رد: عرض موجز لتعاريف علم مقاصد الشريعة الاسمية والوصفية
الحمد لله اولا وثانيا والصلاة والسلام على رسول الله ... اشكركم اخي الحبيب (
محمد افرس ) على المتابعة الطيبة طيب الله قلبك ورفع ذكرك .
انا افهم ماتريد من مصطلحات ، ولكني احثك على التمسك باحد طريقين ، اما الطريق المنطقي في التعريف ، او الطريق الاصولي فالمقاصد هي علل تشريعية والاشتغال بالكشف عن العلة وتبيانها وكيفية استثمارها هو موضوع علم المقاصد ، ومن المعلوم ان موضوع الشيئ : مايبحث فيه عن عوارضه الذاتية . فالكشف والبيان والاستثمار يقود تاملها وتصورها الى وضع التعريف ، والاصولي لايهمه الوصول الى الذاتي بقدر مايهمه التمييز كما هو معلوم من تعريفاتهم الرسمية الوصفية وتقليلهم للتعريفات الذاتية فهم يقولون: الواجب ما اثيب فاعله، وعوقب تاركه لانه عندهم افاد الجمع والمنع ، والقليل منهم ينشد الماهية فيقول فيه :طلب الشارع على سبيل الحتم والالزام ، سائقا الجنس (الطلب) ، والفصل (الحتم ) . فاهل الاصول يسيرون على الطريقة الاسلامية في التعريف بالنافع والجامع المانع لا الواصل الى الماهية او الكنه ، الذي يمتاز بخلوه من الطابع الميتافيزيقي وكلا الطريقين محمود عند اهله .
وقولي بان العلم معرفة ..اقصد به انك ينبغي ان تعرف علم المقاصد بانه نوع من انواع المعرفة هروبا من الدور ،وهو اعم من العلم او الظن لان الكثير من المقاصد مستنبطة ،ولا اقصد به التعريف الذي سقته لك .ثم ان القول الشارح يتكون من بعض الكليات (العرضية والذاتية ، او الذاتية ، او العرضية ) ، ومع تبيان اهل المنطق للفروق بين الذاتي والوصف المجاور وغير المجاور ، وملاحظات الشنقيطي ،ومن قبله : ابن سينا في كتبه والباقلاني والغزالي في المعيار والطوفي في الروضة وابن بدران في النزهة وغيرهم اقول مع ذلك فان التفرقة عند كثير من الناس الى الان ليست بسهلة المنال ، والكثير يقر بصعوبة التفريق بين الذاتي والعرضي وهذا ماهدتني اليه التجربة مع طلابي في الجامعة واطرف مايروى من التفريق بينها : انك لو قيل لك تصور حصانا، فاول ما يتبادر لذهنك الجسمية الحية المشتملة على (القوائم الاربع والراس والذيل )، فهذه ذاتيات مقومة ، اما اللونية فهو وصف لازم (مجاور ) وهو لازم غير مفارق وليس بذاتي كالحيوانية والجسمية المقومان الذاتيان ،واما لون البياض او السواد حصرا فعرض مفارق
، واما الظل فهو غير مجاور وابعد من اللون الابيض او الاسود ، اذ ليس من الذي يخطر بالبال تصوره ،( وهذا التفصيل يختلف بين كتب ابن سينا وما رواه الغزالي في المعيار وشراح الكلنبوي والتجريد اختلافا يسيرا ) ، ومع ذلك يحد اهل المنطق الحصان بالحيوان الصاهل ، وذلك لانهم ينظرون الى المشتركات التي في الاذهان ، ونحن ننظر الى المشتركات التي في الاعيان ، وان تعلم ان الاصوليين ينظرون الى المشتركات التي في الاعيان ويحدون الحدود لا التي في الاذهان ، والا قل لي بربك كيف ساغ لهم ان يقولوا في تعريف الاجماع
اتفاق مجتهدي امة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على امر ديني ، (او كقولهم : على اي امر كان ) ؟جمع الجوامع 1/176.فالاتفاق جنس ، واهل الاجتهاد فصل ، والباقي اعراض عامة نزلت منزلة القيود . وهذا الذي يميز الحد الاصولي في احتوائه على الاعراض ، والذي اشار اليه ابن تيمية ولم يمثل له من علم الاصول في الرد على المنطقيين . وانت بالخيار فيهما ، فهو لم ينفرد وانما متابع للاصوليين ، ومتقدمي المتكلمين .
والحدود التي اتيت بها اخي الحبيب للنحو ومصطلح الحديث ، هي حدود دورية لتكرار بعض المحدود في بعض اجزاء الحد وهو محظور في علم الالة .ويلاحظ على هذه التعريفات التي سقتها في تعقيبك يااخي الحبيب انها خلطت بين القواعد الكلية الموجودة في الواقع التي هي اصول النحو واصول الحديث واصول الفقه ، وبين الصورة الذهنية لدى المجتهد التي هي العلم بها (ففي البرهان كلنبوي في علم المنطق :11 (العلم هو الصورة الحاصلة من الشيئ عند العقل )، فعرفت بعض الكتب الاصولية مثلا الاصول بانها :العلم بالقواعد ...مع ان القواعد نفسها هي اصول الفقه ، اما العلم بها فهو ضروري لاستخدامها حين الاجتهاد وهم خلطوا بين العلم بالقواعد والعلم الذي يبحث فيه عن تلك القواعد التي هي موضوعه ، وموضوع كل علم كما قلنا ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وقد اطلق البعض اصول الفقه واراد به مصادر الفقه ، قال الشافعي
اصول الفقه اربعة : كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله ، واجماع الامة ، والقياس ) ،وقال ابو البركات في المنار : واصول الشرع ثلاثة : الكتاب والسنة واجماع الامة ، والاصل الرابع القياس ، وقال الشاشي في اصوله : اصول الفقه اربع كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله ، واجماع الامة ، والقياس ... هذا لانهم يرون ان موضوع الاصول الادلة ، والبعض الاخر يرى ان موضوعها الادلة وما يطرا عليها ، والاحكام ... ، فيكون تعريف اصول الفقه السليم الموافق لواقع الامور هو
قانون الاجتهاد وقواعد الاستنباط التي يستعين بها المجتهد على استخراج الاحكام الشرعية العملية من ادلتها التفصيلية ).
ملحوظة : قد اختار شيخنا واستاذنا اصولي العراق العلامة (الزلمي ) شفاه الله تعالى ، هذا التعريف وهو الان على فراش المرض وقد بلغ التسعين من عمره المبارك، وقد سبق وان ترجمت له ترجمة مختصرة في هذا الملتقى الكريم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين (وكتبه دكتور علي جميل طارش استاذ اصول الفقه والمقاصد كلية الشريعة جامعة بغداد) .
وانا ،عند وعدي ان شاء الله بكتابة ملخص في الحدود عند اهل المنطق والاصوليين .