العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جمع التقديم بين المغرب و العشاء في الليلة المطيرة

كمال يسين المسلم

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
104
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الإعلام الآلي
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مسلم
جمع التقديم بين المغرب و العشاء في الليلة المطيرة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين أما بعد:
من المسائل التي تكثر بداية من فصل الخريف, مسألة الجمع بين المغرب و العشاء في اليوم المطير, فكثير من الأئمة في المساجد يقومون بهذا الجمع و هو أن يصلّى المغرب و العشاء في وقت المغرب, و بعض الإخوة يعيبون على الإمام الذي لا يجمع , و يتهمونه بمخالفة السنة, و لهذا أحببت أن أكتب ما أراه دليلا من أن هذا الجمع لم يثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم شرّعه, و مع ذلك يبقى الذي جمع هذا الجمع أراد موافقة السنة, فالكل يريد هذا, و لكن هذا يصيب و هذا يخطئ, فأقول:
تعريف الجمع:
لغة :
الجمع لغة هو الضمّ, تقول: جمعت الشيء أجمعه جمعا إذا ضممت بعضه إلى بعض, و هذا معروف.
اصطلاحا:
لم يثبت أن الله عز و جل تعبدنا بهذا الاصطلاح, فلا آية و لا حديث يصف لنا أن الجمع هو كذا و كذا,
و إنما جاءت كلمة "جمع" متبوعة بتقييد معنى من معاني هذا الجمع.
فبالتّالي: إذا استعمل النبي صلى الله عليه و سلم أو صحابيّ كلمة "جمع" وجب حملها على المعنى اللغوي,
فالجمع بين صلاتين هو ضم صلاة إلى صلاة, فهذا التعريف ليس له متعلق بوقت ما,
فضمّ صلاة المغرب إلى العشاء في وقت العصر هو جمع,
و ضم صلاتين في وقت احديهما هو جمع و يسمّيه الفقهاء جمع حقيقي أو جمع وقت و يكون تقديما و تأخيرا, و ضم صلاتين بتأدية كل صلاة في وقتها هو جمع, و يسمّيه الفقهاء جمع صوريّ أو جمع فعل.
فإذا بين رسول الله صلى الله عليه و سلم في موضع ما كيفية الجمع, حملناه على ذلك المعنى في ذلك الموضع فقط, و إذ أُطلق اللفظ, و جب حمله على معنى لا يخالف النصوص التي أمرت بتأدية كل صلاة في وقتها المعروف.
أدلّة عدم جواز جمع التقديم في اليوم المطير:
روى مسلم في صحيحه (612) عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال: "إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول, ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر, فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس, فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق, فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل".
و في رواية فيها "و وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء, ما لم يحضر العصر", و فيها "و وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس, ما لم يسقط الشفق".
و روى أيضا في صحيحه(614):
عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة, فلم يردّ عليه شيئا, قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر, و الناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا, ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس , و القائل يقول قد انتصف النهار, و هو كان أعلم منهم, ثم أمره فأقام بالعصر و الشمس مرتفعة. ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس, ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق, ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها, و القائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت, ثمّ أخّر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس, ثمّ أخّر العصر حتى انصرف منها و القائل يقول قد احمرّت الشمس , ثمّ أخّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق, ثم أخّر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول, ثمّ أصبح فدعا السائل فقال: الوقت بين هذين".
و روى البخاري في صحيحه (656): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر, قبل أن تغرب الشمس, فليتمّ صلاته"
و في رواية البيهقي(1716) "و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"



و روى النسائي(انظر صحيح سنن النسائي 501):
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"هذا جبريل –عليه السلام – جاءكم يعلّمكم دينكم, فصلى الصبح حين طلع الفجر, و صلى الظهر حين زاغت الشمس, ثمّ صلّى العصر حين رأى الظلّ مثله...الحديث"
ممّا تقدّم يتبيّن أن آخر أوقات الظهر هو ما لم يحضر العصر
و أوّل أوقات العصر هو أن يكون ظل كل شيء مثله
و آخر أوقات المغرب هو قبل أن يغيب الشفق,
و أوّل أوقات العشاء هو سقوط الشق.
فبهذا, من أحال وقت صلاة إلى وقت آخر بعذر المطر فعليه بالدليل.
أدلّة المجوّزين لجمع التقديم في الليلة المطيرة و مناقشتها:
روى البخاري في باب تأخير الظهر إلى العصر:
حدَثنا أبو النعمان قال: حدَثنا حمَاد-هو ابن زيد- عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عبَاس “أنَ النَبي صلَى الله عليه و سلَم صلَى بالمدينة سبعا و ثمانيا الظهر و العصر و المغرب و العشاء,فقال أيَوب:لعلَه في ليلة مطيرة,قال : عسى” .
جابر بن زيد هو أبو الشعثاء.
قال ابن حجر في القتح: قوله:باب تأخير الظهر إلى العصر أي إلى أوّل وقت العصر,و المراد أنّه عند فراغه منها دخل و قت صلاة العصر كما سيأتي عن أبي الشّعثاء راوي الحديث.
قلت: هذه هي الصورة التي يجب أن يؤخذ عليها الحديث,لأنّ الحديث لم يتعرّض إلى وقت الجمع,و ليس تقديم صلاة العشاء إلى وقت المغرب بأولى من تأخير صلاة المغرب إلى وقت العشاء,بل لو قال أحدهم أن الجمع يكون في غير وقت الصلاتين, لكان هذا جمعا, فإذ لم يمنع مانع من تأدية صلاة في غير وقتها , فما الذي يمنع من تأدية صلاتين في غير وقتيهما؟إلاّ أنه لما علمنا أنّ الله عزّ و جلّ أمرنا أن نؤدي الصلوات في أوقاتها التي بيّنها رسوله الكريم كان لزاما أن نحمل الجمع المذكور في حديث ابن عبّاس على جمع لا يخرج صلاة عن وقتها, و قد تقدّم أن كلمة "جمع" تعني الضمّ و ليس لها متعلق بوقت ما, و إنما تقييدها بمعنى من المعاني هو الذي يحسم الأمر, فإذا أطلقت بقيت الكلمة بمعنى الضمّ, و أدّيت الصلوات في أوقاتها المذكورة سابقا, فلو أنّ الحديث يحمل على أنّ الصّلاتين أدّيتا في وقت الأولى أو الثّانية,لكان هذا بالإحتمال,و الشرع لا يؤخذ بالإحتمال بل بالنّص الواضح,و لهذا وجب علينا أن نحمل الحديث على الجمع الصّوري ,لأنّنا نعلم يقينا أنّه لم نخالف أمر الله عزّ وجلّ في إتيان الصّلوات في و قتها,و لم نعارض الحديث المذكور.
و يقال لمن حمل الحديث على جمع التقديم أو التأخير, يلزم من هذا أن يكون هذا الجمع مشروع في كلّ الأحوال, المطر و المرض و بدون عذر, فإن قالوا بل بعذر, قيل لهم و ما هو دليلكم؟ فإن قالوا أنّ أيّوب قال لأبي الشعثاء: لعلّه في ليلة مطيرة ,فأجابه: عسى, قيل لهم ,و هل الأحكام الشرعية تؤخذ من عسى أو ربّما,أو أظن؟
و يُقال لهم أيضا, يلزمكم أن تأخذوا بقول الذي اتخذتم قوله "عسى" حجة في الرّواية الأخرى التي رواها البخاري في باب من لم يتطوع بعد المكتوبة:
حدّثنا عليّ بن عبد الله قال: حدّثنا سفيان عن عمرو قال:سمعت أبا الشعثاء,جابرا قال:سمعت ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ثمانيا جميعا و سبعا جميعا,قلت يا أبا الشعثاء أظنّه أخّر الظّهر و عجّل العصر, و عجّل العشاء و أخّر المغرب,قال: و أنا أظنّه.
فإن كان ظنّ أبي الشعثاء حجة, أفلا يكون ظنه بأن هذا الجمع صوري حجة, لا سيما أن ظنه لم يخالف نصّا, و إنما وافق حديث ابن عباس في إقراره بوجود الجمع, و وافق الأحاديث المتقدمة في بيان أوقات الصلوات.
و يُردّ على من رأى الجمع بعذر المطر بالحديث الذي رواه مسلم في باب الجمع بين الصّلاتين في الحضر:
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة و أبو كريب ,قالا: حدّثنا أبو معاوية.ح و حدّثنا أبو كريب و أبو سعيد الأشجّ و اللّفظ لأبي كريب قالا: حدّثنا و كيع,كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس, قال: جمع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بين الظّهر و العصر,و المغرب و العشاء بالمدينة في غير خوف و لا مطر. في حديث و كيع,قال: قلت لابن عبّاس لم فعل ذلك؟قال: كي لا يحرج أمّته. و في حديث أبي معاوية قيل لابن عبّاس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمّته.
فانتفى أن يكون الجمع المذكور -صوريا كان أو حقيقيا- للخوف أو مطر.
فإن قال قائل :إنّ قول ابن عبّاس “في غير خوف و لا مطر” يشعر أن الجمع في المطر كان معروفا, أجيبوا : بقول الله عز و جل”لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة“,و الأسوة الحسنة تؤخذ بما نقل إلينا , أما ما لم ينقل إلينا فلسنا مكلّفين به, و الأصل أنه لم يثبت لا جمع تقديم و لا جمع تأخير, لا للمطر و لا للخوف.
و يقال لهم أيضا: قولوا إذن: "أن النبي صلى الله عليه و سلّم جمع في يوم مطير", فإن لم تقولوا هذا, قيل لهم بطل إذن القول بأن الجمع في المطر كان معروفا,
أمّا إذا قلتموه, ذُكِّرتم بقوله صلى الله عليه و سلم "من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار".
و يقال لهم أيضا: بل أثر ابن مسعود الذي رواه النسائي يشعر أن هذا الجمع في الليلة المطيرة لم يكن معروفا


روى النسائي في باب الجمع بين الظهر و العصر بعرفة
أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن خالد عن شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمان بن يزيد عن عبد الله قال:كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الصلاة لوقتها إلا بجمع و عرفات.


و روى أبو داود في باب الصلاة بجمع
حدَثنا مسدد, أنَ عبد الواحد بن زياد وأبا عوانة وأبا معاوية حدَثوهم, عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمان بن يزيد عن ابن مسعود, قال:ما رأيت رسول الله صلَى الله عليه و سلَم صلَى صلاة إلَا لوقتها, إلا بجمع,فإنَه جمع بين المغرب و العشاء بجمع,و صلَى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها.
و يقال لهم أيضا:إذا أخذتم بالمفهوم, مالكم لا تأخذون بالمنطوق, إذا كان كلام ابن عباس “في غير خوف و لا مطر” يشعر أن الجمع في المطر كان معروفا, ألا يدل منطوقه أنّ الجمع في غير المطر منصوص من الأدلة الشرعية؟؟.
فإن قالوا أن الجمع مشروع إن كان الحرج موجودا, لقول ابن عباس " أراد أن لا يحرج أمته" , قيل لهم عدم التنصيص على الشيء الذي أدّى إلى وجود الحرج, يشعر أنه لا يوجد سبب معروف أدّى النبي صلى الله عليه و سلم إلى أن يجمع , و إلا لنقل إلينا هذا السبب, أترى ابن عبّاس يعرف سبب الجمع, و عوض أن يذكر السبب يذكر ما لم يكن سببا؟
و يقال لهم أيضا: حسن ظنّنا بابن عباس يجعلنا نقول: أنّه لو كان هنالك سبب لجمع النبي صلى الله عليه و سلم لذكره ابن عباس, و لا يُظنّ به أنه يكتم علما.
و يقيننا بأنّ النبي صلى الله عليه و سلم أرسله الله عز و جل إلينا ليبين لنا أحكام هذا الدين, يجعلنا نقول: أنه لو كان هنالك سبب لجمع النبي صلى الله عليه و سلم, لبيّنه لأمته, فما هي هذه الحاجة, أهي حاجة اشترك فيها النبي صلى الله عليه و سلم و الذين صلى بهم, فإذ اكان هذا أيخفى هذا على ابن عباس,
أم هي حاجة انفرد بها النبي صلى الله عليه و سلم, فإذ كان هذا أليس النبي صلى الله عليه و سلم جاء مبينا لأحكام هذا الدين, أتراه لا يبين هذا لأمته, و كذلك أيشرع هذا الجمع –أي جمع التقديم – إن كانت للإمام حاجة أو شغل , فيجمع بالمصلين الذين ليس لهم شغل يشغلهم؟؟
إنّ رفع الحرج الذي ذكره ابن عبّاس ليس لأجل حرج كان بسبب مطر أو شغل أو حاجة, فهاته الأسباب لم تذكر في الحديث, بل لو ثبت أن ابن عباس علم إرادة رفع الحرج من النبي صلى الله عليه و سلم, لكان ذلك بسبب شيء نعرفه ,فالحرج يمكن أن يقع عند تضييق أوقات الصلوات, فإتيان صلاة المغرب في أول وقتها و الالتزام بذلك يسبب حرجا في بعض الأحيان, و إتيان صلاة العشاء في الثلث الأخير من الليل يسبب حرجا أحيانا, فأراد النبي صلى الله عليه و سلم أن يرفع هذا الحرج, و بين لنا أنه بالإمكان أن تؤتى الصلوات في غير الأوقات التي يكون فيها الأجر أكثر, فقط أن نلتزم بالأوقات المحددة لها.
قال ابن عبد البر في الاستذكار(7801): و أمّا قول ابن عباس إذ سئل عن معنى جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الصلاتين في الحضر, فقال: "أراد أن لا يحرج أمّته" فمعناه مكشوف على ما وصفنا أي لا يضيّق على أمّته فتصلّي في أوّل الوقت أبدا و في وسطه أو آخره أبدا لا تتعدى ذلك, و لكن لتصلّ في الوقت كيف شاءت في أوله أو وسطه أو آخره, لأنّ ما بين طرفي الوقت وقت كلّه, و أمّا أن تقدّم صلاة الحضر قبل دخول وقتها فلا, و الله أعلم". انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: لكن يقوّي ما ذكره(يتكلم عن ابن سيّد النّاس) من الجمع الصّوري أنّ طرق الحديث كلّها ليس فيها تعرّض لوقت الجمع. فإمّا أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصّلاة عن وقتها المحدود بغير عذر, و إمّا أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج و يجمع بها بين مفترق الأحاديث, و الجمع الصّوري أولى و الله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فإن ادّعى أحد أن كلمة جمع و جميعا لا يفهم منهما الجمع الصّوري أجيبوا بما يلي:
تقدّم أن كلمة "جمع" ليس لها متعلق بوقت ما, و إنّما معناها الضم, فوجب على من جمع أن يبقي الأوقات كما جاءت مبينة, إلا أن يأتي نصّ في موضع ما يصف ذلك الجمع, فيحمل على ذلك المعنى الموصوف في ذلك النص و في ذلك الموضع فقط.
و أجيبوا أيضا بالنصوص الشرعية و منها:
روى الإمام الترمذي في :باب ما جاء في المستحاضة أنَها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد:
حدَثنا محمَد بن بشار, حدَثنا أبو عامر العقديَ, حدَثنا زهير بن محمَد عن عبد الله ابن محمد بن عقيل,عن ابراهيم بن محمَد بن طلحة,عن عمَه عمران بن طلحةعن أمَه حمنة بنت جحش,قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة,فأتيت النبيَ صلى الله عليه و سلم أستفتيه و أخبره ,فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش,فقلت :يا رسول الله,إنَي أستحاض حيضة كثيرة شديدة,فما تأمرني فيها؟قد منعتني الصيام و الصلاة,قال”أنعت لك الكرسف,فإنه يذهب الدَم”قالت:هو أكثر من ذلك؟ قال :”فتلجَمي”قالت: هو أكثر من ذلك؟قال:”فاتخذي ثوبا”قالت :هو أكثر من ذلك, إنَما أثجُّ ثجَّا, فقال النَبيّ صلى الله عليه و سلم: ”سآمرك بأمرين أيَهما صنعت أجزأ عنك, فإن قويت عليهما فأنت أعلم,فقال :إنَما هي ركضة من الشيطان فتحيَضي ستة أيَام ,أو سبعة أيام في علم الله,ثمَ اغتسلي ,فإذا رأيت أنَك قد طهرت واستنقأت,فصلَي أربعا وعشرين ليلة ,أو ثلاثا و عشرين ليلة و أيَامها,و صومي, و صلَي,فإنَ ذلك يجزئك,و كذلك فافعلي كما تحيض النساء و كما يطهرن لميقات حيضهن ّو طهرهنّ,فإن قويت على أن تؤخري الظهر و تعجلي العصر ,ثمَ تغتسلين حين تطهرين و تصلين الظهر و العصر جميعا,ثمَ تؤخرين المغرب و تعجلين العشاء , ثم تغتسلين و تجمعين بين الصلاتين فافعلي ,و تغتسلين مع الصبح و تصلين , و كذلك فافعلي و صومي إن قويت على ذلك”فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:”و هو أعجب الأمرين إليَ“.
قال أبو عيسى الترمذي في سننه : هذا حديث حسن صحيح ثم قال: سألت محمدا عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن صحيح و هكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح انتهى كلامه رحمه الله.
و الحديث رواه أبو داود بلفظ”فإن قويت على أن تؤخري الظهر و تعجلي العصر فتغتسلي و تجمعين بين الصلاتين الظهر و العصر“.
لكن قد يردّ على هذا بأنّ الحديث ليس ممن يحتج به لوجود عبد الله بن محمد بن عقيل و هو ممن اختلف فيه و ملخص الكلام في سبب ضعفه هو سوء حفظه,حتى زهير بن محمد تكلموا فيه لسوء حفظه,لكن توجد رواية أخرى تبين أنه صلى الله عليه وسلم استعمل كلمة الجمع ليقصد بها الجمع الصوري,

فلقد روى النسائي: أخبرنا سويد بن نصر قال:حدّثنا عبد الله عن سفيان عن عبد الرحمان بن القاسم عن القاسم عن زينب بنت جحش قالت:قلت للنبي صلى الله عليه و سلم إنّها مستحاضة فقال:تجلس أيّام أقرائها ثمّ تغتسل و تؤخر الظهر و تعجل العصر و تغتسل و تصلي,و تؤخر المغرب و تعجل العشاء و تغتسل و تصليهما جميعا,و تغتسل للفجر.
و لقد صحح الشيخ الألباني الحديث في صحيح سنن النسائي, فتأمّل كيف أنّ النبي صلى الله عليه و سلم استعمل لفظة جميعا مع أمره بتعجيل العشاء و تأخير المغرب, حتى ابن عباس راوي حديث الجمع, استعمل كلمة الجمع ليعني بها الجمع الصوري, فلقد روى أبو داود في سننه حديثا في الباب ثم قال:رواه مجاهد عن ابن عباس :لمَا اشتدَ عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصَلاتين.
و كذلك ما روى عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الحيض عن معمر عن أيوب عن سعيد ابن جبير أن امرأة من أهل الكوفة كتبت إلى ابن عباس بكتاب, فدفعه إلى ابنه ليقرأه فتعتع فيه, فدفعه إلي فقرأته , فقال ابن عباس:أما لو هذرمتها كما هذرمها الغلام المصري. فإذا في الكتاب : إني امرأة مستحاضة أصابني بلاء و ضرّ, و إني أدع الصلاة الزمان الطويل, و إن علي ابن أبي طالب سئل عن ذلك, فأفتاني أن أغتسل عند كل صلاة , فقال ابن عباس : اللهم لا أجد لها إلا ما قال عليّ, غير أنها تجمع بين الظهر و العصر بغسل واحد , و المغرب و العشاء بغسل واحد, و تغتسل للفجر..الحديث.
و روى حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: قيل لابن عباس :إن أرضها باردة’ قال: تؤخر الظهر و تعجّل العصر, و تغتسل لهما غسلا, و تؤخر المغرب, و تعجّل العشاء, و تغتسل لهما غسلا, و تغتسل للفجر غسلا.
فإن كان ابن عباس رضي الله تعالى عنه قصد بالجمع- في فتواه عن المستحاضة- الجمع الصوري , فما الذي يمنع أن يقصد هذا في روايته عن جمع النبي صلى الله عليه و سلم؟.
فتأمّل كيف أن النبي صلى الله عليه و سلم, و ابن عباس لم يبيحا للمستحاضة أن تجمع الصلاتين في وقت أحدهما, مع كون الأرض التي كانت فيها باردة.
قال الإمام الصنعاني في سبل السلام:
و في الحديث دليل على أنه لا يباح جمع الصلاتين في وقت أحدهما للعذر,إذ لو أبيح لعذر لكانت المستحاضة أول من يباح لها ذلك,ولم يبح لها ذلك,بل أمرها بالتوقيت,كما عرفت" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
أمّا من جوّز الجمع في المطر قياسا على الجمع للمسافر, فهو قياس باطل عند القائلين به, لأنّه قياس في العبادات, ثمّ لو كان القياس حقّا, لجاز قياس جمع الصلاتين العصر و المغرب لوجود المطر على جمع الصلاتين بين المغرب و العشاء.
قال الشوكاني في "السيل الجرّار":
و قد استدلّوا على جواز الجمع لهم بقياسهم على المسافر, و ليس بقياس صحيح, و لو كان صحيحا لجاز لهم قصر الصّلاة. و قد مرض النبي صلى الله عليه و سلم و لم ينقل إلينا أنّه جمع بين الصّلوات, و كذلك ما نقل إلينا أنه سوّغ لأحد من المرضى جمع الصلوات. انتهى كلامه.
ثم إن الجمع الصوري ليس منهي عنه في السفر, فحتى لو كان القياس حقا, ما كان القياس على جمع التقديم(هذا إن صح حديث جمع التقديم في السفر) أو على جمع التأخير بأولى من القياس على الجمع الصوري.
و الجمع الصوري ورد حتى في السفر:
روى أبو داود في سننه
حدّثنا محمّد بن عبيد المحاربي ،نا محمّد بن فضيل، عن أبيه عن نافع و عبد الله بن واقد أنّ مؤذن ابن عمر قال: الصلاة, قال سر, سر ,حتّى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلّى المغرب, ثم ّ انتظر حتّى غاب الشفق فصلى العشاء , ثمّ قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت, فسار في ذلك اليوم و الليلة مسيرة ثلاث".
قال العلامة آبادي في عون المعبود في شرحه لهذا الحديث
و في هذا دليل على معنى الجمع الصوري الذي تأول به الحنفية أحاديث الجمع بين الصلاتين.
و روى الدّار قطني في سننه:
حدّثنا الحسين بن اسماعيل حدّثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع و جرير بن عبد الحميد –و اللفظ لوكيع-عن الفضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال استصرخ على صفية و هو في سفر, فسار حتّى إذا غابت الشمس قيل له: الصلاة ,فسار حتى كاد يغيب الشفق, فنزل فصلى المغرب ثمّ انتظر حتى غاب الشفق صلى العشاء ثمّ قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم: إذا نابته حاجة صنع هكذا"


و روى أيضا:
حدّثنا أبو بكر النيسابوري حدّثنا العبّاس بن الوليد بن مزيد قال :أخبرني أبي قال سمعت ابن جابر يقول حدثني نافع قال:
خرجت مع عبد الله بن عمر و هو يريد أرضا له فنزل منزلا فأتاه رجل فقال له :إن ّصفية بنت أبي عبيد لما بها و لا أظن أن تدركها و ذلك بعد العصر قال فخرج مسرعا و معه رجل من قريش فسرنا حتى إذا غابت الشمس و كان عهدي بصاحبي و هو محافظ على الصلاة, فقلت: الصلاة ,فلم يلتفت إليّ و مضى كما هو , حتّى إذا كان من آخر الشفق نزل فصلّى المغرب ثمّ أقام الصلاة و قد توارى الشفق فصلّى بنا العشاء , ثمّ أقبل علينا فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا عجل به أمر صنع هكذا".
و هذه القصّة جاءت من طرق أخرى فيها أن الجمع المذكور كان جمع تأخير, فكان ذكر هذا الحديث للاستئناس فقط.
و الذي تقدّم – أي الجمع الصوري - هو مذهب ابن حزم رحمه الله تعالى,فلقد جاء في المحلّى: و أمّا في غير السّفر فلا سبيل ألبتّة إلى وجود خبر فيه الجمع بتقديم العصر إلى وقت الظّهر و لا بتأخير الظّهر إلى أن يكبّر لها في وقت العصر,و لا بتأخير المغرب إلى أن يكبّر لها بعد مغيب الشّفق,و لا بتقديم العتمة إلى قبل غروب الشّفق…انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
و هو مذهب العلّامة أبو الطّيب القنوجي,قال في شرحه على الدّرر البهية في كتابه الرّوضة النّدية,عندما ذكر قول الماتن “و الجمع لعذر جائز”: أي بين الصّلاتين إن كان صوريا و هو فعل الأولى في آخر و قتها و الأخرى في أول وقتها فليس بجمع في الحقيقة لأن كل صلاة مفعولة في وقتها المضروب لها و إنما هو جمع في الصورة و منه جمعه صلّى الله عليه و سلّم في المدينة المنوّرة من غير مطر و لا سفر كما في الصّحيح..انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
و هو الظاهر من الترجمة الذي وضعها الإمام البخاري في صحيحه, فلقد وضع الحديث في كتاب المواقيت, باب تأخير الظهر إلى العصر, و باب وقت المغرب.
و لم يذكر باب تأخير الظهر إلى العصر للحاجة, و لا باب وقت المغرب عند الحاجة.


و هو مذهب ابن عبد البر, و أبو الشعثاء و عمرو بن دينار فلقد قال ابن عبد البر في الاستذكار(7799):
و لا حجّة في هذا الحديث و ما كان مثله لمن جعل الوقت في صلاتي الليل و في صلاتي النهار كهو في السفر, و أجاز الجمع بين الصلاتين في الحضر في وقت إحداهما, لأنه ممكن أن تكون صلاته بالمدينة في غير خوف و لا سفر كانت بأن أخّر الأولى من صلاتي النهار فصلّاها في آخر وقتها و صلى الثانية في أوّل وقتها, و صنع مثل ذلك بالعشاء بيّن على ما ظنّه أبو الشعثاء و تأوّل الحديث عليه, هو و عمرو بن دينار, و موضعهما من الفقه الموضع الذي لا فوقه موضع. انتهى.
ثم قال:
و إذا كان ذلك غير مدفوع إمكانه و كان ذلك الفعل يسمى جمعا في اللغة العربية بطلت الشبهة التي نزع بها من هذا الحديث من أراد الجمع في الحضر بين الصلاتين في وقت إحداهما...انتهى.
و هو مذهب مالك و أشهب بن عبد العزيز إن صحّ ذلك عنهما:
قال ابن عبد البر في الاستذكار(7784): و الجمع عند مالك بين المغرب و العشاء ليلة المطر: أن يؤخّر المغرب ثمّ يؤذن لها و تقام فتصلّى, ثمّ يؤذن في داخل المسجد للعشاء و يقيمونها و تصلّى, ثمّ ينصرفون مع مغيب الشفق.انتهى.
و قال أيضا(7795): و قال أشهب بن عبد العزيز: لا بأس بالجمع عندي بين الصلاتين كما جاء في الحديث من غير خوف و لا سفر و إن كانت الصلاة في أول وقتها أفضل, و هذا الجمع عندي بين صلاتي النهار في آخر وقت الظهر و أول وقت العصر, و كذلك صلاة المغرب و العشاء في آخر وقت الأولى منهما و أول وقت الآخرة جائز في الحضر و السفر, فأمّا أن يجمع أحد بين الصلاتين في وقت إحداهما فلا إلا في السفر.

و هو مذهب القاضي العلامة الحسين بن محمد المغربي, شارح بلوغ المرام, فلقد جاء في سبل السلام نقلا عنه عندما رد على من احتج بحديث ابن عباس في مشروعية الجمع في الحضر:
فلا يصحّ الاحتجاج به لأنه غير معين لجمع التقديم و التأخير كما هو ظاهر رواية مسلم, و تعيين واحد منهما تحكّم فوجب العدول عنه إلى ما هو واجب من البقاء على العموم في حديث الأوقات للمعذور و غيره و تخصيص المسافر لثبوت المخصص, و هذا هو الجواب الحاسم.انتهى.
ثم قال:و القول بأن قوله"أراد أن لا يحرج أمته" يضعف هذا الجمع الصوري لوجود الحرج فيه مدفوع بأنّ ذلك أيسر من التوقيت, إذ يكفي للصلاتين تأهب واحد و قصد واحد إلى المسجد و وضوء واحد بحسب الأغلب بخلاف الوقتين فالحرج في هذا الجمع لا شكّ أخفّ. انتهى.
و هو مذهب العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني الذي تقدم قوله في المستحاضة, و قال أيضا بعدما ذكر قول المغربي : و هو كلام رصين. انتهى.
و لقد ورد هذا التفسير- أي الجمع الصوريّ- عن ابن عبّاس في الحديث الذي رواه النّسائي في باب الوقت الذي يجمع فيه المقيم:
أخبرنا قتيبة قال:حدّثنا سفيان عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عبّاس قال: صلّيت مع النّبي صلّى الله عليه و سلّم بالمدينة ثمانيا جميعا و سبعا جميعا أخّر الظّهر و عجّل العصر و أخّر المغرب و عجّل العشاء. فالظاهر أنّ ابن عبّاس هو الذي فسّر الجمع بالجمع الصّوري,لكن لم يكن ذلك التفسير له, لأنه لو كان ذلك ما كان لجابر بن زيد أن يظن في رواية البخاري شيئا ذكره له ابن عبّاس,و لهذا ربما كان هذا التفسير من كلام قتيبة بن سعيد.
و من المؤيدات التي تؤيد حمل هذا الجمع على الجمع الصوري, ما ذكره الإمام الشوكاني: قال الشوكاني في نيل الأوطار: و من المؤيدات للحمل على الجمع الصّوري ما أخرجه مالك في الموطأ و البخاري و أبو داود و النّسائي عن ابن مسعود قال:”ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلّا صلاتين جمع بين المغرب و العشاء بالمزدلفة و صلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها“فنفى ابن مسعود مطلق الجمع و حصره في جمع المزدلفة مع أنّه ممن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدّم و هو يدل على أنّ الجمع الواقع بالمدينة صوري و لو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه و الجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب…انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
قلت:الحديث الذي رواه ابن مسعود في جمع النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة هو ما رواه الطبراني في المعجم الكبير:
حدثنا إدريس بن عبد الكريم الحداد ثنا أحمد بن حاتم الطويل ثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان عن زاذان قال : قال عبد الله بن مسعود : جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له فقال : صنعته لئلا تكون أمتي في حرج. لكن الحديث فيه مقال , لأن فيه ابن عبد القدوس ضعفه غير واحد حتى قال عنه ابن معين رافضي خبيث,رغم أن البخاري قال فيه هو في الأصل صادق,إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف(انظر تهذيب التهذيب).
ويظهر أن هذه الرواية رواها عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش و هو ثقة.
أما آثار الصحابة و التابعين رضي الله تعالى عنهم التي احتج به المخالفون منها: الرّواية التي ذكرها ابن عبد البر في التمهيد:
روى أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبيه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب و العشاء,قال و كان يصلي المغرب ثم يمكث هنيئة ثم يصلي العشاء.
و الرواية فيها مقال ,عمر بن أبي سلمة قالوا عنه: محمد بن سعد: كان كثير الحديث,و ليس يحتج بحديثه قال على ابن المدينى ، عن يحيى بن سعيد : كان شعبة يضعف عمر بن أبى سلمة. و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : ليس بقوى فى الحديث . و قال النسائى : ليس بالقوى . ذكره ابن حبان في الثقات,قال البخاري في التاريخ:صدوق, إلا أنه يخالف في بعض حديثه. و قال أبو بكر بن خزيمة : لا يحتج بحديثه .(انظر تهذيب التهذيب).
ثم لو كان صحيحا ما كان حجة في جمع التقديم أو التأخير لوجوه:
أحدها: قوله من السنة لا يفيد الرفع, فأبو سلمة لم يدرك النّبي صلّى الله عليه و سلم, فلو قال : قال النّبي صلى الله عليه و سلم لقالوا الحديث مرسل و ضعيف,أترى إذا قال من السنة أصبح متصلا و مرفوعا؟؟
و ثانيا: لم يذكر صفة الجمع, بل قوله و كان يصلي المغرب ثم يمكث هنيئة ثم يصلي العشاء يشعر أن الجمع كان صوريا, فبطل التعلق بهذا الأثر.
أما ما روى عبد الرّزاق في مصنفه:
عن إبراهيم بن محمد عن صفوان بن سليم قال جمع عمر بن الخطاب بين الظهر والعصر في يوم مطير, فليس لهم فيه حجة, قال أبو داود السجستاني:لم ير(أي صفوان بن سليم)أحدا من الصحابة إلا أبا أمامة و عبد الله بن بسر).و لو صح ليس فيه ما يدل أن الجمع كان في وقت إحدى الصلوات.

و روى مالك في موطئه في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر و السفر:
عن نافع أنّ عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب و العشاء في المطر جمع معهم .
و روى عبد الرّزاق في مصنفه:
عن داود بن قيس قال سمعت رجاء بن حيوة يسأل نافعا أكان بن عمر يجمع مع الناس بين الصلاتين إذا جمعوا في الليلة المطيرة قال نعم.
و روى أيضا: عن معمر عن أيوب عن نافع أن أهل المدينة كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة فيصلي معهم بن عمر لا يعيب ذلك عليهم .
أمّا جمع ابن عمر مع النّاس و الأمراء إذا جمعوا فليس لهم متعلق فيه لوجوه:
أولا: لو صح أن هذا مذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنه, فلا حجّة في فعله, و فعله لا ينسب إلى شرع الله عز و جلّ.
قال العلامة الحسين بن محمد المغربي:
و أمّا ما يروى من الآثار عن الصّحابة و التابعين فغير حجة إذ للاجتهاد في ذلك مسرح. انتهى.
ثانيا: أن هذه الآثار ليس فيها بيان لنوع الجمع أهو جمع تقديم أو تأخير أو صوري,ولقد علمت أنّ الجمع يطلق كذلك على الجمع الصوري,فإذ ليس فيها بيان كان واجب علينا أن نبقي أوقات الصلاة كما بينها النبي صلى الله عليه و سلم ,فالواجب أن نعمل بالصريح و نترك المحتمل.
ثالثا: أنّ الرّوايات لم تذكر سوى أن ابن عمر جمع مع النّاس و لم تذكر ألبتة أنّه رضي بفعلهم فلربما كان النّاس يعرفون أنّ هذا الجمع غير مشروع فلم تكن فائدة في الإنكار على الأمراء , فإن قال قائل : ماذا تفعلون بقول نافع:” لا يعيب ذلك عليهم”, قيل لهم: و لم يقل “رضي بفعلهم”, و لعل نافعا أراد أن يحتج بهذا على وجوب لزوم الجماعة في الصلاة و إن خالف السلطان السنة, هذا على فرض أن الجمع كان حقيقيا و ليس صوريا.(سيأتي البرهان على أن ذلك الجمع إما كان صوريا, و إما أن نافعا لم يكن مراده تبيان مذهب ابن عمر في الجمع).

روى مسلم في صحيحه -باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار -عن أبي العالية البرّاء قال: قلت لعبد الله بن الصّامت: نصلّي يوم الجمعة خلف أمراء, فيؤخّرون الصّلاة. قال فضرب فخذي ضربة أوجعتني. و قال: سألت أبا ذرّ عن ذلك. فضرب فخذي و قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك. فقال: "صلّوا الصّلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة".
و في رواية عن أبي ذرّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخّرون الصّلاة عن وقتها, أو يميتون الصّلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صلّ الصّلاة لوقتها. فإن أدركتها معهم فصلّ فإنّها لك نافلة".

أمّا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6321)قال :حدّثنا أبو بكر قال:حدّثنا أبو أسامة قال:حدّثنا عبيد الله عن نافع قال:"كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطؤوا بالمغرب و عجّلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق, فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأسا قال عبيد الله:و رأيت القاسم و سالما يصليان معهم في مثل تلك الليلة"
عبيد الله هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري, لأن البيهقي ذكر في سننه (5556)فعل ابن عمر ثم قال: رواه العمري عن نافع فقال قبل الشفق
و هنالك من الرواة من يسمّى عبيد الله العمري و هو الوحيد الذي روى عن نافع, و هو ثقة,

و على صحة الأثر , لا حجة فيه ,لما يلي:
أولا: فإضافة إلى ما تقدم , قوله لا يرى بذلك بأسا, دليل على أن التابعين لم يكونوا يعرفوا هذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه و سلم, لأنه لو كان معروفا لم يحتج نافع على هذا الفعل بعدم رؤية ابن عمر لذلك الفعل بأسا, بل كان سيحتج بفعل الرسول صلى الله عليه و سلّم.
ثانيا:قول نافع عن ابن عمر أنه لم ير بذلك بأسا, يحتمل أنه لم ير بأسا في الصلاة مع الأمراء رغم أنهم لا يصلون الصلاة في وقتها, و ليس أنه لم ير بأسا في تلك الصلاة.
ثالثا:ما فعله الأمراء ليس هو جمع التقديم و لا التأخير,و ليس فيه أنهم صلوا صلاة لغير وقتها المعروف, فهم أبطأوا بالمغرب,أي أخّروه, فيحتمل أنهم أخروه إلى آخر وقته, و هذا الذي يظن بهم.
ثمّ عجّلوا بالعشاء, أي صلّوها في أول وقتها, و يكونوا عجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق الثاني, و لم يتركوها إلى آخر وقتها,
و هناك احتمال آخر و هو أنهم أبطأوا بالمغرب و عجّلوا بالعشاء, فهم أخروا المغرب و عجّلوا العشاء, و كانت بداية هذا الفعل قبل أن يغيب الشفق, و ليست نهاية الفعل هي التي كانت قبل مغيب الشفق.
و إلّا فما الفائدة في إبطائهم للمغرب إن كانوا سيصلّون الصّلاتين قبل مغيب الشفق الأول؟

و لو اعتبرنا أن كل ما وصلنا عن ابن عمر شرع وجب الأخذ به, لوجب الأخذ بالنصوص الأخرى التي جاءت من طريق نافع عن ابن عمر و فيها:
روى عبد الرزاق في مصنفه(4401) عن ابن جريج قال: أخبرني نافع قال:" جمع ابن عمر بين الصلاتين مرة واحدة, قال: جاءه خبر عن صفية بنت أبي عبيد أنها وجعة, فارتحل بعد أن صلى العصر, ثم أسرع السير فسار حتى حانت صلاة المغرب, فكلمه رجل من أصحابه, فقال: الصلاة, فلم يرجع إليه, ثم كلمه آخر فلم يرجع إليه, و كلمه آخر فلم يرجع إليه شيئا, ثم كلمه آخر فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استعجل أخّر هذه الصلاة حتى يجمع بين الصلاتين".
فهذا نافع, يخبر أن ابن عمر لم يصل صلاة لوقتها إلا مرة واحدة- إن سلمنا أن يوم جاءه خبر صفيه جمع جمع تقديم, و هذا ما أفادته روايات أخر عن نافع-فإما أن يقال أن الأمراء جمعوا جمعا صوريا, فيكون صلى صلاتين في وقتيهما, و إما أن نافعا لا يرى ما فعله ابن عمر هو مذهبه,
إلا أن في هذا الاستدلال نظر لما رواه عبد الرزاق أيضا في مصنفه(4403) عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع أن ابن عمر كان يصلي في السفر كل صلاة لوقتها, إلا صلاة أخبر بوجع امرأته, فإنه جمع بين المغرب و العشاء, فقيل له, فقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل إذا جدّ به المسير جمع بين المغرب و العشاء, فكان في بعض حديثهم إلى الربع من الليل أخّرهما جميعا".
فقوله في السفر يعكر الاستدلال المتقدم, إن لم نأخذ بالعموم و هو قوله "جمع ابن عمر بين الصلاتين مرة واحدةّ

أمّا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه(6322):حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمان بن حرملة قال:"رأيت سعيد بن المسيّب يصلي مع الأئمة حين يجمعون بين المغرب و العشاء في الليلة المطيرةّ"
فلو صحّ, و لم يضعّف من أجل عبد الرحمان بن حرملة- فهو ممّن اختلف فيه – ما كان حجة في جمع التقديم أو التأخير.
أولا: سعيد بن المسيب ليس حجة في أفعاله, و إنّما الحجة في أفعال رسول الله صلى الله عليه و سلّم
ثانيا : هو صلى معهم و لم يذكر أن تلك الصلاة جائزة شرعا
ثالثا: ليس فيه أن الجمع كان جمع التقديم أو التأخير أو صوري.

أما ما رواه البيهقي في سننه(5557) :أنّ عروة و سعيد بن المسيب و أبا بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام بن المغيرة المحزومي كانوا يجمعون بين المغرب و العشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين و لا ينكرون ذلك"
و ما رواه في سننه(4658):
عن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب و العشاء الآخرة إذا كان المطر و أن سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و أبا بكر بن عبد الرحمان و مشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم و لا ينكرون ذلك."
و على صحة إسناديهما و قد صححهما الألباني في الإرواء, فليس بحجة في جمع التقديم و لا التأخير, و ما قيل في فعل ابن عمر و سعيد بن المسيب يقال هنا.

و يضاف إلى هذا من أنه لو صح جمع التقديم في المطر من ابن عمر و التابعين, فقد خالفهم ابن مسعود كما تقدّم, فإن قال أحدهم أن المثبت يقدم على النافي, قيل لهم أن المثبت لا يوجد,لم يقل أحدهم أني رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يجمع في المطر جمع تقديم, أو أن يصلي صلاة في غير وقتها.
و لقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه(8332):حدّثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن و محمد قالا:"ما نعلم من السنة الجمع بين الصّلاتين في حضر و لا سفر إلا بين الظهر و العصر بعرفة و بين المغرب و العشاء بجمع".
و لا بأس في الأخير بذكر رسالة الليث بن سعد إلى الإمام مالك التي ذكرها ابن القيم في اعلام الموقعين:
وقد عرفت مما عبت إنكاري إياه : أن يجمع أحد من أجناد المسلمين بين الصلاتين ليلة المطر ،ومطر
الشام أكثر من مطر المدينة بما لا يعلمه إلا الله لم يجمع منهم إمام قط في ليلة مطر، وفيهم أبو عبيدة
بن الجراح ،وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل، وقد بلغنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ) وقال: ( يأتي
معاذ يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة ) وشرحبيل بن حسنة ،وأبو الدرداء، وبلال بن رباح .
وكان أبو ذر بمصر والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ،وبحمص سبعون من أهل بدر ، وبأجناد
المسلمين كلها، وبالعراق ابن مسعود ،وحذيفة بن اليمان ،وعمران بن حصين، ونزلها أمير المؤمنين
على بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة سنين وكان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يجمعوا بين المغرب والعشاء قط .انتهى .
هذا إن صحّت الرسالة, فقد أنكر الليث هذا الجمع و ذكر أن الصحابة ما كانوا يجمعون في المطر, سواء كان جمع المدينة صوريا أم جمع وقت.
و الله أعلم.
 
أعلى