العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح تذليل العقبات بإعراب الورقات

إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد
فقد عزمت مستعينا بالله تعالى على البدء في إعراب متن الورقات لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني – رحمه الله تعالى- والتحشية عليه بما تيسر، وهو كتاب قال فيه شارحوه: " كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وعظم نفعه، وظهرت بركته"[1] وكان هذا تلبية لرغبة بعض الإخوة في ذلك، وقد كنت قدَّرْتُ في نفسي أن أكتفي بإعراب المتن وأن أترك الشرح للشراح؛ حيث أن هذا هو المطلوب فكتبت شيئا على هذا التقدير، وفي أثناء ذلك كنت أرجع إلى الشروح والحواشي: لألتقط من فوائدها، وأغتنم من فرائدها؛ كما كنت أصنع من قبل ذلك حين صنعت النسخة المصححة من المتن؛ فرأيت أن أقيد شيئا من هذه الفوائد والدرر، وأنثرها بين ما أكتبه، وإن أدى ذلك إلى طول الشرح وخلط الأصول بالنحو.فإن قلت: الاختصار أفضل.قلت: الاختصار كثير والحصول عليه يسير، ولو كان كل من يكتب يكتب اختصارا، لكان تَكرارا، لا يختلف إلا بالسياق أو العباره، فدعني أصنع لك حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل واشية وواشي.
هذا، ومن منهجي في العمل:
1- أن أكتب الفقرة المراد شرحها من المتن باللون الأحمر الثقيل.
2- ثم أبدأ بإعرابها كلمة كلمة، وأضع كلَّ كلمةٍ في أول السطر بين قوسين وأميزها بالخط الأحمر الثقيل وبوضع خط تحتها، ثم أعربها في أول مرة إعرابا تفصيليا حتي لو كان إعرابها واضحا، فأقول مثلا: (مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره)، وهكذا، فإذا تكرر مثل هذا قلت: (مبتدأ) ولا أزيد إلا أن يكون الإعراب تقديريا أو محليا أو فيه إشكال فأنص عليه.
3- لا أعني بالإعراب التفصيلي ذكرَ كل وجوه الإعراب المحتملة، بل لا أعني بها إلا ما سبق وانظر التالي.
4- قد تحتمل الكلمة وجهين أو أكثر من وجوه الإعراب فاعلم أنه ليس من شَرطي ذكرها كلها، بل لا أذكر إلا ما حضرني منها، فإن اتفق لك وجه لم أذكره فاعلم أني لم أذكره لإحدى ثلاث:
الأولى- أني أجهله.
الثانية- أني تركته عمدا لعدم تيقني منه.
الثالثة- أني تركته مخافة التشويش على القارئ، إلا في البسملة؛ فإن العلماء قد كفَوْني أمرها؛ فأنا فيها تابع لا غير ويقتصر عملي على توضيح ما قالوه بما يناسب المقام.
5- بعد الإعراب أذكر المعنى على وجه الاختصار.
6- أشرع بعد ذلك في فقرة عنوانها: [قال صاحبي] وفيها أذكر: الفوائد المستخرجة، والزوائد المستنبطة، وأُورِدُ فيها من الإشكالات التي قد تعترض الطالب؛ فتسبب سوء الفهم أو عدمه، بطريق الحوار بيني وبين صاحبي حتي يزول الإشكال والإيراد، ويتضح المعنى المراد.واعلم أن الإشكال المذكور قد يكون على عبارة المصنف وقد يكون على ما يذكره المُحَشِّي، وقد يكون في النحو وقد يكون في الأصول، وقد أطيل في النحو عن الأصول لا سيما إذا كانت عبارة المتن مما لا تحتاج إلى بيان؛ لأن المتن قد خُدِمَ في جانب الأصول بما لا مزيد عليه ولا كذلك في باب الإعراب والنحو؛ فلهذا قد أترك بعض الفقرات دون الإطالة في بيانها من جهة الأصول، بل لا تكون الإطالة إلا من جهة النحو؛ فلا وجه لمعترض بعد ذلك أن يقول: المتن حَالِ[2] والشرح خالي.
والله الموفق.
وقبل الشروع في المقصود :حمل نسختين مصححتين من متن الورقات من هنا:
https://feqhweb.com/vb/threads/.18403
وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود

________________________________________
[1] قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكى 2 بهامش حاشية السوسي على قرة العين ط. المطبعة التونسية
[2] حال: من الْحِلْيَةِ يقال: حليت المرأة وهي حال وحالية.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال صاحبي: أليست (الأحكام) فى قوله :"الأحكام سبعة" هى التى فى قوله: "الفقه معرفة الأحكام" ؟
فسكتُّ.
قال: أليس المقام مقام إضمار فكان عليه أن يقول: (هى سبعة)
قلت: أظهر فى مقام الإضمار إيضاحا للمبتدئ المقصود بالكتاب.
وفيه نكتة أخرى: وهى أنه لم يذكر بحسب الظاهر نفس الأحكام بل متعلقاتها وذلك أن الأحكام التي تتعلق بخطاب الشرع هى: الإيجاب والندب والإباحة والحظر والكراهة والصحة والبطلان، وما ذكره متعلقات الأحكام بالنظر إلى فعل العبد: (الواجب والمندوب والمباح الخ).
فالحكم في الأول هو: (الإيجاب)، ومتعلق الحكم الذي هو فعل العبد هو: (الواجب)
والحكم في الثاني هو: (الندب)، ومتعلق الحكم الذي هو فعل العبد هو: (المندوب)
والحكم في الثالث: (الإباحة) ومتعلق الحكم: (المباح)
والحكم في الرابع: (الحظر) ومتعلق الحكم (المحظور)
والحكم في الخامس: (الكراهة) ومتعلق الحكم (المكروه)
والحكم في السادس: (الصحة) ومتعلق الحكم (الصحيح)
والحكم في السابع (البطلان) ومتعلق الحكم (الباطل)
إذا علمت ما سبق علمت أن المصنف لم يذكر نفس الأحكام بل متعلقاتها فمن دقائق المصنف –رحمه الله- أنه أتى هنا بالظاهر (الأحكام) المناسب لمغايرته فى الظاهر لما سبق بخلاف المضمر (هى).
يعني أنه لو أتى بالمضمر فقال: (هي سبعة) فإن مرجع الضمير (هي) سيكون هو (الأحكام) المذكورة في قوله: "الفقه معرفة الأحكام" وهذه الأحكام المتعلقة بخطاب الشارع وهي كما سبق (الإيجاب والندب والإباحة والحظر والكراهة والصحة والبطلان) ولكنه لم يذكر هذه الأحكام بل ذكر متعلقاتها بالنظر إلى فعل العبد (الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل) فظهر بذلك أنه خالف في الظاهر بين (الأحكام) في قوله: "الفقه معرفة الأحكام" وبين (الأحكام) في قوله: "الأحكام سبعة" ولما كانت هذه المخالفة مما لا تخفى على مثل هذا الإمام وكان من الجائز أن يعترض بعضهم ممن هو دون هذا الإمام في العلم بكثير عليه فيقول: (إنه ذكر متعلق الأحكام لا نفس الأحكام فإعادة المصنف الضمير على نفس الأحكام فيه تَجَوُّزٌ منه) فلهذا أظهر في موضع الإضمار ليدفع مثل هذا الاعتراض
قال صاحبي: ياله من إمام لله دره.
ثم قال: يقولون: إذا أعيدت المعرفة بلفظها كانت نفس الأولى
قلت: هذه قاعدة أكثرية
قال: لهذه القاعدة بقية لا أذكرها فهلا أكملتها لى مع الأمثلة
قلت: القاعدة أن :
- النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى: كما فى قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15، 16]؛ فالرسول الثانى هو الأول.
- المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى: كقولك: جاءنى الرجلُ فأكرمتُ الرجلَ، فالرجل الثانى هو عين الأول.
- النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى: مثل: جاءنى رجلٌ فأكرمتُ رجلا، فالرجل الثانى غير الأول.
- المعرفة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى: مثل: جاءنى الرجل فأكرمت رجلا، يعنى رجلا آخر.
وكما ذكرت لك فهذه قاعدة أغلبية وإلا فقد أوردوا على إعادة النكرة نكرة قولَه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فإن كلمة (إله) نكرة أعيدت نكرة فيقتضى أن يكون الإله الثانى غير الأول فيلزم تعدد الإله، ويجاب بأن القاعدة أغلبية صادقة إذا لم يمنعها مانع كما هنا.
ويَرِدُ على إعادة النكرة معرفة قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] فمقتضى القاعدة أن الثانى عين الأول، مع أنه غيره؛ لأن الأول صلح بين الزوجين والثانى أعم، والجواب أن القاعدة أكثرية كما سبق[1].
___________________________
[1] انظر مغنى اللبيب (6/ 562- 570 / الخطيب)، وحاشية الشيخ عبد الله بن الشيخ العشماوى على الآجرومية/ 4/ ط. المكتبة التجارية
 
إنضم
7 أبريل 2014
المشاركات
4
الكنية
أبوالوليد
التخصص
المعلوميات
المدينة
الناظور
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

جزاكم الله خيرا و نفع بكم.
هل من الممكن أن تجمع هظا المجهود الكبير في ملف واحد حيث يمكن تحميله وقراءته (بصيغة وورد أو بدف) ؟؟؟
 

بشير شريف حسن

:: متابع ::
إنضم
27 أغسطس 2013
المشاركات
3
الكنية
أبو الوفاء
التخصص
الإقتصاد
المدينة
نيروبي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

جزى الله الأخ د. إبراهيم الشناوي على الشرح المبارك، فإن طريقتك لعرض المعلومات وبسطها وضمّ النظراء والأشباه بعضها إلى بعض لهو إبداع عظيم، وتنظيم جيّد وهو دليل على عمق الفهم ودقة النظر التي أنعم الله عليك، وأنا قد أحببت طريقتك هذه ووجدت منها خيرا كثيرا، ولعل الله يمكّنك من إتمام عملك هذا على أكمل وجه وأتم أسلوب وأسأل الله لي ولك وللمؤمنين جميعا العافية وتمامها ودوامها إنّه وليّ ذلك والقادر عليه. وشكرا
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

جزاكم الله خيرا و نفع بكم.
هل من الممكن أن تجمع هذا المجهود الكبير في ملف واحد حيث يمكن تحميله وقراءته (بصيغة وورد أو بدف) ؟؟؟
وجزاكم الله خيرا
وأما جمع هذا العمل في ملف وورد أو بي دي إف فسيكون -إن شاء الله تعالى- بعد الانتهاء من الكتاب كله إن يسَّرَ الله تعالى ذلك
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

جزى الله الأخ د. إبراهيم الشناوي على الشرح المبارك، فإن طريقتك لعرض المعلومات وبسطها وضمّ النظراء والأشباه بعضها إلى بعض لهو إبداع عظيم، وتنظيم جيّد وهو دليل على عمق الفهم ودقة النظر التي أنعم الله عليك، وأنا قد أحببت طريقتك هذه ووجدت منها خيرا كثيرا، ولعل الله يمكّنك من إتمام عملك هذا على أكمل وجه وأتم أسلوب وأسأل الله لي ولك وللمؤمنين جميعا العافية وتمامها ودوامها إنّه وليّ ذلك والقادر عليه. وشكرا
جزاك الله خيرا يا أخ بشير وأشكر لك حسن ظنك بأخيك ولعله ليس أهلا لما ذكرت، بل هو يقينا دون ما وصفت
وأما هذا العمل فحين شرعت فيه كنت قَدَّرْتُ في نفسي بعض التقدير له لكن لم يقع في خلدي أن يأخذ كل هذا الوقت ولا هذا الحجم أيضا بل كنت أظن أنه إذا طال أخذ شهرا غير أن الأمر لم يكن على ما قَدَّرْتُ بل كما قال الشاعر:
تقفون والفَلَكُ المُسَخَّرُ دائرٌ *** وتُقَدِّرُونَ فتضحك الأقدارُ
وأنا أقرأ له من كتب الأصول واللغة ما شاء الله أن أقرأ ثم لا أقع على فائدة إلا واحتلتُ على وضعها بين السطور لتعم بها الفائدة
أسأل الله تعالى لي ولك وللمؤمنين العفو والعافية في الدنيا والآخرة، كما أسأله أن يعينني على إتمام هذا العمل تماما على الذي أحسن وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وألا يكون لغيره فيه نصيب وأن يتقبله مني بقبول حسن إنه ولي ذلك والقادر عليه
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

أسأل الله تعالى لي ولك وللمؤمنين العفو والعافية في الدنيا والآخرة، كما أسأله أن يعينني على إتمام هذا العمل تماما على الذي أحسن وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وألا يكون لغيره فيه نصيب وأن يتقبله مني بقبول حسن إنه ولي ذلك والقادر عليه
آمين
جزاك الله خيرا وبارك في علمك فزادك منه
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قلت لصاحبي: لماذا سألت عن هذه القاعدة (إعادة المعرفة بلفظها)؟
فاضطرب وكأنه نسي لماذا ذكرها
قلت له: سبحان الله! أتسأل سؤالا ثم لا تدري لماذا تسأله؟
قال متلجلجا: بَــ بَــ بل أعرف
قلت له: على رِسْلِكَ
قال: نعم تذكرتُ
قلت: هيه
فابتلع ريقه بصعوبة ثم قال: أردت أن أقول إن المصنف رحمه الله قال: "الفقه معرفة الأحكام ...الخ" ثم قال: "الأحكام سبعة" فقوله "الأحكام" معرفة أعادها بلفظها فكان مقتضى القاعدة أن تكون عين الأولى ولكنها ليست كذلك
قلت له: أحسنت، فهل علمت الجواب؟
قال: نعم، وهو أن القاعدة أكثرية صادقة إذا لم يمنعها مانع
قلت له: أحسنت
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال المصنف - رحمه الله تعالى - :
" فَالْوَاجِبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
وَالْمَنْدُوبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
وَالْمُبَاحُ: مَا لَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
وَالْمَحْظُورُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالصَّحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ.
وَالْبَاطِلُ: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ."


__________________________________


(فالواجب):
الفاء فاء الفصيحة، (الواجب) مبتدأ
(ما): إما أن تكون:
- نكرة موصوفة بمعنى شئ، أيْ: شئ من قول أو فعل أو نية أو عزم أو اعتقاد أو غير ذلك؛ ضرورةَ تناول الواجب جميع ذلك.
- أو معرفة موصولة بمعنى الذى أى الفعل الشامل لجميع ما سبق من قول أو فعل أو نية الخ قال ابن قاسم: "وهو أنسب بقوله الآتى: (على فعله)"[1].
- وعلى كل فهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر
(يثاب): فعل مضارع مبنى للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على المكلف المفهوم من الكلام، والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما فى محل رفع صفة لـ (ما) إن جعلتها نكرة موصوفة، أو لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما) إن جعلتها اسما موصولا.
(على): حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.
(فعله): (فعل) اسم مجرور بـ (على) وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بـ (يثاب)، و(فعل) مضاف و(الهاء) ضمير مبنى على الكسر فى محل جر مضاف إليه.
(و): حرف عطف
(يعاقب على تركه): مثل (يثاب على فعله) وهى معطوفة عليها ولذا فهى إما فى محل رفع أو لا محل لها.
(والمندوب): أصله (المندوب إليه) ثم تُوُسِّعَ بحذف حرف الجر (إلى) فاستكن الضمير (الهاء)[2]، وفى المصباح المنير: "والأصل (المندوب إليه) لكن حذفت الصلة منه لفهم المعنى"[3].
وقوله: "والمندوب ... إلى قوله: والباطل ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به." إعرابه كله مثل إعراب (الواجب ما يثاب الخ) غير أن فى بعضها زيادة (لا) النافية، وقوله: "يَتَعَلَّقُ" فعل مضارع مبنى للفاعل وليس للمجهول كالباقى.
_______________________________
[1] الشرح الكبير لابن قاسم العبادي: 44.
[2] انظر الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 53، وحاشية الدمياطى على شرح المحلى على الورقات/ 4 / ط. المطبعة الميمنية، ونهاية السول فى شرح منهاج الأصول للإسنوى 1/ 77 ت. محمد بخيت المطيعى ط. عالم الكتب، وأصول الفقه للعلامة محمد أبو النور زهير 1/ 50 ط. المكتبة الأزهرية
[3] المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير 2/ 597 ت. عبد العظيم الشناوى ط. دار المعارف، والتحبير شرح التحرير لعلاء الدين المرداوى 2/ 978 ت. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين ط. مكتبة الرشد بالرياض
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[قال صاحبي]
قال صاحبي: أين نائب الفاعل فى قوله: "يُعْتَدُّ بِهِ".
قلت: أجب أنت
قال: (بِهِ)
قلت: تعنى أن النائب عن الفاعل هو الجار والمجرور معا فيكونان فى موضع رفع.
قال: نعم، هو ذا.
قلت: لم يذهب أحدإلى هذا.
قال: بل ذهب إليه بعضهم.
فصمتُّ ونظرتُ إليه متشوفًا متشوقًا.
قال: أمَا وقد نظرتَ إلىَّ مُشْرَئِبًّا فاعلم أن فحول العلماء قد ذهبوا إليه منهم ابن مالك فى التسهيل[1] وابن هشام فى القطر حيث قال:"فإن لم يكن فى الكلام مفعول به ناب الظرف، أو الجار والمجرور، أو المصدر الخ"[2]، وفى الشذور حيث قال فى قوله تعالى:{وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70] :"{يُؤْخَذْ} فعل مضارع مبنى لما لم يُسَمَّ فاعله وهو خالٍ من ضمير مستتر فيه، و{مِنْهَا} جار ومجرور فى موضع رفع: أى لا يكن أخذٌ منها ولو قُدِّر ما هو المتبادر من أن فى يؤخذ ضميرا مستترا هو القائم مقام الفاعل، و{مِنْهَا} فى موضع نصب لم يستقم..."[3].
قلت: فلماذا تنقل شيئا وتترك آخر؟
قال: وما ذاك ؟
قلت: نقلت ما نقلت عن ابن هشام فى شرح القطر وغفلت أو تغافلت عن قوله فى المتن:"فإن لم يوجد (أى المفعول به) فما اخْتَصَّ وتصرف من ظرفٍ أو مجرور أو مصدر"[4]، فصريح كلامه أن النائب هو المجرور وحده وِفاقا للجمهور؛ ولهذا قال الفاكهى:"ظاهر كلامه أن النائب هو المجرور فقط"[5].
وأما فى الشذور فقال فى المتن:"وإن فُقِد (أى المفعول به) فالمصدر نحو...أو الظرف نحو... أو المجرور نحو:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ومنه:{لَا يُؤْخَذ مِنْهَا}"[6]، ثم قال فى الشرح:"والمجرور كقوله تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70]"[7].
وأما ابن مالك فقال فى متن التسهيل:"فينوب عنه جاريا مجراه فى كل ما له: مفعول به، أو جار ومجرور، أومصدر الخ"[8].فاعتذر عنه ناظر الجيش قائلا:"الحق أن النائب عن الفاعل فى نحو: (مُرَّ بِزَيْدٍ) إنما هو المجرور، والحرف وصَّل معنى الفعل الذى هو المرور إليه، كما تقول فى نحو: (مررت بزيد) أن الذى فى محل النصب إنما هو المجرور والباء موصلة العامل إليه، ولكن المصنف تجوز فجعل النيابة للجار والمجرور معا، ولا شك أنهما فى الصورة هما القائمان مقام الفاعل فكان ذلك هو الحامل له على التجوز، وليس هذا الأمر مما يخفى على أضعف الناظرين فى كلام النحاة فما ظنك بالمصنف صاحب النظر العالى رحمه الله تعالى"[9].
قال: فنائب الفاعل هنا ضمير مستتر.
قلت: فما تقديره
قال: هو
قلت: على أى شئ يعود
فصمتَ ثم قال: لا أدرى.
قلت: ذهب ابن دُرُستويه والسهيلى وتلميذه أبو على الرُّندى إلى أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل[10] والتقدير: (يُعْتَدُّ هُوَ) أى الاعتداد، وهذا المذهب مردود بأن العرب تصرح فى مثل هذا المثال بالمصدر المنصوب نحو: (سِيرَ بزيدٍ سَيْرًا) و(يُعْتَدُّ بالخلاف اعْتِدَادًا) فلو كان النائب هو الضمير العائد على المصدر المفهوم من الفعل لجعلوا المصدر نائبا فى حالة تصريحهم به فكانوا يقولون: (سِيرَ بزيْدٍ سَيْرٌ) و(يُعْتَدُّ بِالْخِلَافِ اعْتِدَادٌ) ولكنهم لم يفعلوا فدلَّ على أنهم لا يجعلون المصدر وبالتالى الضمير العائد عليه نائبا.
قال: فما تقول أنت ؟
قلت: أقول بقول الجمهور
قال: وما هو ؟
قلت: قالوا: النائب عن الفاعل هنا المجرورُ وحده.
قال: قد أكثرت علىَّ فلخص لى ما سبق.
قلت: قول المصنف: "يُعْتَدُّ بِهِ" (يُعْتَدُّ) فعل مضارع مبنى للمجهول ونائب الفاعل فيه مذاهب:
- مذهب الجمهور أنه المجرور وحده (الهاء فى قوله : "بِهِ")
- مذهب الفراء أنه حرف الجر وحده
- مذهب السهيلى ومن معه أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل

__________________________________
[1] شرح التسهيل لابن مالك 2/ 126 ت. عبد الرحمن السيد ومحمد بدوى المختون ط. هجر
[2] شرح قطر الندى لابن هشام 189- 190 ت. محمد محى الدين عبد الحميد ط. المكتبة التجارية
[3] شرح شذور الذهب لابن هشام 194 ت. محمد محى الدين عبد الحميد ط. دار الطلائع.
[4] شرح قطر الندى 187.
[5] مجيب الندا إلى قطر الندى للفاكهى بهامش حاشية يس 2/ 80 ط. المطبعة الوهبية بمصر
[6] شرح شذور الذهب 190- 191.
[7] شرح شذور الذهب 194.
[8] شرح التسهيل لابن مالك 2/ 124.
[9] تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد لناظر الجيش 4/ 1620 ت. على محمد فاخر وآخرون ط. دار السلام.
[10] انظر همع الهوامع للسيوطى 2/268 ت. عبد العال سالم مَكرَم ط. مؤسسة الرسالة، والتصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهرى 1/422- 423 ت. محمد باسل عيون السود ط. دار الكتب العلمية
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال صاحبي
قال: أليست الأحكام خمسة ؟
قلت: الأحكام التكليفية خمسة هي: الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه.
قال: فلم زاد الصحيح والباطل؟
قلت: الصحيح والباطل من الأحكام الوضعية ومنها: كون الشئ سببا فى كذا أو شرطا له أو مانعا منه.
قال: أأأ، ثم حُصِرَ فلم يستطع التكلم، وكأنه أراد أن يسأل سؤالا عن قول المصنف:"الأحكام سبعة" ثم لم يحسن التعبير عنه.
فقلت: المصنف أراد الأحكام الشرعية وهى تشمل التكليفية والوضعية، وقال بعضهم: الأحكام تسعة فزاد الرخصة والعزيمة، ولكن المصنف لم يتعرض لهما لأنهما مندرجتان فيما سبق:
فالرخصة[1] قد تكون من قسم الواجب مثل: أكل الميتة فى المخمصة[2]، وفد تكون من قسم المندوب مثل: قصر الصلاة الرباعية فى السفر، وقد تكون من قسم المباح: كالمسح على الخفين.
وأما العزيمة (وهى الحكم الذى شُرِعَ ابتداءًا) فتتنوع إلى أنواع الحكم التكليفى: من وجوب وندب وحظر وكراهة وإباحة، ولا تطلق عند المحققين إلا إذا قابلتها رخصة؛ فلهذا لم يتعرض لهما فى هذا الكتاب[3].
قال: فالأحكام على كل حال أكثر من سبعة وقد ذكرت أنت السبب والشرط والمانع فلماذا تركها المصنف.
قلت: لعله تركها تخفيفا على المبتدئ فإنه يمكنه أن يتصور حقيقة الواجب والمندوب إلى آخر الأحكام السبعة ولكن ربما شق عليه تصورُ ما تركه من السبب والشرط والمانع.
قال: ربما، ولكن هل يشق عليه ما ذكرتَ ويسهل عليه تصور القياس والاستصحاب والنص والظاهر والمؤول الخ
قلت: هذه أبواب يتكون من مجموعها أصول الفقه فلو تركها لترك هذا الفن جملة، وأى شئ يكتبه فى هذا الفن إذا ترك ما ذكرتَ ! أما ما تركه من الأحكام فالظاهر أنه اقتصر على جملة من الأحكام بحيث إذا تصورها المبتدئ استطاع أن يتدرج إلى ما فوقها وسهلت عليه لأنها من جنس ما ذكره، أما لو ترك مباحث الألفاظ أو القياس أو الاستصحاب فكيف يترقى الطالب لهذا العلم فى هذه الأبواب؟ فلابد إذن من ذكر جملة صالحة من هذه الأبواب يتعرف بها الطالب على ما فى هذه الأبواب من حيث الجملة فيعرف أسماءها ومعناها وشيئا مما يخصها، فإذا فعل ذلك وأراد الترقى بعد ذلك تمكن من استكمال ما فاته من هذه الأبواب حتى يصل إلى دقائقها.
قال: فلم آثر هذه السبعة ؟
قلت: آثرها لشهرتها.
قال: ربما.
قلت: ويمكن أيضا تأويل كلامه بأن مراده أن هذه السبعة من جملة الأحكام، لكن قال ابن قاسم: "ثم رأيت كلامه فى البرهان ظاهرا فى منافاة هذا التأويل دالا على إرادة الحصر فى هذه السبعة؛ لأنه قال ما نصه: (فإن قيل: فما الفقه ؟ قلنا هو فى اصطلاح علماء الشريعة: العلم بأحكام التكاليف[4]) انتهى"[5].
قال: هل كلام إمام الحرمين يدل على إرادة الحصر فى هذه السبعة كما قال ابن قاسم العبادي؟
قلت: الله أعلم.
قال: لا يظهر لى ذلك.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأنه لم يذكر فى (البرهان) إلا الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور.
قلت: إذا كان كلامُك صحيحا فمعناه أنه (أي إمام الحرمين) يرى أن الأحكام الوضعية ترجع إلى الأحكام التكليفية.
قال: نعم، أظن ذلك.
_____________________________
[1] الرخصة فى اللغة التيسير والتسهيل، واصطلاحا: الحكم الثابت بدليل، على خلاف دليل آخر، لعذر.
[2] للشيخ محمد بخيت المطيعى إفادات حسنة جدا فى هذا الأمر فاطلبه فى حاشيته المسماة (سلم الوصول لشرح نهاية السول) أى نهاية السول للإسنوى شرح منهاج الوصول للبيضاوى 1/ 121.
[3] قال الشيخ محمد أبو زهرة – فى باب الرخصة والعزيمة-: "هذا باب يتبع الحكم التكليفى لأن من مقتضاه أن ينتقل ما هو موضع النهى إلى مباح، أو ما هو مطلوب على وجه الحتم واللزوم إلى جائز الترك فى أمد معلوم، فهو باب بين الانتقال من حكم تكليفى إلى آخر". أصول الفقه/ أبو زهرة 50 ط. دار الفكر العربى.
وقال الدكتور عبد الكريم زيدان: "العزيمة والرخصة من أقسام الحكم التكليفى؛ لأن الأول اسم لما طلبه الشارع أو أباحه على وجه العموم، والرخصة: اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تخفيفا عن المكلفين ودفعا للحرج عنهم، والطلب والإباحة من أقسام الحكم التكليفى، وذهب البعض إلى أن العزيمة والرخصة من أقسام الحكم الوضعى ... ولكن ما ذهب إليه الأولون هو الأظهر وهذا ما جرينا عليه" ا.هـ بتصرف الوجيز فى أصول الفقه/ د. عبد الكريم زيدان 50 ط. مؤسسة قرطبة.
[4] هكذا فى الشرح الكبير 37، والذى فى البرهان 1/ 85: (التكليف) بالإفراد.
[5] الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 37.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

فاستطردت قائلا: الأحكام الشرعية تنقسم إلى:
- أحكام تكليفية وهى الخمسة السابقة: الإيجاب والندب الخ.
- وأحكام وضعية والمراد بها: جعل الشئ سببا أو شرطا أو مانعا أو وصفُهُ بالصحة أو الفساد أو البطلان.
قال فى قرة العين: "الأحكام الشرعية خمسة: هى الإيجاب والندب والإباحة والكراهة والتحريم" فعلق عليه الشيخ السوسي فى حاشيته بقوله: "كان عليه أن يقول الأحكام التكليفية خمسة؛ لأن الأحكام الوضعية شرعية قطعا وهى زائدة على الخمسة هكذا ظهر لى أولا، ثم رأيت أن الحصر فى الخمسة صحيح ولا ترد الأحكام الوضعية؛ لرجوعها إليها بناءًا على رد خطاب الوضع إلى خطاب التكليف... كما هو طريقة[1] لبعضهم"[2].
إذا عرفت هذا، فينبغى أن تعرف شيئا عن هذه الأحكام الوضعية
قال: هات.
قلت: اعلم أن:
- السبب: هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، مثل: دلوك الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر، ودخول رمضان سبب لوجوب الصيام، والسفر سبب لإباحة الفطر، والقتل العمد سبب لوجوب القصاص، وغير ذلك.
= فإن ظهرت مناسبة السبب لشرعية الحكم فهو (العلة والسبب) وبعضهم يقول: (العلة) فقط: كعقد البيع الدال على الرضا بنقل الملكية.
= وإن لم تظهر مناسبته للحكم كدلوك الشمس لصلاة الظهر فهو (السبب) فقط.
- والشرط: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. مثل: الطهارة شرط لصحة الصلاة؛ فيلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة، لكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة أو عدمها أو صحتها؛ فقد تفسد الصلاة لفقد شرط آخر.
- والمانع: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه عدم ولا وجود لذاته. مثل: الأُبُوَّةُ مانعةٌ من القصاص فى القتل العمد إذا كان القاتل أبا للمقتول، وكالعِدَّةِ فإنها مانعة من صحة نكاح المرأة إذا وقع العقد أثناءها.
- والصحيح: عرفه المصنف.
- والباطل: عرفه المصنف أيضا.
قال: فما معنى النفوذ والاعتداد ؟
قلت: النفوذ: هو البلوغ إلى المقصود نحو: حِلّ الانتفاع فى البيع الصحيح، وحِلّ الاستمتاع فى النكاح الصحيح.
و(يعتد به) أى: يُعْتَبَرُ شرعا بأن أتى بالشئ على الوجه المراد للشارع مستوفيا شروطه وأركانه خاليا عن الموانع، كقولك: هذه الصلاة صحيحة مُعْتَدٌّ بها شرعا.
قال: فهل قولنا: (نافذ) و(معتد به) معناهما واحد ؟
قلت: لا، فالنفوذ فى العقود والاعتداد فى العبادات، فمثلا يقال: هذه الصلاة مُعْتَدٌّ بها، ولا يقال: نافذة. ويقال: هذا العقد نافذ، ولا يقال: مُعْتَدٌّ به[3]، وقيل: هما بمعنى واحد[4].
قال: أفهم من هذا أن الفعل إذا كان من العبادات وقيل فيه: صحيح مُعْتَدٌّ به، فالمراد أن المكلف لا يطالَب بأداء الفعل مرة أخرى، وإذا كان الفعل من المعاملات وقيل فيه: صحيح نافذ، فالمراد أنه تترتب عليه آثاره.
قلت: نعم، هو ذا.
قال: والباطل عكس ذلك.
قلت: نعم.
قال: ولكنى لا أفهم جيدا معنى قولهم:" تترتب عليه آثاره"، فما هى هذه الآثار؟
قلت: أثر المعاملة: ما شُرِعَتْ له، فالبيع شُرِعَ لِنَقْلِ الملكية، فنَقْلُ الملكية أثره، والإجارة شرعت لاستيفاء المنفعة لأحد المتعاقدين واستحقاق الأجر للآخر، فهذا أثرها[5].
وأما فى العبادات: فتترتب الآثار من ثواب الله – عز وجل – وسقوط الطلب بها بحيث لا يؤمر بالعبادة مرة أخرى، وتبرأ ذمته بفعلها، فالصلاة المكتملة بشروطها وأركانهاوواجباتها صحيحة[6].
__________________


[1] فى المطبوعة: (طريقهم) وهو تصحيف والصواب ما أثبته.
[2] حاشية الشيخ الهدة السوسي على قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكى 18 ط. المطبعة التونسية.
[3] شرح نظم الورقات للعَمريطى لابن عثيمين 35 ط. دار ابن الجوزى
[4] قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين بهامش حاشية السوسي 19 ط. المطبعة التونسية. وفيه أيضا أن " العقد فى الاصطلاح يوصف بالنفوذ والاعتداد، والعبادة توصف بالاعتداد فقط " فتأمل
[5] أصول الفقه الإسلامى/ وهبة الزحيلى/ 104 / ط. دار الفكر
[6] شرح الورقات للشيخ عبد الكريم الخضير 2/ 20، 3/2 من الشاملة بتصرف.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال صاحبي: فهل الباطل والفاسد معناهما واحد ؟
قلت: الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) على أنهما مترادفان فيقولون: مبطلات الصلاة، ومفسدات الصوم، ونواقض الوضوء[1]، ولا يفرقون بينهما إلا فى مواضع قليلة[2].
وأما الحنفية والهادوية ففرقوا بينهما فقالوا:
- الباطل: ما لم يُشْرَعْ بأصله ولا بوصفه.
مثاله فى المعاملات:
= بيع الميتة بالدم فإنهما غير قابلين للبيع[3].
= وبيع الملاقيح[4] وهى: الأجنة فى بطون الأمهات، فإن هذا البيع غير مشروع باعتبار أصله لفقدان ركن من أركانه هو (المعقود عليه)[5]، قال الإسنوى: "بيع الحمل وحده غير مشروع ألبتة وليس امتناعه لأمر عارض"[6]، وكذا من حيث الوصف؛ لأن انتفاء الذات مستلزم لانتفاء الصفات، ولأن من شرائط صحة العقد: القدرة على التسليم والقبض، وهى منتفية فيه[7].
ومثال الباطل فى العبادات: صوم الحائض وصلاتها؛ فإن صومها وصلاتها غير مشروعين، ويوجبان الإثم[8].
- الفاسد: ما شُرِعَ بأصله دون وصفه.
مثاله فى المعاملات: بيع الدرهم بالدرهمين، فإن بيع الدراهم مشروع باعتبار ذاته ولكنه غير مشروع باعتبار ما اشتمل عليه من الوصف: وهو زيادة أحد العوضين على الآخر بلا مقابل.
ومثال الفاسد فى العبادات: صوم يوم النحر، فإن الصوم مشروع باعتبار أصله، ولكنه غير مشروع باعتبار كونه يوم النحر.
قال: فما معنى (أصله) و (وصفه)
قلت: أأ
فقاطعنى قبل أن أنطق بشئ قائلا: اختصر من فضلك.
قلت: المراد من (الوصف): الشرائط، ومن (الأصل): الأركان[9].
________________________________________________
[1] شرح نظم الورقات لابن عثيمين 38 بتصرف.
[2] أشهر هذه المواضع موضعان:
أحدهما- فى الحج
والآخر- فى النكاح
فراجعهما فى شرح نظم الورقات لابن عثيمين 38.
وثمت مواضع أخرى ذكرها التاج السبكى فى رفع الحاجب 2/ 19 وما بعدها.
[3] رفع الحاجب 2/ 19.
[4] جمع (ملقوحة) من لُقِحَت الناقة – بالبناء للمجهول – إذا أحبلت بالولد.
[5] أصول الفقه/ أبو النور زهير/ 1/ 63- 64.
[6] نهاية السول فى شرح منهاج الأصول للإسنوى مع سلم الوصول للمطيعى 1/ 101 ط. عالم الكتب.
[7] السراج الوهاج فى شرح المنهاج للجاربردى 1/ 117 ت. أكرم بن محمد اوزيقان ط. دار المعراج الدولية.
[8] أصول الفقه/ أبو النور زهير/ 1/ 64.
[9] السراج الوهاج 1/ 117.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال: بقيت مسألة هامة وهى قوله فى تعريف الواجب: "ويعاقب على تركه".فهذا معناه لزوم العقاب لكل من ترك واجبا ومن المعلوم أن هذا ليس بلازم، فيمكن أن يفعلَ العبدُ الكبيرةَ ويتركَ الواجبَ ثم يعفو الله عنه فلا يعاقبه.
قلت: نعم، وهذه المسألة تسمى – عند أهل السنة والجماعة – (مسألة الوعد والوعيد) ومَفَادُها: أن الله إِنْ وَعَدَ لا يُخلف وعدَه، وإِنْ أوعد فقد يخلف وعيده من باب فضله وكرمه[1].
قال: فكيف تُوَجِّهُ قولَه: "ويعاقب على تركه" ؟
قلت: حاصل ما أجاب به الشراح عن ذلك أن المراد من قوله: "ويعاقب على تركه" أن يوجد العقاب فى الجملة، لا أن المراد: أن كل تارك يعاقب على تركه[2]، فيُكْتَفَى فى صدق العقاب على الترك وجودُهُ لواحد من العصاة مع العفو عن غيره، أو يقال: المراد بقوله: "ويعاقب على تركه" أى: يترتب العقاب على تركه كما عبر بذلك غير واحد وذلك لا ينافى العفو عنه[3].
والأحسن فى التعريف أن يقال: (ما تُوُعِّدَ بالعقاب على تركه)
قال: ..
فقاطعته أيضا قبل أن يتكلم قائلا له: بقيت مسائل أخرى ومناقشات يمكنك أن تطلبها من مظانها، فلا يمكن أن نذكر هنا كل شئ، وإلا لَمَا انتهينا مما نحن فيه.
____________________________


[1] التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات/ مشهور حسن آل سلمان/ 53.
[2] حاشية السوسي على قرة العين 20.
[3] قرة العين فى شرح ورقات إمام الحرمين 20.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال المصنف رحمه الله:​
وَالْفِقْهُ أَخَصُّ مِنَ الْعِلْمِ.
وَالْعِلْمُ: مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ.
وَالْجَهْلُ: تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ.
______________________________________

): الواو للاستئناف النحوى
(الفقه): مبتدأ.
والمراد به الفقه بالمعنى الاصطلاحى.
(أخص): خبر، وفيه ضمير مستتر يعود على الفقه
(من العلم): الجار والمجرور متعلق بـ (أخص)
): استئنافية، أو عاطفة
(العلم): مبتدأ
(معرفة): خبر، ومضاف
(المعلوم): مضاف إليه
(على): حرف جر مبني على السكون لامحل له من الإعراب
(ما): يجوز كونها :
= نكرة موصوفة أى: على وصف ووجه هو به.
= أو معرفة موصولة بمعنى الذى أى: على الوجه والوصف الذى هو به .
= وعلى كل فـ (ما) اسم مبنى على السكون فى محل جر بـ (على) والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (المعلوم) أى معرفة المعلوم حالة كونه كائنا على ما هو به .
(هو): مبتدأ
(به): الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر، والتقدير: ملتبس به أى: بذلك الوجه.
(فى الواقع): الجار والمجرور متعلق بالمحذوف الذى تعلق به قوله: "به" السابق وتقدير الكلام: على الوجه الذى هو (أى ما من شأنه أن يعلم) ملتبس به (أى بذلك الوجه) فى الواقع .
والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما فى محل جر صفة لـ (ما) إن جعلتها نكرة موصوفة، أو لا محل لها من الإعراب صلة لـ (ما) إن جعلتها معرفة موصولة.
): استئنافية أو عاطفة
(الجهل): مبتدأ
(تصور): خبر، ومضاف
(الشئ): مضاف إليه
(على خلاف): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (الشئ)؛ أي تصور الشيء حالة كونه كائنا على خلاف، و(خلاف) مضاف
(ما): اسم مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه وهى إما نكرة موصوفة أو معرفة موصولة كما تقدم
(هو به فى الواقع): إعرابه يعرف مما تقدم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[قال صاحبي]
قال صاحبي: قد عَرَّفْتَ الاستئناف النحوى فيما سبق بأن معناه: وقوعه أول كلام بعد تقدم جملة مفيدة من غير ارتباطه بها لفظا.
قلت: نعم
قال: أرأيت وقوعه أول كلام من غير أن يتقدم عليه شئ؟
فقلت له: أنى لكَ هذه الفصاحة ؟!
قال: أَجِبْنِي.
قلت: هذا شئ غير موجود فى كلام العرب، ولم يقع فى كلام أهل الأدب[1].
قال: ذكرتَ أن الواو فى قوله: "والعلم معرفة المعلوم" استئنافية أو عاطفة.
قلت: نعم.
قال: فما الجامع بين المعطوفين إن جعلتها عاطفة؟
قلت: الجامع بينهما البيان، أى: التعريف لبيان مفهوم الشئ.
قال: لا يجوز أن تكون الواو هنا للعطف.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأن العطف من التوابع.
قلت: وما ذاك ؟
قال: أليس التابع هو: الاسم المشارك لما قبله فى إعرابه مطلقا، أو : كل ثانٍ بإعراب سابقه من جهة واحدة ؟
قلت: بلى، وأى شئ فى هذا ؟
قال: فيه عدم صدق التابع على ما هنا لعدم الإعراب فى كِلا المعطوفين.
قلت: التعريف المذكور ليس لمطلق التوابع بل لتوابع الاسم، ولو سلمنا بأنه لمطلق التوابع فهو باعتبار الأصل الأغلب، وأجاب الشُّمُنِّى على هذا بأن المراد به التابع اللغوى لا الاصطلاحى الذى لا بد أن يكون لمتبوعه محل من الإعراب، أو أن إطلاق التابع عليه مجاز علاقته المشابهة.
قال: فما فائدة العطف فيما لا محل له من الإعراب؟
قلت: فائدته التشريك والجمع بين مضمونَىِ الجملتين فى التحقق بحسب نفس الأمر.
قال: لا نسلم بذلك؛ فإن اجتماعهما واشتراكهما فى ذلك التحقق معلوم بدون الواو؛ لدلالة الجملتين على تحقق مضمونيهما فى الواقع فيجتمعان فيه قطعا.
فسكتُّ.
قال: كأنك لم تفهم شيئا، فلو شئتَ أن أوضحَه لك بمثال فعلتُ.
قلت: قد شئتُ ذلك.
قال: لو قلت: (زيد قائم وعمرو قاعد)لم تكن الواو فيه عاطفة لأنك قد علمت تحقق مضمونَيِ الجملتين فى الواقع أي:(قيام زيد وقعود عمرو) بدون العطف فكان الصواب أن الواو هنا ليست للعطف بل للاستئناف أو زائدة لتزيين اللفظ.
قلت: كأنى بك تحسب أنك قد أتيتَ بالأَبْلَقِ العَقوقِ أو بَيْضِ الأنوق[2]، فاسمع جواب ما ذكرت.
قال: هاتِ.
قلت: ما ذكرتَه من دلالة الجملتين على تحقق مضمونيهما فى الواقع إنما هو بدلالة عقلية، وهى ربما لم تكن مقصودة، ولكن بالعطف تعين القصد إلى بيان الاجتماع بينهما.
قال: ولِمَ تعين ذلك بالعطف ؟
قلت: لأن العطف يدل على الجمع دلالة وضعية أى أنه موضوع لذلك، فبهذا تتقوى الدلالة العقلية التى ذكرتَها بالدلالة الوضعية للعطف، ويندفع أيضا توهم الإضراب عن الجملة الأولى بالثانية.
______________________________________
[1] معرب الكافية 13.
[2] الأبلق: الذَّكَرُ من الخيل، والعَقوق الأنثى الحَامِل؛ فلا يقال: الأبلق العقوق لأن الذَّكَرَ لا يكون حاملا، وهو مثل يضرب للشئ المحال، والعرب كانت تسمى الوفاء (الأبلق العقوق) لعزة وجوده، والأنوق: الرخمة وهى نوع من الطير تبيض فى أعالى الجبال فلا يوصل إلى بيضها، يضرب للشئ البعيد المنال. وزعموا أن رجلا أتى معاوية رضى الله عنه فقال له: زوجنى هندا (يعنى أم معاوية) فقال: لا أَرَبَ لها فى زوج، قال: فوَلِّني كذا، فأنشد معاوية:
طلب الأبلق العقوق فلما *** لم يَجِدْه أراد بيض الأنوق
يعنى: طلب أمرا محالا فلما أعجزه طلب أمرا بعيدا لا يناله.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال صاحبى: دع هذا وأخبرنى لِمَ كان الفقه أخص من العلم كما ذكر المصنف؟
قلت: لأن الفقه هو: معرفة الأحكام الشرعية فقط، بخلاف العلم فإنه يطلق على العلم بالفقه والنحو والحديث وغيرها فكان الفقه نوعا منها ولهذا يقال: (كل فقه علم) ولا يقال: (كل علم فقه)[1].
قال: فقد عرَّف العِلْمَ هنا، لكن ذكر فى البرهان أنه لا يُحَدُّ نظرا لعسر حَدِّهِ وإنما يُعرف بالتقسيم والمثال[2].
قلت: اختلف العلماء فى العلم هل له حَدٌّ أو لا؟ فالأكثرون على أن له حدا، وبعضهم ذهب إلى أنه لا يُحَدُّ، فجرى المصنف هنا على رأى الأكثرين؛ لأن تعريف الشئ يجعله أقرب للتصور فى النفس وهذا يناسب المبتدئ المقصود بهذا الكتاب فهو يريد أن يبين له بعض التعريفات التى تدور فى اصطلاح الأصوليين حتى يستطيع تصورها فإذا ما شب عن الطوق أمكنه أن يناقش المسألة بعد تصورها، أما لو تجاوز مرحلة البداية من غير أن يتصور بعض هذه المسائل ثم أراد أن يناقش مسألة العلم مثلا هل له حد أو لا؟ فإنه لا يدرى ما هو العلم بل يشعر به شعورا مبهما لا يكاد يصل إلى درجة التصور، فكيف يقال له: العلم لا يُحَدُّ؟ فكان المناسب هنا وهو يخاطب المبتدئ أن يجرى على رأى الأكثرين فى تعريفه لِمَا سبق وأما فى البرهان فإنه يجرى على ما وقع عليه اختياره لأنه لا يلاحظ هناك (فى البرهان) ما يلاحظه هنا (فى الورقات) وهو مخاطبة المبتدئ الذى يريد أن يقرب له بعض المصطلحات فتأمل.
قال: فقد عرَّف العلم بأنه: "معرفة المعلوم على ما هو به فى الواقع" وهذا غير واضح معناه لى، فما هى المعرفة؟ وما هو المعلوم؟ وما قوله:"على ما هو به" ؟ وما هو (الواقع) ؟
قلت: المراد بالمعرفة: الإدراك
قال: وما الإدراك ؟
قلت: هو: وصول النفْس إلى المعنى بتمامه من نسبة أو غيرها.
قال: لماذا توضح الشئ بما هو أعقد منه فى كل مرة
قلت: ما ذكره الشيخ هنا يسمى مقدمة منطقية وما سيذكره بعدها من الحقيقة والمجاز وغيرهما من أبواب اللغة يسمى مقدمة لغوية فلا علينا لو تجاوزناهما سريعا فإنه لا يصلح التفصيل فيهما للمبتدئ
قال: قد كان يمكن هذا لو فعلته أولا، أمَا وقد عرَّفت المعرفة بما هو أعقد منها وهو الإدراك ثم عرَّفت الإدراك بما سبق ثم تريد أن تتركنى هاهنا من غير أن تبين لى معنى هذا الكلام فلا
قلت: فيكفيك توضيح ما سبق بمثال ثم نتجاوزه
قال: حتى أرى.
قلت: المراد من قوله:"العلم: معرفة المعلوم على ما هو به فى الواقع" أن تَعْرِفَ الشئ على حقيقته الصحيحة التى هو عليها فى الواقع وتتصوره على ما هو عليه، فلو تصورت الشئ على ما هو عليه فالذى حصَّلتَه يسمى علما، يعنى: إذا اعتقدت وعرفت أن صلاة الفجر مثلا ركعتان، فما تصورته علمٌ.
واعلم أن ها هنا إشكالات كثيرة ومباحث طويلة أكثرها يتعلق بالمنطق فلا نطيل بذكرها.
_________________________________
[1] الأنجم الزاهرات 97.
[2] البرهان 1/ 115- 123. وقد ذكر ص119 تعريف العلم كما ذكره هنا ونسبه للقاضى أبى بكر الباقلانى ورده كما رد غيره.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

وأما الجهل فقد عرَّفه بقوله : "وَالْجَهْلُ: تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ" كأن تعتقد أن صلاة الفجر ثلاث ركعات، وكأن تظن أن هذا الشخص رجلا وهو امرأة.
قال: أسمع كثيرا قولهم: هذا جهل مُرَكَّبٌ فما معناه ؟
قلت: قد كنت أنوى تركه لما سبق، أمَا وقد ذكرته فاعلم أن الجهل ينقسم إلى: بسيط ومركب، ولكن على تعريف المصنف يخرج الجهل البسيط، وأما المشهور فى هذا فهو أن الجهل ينقسم إلى قسمين:
1- جهل بسيط: وهو عدم الإدراك بالكلية
2- جهل مركب: وهو إدراك الشئ على خلاف ما هو عليه
مثال ذلك: لو سَأَلْنَا رجلا: متى كانت غزوة بدر ؟
فقال: لاأدرى
فهذا جهل بسيط
وسألنا آخر فقال: فى السنة العاشرة.
فهذا جهل مركب؛ لأنه أدرك الشئ على خلاف ما هو عليه؛ إذ إنها كانت فى السنة الثانية للهجرة
قال: فلماذا كان الأول بسيطا ؟
قلت: لأنه جهلُ واحدٍ لا يعلم شيئا
قال: ولماذا كان الآخر مركبا ؟
قلت: لأنه جهل بالواقع وجهل بالحال، فهذا المتكلم جاهل بحاله يحسب أنه على علم وليس على علم فلهذا كان مركبا من جهلين: لا يدرى، ولا يدرى أنه لا يدرى.
قال: وأيهما أقبح الجهل البسيط أم المركب ؟
قلت: المركب لا شك أنه أقبح.
قال: فهذا يذكرنى بقصة توما الحكيم
قلت: وما هى ؟
قال: يُذْكَرُ أن رجلا يُسَمَّى (توما) يزعم أنه حكيم يتعاطى الحكمة، لكنه يفتى بغير علم، من جملة ما يفتى به يقول: تصدقوا ببناتكم على مَنْ لم يتزوج يظن أن هذا خير، وفى هذا يقول الشاعر:
ومَنْ نال العلوم بغير شيخ ** يَضِلُّ عن الصراط المستقيمِ
وتلتبس العلومُ عليه حتى ** يكون أضلَّ من توما الحكيم
تصدق بالبنات على رجال ** يريد بذاك جناتِ النعيم​
قلت: صدق الشاعر، ما كان أضل توما الحكيم.
قال: وكان له حمارٌ قيل فيه:
قال حمارُ الحكيمِ توما ** لو أنصفَ الدهرُ كنتُ أَرْكَبْ
لأننى جاهل بسيط ** وصاحبى جاهلٌ مُرَكَّب​
(انظر شرح نظم الورقات لابن عثيمين 44- 45)
قلت له: أحسنت
قال: ما أحسن قول المصنف فى تعريف العلم: "معرفة" وفى تعريف الجهل: "تصور"؛ إذ الجهل ليس بمعرفة وإنما هو حصول شئ فى الذهن، والخطأ إنما هو فى حكم العقل فمثلا إذا رأى شبحا من بعيد فظنه إنسانا وحصل فى ذهنِهِ صورة إنسان وكان الواقع أنه فرس، فتلك الصورة التى حصلت فى ذهنه صورة إنسان وإدراك له، والخطأ ليس فيها إنما هو فى الحكم بأن هذه الصورة للشبح المرئى، فالصورة التى تصورها مطابقة (لذوي الصِّوَرِ) وعدم المطابقة فى أحكام العقل المقارنة لها. (انظر شرح الورقات لابن إمام الكاملية 99)
قلت: ما شاء الله، أحسنت.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,452
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ: مَا لَمْ يَقَعْ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ: كَالْعِلْمِ الْوَاقِعِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ: السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ، وَاللَّمْسُ؛ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ.
وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُكْتَسَبُ: فَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ.
____________________________________

(وَ): استئنافية أو عاطفة
(الْعِلْمُ): مبتدأ
(الضَّرُورِيُّ): صفة للعلم وصفة المرفوع مرفوعة.
(مَا): معرفة تامة خاصة بمعنى (العلم) أى: الضروريُّ عِلْمٌ لم يقع الخ وهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر.
(لَمْ): حرف نفى وجزم وقلب
(يَقَعْ): فعل مضارع مجزوم بـ (لم) والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (ما) والجملة فى محل رفع نعت لـ (ما).
(عَنْ نَظَرٍ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل (يقع) والتقدير: (ما لم يقع ناشئا عن نظر)
(وَاسْتِدْلَالٍ): معطوف على (نظر)
(كَالْعِلْمِ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (وذلك كائن كالعلم) فـ (ذلك) مبتدأ و(كائن) خبر وهو الذى تعلق به (كالعلم)
(الْوَاقِعِ): نعت لـ (العلم) مجرور مثله.
(بِإِحْدَى): الباء حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب و(إحدى) مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، والظرف متعلق بمحذوف نعت لـ (العلم).
ولا يجوز أن يكون (ظرفًا لغوًا) متعلقا بـ (العلم) فإنه يكون هو المعلوم فى هذه الحالة كما صرح بذلك ابن قاسم العبادي والشيخ الهدة السوسي1.
ولم يشر أحد من الشراح إلى جواز كونه (ظرفا لغوا) متعلقا بـ (الواقع) والذى يظهر لى جوازه فتأمل والله أعلم.
و(إحدى) مضاف.
(الْحَوَاسِّ): مضاف إليه، وهى جمع (حاسَّة) بمعنى القوة الحساسة.
(الْخَمْسِ): نعت للحواس.
(الظَّاهِرَةِ): نعت ثان للحواس.
_________________________
1- الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 86، وحاشية السوسي على قرة العين للحطاب 31.

 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

فتح الله عليكم يا دكتور إبراهيم ...،
وشكر الله لكم على المواصلة ...
 
أعلى