العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

إنضم
16 ديسمبر 2009
المشاركات
27
التخصص
الفقه والأصول
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
الشافعي
السلام عليكم مشايخنا الكرام، بارك الله في جهودكم، ونفع بعلمكم، لدي سؤال بخصوص مسألة الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء، فأنا بصدد إعداد خطة للدكتوراه في هذه المسألة، والرسائل الموجودة في هذا الموضوع شحيحة جدا، ومعظمها غير موجود على الشبكة -كرسالة مثلا منهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكي- ، والمطلوب منكم والشكر موصول لكم:
1- من يستطيع أن يمدنا ببعض المراجع في هذا الموضوع، أو إذا كان أحد الإخوة لديه رسالة المالكية المذكورة أن يذكر لنا خطتها، ومعالجتها للمسائل، أو بعض المشايخ الكرام يتفضل علينا بتصور تفصيلي بعض الشيء للموضع، وقد رأيت كلاما هنا في الملتقى لكنه قليل، فلو ذكر لنا بعض مشايخنا شيئا أنتفع به لكنت له شاكرا داعيا إن شاء الله تعالى.
2- أنا أريد أن تكون دراستي عن منهج الاستدلال بالسنة عند عالمين من مدرستين مختلفتين؛ يعني مثلا الشافعية والحنفية، فأريد أن يذكر لنا مشايخنا الكرام من يصلح في هذا الجانب من المذهبين. هل يؤخذ عالمين من علماء الحديث الذين لهم مشاركة فقهية أفضل؟ أو عالمين من علماء الفقه الذين لهم باع في الحديث أفضل؟
أرجو الرد سريعا؛ لأن القسم في الكلية في انتظار خطة مني في هذا الموضوع، وجزاكم الله خيرا.
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

أنصحك باختيار الإمام النووى الشافعى فهو من كبار العلماء المتمكنين من الفقه والحديث معاً كما هو معلوم
ودراسة منهجه تكون من خلال كتابيه المجموع شرح المهذب وشرح صحيح مسلم
وأرجو ألا تبخل علينا بنتائج البحث بإذن الله
بارك الله فيك

المجموع شرح المهذب للإمام النووى:
وفي لحم الجزور بفتح الجيم وهو لحم الإبل قولان ، الجديد المشهور لا ينتقض ، وهو الصحيح عند الأصحاب والقديم أنه ينتقض . وهو ضعيف عند الأصحاب ولكنه هو القوي أو الصحيح من حيث الدليل وهو الذي أعتقد رجحانه ، وقد أشار البيهقي إلى ترجيحه واختياره والذب عنه ، وسنرى دليله إن شاء الله تعالى .

واحتج القائلون بوجوب الوضوء بأكل لحم الجزور بحديث جابر بن سمرة { : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئت فتوضأ ، وإن شئت فلا تتوضأ ، قال : أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم ، فتوضأ من لحوم الإبل } " رواه مسلم من طرق . وعن البراء { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به } " قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر والبراء . وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة : لم نر خلافا بين علماء الحديث في صحة هذا الحديث وانتصر البيهقي لهذا المذهب ، فقال بعد أن ذكر ما ذكرناه : وأما ما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم " { الوضوء مما خرج ، وليس مما دخل } " فمرادهما ترك الوضوء مما مست النار .

قال : وأما ما روي عن أبي جعفر عن ابن مسعود " أنه أتي بقصعة من لحم الجزور من الكبد والسنام ، فأكل ولم يتوضأ " فهو منقطع وموقوف قال وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . واحتج أصحابنا بأشياء ضعيفة في مقابلة هذين الحديثين فتركتها لضعفها ، والمعتمد للمذهب حديث جابر المذكور : " كان آخر الأمرين " ولكن لا يرد عليهم ; لأنهم يقولون ينتقض بأكله نيئا وأصحابنا يقولون : هو محمول أكله مطبوخا ; لأنه الغالب المعهود وأجاب الأصحاب عن حديث جابر بن سمرة والبراء بجوابين : أحدهما : أن النسخ بحديث جابر كان آخر الأمرين . والثاني : حمل الوضوء على غسل اليد والمضمضة . قالوا : وخصت الإبل بذلك لزيادة سهوكة لحمها ، وقد نهى أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفا من عقرب ونحوها ، وهذان الجوابان اللذان أجاب بهما أصحابنا ضعيفان .

أما حمل الوضوء على اللغوي فضعيف ; لأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي كما هو معروف في كتب الأصول ، وأما النسخ فضعيف أو باطل ; لأن حديث ترك الوضوء مما مست النار عام ، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص ، والخاص يقدم على العام ، سواء وقع قبله أو بعده وأقرب ما يستروح إليه قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة والله أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=682&idto=684&bk_no=14&ID=416


شرح النووى على صحيح مسلم:
قوله في حديث بريدة وحديث أبي موسى : ( أنه صلى العشاء بعد ثلث الليل ) وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( ووقت العشاء إلى نصف الليل ) . هذه الأحاديث لبيان آخر وقت الاختيار ، واختلف العلماء في الراجح منهما ، وللشافعي - رحمه الله تعالى - قولان : أحدهما : أن وقت الاختيار يمتد إلى ثلث الليل ، والثاني : إلى نصفه ، وهو الأصح وقال أبو العباس بن سريج : لا اختلاف بين الروايات ، ولا عن الشافعي - رحمه الله تعالى - ، بل المراد بثلث الليل أنه أول ابتدائها وبنصفه آخر انتهائها . ويجمع بين الأحاديث بهذا ، وهذا الذي قاله يوافق ظاهر ألفاظ هذه الأحاديث لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - ( وقت العشاء إلى نصف الليل ) ظاهره أنه آخر وقتها المختار ، وأما حديث بريدة وأبي موسى ففيهما أنه شرع بعد ثلث الليل ، وحينئذ يمتد إلى قريب من النصف ، فتتفق الأحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا . والله أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=53&ID=1675


المجموع شرح المهذب للإمام النووى:
( فصل ) وأما العشاء فذكر المصنف والأصحاب فيها القولين ، ( أحدهما ) : وهو نصه في الإملاء - والقديم أن تقديمها أفضل كغيرها ولأنه الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : " أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة عشاء الآخرة ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما لسقوط القمر لثالثة " رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ، وهذا نص في تقديمها ، ( والقول الثاني ) : تأخيرها أفضل وهو نصه في أكثر الكتب الجديدة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه } رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، ورواه بإسناد صحيح ، فقال : { لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة . } وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل } [ ص: 59 ] رواه أبو داود والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ، وأما الحديث المذكور في النهاية والوسيط : " { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل } " فهو بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف ، وقول إمام الحرمين : إنه حديث صحيح ليس بمقبول فلا يغتر به وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة } رواه مسلم ، وعن أبي برزة رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء رواه البخاري ومسلم

وعن عائشة رضي الله عنها قالت " أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر رضي الله عنه : الصلاة ، نام النساء والصبيان ، فخرج وقال : ما ينتظرها من أهل الإسلام غيركم ، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري وفي رواية لمسلم : { أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نام أهل المسجد فخرج فصلى فقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي } وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال { أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رقد الناس واستيقظوا ، ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : الصلاة . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا } رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ؟ فقال حين خرج : إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن تثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى } رواه مسلم بلفظه والبخاري بعضه . وعن أنس رضي الله عنه قال : " { أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال : صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها } رواه البخاري ومسلم ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ، ثم خرج فصلى فقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي } رواه مسلم .

فهذه أحاديث صحاح في فضيلة التأخير وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وآخرين ، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ، ونقله ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأبي حنيفة والأصح من القولين عند أصحابنا أن تقديمها أفضل ، ممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع والتجريد والمصنف هنا وفي التنبيه ، والشيخ نصر والشاشي في المستظهري وآخرون ، وقطع به سليم في الكفاية والمحاملي في المقنع ، والجرجاني في كتابيه ، والشيخ نصر في الكافي والغزالي في الخلاصة ، والشاشي في العمدة . وقطع الزبيري في الكافي بتفضيل التأخير ، وهو أقوى دليلا للأحاديث السابقة . فإن قلنا بهذا أخرت إلى وقت الاختيار وهو نصف الليل في قول وثلثه في قول هكذا صرح به القاضي حسين وصاحب العدة وآخرون قالوا : ولا يؤخرها عن وقت الاختيار ، هذا الذي ذكرناه من أن في استحباب تأخير العشاء وتقديمها قولين هو المشهور في المذهب . قال صاحب الحاوي : وقال ابن أبي هريرة : ليست على قولين ، بل على حالين ، فإن علم من نفسه أنه إذا أخرها لا يغلبه نوم ولا كسل استحب تأخيرها ، وإلا فتعجيلها ، وجمع بين الأحاديث بهذا ، وضعف الشاشي هذا الذي قاله ابن أبي هريرة وليس هو بضعيف كما زعم ، بل هو الظاهر أو الأرجح والله أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibr...t=0&idfrom=1367&idto=1368&bookid=14&Hashiya=5


q2.gif
اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد محمد عوض
مثال مسائل المضمضة والاستنشاق:

المهذب للإمام الشيرازى:
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ثم يتمضمض ويستنشق ، والمضمضة أن يجعل الماء في فيه ويديره فيه ثم يمجه ، والاستنشاق أن يجعل الماء في أنفه ويمده بنفسه إلى خياشيمه ثم يستنثر لما روى عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ثم يستنشق ويستنثر إلا خرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء } " والمستحب أن يبالغ فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : " { أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما } " ولا يستقصي في المبالغة فيصير سعوطا فإن كان صائما لم يبالغ للخبر ، وهل يجمع بينهما أو يفصل ؟ قال في الأم : يجمع { لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم : فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد } " . وقال في البويطي : يفصل بينهما لما روى طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال : " { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق } " ولأن الفصل أبلغ في النظافة فكان أولى ، واختلف أصحابنا في كيفية الجمع والفصل فقال بعضهم على قوله في الأم : يغرف غرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ويستنشق منها ثلاثا ويبدأ بالمضمضة ، وعلى رواية البويطي يغرف غرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يغرف غرفة أخرى يستنشق منها ثلاثا ، وقال بعضهم على قوله في الأم : يغرف غرفة يتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف غرفة أخرى يتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف ثالثة يتمضمض منها ويستنشق [ ص: 393 ] فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق . وعلى رواية البويطي يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق . والأول أشبه بكلام الشافعي رحمه الله ، لأنه قال يغرف غرفة لفيه وأنفه ، والثاني أصح لأنه أمكن ، فإن ترك المضمضة والاستنشاق جاز { لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : توضأ كما أمرك الله } " وليس فيما أمر الله تعالى المضمضة والاستنشاق ، ولأنه عضو باطن دونه حائل معتاد فلا يجب غسله كالعين ) .


المجموع شرح المهذب للإمام النووي:
( الشرح ) هذا الفصل فيه جمل وبيانها بمسائل : ( إحداها ) في الأحاديث ، أما حديث عمرو بن عبسة فصحيح رواه مسلم في صحيحه في أواخر كتاب الصلاة قبيل صلاة الخوف ، ولفظه في مسلم : " { ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه } " ، وأما حديث لقيط بن صبرة فصحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة من رواية لقيط ، وهذا المذكور في المهذب لفظ رواية الترمذي ذكره في كتاب الصيام وقال : حديث حسن صحيح . وهو بعض حديث طويل ، وآخر الحديث في المهذب عند قوله : " إلا أن يكون صائما " . وأما قوله : " ولا يستقصي في المبالغة " إلى آخره فليس من الحديث بل هو من كلام المصنف ، وهو بالواو لا بالفاء ، وقوله : " يستقصي " بالياء المثناة تحت في أوله لا بالتاء المثناة فوق ، وإنما ضبطته لأن القلعي وغيره غلطوا فيه فجعلوه بالفاء والتاء وجعلوه من الحديث ، وهذا خطأ فاحش . وأما حديث علي رضي الله عنه فصحيح رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ، وأما حديث طلحة بن مصرف فرواه أبو داود في سننه بإسناد ليس بقوي فلا يحتج به ، وأما { قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : توضأ كما أمرك الله } " فحديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي : حديث حسن ، وهو بعض حديث طويل وأصله في الصحيحين ، وفيه فوائد كثيرة جمعت منها في شرح صحيح البخاري نحو أربعين فائدة والله أعلم .

( المسألة الثانية ) : في الأسماء : أما عمرو بن عبسة فبعين مهملة ثم باء موحدة ثم سين مهملة مفتوحات وليس فيه نون ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل [ ص: 394 ] العلم ، وأما قول ابن البزري في ألفاظ المهذب : أنه يقال عنبسة بالنون فغلط صريح وتحريف قبيح ، كنيته عمرو أبو نجيح السلمي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مكة ثم المدينة وكان رابع أربعة في الإسلام وهو أخو أبي ذر لأمه سكن حمص حتى توفي بها . وأما لقيط بن صبرة فهو بفتح اللام وصبرة بفتح الصاد وكسر الباء وهو لقيط بن عامر بن صبرة العقيلي أبو رزين وقيل لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة ، قال ابن عبد البر وغيره : وهذا غلط بل هما واحد وقد أوضحت في تهذيب الأسماء . وأما طلحة بن مصرف فهو بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الراء المشددة هذا هو الصواب المشهور في كتب الحديث والنسب والأسماء ، وقال القلعي في ألفاظ المهذب يروى بفتح الراء أيضا ، وهذا غريب ولا أظنه يصح . وأما جد طلحة فاسمه كعب بن عمرو ، وهذا هو المشهور الأصح . وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وغيره : اسمه عمرو بن كعب وقيل : إنه لا صحبة لجد طلحة ، ذكر هذا الخلاف في صحبته جماعة من المتقدمين والمتأخرين ، وكان طلحة من أفاضل التابعين وأئمتهم ، وكان أقرأ أهل الكوفة أو من أقرئهم رحمه الله .

( المسألة الثالثة ) في اللغات والألفاظ : الخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الأنف وقيل الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ ، وقيل غير ذلك ، وأما الاستنثار بالثاء المثلثة فهو طرح الماء والأذى من الأنف بعد الاستنشاق ، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور من أهل الحديث واللغة والفقه ، وقال ابن قتيبة : هو الاستنشاق ، وكذا حكاه الأزهري في تهذيب اللغة عن ابن الأعرابي والفراء ، والأول هو الصواب الذي تقتضيه الأحاديث ، وقد أوضحتها في تهذيب الأسماء واللغات وجمعت أقوال العلماء فيها ، ومن أحسنها رواية في الصحيحين عن عبد الله بن زيد في { صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه تمضمض واستنشق واستنثر } " . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " يقرب الوضوء " فهو بضم الياء وفتح القاف ، وكسر الراء المشددة أي يدنيه ، والوضوء هنا بفتح الواو ، وهو الماء [ ص: 395 ] الذي يتوضأ به وقوله صلى الله عليه وسلم " إلا جرت " كذا ضبطناه في المهذب " جرت " بالجيم والراء المخففة وكذا وجد بخط ابن الزعفراني تلميذ المصنف ، وفي صحيح مسلم " خرت " بالخاء المعجمة وتشديد الراء ومعناه سقطت وذهبت . قال صاحب مطالع الأنوار : هو في مسلم بالخاء لجميع الرواة إلا ابن أبي جعفر فرواه بالجيم ، والمراد بالخطايا الصغائر كما جاء في الحديث الصحيح { ما لم يغش الكبائر } . وقوله في المهذب : " وينثر " هو بكسر الثاء المثلثة قال أهل اللغة يقال نثر وانتثر واستنثر وهو مشتق من النثرة وهي طرف الأنف وقيل الأنف كله ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " أسبغ الوضوء " أي أكمله ، وقوله : " فيصير سعوطا " هو بفتح السين وضمها فبالفتح اسم لما يستعط به وبالضم اسم للفعل ، والغرفة بفتح الغين وضمها لغتان بمعنى يستعملان في الفعل وفي المغروف ، وقيل بالضم للمغروف وبالفتح للفعل وقيل بالضم للمغروف إذا كان ملء الكف وبالفتح للمغروف مطلقا وقيل غير ذلك . ويحسن الضم في قوله : يأخذ غرفة ، وقوله : غرفات ، يجوز فيه لغات فتح الغين والراء وضمهما وضم الغين مع إسكان الراء وفتحها ، وقوله : ( قال للأعرابي ) : هو بفتح الهمزة وهو الذي يسكن البادية ، وقوله : لأنه عضو باطن ، فيه احتراز من الظاهر ، وقوله : ( دونه حائل ) احتراز من الثقب في محل الطهارة ، وقوله : معتاد ، احتراز من لحية المرأة والله أعلم .

( المسألة الرابعة )
في الأحكام : فالمضمضة والاستنشاق سنتان ، قال أصحابنا : كمال المضمضة أن يجعل الماء في فيه ويديره فيه ثم يمجه ، وأقلها أن يجعل الماء في فيه ، ولا يشترط المج ، وهل تشترط الإدارة ؟ فيه وجهان أصحهما لا تشترط ، هذا مختصر ما قاله الأصحاب ، وأما تفصيله فقال الماوردي : المضمضة إدخال الماء مقدم الفم والمبالغة فيها إدارته في جميع الفم ، قال : والاستنشاق إدخال الماء مقدم الأنف والمبالغة فيه إيصاله خيشومه ، قال : والمبالغة سنة زائدة عليهما . وقال المحاملي في المجموع : المشروع فيهما إيصال الماء إلى الفم والأنف قال : والمبالغة فيهما سنة قال الشافعي : المبالغة في المضمضة أن يأخذ الماء بشفتيه فيديره في فمه ثم يمجه ، وفي الاستنشاق أن يأخذ الماء بأنفه ويجذبه بنفسه ثم ينثر ولا يزيد على ذلك . [ ص: 396 ] وقال صاحب العدة : تمام المضمضة أن يأخذ الماء في الفم ويحركه ثم يمجه ، وتمام الاستنشاق أن يأخذ الماء بنفسه ويبلغ خياشيمه ولا يجاوز ذلك فيصير سعوطا ، وقال المتولي : المضمضة إدخال الماء في الفم والاستنشاق إدخاله الأنف ، قال : والمبالغة فيهما سنة ، فالمبالغة في المضمضة أن يدخل الماء الفم ويديره على جميع جوانب فمه ويوصله طرف حلقه ويمره على أسنانه ولثاته ثم يمجه ، يفعل ذلك ثلاثا ، وفي الاستنشاق يجعل الماء في أنفه ويأخذه بالنفس حتى يصل الخياشيم ثم يدخل أصابعه فيزيل ما في أنفه من أذى ثم يستنثر كما يفعل الممتخط ، يفعل ذلك ثلاثا . وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه في استدلاله على أن المضمضة سنة : ( فإن قيل : المضمضة والاستنشاق أن يجعل الماء في فيه ويمجه وأن يجذبه بنفسه في أنفه ويرده ، قلنا : ليس كما ذكرتم ، بل المضمضة إيصال الماء إلى باطن الفم ، والاستنشاق إيصاله إلى باطن الأنف على أي حال كان ، والذي ذكرتموه إنما هو المبالغة في المضمضة والاستنشاق ، فلو ملأ فمه ماء ثم مجه أو بلعه ولم يدره في فمه كان مضمضة ) . هذا كلام القاضي وفيما ذكرناه قبله من كلام الأصحاب التصريح بأن أقل المضمضة جعل الماء في الفم ، والإدارة ليست بشرط لأصل المضمضة بل هي مبالغة ، وخالف المحاملي في التجريد الجماعة فقال : قال الشافعي : المضمضة أن يأخذ الماء في فمه ويديره ثم يمجه فإن لم يدره فليس بمضمضة ، وكذا نقله صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد وهو صريح في اشتراط الإدارة ، والمشهور الذي عليه الجمهور أنها ليست شرطا كما سبق .

(فرع ) المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة بلا خلاف ، وأما قول الشيخ أبي حامد وصاحبه القاضي أبي الطيب في تعليقهما : المبالغة في الاستنشاق سنة فليس معناه أنها ليست سنة في المضمضة لأنهما ذكرا في صفة المضمضة استحباب المبالغة فيها قال أصحابنا : المبالغة في المضمضة أن يبلغ الماء أقصى الحلق ويديره فيه ، وفي الاستنشاق أن يوصله الخياشيم ، قال في التتمة : ثم يدخل أصبعه فيه فينزل ما في الأنف من أذى ، فإن كان صائما كره أن يبالغ فيهما ، وقال الماوردي : يبالغ الصائم في المضمضة [ ص: 397 ] ولا يبالغ في الاستنشاق لقوله صلى الله عليه وسلم { وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما } " ، ولأنه يمكنه رد الماء في المضمضة بإطباق حلقه ولا يمكنه في الاستنشاق هذا كلام الماوردي ، ويعضده ظاهر نص الشافعي في الأم فإنه قال : وإن كان صائما رفق بالاستنشاق لئلا يدخل الماء رأسه ، هذا نصه ولكن الصحيح الذي عليه الجمهور كراهة المبالغة فيهما للصائم لأنه لا يؤمن سبق الماء ، قال أصحابنا : وإذا بالغ غير الصائم فلا يستقصى في المبالغة فيصير سعوطا ويخرج عن كونه استنشاقا.

( فرع ) قال الشافعي في المختصر : يستحب أن يأخذ الماء للمضمضة بيده اليمنى واتفق الأصحاب على استحباب ذلك ودليله حديث عثمان في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه { أخذ الماء للمضمضة بيمينه } " رواه البخاري ومسلم

( فرع ) السنة أن ينتثر وهو أن يخرج بعد الاستنشاق ما في أنفه من ماء وأذى للحديث الصحيح الذي ذكرناه وفيه أحاديث كثيرة جمعتها في جامع السنة ، قال أصحابنا : ويستنثر بيده اليسرى للحديث الصحيح " { كانت يده صلى الله عليه وسلم اليسرى لخلائه وما كان من أذى } " وسنوضحه في باب الاستطابة إن شاء الله تعالى ، وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن علي رضي الله عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد غسل الكف : { فأدخل يده اليمنى في الإناء فملأ فمه فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى يفعل ذلك ثلاثا } " والله أعلم .

فرع في كيفية المضمضة والاستنشاق اتفق نص الشافعي والأصحاب على أن سنتهما تحصل بالجمع والفصل وعلى أي وجه أوصل الماء إلى العضوين ، واختلف نصه واختيار الأصحاب في الأفضل من الكيفيتين فنص في الأم ومختصر المزني أن الجمع أفضل ، ونص في البويطي أن الفصل أفضل ، ونقله الترمذي عن الشافعي ، قال المصنف والأصحاب : القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي وهو أيضا أكثر في الأحاديث ، بل هو الموجود في الأحاديث الصحيحة ، منها حديث علي [ ص: 398 ] رضي الله عنه الذي ذكره المصنف . وقد قدمنا بيانه وأنه صحيح ومنها حديث عبد الله بن زيد أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم { فتمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثا } " رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية للبخاري { فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات } وفي رواية لمسلم { فمضمض واستنشق واستنثر من ثلاث غرفات } وفي رواية { تمضمض واستنشق ثلاث مرات من غرفة واحدة } رواه البخاري . ومنها حديث ابن عباس في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم { فأخذ غرفة من ماء تمضمض بها واستنشق } " رواه البخاري ، وعن ابن عباس أيضا " أن النبي صلى الله عليه وسلم { توضأ مرة مرة ، وجمع بين المضمضة والاستنشاق } " رواه الدارمي في مسنده بإسناد صحيح ، فهذه أحاديث صحاح في الجمع . وأما الفصل فلم يثبت فيه حديث أصلا وإنما جاء فيه حديث طلحة بن مصرف وهو ضعيف كما سبق .

هذا بيان الأحاديث ونصوص الشافعي ، وأما الأصحاب فجمهورهم حكوا في المسألة قولين كما حكاه المصنف : ( أحدهما ) الجمع أفضل .

( والثاني ) الفصل أفضل ، وحكى إمام الحرمين ومن تابعه طريقا آخر وهو القطع بتفضيل الفصل ، وبه قطع المحاملي في المقنع ، وتأولوا حديث عبد الله بن زيد ونصوص الشافعي على أن المراد بها بيان الجواز ، وهذا فاسد كما سأذكره إن شاء الله تعالى . وأما الجمهور الذين حكوا قولين فاختلفوا في أصحهما ، فصحح المصنف والمحاملي في المجموع والروياني والرافعي وكثيرون الفصل ، وصحح البغوي والشيخ نصر المقدسي وغيرهما الجمع ، هذا كلام الأصحاب والصحيح بل الصواب تفضيل الجمع للأحاديث الصحيحة المتظاهرة فيه كما سبق وليس لها معارض . وأما حديث الفصل فالجواب عنه من أوجه : ( أحدها ) أنه ضعيف كما سبق فلا يحتج به لو لم يعارضه شيء ، فكيف إذا عارضه أحاديث كثيرة صحاح ؟ ، . [ ص: 399 ] الثاني ) أن المراد بالفصل أنه تمضمض ثم مج ثم استنشق ولم يخلطهما . قاله الشيخ أبو حامد والشيخ نصر .

( والثالث ) أنه محمول على بيان الجواز ، وهذا جواب صحيح لأن هذا كان مرة واحدة ; لأن لفظه في سنن أبي داود قال : " { دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق } " وهذا لا يقتضي أكثر من مرة ، فحمله على بيان الجواز تأويل حسن . وأما ما تأوله الآخرون من حمل أحاديث الجمع ونصوص الشافعي على بيان الجواز ففاسد ; لأن روايات الجمع كثيرة من جهات عديدة وعن جماعة من الصحابة ، ورواية الفصل واحدة وهي ضعيفة ، وهذا لا يناسب بيان الجواز في الجمع ، فإن بيان الجواز يكون في مرة ونحوها ويداوم على الأفضل ، والأمر هنا بالعكس ، فحصل أن الصحيح تفضيل الجمع والله أعلم . وفي كيفية الجمع وجهان أصحهما بثلاث غرفات ، يأخذ غرفة يتمضمض منها ثم يستنشق منها ثم يأخذ غرفة ثانية يفعل بها كذلك ، ثم ثالثة كذلك ، ودليله حديث عبد الله بن زيد ، وهذا الوجه هو قول القاضي أبي حامد واختيار أبي يعقوب الأبيوردي والقاضي أبي الطيب ، واتفق المصنفون على تصحيحه ، ممن صححه القاضي أبو الطيب والمتولي والبغوي والروياني والرافعي وغيرهم ، وقطع به الشيخ نصر وغيره . والوجه الثاني يجمع بغرفة واحدة ، فعلى هذا في كيفيته وجهان : ( أحدهما ) يخلط المضمضة بالاستنشاق فيمضمض ثم يستنشق ثم يمضمض ثم يستنشق ثم يمضمض ثم يستنشق ، وبهذا قطع البندنيجي من العراقيين تفريعا على قولنا بغرفة .

( والثاني ) لا يخلط بل يتمضمض ثلاثا متوالية ثم يستنشق ثلاثا متوالية ، وهذان الوجهان نقلهما إمام الحرمين فقال : قال العراقيون يخلط لأن اتحاد الغرفة يدل على أنهما في حكم عضو واحد ، وقطع أصحاب القفال بترك الخلط ، قال الإمام : وهذا هو الصحيح ، وكذا صححه الغزالي وآخرون ، وتصحيحه هو الظاهر ، قال القاضي حسين : لأن الأصل في الطهارة لا ينتقل إلى عضو حتى يفرغ ما قبله .

وأما كيفية الفصل ففيها وجهان : ( أحدهما ) بست غرفات يتمضمض [ ص: 400 ] بثلاث ثم يستنشق بثلاث .

( والثاني ) بغرفتين يتمضمض بإحداهما ثلاثا ثم يستنشق بالثانية ثلاثا ، وهذا الثاني أصح ، صححه جماعة منهم الرافعي وقطع به البندنيجي والبغوي على هذا القول ، فحصل في المسألة خمسة أوجه : ( الصحيح ) تفضيل الجمع بثلاث غرفات .

( والثاني ) بغرفة بلا خلط .

( والثالث ) بغرفة من الخلط .

( والرابع ) الفصل بغرفتين .

( والخامس ) بست غرفات ، وهو أضعفها . والله أعلم

( فرع ) اتفق أصحابنا على أن المضمضة مقدمة على الاستنشاق سواء جمع أو فصل بغرفة أو بغرفات ، وفي هذا التقديم وجهان حكاهما الماوردي والشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين وآخرون أصحهما أنه شرط ، فلا يحسب الاستنشاق إلا بعد المضمضة ; لأنهما عضوان مختلفان ، فاشترط فيهما الترتيب كالوجه واليد . والثاني : أنه مستحب ويحصل الاستنشاق وإن قدمه كتقديم اليسار على اليمين . والله أعلم .

( المسألة الخامسة ) في مذاهب العلماء في المضمضة والاستنشاق وهي أربعة : ( أحدها ) أنهما سنتان في الوضوء والغسل ، هذا مذهبنا وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والأوزاعي والليث ، ورواية عن عطاء وأحمد . والمذهب الثاني : أنهما واجبتان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما ، وهو مذهب ابن أبي ليلى وحماد وإسحاق والمشهور عن أحمد ، ورواية عن عطاء . ( والثالث ) واجبتان في الغسل دون الوضوء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري .

( والرابع ) الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة ، وهو مذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود ، ورواية عن أحمد ، قال ابن المنذر : وبه أقول . واحتج لمن أوجبهما بأشياء منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها ، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للطهارة المأمور بها ، وعن عائشة مرفوعا : " { المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه } " ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { تمضمضوا واستنشقوا } " ، ولأنه عضو من الوجه ويجب غسله من النجس [ ص: 401 ] واحتج لمن أوجبهما في الغسل بحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة } قالوا : وفي الأنف شعر وفي الفم بشرة . وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه جعل المضمضة والاستنشاق ثلاثا للجنب فريضة } وعن علي رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من ترك موضع شعرة من الجنابة لم يغسلها فعل بها كذا وكذا من النار قال علي : فمن ثم عاديت رأسي وكان يجز شعره } حديث حسن رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن ، قالوا : ولأنهما عضوان يجب غسلهما من النجاسة فكذا من الجنابة كما في الأعضاء ، ولأن الفم والأنف في حكم ظاهر البدن من أوجه لأنه لا يشق إيصال الماء إليهما ، ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ، ولا تصح الصلاة مع نجاسة عليهما ، قالوا : ولأن اللسان يلحقه حكم الجنابة ولهذا يحرم به القراءة .

واحتج لمن أوجب الاستنشاق دون المضمضة بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من توضأ فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر } رواه البخاري ومسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم للقيط : { وبالغ في الاستنشاق . إلا أن تكون صائما } وهو حديث صحيح كما سبق ، وبحديث سلمة بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا توضأت فانتثر وإذا استجمرت فأوتر } رواه الترمذي وقال : حسن صحيح . واحتج أصحابنا بقول الله تعالى - : { فاغسلوا وجوهكم } وقوله تعالى - : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } والوجه عند العرب ما حصلت به المواجهة ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وقد سأله عن الجنابة تصيبه ولا يجد الماء : { الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر حجج فإذا وجد الماء : فليمسه بشرته } حديث صحيح رواه أبو داود وآخرون بأسانيد صحيحة ، قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح ، وسنوضحه حيث ذكره المصنف في التيمم إن شاء الله تعالى .

قال أهل اللغة : البشرة ظاهر الجلد ، وأما باطنه فأدمة ، بفتح الهمزة [ ص: 402 ] والدال ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : { توضأ كما أمرك الله } وهو صحيح سبق بيانه ، وموضع الدلالة أن الذي أمر الله تعالى به غسل الوجه وهو ما حصلت به المواجهة دون باطن الفم والأنف وهذا الحديث من أحسن الأدلة ولهذا اقتصر المصنف عليه لأن هذا الأعرابي صلى ثلاث مرات فلم يحسنها فعلم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل بحضرة الناس وتشاهد أعمالها فعلمه واجباتها وواجبات الوضوء فقال صلى الله عليه وسلم : { توضأ كما أمرك الله } ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء لئلا يكثر عليه فلا يضبطها ، فلو كانت المضمضة والاستنشاق واجبتين لعلمه إياهما ، فإنه مما يخفى لا سيما في حق هذا الرجل الذي خفيت عليه الصلاة التي تشاهد ، فكيف الوضوء الذي يخفى ؟ ، واحتجوا من الأقيسة والمعاني بأشياء كثيرة جدا : منها ما ذكره المصنف : عضو باطن دونه حائل معتاد فلم يجب غسله كداخل العين ، والجواب عن احتجاجهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه ، ولأن فيه غسل الكفين والتكرار وغيرهما مما ليس بواجب بالإجماع ، والجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها من وجهين : ( أحدهما ) : أنه ضعيف وضعفه من وجهين : أحدهما : لضعف الرواة . والثاني : أنه مرسل ، ذكر ذلك الدارقطني وغيره .

( والوجه الثاني ) لو صح حمل على كمال الوضوء . والجواب عن حديث أبي هريرة من هذين الوجهين لأنه من رواية عمرو بن الحصين عن ابن علاثة بضم العين المهملة وبلام مخففة ثم ثاء مثلثة قال الدارقطني وغيره : هما ضعيفان متروكان ، وهذه العبارة أشد عبارات الجرح توهينا باتفاق أهل العلم بذلك ، قال الخطيب البغدادي : كان عمرو بن الحصين كذابا . وأما قولهم : عضو من الوجه فلا نسلمه .

وأما حديث : { تحت كل شعرة جنابة } إلى آخره فضعيف رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وضعفوه كلهم لأنه من رواية الحارث بن وجيه وهو ضعيف منكر الحديث ، وجواب ثان وهو حمله على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وجواب ثالث للخطابي أن البشرة عند أهل اللغة ظاهر الجلد كما سبق بيانه ، وداخل الفم والأنف ليس [ ص: 403 ] بشرة . وأما الشعر فالمراد به ما على البشرة . وأما حديث . { المضمضة والاستنشاق ثلاثا فريضة } فضعيف ولو صح حمل على الاستحباب ، فإن الثلاث لا تجب بالإجماع ، وأما حديث علي رضي الله عنه فمحمول على الشعر الظاهر جمعا بين الأدلة ، ويدل عليه أيضا قوله : { عاديت رأسي } . وأما قولهم : عضوان يجب غسلهما عن النجاسة فكذا من الجنابة فمنتقض بداخل العين ، وأما قولهم داخل الفم والأنف في حكم ظاهر البدن بدليل عدم الفطر ووجوب غسل نجاستهما ، فجوابه أنه لا يلزم من كونهما في حكم الظاهر في هذين الأمرين أن يجب غسلهما ، فإن داخل العين كذلك بالاتفاق ، فإنه لا يفطر بوضع طعام فيها ولا يجب غسلها في الطهارة ويحكم بنجاستها بوقوع نجاسة فيها . فإن قالوا : لا تنجس العين عند أبي حنيفة فإنه لا يوجب غسلها قال الشيخ أبو حامد : قلنا هذا غلط ، فإن العين عنده تنجس وإنما لا يجب غسلها عنده لكون النجاسة الواقعة فيها لا تبلغ قدر درهم ، ولهذا لو بلغت النجاسة في العين وحواليها الدرهم وجب غسلها عنده ، وأما قولهم يتعلق باللسان جنابة بدليل تحريم القراءة ، فجوابه أنه لا يلزم من تعلق حكم الحدث به أنه يجب غسله كما يحرم على المحدث مس المصحف بظهره ولسانه ولا يجب غسلهما ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : { فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر } فمحمول على الاستحباب فإن التنثر لا يجب بالإجماع . وقوله صلى الله عليه وسلم { وبالغ في الاستنشاق } محمول أيضا على الندب فإن المبالغة لا تجب بالاتفاق والله أعلم

http://library.islamweb.net/newlibra...d=14&Hashiya=1
q.gif




q.gif
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

الشيخ الفاضل عبد الله أحمد بارك الله فيكم
هذا الموضوع كتب فيه كثيراً فليست الكتب شحيحة ويمكنك الاطلاع على بعض العناوين هنا :
http://alagidah.com/vb/showthread.php?t=3522

وينظر : حجية السنة للدكتور عبد الغني عبد الخالق هنا :
http://waqfeya.net/book.php?bid=576

وكذلك
حجية السنة فى التشريع الإسلامى للباحثة مريم باوزير :
http://www.islamfeqh.com/Nawazel/NawazelItem.aspx?NawazelItemID=1003

وينظر : معالم منهج القاضي عبد الوهاب في الاستدلال بالسنة النبوية من خلال كتابيه الإشراف و المعونة :
https://feqhweb.com/vb/threads/.3256

وينظر : طرق الاستدلال بالسنة والاستنباط منها : عبد العزيز الخياط :
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=6866

وأما الشخصيات العلمية فيمكن أن تنظر في الآتي :
الحنفية : الطحاوي / السرخسي / الجصاص / الكاساني / العيني / ابن الهمام / ابن نجيم / ابن عابدين .
الشافعية : ابن المنذر / ابن خزيمة / ابن حبان / البيهقي / الجويني / الغزالي / النووي / العز بن عبد السلام / ابن السبكي / ابن حجر العسقلاني .

أما
خطة بحث رسالة ( منهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكي : تأسيس وتأصيل ) فهي مكونة من مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وهي كالتالي :

التمهيد :

وفيه تحديد المفاهيم والمصطلحات ( المنهج ، الدليل والاستدلال ، المذهب المالكي ، التأسيس والتأصيل )
الباب الأول :
السنة الاستدلالية في المذهب المالكي وفيه خمسة فصول :
الفصل الأول : مفهوم السنة عند المالكية .
الفصل الثاني : وجوه السنة الاستدلالية عند المالكية . وفيه ( النص والظاهر والمفاهيم الموافقة والمخالفة )
الفصل الثالث : فعله صلى الله عليه وسلم . وفيه ( أقسام الأفعال وأحكامها )
الفصل الرابع : عمل أهل المدينة .
الفصل الخامس : قول الصحابي .

الباب الثاني :
السنة سنداً ومتناً في المذهب المالكي وفيه خمسة فصول :
الفصل الأول : السند في المذهب المالكي .
الفصل الثاني : صفة الراوي وشرائطه .
الفصل الثالث : الجرح والتعديل .
الفصل الرابع : مستند الراوي وكيفية روايته .
الفصل الخامس : صفة الرواية وأحكامها .

الباب الثالث :
الاستدلال بالسنة الآحادية في المذهب المالكي : وفيه خمسة فصول :
الفصل الأول : خبر الآحاد وحجيته .
الفصل الثاني : اختلاف الأخبار . يعني ( التعارض والترجيح )
الفصل الثالث : السنة الآحادية وظاهر القرآن الكريم .
الفصل الرابع : السنة الآحادية وعمل أهل المدينة .
الفصل الخامس : السنة الآحادية والقياس .
 
التعديل الأخير:
إنضم
16 ديسمبر 2009
المشاركات
27
التخصص
الفقه والأصول
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

جزى الله مشايخنا الكرام خيرا، وبارك الله فيهم، الشكر موصول لأخينا الفاضل فضيلة الشيخ/ أحمد محمد عوض، أشكرك على اهتمامك، وعلى جهدك المبارك فيما نقلت من كلام الإمام النووي.
والشكر كل الشكر لشيخنا الفاضل وعالمنا الجليل فضيلة الدكتور/ بدر بن إبراهيم المهوس، على اهتمامه بطلية العلم، وإسداء النصح لهم، وعلى أن جعل من وقته ما يساعد به إخوانه، ويعلم الله دعوت لك قبل ذلك عندما رأيت مشاركاتك مع إخواني، ثم إنني دعوت لك كثيرا عندما وجدت رد فضيلتكم الآن، وأسأل المولى أن يجزل لك المثوبة والأجر، وفي الحقيقة في نفسي شعور لا أستطيع أن أخفيه -وأسأل الله أن يزيدكم من فضله وأن يبارك فيكم- وهو وقوفكم بجانب طلبة العلم، وحينما يقارن الإنسان بين فعلكم وبين فعل أساتذة لنا نعرفهم ويعرفوننا يدرك المرء الفرق، بارك الله فيكم.
أيضا أشكر فضيلتكم على التفضل علي بذكر خطة رسالة المالكية فقد كنت في حاجة ماسة لها، والشكر أيضا على الروابط التي تفضلتم بذكرها.
وأحب أن أذكر لفضيلتكم أنني حين ذكرت كلمة شحيحة قصدت الرسائل التي تتناول الاستدلال بالسنة عند عالم من العلماء.
شيخي الجليل مزيدا من الاستفادة من علمكم، وطمعا في كرمكم ما رأي فضيلتكم -وباقي المشايخ الكرام- في ابن الملقن والماوردي وقد وجدت في الأخير مادة جيدة في كتابه (الحاوي) تنظيرا وتطبيقا، ولو كانت المقارنة بين شخصين في مسألة الاستدلال فمن تفضلون في كل الأسماء المذكورة؟ وكذلك هل تفضلون أن تكون بين الشافعية والحنفية كما ذكرت أم بين مذهبين آخرين؟ سؤالي لفضيلتكم من حيث الإفادة ووجود المادة العلمية الخصبة.
آسف للإطالة وجزاكم الله خيرا.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

بارك الله فيكم يا شيخ عبد الله على دعائكم ولطفكم والشكر لله عز وجل فهو صاحب الفضل والمنة
أميل إلى أن تكتفي بشخصية واحدة فقط .
ابن الملقن عنده مؤلفات كثيرة بل هو من أكثر من ألف .
والماوردي إمام كبير وقد ألف في آرائه أصولاً وفقهاً ، وكتابه الحاوي من أجود الكتب وله مقدمة أصولية ستفيدك في الوصول لآرائه الأصولية نصاً ، ويبقى النظر في منهجه في الاستدلال عبر النقاط التالية :
ذكره للدليل : نصاً أو معنى . كاملاً او مختصراً . تخريجه . الحكم عليه ....
طريقته في ذكر وجه الاستدلال .
أدواته في فهم الدليل .
مصادره ومادته في الاستدلال ( اللغة وشروح الأحاديث وكتب الغريب وكتب الأصول وكتب الفقه .....)
استشهاده لفهمه للدليل بالنصوص والآثار وشواهد العرب والقواعد الأصولية والفقهية ....
طريقته في رد استدلال المخالف .
طريقته في الترجيح .
إلى غير ذلك من النقاط المهمة في هذا الأمر
.
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

ولو كانت المقارنة بين شخصين في مسألة الاستدلال فمن تفضلون في كل الأسماء المذكورة؟ وكذلك هل تفضلون أن تكون بين الشافعية والحنفية كما ذكرت أم بين مذهبين آخرين؟

شيخنا
يبقى الإجابة على هذا السؤال

من هما العالمان المختاران للمقارنة بينهما فى رأيكم؟

بارك الله فيكم
 

علاء سعيد محمد

:: متابع ::
إنضم
4 أكتوبر 2013
المشاركات
49
الكنية
أبو معاذ
التخصص
نشر دين
المدينة
قنا
المذهب الفقهي
سنى
رد: الاستدلال بالسنة عند بعض العلماء

بارك الله فيك
 
أعلى