العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
الحاوي للفتاوي للحافظ السيوطي:

حسن المقصد في عمل المولد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد ، فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ، ما حكمه من حيث الشرع ؟ وهل هو محمود أو مذموم ؟ وهل يثاب فاعله أو لا ؟

الجواب : عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ، ثم [ ص: 222 ] يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك - هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف ، وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين ، أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد ، وكان له آثار حسنة ، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون ، قال ابن كثير في تاريخه : كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا ، وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا ، رحمه الله وأكرم مثواه ، قال : وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلدا في المولد النبوي سماه ( التنوير في مولد البشير النذير ) ، فأجازه على ذلك بألف دينار ، وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة ، محمود السيرة والسريرة .

وقال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه عد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم شوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة فرس ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى ، قال : وكان ينحصر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية ، فيخلع عليهم ويطلق لهم ، ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ، ويرقص بنفسه معهم ، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة ، فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار ، وكان يستفك من الفرنج في كل سنة أسارى بمائتي ألف دينار ، وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار ، هذا كله سوى صدقات السر ، وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم ، قالت : فعاتبته في ذلك ، فقال : لبسي ثوبا بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا وأدع الفقير والمسكين .

وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دحية : كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، قدم من المغرب ، فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة ، فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي ، فعمل له كتاب التنوير في مولد البشير النذير ، وقرأه عليه بنفسه ، فأجازه بألف دينار ، قال : وقد سمعناه على السلطان في ستة مجالس في سنة خمس وعشرين وستمائة . انتهى .

[ ص: 223 ] وقد ادعى الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني من متأخري المالكية أن عمل المولد بدعة مذمومة ، وألف في ذلك كتابا سماه : ( المورد في الكلام على عمل المولد ) ، وأنا أسوقه هنا برمته وأتكلم عليه حرفا حرفا .

قال رحمه الله : الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين ، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين ويسر لنا اقتفاء أثر السلف الصالحين ، حتى امتلأت قلوبنا بأنوار علم الشرع وقواطع الحق المبين ، وطهر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين ، أحمده على ما من به من أنوار اليقين ، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين .

أما بعد ، فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ، ويسمونه المولد ، هل له أصل في الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبينا والإيضاح عنه معينا ، فقلت وبالله التوفيق : لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة ، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون ، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا : إما أن يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا أو مكروها أو محرما ، وليس بواجب إجماعا ولا مندوبا ؛ لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه ، وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون المتدينون فيما علمت ، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ، ولا جائز أن يكون مباحا ؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين ، فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو حراما ، وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين ، والتفرقة بين حالين :

أحدهما : أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله ، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئا من الآثام ، وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة ؛ إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام سرج الأزمنة وزين الأمكنة .

[ ص: 224 ] والثاني : أن تدخله الجناية وتقوى به العناية حتى يعطى أحدهم الشيء ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يجد من ألم الحيف ، وقد قال العلماء : أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء - مع البطون الملأى - بآلات الباطل من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات ، إما مختلطات بهن أو مشرفات ، والرقص بالتثني والانعطاف والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف ، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد ، والخروج في التلاوة والذكر المشروع والأمر المعتاد غافلات عن قوله تعالى : ( إن ربك لبالمرصاد ) وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان ، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب وغير المستقلين من الآثام والذنوب ، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ، ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه :
قد عرف المنكر واستنكر المعروف في أيامنا الصعبه وصار أهل العلم في وهدة
وصار أهل الجهل في ريبه حادوا عن الحق ، فما للذي
ساروا به فيما مضى نسبه فقلت للأبرار أهل التقى
والدين لما اشتدت الكربه لا تنكروا أحوالكم قد أتت
نوبتكم في زمن الغربه
ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء حيث يقول : لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب ، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه ، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه . وهذا ما علينا أن نقول ، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول .

هذا جميع ما أورده الفاكهاني في كتابه المذكور ، وأقول : أما قوله : لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة ، فيقال عليه : نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود ، وقد استخرج ‌ [ ص: 225 ] له إمام الحفاظ أبو الفضل ابن حجر أصلا من السنة ، واستخرجت له أنا أصلا ثانيا ، وسيأتي ذكرها بعد هذا ، وقوله : بل هو بدعة أحدثها البطالون ، إلى قوله : ولا العلماء المتدينون ، يقال عليه : قد تقدم أنه أحدثه ملك عادل عالم وقصد به التقرب إلى الله تعالى ، وحضر عنده فيه العلماء والصلحاء من غير نكير منهم ، وارتضاه ابن دحية وصنف له من أجله كتابا ، فهؤلاء علماء متدينون رضوه وأقروه ولم ينكروه ، وقوله : ولا مندوبا ؛ لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع ، يقال عليه : إن الطلب في المندوب تارة يكون بالنص وتارة يكون بالقياس ، وهذا وإن لم يرد فيه نص ، ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما ، وقوله : ولا جائز أن يكون مباحا ؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين ، كلام غير مسلم ؛ لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه ، بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة ، قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، قال : والطريق في ذلك أن نعرض البدعة على قواعد الشريعة ، فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة ، أو في قواعد التحريم فهي محرمة ، أو الندب فمندوبة ، أو المكروه فمكروهة ، أو المباح فمباحة ، وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال : وللبدع المندوبة أمثلة : منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ، ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل ، ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى ، وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال : المحدثات من الأمور ضربان ، أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا ، فهذه البدعة الضلالة ، والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة ، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : "نعمت البدعة هذه " ، يعني أنها محدثة لم تكن ، وإذ كانت فليس فيها رد لما مضى . هذا آخر كلام الشافعي ، فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين : ولا جائز أن تكون مباحا ، إلى قوله : وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة ، إلى آخره ؛ لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع ، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي ، وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول ، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان ، فهو من البدع المندوبة كما في [ ص: 226 ] عبارة ابن عبد السلام ، وقوله : والثاني ، إلى آخره هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد ، بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلا لكانت قبيحة شنيعة ، ولا يلزم من ذلك ذم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة ، كما هو واضح ، وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح ، فهل يتصور ذم الاجتماع لصلاة التراويح لأجل هذه الأمور التي قرنت بها ؟ كلا بل نقول : أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة ، وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح وشنيع ، وكذلك نقول : أصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة ، وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع ، وقوله : مع أن الشهر الذي ولد فيه ، إلى آخره . جوابه أن يقال أولا : إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ، ووفاته أعظم المصائب لنا ، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكون والكتم عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته ، وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما ، فكيف ممن هو دونهم ؟!

وقد تكلم الإمام أبو عبد الله بن الحاج في كتابه المدخل على عمل المولد ، فأتقن الكلام فيه جدا ، وحاصله مدح ما كان فيه من إظهار شعار وشكر ، وذم ما احتوى عليه من محرمات ومنكرات ، وأنا أسوق كلامه فصلا فصلا ، قال :

( فصل في المولد ) ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد ، وقد احتوى ذلك على بدع ومحرمات جمة ؛ فمن ذلك : استعمالهم المغاني ومعهم آلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك مما جعلوه آلة للسماع ومضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون أكثر الأزمنة التي فضلها الله تعالى وعظمها ببدع ومحرمات ، ولا شك أن السماع في غير هذه الليلة فيه ما فيه ، فكيف به إذا انضم إلى فضيلة هذا الشهر العظيم [ ص: 227 ] الذي فضله الله تعالى وفضلنا فيه بهذا النبي الكريم ؟ فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينها وبين هذا الشهر الكريم الذي من الله علينا فيه بسيد الأولين والآخرين ، وكان يجب أن يزاد فيه من العبادة والخير شكرا للمولى على ما أولانا به من هذه النعم العظيمة ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات ، وما ذاك إلا لرحمته صلى الله عليه وسلم لأمته ورفقه بهم ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم ، لكن أشار عليه السلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين : " ذاك يوم ولدت فيه " فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه ، فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة وهذا منها ؛ لقوله عليه السلام : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " " آدم فمن دونه تحت لوائي " وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها ، وإنما يحصل لها التشريف بما خصت به من المعاني ، فانظر إلى ما خص الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين ، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ولد فيه ، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به اتباعا له صلى الله عليه وسلم في كونه كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات ، ألا ترى إلى قول ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان ، فنمتثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا .

فإن قال قائل : قد التزم عليه الصلاة والسلام في الأوقات الفاضلة ما التزمه مما قد علم ولم يلتزم في هذا الشهر ما التزمه في غيره . فالجواب أن ذلك لما علم من عادته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما كان يخصه ، ألا ترى إلى أنه عليه السلام حرم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة ، ومع ذلك لم يشرع في قتل صيده ولا شجره الجزاء تخفيفا على أمته ورحمة بهم ، فكان ينظر إلى ما هو من جهته وإن كان فاضلا في نفسه فيتركه للتخفيف عنهم ، فعلى هذا تعظيم هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القربات ، فمن عجز عن ذلك ، فأقل أحواله أن يجتنب ما يحرم عليه ويكره له ؛ تعظيما لهذا الشهر الشريف ، وإن كان ذلك مطلوبا في غيره إلا أنه في هذا الشهر أكثر احتراما كما يتأكد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرم ، فيترك الحدث في [ ص: 228 ] الدين ويجتنب مواضع البدع وما لا ينبغي ، وقد ارتكب بعضهم في هذا الزمن ضد هذا المعنى ، وهو أنه إذا دخل هذا الشهر العظيم تسارعوا فيه إلى اللهو واللعب بالدف والشبابة وغيرهما ويا ليتهم عملوا المغاني ليس إلا ، بل يزعم بعضهم أنه يتأدب ، فيبدأ المولد بقراءة الكتاب العزيز ، وينظرون إلى من هو أكثر معرفة بالتهوك والطرق المبهجة لطرب النفوس ، وهذا فيه وجوه من المفاسد ، ثم إنهم لم يقتصروا على ما ذكر ، بل ضم بعضهم إلى ذلك الأمر ، الخطر ، وهو أن يكون المغني شابا لطيف الصورة حسن الصوت والكسوة والهيئة ، فينشد التغزل ويتكسر في صوته وحركاته ، فيفتن بعض من معه من الرجال والنساء ، فتقع الفتنة في الفريقين ويثور من المفاسد ما لا يحصى ، وقد يؤول ذلك في الغالب إلى فساد حال الزوج وحال الزوجة ، ويحصل الفراق والنكد العاجل وتشتت أمرهم بعد جمعهم ، وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع ، فإن خلا منه وعمل طعاما فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان ، وسلم من كل ما تقدم ذكره ، فهو بدعة بنفس نيته فقط ؛ لأن ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين ، واتباع السلف أولى ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ، ونحن تبع فيسعنا ما وسعهم . انتهى .

وحاصل ما ذكره أنه لم يذم المولد بل ذم ما يحتوي عليه من المحرمات والمنكرات ، وأول كلامه صريح في أنه ينبغي أن يخص هذا الشهر بزيادة فعل البر وكثرة الخيرات والصدقات وغير ذلك من وجوه القربات ، وهذا هو عمل المولد الذي استحسناه ، فإنه ليس فيه شيء سوى قراءة القرآن وإطعام الطعام ، وذلك خير وبر وقربة ، وأما قوله آخرا : إنه بدعة ، فإما أن يكون مناقضا لما تقدم أو يحمل على أنه بدعة حسنة كما تقدم تقريره في صدر الكتاب أو يحمل على أن فعل ذلك خير ، والبدعة منه نية المولد كما أشار إليه بقوله : فهو بدعة بنفس نيته فقط ، وبقوله : ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ، فظاهر هذا الكلام أنه كره أن ينوي به المولد فقط ، ولم يكره عمل الطعام ودعاء الإخوان إليه ، وهذا إذا حقق النظر لا يجتمع مع أول كلامه ؛ لأنه حث فيه على زيادة فعل البر وما ذكر معه على وجه الشكر لله تعالى ؛ إذ أوجد في هذا الشهر الشريف سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو معنى نية المولد ، فكيف يذم هذا القدر مع الحث عليه أولا ؟ وأما مجرد فعل البر وما ذكر معه من غير نية أصلا ، فإنه لا يكاد يتصور ، ولو تصور لم يكن عبادة ولا ثواب فيه ؛ إذ لا عمل إلا بنية ، ولا نية هنا إلا [ ص: 229 ] الشكر لله تعالى على ولادة هذا النبي الكريم في هذا الشهر الشريف ، وهذا معنى نية المولد ، فهي نية مستحسنة بلا شك ، فتأمل .

ثم قال ابن الحاج : ومنهم من يفعل المولد لا لمجرد التعظيم ، ولكن له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها في بعض الأفراح أو المواسم ويريد أن يستردها ، ويستحي أن يطلبها بذاته ، فيعمل المولد حتى يكون ذلك سببا لأخذ ما اجتمع له عند الناس ، هذا فيه وجوه من المفاسد ، منها : أنه يتصف بصفة النفاق ، وهو أن يظهر خلاف ما يبطن ؛ إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة ، وباطنه أنه يجمع به فضة ، ومنهم من يعمل المولد لأجل جمع الدراهم أو طلب ثناء الناس عليه ومساعدتهم له ، وهذا أيضا فيه من المفاسد ما لا يخفى . انتهى . وهذا أيضا من نمط ما تقدم ذكره ، وهو أن الذم فيه إنما حصل من عدم النية الصالحة لا من أصل عمل المولد .

وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد ، فأجاب بما نصه : أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا ، قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى ، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ؟ وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر ، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة ، وفيه ما فيه . فهذا ما يتعلق بأصل عمله .

وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة ، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال : ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ، وما كان حراما أو مكروها فيمنع ، وكذا ما كان خلاف الأولى. انتهى .

[ ص: 230 ] قلت : وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر ، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك ، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات ، ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى "عرف التعريف بالمولد الشريف" ما نصه : قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم ، فقيل له : ما حالك ، فقال : في النار ، إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا - وأشار لرأس أصبعه - وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له . فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به ، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم ؛ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم . وقال الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى "مورد الصادي في مولد الهادي" : قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أنشد :
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائما
يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي طول عمره
بأحمد مسرورا ومات موحدا

وقال الكمال الأدفوي في "الطالع السعيد" : حكى لنا صاحبنا العدل ناصر الدين محمود ابن العماد أن أبا الطيب محمد بن إبراهيم السبتي المالكي نزيل قوص ، أحد العلماء العاملين ، كان يجوز بالمكتب في اليوم الذي فيه ولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول : يا فقيه ، هذا يوم سرور اصرف الصبيان ، فيصرفنا ، وهذا منه دليل على تقريره وعدم إنكاره ، وهذا الرجل كان فقيها مالكيا متفننا في علوم ، متورعا ، أخذ عنه أبو حيان وغيره ، ومات سنة خمس وتسعين وستمائة .

( فائدة ) قال ابن الحاج : فإن قيل : ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام خص مولده [ ص: 231 ] الكريم بشهر ربيع الأول ويوم الاثنين ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر ، ولا في الأشهر الحرم ولا في ليلة النصف من شعبان ولا في يوم الجمعة وليلتها ؟ فالجواب من أربعة أوجه :

الأول : ما ورد في الحديث من أن الله خلق الشجر يوم الاثنين ، وفي ذلك تنبيه عظيم ، وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتد به بنو آدم ويحيون وتطيب بها نفوسهم .

الثاني : أن في لفظة ربيع إشارة وتفاؤلا حسنا بالنسبة إلى اشتقاقه ، وقد قال أبو عبد الرحمن الصقلي : لكل إنسان من اسمه نصيب .

الثالث : أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها ، وشريعته أعدل الشرائع وأسمحها .

الرابع : أن الحكيم سبحانه أراد أن يشرف به الزمان الذي ولد فيه ، فلو ولد في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها . تم الكتاب ، ولله الحمد والمنة .
http://library.islamweb.net/newlibr...=122&idfrom=206&idto=207&bookid=130&startno=1

البداية والنهاية للحافظ ابن كثير:
ابْنُ دِحْيَةَ، أَبُو الْخَطَّابِ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَحِ
بْنِ خَلَفِ بْنِ قُومِسَ بْنِ مَزْلَالِ بْنِ مَلَّالِ بْنِ بَدْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ الْمَغْرِبِيُّ السَّبْتِيُّ، كَانَ قَاضِيَهَا ثُمَّ صَارَ إِلَى مِصْرَ، الْحَافِظُ شَيْخُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَاشَرَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ بِهَا.
قَالَ السِّبْطُ: وَقَدْ كَانَ كَابْنِ عُنَيْنٍ فِي ثَلْبِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ، وَيَتَزَيَّدُ فِي كَلَامِهِ، فَتَرَكَ النَّاسُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَكَذَّبُوهُ، وَقَدْ كَانَ الْكَامِلُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْكَشَفَ لَهُ حَالُهُ أَخَذَ مِنْهُ دَارَ الْحَدِيثِ وَأَهَانَهُ، وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِالْقَاهِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: وَلِلشَّيْخِ السَّخَاوِيِّ فِيهِ أَبْيَاتٌ حَسَنَةٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ بَعْدَ سِيَاقِ نَسَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ خَطِّهِ، قَالَ: وَذَكَرَ أَنَّ أُمَّهُ أَمَةُ الرَّحْمَنِ بِنْتُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْبَسَّامِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلِهَذَا كَانَ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ: ذُو النَّسَبَيْنِ; بَيْنَ دِحْيَةَ وَالْحُسَيْنِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَمَشَاهِيرِ الْفُضَلَاءِ، مُتْقِنًا لِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، عَارِفًا بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا، اشْتَغَلَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاجْتَازَ بِإِرْبِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ،

فَوَجَدَ مَلِكَهَا الْمُعَظَّمَ مُظَفَّرَ الدِّينِ بْنَ زَيْنِ الدِّينِ يَعْتَنِي بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، فَعَمِلَ لَهُ كِتَابَ " التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَأَجَازَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَقَالَ: وَقَدْ سَمِعْنَاهُ عَلَى الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ فِي سِتَّةِ مَجَالِسَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، وَكَتَبْتُ مِنْهُ أَشْيَاءَ حَسَنَةً مُفِيدَةً.

http://shamela.ws/browse.php/book-4445/page-10895#page-10914

البداية والنهاية للحافظ ابن كثير:


الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ، أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ بُكْتِكِينَ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وَالسَّادَاتِ الْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ الْأَمْجَادِ، لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ، وَقَدْ عَمَّرَ الْجَامِعَ الْمُظَفَّرِيَّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَكَانَ قَدْ هَمَّ بِسِيَاقَةِ الْمَاءِ إِلَيْهِ مِنْ مَاءِ بَرْزَةَ، فَمَنَعَهُ الْمُعَظَّمُ مِنْ ذَلِكَ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهُ قَدْ يَمُرُّ عَلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِالسُّفُوحِ، وَكَانَ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ الشَّرِيفَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا عَالِمًا عَادِلًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ لَهُ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ " التَّنْوِيرَ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ " فَأَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فِي الْمُلْكِ فِي زَمَانِ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ مُحَاصِرًا مَدِينَةَ عَكَّا، وَإِلَى هَذِهِ السَّنَةِ مَحْمُودَ السِّيرَةِ وَالسَّرِيرَةِ.
قَالَ السِّبْطُ: حَكَى بَعْضُ مَنْ حَضَرَ سِمَاطَ الْمُظَفَّرِ فِي بَعْضِ الْمَوَالِدِ أَنَّهُ مَدَّ فِي ذَلِكَ السِّمَاطِ خَمْسَةَ آلَافِ رَأْسٍ شَوِيٍّ، وَعَشَرَةَ آلَافِ دَجَاجَةٍ، وَمِائَةَ أَلْفِ زُبْدِيَّةٍ، وَثَلَاثِينَ أَلْفَ صَحْنِ حَلْوَى. قَالَ: وَكَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، فَيَخْلَعُ عَلَيْهِمْ، وَيُطْلِقُ لَهُمْ، وَيَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ. وَكَانَتْ لَهُ دَارُ ضِيَافَةٍ لِلْوَافِدِينَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ فِي جَمِيعِ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ عَلَى الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَسْتَفِكُّ مِنَ الْفِرِنْجِ فِي كُلِّ سَنَةٍ خَلْقًا مِنَ الْأُسَارَى، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ جُمْلَةَ مِنِ اسْتَفَكَّ مِنْ أَيْدِيهِمْ سِتُّونَ أَلْفَ أَسِيرٍ. قَالَتْ زَوْجَتُهُ رَبِيعَةُ خَاتُونَ بِنْتُ أَيُّوبَ - وَقَدْ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَخُوهَا صَلَاحُ الدِّينِ، لَمَّا كَانَ مَعَهُ عَلَى عَكَّا - قَالَتْ: كَانَ قَمِيصُهُ لَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ خَامٍ، فَعَاتَبْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: لُبْسِي ثَوْبًا بِخَمْسَةٍ، وَأَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبًا مُثَمَّنًا، وَأَدَعَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ.
وَكَانَ يَصْرِفُ عَلَى الْمَوْلِدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى دَارِ الضِّيَافَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَفِي ثَمَنِ الْأُسَارَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَتَيْ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْحَرَمَيْنِ وَالْمِيَاهِ بِدَرْبِ الْحِجَازِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، سِوَى صَدَقَاتِ السِّرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقَلْعَةِ إِرْبِلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُحْمَلَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ، فَدُفِنَ بِمَشْهَدِ عَلَيٍّ.

http://shamela.ws/browse.php/book-4445#page-10895


الأجوبة المرضية للحافظ السخاوي:
ج3 ص 1116

لم ينقل عن احد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار و المدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه و سلم و شرف و كرم يعملون الولائم البديعة المشتملة على الامور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، و يزيدون في المبرات بل يعتنون بقراءة مولده الكريم، وتظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم بحيث كان مما جُرب قاله الامام شمس الدين ابن الجزري
وقال الحافظ:وكان للملك المظفر صاحب إربل كذلك فيها اتم عناية و اهتماما بشأنه جاوز الغاية، اثنى عليه به العلامة أبو شامة أحد شيوخ النووي الفائق في الاستقامة في كتاب الباعث على إنكار البدع و الحوادث وقال: مثل هذا الحسن يتقرّب إليه و يُشكر فاعله و يُثنى عليه
ثم قال الحافظ: قلت: بل خرّج شيخنا شيخ مشايخ الاسلام خاتمة الائمة الاعلام فِعله على أصل ثابت و هو ما ثبت في الصحيحين من انه صلى الله عليه و سلم دخل المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم اغرق الله سبحانه و تعالى فيه فرعون و نجّى موسى عليه السلام، فنحن نصومه شكرا لله عز وجل، فقال صلى الله عليه و سلم: فأنا أحق بموسى عليه السلام منكم، فصامه و امر بصيامه، وقال: إن عشت إلى قابل.... الحديث. قال شيخنا: فيُستفاد منه فعل الشكر لله تعالى على ما مَنّ به في يوم معيّن من إسداء نعمة أو دفع نقمة، و يُعاذ ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادة: كالسجود و الصيام و التلاوة، وأيّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك اليوم. وعلى هذا ينبغي ان يُقتصر فيه على ما يُفهم الشكر لله تعالى من نحو ما ذُكر. أمّا ما يتبعه من السماع و اللهو وغيرهما فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يُعين السرور بذلك اليوم فلا بأس بإلحاقه و مهما كان حراما او مكروها فيُمنع و كذا ما كان خلاف الاولى. اهـ
وقال أيضا: ولمّا كان الزاهد القدوة المعمر أبو اسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن ابن إبراهيم بن جماعة بالمدينة المنورة، كان يعمل طعاما في المولد النبويّ ويُطعم الناس و يقول: لو تمكنت عملت بطول الشهر كل يوم مولدا. اهـ
http://ia600400.us.archive.org/34/items/waq34848/34848.pdf

 
إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
953
الإقامة
المطرية دقهلية مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سارة
التخصص
لغة عربية
الدولة
مصر
المدينة
المطرية دقهلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

جزاكم الله خيرا نقولات نافعة.
ولكن يعترض البعض بأن هذا لم يكن في عهد الصحابة فيقول هل أنتم تحبون وتعظمون رسول الله اكثر منهم ؟
فماذا نجيب ؟
قد يجاب بفعل عمر رضي الله عنه للتراويح ونقول لهم وهل عمر أتقى لله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
953
الإقامة
المطرية دقهلية مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سارة
التخصص
لغة عربية
الدولة
مصر
المدينة
المطرية دقهلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

يقولون ان يوم الثاني عشر موافق ليوم وفاته صلى الله عليه وسلم بيقين وليم ولادته على الراجح فكان احتفالكم احتفال بيوم موته .
يمكن الرد عليهم بما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام يوم الإثنين ويقول ( هذا يوم ولدت فيه وفيه اموت ) فلم يمنع التقاء المناسبتين العبادة.
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

يقولون ان يوم الثاني عشر موافق ليوم وفاته صلى الله عليه وسلم بيقين وليم ولادته على الراجح فكان احتفالكم احتفال بيوم موته .
يمكن الرد عليهم بما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام يوم الإثنين ويقول ( هذا يوم ولدت فيه وفيه اموت ) فلم يمنع التقاء المناسبتين العبادة.

الحاوي للفتاوي للحافظ السيوطي:
وقوله : مع أن الشهر الذي ولد فيه ، إلى آخره . جوابه أن يقال أولا : إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ، ووفاته أعظم المصائب لنا ، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكون والكتم عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته ، وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما ، فكيف ممن هو دونهم ؟!
..
 

عثمان عمر شيخ

:: مشارك ::
إنضم
12 يوليو 2009
المشاركات
276
الإقامة
كندا
الجنس
ذكر
التخصص
الكومبيوتر
الدولة
كندا
المدينة
كندا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

وممن ألف فيه الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي

وقد قال في كتابه

مورد الصادي في مولد الهادي): "قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبي "، ثم أنشد:
إذا كان هـذا كافرًا جـاء ذمـه وتبت يـداه في الجحـيم مخـلدًا
أتى أنـه في يـوم الاثنين دائـمًا يخفف عنه للسـرور بأحــمدا
فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسرورٌ ومات موحـــدًا

انتهي وله مؤلفات كثيرة في مولد النبي صلي الله عليه وسلم
وهو مؤلف الرد الوافر
نعم ما ظنكم بالعبد الذي طول عمره باحمد مسرور!!
 
إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
953
الإقامة
المطرية دقهلية مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سارة
التخصص
لغة عربية
الدولة
مصر
المدينة
المطرية دقهلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

هل هناك من الحنابلة من قال باستحباب الاحتفال بالمولد ؟
فرأي الحنابلة مهم حيث أكثر الذين يمنعونه الآن حنابلة ؟
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

موقف أبو لهب يجعلنا نفكر ، أن أبا لهب لم يتعبد الله في إعتاقه ثويبة ، ومع هذا كافأه الله بأن يخفف عنه العذاب يوم الإثنين .
فما بال المسلم الذي يفرح بهذا اليوم رغما عنه ، وهو صادق في حبه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

من فقه الصحابي الجليل: عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه وأرضاه.

أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا.
قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ.
قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ» . قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ
، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ».
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.

أخرجه الدارمي في سننه (1/286)، في كتاب العلم، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ أَخْذِ الرَّأْيِ، ح(210).
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم . قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، قال : فيسألهم ربهم ، وهو أعلم منهم ، ما يقول عبادي ؟ قال : تقول : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك ، قال : فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا والله ما رأوك ، قال : فيقول : وكيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة ، وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا ، قال : يقول : فما يسألونني ؟ قال : يسألونك الجنة ، قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ، قال : يقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا ، وأشد لها طلبا ، وأعظم فيها رغبة ، قال : فمم يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار ، قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ، قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا ، وأشد لها مخافة ، قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم . قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجة . قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ]
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6408
خلاصة حكم المحدث: [أورده في صحيحه] وقال : رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
 
التعديل الأخير:

عثمان عمر شيخ

:: مشارك ::
إنضم
12 يوليو 2009
المشاركات
276
الإقامة
كندا
الجنس
ذكر
التخصص
الكومبيوتر
الدولة
كندا
المدينة
كندا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

حفظ الله الشيخ الددو عندما قال " الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مسألة أخذت أكبر من حجمها" انتهي


اخواني

المسألة خلافية اجتهادية فروعية لا علاقة لها بالأصول والأعتقاد ويجب علي كل طرف ان يراعي الآخر ويحترمه ويحسن الظن بأخيه


هناك ثلة من اهل العلم اباح عمل المولد وهناك طرف اخر من اهل العلم ممن كره عمل المولد وكل علي خير ان شاء الله وعلي كل طرف ان يحترم الآخر
ووحد الأمة اهم من كل شئ
الذي ينكر المولد يحب النبي صلي الله عليه وسلم ولا ينكره الا حبا للنبي صلي الله عليه وسلم
والذي يحتفل به يحب النبي صلي الله عليه وسلم ولا يفعله الا حبا للنبي صلي الله عليه وسلم

ولو كان نبيا صلي الله عليه وسلم بين اظهرنا لكان وحدتنا أهم عنده واحب اليه من أن نختلف في عمل يوم مولده ونهجر بعضنا بعضا

وهو الذي يقول بإبي هو وأمي صلوات الله ربي عليه " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا "

نعم وكونوا عباد الله إخوانا هذا هو شعارنا
كيف لو رأي نبيا صلي الله عليه وسلم أمته يهجر كل طرف الاخر بسبب يوم مولده! واعدائنا يستبيح اعراضنا ويقتل اطفالنا
كيف لو رأي نبيا هذا يهجر الاخر ويدبر عنه بسبب يوم ولادته

تري بعض من يحرم المولد يسب اخوانه ويصفهم بالبدعة ويخرجهم من السنة !


وتري ممن يجيزه من الطرف الثاني يصف اخوانهم بعدم محبة النبي صلي الله وعليه وسلم !

ولقد رأيت من يعمل المولد ورأيت بكائهم وشوقهم الي النبي صلي الله وسلم ما يذوب له القلب وتدمع منه العين حتي رق قلبي وقلت في نفسي والله هؤلاء يحبون النبي صلي الله عليه وسلم
ورأيت من يحرمه وينكره وعجبت من غيرتهم لسنة النبي صلي الله عليه وسلم وقلت هؤلاء كذلك يحبون النبي صلي الله وسلم

اخواني علينا ان نتذكر قول نبينا صلي الله وعليه وسلم "وكونوا عباد الله اخوانا "

وتذكروا قول الله تعالي "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "



ومما يعجبني مما ذكره العالم الموريتاني المصلح الكبير وحكيم هذا العصر الشيخ الإمام الفقيه العلامة عبد الله بن بيه حفظه الله هذا العالم الذي قل في هذا الزمان مثله!

قال حفظه الله " فَالمَسأَلَةُ فِيها خِلافٌ. وَنَظرَتُنا للمُصالَحَةِ بَينَ المُسلِمِينَ بِمُحاوَلَةِ تَحجِيمِ هَذهِ الخِلافاتِ هِيَ دائماً نَظرَةٌ مُيَسِّرَةٌ.وهَذا التَّيسِيرُ لَيسَ مُنطَلِقاً مِن فَراغٍ فَهوَ تَيسِيرٌ يَرجِعُ للكِتابِ والسُنَّةِ وما أَمَرَ به النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ مِن إصلاحِ ذاتِ البَينِ. فَانطِلاقاً مِن المَقاصِدِ الأَصلِيَّةِ للشَرعِ؛ فإذا وجِدَ خِلافٌ مُعتَبَرٌ فِي مَسأَلَةٍ راعَينا ذَلِكَ الخِلافَ ولَيسَ ذَلِكَ تَمييعاً كَما يَزعُمُ البَعضُ ولَيسَ انحِلالاً.
بَل هوَ مُراعاةٌ لِخِلافٍ مُنضَبِطٍ بأَدِلَّةُ شَرعِية غير واضِحَةً فِي جانِبٍ ولَيسَت مُفَنِّدَةً للجانِبِ الآخَرِ تَفنيداً كافِياً. فَهيَ عِبارَةٌ عَن ظَواهِرَ؛ عِبارَةٌ عَن أَمرٍ لَم يَكُن مَعمُولاً بِهِ حَدَثَ عَمَلٌ بِهِ، البَعضُ أَقامَ الدَلِيلَ عَلى هَذا العَمَلِ والبَعضُ الآخَرَ نَفى هَذا العَمَلَ. فَنَقُولُ: كُلٌ ـ إن شاءَ اللهُ ـ عَلى خَيرٍ إذا لَم يَلبِس عَمَلَهُ بِظُلمٍ ويَلبِس عَمَلَهُ بِنِيَّةٍ غَيرِ صَحِيحَةٍ واللهُ سُبحانَهُ وتَعالى أَعلَمُ انتهي رحمه

http://www.binbayyah.net/portal/fatawa/231
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

ومما يعجبني مما ذكره العالم الموريتاني المصلح الكبير وحكيم هذا العصر الشيخ الإمام الفقيه العلامة عبد الله بن بيه حفظه الله هذا العالم الذي قل في هذا الزمان مثله!

قال حفظه الله " فَالمَسأَلَةُ فِيها خِلافٌ. وَنَظرَتُنا للمُصالَحَةِ بَينَ المُسلِمِينَ بِمُحاوَلَةِ تَحجِيمِ هَذهِ الخِلافاتِ هِيَ دائماً نَظرَةٌ مُيَسِّرَةٌ.وهَذا التَّيسِيرُ لَيسَ مُنطَلِقاً مِن فَراغٍ فَهوَ تَيسِيرٌ يَرجِعُ للكِتابِ والسُنَّةِ وما أَمَرَ به النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ مِن إصلاحِ ذاتِ البَينِ. فَانطِلاقاً مِن المَقاصِدِ الأَصلِيَّةِ للشَرعِ؛ فإذا وجِدَ خِلافٌ مُعتَبَرٌ فِي مَسأَلَةٍ راعَينا ذَلِكَ الخِلافَ ولَيسَ ذَلِكَ تَمييعاً كَما يَزعُمُ البَعضُ ولَيسَ انحِلالاً.
بَل هوَ مُراعاةٌ لِخِلافٍ مُنضَبِطٍ بأَدِلَّةُ شَرعِية غير واضِحَةً فِي جانِبٍ ولَيسَت مُفَنِّدَةً للجانِبِ الآخَرِ تَفنيداً كافِياً. فَهيَ عِبارَةٌ عَن ظَواهِرَ؛ عِبارَةٌ عَن أَمرٍ لَم يَكُن مَعمُولاً بِهِ حَدَثَ عَمَلٌ بِهِ، البَعضُ أَقامَ الدَلِيلَ عَلى هَذا العَمَلِ والبَعضُ الآخَرَ نَفى هَذا العَمَلَ. فَنَقُولُ: كُلٌ ـ إن شاءَ اللهُ ـ عَلى خَيرٍ إذا لَم يَلبِس عَمَلَهُ بِظُلمٍ ويَلبِس عَمَلَهُ بِنِيَّةٍ غَيرِ صَحِيحَةٍ واللهُ سُبحانَهُ وتَعالى أَعلَمُ انتهي رحمه

http://www.binbayyah.net/portal/fatawa/231

ما شاء الله
كلام رائع
جزاك الله خيراً على هذا النقل الجميل
بارك الله فيك
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

وجدت أيضاً هذا النقل عن الإمام ابن حجر الهيتمي

الفتاوى الحديثية للإمام ابن حجر الهيتمي:
90 - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن حكم الموالد والأذكار الَّتِي يَفْعَلهَا كثير من النَّاس فِي هَذَا الزَّمَان هَل هِيَ سنة أم فَضِيلَة أم بِدعَة؟ فَإِن قُلْتُمْ إِنَّهَا فَضِيلَة فَهَل ورد فِي فَضلهَا أثر عَن السّلف أَو شَيْء من الْأَخْبَار، وَهل الِاجْتِمَاع للبدعة الْمُبَاح جَائِز أم لَا؟ وَهل إِذا كَانَ يحصل بِسَبَبِهَا أَو سَبَب صَلَاة التَّرَاوِيح اخْتِلَاط واجتماع بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَيحصل مَعَ ذَلِك مؤانسة ومحادثة ومعاطاة غير مرضية شرعا، وَقَاعِدَة الشَّرْع مهما رُجحتْ الْمفْسدَة حَرُمتْ الْمصلحَة، وَصَلَاة التَّرَاوِيح سنة، وَيحصل بِسَبَبِهَا هَذِه الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فَهَل يمْنَع النَّاس من فعلهَا أم لَا يضر ذَلِك؟

فَأجَاب بقوله: الموالد والأذكار الَّتِي تفعل عندنَا أَكْثَرهَا مُشْتَمل على خير، كصدقة، وَذكر، وَصَلَاة وَسَلام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومدحه، وعَلى شرّ بل شرور لَو لم يكن مِنْهَا إِلَّا رُؤْيَة النِّسَاء للرِّجَال الْأَجَانِب، وَبَعضهَا لَيْسَ فِيهَا شرّ لكنه قَلِيل نَادِر، وَلَا شكّ أَن الْقسم الأول مَمْنُوع للقاعدة الْمَشْهُورَة المقررة أنَّ دَرْء الْمَفَاسِد مقدَّم على جلب الْمصَالح، فَمن عَلِم وُقُوع شَيْء من الشرّ فِيمَا يَفْعَله من ذَلِك فَهُوَ عَاص آثم، وبفرض أَنه عمل فِي ذَلِك خيرا، فَرُبمَا خَيْرُهُ لَا يُسَاوِي شَرَّه أَلا ترى أَن الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكْتفى من الْخَيْر بِمَا تيَسّر وفَطَم عَن جَمِيع أَنْوَاع الشَّرّ حَيْثُ قَالَ: (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، وَإِذا نَهيتكم عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ) فَتَأَمّله تعلم مَا قَرّرته من أَن الشرَّ وَإِن قلّ لَا يُرَّخصُ فِي شَيْء مِنْهُ، وَالْخَيْر يكْتَفى مِنْهُ بِمَا تيَسّر. وَالْقسم الثَّانِي سنَّة تشمله الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْأَذْكَار الْمَخْصُوصَة والعامة. كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يقْعد قوم يذكرُونَ الله تَعَالَى إِلَّا حفَّتهم الملائكةُ، وغَشِيَتْهُم الرَّحْمَة، وَنزلت عَلَيْهِم السكينَة، وَذكرهمْ الله تَعَالَى فِيمَن عِنْده) رَوَاهُ مُسلم. وروى أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقوم جَلَسُوا يذكرُونَ الله تَعَالَى ويحمدونه على أَن هدَاهُم لِلْإِسْلَامِ (أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَخْبرنِي أَن الله تَعَالَى يُباهي بكم الْمَلَائِكَة) وَفِي الْحَدِيثين أوضح دَلِيل على فضل الِاجْتِمَاع على الْخَيْر وَالْجُلُوس لَهُ، وَأَن الجالسين على خَيْر كَذَلِك، يُباهي الله بهم الْمَلَائِكَة، وتنزل عَلَيْهِم السكينَة وتغشاهم الرَّحْمَة، وَيذكرهُمْ الله تَعَالَى بالثناء عَلَيْهِم بَين الْمَلَائِكَة فأيّ فَضَائِل أجل من هَذِه؟
وَقَول السَّائِل نفع الله بِهِ: وَهل الِاجْتِمَاع للبدع الْمُبَاحَة جَائِز؟ جَوَابه: نعم جَائِز. قَالَ الْعِزّ بن عبد السَّلَام رَحمَه الله تَعَالَى: الْبِدْعَة فعل مَا لم يعْهَد فِي عهد النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتنقسم إِلَى خَمْسَة أَحْكَام يَعْنِي الْوُجُوب وَالنَّدْب الخ، وَطَرِيق معرفَة ذَلِك أَن تعرض البِدعة على قَوَاعِد الشَّرْع فَأَي حكم دخلت فِيهِ فَهِيَ مِنْهُ، فَمن الْبدع الْوَاجِبَة تعلم النَّحْو الَّذِي يفهم بِهِ الْقُرْآن وَالسّنة، وَمن الْبدع الْمُحرمَة مَذْهَب نَحْو الْقَدَرِيَّة، وَمن الْبدع المندوبة إِحْدَاث نَحْو الْمدَارِس والاجتماع لصَلَاة التَّرَاوِيح، وَمن الْبدع الْمُبَاحَة المصافحة بعد الصَّلَاة وَمن الْبدع الْمَكْرُوهَة زَخْرفة الْمَسَاجِد والمصاحف أَي بِغَيْر الذَّهَب وَإِلَّا فَهِيَ مُحرمَة، وَفِي الحَدِيث (كل بدْعة ضَلَالَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار) وَهُوَ مَحْمُول على الْمُحرمَة لَا غير، وَحَيْثُ حصل فِي ذَلِك الِاجْتِمَاع لذكر، أَو صَلَاة التَّرَاوِيح أَو نَحْوهَا محرم، وَجب على كل ذِي قدرَة النَّهْي عَن ذَلِك وعَلى غَيره الِامْتِنَاع من حُضُور ذَلِك وَإِلَّا صَار شَرِيكا لَهُم، وَمن ثمَّ صرح الشَّيْخَانِ بِأَن من الْمعاصِي الْجُلُوس مَعَ الْفُسَّاق إيناساً لَهُم.
http://shamela.ws/browse.php/book-1922#page-108

تصوري بعد كل هذه النقول عن أئمة الشافعية فى الفقه والحديث يمكن أن يقال أن معتمد المذهب الشافعي جواز الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى
والله أعلم
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

أخي عثمان حفظكم الله
أتعجب من كلامكم أن يكتب في هذه الصفحة ، فليس في جميع المشاركات ما ذكرتم ، بل هو نقاش جميل ، ومداخلة شيخنا المشرف على الملتقى أثرت الموضوع ، وردنا لنتعلم .
ولكن مشاركتكم تصلح أن تكتب في موضوع جديد ، لأن هذا الواقع للأسف في عالمنا الإسلامي ، لكن خارج ملتقانا المبارك هذا .
بارك الله فيكم
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

قد يُعترض على أثر ابن مسعود رضي الله عنه باحتمال وجود فرق بين مسألتنا والحادثة المذكورة فى الأثر يمكن أن يستخرجه من أمعن النظر وكان عنده دقة نظر فالأثر ليس نصاً على حكم مسألتنا
والله أعلم

وقد يعترض على الأثر بتضعيف إسناده بعمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة

أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

( عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة ) :
1 - جاء في لسان الميزان للحافظ ابن حجر:
" عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة: قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء قد رأيته وذكره ابن عدي مختصراً. انتهى كلام الحافظ الذهبي فى الميزان
زاد الحافظ ابن حجر: وقال ابن خراش ليس بمرضي وقال ابن عدي: ليس له كبير شيء ولم يحضرني له شيء." ( الشاملة ج2 ص267 )
2 - ذكره ابن حبان رحمه الله في ثقاته قال : " عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمداني من أهل الكوفة يروى عن أبيه روى عنه سعيد بن سليمان الواسطي " ( ج8 ص480 الشاملة )
3 - جاء في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي رحمه الله : " عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمداني سمع اباه روى عنه ابن ابى شيبة وابن نمير وعبد الله بن عمر وابراهيم بن موسى وعبد الله ابن سعيد الاشج سمعت ابى يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره ابى عن اسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين انه قال عمرو بن يحيى بن سلمة ثقة." ( المكتبة الشاملة ج6 ص269 )
4 - قال الحافظ ابن عدي رحمه الله في الكامل : " عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة حدثنا بن أبي عصمة ثنا أحمد بن أبي يحيى قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة ليس بشئ حدثنا أحمد بن علي ثنا الليث بن عبدة قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة سمعت منه لم يكن يرضي وعمرو هذا ليس له كثير رواية ولم يحضرني له شئ فأذكره " ( ج5 ص122 الشاملة )

والله أعلم



 

عثمان عمر شيخ

:: مشارك ::
إنضم
12 يوليو 2009
المشاركات
276
الإقامة
كندا
الجنس
ذكر
التخصص
الكومبيوتر
الدولة
كندا
المدينة
كندا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

أخي عثمان حفظكم الله
أتعجب من كلامكم أن يكتب في هذه الصفحة ، فليس في جميع المشاركات ما ذكرتم ، بل هو نقاش جميل ، ومداخلة شيخنا المشرف على الملتقى أثرت الموضوع ، وردنا لنتعلم .
ولكن مشاركتكم تصلح أن تكتب في موضوع جديد ، لأن هذا الواقع للأسف في عالمنا الإسلامي ، لكن خارج ملتقانا المبارك هذا .
بارك الله فيكم
الأمر كما قلتم حبيبي
عفوا سيدي انما هو من باب الإثراء الموضوع ولست اتهم احد في هذا الموقع المبارك
الكل في قمة الأدب والإحترام
وهو كما قلتم هذا ما يحصل في العالم الإسلامي
واعتذر للجميع ان شوشتم عليكم النقاش وانما بثيت حزني لما اراه في العالم الإسلامي

دمتم بخير
 
إنضم
26 ديسمبر 2011
المشاركات
919
الإقامة
البحرين
الجنس
ذكر
الكنية
أبو روان
التخصص
الفقه
الدولة
البحرين
المدينة
المحرق
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ..
ووصية النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية .. ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ,,

لابد من تحقيق معنى البدعة .. ومتى يكون الفعل أو القول من البدع .. ومتى لا يكون كذلك ..

*والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
والقرون الثلاثة التي هي خير القرون لم يحدث فيها الاحتفال بالمولد النبوي! .. فكيف تكون هي خير القرون .. وقد جهلوا الخير في الاحتفال بالمولد وبيوم الاسراء والمعراج وبرأس السنة الهجرية وبغيرها من المناسبات؟

في الرابط التالي مناقشة لمن يقول بجواز الاحتفال بالموالد النبوي ..
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?p=1750684#post1750684

وأنصح بقراءة كتاب الشيخ حمود التويجري رحمه الله "الرد القوي" .. مرفق مع الرد ..

وهناك كتاب للشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله في المولد .. عندي منه نسخة مطبوعة .. ولكن لا توجد لدي نسخة PDF .. وإذا توفرت سأرفعها بالموضوع ..

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه .. وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
 

المرفقات

  • الرد القوي للشي&#1.pdf
    10.8 MB · المشاهدات: 0
التعديل الأخير:

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

ملحوظة:

الذي قصدته من هذا الموضوع التأكيد على أن المسألة خلافية الخلاف فيها معتبر
والذي يؤيد كونه معتبراً أن من قال بالجواز جمع من الأئمة الحفاظ الفقهاء الكبار المعروفون بتحريهم للحق واتباع الدليل

وبالتالي لا يسوغ الإنكار طالما لا توجد محرمات أو مكروهات أو خلاف الأولى فى عمل المولد كما اشترطه من أجازه

الذي يسوغ فقط النصيحة بالخروج من الخلاف (فهو مستحب)

والله أعلم

q2.gif
اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
موقفي في مسألة الاحتفال بالمولد النبوي كالتالي:

  • - أنه عملٌ محدث، لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون، ولا الأئمة المهديون.
  • - إضافته في باب البدعة تتجاذبه أمور، فقد يكون كذلك، وقد لا يكون.
  • - مع اعتباري خطأ "المولد" مهماً كان شكله، إلا أني أجد له مدخلاً للاجتهاد، وسمحت به أدوات جماعة من أعيان المجتهدين.
  • - المبالغة في الإنكار على هذا العمل مذموم، لاسيما إذا ترتب عليه تصنيف العامل بالبدعة ولو كان عن اجتهاد أو تقليد.
  • - لاشك في ظهور الجهر بالإنكار على "بدعة المولد" على أعواد المنابر، وضمور الإنكار على "العيد الوطني" إلا على جهة المخافتة، وذلك لأسباب سياسية أكثر منها علمية.
  • - التشنيع على مَنْ أنكر "الاحتفال بالمولد النبوي"، والتعويل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم نوعٌ من البغي والجهل، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم في أفئدة أمته أرفع مكاناً.
 
إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
953
الإقامة
المطرية دقهلية مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سارة
التخصص
لغة عربية
الدولة
مصر
المدينة
المطرية دقهلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

من فقه الصحابي الجليل: عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه وأرضاه.

أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا.
قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ.
قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ» . قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ».
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.

أخرجه الدارمي في سننه (1/286)، في كتاب العلم، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ أَخْذِ الرَّأْيِ، ح(210).
لو نظرنا للحديث من جهة انه صحيح وجدنا أن سيدنا ابن مسعود انكر عليهم وهم يفعلون أمرين :
الأول : اجتماعهم على ذكر.
الثاني : استخدامهم الحصاة ( مثل السبحة ).
ويحتمل انه أنكر شيئا منهما فقط فلو أنكر الإجتماع فيرد به بحديث ( ما اجتمع قوم ..) و ( ورياض الجنة وفيه حلق الذكر)
أو أنه أنكر عليهم أنهم استبدلوا الذكر المشروع بذكر غير مشروع واعتقدوا أنه هو الأفضل وهو ظاهر في آخر كلامه رضي الله عنه.
ولو قيل بل أنكر الثاني نقول إن إنكاره ليس حجة حيث وجد من يخالفه من الصحابة باستخدام السبحة مثل أبي هريرة وبعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى


الشيخ ابن باز يذكر المولد بعبراته

 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والحافظ السخاوي والحافظ ابن كثير يجيزون الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان خالياً من المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى

بارك الله فيكم جميعاً
أود أن أضيف بعض المسائل المهمة في الموضوع من باب إيضاح ما أشكل فيه علماً ان الموضوع كتب فيه كثيراً فأقول :
المسألة الأولى : متى كانت بداية الاحتفال بالمولد ؟
يعتبر بنو عبيد الذين يسمون بالفاطميين أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي وذلك في القرن الرابع الهجري كما ذكر ذلك المقريزي في خططه ( 2 / 436 ) وتبعه على ذلك جمع من العلماء ، وهذا يفيد أمرين :
الأول : أن المولد لم يكن موجوداً في القرون الأولى لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم وكذلك لم يكن موجوداً في عهد الأئمة الأربعة وأقرانهم وتلاميذهم .
الثاني : أن من أحدث ذلك هم ( الدولة العبيدية أو المسماة بالفاطمية ) وهي دولة باطنية شيعية مجوسية ادعوا كذباً الانتساب للنبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أن والد عبيد كان مجوسياً وقيل يهودياً ، وقد حكموا أربعة قرون وكانوا أربعة عشر حاكماً ، وقد نشروا البدع والتشيع وقتلوا عددا كبيراً من علماء أهل السنة ونشروا الكفر والزندقة وفي عهدهم قوي النصيرية والدروز وغيرهم من فرق الضلال .
بل هم كما في البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 397 ) : ( كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون وللإسلام جاحدون ، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون ، قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج ، وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء ، وسبُّوا الانبياء ، ولعنوا السلف ، وادعوا الربوبية )

ثم إن المولد أبطله ابن أمير الجيوش الأفضل المتوفى سنة 515هـ .
ثم عاد مرة أخرى على يد بعض الخلفاء والحكام .

المسألة الثانية : تحديد مولد النبي صلى الله عليه وسلم :
1 - تحديد العام :
ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، وهذا قول عامة أهل العلم وحكى بعضهم - كخليفة بن خياط وإبراهيم بن المنذر شيخ البخاري وابن الجوزي وابن القيم - الاتفاق على ذلك لكن نقل بعضهم في ذلك خلافاً :
فقيل : ولد بعد الفيل بعشر سنين قاله ابن أبزى .
وقيل : بعد الفيل بثلاث وعشرين سنة وهو قول الكلبي وعبيد بن عمير .
وقيل : بعد الفيل بثلاثين سنة قاله موسى بن عقبة ونقله عن الزهري أيضاً .
وقيل : بعد الفيل بأربعين سنة وهو قول مقاتل .
والذي عليه الجمهور أنه ولد عام الفيل كما سبق لكن وقع خلاف أيضاً في تحديد عام الفيل فقيل 570 م وقيل 571 م وقيل ما بين 568 و 569م وقيل كان عام 540م وقيل غير ذلك .
2 - تحديد الشهر :
قيل ولد في رمضان نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار .
وقيل ولد في شهر ربيع الأول وعليه الأكثر .
3 - تحديد اليوم من الشهر :
اختلف في تحديد يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من شهر ربيع الأول على أقوال :
الأول : أنه في الثاني من ربيع الأول اختار هذا ابن عبد البر .
الثاني : أنه في الثامن من ربيع الأول واختاره ابن حزم ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير وهو الذي رواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم وهو من التابعين وذكر القسطلاني أنه اختيار أكثر أهل الحديث وأهل المعرفة ونقله عن ابن عباس رضي الله عنهما ويعتبر هذا من أقوى الأقوال ومال إليه المحدث الألباني في صحيح السيرة .
الثالث : أنه في العاشر من ربيع الأول وهو قول الشعبي وأبي جعفر محمد الباقر .
الرابع : أنه في الثاني عشر وهو قول ابن إسحاق وفيه رواية عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم عند ابن أبي شيبة وهو المشهور وعليه بنى المحتفلون بالمولد النبوي احتفالهم .
وذهب كثير من المهتمين بالحساب الفلكي إلى أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في 20 نيسان 882 من تاريخ الإسكندر الموافق 20 أبريل 571م وكان ذلك يوم الاثنين وهو يوافق
التاسع من شهر ربيع الأول إذ أن يوم الاثنين من شهر ربيع كان في الثاني منه ثم التاسع ثم السادس عشر ثم الثالث والعشرين ، وعليه فيكون الثاني عشر من عام الفيل حسب الحساب الفلكي يوافق الخميس لا الاثنين .
4 - تحديد اليوم من الأسبوع :
ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وهذا متفق عليه ودليله ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين قال : ( ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل عليَّ فيه ) .

المسألة الثالثة : حكم الاحتفال بالمولد النبوي :
الاحتفال بالمولد النبوي من البدع المحدثة ويدل على ذلك أمور :
الأمر الأول :
أنه عمل لا دليل عليه من الكتاب ولا السنة ولم يعمله السلف من الصحابة والتابعين وفضلاء هذه الأمة في القرون المفضلة بل لم يحدث ذلك إلا في القرن الرابع كما سبق فالنبي صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وستين سنة منها ثلاث وعشرون بعد البعثة ولم ينقل عنه أنه فعل ذلك وعاش أبو بكر بعده سنتين ولم يفعله وعاش عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر عشر سنين ولم يفعله وعاش عثمان بعد عمر اثني عشرة سنة ولم يفعله ثم عاش علي رضي الله عنه بعد عثمان خمس سنين ولم يفعله ثم مضت القرون المفضلة حيث يوجد خيرة هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأقرانهم وتلاميذهم من العلماء والفقهاء والمفسرين والمحدثين والعباد والزهاد ولم ينقل عن أحد منهم شيء من ذلك مع كونه أكثر الناس محبة وتعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على العمل الصالح وأكثرهم عبادة .
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يصنع ذلك مع وجود سببه وعدم وجود ما يقتضي المنع وهذا دليل على عدم قصده مشروعية ذلك :
قال الشاطبي - رحمه الله - في بيان طرق معرفة قصد الشارع :
( والجهة الرابعة :
مما يعرف به مقصد الشارع: السكوت عن شرع التسبب، أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له، وبيان ذلك أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين :
أحدهما:
أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه، ولا موجب يقدر لأجله؛ كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك؛ فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها، وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم؛ كجمع المصحف، وتدوين العلم، وتضمين الصناع، وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن من نوازل زمانه، ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها؛ فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعًا بلا إشكال؛ فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.
والثاني :
أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم، فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان؛ فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص ؛ لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودًا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه؛ كان ذلك صريحًا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة، ومخالفة لما قصده الشارع؛ إذا فهم من قصده الوقوف عند ما حدّ هنالك، لا الزيادة عليه ولا النقصان منه .
ومثال هذا سجود الشكر في مذهب مالك، وهو الذي قرر هذا المعنى في "العتبية" من سماع أشهب وابن نافع، قال فيها: "وسئل مالك عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز وجل شكرا. فقال: لا يفعل، ليس هذا مما مضى من أمر الناس. قيل له: إن أبا بكر الصديق فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله ؛ أفسمعت ذلك؟ قال: ما سمعت ذلك، وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر، وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول: هذا شيء لم أسمع له خلافًا. فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به. فقال: نأتيك بشيء آخر أيضا لم تسمعه مني: قد فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده؛ أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا؟ إذا جاءك مثل هذا مما قد كان في الناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم فيه شيء؛ فعليك بذلك فإنه لو كان لذكر؛ لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم؛ فهل سمعت أن أحدا منهم سجد؟ فهذا إجماع ، إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه ...)
الموافقات ( 3 / 156 طبعة مشهور حسن سلمان )

فيعلم من هذا أن هذا الفعل بدعة يلزم منها الاستدراك على الشريعة واتهامها بالنقص وغير ذلك من لوازم البدع المحدثة التي نص عليها العلماء .

الأمر الثاني :
أن في هذا الاحتفال تشبهاً بالنصارى حيث وضعوا عيداً لمولد عيسى عليه الصلاة والسلام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أحمد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه و سلم وتعظيما له والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه و سلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه أو يصلي فيه قليلا وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها ...)
اقتضاء الصراط المستقيم ( 2 / 123 )

الأمر الثالث :
ان لازم هذا الفعل القدح في محبة السلف من الصحابة والتابعين للنبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يفعلوا ذلك وهذا ظاهر جداً من كلام المحتفلين بهذا المولد حيث يطعنون في المنكرين له بأنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أهل جفاء وغلظة ولا يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم فهذا كلام صريح في المعاصرين وهو متضمن للطعن في السلف وإن لم يصرحوا به .

الأمر الرابع :
أن الاحتفال بالمولد ذريعة للوقوع في محرمات حتى وإن خلا منها ومن ذلك فتح باب إحداث القرب والعبادات بدون دليل ومن ذلك الوقوع في الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يؤمن بعد ذلك من أن يوضع موالد أخرى للأنبياء والصحابة وغيرهم ، وقد سبقت الإشارة إلى أن الدولة العبيدية وضعت عدة أعياد منها مولد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم .

الأمر الخامس :
أن تحديد مولد النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه كما سبق فمن أين لهؤلاء الجزم بأنه في الثاني عشر من ربيع الأول ؟

الأمر السادس :
أن يوم الثاني عشر هو يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جزماً ويوم ولادته ظناً على أحد الأقوال فهو أقرب إلى الاحتفال في يوم موته ، ولا يبعد أن يكون العبيديون قصدوا ذلك لبغضهم للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أظهروا المحبة والتشيع ونحن نرى الرافضة يحتفلون بأعياد منها عيد بابا شجاع الدين لأبي لؤلؤة المجوسي يحتفلون فيه بمقتل عمر رضي الله عنه الذي أسقط دولة المجوس .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال : كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة مولده ومبعثه وهجرته ووفاته ، فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة ، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة ...) فتح الباري ( 7 / 268 ) .
فحقيقة من يحتفل بهذا اليوم هو يحتفل بيوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً وإن لم يقصد ذلك .

الأمر السابع :
أن في الاحتفال بهذا المولد حصر المحبة والتعظيم بوقت محدد مع أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه واتباعه من العبادات الدائمة التي لا ينفك عنها المسلم إلى أن يموت .

هذا كله فيما إذا خلا الاحتفال من الشركيات والمنكرات أي من حيث هو اجتماع واحتفال فقط فكيف والواقع أن الذين يحتفلون بهذا اليوم غالباً يصنعون أموراً شركية وبدعاً وخرافات ومنكرات حتى إنهم ينشدون من القصائد ما يتضمن الشرك بالله والغلو في النبي صلى الله عليه وسلم والإطراء الذي نهى عنه وحذر أمته منه ، وإدعاء بعضهم أنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة وعليها بنوا ما يسمونه بالطريقة المحمدية حيث يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ويقظة ، والطرق الصوفية في هذا مشهورة منتشرة في كثير من بلاد المسلمين ، ويزعم بعضهم حضور النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما عند ذكر ولادته في المجلس ولذلك يقومون لمجيئة ويقول قائلهم : حضر الرسول ولذا يسمونها الحضرة ، هذا فضلا عن اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء وهذا معروف في كتب التاريخ ومشاهد في الواقع وقد ذكر ابن الحاج في المدخل شيئاً من ذلك .
ومما يذكر في ذلك ما ذكره الجبرتي في عجائب الآثار في الكلام عن نابليون وما صنعه الفرنسيون حيث يقول : ( وفيه - أي عام 1213هـ - سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال فلم يقبل ، وقال لا بد من ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وأمر بتعلق تعاليق واحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة الأصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة وسواريخ تصعد في الهواء ...) .
ويعلل لهذا الدعم من الفرنسيين بقوله : ( فلما فتح أمر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات ..)


المسألة الرابعة : شبه من يرى الاحتفال بالمولد النبوي :
الشبهة الأولى :
الاستدلال بقوله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) قالوا : المراد بالرحمة هنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا بالفرح به والاحتفال به في المولد فرح به .
وأجيب عن هذا بأجوبة :
الأول : أن المفسرين - كابن جرير والبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير وغيرهم - ذكروا أن المراد بالفضل والرحمة هنا القرآن والإسلام ولم يذكر أحد من المفسرين حسب علمي أن المراد به هنا النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أن نصوص الكتاب والسنة تدل على أن الرحمة ربطت في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإرساله لا بولادته ومن ذلك قوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وفي صحيح مسلم ( إنما بعثت رحمة ) .
الثالث : لو سلم أن المراد بها هنا النبي صلى الله عليه وسلم فمن أين لكم أن الفرح يكون في يوم مولده وبهذا الشكل ؟ وأين فهم السلف لذلك فهم أولى بامتثال الأمر الوارد في الآية ؟ .

الشبهة الثانية :
الاستدلال بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين ويقول : ( ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه ) رواه مسلم
قالوا : يؤخذ من هذا تعظيم يوم ولادته لأنه صام فيه فنحن نحتفل به .
والجواب من وجوه :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الوجه الأكمل للفرح بهذا اليوم وهو الصوم وهو لا يصنع إلا الأفضل والأكمل فينبغي أن يكون التعظيم من الوجه الذي عظم فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم .
الثاني : أن المحتفلين بالمولد النبوي عكسوا الأمر فالنبي صلى الله عليه وسلم صامه مع أن الأصل في الأعياد تحريم الصوم فيها ولذا جاء تحريم صوم يومي العيد وهؤلاء يجعلون اليوم عيداً يحتفلون به ولا يصومونه .
الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم الاثنين ولم يصم يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول فكان ينبغي أن يكون الاقتداء به بصوم يوم الاثنين لا الثاني عشر ولو كان المشروع صوم الثاني عشر لأرشد الأمة إليه كما أرشدهم إلى صوم عاشوراء وعرفة وغيرهما .

الشبهة الثالثة :
ما رواه البخاري من حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ( ما هذا ) . قالوا : هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله نبي إسرائيل من عدوهم فصامه موسى . قال : ( فأنا أحق بموسى منكم ) . فصامه وأمر بصيامه )
وجه الاستدلال : قالوا النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء تعظيماً لذلك اليوم فنقيس عليه يوم المولد فنعظمه تعظيماً ومحبة للنبي صلى الله عليه وسلم .
ويجاب عن هذا بأجوبة :
الأول : صوم عاشوراء ثبتت مشروعيته بنص النبي صلى الله عليه وسلم فأصبح مشروعاً وقربة فمن أين لكم مشروعية عمل قربة وعبادة يوم المولد ؟ والقياس في العبادات ممنوع وإلا لانفتح باب البدع .
الثاني : أنكم لا تعظمون يوم المولد بالصيام وإنما بالاحتفال والأكل والشرب وغير ذلك من الأمور التي تخلط العبادات والبدع والمنكرات والمباحات .

الشبهة الرابعة :
قالوا : إن ما نصنعه ليس عيداً وإنما هو ذكرى واحتفال فهو من قبيل العادات لا العبادات والعادات الأصل فيها الإباحة .
والجواب عنها من وجوه :
الأول : أن العبرة بالحقائق لا بالتسميات والذين يحتفلون بالمولد منهم من يسميه عيداً ، ومنهم من يسميه ذكرى واحتفالاً لكن واقع ذلك هو واقع الأعياد إذ العيد هو ( كل يوم يجتمع فيه ويتكرر ويظهر فيه الفرح ) ولذلك سميت الجمعة عيداً للاجتماع والتكرار .
فاليوم الذي يخص ويتكرر الاجتماع فيه ويظهر فيه الفرح والسرور والاحتفال يكون عيداً حتى وإن سمي بغير ذلك .
روى أبو بكر الخلال في كتاب الأدب عن إسحاق بن منصور الكوسج أنه قال لأبي عبد الله يكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم قال : ما أكره للإخون إذا
لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا .
وقال إسحاق بن راهويه كما قال الإمام أحمد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وإنما معنى أن لا يكثروا أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا هذا كلام إسحاق ) ينظر : اقتضاء الصراط المستقيم 2 / 630 - 632 ) .
الثاني : أن الاحتفال بهذا الوجه لا يمكن أن يكون عادة لارتباطه بالنبي صلى الله عليه وسلم والأمة مرتبطة بالنبي صلى الله عليه وسلم ارتباط اتباع وتلقي التشريع عنه لا تلقي العادات ، وإنما يصح ذلك لو كان المحتفل به غير النبي صلى الله عليه وسلم .
الثالث : أن واقع المحتفلين يدل على أن ذلك قربة وعبادة سواء من حيث الاعتقاد - لا سيما عند عوامهم - أو من حيث ما يقومون به من أعمال في ذلك اليوم .

الشبهة الخامسة :
قالوا : إن هذا من قبيل البدعة الحسنة كما في صلاة عمر والصحابة - رضي الله عنهم - التراويح .
والجواب من وجوه :
الأول : أن تقسيم البدع إلى حسنة وسيئة تقسيم حادث مخالف لعموم النص ( كل بدعة ضلالة ) .
الثاني : ما هو الضابط للتفريق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة ؟ لأن كل البدع العملية تشمل عبادات وقربات فيصدق عليها ما يسميه هؤلاء بدعة حسنة كمن يبتدع عددا من الصلوات في بعض الأوقات أو صياماً أو ذكراً معيناً بعدد معين في وقت معين ومن ثم فسينفتح باب البدع على مصراعيه وعندها لا يمكن معرفة الحسنة من السيئة .
الثالث : ما صنعه عمر والصحابة - رضي الله عنهم - في صلاة التراويح أصله مشروع فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في حياة ثم تركه خشية أن يفرض على الأمة فأحيا عمر والصحابة - رضي الله عنهم - هذه السنة حين زال المحذور بموت النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي وقول عمر رضي الله عنه ( نعمت البدعة ) هذا من قبيل البدع اللغوية وليس المراد البدعة الشرعية .
ثم لو سلم بأنه من فعل عمر رضي الله عنه والصحابة فإن هذا خارج عن مسمى البدع فعمر - رضي الله عنه - ممن أمرنا باتباع سنته بنص الحديث كيف وقد أجمع الصحابة على ذلك الفعل مؤيدين له ؟ فثمة فعل صحابي خليفة راشد أمرنا بتباعه مدعوم بإجماع بقية الصحابة مؤيد بالحديث الذي يدل على مشروعية التراويح أين هذا من هذا العمل ؟! .
هذه أهم وأقوى الشبهات التي استدلوا بها ويبقى شبهات أخرى هي أوهى من بيت العنكبوت أعرضت عنها لضعف الاستدلال بها جداً كقصة فرح أبي لهب وكون النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه والاستدل ب ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ) وغيرها .

المسألة السادسة : بعض النقول عن العلماء في حكم الاحتفال بالمولد النبوي :
ابتداءً لنعلم أن المولد لم يظهر إلا في القرن الرابع واشتهر فعله من قبل العبيديين وعليه فإن المتقدمين كالأئمة الأربعة وتلاميذهم لم يدركوا ذلك الوقت لكونه تأخر عنهم فضلا عن أن هذه الدولة الباطنية صنعت ما هو أعظم كفراً وضلالاً مما هو أولى بالنكير من قبل العلماء لكن لما انتشر هذا الأمر بين المسلمين تحدث العلماء فيه وقد يظن البعض أن هذا مما اختص به علماء الحنابلة ، وهذا ليس بصحيح بل تكلم فيه علماء من مختلف المذاهب الأربعة لكن جرى بعض المخالفين للسنة أن يؤيدوا أقوالهم وبدعهم بدعوى أنه لم تقل به إلا تلك الطائفة وكثيراً ما يحصر أهل الأهواء ذلك في معاصر لهم ليظهروا أنه قول محدث مخالف لأقوال المتقدمين كما يقولون تيميين ووهابيين وقبل ذلك قالوا عن أهل السنة حنابلة في مقابل الفرق الأخرى ليظهروا للناس أن مذهب أهل الحديث والأثر إنما هو قول مبتور فهو قول هذه الطائفة المتأخرة المنتسبة لمذهب فقهي فيظن المخالف لهم أنهم منقطعون في سندهم عن السلف ؛ لأن الناس أقرب إلى مخالفة المعاصر لهم واستنكار قوله منهم إلى مخالفة المتقدمين علماً أن عقيدة أهل الحديث ليست مقصورة على الحنابلة بل يقول بها علماء كثر من الحنفية والمالكية والشافعية وغيرهم وهذه بعض النقول المتعلقة بالمولد النبوي :
1 - قال عمر بن علي الفاكهاني
المالكي ( ت 734هـ ) : ( تكرر سؤال جماعة من المُباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول، ويسمونه: المولد:
هل له أصل في الشرع ؟ أو هو بدعة وحدث في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مٌبيَّناً، والإيضاح عنه معيناً.
فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.
وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون- فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.
فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً ...) المورد في عمل المولد .
2 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال : إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها ) مجموع الفتاوى ( 25 / 298 ) .
3 - قال ابن الحاج
المالكي ( ت 737هـ ) : ( فصل في المولد ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من مولد وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة ) المدخل ( 2 / 229 )
4 - وقال الشاطبي
المالكي ( 790هـ ) : ( فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة وكل بدعة ضلالة فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز والوصية غير نافذة ) فتاوى الإمام الشاطبي ( ص 203 ، 204 )
5 - وقال ابن النحاس ( أبو زكريا أحمد بن إبراهيم )
الشافعي ( ت 814هـ ) في جملة ما ابتدع في المواسم والأعياد : ( عمل المولد في شهر ربيع الأول ) تنبيه الغافلين ( ص 331 )
 
التعديل الأخير:
أعلى