العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الجوع في الشام وأحكامه

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
الجوع في الشام وأحكامه
قبل حوالي ثلاث سنوات حضرتُ درساً للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي وفقه الله تعالى في المسجد النبوي ، وسُئل في آخر الدرس عن أكل لحوم القِطط بشكل عام ، فتعجَّب الشيخ وقال : لا يجوز إلا إذا حضر وقت ذلك ، أو قريباً من هذه العبارة ، وهذه من فطنته لمآل الحال وتغير الزمان وأحداثه الجِسام .

وقد تقرَّر عند الُأصوليين أن للضرورة أثرها في سقوط الخطاب . فالهِر أو البش كما يقول المغاربة ، والضيون كما يقول الشوام ، أو القطاوة كما يقول أهلنا في الجزيرة العربية ، لا خِلاف أنها من ذوات النَّاب الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله ، لكن حديث النهي الصريح عنه بلفظ : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الهِر " في إسناده مقال ، ومعناه صحيح لاتفاقه مع القاعدة الفقهية في الأطعمة المحرمة . ويقاس عليها نظائرها مما يستقبح . وأكثر فقهاء المالكية يجيزون أكل السنور ( الهر ) والقرد والكلب والذئب والأسود ، والغراب ، لقواعد معتبرة في مذهبهم .
ودليلهم على الإباحة قول الله تعالى : " قل لا أجدُ فيما أُوحي إليَّ مُحرَّما على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير " ( الأنعام : 145 )فيقتصرون على النص ولا يقيسون عليه .

ما تقدَّم من ديباجة مختصرة أردتُ بها الحديث عن مجاعة أهل الشام فرَّج الله همَّهم ونفَّس كربهم . فقد ظهرت فتاوى شامية تُجيز للمحاصرين في جنوب دمشق وغيرهم أكل اللحوم المحرمة بكافة أنواعها ، للضرورة وحفظاً للنفس من الهلاك ودفعاً للحرج.
وقد أُشتهر في المذهب المالكي مقولة : ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس . وهو ما عُرف بالاستصلاح والاستحسان وتيسير أحوال البشر وعدم التضيِّيق عليهم عند عدم وجود نص قطعي في المسائل الشرعية .
في الفقه الإسلامي ما يُعرف بأحكام التغيُّر وانقلاب الشي عن أصله الذي ألفه الإنسان وعرفه به ، ومن ذلك تغيُّر الماء عن خلقته وتغير الطعام عن طبيعته كالعنب مثلاً ، وتغيُّر اللحم عن حكمه الأصلي لِحُكمٍ طارىء ، كأكل الميتة التي أصلها حلال . ويلحق بذلك أحكام الاستحالة في معاني تغيُّر الأعيان والأوصاف . وفي هذا المعنى همسة فقهية أن دوام الحال من المحال . والجوع كافر كما تقول العرب !

الحِصار الجائر الذي ضُرب على أرض الشام المباركة أحدث مجاعة مُروِّعة تسبَّبت في نفاد الأطعمة والأشربة والاضطرار لأكل ما يُستقبح ، مما لا يخطر على البال . نسأل الله العافية .

سياسة التجويع التي يقوم بها النصيريون هي : سياسة مارستها فرنسا في الجزائر عن طريق حرق الأراضي أو التقنين من الغذاء ووضع قوانين ، بهدف جعل الجزائريين في تبعية دائمة .
و اليهود في فلسطين كانوا وما زالوا يمارسون هذا الأسلوب في إذلال المسلمين .
ولهذا من الغلط أن نقول : أين صندوق الغذاء العالمي ؟ أين منظمة حقوق الإنسان ؟ أين الأمم المتحدة ؟ فلا يجوز مناداة الكافر ولا الإستغاثة به ؟ والصحيح أن نقول : أين التعاون الإسلامي الدولي في نكبة هذا الشعب المظلوم ؟ أين زكاة المسلمين عن هؤلاء المحرومين المشتتين ؟
والتكيِّيف الفقهي والتخريج الُأصولي لجزئيات أحكام هذه المأساة يفيد ما يلي :
1- أن الجوع حالة استثنائية قد تطول وقد تقصر بحسب أسبابها ومواردها وهي مناط الرخصة والضرورة . لحديث أبي واقد الليثي قال : قلتُ يا رسول الله ، إنا بأرض تُصيبنا بها مخمصة ، أي " مجاعة " فما يحل لنا من الميتة ؟ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلاً فشأنكم بها." أخرجه أحمد بإسناد صحيح . ومفهومه يدل على عدم جواز تناول ما حرم الله إلا بعد نفاد ما يسدُّ الرمق من الحلال المأذون به .
2- يجوز للإخوة السوريين في المناطق المنكوبة بالجوع والتضيِّيق والحصار الترخُّص بأكل المحرمات كلٌّ على حسب حاله وقدرته وضرورته ، من غير مبالغة في ذلك .
3- يباح لهم ترك الواجب الذي يترتب على فعله مشقة بلا خلاف بين أهل العلم . والقاعدة الفقهية نصت على أن المعجوز عنه في الشرع ساقط الوجوب ، والمضطر إليه بلا معصية غير محظور .
4- يأثم من يقدر على تناول ما يقيه من التهلكة لكنه لا يفعله . ومن مات تاركاً لذلك يخشى عليه من الإثم .
5- ما أُتلف من الأموال الخاصة يجب السعي في تحصيل ضمانه عند انتظام أُمور الناس ، ويكون ذلك بالسعي في الجهات الحكومية الرسمية والمحاكم العدلية . وهذا الحكم يسري حتى على قتال الفِتن التي يختلط حكمها لشبهةٍ شرعية . قال الإمام ابن تيمية ( 728هـ ) رحمه الله تعالى : " إذا اقتتلت طائفتان من غير تأويل كالفتن التي تقع بين أهل البرِّ ، تضمن كل طائفة ما أتلفته الُأخرى ويجري التقاصُّ بينهما " . ومن فرَّط في تحصيل حقِّه لم يلزم الناس إتيان حقِّه إليه .
6- مسألة الجوع الشديد في الشام لا تتبيح الضرورة المحرمة إلا عند المسغبة والمخمصة الشديدة ، أما ما يمكن دفعه بشيٍ من الصبر وقليل من الزاد القديم فإن ذلك لا يُرخِّص تناول المحرمات .
7- الجوع الشديد يؤثِّر على بعض الأحكام الشرعية في الشام وغيرها ، كجواز سفر المرأة بلا محرم إن اضطرت إليه ، وشرب المياه النجسة وأكل الُّلحوم الميتة .
8- يجوز الإدِّخار عند توقع الجوع الشديد بدليل القرائن الواضحة . وثمرة هذه الفائدة أن الإدِّخار في الأقوات لا يجوز في حال الرخاء ،لكنه يرخص في حال الشدة والمسغبة المحتملة ، كما دلَّت عليه قصة يوسف عليه السلام مع ملك مصر .
9- رفع الأسعار على الناس بسبب الجوع لا يجوز ، لأن المضطر يعان ولا يعان عليه. ومن خاف الهلكة على نفسه فأخذ من مال غيره بلا إذنه فلا ضمان عليه .
10 – القاعدة العامة في الأطعمة غير المأكولة الحرمة القطعية لتناولها ، وبعضها جاء التنصيص عليه ،كالخنزير ، والباقي من الأطعمة تدور أحكامها بين الحرمة والكراهة التحريمية . وهذه القاعدة تُعين على معرفة حدود الخلاف في الأطعمة غير المأكولة أصلاً ، أو التي ثبت دليلها بنصِّ غير قطعي .
11- في مصنفات المالكية والحنابلة في الأطعمة التي لم يثبت دليل تحريمها بنص قطعي ، يكون التوقف فيها على حدِّ التجربة ،ومعرفة نفعها وضررها كلٌّ بحسبه ، فمن جربها ولم يتضرر بأكله إياها فلا حرج عليه من تناولها عند الداعي لذلك ، والعكس صحيح.
12- الجوع من أنواع البلاء الخمسة المنصوص عليها في كتاب الله تعالى ، وقد يكون عذاباً ، وقد يكون امتحاناً لبلد معين ، لتمحيص أهله ، فيجب الصبر عليه ودفعه على حسب القدرة ، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك حين يخرج جائعا في طرقات المدينة . هذا ما تيسر تحريره والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
 

محبة الفقه

:: متابع ::
إنضم
9 أكتوبر 2011
المشاركات
25
التخصص
الفقه
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الجوع في الشام وأحكامه

سبحان الله .
 

طليعة العلم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
25 أبريل 2010
المشاركات
670
التخصص
فقه
المدينة
في السعودية
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الجوع في الشام وأحكامه

شكر الله لكم .. وبارك فيكم
 

حسين ناصر زقوت

:: متابع ::
إنضم
15 يونيو 2013
المشاركات
27
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الجوع في الشام وأحكامه

بارك الله فيكم
لكن أخي بالنسبة لقول المالكية بأنّه يجوز أكل القطط أين مظانه؟
 
إنضم
18 نوفمبر 2009
المشاركات
203
الجنس
ذكر
التخصص
شريعة
الدولة
سورية
المدينة
معرة النعمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الجوع في الشام وأحكامه

جزاك الله خيرا على اهتمامك، الذي يدل على أن إخوانك في قلبك وفي فكرك، وأنك تعيش معهم الهم الذي هم فيه، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على تحققك - هكذا نحسبك - بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي وصف المسلمين بأنهم كالجسد الواحد...
في نفس الوقت الذي نسيت فيه الأمة - إلا من رحم الله - واجبهم الإسلامي والإنساني تجاه إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها وخاصة اليوم في بلاد الشام..
ومع الأسف كثير من المسلمين الملتزمين بالإسلام، نسوا واجبهم، وقدموا الفروع على الأصول، والنوافل على الفرائض، ولنأخذ مسألة حج النفل أنموذجا، وكذا تكرار العمرة في العام الواحد، فتجد الكثير من المسلمين إذا جاء موسم الحج يشد الرحال، ويسارع إلى الحج، مع أن تكلفة الفرد الواحد للحج تكفي العديد من العوائل لمؤونة سنة كاملة...
فمتى الأمة تعرف أولوياتها؟؟؟
وهذا توثيق ومشاهد من أكل القطط
http://ahmadmawas.blogspot.ae/2013/10/22
 
أعلى