العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح تذليل العقبات بإعراب الورقات

إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد
فقد عزمت مستعينا بالله تعالى على البدء في إعراب متن الورقات لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني – رحمه الله تعالى- والتحشية عليه بما تيسر، وهو كتاب قال فيه شارحوه: " كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وعظم نفعه، وظهرت بركته"[1] وكان هذا تلبية لرغبة بعض الإخوة في ذلك، وقد كنت قدَّرْتُ في نفسي أن أكتفي بإعراب المتن وأن أترك الشرح للشراح؛ حيث أن هذا هو المطلوب فكتبت شيئا على هذا التقدير، وفي أثناء ذلك كنت أرجع إلى الشروح والحواشي: لألتقط من فوائدها، وأغتنم من فرائدها؛ كما كنت أصنع من قبل ذلك حين صنعت النسخة المصححة من المتن؛ فرأيت أن أقيد شيئا من هذه الفوائد والدرر، وأنثرها بين ما أكتبه، وإن أدى ذلك إلى طول الشرح وخلط الأصول بالنحو.فإن قلت: الاختصار أفضل.قلت: الاختصار كثير والحصول عليه يسير، ولو كان كل من يكتب يكتب اختصارا، لكان تَكرارا، لا يختلف إلا بالسياق أو العباره، فدعني أصنع لك حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل واشية وواشي.
هذا، ومن منهجي في العمل:
1- أن أكتب الفقرة المراد شرحها من المتن باللون الأحمر الثقيل.
2- ثم أبدأ بإعرابها كلمة كلمة، وأضع كلَّ كلمةٍ في أول السطر بين قوسين وأميزها بالخط الأحمر الثقيل وبوضع خط تحتها، ثم أعربها في أول مرة إعرابا تفصيليا حتي لو كان إعرابها واضحا، فأقول مثلا: (مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره)، وهكذا، فإذا تكرر مثل هذا قلت: (مبتدأ) ولا أزيد إلا أن يكون الإعراب تقديريا أو محليا أو فيه إشكال فأنص عليه.
3- لا أعني بالإعراب التفصيلي ذكرَ كل وجوه الإعراب المحتملة، بل لا أعني بها إلا ما سبق وانظر التالي.
4- قد تحتمل الكلمة وجهين أو أكثر من وجوه الإعراب فاعلم أنه ليس من شَرطي ذكرها كلها، بل لا أذكر إلا ما حضرني منها، فإن اتفق لك وجه لم أذكره فاعلم أني لم أذكره لإحدى ثلاث:
الأولى- أني أجهله.
الثانية- أني تركته عمدا لعدم تيقني منه.
الثالثة- أني تركته مخافة التشويش على القارئ، إلا في البسملة؛ فإن العلماء قد كفَوْني أمرها؛ فأنا فيها تابع لا غير ويقتصر عملي على توضيح ما قالوه بما يناسب المقام.
5- بعد الإعراب أذكر المعنى على وجه الاختصار.
6- أشرع بعد ذلك في فقرة عنوانها: [قال صاحبي] وفيها أذكر: الفوائد المستخرجة، والزوائد المستنبطة، وأُورِدُ فيها من الإشكالات التي قد تعترض الطالب؛ فتسبب سوء الفهم أو عدمه، بطريق الحوار بيني وبين صاحبي حتي يزول الإشكال والإيراد، ويتضح المعنى المراد.واعلم أن الإشكال المذكور قد يكون على عبارة المصنف وقد يكون على ما يذكره المُحَشِّي، وقد يكون في النحو وقد يكون في الأصول، وقد أطيل في النحو عن الأصول لا سيما إذا كانت عبارة المتن مما لا تحتاج إلى بيان؛ لأن المتن قد خُدِمَ في جانب الأصول بما لا مزيد عليه ولا كذلك في باب الإعراب والنحو؛ فلهذا قد أترك بعض الفقرات دون الإطالة في بيانها من جهة الأصول، بل لا تكون الإطالة إلا من جهة النحو؛ فلا وجه لمعترض بعد ذلك أن يقول: المتن حَالِ[2] والشرح خالي.
والله الموفق.
وقبل الشروع في المقصود :حمل نسختين مصححتين من متن الورقات من هنا:
https://feqhweb.com/vb/threads/.18403
وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود

________________________________________
[1] قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكى 2 بهامش حاشية السوسي على قرة العين ط. المطبعة التونسية
[2] حال: من الْحِلْيَةِ يقال: حليت المرأة وهي حال وحالية.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[الكفار مخاطبون بفروع الشريعة]
قال المصنف
وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ، وَبِمَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ: وَهُوَ الْإِسْلَامُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42 - 43]
________________________________________
(وَ): استئنافية
(الْكُفَّارُ): مبتدأ
(مُخَاطَبُونَ): خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم
(بِفُرُوعِ): متعلق بـ (مخاطبون)، و(فروع) مضاف
(الشَّرَائِعِ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
(وَ): عاطفة
(بِمَا): الباء حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، و(ما) اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر، والجار والمجرور معطوف على (بفروع)
(لَا): نافية
(تَصِحُّ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هي يعود على (فروع الشرائع)
(إِلَّا): أداة حصر
(بِهِ): الجار والمجرور متعلق بـ (تصح)
(وَ): للاستئناف البياني فكأن سائلا سأله: وما الذي لا تصح إلا به؟ فقال: وهو الإسلام.
(هُوَ): مبتدأ
(الْإِسْلَامُ): خبر
(لِقَوْلِهِ): (اللام): حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، (قول): مجرور باللام وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: وذلك كائن لقوله، و(قول) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه
(تَعَالَى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره التعذر، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على اسم الجلالة وإن لم يجر له ذكر في الكلام لكنه معلوم من السياق.
والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب
{مَا}: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ
{سَلَكَكُمْ}: (سلك): فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على (ما)، و(الكاف) ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به، و(الميم) علامة جمع الذكور حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وجملة (سلككم) من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر (ما)
{فِي}: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
{سَقَرَ}: اسم مجرور بـ (في) وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، والجار والمجرور متعلق بالفعل {سَلَكَ} من {سَلَكَكُمْ}.
{قَالُوا}: (قال) فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، و(الواو) ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل
{لَمْ}: حرف نفي وجزم وقلب
{نَكُ}: فعل مضارع من (كان)الناقصة مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره وهو النون المحذوفة تخفيفا لكثرة الاستعمال والأصل (نَكُونْ) فالتقى ساكنان: (الواو والنون) فحذفت الواو لأنها حرف علة فصار (نَكُنْ) ثم حذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال فصار (نَكُ)، واسمها ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن).
{مِنَ الْمُصَلِّينَ}: الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر (نَكُ)
وجملة {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} في محل نصب مقول القول
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

المعنى:​
= اتفق العلماء على أن الكفار:
1- مخاطبون بأصل الإسلام وهو الإيمان.
2- ومخاطبون بالمعاملات كالبيع والشراء والإجارة والرهن ونحوها
3- ومخاطبون بالعقوبات كالحدود والقصاص.
قال أبو إسحاق الإسفراييني: "لا خلاف أن خطاب الزواجر من الزنا والقذف يتوجه على الكفار كما يتوجه على المسلمين."،
وقال السرخسي: "لا خلاف في أنهم مخاطبون بالإيمان والعقوبات والمعاملات في الدنيا والآخرة."[1]


= وأما فروع الشريعة (والمراد بها: الأحكام العملية من الأوامر: كالصلاة والزكاة، والنواهي: كالزنا وشرب الخمر) فقد اختلفوا فيها على مذاهب:


الأول- أنهم مخاطبون بفروع الشرائع كما ذكره المصنف وهو مذهب الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد ومذهب المالكية وبعض الحنفية كأبي بكر الرازي ومذهب أهل الحديث وأكثر المعتزلة وهو الصحيح[2]،
لكن هذا الخطاب مشروط بالإسلام فهم مخاطبون بالفروع وبما لا تتم إلا به وهو الإسلام.


الثاني- أنهم ليسوا مكلفين بالفروع وبه قال جمهور الحنفية وهو رواية عن أحمد وإليه ذهب الشيخ أبو حامد الاسفراييني من الشافعية وعبد الجبار من المعتزلة، وابن خويز منداد المالكي، وقال الإبياري: إنه ظاهر مذهب مالك.


الثالث- أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر واحتجوا بأن الكافر يتصور منه الانتهاء عن المنهيات في حالة الكفر بخلاف العبادات فعلم أنهم لم يكونوا مخاطبين بها.


الرابع- أنهم مكلفون بالأوامر فقط دون النواهي قال الزركشي: "ولعله انقلب مما قبله ويرده الإجماع السابق على تكليفهم بالنواهي".


الخامس- أن المرتد مكلف دون الكافر الأصلي.


السادس- أنهم مكلفون بما عدا الجهاد، أما الجهاد فلا؛ لامتناع قتالهم أنفسهم


السابع- التوقف حكاه الشيخ أبو حامد الاسفراييني عن الأشعري، وحكاه سليم الرازي عن بعض الأشعرية


الثامن- وهو وجه خرَّجه الزركشي من تصرفات الأصحاب في الفروع وهو التفصيل بين الحربي وغيره فالحربي غير مكلف بالفروع وأما غيره فمكلف بها[3]
___________________________________________

[1] إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر 2/ 146 د. عبد الكريم النملة ط. دار العاصمة، والبحر المحيط للزركشي 400 ت. عبد القادر عبدالله العاني ط. وزارة الأوقاف بالكويت
[2] التحقيقات والتنقيحات السلفيات لمشهور حسن آل سلمان 154- 155.
[3] البحر المحيط للزركشي 398- 403.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[قال صاحبي]
قال: لماذا وَقَعَ الإجماعُ على أن الكفار مخاطبون بالإسلام دون الفروع؟
قلت: لأن الإسلام يُخْرِجُ من الكفر الموجبِ للخلود في النار ولا كذلك الفروع.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إلى الناس كافة ليدعوَهم إلى الإيمان، فلو لم يكونوا مخاطَبين بالإسلام لم يكن للرسالة فائدة وكان إرسال الرسل عبثا.
ولأن مناط التكليف - وهو البلوغ والعقل - متحقق فيهم.
قال: هل يثاب الكافر لو صلَّى أو زكَّى أو فعل غير ذلك من فروع الإسلام؟
قلت: لا
قال: فما فائدة خطابهم بهذه الفروع ؟
قلت: لكى يعذبوا في الآخرة على تركها كما يعذبون على ترك الإيمان.
قال:أفهم من هذا أن فائدة خطابهم بها أخرويةٌ فقط
قلت: يقال هذا، ولكن الصحيح أن ثمت فوائد دنيوية أيضا مترتبة على خطابهم بالفروع منها:
1- تنفيذُ طلاقِ الكافرِ وعتقِه وظهارِه، وإلزامُه الكفارة.
2- ومنها: إذا قتل الحربيُّ مسلمًا ففي وجوب القَوَد أو الديةِ خلافٌ مبنيٌّ على الاختلاف في خطابهم بالفروع
3- ومنها: هل يجوز تمكينُ الكافرِ الجنبِ من دخول المسجد أوْ لا؟ فيه خلاف كذلك مبني على هذه المسألة
4- ومنها: تحريم ثمن الخمر عليهم كما نص عليه الشافعي
5- ومنها: أنهم هل يُقْطَعون في السرقة ويقتلون في الحرابة حدًّا أم غير حد؟ فمن ذهب إلى أنهم غير مكلفين بالفروع قال: إنهم يقطعون في السرقة ويقتلون في الحرابة من باب الدَّفْعِ فهو تعزيرٌ لا حدٌّ؛ لأن الحدود كفارات لأهلها وليست هذه كفارات
6- ومنها: إذا دخل الكافرُ مكةَ فأسلم وأحرم فهل عليه دمٌ لِتَرْكِ الميقات أو لا؟
قال الشافعي: عليه دم؛ لأنه مخاطَب بالفروع، فبَعْدَ الإسلام يستأنف الفرائض من يوم أسلم غير أنه لا يؤمر بإعادة ما فرَّطَ فيه في الشرك منها.
وقال محمد بن الحسن: ليس عليه دم لترك الميقات؛ لأنه لم يكن عليه؛ حيث إنه غير مخاطب بالفروع
7- ومنها: هل يحل للمسلم أن يطأ زوجته النصرانيةَ إذا خرجتْ من الحيض قبل أن تغتسل ويمضي عليها وقت صلاة؟ فيه خلاف مبني على هذه المسألة:
فمن قال: (إنهم مخاطبون بالفروع) قال: يجب أن تغتسل أوَّلًا
ومن قال: (إنهم غير مخاطبين بالفروع) قال: لا يجب أن تغتسل لأنها غير مأمورة بذلك
قال: لقد تفكرت فلم أجدْ إلا أن الكافر ليس أهلا للعبادة؛ لأنه لا يثاب، فلمَّا لم يكن من أهل الثواب لم يكن من أهل الخطاب.
قلت: نُكْمِلُ في اللقاء القادم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قلت: كيف قلتَ؟
قال: قلتُ: لقد تفكرت فلم أجد إلا أن الكافر ليس أهلا للعبادة؛ لأنه لا يثاب، فلمَّا لم يكن من أهل الثواب لم يكن من أهل الخطاب.
قلت:فهذا استعمال للعقل مع ورود النص، ورَدٌّ للنص بالعقل.
قال: فأين النص على هذه المسألة؟
قلت: ما ذكره المصنف الإمام وهو قوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ اليَميِنِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ} [المدثر: 39 – 47]
فسكتَ، ثم قال: آنت أعلمُ أم أبو حنيفة ؟
فعلمت ما سيقوله ففاجئته بقولي: أنا
فنظر إلي بحِدَّةٍ وانتفخت أوداجه وهو يكظم غيظه
فقلت له: هَوِّنْ عليك؛ فلم أكمل كلامي بعد
قال: وهل بقي بعد قولك هذا كلام، لقد فضلت نفسك على أبي حنيفة رحمه الله فماذا تقول بعد هذا؟!
فأردت الإمعان في استثارته فقلت: أنا لم أقل إلا الحق
فازداد غيظا وأراد أن يفتك بي ثم أعرض بوجهه عني ونهض ليتركني
فقلت له: على رِسْلِكَ فأنا لم أنتهِ مما أردت قَوْلَهُ
فقال وهو معرض عني: قل ما تشاء وأوجز فإني على عجل
قلت: أنا لا أساوي قلامة ظفر من أبي حنيفة رحمه الله
فالتفت إلىَّ متهللا قائلا: وهل هذا هو ما أردت أن تقوله حين قلتَ: أنا
قلت: نعم، هذا هو
قال: فإذا أقررت بهذا فهل عرفتَ هذا الدليل ولم يعرفه أبو حنيفة
قلت: بهذا ضل المتعصبون من المقلدة، فمهما جئتهم بنص من كتاب أو سنة أو استدلال صحيح من قياس أو أثر ونحو ذلك إلا أجابوا بمثل ما أجبت به مستنكرين أن يذهب هذا الدليل عن إمامهم ويعلمه مَنْ هو دونه فجعلوا إمامهم لا يجوز أن يخفى عليه دليل ولا أن يذهب عنه تعليل.
وقد كان صاحبي رجلا منصفا غير متعصب فقال لي: أكملْ.
فقلت: إن أحببت أن أزيدك أدلة أخرى فعلت.
قال: نعم، أحب ذلك
قلت:
من الأدلة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة:

1- آيات سورة المدثر السابقة، وجه الدلالة منها: أنهم ذكروا أن من سبب العذاب أنهم لم يُصَلُّوا في الدنيا ولم يُزَكُّوا (وهو المراد بإطعام المسكين والله أعلم) وكونهم كانوا يخوضون مع الخائضين.
2- أنه تعالى ذم قوم شعيب بالكفر ونقص المكيال
3- وذم قوم لوط بالكفر وإتيان الذكور
4- وذم عادا قوم هود بالكفر وشدة البطش
5- قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] فـ (أل) في {النَّاسِ} للاستغراق فتشمل المؤمن والكافر
6- قوله تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 1 – 5]
الضمير في {أُمِرُواْ} يعود على (أهل الكتاب والمشركين) فإذًا هم مأمورون
7- قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68، 69]
فسبب مضاعفة العذاب الأمور الثلاثة: الكفر والقتل والزنا
8- قوله تعالى:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة: 26 - 33]
فذم الكفار على ترك الصدقة وعلى ترك الصلاة فدل على أنهم مخاطبون بهما
9- قوله تعالى:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 6، 7] فتوعد الله المشركين بالويل لكفرهم ولأنهم لا يؤتون الزكاة
10- قوله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88] فَرَتَّبَ اللهُ عز وجل زيادةَ العذابِ على الكفر وعلى الصد عن سبيل الله.
قال: هذه أدلة ظاهرة على هذه المسألة تبين رجحان مذهب الجمهور فيها وهو أن الكفار مخاطبون بالفروع ولكن...
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات


قلت: لكن ماذا ؟
قال: لكني أجد الأصحاب (الشافعية) يذكرون في كتب الأصول أن الكفار مخاطبون بالفروع، فإذا نظرت في كتب الفقه وجدتهم يقولون: إن الصلاة والزكاة والصيام والحج لا تجب على الكافر الأصلي، فكيف نوفق بين ذلك؟
قلت:...
فبادرني قائلا: وأخرى وهي أنهم كيف يكلفون بما لو فعلوه لما صح منهم؟ أليس هذا تكليفَ ما لا يطاق؟
فسكتُّ.
فقال: أجبني فإني قد تحيرت في أمري
قلت: إنما أنتظر فراغك مما عندك
قال: قد فرغت فأجبني
قلت:أما قولك: كيف يكلفون بما لو فعلوه لما صح منهم؟ وأنه تكليفٌ بما لا يطاق. فالذي أوقعك في هذا الإشكال أنك لم تنظر إلا إلى نصف المسألة وتركت نصفها الآخر ولو أنعمت النظر لما وقعت فيما وقعت فيه
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: لأنك لم تنظر إلا إلى قولهم: (الكفار مخاطبون بالفروع)
قال: أليست هذه هي المسألة ؟
قلت:بلى ولكن لها تتمة
قال: وما هي ؟
قلت: هي قول المصنف: "وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام."
فسكتَ.
قلت: أليس قد مر علينا قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؟
قال: بلى
قلت:فالصلاة والزكاة والصيام والحج و...الخ كلها :
واجبة على الكافر
ولا تصح منه إلا بشرط تقدم الإسلام على الإتيان بهذه الفرائض،
فكما أن المُحْدِثَ مخاطَب بـ :
الصلاة
وبما لا تصح الصلاة إلا به وهي الطهارة،
فلو صلى وهو محدِث لم تصح صلاتُه وهو مع ذلك مخاطَب بها وبالطهارة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بها فهو مخاطَب بالأمرين جميعا
فكذلك الكافر مخاطب بالفروع وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام فهو مخاطب بالأمرين جميعا: كالمحدِث، فلو صلى أو زكى أو صام ... الخ وهو كافر لم تصح منه لأنه مأمور بتقديم ما لا تصح هذه الفروع إلا به وهو الإسلام، فلو لم يُسْلِمْ لم تصح صلاتُه ولا زكاته ولا صومه ... الخ كالمُحدِث لو صلى محدِثا لم تصح صلاته وبقي مطالَبا بها وبتقديم ما لا تصح إلا به
قال: قد فهمت هذه جيدا،
وبقي السؤال الأول وهو اختلاف طريقة الأصحاب في كتب الأصول عن كتب الفروع؟
قلت: جوابه ما تقدم وهو أنهم مكلفون بالفروع وبتقديم الأصل الذي لا تصح الفروع إلا به وهو الإسلام،
فإذا مضى زمن يمكن فيه تحصيل الأصل والفرع ولم يفعلوا أثموا عليهما جميعا: كالمحدث على ترك الصلاة
قال الزركشي بعد أن ذكر هذا الجواب: "وهذا نافع في الجمع بين إطلاق أصحابنا:
- في (الأصول): التكليف،​
-وفي الفروع: أن الصلاة والزكاة والصيام والحج لا تجب على الكافر الأصلي​
ولم يزل هذا الإشكال يدور في النفس"[1].

_________________________________
[1] البحر المحيط للزركشي: 1/ 404.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[الأمر بالشيء نهي عن ضده والعكس صحيح]
وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ.
_____________________________
(وَ): استئنافية
(الْأَمْرُ): مبتدأ
(بِالشَّيْءِ): متعلق بـ (الأمر)
(نَهْيٌ): خبر
(عَنْ ضِدِّهِ): متعلق بـ (نهْي)، و(ضِدّ) مضاف والهاء مضاف إليه
(وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ): يعرف إعرابه مما تقدم


المعنى:
هذه قاعدة من القواعد الأصولية الهامة التي يعمل بها الفقهاء ويبنون عليها كثيرا من فروعهم الفقهية ومعناها: أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن جميع أضداده، وأن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بواحد من أضداده.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[قال صاحبي]
قال: ما معني هذه القاعدة ؟
قلت: هو ما سبق: أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده
قال: ففسر لي قولك: الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمر بواحد من أضداده.
قلت: مثال الشق الأول من القاعدة وهو (الأمر): أننا مأمورون بالقيام في الصلاة لقوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وقوله صلى الله عليه وسلم : "صَلِّ قائِمًا فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب". فهنا أمر بـ (القيام)، و(القيام) له أضداد من: القعود والركوع والسجود والاضطجاع، فإذا ترك الإنسان القيام لغير عذر وصَلَّى قاعدا أو مضطجعا أو راكعا أو ساجدا دون قيام لم تصح صلاته؛ لأن الأمر بالقيام يستلزم النهي عن جميع أضداده.
وأما الشق الثاني من القاعدة وهو: (أن النهي عن الشيء أمر بواحد من أضداده) فمثاله قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط". فالإنسان إذا جعل القبلة عن يمينه أثناء قضاء الحاجة فقد اجتنب النهي، وإذا جعلها عن يساره فقد اجتنب النهي أيضا
قال: لماذا كان النهي عن الشيء أمر بضد واحد؟
قلت: لأنك لو تلبست بأي ضد من أضداد النهي انشغلت عن المنهي عنه ولم تكن متلبسا به ولا عاملا به، كما سبق في مثال النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة فلو جعلت القبلة عن يمينك لم تكن مستقبلا لها ولو جعلتها عن يسارك لم تكن مستقبلا لها.
قال: هل أفهم من هذه القاعدة أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده؟
قلت: لا.
قال: ظاهر القاعدة يدل على ذلك فلماذا تنفيه؟
قلت: هل صيغة (افعل) هي نفسها (لا تفعل)؟
فنظر إلىَّ ولم ينطق بشيء.
قلت: هل قولك: (قُمْ) هو نفسه قولك: (لا تقعد).
فتفكَّرَ قليلا وهو ينظر إلىَّ ثم قال: لا.
قلت: إذن فالأمرُ بالشيء ليس عينَ النهي عن ضده.
قال: نعم، ليس عينَه، ولكن لماذا أجدهم كثيرا في كتب الأصول يقولون: الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده؟
قلت: اعلم أن كون (الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده) من المسائل التي فيها النارُ تحت الرماد.
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأنها مبنية على زعم باطل، والمبني على باطل لا شك أنه باطل.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: اعلم (أولا) أن هذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب:
الأول – أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده وهذا قول جمهور المتكلمين.
الثاني – أن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكنه يستلزمه، وهذا أظهر الأقوال؛ لأن قولك: اسكن، يستلزم النهي عن الحركة؛ لأن المأمور به (السكون) لا يمكن وجوده مع التلبس بضده (الحركة)؛ لاستحالة الجمع بين الضدين.
وهذا قول أكثر أصحاب مالك، وإليه رجع القاضي الباقلاني في آخر مصنفاته وكان يقول بالقول الأول.
الثالث – أنه ليس عينه ولا يتضمنه، وهو قول المعتزلة والإبياري من المالكية، وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية
قال: قلتَ: إن هذه المسألة من المسائل التي فيها النار تحت الرماد ولم تبين ذلك.
قلت: لو تركتَني بينتُ.
قال: فبيِّن كيف ذلك.
قلت: قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله -[1]: " الذي يظهر والله أعلم أن قولَ المتكلمين ومَنْ وافقهم من الأصوليين: (أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده) مبنيٌّ على زعمهم الفاسد: أن (الأمر قسمان: نفسي ولفظي) وأن (الأمر النفسي: هو المعنى القائمُ بالذات المجرَّدُ عن الصيغة)
هل فهمت الآن.
قال: لا.
قلت: إنهم يجردون (الأمر) عن الصيغة وينظرون إلى المعنى القائم بالنفس فقولك: (اسكن) معناه الذي في النفس: ترْكُ الحركة، وقولك: (لا تتحرك) معناه الذي في النفس: ترك الحركة.
فالمعنى القائمُ بالنفس واحد
قال: يااااااه، أتعني أنهم يبنون هذا على مسألة عقدية وهي معتقدهم في صفة الكلام بأنه الكلام النفسي؟
قلت:نعم، ولكني لم أقل ذلك من عندي بل نقلته عن الشيخ الشنقيطي رحمه الله
قال: فهلا نقلتَ لي بعض كلامه هنا
قلت:حسنا، سأنقل لك بعض كلامه فبعد أن ذكر ما سبق قال: "ويوضح ذلك: اشتراطهم في كون (الأمر نهيا عن الضد) أن يكون الأمر نفسيا، يعنون الخطاب النفسي المجرد عن الصيغة، وجزم ببناء هذه المسألة على الكلام النفسي صاحب (الضياء اللامع) وغيره، وقد أشار المؤلف إلى هذا بقوله: " من حيث المعنى، وأما الصيغة فلا" ولم ينتبه لأن هذا من المسائل التي فيها النار تحت الرماد؛ لأن أصل هذا الكلام مبنيٌّ على زعم باطل وهو أن كلام الله مجرد المعنى القائم بالذات المجرد عن الحروف والألفاظ لأن هذا القول الباطل يقتضي أن ألفاظ كلمات القرآن بحروفها لم يتكلم بها ربُّ السماوات والأرض، وبطلان ذلك واضح"[2]ا.هـ
______________________________________

[1] مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر 37 للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ط. دار عالم الفوائد
[2] مذكرة أصول الفقه 37.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال: إذن فهذه مسألة عَقَدِيَّة ولا دخل لها في أصول الفقه
قلت: بل لها دخل وينبني عليها أحكام كثيرة
قال: فاضرب لي مثالا واحدا أقيس عليه
قلت: لو قال الرجل لامرأته: (إِنْ خالفْتِ نهيِي فأنت طالق)
ثم قال لها: (قومي)، فقعدت.
وبينا أنا أضرب هذا المثال لصاحبي إذا بي أجدُهُ منتبها جدا وإذا به يقول: نعم، ماذا يكون لو حدث هذا؟
قلت: تُطَلَّقُ ولا تُطَلَّقُ وعلى الراجح تُطَلَّق.
قال: ما هذا؟
قلت: هذا جواب ما ذكرتَ
قال: وكيف ذلك ؟ لم أفهم شيئا، فلو زدته بيانا
قلت: نعم، وقرة عين، بيانه كالآتي:
= أنها تُطَلَّقُ على المذهب الأول القائل بأن: (الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده)
= ولا تُطَلَّقَ على المذهب الثالث القائل بأن: (الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولا يستلزمه)
= تُطَلَّقُ على الراجح على المذهب الثاني القائل بأن: (الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكنه يستلزمه) وإنما قلنا: على الراجح؛ لأنه يتفرع على الخلاف في (لازم القول) هل هو قول أو لا؟ والراجح: أنه قول إذا التزمه قائله، ما عدا كلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فلازمه حق مطلقا
[1].
____________________________________
[1] الشرح الوسيط على الورقات 60 عبد الحميد الرفاعي.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

النهي
قال المصنف رحمه الله


وَالنَّهْيُ: اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ
_________________________________________
(وَ): استئنافية
(النَّهْيُ): مبتدأ
(اسْتِدْعَاءُ): خبر، والاستدعاء معناه: الطلب، أي: طلب الترك
وهو مضاف
(التَّرْكِ): مضاف إليه
(بِالْقَوْلِ): متعلق بمحذوف حال من (استدعاء) أي: حالة كون ذلك الاستدعاء كائنا أو مدلولا عليه بالقول
(مِمَّنْ): مكونة من كلمتين: (مِنْ): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، (مَنْ): اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر، والجار والمجرور متعلق بـ (استدعاء)
(هُوَ): مبتدأ
(دُونَهُ): (دون) ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو متعلق بمحذوف خبر، و(دون) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (مَنْ)
(عَلَى سَبِيلِ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الخبر (استدعاء) أي: حالة كون الاستدعاء على سبيل الوجوب، و(سبيل) مضاف
(الْوُجُوبِ): مضاف إليه
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

المعنى:
هذا تعريف النهي وهو: طلب الترك بالقول ممن هو دونه (أي دون الطالب) على سبيل الحتم والإلزام.
مثال: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]
فهذا طلبُ تركٍ، وهو الخيانة.
والطلب حاصل بواسطة القول.
والمطلوب منه (العبد) أقل رتبة من الطالب؛ إذِ الطالبُ هوالله سبحانه.
والطلب حصل على سبيل الإلزام.
النتيجة: أن هذا الطلب يسمى نهيا[1].
_______________________
[1] شرح الورقات لخالد باحميد الأنصارى 39- 40 ط. دار الاعتصام
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[قال صاحبي]
قال: أرى أن تعريف النهي مشابه لتعريف الأمر
قلت: نعم، ولكن بينهما فرق
قال: وما هو ؟
قلت:الأمر طلب فعل، والنهي طلب ترك
فنظر إليَّ متعجبا كأنه لم يعجبه ما أقول وذلك لظهور هذا الفرق جدا.
فقلت له: والأمر بعد الحظر يرجع إلى ما كان عليه قبل النهي: واجبا أو مندوبا أو مباحا كما سبق، وأما النهي بعد الأمر فليس كذلك بل هو للتحريم فقط ولا يعتبر تقدم الوجوب قرينة دالة على الإباحة، بل الإجماع منقول على أن النهي بعد الوجوب للحظر والتحريم[1].
قال: إذا كان تعريف النهي مشابها لتعريف الأمر فلماذا لم يَذكر في باب النهي من المباحث مثل ما ذكره في باب الأمر مثل الصيغة وغيرها؟
قلت: كأن المصنف يريد أن يشير بذلك إلى أن مباحث النهي هي نفسها مباحث الأمر فمثلا:
= (صيغة الأمر): (افْعَلْ) فيُفْهَم من ذلك
أن (صيغة النهي): (لا تفعلْ).
= (صيغة الأمر): تُحْمَلُ على (الوجوب) في الأصل فيفهم
أن (صيغة النهي): تُحْمَلُ على (التحريم) في الأصل أي: إذا خلت من القرينة كما سبق في الأمر.
= الأمر (لا يقتضي الفور ولا التكرار) فيفهم
أن النهي (يقتضي الفور والدوام)
وهكذا[2].
قال: فقوله في التعريف: "على سبيل الوجوب" معناه وجوب الترك
قلت: نعم.
قال: وذكر هذا القيد لإخراج (الكراهة) لأنها ليست على سبيل وجوب الترك
قلت له: نعم، أحسنت.
قال:ولكني لا أدري كيف أفرق بين الكراهة والتحريم إذا كانت الصيغة واحدة.
________________________________________________
[1] فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/ 426، ومقدمة محقق كتاب ( تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد) 162.
[2] شرح الورقات لخالد الأنصاري 40.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قلت: سبحان الله، لقد ذكرتَ أنت هذا الآن وهو: إن كان على سبيل وجوب الترك أو لا؟
قال: أنا أعلم هذا، ولكني أسأل: كيف أعرف أن صيغة النهي هذه المراد منها وجوب الترك أو أنها ليست على سبيل وجوب الترك.
قلت: بالدليل والقرينة كما سبق في مباحث الأمر.
قال: فاضرب لي مثالا على الكراهة أو مثالين.
قلت: مثال الكراهة:
= أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المشي بنعلٍ واحدة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا»[1]،
فحمل العلماء هذا النهيَ على الكراهة فمن ذلك مثلا قول ابن حبان بعد أن روى هذا الحديث: "قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوِ انْعَلْهُمَا جَمِيعًا» أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ، قَصَدَ بِهِمَا الزَّجْرَ عَنِ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ خُفٍّ واحدة"[2].


= مثال آخر: أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ»[3]
فحمل كثير من العلماء النهي عن مس الذكر باليمين على الكراهة لا التحريم.
قال صاحبي: لم أفهم أيضا لماذا حملوا النهي في الحديثين على الكراهة دون التحريم؟
قلت: لأنه في باب الآداب، والعلماء يعتبرون أن النواهي والأوامر إذا قصد بها التجمل وحسن الأدب فالأمر يحمل على الندب، والنهي يحمل على الكراهة ولا يحملان على الوجوب والتحريم[4].
وأيضا فقد قال صلى الله عليه وسلم لطلق بن على حين سأله عن مس ذكره: "إنما هو بضعة منك."[5]
__________________________________________________
[1] صحيح: رواه البخاري (5856) ومسلم (2097)
[2] التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان للألباني 8/ 82.
[3] صحيح رواه البخاري (153، 154، 5630)، ومسلم (267)
[4] تهذيب شروح الورقات 37 عياض بن نامي السلمي.
[5] حسن أو صحيح كما قال الحافظ في الفتح (1/ 306) ت. عبد القادر شيبة الحمد.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال المصنف:
وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
_____________________
(وَ): استئنافية
(يَدُلُّ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على (النهي)
(عَلَى فَسَادِ): متعلق بـ (يدل)، و(فساد) مضاف
(الْمَنْهِيِّ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
(عَنْهُ): متعلق بـ (المنهي)


المعنى:
النهي يقتضي الفساد
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

[قال صاحبي]


قال: يقولون هذه المسألة من مسائل الأصول العظيمة حتى أفردها بعضهم بتأليف مستقل
قلت: نعم هي كذلك، ومن أجمعها كتاب الحافظ العلائي واسم كتابه (تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد)
قال: فقد أوجزتَ جدا في ذكر المعنى ؟!
قلت: نعم فعلتُ؛ لِأُبَيِّنُهَا هنا على وجهها
قال:فهات
قلت: قد علمت أن الحكم الشرعي ينقسم إلى حكم تكليفي وحكم وضعي
قال: نعم
قلت: والنهي يقتضي حكما شرعيا بالنسبة إلى كل واحد منهما
قال: كيف ذلك؟
قلت: مقتضى النهي التكليفي: (التحريم) على الراجح وقد يقتضي (الكراهة)؛ فمن ثَمَّ يقال: (النهي يقتضي التحريم)
ومقتضى النهي الوضعي: (الفساد)؛ فلذا يقال: (النهي يقتضي الفساد)
قال: أحسنت، ولكنك لم تُفَصِّلْ هذه المسألة
قلت: نعم، وهاك هو:
هل تعلم ما هو عين الشيء؟ وما ركنه؟ وما شرطه؟ وما وصفه الملازم؟ وما وصفه المنفرد؟ وما هو الفساد؟
قال: وما علاقة هذا بما نحن فيه؟
قلت: ما سبق هو طريق فهم هذه المسألة الصعبة
قال: فما عين الشيء؟
قلت: ذاتُـــه
قال:يا سلَام! أتحسبني أجهل هذا؟! أم تحسبُ أن هذا يحتاج إلى سؤال؟
قلت: إن لم يَـحْتَجْ إلى سؤال فربما يحتاج إلى مثال
قال: نعم، ربما يحتاج لمثال، المثال مهم للتوضيح، لا بأس بالمثال، فكيف توضح عين الشيء بالمثال؟
قلت: اعلم أن النهي إذا كان عن الشيء غير مقيدٍ بصفة فهو النهي عن (عين الشيء) أو (ذات الشيء)
مثاله: قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ} [لقمان: 13] فهذا نهيٌ عن الشرك عينِه، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَا} [الإسراء: 32] فهذا نهي عن الزنا نفسِه غير مقيد بوصف آخر.
قال: قد علمت هذا، فأخبرني ما ركنُ الشيء؟
قلت: ركن الشيء هو جزءُ ماهيته
قال: فما معنى ماهية الشيء؟
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قلت: ماهية الشيء: ما يصلح جوابا لسؤال (ما هو؟)
قال: مثل ماذا؟
قلت: مثل أن يسألك سائل: (ما هو البيع)؟ فتجيبه بأن البيع عبارة عن:
- بائع معه سلعة يبيعها
- ومشترٍ يريد أن يشتريَ هذه السلعة
- وصيغةٍ يقول المشترى للبائع: بعني هذه السلعة فيقول البائع: بعتك مثلا،
- وثمن للسلعة​
فهذا هو البيع وما ذكرتُهُ هنا هو أركانه. فإذا جاء نهي عن ركن من أركان هذا البيع دل على فساد هذا البيع فمثلا لو كانت السلعة كلبا أو خنزيرا أو ميتة أو دما أو وثنًا أونحو ذلك فَسَدَ البيع لأنه قد تَوَجَّهَ النهيُ إلى ركن البيع فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وأجرة البغِيِّ وحُلوان الكاهنِ، فإذا أراد إنسان أن يبيع كلبا قلنا له لا يجوز بيعَ الكلب، فإن قال: فما دليلكم على هذا؟ قلنا: ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وهذا النهي نهيٌ عن ركن الشيء والنهي يقتضي الفساد فدل على أن هذا البيع فاسد
قال: فهمت هذه أيضا، فما شرط الشيء؟
قلت: سبق بيانه وأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته كالوضوء فإن عدمه يلزم منه عدم الصلاة وأما وجوده فلا يلزم منه وجود الصلاة أو عدمها لذاته بل وجود الصلاة يلزم بدخول وقتها لا بالوضوء.
قال: فما وصف الشيء الملازم ووصفه غير الملازم أو وصفه المنفصل؟
قلت: الوصف الملازم هو: الذي لا ينفك عن الشيء.
والوصف المنفصل هو: الذي يتصف به الشيء في وقت دون وقت.
قال: فما مثال ذلك؟
قلت: مثاله قولك: زيد طويل فالطول وصف ملازم لا يكون في وقت دون وقت فلا يكون طويلا في النهار قصيرا في الليل، ولا طويلا في الصيف قصيرا في الشتاء وهكذا، فهذا وصف ملازم.
وأما الوصف غير الملازم (المنفصل) فهو ما يَعْرِضُ للشيء في وقت دون وقت وذلك كقولك: رأيت رجلا ضاحكا، فالضحك وصف غير ملازم فلا يمكن أن يوجد إنسان ضاحك في الليل والنهار وأثناء نومه ويقظته وفي حله وترحاله وفي صلاته وخارجها وهذا ظاهر والله أعلم
وأما الفساد والبطلان فقد مضى بيانهما وأن الفساد في العبادة معناه عدم الاعتداد بها وعدم براءة الذمة ووجوب القضاء، وفي العقود عدم النفوذ وعدم ترتب آثاره عليه من نقل ملكية ونحوها.
إذا علمت ما سبق عرفت هذه المسألة على وجهها فاعلم أن النهي يقتضي الفساد إذا توجه إلى:
= ذات الشيء (عينِه)
= أو ركنِه
= أو شرطِهِ
= أو وصفِهِ الملازم​
أما إذا توجه النهيُ إلى وصفِ الشيء غير الملازم فإنه لا يقتضي الفساد.
لكن العلماء عند تطبيق هذه القاعدة يختلفون في الوصف هل هو وصف ملازم أو منفصل؟ كالصلاة في الأرض المغصوبة مثلا فالحنابلة يقولون: إن هذا وصف ملازم لأنه يشغل هذه الأرض المغصوبة بالقيام والركوع والسجود ... الخ فهذا وصف ملازم لا ينفك فالصلاة عندهم باطلة لأن النهي يقتضي الفساد إذا كان لوصف الشيء الملازم، وأما الشافعية فإنهم يقولون: إن هذا وصف منفصل فإن الصلاة شيء والأرض المغصوبة شيء آخر خارج عن ماهية الصلاة فالصلاة صحيحة تسقط عنه الفرض وتبرأ بها ذمته لكنه غير مثاب عليها.
قلت: ومما يدل على أن هذا وصف منفصل تَصَوُّرُ أن هذه الأرض المغصوبة بجوار أرضه التي يملكها ملكا شرعيا فأوقع بعض الصلاة في المغصوبة ثم خطا خطوة واحدة فأصبح في أرضه الشرعية فأوقع فيها باقي الصلاة فهنا قد انفصل الوصف (الصلاة في الأرض المغصوبة) في صلاة واحدة فهذا يدل على أن هذا الوصف وصف منفصل غير ملازم، والله أعلم.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قال المصنف:
وَتَرِدُ صِيغَةُ الْأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ: الْإِبَاحَةُ، أَوِالتَّهْدِيدُ، أَوِالتَّسْوِيَةُ، أَوِالتَّكْوِينُ
___________________________________
(وَ): استئنافية
(تَرِدُ): فعل مضارع مرفوع
(صِيغَةُ): فاعل، ومضاف
(الْأَمْرِ): مضاف إليه
(وَ): واو الحال
(الْمُرَادُ): مبتدأ
(بِهِ): الجار والمجرور متعلق بـ (المراد)
(الْإِبَاحَةُ): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل نصب حال من (الأمر) أي ترد صيغة الأمر في هذه الحال أي مرادا به الإباحة أو ...الخ
(أَوِ): عاطفة
(التَّهْدِيدُ): معطوف على الإباحة
(أَوِ): عاطفة
(التَّسْوِيَةُ): معطوف على التهديد
(أَوِ): عاطفة
(التَّكْوِينُ): معطوف على التسوية
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

جزاك الله خيرا أخي الكريم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

المعنى:
تأتي صيغة الأمر: (افعل وما شابهها) لغير الوجوب فقد يراد بها الإباحة أو التهديد أو غير ذلك
_______________________________________________
قال صاحبي
قال: على أي شيء يعود الضمير في قوله: (والمراد به الإباحة...الخ)؟
قلت: على الأمر في قوله: (وترد صيغة الأمر)
قال: أليس الأمر هو الطلب؟
قلت: بلى، طلبُ الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب
قال: والطلب بالقول يعني الصيغة؟
قلت: نعم
قال: فالطلب شيء والصيغة التي تدل عليه شيء آخر؟
قلت: نعم
قال: فالذي يُعقل أن الصيغة هي التي يمكن أن يراد بها المعاني المذكورة: (الإباحة والتهديد ...الخ) وأما نفس الطلب (الأمر) فلا يعقل أن يراد به ذلك
قلت: ولِمَ ؟
قال:لأن هذه المعاني المذكورة ليس فيها طلب
قلت: نعم، أحسنت
قال: فكان الصواب أن يقول: (وترد صيغة الأمر والمراد بها) حتى يعود الضمير على (الصيغة) لا على (الأمر)
قلت: لو قال ذلك لكان جائزا
قال: فقوله (والمراد به) خطأ، والصواب (والمراد بها)
قلت: لقد قلتُ لك فيما سبق: إن خطأ شيخك أولى من صواب نفسك، فانظر أولا في توجيه كلام الإمام هل تجد له وجها صحيحا وإلا فقل: لعل له وجها وأنت جهول.
قال: فما توجيهه؟
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,458
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات

قلت: يحتمل ثلاثة أوجه:
الأول - أن في الكلام استخداما
الثاني - أن الإضافة في قوله: (صيغة الأمر) بيانية
الثالث - أن الضمير يعود على (صيغة) وإن كان مذكرا
فنظر إليَّ نظر المستفهم الذي طرق سمعَهُ كلامٌ غريب لا يعرف معناه وقال: ماذا؟
قلت له: جوابه ما سمعت، أي أن توجيه كلام الإمام هو ما سمعتَ.
قال: لم أفهم شيئا
قلت له: إذا لم تعرف معنى (الاستخدام) و(الإضافة البيانية) فكيف تعترض على الإمام وتُخَطِّئه؟!
فأطرق خجلا ثمقال: ففسِّرْ لي ما سبق
قلت له: حتى تعتذر
قال: أنا آسف
فضحكتُ ثم قلت: لا أريدك أن تعتذر لي بل للإمام
فقال: أنا آسف يا إمام
فازددت ضحكا على ضحك حتى كدت أستلقي على ظهري ثم قلت له: يا هذا وهل الإمام بيننا حتى تُوَجِّهَ الخطاب إليه؟!
فقال: لقد حيرتني فماذا تريد؟
قلت: أريدك أن تعتذر للإمام
قال: كيف؟
قلت: هذه التي أردتُ، لو قلتَها أولا لأرحتنا
قال: فكيف تريدني أن أعتذر لهذا الإمام وهو ميتٌ؟
قلت: أن تدعوَ الله له بالرحمة والمغفرة
قال: هكذا ينبغي أن نفعل بعلمائنا، فرحمه الله وغفر له
قلت: أما الاستخدام في الاصطلاح: فهو أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به أحد معانيه، ثم يؤتى بضمير مرادا به المعنى الآخر، (وفيه كلام آخر)
قال:مثل ماذا ؟
قلت: مثل قول معاوية بن مالك:
إذا نزل السماءُ بأرض قومٍ *** رعيناه وإن كانوا غضابا​
أراد بـ (السماء) المطر، وبالضمير الراجع عليه من (رعيناه) النبت؛ إذ إنهم لا يرعون المطر وإنما يرعون النبات.
وما هنا كذلك تقدم لفظ (الأمر) بمعنى الطلب في قوله: (وترد صيغة الأمر) ثم أعاد عليه الضمير بمعنى الصيغة في قوله: (والمراد به الإباحة ...الخ) فهذا من باب (الاستخدام) كما تقدم
قال:ولكن الأمر ليس من معانيه (الصيغة)
قلت: وهل (السماء) من معانيها النبات؟! وإنما المراد أن (الأمر) يستخدم أحيانا مرادًا به الصيغة لأنها تدل عليه
قال: فهذا الاستخدام فماذا عن (الإضافة البيانية)
قلت: ضابطها: أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف فإذا قلت: (سوق زيد) لم تكن الإضافة بيانية إذ لا يصح أن تقول: (السوق زيد) أو (السوق هو زيد) فتجعل المضاف إليه خبرا عن المضاف، أما إذا قلت: (دين الإسلام) مثلا فيصح أن تقول: (دين هو الإسلام) فتخبر عن المضاف بالمضاف إليه فلهذا نقول الإضافة في (دين الإسلام) بيانية وكذلك ما هنا (صيغة الأمر) يصح أن تقول: (صيغة هي الأمر) فتجعل المضاف إليه (الأمر) خبرا عن المضاف (صيغة) والمعنى صحيح على ذلك.
قال: فقد ذكرت أن الضمير في (به) وهو مذكر يجوز أن يعود على (صيغة) وهي مؤنث، فكيف ذلك؟
قلت: يجوز ذلك لجواز تذكير المضاف (صيغة) لتذكير المضاف إليه (الأمر) أي أن المضاف يجوز أن يكتسب التذكير من المضاف إليه.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قلت: نعم، قال الشاعر:
رُؤْيَةُ الْفِكْرِ ما يَؤُولُ لَهُ الْأَمْرُ *** مُعِينٌ عَلَى اجْتِنَابِ التَّوَانِي​
المعنى: رؤية الفكر عواقبَ الأمور ومصائرَها كل ذلك يعين على العمل ويصرف عن الكسل.
الشاهد: أن لفظ (مُعِين) مذكر وقد وقع خبرا للمبتدإ (رؤية) وهي مؤنث، والذي سهَّل ذلك هو إضافة (رؤية) إلى اسم مذكر هو (الفكر) فاكتسب منه التذكير
قلت: ولكن هذا النوع قليل في كلامهم وعكسه (أي اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه) أكثر منه، والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
أعلى