رد: ما مدى صحة قاعدة الإمام الألباني؟
الحمد لله ... لي على ماتقدم امران ورأي . الامر الاول : ان الاخ نضال قال

تقديم فروض الاعيان على الكفايات امر متفق عليه ) ! وهذا غير صحيح ، فالخلاف مشهور بين العلماء فلقد ذكر في شرح الكوكب المنير قولين للعلماء 1/377، وقال :
((وهذا قول الاكثر وقيل عكسه
))،وذكر الطوفي الرايين ولم يرجح واستدل لهماهناك . شرح المختصر 2/410، ونقل ابن اللحام مذهبين في ذلك للعلماء ولم يرجح . القواعد والفوائد 188، وكذلك في جمع الجوامع وشرح المحلي 1/140 ، وهو رأي امام الحرمين كما في الغياثي حيث قال تحت عنوان فروض الكفايات وقد شرح ادلة قوله القاضي بتقديم فرض الكفاية على فرض العين ما نصه : وانا اتحدى علماء الدهر فيما اوضحت فيه مسلك الاستدلال ، فمن ابدى مخالفة فدونه والنزال ، في مواقف الرجال . وهو قول اضمن الخروج عن عهدته في اليوم الجم الاهوال ، اذا حقت المحاقة في السؤال ، من الملك المتعال ، ذي الجلال . ثم قربات العالمين ، وتطوعات المتقربين ، لاتوازي وقفة من وقفات من تعين عليه بذل المجهود في الذب عن الدين . الغياثي 162 .واختارتقديم الكفاية الامام النووي وتبناه وكتب ينصره ويبني عليه في كتابه الرائع المجموع 1/37 ، وهو راي والد امام الحرمين في (المحيط) ، وكذلك الاستاذ ابواسحاق وقد نقله عنه الامام ابن الصلاح في (فوائد رحلته ) ، والامام ابو علي السنجي شيخ العراق وخراسان وقال رحمه الله
قال اهل التحقيق : ان فرض الكفاية أهم من فرض الاعيان ، والاشتغال به افضل من الاشتغال باداء فرض العين ) ، ذكره السنجي في التلخيص . قال الاسنوي في التمهيد والكتاب المذكور جليل القدر ، عظيم الفوائد ثم تبناه الاسنوي بالتفريع عليه . وانت ترى انه نقله عن المحققين وبما ان الامر هكذا فالامر في محل الخلاف واضح ، وليس هناك اي اتفاق ، وبعد النظر في المسالة تبين ان هناك قول للشيخ كمال الدين الزملكاني نقله الزركشي في البحر المحيط يحل الاشكال وهو

( قال الشيخ الزملكاني : ما ذكر من تفضيل فرض الكفاية على فرض العين محمول على ما اذا تعارضا في حق شخص واحد ، ولا يكون ذلك الا عند تعينها وحينئذهما فرضا عين ، وما يسقط الحرج عنه وعن غيره اولى ، واما اذا لم يتعارضا وكان فرض العين متعلقا بشخص ، وفرض الكفاية له من يقوم به ففرض العين اولى .)) ، البحر المحيط للزركشي :251/ 1 ، وهذا عين ما وجدته من الامثلة لشيخ الاسلام ابن تيمية في شرحه لتعارض الحسنات والسيئات ، وهويعبر عن الواجبات بالحسنات ، والمحرمات بالسيئات ، فاذا تعارض فعل المحرم مع الفرض على الكفاية فلشيخ الاسلام هذا التفصيل الاتي الذي ساذكره بتصرف يسير جدا للاختصار ويمكن الرجوع للنص الاصلي في المجموع 20/51 قال رحمه الله : فالتعارض بين حسنة وسيئة ( اي بحق الشخص )لايمكن التفريق بينهما ، بل فعل الحسنة (اي الواجب ) ، مستلزم لوقوع السيئة (اي الحرام ) وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة ، فيرجح الارجح من منفعة الحسنة ومضرة المضرة ...كتقديم المراة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب ، كما فعلت ام كلثوم التي انزل الله فيها آية الامتحان

(ياأيها الذين امنوا إذا جائكم المؤمنات مهاجرات )) الممتحنة : 10 ... وكذلك في باب الجهاد وان كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما ، فمتى احتيج الى قتال قد يعمهم مثل : الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل ، جاز ذلك ، كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق ، وفي اهل الدار من المشركين يبيتون ، وهو دفع لفساد الفتنة _ايضا _ بقتل من لايجوز قصد قتله ...فتبين ان السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو اسوا منها اذا لم تدفع الا بها ، وتحصل بما هو انفع من تركها اذا لم تحصل الا بها ، والحسنة تترك في موضعين: اذا كانت مفوتة لما هو احسن منها ، او مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة . هذا فيم يتعلق بالموازنات الدينية .انتهى كلام شيخ الاسلام .والامثلة التي ساقهارحمه الله تعالى هي لفروض الكفايات اذا تعارضت مع المحرم فانه يغض الطرف عن المحرم للمصلحة ، وقد بين ان ذلك يرجع الى اجتهاد المجتهد حسب الضرورة والمصلحة وضرب امثلة كثيرة في الفتاوى يضيق علي ان اتيكم بها الان فالتراجع في محلها . وتعبيره هذا (الموازنات الدينية )افاد منه ابناء عصرنا اليوم .فالنرجع الى مثال الجامعات ، فالجامعات اليوم في اغلب دول العالم الاسلامي تدرس بطريقة مختلطة ، فاما ان يعطل العلم ، اويبقى هذا الاختلاط فينبغي ان يقيد بشروط الحجاب الى ان تاتي حكومات تفرق بين الجنسين ، وقارن بين ما اورده شيخ الاسلام من تعارض المحرم مع الفرض كسفر المراة من غير محرم لاقامة الدين ، او ضرب الابرياء الاطفال لمصلحة الامة ، وهو من تعارض المحرم مع فروض الكفايات وهو الجهاد هنا ، والامر عائد للمجتهد . فهنا يتضح معنى ما اورده امام الحرمين والذي وضحه الزملكاني وامثلة شيخ الاسلام تدل عليه ، ومن باب الامانة والانصاف فان الامثلة التي ساقها امام الحرمين في الغياثي لا تبعد كثيرا عما ساقه ابن تيمية رحمهم الله جميعا . ولعله يمكن اعادة النظر في الرأيين والتوفيق بينهما والله اعلى واعلم .
الامر الثاني هو عتب موجه الى اخي احمد العتيبي سليل هوازن اظآر النبي صلى الله عليه وسلم وتحفة نجد . هون عليك اخي الحبيب ولقد كان لك على علماء الاصول مناويخ ووقائع ومعارك ، ووالله ماكان يستحق منك امام الحرمين ولا الاستاذ الاسفراييني ولاالامدي ما قلته ، فهؤلاء هم من ناظر اعداء الدين ودحضوهم ، وتركوا لنا ارثا حضاريا رائعا وكفاهم انه لايستطيع من اراد ان يعرف اسرار اصول الفقه الابهم وامثالهم وقد يتطلب ذلك معرفة مسائل علم الكلام وتاثيرها على اصول الفقه فهو مستمد منها كما تعرف ، وان كنت تنقم عليهم بعض مسائل الصفات فانظر الى ماقدموه للامة تعرف فضلهم وامش على طريقة شيخ الاسلام لما ذكر مسالة للعز بن عبد السلام وهو الاشعري الصوفي فقال وجدتها بخط يده الشريفة وكان يترحم على العلماء كثيرا هو وابن القيم رحمهم الله وياخذون منهم كثيرا وليس المجال مجال ذكر فضلهم ، فاذا ما خالفوا رايا ترتضيه وكرهت منهم ذلك فاغمره في بحر تاصيلهم للعلوم واستدلالهم وردهم على اليهود والنصارى والفلاسفة فهو بحر من الحسنات كبير، نعم هناك مواطن اوغل فيها البعض كخطاب المعدوم ، ووضع اللغات ، ومسائل التكليف بالمستحيلات وغيرها يمكن ان نصفي منها كتب الاصول ، لكن ما نحن فيه من تقديم فرض الكفاية ليس منها في شيئ . ثم انت في الفقرة السادسة تطلب حذف ما يتعارض مع اقوال السلف ! فهل السلف اجمعوا على كل شيئ ولم يختلفوا ؟ ان كنت تعني مذهبهم في الصفات فنعم لم يختلفوا ، وان كنت تعني الفقه واصوله فهم قد اختلفوا وليس لك ان تلزم احدا براي احد مادام معه الدليل ، بل قال شيخ الاسلام (( وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالواوفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا انه بدعة ، اما لاحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة ، وامالآيات فهموا منها ما لم يرد منها ، واما لراي رأوه، وفي المسالة نصوص لم تبلغهم )) وقال : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح في خطبة يوم الجمعة : ((خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )
ولم يقل : وكل ضلالة في النار ، بل يضل عن الحق من قصد الحق وقد اجتهد في طلبه فعجز عنه فلا يعاقب ، وقد يفعل بعض ما امر به فيكون له اجر على اجتهاده ، وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الامر مغفور له الفتاوى 19/193. فهل نصفي كتبنا من اراء السلف التي لا توافق ما نميل اليه ، اللهم لا ، فما العمل ؟ العمل اننا نرد كل راي خالف الاجماع القطعي ، او صحيح المنقول او صريح المعقول ، وليس كلام ابي المعالي منه بعد فهم المعنى . غفر الله لنا جميعا وجمعنا في مستقر رحمته . اختم بكلام السبكي في طبقات الشافعية في وصف (البرهان ) في اصول الفقه لامام الحرمين . قال الامام السبكي رحمه الله : (لم ير اجل ولا افحل من البرهان ، وهو لغز الامة ، الذي لايحوم نحو حماه ، ولايدندن حول مغزاه ، الاغواص على المعاني، ثاقب الذهن ، مبرز في العلوم ) .
(وكتبه الدكتور علي جميل طارش استاذ اصول الفقه كلية الشريعة جامعة بغداد ) .