رد: ندوة فقه المناسك لعام 1434هـ (فقه آيات أحكام الحج)
الآية الأولى:
﴿ثم أفيضوا
من حيث أفاض الناس
﴾ [البقرة: 199].
استدل الجمهور بهذه الآية: على وجوب النفر من عرفة بعد غروب الشمس.
وجه الدلالة: أنه أمر بالإفاضة من عرفة من حيث أفاض الناس، وقد أفاض النبي صلى الله وعليه وسلم، والناس معه، بعد غروب الشمس.
ونوقش: بأنَّ المراد النفر مِنْ حيث أفاض الناس مِنْ عرفة لا مِنْ المزدلفة، وقد حكى ابن جرير الإجماع على ذلك
[SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]).
فالمقصود: مخالفة طريقة الحمس مِنْ قريش ومَنْ وافقهم، الذين كانوا لا يخرجون مِنَ الحرم، فأمرهم الله
ﻷ بالخروج إلى عرفة والإفاضة معهم.
فهو: أمرٌ بالإفاضة مِنَ المكان لا مِنَ الزمان، ويؤكد هذا التعبير بـ(حيث)؛ إذ هي في الأصل ظرف مكان.
وهناك قول آخر حكاه ابن جرير عن الضحاك: أنَّ المقصود مِنَ الآية هو الإفاضة مِنْ مزدلفة؛ وذلك لأنَّ الإفاضة مِنْ عرفات هي قبل الإفاضة مِنْ مزدلفة وهي بالتالي قبل الوقوف عند المشعر الحرام، وإنما قال الله عز وجل:
﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
﴾ بعد ذكره للإفاضة مِنْ عرفات وبعد الوقوف عند المشعر الحرام، فكان معلومًا أنَّ الله إنما يأمرهم بالإفاضة مِن الموضع الذي لم يفيضوا منه، دون الموضع الذي أفاضوا منه، وغير جائز أنْ يأمر الله عز وجل بأمر لا معنى له.
وذكر ابن جرير: أنَّ هذا القول هو أولى التأويلين، وفساد ما خالفه، لولا الإجماع الذي وصفه في القول الأول، وتظاهر الأخبار بمن حكى عنهم مِنْ أهل التأويل
[SUP]([SUP][2][/SUP][/SUP]).
والشاهد: أنه ليس في الأقوال الواردة في تفسير الآية ما يفيد وجوب النفر مِنْ عرفة بعد غروب الشمس، مما يقدح في صحة الاستدلال بالآية على ذلك.
([1]) وتبعه مِنْ بعده في سياق الأقوال وفي التدليل.
([2] ) «تفسير الطبري» (4/190، 191).