام بذلك من تابعي الكوفة.
أضف إلى هذا أن الفقهاء والمحدثين من التابعين وتابعيهم كانوا كثيراً ما يلتقون في الحج والعمرة فيطلع كل منهم على ما عند الآخرين من الحديث ويدارسهم فيه، ومن هؤلاء أبو حنيفة الذي حج خمساً وخمسين حجةً لقي فيها كثيراً من العلماء الذين كان من أبرزهم الإمام مالك، فلا عجب إذن أن نجد أبا حنيفة الذي يعد إمام أهل الرأي بالعراق يذكر في كتبه نيفاً وسبعين ألف حديث، وينتقي كتابه الآثار من أربعين ألف حديث !
فعلماء العراق لم يكونوا بمعزل عن غيرهم من المحدثين والفقهاء حتى يقال: أن مادة الحديث عندهم كانت شحيحة!
هذا الإمام البخاري يعدد الأمصار التي دخلها طلباً للحديث، ولكن عند ذكره للكوفة يقول:إنه (لا يحصي عدد مرات ذلك) ولا ريب أن قوله هذا واضح الدلالة على أنها كانت من معادن الحديث.
كل هذه البينات تتجافى والقول بأن بيئة العراق تقل فيها رواية الحديث النبوي والآثار المروية عن الصحابة.
ثالثا:إذا كانت الظروف السياسية والنظم الاجتماعية والخلافات الفكرية هي التي أدت إلى نشوء الرأي بالعراق فكيف برز في هذه الظروف نفسها الإمام أحمد بن حنبل الذي يعد بحق إمام مدرسة أهل الحديث،فهو القائل: (ضعيف الحديث عندي أولى من رأي رجال)،والذي لم يكن يقدم على اجتهاد الصحابة أي اجتهاد،حتى إنه إذا كان لهم رأي أو أكثر في مسألة ما...جعلها كلها أقوالاً له فيها!
رابعاً: أن الإمام مالكاً يعد من المجتهدين بالرأي،على الرغم من نشأته وإقامته بالمدينة،ومعلوم أن مالكاً رضي الله عنه من علماء الحديث رواية ودراية دون منازع، حتى إنه حائز على لقب أمير المؤمنين فيه، وقبل مالك في ذلك شيخه ربيعة بن عبد الرحمن، المعروف بربيعة الرأي، وقد لقب بهذا لكثرة لجوئه إلى هذه الطريقة في الاجتهاد.
وبناء على هذه الحقائق فإن التفسير المنطقي المطابق للواقع لنشوء المدرستين إنما يعود في الأساس إلى منهج التعليم من النصوص الشرعية فمنهج يرى التمسك بظاهر النص مع عدم الخوض في العلل والغايات، وآخر يرى أن للشارع غايات من وراء الأحكام، كما أن للنصوص عللاً بنيت عليها، وهذه وتلك يجب على المجتهد أن يراعيها عند القيام بعملية الاجتهاد والفتوى)إهـ
 
إنضم
21 مارس 2012
المشاركات
168
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سعد المراكشي
التخصص
فقه النوازل المعاصرة
الدولة
المغرب
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
رد: خطأ شائع في تفسير سبب نشوء مدرسة أهل الحديث و أهل الرأي

ما شاء الله، بارك الله فيكم على هذا التقل الطيب، وأضيف أن كل مدرسة قد أخذت بحظ وافر من النص رواية ودراية، فمن غلَّبَ جانب الرواية وتمسَّك بظاهر النص ألحقناه بمدرسة الحديث، ومن غلّب جانب الدراية وإعمال الرأي والأخذ بمآلات الأمور وعلل الأحكام ألحقناه بمدرسة الرأي، والله أعلى وأعلم، والحمد لله أولا وآخرا.
 
أعلى