المجموع شرح المهذب للإمام النووى:
وفي لحم الجزور بفتح الجيم وهو لحم الإبل قولان ، الجديد المشهور لا ينتقض ،  وهو الصحيح عند الأصحاب والقديم أنه ينتقض . وهو ضعيف عند الأصحاب ولكنه  هو القوي أو الصحيح من حيث الدليل وهو الذي أعتقد رجحانه ، وقد أشار  البيهقي إلى ترجيحه واختياره والذب عنه ، وسنرى دليله إن شاء الله تعالى .
واحتج القائلون بوجوب الوضوء بأكل لحم الجزور بحديث جابر بن سمرة { : أن  رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن  شئت فتوضأ ، وإن شئت فلا تتوضأ ، قال : أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم ،  فتوضأ من لحوم الإبل } " رواه مسلم من طرق . وعن البراء { سئل النبي صلى  الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به } " قال أحمد بن حنبل  وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر  والبراء . وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة : لم نر خلافا بين  علماء الحديث في صحة هذا الحديث وانتصر البيهقي لهذا المذهب ، فقال بعد أن  ذكر ما ذكرناه : وأما ما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم " { الوضوء  مما خرج ، وليس مما دخل } " فمرادهما ترك الوضوء مما مست النار .
قال : وأما ما روي عن أبي جعفر عن ابن مسعود " أنه أتي بقصعة من لحم الجزور  من الكبد والسنام ، فأكل ولم يتوضأ " فهو منقطع وموقوف قال وبمثل هذا لا  يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . واحتج أصحابنا بأشياء ضعيفة  في مقابلة هذين الحديثين فتركتها لضعفها ، والمعتمد للمذهب حديث جابر  المذكور : " كان آخر الأمرين " ولكن لا يرد عليهم ; لأنهم يقولون ينتقض  بأكله نيئا وأصحابنا يقولون : هو محمول أكله مطبوخا ; لأنه الغالب المعهود  وأجاب الأصحاب عن حديث جابر بن سمرة والبراء بجوابين : أحدهما : أن النسخ  بحديث جابر كان آخر الأمرين . والثاني : حمل الوضوء على غسل اليد والمضمضة .  قالوا : وخصت الإبل بذلك لزيادة سهوكة لحمها ، وقد نهى أن يبيت وفي يده أو  فمه دسم خوفا من عقرب ونحوها ، وهذان الجوابان اللذان أجاب بهما أصحابنا  ضعيفان .
أما حمل الوضوء على اللغوي فضعيف ; لأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على  اللغوي كما هو معروف في كتب الأصول ، وأما النسخ فضعيف أو باطل ; لأن حديث  ترك الوضوء مما مست النار عام ، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص ، والخاص  يقدم على العام ، سواء وقع قبله أو بعده وأقرب ما يستروح إليه قول الخلفاء  الراشدين وجماهير الصحابة والله أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibra...k_no=14&ID=416
شرح النووى على صحيح مسلم:
قوله في حديث بريدة وحديث أبي موسى : ( أنه صلى العشاء بعد ثلث الليل ) وفي  حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( ووقت العشاء إلى نصف الليل ) . هذه  الأحاديث لبيان آخر وقت الاختيار ، واختلف العلماء في الراجح منهما ،  وللشافعي - رحمه الله تعالى - قولان : أحدهما : أن وقت الاختيار يمتد إلى  ثلث الليل ، والثاني : إلى نصفه ، وهو الأصح وقال أبو العباس بن سريج : لا  اختلاف بين الروايات ، ولا عن الشافعي - رحمه الله تعالى - ، بل المراد  بثلث الليل أنه أول ابتدائها وبنصفه آخر انتهائها . ويجمع بين الأحاديث  بهذا ، وهذا الذي قاله يوافق ظاهر ألفاظ هذه الأحاديث لأن قوله - صلى الله  عليه وسلم - ( وقت العشاء إلى نصف الليل ) ظاهره أنه آخر وقتها المختار ،  وأما حديث بريدة وأبي موسى ففيهما أنه شرع بعد ثلث الليل ، وحينئذ يمتد إلى  قريب من النصف ، فتتفق الأحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا . والله أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibra..._no=53&ID=1675
المجموع شرح المهذب للإمام النووى:
( فصل ) وأما العشاء فذكر المصنف والأصحاب فيها القولين ، ( أحدهما ) : وهو  نصه في الإملاء - والقديم أن تقديمها أفضل كغيرها ولأنه الذي واظب عليه  النبي صلى الله عليه وسلم . وقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : "  أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة عشاء الآخرة ، كان رسول الله صلى  الله عليه وسلم يصليهما لسقوط القمر لثالثة " رواه أبو داود والترمذي  بإسناد صحيح ، وهذا نص في تقديمها ، ( والقول الثاني ) : تأخيرها أفضل وهو  نصه في أكثر الكتب الجديدة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول  الله صلى الله عليه وسلم { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء  إلى ثلث الليل أو نصفه } رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، ورواه بإسناد  صحيح ، فقال : { لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك  عند كل صلاة . } وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى  الله عليه وسلم يقول : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة  ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل } [ ص: 59 ] رواه أبو داود والترمذي ،  وقال حديث حسن صحيح ، وأما الحديث المذكور في النهاية والوسيط : " { لولا  أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل }  " فهو بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف ، وقول إمام الحرمين : إنه حديث صحيح  ليس بمقبول فلا يغتر به وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال : { كان رسول  الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة } رواه مسلم ، وعن أبي  برزة رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر  العشاء رواه البخاري ومسلم
وعن عائشة رضي الله عنها قالت " أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء  حتى ناداه عمر رضي الله عنه : الصلاة ، نام النساء والصبيان ، فخرج وقال :  ما ينتظرها من أهل الإسلام غيركم ، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق  إلى ثلث الليل الأول رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري وفي رواية لمسلم :  { أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نام أهل المسجد فخرج فصلى فقال :  إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي } وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {  أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رقد الناس واستيقظوا ، ورقدوا  واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : الصلاة . فخرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا }  رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { مكثنا ذات ليلة  ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين  ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ؟ فقال حين  خرج : إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن تثقل على  أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى } رواه مسلم  بلفظه والبخاري بعضه . وعن أنس رضي الله عنه قال : " { أخر النبي صلى الله  عليه وسلم العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال : صلى الناس وناموا أما إنكم  في صلاة ما انتظرتموها } رواه البخاري ومسلم ، وعن عائشة رضي الله عنها  قالت : { أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى  نام أهل المسجد ، ثم خرج فصلى فقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي }  رواه مسلم .
فهذه أحاديث صحاح في فضيلة التأخير وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وآخرين  ، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ، ونقله ابن المنذر  عن ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأبي حنيفة والأصح من القولين عند  أصحابنا أن تقديمها أفضل ، ممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع  والتجريد والمصنف هنا وفي التنبيه ، والشيخ نصر والشاشي في المستظهري  وآخرون ، وقطع به سليم في الكفاية والمحاملي في المقنع ، والجرجاني في  كتابيه ، والشيخ نصر في الكافي والغزالي في الخلاصة ، والشاشي في العمدة .  وقطع الزبيري في الكافي بتفضيل التأخير ، وهو أقوى دليلا للأحاديث السابقة .  فإن قلنا بهذا أخرت إلى وقت الاختيار وهو نصف الليل في قول وثلثه في قول  هكذا صرح به القاضي حسين وصاحب العدة وآخرون قالوا : ولا يؤخرها عن وقت  الاختيار ، هذا الذي ذكرناه من أن في استحباب تأخير العشاء وتقديمها قولين  هو المشهور في المذهب . قال صاحب الحاوي : وقال ابن أبي هريرة : ليست على  قولين ، بل على حالين ، فإن علم من نفسه أنه إذا أخرها لا يغلبه نوم ولا  كسل استحب تأخيرها ، وإلا فتعجيلها ، وجمع بين الأحاديث بهذا ، وضعف الشاشي  هذا الذي قاله ابن أبي هريرة وليس هو بضعيف كما زعم ، بل هو الظاهر أو  الأرجح والله أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibra...d=14&Hashiya=5