رد: ما دليل الحنفية في تقديم الحقيقة اللغوية على الحقيقة العرفية عند التعارض؟
السلام عليكم
أولًا: هذا موضوع جيّد أردتُ إضافته من باب الفائدة/
[h=2]
خلاصة مباحث العرف لدى الأصوليين والفقهاء - د. فؤاد بن يحيى الهاشمي[/h]
ثانيًا: جاء في
البحر المحيط،
للسرخسي - في مباحث الحقيقة والمجاز،
أقسام الحقيقة/
[ أَقْسَامُ الْحَقِيقَةِ ] وَتَنْقَسِمُ الْحَقِيقَةُ إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ ; لِأَنَّ الْوَضْعَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ إمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ ، وَهِيَ اللُّغَوِيَّةُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ أَوَّلًا ، وَهُوَ إمَّا وَضْعُ الشَّارِعِ ، وَهِيَ الشَّرْعِيَّةُ كَالصَّلَاةِ ، لِلْأَرْكَانِ وَقَدْ كَانَتْ فِي اللُّغَةِ لِلدُّعَاءِ أَوَّلًا ، وَهِيَ الْعُرْفِيَّةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا الْأَصْلِيِّ إلَى غَيْرِهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَلْتَتَنَبَّهْ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّ اللُّغَوِيَّةَ أَصْلُ الْكُلِّ ، فَالْعُرْفُ نَقَلَهَا عَنْ اللُّغَةِ إلَى الْعُرْفِ ، وَالشَّرْعُ نَقَلَهَا عَنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ . الثَّانِي : أَنَّ الْوَضْعَ فِي اللُّغَوِيَّةِ غَيْرُ الْوَضْعِ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ تَعْلِيقُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ مَعْنًى لَمْ يُعْرَفْ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ الْوَضْعِ .
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فَبِمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْمَعْنَى السَّابِقِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ [ ص: 9 ] عَنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ وَضَعَ لَفْظَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ ، بَلْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي حَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَهْجُورَةً ، وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ ، فَإِنَّ أَهْلَهُ لَمْ يَضَعُوا لَفْظَ الْقَارُورَةِ مَثَلًا لِلظَّرْفِ مِنْ الزُّجَاجِ عَلَى جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ ، كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَضَعْ لَفْظَ الزَّكَاةِ لِقَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ . بَلْ صَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ شَرْعِيَّةً وَعُرْفِيَّةً بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ أَنْ يَسْبِقَهُ تَعْرِيفٌ بِتَوَاضُعِ الِاسْمِ ، وَمِنْ هَاهُنَا مَنَعَ بَعْضُهُمْ إدْخَالَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِّ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْوَضْعِ فِيهَا فَإِنَّ الِاصْطِلَاحَ غَيْرُ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَإِنْ خَصَصْنَا الْوَضْعَ بِالِاصْطِلَاحِ خَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ ، وَإِنْ لَمْ نَخُصَّهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا ، وَالْحُدُودُ تُصَانُ عَنْهُ ، فَيَنْبَغِي إفْرَادُهَا بِحَدٍّ كَأَنْ يُقَالَ : الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الِاصْطِلَاحِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّخَاطُبُ ، لَكِنْ هَذِهِ مُضَايَقَةٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّ لِلشَّرْعِ وَضْعًا كَاللُّغَةِ فَإِنَّ الْوَضْعَ تَعْلِيقُ لَفْظٍ بِإِزَاءِ مَعْنًى ، وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ، فَفِي اللُّغَةِ إعْلَامُ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ ، وَفِي الشَّرْعِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، لِيَرْفَعَ الْوَضْعَ السَّابِقَ إنْ كَانَ .
وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَنَقُولُ : أَمَّا اللُّغَوِيَّةُ فَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا جُلُّ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ قَوْمٍ ، وَهُمْ الْمُثْبِتُونَ لِلنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ وَالْعُرْفِيِّ ، أَوْ كُلُّهَا عِنْدَ آخَرِينَ ، وَهُمْ النَّافُونَ لَهُ ، فَيَقُولُونَ : إنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ بِحُرُوفِ اللُّغَةِ وَنَظْمِهَا ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ مِنْ نُطْقِ الشَّرْعِ هُوَ الْمَقْصُودُ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي إمْكَانِهَا وَوُقُوعِهَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ . وَأَمَّا الْمُفِيدُ لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ فَمَنَعَهُ قَوْمٌ ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِي مَبَاحِثِ الِاشْتِرَاكِ . [ ص: 10 ] وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ : إنَّهَا انْتَسَخَتْ ، وَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ بِأَسْرِهَا شَرْعِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً لِكَثْرَةِ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ فِي انْتِقَالَاتِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَتَبُّعُ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ إنْ وَجَدْنَاهَا فِي أَلْفَاظِ الْخِطَابِ ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْهَا فَالْحَقَائِقُ الْعُرْفِيَّةُ . وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ مِنْ وَاضِعِي اللُّغَاتِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ ; لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ وَانْتَسَخَتْ فَلَا يُخَاطِبُنَا الشَّرْعُ بِهَا ، وَالْجَوَابُ : هَذَا مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى الْوُقُوفِ لِنَقْلِ اللُّغَةِ فِي مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ الْأَكْلِ ، وَبِالصَّلَاةِ لِمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ ، وَهُوَ صَائِمٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْعُرْفِيَّةُ فَتَنْقَسِمُ إلَى خَاصَّةٍ وَعَامَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ النَّاقِلُ طَائِفَةً مَخْصُوصَةً سُمِّيَتْ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَ عَامَّةَ النَّاسِ سُمِّيَتْ عَامَّةً . وَقَدْ أَوْضَحَ مَعْنَى الْعُرْفِيَّةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ فِي " التَّقْرِيبِ " : مَعْنَى وَصْفِ الِاسْمِ بِأَنَّهُ عُرْفِيٌّ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِهِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى عُرْفِيٌّ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ اُبْتُدِئَ وَضْعُهُ لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ عُرْفِيَّةً ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ مُجَرَّدَةٌ مُبْتَدَأَةٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ سَبِيلُ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ ابْتَدَأَهَا وَوَضَعَهَا غَيْرُ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِضُرُوبِ الْعَلَامَاتِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَجَازُ ، وَتَسْمِيَتُهُ مَجَازًا أَحَقُّ وَأَوْلَى . انْتَهَى . قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ : وَالِاعْتِبَارَاتُ فِي الْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ بِعُرْفِ مَنْ [ ص: 11 ] هُوَ لَهُ دُونَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ ; لِأَنَّا قَدْ قُلْنَا : إنَّ الْعُرْفَ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يَقُومُ مَقَامَ ابْتِدَاءِ الْمُوَاضَعَةِ فَإِذَا اخْتَصَّ ابْتِدَاءُ الْمُوَاضَعَةِ بِأَهْلِهَا فَكَذَلِكَ الْعُرْفُ . ا هـ .
مسألة [ إمكان العرفية ] ولا خلاف في إمكان العرفية ، وأما الوقوع فلا نزاع في وجود الخاصة منها لاستقراء كلام ذوي العلوم والصناعات التي لا يعرفها أهل اللغة ، كالقلب والنقض والجمع والفرق . وأما العرفية العامة : فمنهم من أنكر وجودها ، والأكثرون على الوقوع قاله الهندي ، وتابع فيه في " المحصول " واستغرب شارحه الأصفهاني هذا الخلاف ، وقال : إنما المعروف الخلاف في الشرعية . قلت : حكى الخلاف صاحب " المعتمد " ثم قال : والذين أجازوا انتقال الاسم عن موضوعه في اللغة بالعرف إنما أجازوا ذلك ما لم يكن الاسم اللغوي يتعلق به حكم شرعي ، فإن تعلق لم يجز نقله عن موضعه إلى معنى آخر قطعا ، لأنه يرجع حينئذ إلى التكليف . ا هـ .
فحصل ثلاثة مذاهب ، ويخرج من كلام القاضي وأتباعه والإمام الرازي رابع ، فإنهم قسموا النقل العرفي إلى قسمين : أحدهما : أن يكون الاسم قد وضع لمعنى عام ثم تخصص بالعرف العام [ ص: 12 ] لبعض أنواعه ، كلفظ الدابة فإنه موضوع لكل ما يدب على وجه الأرض ، ثم خصصها العرف العام بذات الحوافر . وثانيهما : أن يكون الاسم في أصل اللغة قد وضع لمعنى ، ثم كثر استعماله فيما له به نوع مناسبة وملابسة بحيث لا يفهم المعنى الأول كالغائط ، والأول نقل إلى الحقيقة ، والثاني إلى المجاز . قال القاضي : والأسماء العرفية منحصرة في هذين ، ولا ينبئ العرف عن الوضع ، للإجماع على اختصاصه ببعض الأسامي ، ولو صرف إلى أصل الوضع للزم تسمية جملة اللغة عرفية ، ولا ينبئ عن تجديد الوضع بعد استقرار اللغة ، فإن هذا سبيل كل لغة سبقها أخرى ، وإنما تنبئ عما يغلب استعماله عرفا من المجازات أو يغلب تخصيصه ببعض المقتضيات ، وكذا قال في " المحصول " : التصرف الواقع على هذين الوجهين هو الذي ثبت عن أهل العرف ، وأما على غيرهما فلم يثبت عنهم ، ولا يجوز إثباته وذكر غيره من أقسام العرفية أن يوضع اللفظ لشيء في اللغة لكن لم يستعمل فيما وضع له فيها ، فيستعمله العرف في غيره كعسى ، فإنه وضع أولا للفعل الماضي ، ولم يستعمل فيه قط ، بل استعمل في الإنشاء بوضع العرف ، فصارت العرفية ثلاثة أقسام : أن يستعمل اللفظ فيما لم يوضع له في اللغة أصلا إذا لم يستعمله اللغوي أيضا ، أو كان له وضع في اللغة ، واستعمل فيه ، لكن هجر كالغائط ، أو لم يهجر ، ولكن قصره العرف على بعض موضوعاته كالدابة . وأما الشرعية فهي من مهمات هذا الموضع ، ولم أر من أحكم شرحها . ويتعلق بها مباحث :
[ ص: 13 ] الأول : في تحقيق المراد بالاسم الشرعي ، وهي اللفظة التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع ، كذا قاله في " المحصول " وسبقه إليه أبو الحسين في " المعتمد " . وقال القاضي عبد الجبار : ما كان معناه ثابتا بالشرع ، والاسم موضوع له فيه . وقال ابن برهان : هو ما استفيد من الشرع واللفظ من اللغة ، ومرة يستفاد المعنى من وضع اللغة واللفظ في الشرع ، والكل أسامي شرعية . وقال بعضهم : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في الشرع ، وقيل الاسم المستعمل فيما وضع له في الشرع ; لأن الاستقرار دل على عدم الفعل والحرف الشرعيين إلا بالتبع . وهل المراد بالحقيقة الشرعية كل ما ورد على لسان حملة الشريعة مما هو مخالف للوضع اللغوي ، أو سواء كان موافقا للمدلول اللغوي أم لا ؟ والظاهر : الأول ، فإن اللفظ الذي أراد به الشارع معنى يصح إطلاق ذلك اللفظ عليه في اللغة حقيقة لا ضرورة بنا إلى أن نقول : إنه تجوز به عن الحقيقة الشرعية المرادة ، كإطلاق الصلاة على الدعاء في قوله تعالى : { وصل عليهم } لا نقول إنه مجاز بحسب الصلاة ذات الأركان ، بل هو الدعاء ، وهذا حقيقة لغوية ، وإذا أمكنت فما الداعي للمجاز الشرعي .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=401&idto=402&bk_no=35&ID=286
http://library.islamweb.net/newlibr...D=286&idfrom=401&idto=402&bookid=35&startno=1
هذا،
والله أعلم.