عبد الله بن الحسن المراكشي
:: متابع ::
- إنضم
- 17 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 41
- التخصص
- الفقه وأصوله
- المدينة
- فاس
- المذهب الفقهي
- مالكي.بسبب وجودي في بلد مالكي وإلا فمذهبي مذهب أهل الحديث
هذا موضوع أحب أن يشارك فيه الإخوة الأفاضل لما له من أثر في المسائل الفقهية:
اقال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 14)
فإن الله و رسوله لا ينفي اسم مسمى أمر - أمر الله به ورسوله - إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله : { لا صلاة إلا بأم القرآن } . وقوله : { لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له } ونحو ذلك فأما إذا كان الفعل مستحبا في " العبادة " لم ينفها لانتفاء المستحب فإن هذا لو جاز ؛ لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج ؛ لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا أبو بكر ولا عمر . فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه ؛ لجاز أن ينفى عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين ، وهذا لا يقوله عاقل . فمن قال : إن المنفي هو الكمال فإن أراد أنه نفي " الكمال الواجب " الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة ؛ فقد صدق . وإن أراد أنه نفي " الكمال المستحب " فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله ولا يجوز أن يقع فإن من فعل الواجب كما وجب عليه ولم ينتقص من واجبه شيئا ؛ لم يجز أن يقال : ما فعله لا حقيقة ولا مجازا . فإذا { قال للأعرابي المسيء في صلاته : ارجع فصل فإنك لم تصل } . { وقال لمن صلى خلف الصف - وقد أمره بالإعادة : لا صلاة لفذ خلف الصف } كان لترك واجب . وكذلك قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } يبين أن الجهاد واجب وترك الارتياب واجب .
وقال في مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 647)
والشارع صلى الله عليه وسلم لا ينفي الإيمان عن العبد لترك مستحب لكن لترك واجب ؛ بحيث ترك ما يجب من كماله وتمامه ؛ لا بانتفاء ما يستحب في ذلك ولفظ الكمال والتمام : قد يراد به الكمال الواجب والكمال المستحب ؛ كما يقول بعض الفقهاء : الغسل ينقسم : إلى كامل ومجزئ فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا إيمان لمن لا أمانة له } و { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } . ونحو ذلك كان لانتفاء بعض ما يجب فيه ؛ لا لانتفاء الكمال المستحب .
وفي مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 652)
وهذا معنى قول من قال : أراد به نفي حقيقة الإيمان أو نفي كمال الإيمان فإنهم لم يريدوا نفي الكمال المستحب فإن ترك الكمال المستحب لا يوجب الذم والوعيد والفقهاء يقولون : الغسل ينقسم إلى : كامل ومجزئ . ثم من عدل عن الغسل الكامل إلى المجزئ لم يكن مذموما . فمن أراد بقوله " نفي كمال الإيمان " أنه نفي الكمال المستحب فقد غلط . وهو يشبه قول المرجئة ولكن يقتضي نفي الكمال الواجب . وهذا مطرد في سائر ما نفاه الله ورسوله : مثل قوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } - إلى قوله - { أولئك هم المؤمنون حقا } ومثل الحديث المأثور : " { لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له } " ومثل قوله صلى الله عليه وسلم " { لا صلاة إلا بأم القرآن } " وأمثال ذلك . فإنه لا ينفي مسمى الاسم إلا لانتفاء بعض ما يجب في ذلك ؛ لا لانتفاء بعض مستحباته فيفيد هذا الكلام أن من فعل ذلك فقد ترك الواجب الذي لا يتم الإيمان الواجب إلا به وإن كان معه بعض الإيمان فإن الإيمان يتبعض ويتفاضل .
وقال في مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 268)
وهذه المواضع قد تنازع الناس في نفيها والذي عليه جماهير السلف وأهل الحديث وغيرهم : أن نفي الإيمان لانتفاء بعض الواجبات فيه والشارع دائما لا ينفي المسمى الشرعي إلا لانتفاء واجب فيه وإذا قيل : المراد بذلك نفي الكمال فالكمال نوعان واجب ومستحب فالمستحب كقول بعض الفقهاء : الغسل ينقسم إلى كامل ومجزئ أي : كامل المستحبات وليس هذا الكمال هو المنفي في لفظ الشارع بل المنفي هو الكمال الواجب وإلا فالشارع لم ينف الإيمان ولا الصلاة ولا الصيام ولا الطهارة ولا نحو ذلك من المسميات الشرعية لانتفاء بعض مستحباتها ؛ إذ لو كان كذلك لانتفى الإيمان عن جماهير المؤمنين بل إنما نفاه لانتفاء الواجبات كقوله عليه الصلاة والسلام { لا صيام لمن لم يبيت النية } و { لا صلاة إلا بأم القرآن } . وقد رويت عنه ألفاظ تنازع الناس في ثبوتها عنه مثل قوله : { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } { ولا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } من ثبتت عنده هذه الألفاظ فعليه أن يقول بموجبها
فيوجب ما تضمنته من : التبييت ؛ وذكر اسم الله ؛ وإجابة المؤذن ؛ ونحو ذلك .
وقال في مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 291)
ثم يختلفون في حرف النفي الداخل على المسميات الشرعية كقوله : { لا قراءة إلا بأم الكتاب } { ولا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } { ولا صلاة لمن لا وضوء له } { ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } فأكثرهم يقولون : هو لنفي الفعل فلا يجزئ مع هذا النفي . ومنهم من يقول : هو لنفي الكمال . يريدون نفي الكمال المسنون . وأما تفسيره بما كمل بالواجب فهو في عرف الشارع لكن الموجود فيه كثيرا لفظ التمام كقوله : { وأتموا الحج والعمرة لله } والمراد بالإتمام الواجب الإتمام بالواجبات وكذلك قوله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } وقوله . { لا تتم صلاة عيد حتى يضع الطهور مواضعه } الحديث . وقوله : { فما انتقصت من هذا فقد انتقصت من صلاتك } ويمكن أن يقال في إتمام الحج والصيام ونحو ذلك : هو أمر مطلق بالإتمام واجبه ومستحبه فما كان واجبا فالأمر به إيجاب وما كان مستحبا فالأمر به استحباب وجاء لفظ التمام في قوله : { فقد تم ركوعه وذلك أدناه } وقوله : { أقيموا صفوفكم فإن إقامة الصف من تمام الصلاة } وروي { من إقامة الصلاة } . والنقص بإزاء التمام والكمال كقوله : { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج } فالجمهور يقولون : هو نقص الواجبات ؛ لأن الخداج هو الناقص في أعضائه وأركانه . وآخرون يقولون : هو الناقص عن كماله المستحب . فإن النقص يستعمل في نقص الاستحباب كثيرا كما تقدم في تقسيم الفقهاء الطهارة إلى كامل ومجزئ ليس بكامل وما ليس بكامل فهو ناقص . وقوله : { فقد تم ركوعه وسجوده وذلك أدناه } وما لم يتم فهو ناقص وإن كان مجزئا .
ثم النقص عن الواجب نوعان : نوع يبطل العبادة كنقص أركان الطهارة والصلاة والحج . ونقص لا يبطلها كنقص واجبات الحج التي ليست بأركان ؛ ونقص واجبات الصلاة إذا تركها سهوا على المشهور عند أحمد ونقص الواجبات التي يسميه أبو حنيفة فيها مسيئا ولا تبطل صلاته كقراءة الفاتحة ونحوها . وبهذا تزول الشبهة في " مسائل الأسماء والأحكام " وهي مسألة الإيمان وخلاف المرجئة والخوارج ؛ فإن الإيمان وإن كان اسما لدين الله الذي أكمله بقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } . وهو اسم لطاعة الله وللبر وللعمل الصالح وهو جميع ما أمر الله به فهذا هو الإيمان الكامل التام ؛ وكماله نوعان : كمال المقربين وهو الكمال بالمستحب وكمال المقتصدين وهو الكمال بالواجب فقط . وإذا قلنا في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن } و { لا إيمان لمن لا أمانة له } وقوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } الآية وقوله : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } وقوله : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } الآية إلى قوله : { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } إذا قال القائل في مثل هذا : ليس بمؤمن كامل الإيمان ؛ أو نفى عنه كمال الإيمان لا أصله ؛ فالمراد به كمال الإيمان الواجب ليس بكمال الإيمان المستحب كمن ترك رمي الجمار أو ارتكب محظورات الإحرام غير الوطء ليس هذا مثل قولنا : غسل كامل ووضوء كامل وأن المجزئ منه ليس بكامل ذاك نفي الكمال المستحب . وكذا المؤمن المطلق هو المؤدي للإيمان الواجب ولا يلزم من كون إيمانه ناقصا عن الواجب أن يكون باطلا حابطا كما في الحج ولا أن يكون معه الإيمان الكامل كما تقوله المرجئة ولا أن يقال : ولو أدى الواجب لم يكن إيمانه كاملا فإن الكمال المنفي هنا الكمال المستحب . فهذا فرقان يزيل الشبهة في هذا المقام ويقرر النصوص كما جاءت وكذلك قوله : { من غشنا فليس منا } ونحو ذلك لا يجوز أن يقال فيه : ليس من خيارنا كما تقوله المرجئة ولا أن يقال : صار من غير المسلمين فيكون كافرا كما تقوله الخوارج بل الصواب أن هذا الاسم المضمر ينصرف إطلاقه إلى المؤمنين الإيمان الواجب الذي به يستحقون الثواب بلا عقاب ولهم الموالاة المطلقة والمحبة المطلقة وإن كان لبعضهم درجات في ذلك بما فعله من المستحب فإذا غشهم لم يكن منهم حقيقة ؛ لنقص إيمانه الواجب الذي به يستحقون الثواب المطلق بلا عقاب ولا يجب أن يكون من غيرهم مطلقا بل معه من الإيمان ما يستحق به مشاركتهم في بعض الثواب ومعه من الكبيرة ما يستحق به العقاب كما يقول من استأجر قوما ليعملوا عملا ؛ فعمل بعضهم بعض الوقت فعند التوفية يصلح أن يقال : هذا ليس منا فلا يستحق الأجر الكامل ، وإن استحق بعضه .
و في مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 530)
وأما ما يقوله بعض الناس : إن هذا نفي للكمال . كقوله : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } فيقال له : نعم هو لنفي الكمال لكن لنفي كمال الواجبات أو لنفي كمال المستحبات ؟ فأما الأول فحق . وأما الثاني : فباطل لا يوجد مثل ذلك في كلام الله عز وجل ولا في كلام رسوله قط وليس بحق . فإن الشيء إذا كملت واجباته فكيف يصح نفيه ؟ ؟ وأيضا فلو جاز لجاز نفي صلاة عامة الأولين والآخرين لأن كمال المستحبات من أندر الأمور . وعلى هذا : فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته . كقوله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقوله تعالى { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } وقوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } - الآية وقوله : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } - الآية ونظائر ذلك كثيرة . ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم { لا إيمان لمن لا أمانة له } و { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب } و { لا صلاة إلا بوضوء } . وأما قوله : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } فهذا اللفظ قد قيل : إنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر عبد الحق الإشبيلي : أنه رواه بإسناد كلهم ثقات وبكل حال : فهو مأثور عن علي رضي الله عنه ولكن نظيره في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له } . ولا ريب أن هذا يقتضي أن إجابة المؤذن المنادي والصلاة في جماعة : من الواجبات ..
و في مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 233)
قالوا : ولا يعرف في كلام الله ورسوله حرف النفي دخل على فعل شرعي إلا لترك واجب فيه كقوله : " { لا صلاة إلا بأم القرآن } و " { لا إيمان لمن لا أمانة له } . ونحو ذلك .
وذكر ابن القيم نحو ذلك في الصلاة وحكم تاركها -فقال:
قالوا ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه:
أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ فما الموجب للخروج عنها .
الثاني: إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل. فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من أجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية. كقوله: لا إيمان لمن لا أمانة له (مسند أحمد) ولا صلاة لمن لا وضوء له (مسند أحمد 2 / 418 أبو داود رقم 101 ابن ماجة رقم 399) ولا عمل لمن لا نية له (ابن ابي الدنيا الإخلاص والنية رقم 59) ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل (أبو داود رقم 2454 النسائي رقم 2331 الترمذي رقم 730 ابن ماجه رقم 1700) ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب (البخاري رقم 756 مسلم رقم 394) ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هو أحب إلى الله منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة .
الثالث: إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به أقرب إلى نفيه من كماله المستحب.
اقال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 14)
فإن الله و رسوله لا ينفي اسم مسمى أمر - أمر الله به ورسوله - إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله : { لا صلاة إلا بأم القرآن } . وقوله : { لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له } ونحو ذلك فأما إذا كان الفعل مستحبا في " العبادة " لم ينفها لانتفاء المستحب فإن هذا لو جاز ؛ لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج ؛ لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا أبو بكر ولا عمر . فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه ؛ لجاز أن ينفى عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين ، وهذا لا يقوله عاقل . فمن قال : إن المنفي هو الكمال فإن أراد أنه نفي " الكمال الواجب " الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة ؛ فقد صدق . وإن أراد أنه نفي " الكمال المستحب " فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله ولا يجوز أن يقع فإن من فعل الواجب كما وجب عليه ولم ينتقص من واجبه شيئا ؛ لم يجز أن يقال : ما فعله لا حقيقة ولا مجازا . فإذا { قال للأعرابي المسيء في صلاته : ارجع فصل فإنك لم تصل } . { وقال لمن صلى خلف الصف - وقد أمره بالإعادة : لا صلاة لفذ خلف الصف } كان لترك واجب . وكذلك قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } يبين أن الجهاد واجب وترك الارتياب واجب .
وقال في مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 647)
والشارع صلى الله عليه وسلم لا ينفي الإيمان عن العبد لترك مستحب لكن لترك واجب ؛ بحيث ترك ما يجب من كماله وتمامه ؛ لا بانتفاء ما يستحب في ذلك ولفظ الكمال والتمام : قد يراد به الكمال الواجب والكمال المستحب ؛ كما يقول بعض الفقهاء : الغسل ينقسم : إلى كامل ومجزئ فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا إيمان لمن لا أمانة له } و { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } . ونحو ذلك كان لانتفاء بعض ما يجب فيه ؛ لا لانتفاء الكمال المستحب .
وفي مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 652)
وهذا معنى قول من قال : أراد به نفي حقيقة الإيمان أو نفي كمال الإيمان فإنهم لم يريدوا نفي الكمال المستحب فإن ترك الكمال المستحب لا يوجب الذم والوعيد والفقهاء يقولون : الغسل ينقسم إلى : كامل ومجزئ . ثم من عدل عن الغسل الكامل إلى المجزئ لم يكن مذموما . فمن أراد بقوله " نفي كمال الإيمان " أنه نفي الكمال المستحب فقد غلط . وهو يشبه قول المرجئة ولكن يقتضي نفي الكمال الواجب . وهذا مطرد في سائر ما نفاه الله ورسوله : مثل قوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } - إلى قوله - { أولئك هم المؤمنون حقا } ومثل الحديث المأثور : " { لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له } " ومثل قوله صلى الله عليه وسلم " { لا صلاة إلا بأم القرآن } " وأمثال ذلك . فإنه لا ينفي مسمى الاسم إلا لانتفاء بعض ما يجب في ذلك ؛ لا لانتفاء بعض مستحباته فيفيد هذا الكلام أن من فعل ذلك فقد ترك الواجب الذي لا يتم الإيمان الواجب إلا به وإن كان معه بعض الإيمان فإن الإيمان يتبعض ويتفاضل .
وقال في مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 268)
وهذه المواضع قد تنازع الناس في نفيها والذي عليه جماهير السلف وأهل الحديث وغيرهم : أن نفي الإيمان لانتفاء بعض الواجبات فيه والشارع دائما لا ينفي المسمى الشرعي إلا لانتفاء واجب فيه وإذا قيل : المراد بذلك نفي الكمال فالكمال نوعان واجب ومستحب فالمستحب كقول بعض الفقهاء : الغسل ينقسم إلى كامل ومجزئ أي : كامل المستحبات وليس هذا الكمال هو المنفي في لفظ الشارع بل المنفي هو الكمال الواجب وإلا فالشارع لم ينف الإيمان ولا الصلاة ولا الصيام ولا الطهارة ولا نحو ذلك من المسميات الشرعية لانتفاء بعض مستحباتها ؛ إذ لو كان كذلك لانتفى الإيمان عن جماهير المؤمنين بل إنما نفاه لانتفاء الواجبات كقوله عليه الصلاة والسلام { لا صيام لمن لم يبيت النية } و { لا صلاة إلا بأم القرآن } . وقد رويت عنه ألفاظ تنازع الناس في ثبوتها عنه مثل قوله : { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } { ولا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } من ثبتت عنده هذه الألفاظ فعليه أن يقول بموجبها
فيوجب ما تضمنته من : التبييت ؛ وذكر اسم الله ؛ وإجابة المؤذن ؛ ونحو ذلك .
وقال في مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 291)
ثم يختلفون في حرف النفي الداخل على المسميات الشرعية كقوله : { لا قراءة إلا بأم الكتاب } { ولا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } { ولا صلاة لمن لا وضوء له } { ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } فأكثرهم يقولون : هو لنفي الفعل فلا يجزئ مع هذا النفي . ومنهم من يقول : هو لنفي الكمال . يريدون نفي الكمال المسنون . وأما تفسيره بما كمل بالواجب فهو في عرف الشارع لكن الموجود فيه كثيرا لفظ التمام كقوله : { وأتموا الحج والعمرة لله } والمراد بالإتمام الواجب الإتمام بالواجبات وكذلك قوله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } وقوله . { لا تتم صلاة عيد حتى يضع الطهور مواضعه } الحديث . وقوله : { فما انتقصت من هذا فقد انتقصت من صلاتك } ويمكن أن يقال في إتمام الحج والصيام ونحو ذلك : هو أمر مطلق بالإتمام واجبه ومستحبه فما كان واجبا فالأمر به إيجاب وما كان مستحبا فالأمر به استحباب وجاء لفظ التمام في قوله : { فقد تم ركوعه وذلك أدناه } وقوله : { أقيموا صفوفكم فإن إقامة الصف من تمام الصلاة } وروي { من إقامة الصلاة } . والنقص بإزاء التمام والكمال كقوله : { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج } فالجمهور يقولون : هو نقص الواجبات ؛ لأن الخداج هو الناقص في أعضائه وأركانه . وآخرون يقولون : هو الناقص عن كماله المستحب . فإن النقص يستعمل في نقص الاستحباب كثيرا كما تقدم في تقسيم الفقهاء الطهارة إلى كامل ومجزئ ليس بكامل وما ليس بكامل فهو ناقص . وقوله : { فقد تم ركوعه وسجوده وذلك أدناه } وما لم يتم فهو ناقص وإن كان مجزئا .
ثم النقص عن الواجب نوعان : نوع يبطل العبادة كنقص أركان الطهارة والصلاة والحج . ونقص لا يبطلها كنقص واجبات الحج التي ليست بأركان ؛ ونقص واجبات الصلاة إذا تركها سهوا على المشهور عند أحمد ونقص الواجبات التي يسميه أبو حنيفة فيها مسيئا ولا تبطل صلاته كقراءة الفاتحة ونحوها . وبهذا تزول الشبهة في " مسائل الأسماء والأحكام " وهي مسألة الإيمان وخلاف المرجئة والخوارج ؛ فإن الإيمان وإن كان اسما لدين الله الذي أكمله بقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } . وهو اسم لطاعة الله وللبر وللعمل الصالح وهو جميع ما أمر الله به فهذا هو الإيمان الكامل التام ؛ وكماله نوعان : كمال المقربين وهو الكمال بالمستحب وكمال المقتصدين وهو الكمال بالواجب فقط . وإذا قلنا في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن } و { لا إيمان لمن لا أمانة له } وقوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } الآية وقوله : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } وقوله : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } الآية إلى قوله : { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } إذا قال القائل في مثل هذا : ليس بمؤمن كامل الإيمان ؛ أو نفى عنه كمال الإيمان لا أصله ؛ فالمراد به كمال الإيمان الواجب ليس بكمال الإيمان المستحب كمن ترك رمي الجمار أو ارتكب محظورات الإحرام غير الوطء ليس هذا مثل قولنا : غسل كامل ووضوء كامل وأن المجزئ منه ليس بكامل ذاك نفي الكمال المستحب . وكذا المؤمن المطلق هو المؤدي للإيمان الواجب ولا يلزم من كون إيمانه ناقصا عن الواجب أن يكون باطلا حابطا كما في الحج ولا أن يكون معه الإيمان الكامل كما تقوله المرجئة ولا أن يقال : ولو أدى الواجب لم يكن إيمانه كاملا فإن الكمال المنفي هنا الكمال المستحب . فهذا فرقان يزيل الشبهة في هذا المقام ويقرر النصوص كما جاءت وكذلك قوله : { من غشنا فليس منا } ونحو ذلك لا يجوز أن يقال فيه : ليس من خيارنا كما تقوله المرجئة ولا أن يقال : صار من غير المسلمين فيكون كافرا كما تقوله الخوارج بل الصواب أن هذا الاسم المضمر ينصرف إطلاقه إلى المؤمنين الإيمان الواجب الذي به يستحقون الثواب بلا عقاب ولهم الموالاة المطلقة والمحبة المطلقة وإن كان لبعضهم درجات في ذلك بما فعله من المستحب فإذا غشهم لم يكن منهم حقيقة ؛ لنقص إيمانه الواجب الذي به يستحقون الثواب المطلق بلا عقاب ولا يجب أن يكون من غيرهم مطلقا بل معه من الإيمان ما يستحق به مشاركتهم في بعض الثواب ومعه من الكبيرة ما يستحق به العقاب كما يقول من استأجر قوما ليعملوا عملا ؛ فعمل بعضهم بعض الوقت فعند التوفية يصلح أن يقال : هذا ليس منا فلا يستحق الأجر الكامل ، وإن استحق بعضه .
و في مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 530)
وأما ما يقوله بعض الناس : إن هذا نفي للكمال . كقوله : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } فيقال له : نعم هو لنفي الكمال لكن لنفي كمال الواجبات أو لنفي كمال المستحبات ؟ فأما الأول فحق . وأما الثاني : فباطل لا يوجد مثل ذلك في كلام الله عز وجل ولا في كلام رسوله قط وليس بحق . فإن الشيء إذا كملت واجباته فكيف يصح نفيه ؟ ؟ وأيضا فلو جاز لجاز نفي صلاة عامة الأولين والآخرين لأن كمال المستحبات من أندر الأمور . وعلى هذا : فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته . كقوله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقوله تعالى { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } وقوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } - الآية وقوله : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } - الآية ونظائر ذلك كثيرة . ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم { لا إيمان لمن لا أمانة له } و { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب } و { لا صلاة إلا بوضوء } . وأما قوله : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } فهذا اللفظ قد قيل : إنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر عبد الحق الإشبيلي : أنه رواه بإسناد كلهم ثقات وبكل حال : فهو مأثور عن علي رضي الله عنه ولكن نظيره في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له } . ولا ريب أن هذا يقتضي أن إجابة المؤذن المنادي والصلاة في جماعة : من الواجبات ..
و في مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 233)
قالوا : ولا يعرف في كلام الله ورسوله حرف النفي دخل على فعل شرعي إلا لترك واجب فيه كقوله : " { لا صلاة إلا بأم القرآن } و " { لا إيمان لمن لا أمانة له } . ونحو ذلك .
وذكر ابن القيم نحو ذلك في الصلاة وحكم تاركها -فقال:
قالوا ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه:
أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ فما الموجب للخروج عنها .
الثاني: إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل. فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من أجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية. كقوله: لا إيمان لمن لا أمانة له (مسند أحمد) ولا صلاة لمن لا وضوء له (مسند أحمد 2 / 418 أبو داود رقم 101 ابن ماجة رقم 399) ولا عمل لمن لا نية له (ابن ابي الدنيا الإخلاص والنية رقم 59) ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل (أبو داود رقم 2454 النسائي رقم 2331 الترمذي رقم 730 ابن ماجه رقم 1700) ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب (البخاري رقم 756 مسلم رقم 394) ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هو أحب إلى الله منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة .
الثالث: إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به أقرب إلى نفيه من كماله المستحب.