العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

ام سلمة

:: متفاعل ::
إنضم
21 نوفمبر 2012
المشاركات
419
الكنية
ام سلمة
التخصص
ليس بعد
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
اهل السنة والجماعة
السلام عليكم
اخت أبوها مدمن خمر ولمامرض استغلت الفرصة ومنعت عنه الخمر لكن مرضه زاد بسبب قطع الخمر عنه
وهو الان في حالة خطرة والطبيب هو من أخبرها بذلك ، هل تعطيه الخمر أم ماذا تفعل ؟
اجيبونى فضلا لأن الأمر مستعجل جدا جزاكم الله خيرا
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

ام سلمة

:: متفاعل ::
إنضم
21 نوفمبر 2012
المشاركات
419
الكنية
ام سلمة
التخصص
ليس بعد
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
اهل السنة والجماعة
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

توفى الرجل واااااأسفاه بمرض سرطان الرئتين
وذكروا ان الخمر كان سببا في مرضه نسأل الله السلامة والعافية ، اليوم جنازته
نسأل الله أن يغفر له ويتجاوز عنه و أن يرحمه إنه هو الغفور الرحيم
اللهم آمين ...آمين ...آمين
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

نسأل الله أن يرحمه ويغفر له خطاياه إنه أرحم الراحمين.

أرجو من ابنته أن تكثر له بالدعاء بالمغفرة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. صحيح مسلم
 
التعديل الأخير:

ام سلمة

:: متفاعل ::
إنضم
21 نوفمبر 2012
المشاركات
419
الكنية
ام سلمة
التخصص
ليس بعد
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
اهل السنة والجماعة
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

جزاكم الله خيرا
سأبلغها ان شاء الله
كانت تريد اصلاح أبيها لكن سبقها الموت ،قدرالله وماشاء فعل
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

جزاكم الله خيرا
سأبلغها ان شاء الله
كانت تريد اصلاح أبيها لكن سبقها الموت ،قدرالله وماشاء فعل

ما ذهب عملها هباء إن شاء الله فلعل كل قارئ لهذا الموضوع يدعو لأبيها بالمغفرة
 

ام سلمة

:: متفاعل ::
إنضم
21 نوفمبر 2012
المشاركات
419
الكنية
ام سلمة
التخصص
ليس بعد
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
اهل السنة والجماعة
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

ما ذهب عملها هباء إن شاء الله فلعل كل قارئ لهذا الموضوع يدعو لأبيها بالمغفرة
أتمنى ذلك
اليوم حضر أهله من فرنسا وكانوا حوله يبكون وهو في حال أخرى وعالم آخر
رحمه الله وغفر له

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

توفى الرجل واااااأسفاه بمرض سرطان الرئتين
وذكروا ان الخمر كان سببا في مرضه نسأل الله السلامة والعافية ، اليوم جنازته
نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويتجاوز عنه
وأن يعين ابنته على مصابها
 

محمد أحمد سيد

:: متابع ::
إنضم
7 يونيو 2011
المشاركات
36
التخصص
اللغة
المدينة
كيفة
المذهب الفقهي
مالكي المذهب
رد: افتونى في هذه المسألة المستعجلة بارك الله فيكم

رد: افتونى في هذه المسألة المستعجلة بارك الله فيكم

لا قياس على الصلاة في هذا الموضع فهذا قياس مع فارق : القدرة و عدم وجود الضرر.

عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي من رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم: أخبر بذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم. حسنه الألباني ، سنن أبي داود و مسند الإمام أحمد.

أما قولهم أن الأحاديث تمنع شرب الخمر البتة فهذا غير صحيح إذ الحديث فيه نهي عن صناعة الدواء بها و ليس فيه منع شربها عند الضرورة فالحديث عام تخصصه نصوص كثيرة منها لبس الحرير و اتخاذ الأنف من الذهب.

قال الإمام ابن حزم : بل أصحابنا والمالكيون يبيحون للمختنق شرب الخمر إذا لم يجد ما يسيغ أكله به غيرها ، والحنفيون والشافعيون يبيحونها عند شدة العطش . وأما حديث الدواء الخبيث فنعم وما أباحه الله تعالى عند الضرورة فليس في تلك الحال خبيثا ، بل هو حلال طيب ؛ لأن الحلال ليس خبيثا ، فصح أن الدواء الخبيث هو القتال المخوف ، على أن يونس بن أبي إسحاق الذي انفرد به ليس بالقوي اهــ

أما عن سؤال أختنا الكريمة ( و وددت أن لا أتكلم فيه لولا بعض الأجوبة هنا الذي قد تؤدي بالرجل إلى الهلاك) فالأمر يعود للطبيب فحفظ النفس مقدم على حفظ الدين في هذا الموضع ثم شرب الخمر مباح عند خوف الهلاك فليرجع لهذه المسألة لعدد من الأطبة الثقات و لا يكتفى بواحد وليسأل أكثر من طبيب هل يمكن تعويض الخمر بدواء أخف كي يزال عنه الضرر فإن كان ولابد منها لكي لا يهلك فليسأل عن أقل مقدار وأقل كمية يومية كي لا يهلك و كيفية التدرج كي يقلع هذا الرجل عليها وهل يمكن خلطها بالماء حتى لا تذهب عقله و هلم جرا حتى يكتفى منها بما يحفظ نفس الرجل على أن ينصح و يذكر بعذاب الله و أن يذكر بما هو فيه هداه الله وهدانا أجمعين إلى صراطه المستقيم والله أعلم.
لا شك أن ما ذهب إليه الأستاذ عبد الحكيم مرجوح

 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

قال الله عز وجل : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( 106 ) )
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

إضافة أن إعطاء الخمر لمدمنها من باب درء مهلكة وهم، وتأخير مهلكة لأن شرب الخمر هو مهلكة حتمية في كل الأحوال ..
التدرج في الإيقاف وسلية ناجعة في العلاج وليس وهماً
وكل مدمن على أمر لا يمنع منه مرة واحدة منه وإنما تدريجياً وهذا أمر متفق عليه بين الأطباء
والتجربة خير دليل



ولكن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس
وهذه مسألة خلافية بين العلماء
وما ذكر شيخنا عبد الحكيم دليل على العكس
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

من موقع إسلام ويب :

السؤال
هل حفظ النفس مقدم على حفظ الدين في ما يحدث الآن في مصر؟ وذلك لاعتراض بعض الأشخاص لذوي اللحى والاشتباك معهم, ويمكن أن يصل إلى قتلهم، أو اعتراضهم بالسب, والإهانة اللفظية، أو الاعتراض لهم بالإشارات غير الأخلاقية, وهل يمكن حلق اللحية لاجتناب هذا الأذى - جزاكم الله خيرًا -؟


الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدين والنفس كلاهما من الضروريات أو الكليات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية وأصحاب العقول السليمة على صيانتها، وقد سبق لنا ذكر هذه الخمس وبيان ترتيبها، في الفتويين: 169691، 49522.
ومنها يعرف أن حفظ الدين مقدم على ما عداه من حيث الجملة؛ ولذلك شُرع الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وإن كان مظنة لتلف النفوس والأموال!

وأما من حيث التفصيل، فهناك فروع لا يمكن ضبطها تحت قاعدة واحدة مطردة، وهذا التفاوت يمكن ملاحظته بالنظر في أحكام الإكراه, ومراعاة حال الضرورة، كجواز النطق بكلمة الكفر حال الإكراه، وجواز تناول المحرمات في حال الاضطرار، قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106] وقال سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

وأما بالنسبة للحال التي ذكرها السائل: فإن كان ذلك على سبيل الظلم والعدوان فإنه يدخل في حكم دفع الصائل، وقد سبق لنا تفصيله وبيان مراتبه في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 17038، 80226، 80226.
وأما حلق اللحية فلا يجوز إلا لضرورة لا تندفع إلا بذلك، فإذا كان الضرر معنويًا - كالاستهزاء, والسخرية - أو كان الضرر شاًّقا, ولكنه متوهم لا يغلب على الظن وقوعه، فلا يجوز حلقها لأجل ذلك, فالضرر المعتبر هو ما كان مجحفًا ومحققًا, أو غالًبا، وراجع الفتوى رقم: 121353.
والله أعلم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=221650

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الخمسة المذكورة هي المعروفة عند العلماء بالضروريات الخمس، وهي التي أتت الشريعة ـ بل جميع الشرائع ـ برعايتها والمحافظة عليها، وقد علمت رعاية الشرع لهذه الضروريات من مجموع نصوص الشريعة، قال الشاطبي مبينا هذه الضروريات ووجه الاستدلال عليها: فَقَدَ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ ـ بَلْ سَائِرُ الْمِلَلِ ـ عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ وُضِعَتْ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ، وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ ـ وَعِلْمُهَا عِنْدَ الْأُمَّةِ كَالضَّرُورِيِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَنَا ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا شَهِدَ لَنَا أَصْلٌ مُعَيَّنٌ يَمْتَازُ بِرُجُوعِهَا إِلَيْهِ، بَلْ عُلمت مُلَاءَمَتُهَا لِلشَّرِيعَةِ بِمَجْمُوعِ أَدِلَّةٍ لَا تَنْحَصِرُ فِي بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَوِ اسْتَنَدَتْ إِلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَوَجَبَ عَادَةً تَعْيِينُهُ. انتهى.
وإنما يمثل لهذه الضروريات ورعاية الشرع لها بما شرعه الله تعالى من الأحكام، قال الشيخ الجديع: مثالُها في حفظِ الضَّروراتِ الخمسِ: الدِّينِ، والنَّفسِ، والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ، أنْ شرعَ الجهَادَ وقتلَ المرتدِّ لحفظِ الدِّينِ، والقصاصَ لحفظِ النَّفسِ، وحدَّ السَّرقةِ لحفظِ المالِ، وحدَّ الزِّنا والقذْفِ لحفظِ العِرضِ، وحدَّ الشُّربِ لحفظِ العقلِ. انتهى.
وأما الترتيب بين هذه الضروريات: فبحث طويل الذيل جدا، وللعلماء فيه تفاصيل يطول استقصاؤها، لكن الأكثر على أنه يقدم حفظ الدين على ما عداه، ولا شك في أن حفظ أصل الدين مقدم على ما عداه كما أطال الشاطبي في تقريره في الموافقات: ثم حفظ النفس ثم العرض ثم المال ثم العقل، قال ابن أمير حاج: وَيُقَدَّمُ حِفْظُ الدِّينِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى مَا عَدَاهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ { الذاريات: 56} وَغَيْرُهُ مَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ؛ وَلِأَنَّ ثَمَرَتَهُ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ نَيْلُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ يُقَدَّمُ حِفْظُ النَّفْسِ عَلَى حِفْظِ النَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ، لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِبَادَاتِ وَحُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ حِفْظُ النَّسَبِ عَلَى الْبَاقِيَيْنِ، لِأَنَّهُ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْوَلَدِ، إذْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ النَّسَبِ فَيُنْسَبُ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا أُهْمِلَ فَتَفُوتُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا، ثُمَّ يُقَدِّمُ حِفْظَ الْعَقْلِ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ بِفَوَاتِهِ حَتَّى أَنَّ الْإِنْسَانَ بِفَوَاتِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِ النَّفْسِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ، قُلْت وَلَا يَعْرَى كَوْنُ بَعْضِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مُفِيدَةً لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنْ تَأَمُّلٍ ثُمَّ حِفْظُ الْمَالِ. انتهى.
وهذا لا يطرد، بل ليس للترتيب بين هذه الضرورات قاعدة ثابتة، فإن درجات الضروري متفاوتة كما يعرف بالنظر في أحكام الإكراه، وقد بين الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع هذا المعنى بيانا حسنا فقال ما عبارته: والضَّروراتُ الخمسُ متَفاوِتَةٌ فيما بينهَا في قوَّةِ الضَّرورَةِ، فحفظُ الدِّين يُسترخصُ لأجلِهِ النَّفسُ والمالُ، وحفظُ النَّفسِ مُقدَّمٌ على حفظِ المالِ، فإنَّها تُفتَدَى بالمالِ والمالُ يُمكنُ استِدراكُ ما يفوتُ منهُ بخلافِ النَّفسِ، وحفظُ العِرضِ بالعِفَّةِ من الزِّنا يُفتَدى بالمالِ، بلْ بالنَّفسِ، وحفظُ العقلِ يُغتفرُ فيهِ ما لا يُغْتفرُ في غيرِهِ من الضَّروريَّاتِ بالعُذرِ، ودرجاتُ ذلكَ مُتفاوتَةٌ باعتباراتٍ تُدركُ من أحكامِ الإكراهِ، وحالِ الضَّرورَةِ والتَّحقيقُ أنَّ ترتيبَ الضَّروريَّاتِ ليسَ لهُ قانونٌ واضحٌ يُعوَّلُ عليهِ، وهيَ كما أشرْتُ تتفاوتُ باعتبارَاتِ، فلذَا لا يندرجُ ترتيبُها ضمنَ أُصولِ المقاصِدِ، وإنَّما التَّرتيبُ صحيحٌ في ترتيبِ المصالحِ من حيث الجملة. انتهى.
والله أعلم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=169691






 
التعديل الأخير:
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

هذه الأدلة لا تنطبق على حالة على شارب الخمر فأي قلب معمر بالإيمان عند شارب الخمر ذاهب العقل؟! ..
والسنة في غير موضع لم ترخص ضرورة التداوي بمحرم، أي المشرع صلى الله عليه وآله وسلم، أخرجها عند دائرة الرخصة بالضرورة ..
عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله اهــ صحيح البخاري.

ما أدراك لعله ندم ندمة عند موته وتاب توبة غفر الله له بها ذنبه ثم ما دمت ترى أن قلبه فارغ من الإيمان فلما تريده أن يموت على شر مثل هذا أوليس في حفظ نفسه، رجاء له أن يعود إلى الطريق السوي.

و الخمر حرمت لأنها تنهى عن ذكر الله أما حال هذا المريض فموته فيه نهاية لعمله ورجاء توبته و رجوعه إلى ذكر الله فبقولك تكون قد عدت على مقصد نص تحريم الخمر بالبطلان.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَتْ : قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُصْبِحْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبَةً ، فَإِنْ أَصْبَحَتْ ذَهَبَةً اتَّبَعْنَاكَ ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا قُلْتَ . كَمَا قُلْتَ : فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَتْ لَهُمْ هَذِهِ الصَّفَا ذَهَبَةً ، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، وَإِنْ شِئْتَ ، فَتَحْنَا لَهُمْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ . قَالَ : " يَا رَبِّ ، لَا ، بَلْ افْتَحْ لَهُمْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ " .

فما هو أكبر ترك الكفار على كفرهم رجاء توبتهم أو أن تسقي هذا الرجل خمرا فتحفظ نفسه رجاء أن يتوب ؟

قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين :
فإنكار المنكر أربع درجات ؛ الأولى : أن يزول ويخلفه ضده ، الثانية : أن يقل وإن لم يزل بجملته ، الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله ، الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه ؛ فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة ؛ فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك ، وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك ، وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى ، وهذا باب واسع ؛ وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم . اهــ

إنما في سقاية هذا الرجل خمرا حفظ لدينه لا العكس ذلك أن في حفظ نفسه رجاء لترك باب التوبة مفتوحا له فلعله بذلك يعود للطريق السوي فنكون بذلك حفظنا له دينه.

سئل ابن حجر أيضا عمن ابتلي بأكل نحو الأفيون وصار إن لم يأكل منه هلك، هل يباح له حينئذ أكله أم لا؟ فأجاب: إذا علم علما قطعيا بقول الأطباء أو التجربة الصحيحة الصادقة أنه لا دافع لخشية هلاكه إلا أكله من نحو الأفيون القدر الذي اعتاده أو قريبا منه حل له أكله بل وجب عليه؛ لأنه مضطر إليه في بقاء روحه فهو حينئذ كالميتة في حق المضطر إليها بخصوصها. اهــ (الفتاوى الفقهية الكبرى)

قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي في (شرح زاد المستقنع): لو كانت السمومات هذه يضطر إليها أو يحتاج إليها في العلاج أو يحتاج إليها في الاستدراج كما في السموم الموجودة في المخدرات في بعض الأحيان في علاج الإدمان قد يعطى جرعات من المخدر حتى يألف ترك المخدر، فهذه المسألة تكلم عليها المتأخرون من الفقهاء ولم يتكلم عليها المتقدمون، ولذلك يعتبرونها من النوازل، رخص فيها بعض الفقهاء رحمهم الله، وحكي في مذهب مالك رحمه الله من متأخري المالكية من أجاز مثل هذا أنه يعطى الجرعات تدريجياً حتى تقوى نفسه على الترك. وأصول الشريعة تقتضي المخاطبة بالترك كلياً، ولو حصل ما حصل فما حصل له قد يكون له سبباً في كفارة الذنب والإثم عليه، ولكن هذا وجه ذكره العلماء رحمهم الله وهو مبني على مسألة الانتفاع بالسم. اهـ. http://fatwa.islamweb.net/fatwa/printfatwa.php?Id=130500&lang=A

و الله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

السلام عليكم

بارك الله في الجميع وجزاكم الله خيرًا، وغفر الله لوالد الأخت ورحمه.

،،

عندي تعليق:
من ناحية أخرى فإن أهمية الضرورارت الخمسة وفق المصلحة بترتيب الأهمية، هي:
حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال ..
وذلك وفق تقعيد الفقيه الأصولي الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" [ج2/ص: 482] ..
ورتبها الإمام الشاطبي في "الموافقات" [ج2/ص: 17]، على الشكل التالي: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ النسل، حفظ المال، حفظ العقل ..
ولا أعرف من العلماء أحد قدم مصلحة ضرورية من هذه الضرورات على حفظ الدين! ..
أولاً: كلامك يصح _على تفصيل_ إذا كان ما يرتكبه الشخص فعلٌ مُكفِّر، بخلاف المعصية أو حتى الكبيرة (كشرب الخمر مثلاً).

ثانيًا: يعارض ما تفضلت به من إطلاق أمرين؛
1- اعتبار الإكراه (المُلجئ).. فقد اتّفق الفقهاء على اعتبار الإكراه الملجئ -يعني كونه من عوارض الأهلية- ولو استدعى من الشخص الكفر! ولهم في ذلك أدلة كثيرة [خاصة الحنفية ولهم فيه تفصيل حسن].
2- اعتبار الضرورة.. وما ورد في ذلك من قواعد فقهيّة، كقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) [بشرط عدم نقصانها عنها]، وقاعدة (الضرر يزال)، وقاعدة (الضرر لا يزال بالضرر) [ومعناها: أن الضرر لا يزال بمثله ولا بأكثر منه بالأولى، بل يشترط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن، وإلا فبالأخف منه]، قاعدة (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)، وقاعدة (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها)، وغيرها من القواعد المقررة لدى الفقهاء في هذا الباب.

هذا، والله أعلم.
 

سنوسي علي سعيد

:: متابع ::
إنضم
4 مايو 2011
المشاركات
9
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
تيارت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: افتونى في هذه المسألة المستعجلة بارك الله فيكم

رد: افتونى في هذه المسألة المستعجلة بارك الله فيكم

السلام عليكم
إن المسألة تحتاج إلى نوع من التروي والتدقيق قبل المسارعة في الفتوى وإنزال الحكم الشرعي عليها ، إنها مسألة تتأرجح بين أسبقية مقصد حفظ النفس ومقصد حفظ العقل ، وأيهما يُقدم عند التعارض وتصادم المقصدين ، وفتاوى العلماء والمحققين من أهل العلم كثيرة فيما شابه هذه المسالة
فأرجو من أهل النظر الثاقب والعلم الشرعي التعرض لمثل هذه القضايا لإزالة اللبس عنها وتحيق مناطات هذه القضايا، لأنها اصبحت تفرض نفسها، ولم تعد الفتاوى الكلاسيكية في كتب المتقدمين تستوعب ما يحدث في عصرنا ..... والله تعالى أعلى وأعلم / ع السنوسي- الجزائر
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

أخي/ حسام الدين بن رامي السعراتي

الفاضل عبد الحميد:

...
أي: أن درء المفسدة هنا مقدم على جلب المصلحة ..
*اسمه: "عبدالحكيم".
_أقول: فلماذا لم تنظر إلى الأمر من ناحية أخرى؟! لماذا لا نقول بأنه بذلك لم يدرء المفسدة ليجلب المصلحة، وإنما فعل العكس! .. على افتراض أن درء المفسدة: (الهلاك والموت!)، وأن جلب المصلحة: (إقلاعه عن شرب الخمر وإدمانه).
قلتُ: الحاصل أن هذه القاعدة فيها تفصيل ولها ضوابط وتنزيلها بهذا الشكل لا يسلم (من وجهة نظري على الأقل!).

الفاضل عمرو:
لن أخوض معك في دقائق مفعلات الاعتبار المعتبرة في حالة الاكراه والضرورة ..
ولكن هل ما نتناوله الآن يوازي إكراه من ظالم كاعتبار ملجئ، أو يوازي ضرورة مخمصة كاعتبار بالضرورة؟ ..
أي هي ضرورة غريزية كالحاجة للطعام لا يمكن الاستغناء عنها، أم هي ضرورة محدثة عرضية، تعارض الفطرة الإنسانية السليمة؟ ..
وهل يكفي لتلبيتها تلبية الحاجة بها مرة، أم مرات قد لا يعرف عددها، وقد يموت من يحتاج إليها وهو في حالة معصية؟ ..
وهل أنت من خلال معرفتك لهذه الدقائق الإكراهية والضرورية، تفتي بجواز الحالة التي نناقشها، وفق القاعدة الفقهية الأصولية: أن هذه الشريعة مبنية على التيسير والتخفيف ورفع الحرج والمشاق عن المكلفين؟ ..
وفق المعتمد في "الأشباه والنظاهر" لابن لسبكي [ج1/ص: 48]، وللسيوطي [ج1/ص: 76]، ولابن نجيم الحنفي [ج1/ص: 75]؛ وفي "الموافقات" للشاطبي [ج2/ص: 210]، وغيرها ..
أخي الكريم/
من أين أتيت بتقسيم الضرورة لضرورة غريزية وضرورة عرضية؟!! هذا التقسيم في حدّ ذاته أصلاً لا يسلم! .. بل ليس هُناك ضرورة تتفق مع الفطرة الإنسانية وأخرى تعارضها! .. من أين لك بهذا التقسيم أيها الفاضل؟! هذا أولاً.
وثانيًا: ما تفضلت به من قولك: "وهل يكفي لتلبيتها تلبية الحاجة بها مرة، أم مرات قد لا يعرف عددها" ليس هو بضابط معتبر أصلاً، ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر بعدما أُكره على سب النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ عَادُوا فَعُدْ)! .
ثالثًا: مقصد التيسير أمرٌ آخر لم نتعرض إليه البتة! .
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

الفاضل عمرو:
القسم الأول لن أرد عليه لأنه ليس موجه لك أصلاً، والفاضل عبد الحكيم لا أراه طلب من ينوب عنه، ولا أخاله عاجز عن الرد! ..
..
ولماذا لا ترد عليه؟! النقاش للجميع وليس لشخص دون آخر يا أخي! .. بانتظار ردك لنُكمل.
أقتبس الجُزئية:
_أقول: فلماذا لم تنظر إلى الأمر من ناحية أخرى؟! لماذا لا نقول بأنه بذلك لم يدرء المفسدة ليجلب المصلحة، وإنما فعل العكس! .. على افتراض أن درء المفسدة: (الهلاك والموت!)، وأن جلب المصلحة: (إقلاعه عن شرب الخمر وإدمانه).
قلتُ: الحاصل أن هذه القاعدة فيها تفصيل ولها ضوابط وتنزيلها بهذا الشكل لا يسلم (من وجهة نظري على الأقل!).

من ناحية أخرى أنا العبد لله لي طريقتي وأسلوبي بالسرد والرد، ولست ببغاء أنقل قول العلماء بالحرف الواحد دون تصرف، فهو بمتنه ليس أصل منزل، بل محض إجتهاد يحتمل الصواب والخطأ، والتغير إن وجد الأسلم والأصوب عند مجتهد آخر؛ وطبعاً ليس العبد المتعلم؛ وهناك دائماً بدائل لفظية ومرادفات لغوية ..
الأصل بالضرورات ما كان مدعاته بالفطرة والعزيزة المتأصلة عند الإنسان، وهو الثابت والظاهر في كتاب الله، ويقاس على هذه الحاجات الضرورية: حاجتنا للهواء والماء والغذاء والنوم والجنس والدواء إلى غير ذلك ..
أما شرب الخمر فهي ضرورة مكتسبة تظهر عند الإدمان عليه، الأصل عدم وجود هذه الضرورة، الأسلم شرعاً عدم وجودها، ويقام بالشرع عليه حد مؤلم له يوازي وربما يفوق ألم الحاجة إليه ..
وحالة الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنها، حالة إكراه ملجئ وهي إكراه ظالم أو عدو، ولا تقاس بالقياس على أساس الطرح هنا ..
ولا أقصد مقصد التيسير بلفظه، إنما سؤالي لك هل تفتي بجواز اعطاء الخمر لصاحب الحاجة هنا، وفق تقديرك وفهمك لمقاصد الاعتبار الاضطراري، والاكراهي؟ ..
لم أُنكر عليك أسلوبك، لكن أطالبك بدليل على تقسيمك هذا كل ما بالأمر! .. ولم تأتِ به، فلا زلت بانتظاره هو الآخر حتى نُكمل.

تقول: "الأصل بالضرورات ما كان مدعاته بالفطرة والعزيزة المتأصلة عند الإنسان".. والسؤال: من قال بهذا، أو ما دليلك على هذا؟! (أريد تفصيل لنُكمل!).

ثم تقول: "حاجتنا للهواء والماء والغذاء والنوم والجنس والدواء إلى غير ذلك".. فالظاهر أن لديك خلط واضح بين الضرورة والحاجة، ومن ثم أنصحك بمُراجعة القواعد المقررة في هذا الباب عمومًا لنُكمل.

وتناقضك أخي واضح في قولك: "أما شرب الخمر فهي ضرورة مكتسبة تظهر عند الإدمان عليه، الأصل عدم وجود هذه الضرورة،" فهذه إذن ضرورة نسبية! .. بمعنى الشخص أدمن وانتهى، هل نقول بأن قواعد الضرورة لا تنطبق عليه لأنه هو من أدمن؟! .. على ذلك سنقول بأن من أُكره على كبيرة الزنا مثلاً ليس إكراهه بإكراه معتبر ولا حالته ضرورية لأنه هو مَن عرّض نفسه لذلك بطريقة أو بأخرى! .. هذا ليس بمنهج فقهي أبدًا، فتأمل بارك الله فيك.

تقول: "وحالة الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنها، حالة إكراه ملجئ وهي إكراه ظالم أو عدو، ولا تقاس بالقياس على أساس الطرح هنا".. ويظهر لنا هاهُنا خلطك بين الضرورة والإكراه، فكلامي عن هذه القصة كان في معرض ردي على جُزئية مُعينة، وهي زعمك أن عدد المرات عند الضرورة أو الإكراه ضابط معتبر! وليس كذلك _كما أسلفناه_.
وأقتبس الجُزئية:
وثانيًا: ما تفضلت به من قولك: "وهل يكفي لتلبيتها تلبية الحاجة بها مرة، أم مرات قد لا يعرف عددها" ليس هو بضابط معتبر أصلاً، ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر بعدما أُكره على سب النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ عَادُوا فَعُدْ)! .
سؤالك: "ولا أقصد مقصد التيسير بلفظه، إنما سؤالي لك هل تفتي بجواز اعطاء الخمر لصاحب الحاجة هنا".. جوابه: ليس على إطلاق، وإنما يُنظر لحاجته هذه، هل هي حاجة تنزل منزلة الضرورة أم لا؟! كأن لا يجد بديلاً مع احتمال موته مثلاً! .. فحينها نعم، يجوز أن يشرب من الخمر خشية الموت إذا لم يجد بديلاً، قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقال عز وجل: (فَمَنُ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، وقال سبحانه: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وللعلم فسؤالك هذا بعيدٌ تمامًا عن الحالة المطروحة! ..

هذا، ولا أريد الخوض في تفصيل القواعد الفقهية المقررة في ذلك قبل أن ننتهي من جواب ما سبق إن أردتَ الاستمرار في النقاش.

والله أعلم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

أخي/ حسام الدين بن رامي السعراتي

تقول:
بالنسبة للشق الأول الذي لم أجبه قبلاً:
أقول وما توفيقي إلا بالله: إن شارب الخمر المدمن ليس عضو صالح في المجتمع الإسلامي فهو عادتاً، فاسد الذهن والسلوك، ومفسد للمال، وعادتاً يكون وبال ونقمة على أسرته، وله خطر داهم مكنون على مجتمعة، كم بينت سابقاً ..
فهنا مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد ..
وهذا ليس برد على ذاك الشق! .. أُعيد الاقتباس مرة ثانية لعل الأمر التبس عليك! ..
_أقول: فلماذا لم تنظر إلى الأمر من ناحية أخرى؟! لماذا لا نقول بأنه بذلك لم يدرء المفسدة ليجلب المصلحة، وإنما فعل العكس! .. على افتراض أن درء المفسدة: (الهلاك والموت!)، وأن جلب المصلحة: (إقلاعه عن شرب الخمر وإدمانه).
قلتُ: الحاصل أن هذه القاعدة فيها تفصيل ولها ضوابط وتنزيلها بهذا الشكل لا يسلم (من وجهة نظري على الأقل!).
لاحظ أن محلّ الكلام كله حول قاعدة (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة).. وليس عن قاعدة (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام).. فجوابك بعيدٌ تمامًا! ..

وعلاجه ليس بتلبية رغباته إن كان عدم تلبيته يمرضه، أو يزيد بمرضه، إنما إن كان لا بد يكون ذلك على يد ذوي اختصاص في هذه المسائل العلاجية، وهي معالجة تفضي عادتاً لترك هذه المفسدة وليس بقائها تحت أي عنوان ..
لم يقل أحدًا أن عدم تلبية طلبه يُمرضه أو يزيد مرضه، وإنما نقول أن عدم تلبية طلبه قد يُفضي بهلاكه! .. فتأمل.
فالسؤال مرة ثانية! : لماذا لم تجعل المفسدة هي الهلاك والمصلحة هي تركه الإدمان؟!!

ومصلحة الغير والمجتمع وتقديمها تؤيده القاعدة الفقهية: الاضطرار لا يبطل حق الغير ..
والقاعدة الفقهية: يُحتمل الضرر الخاص، لدفع الضرر العام ..
ووفق الحديث الشريف: لا ضرر ولا ضرار ..
1- لم نتطرق لهذه القواعد، وسؤالي كان موجّه عن قاعدة معينة وهي (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة).
2- لو سلّمنا لك ما تقول؛ لما صحّ تطبيق هذه القواعد على تلك الحالة! ..
فأولاً: من قال أن ضرره يتعدى لعموم المسلمين حتى نقول بتحمل ضرره الخاص لدفع الضرر العام؟! هل شارب الخمر يضر بعموم المسلمين لمجرد شربه الخمر؟! أمر لا يستقيم لذاته أبدًا.
بل قد ادّعي أنا تنزيل معاكس لهذه القاعدة بأن أقول: أننا بهذه الحالة نتحمل الضرر الخاص (تلبية طلبه من شرب الخمر) لدفع الضرر العام (هلاكه وموته! )!!! .
وأكرر مرة ثانية..
قلتُ: الحاصل أن هذه القاعدة فيها تفصيل ولها ضوابط وتنزيلها بهذا الشكل لا يسلم (من وجهة نظري على الأقل!).
وثانيًا: أغفلتَ _بتنزيلك المستعجل هذا_ التفرقة بين حاله كحال شخص مستور، وبين حالة أناس آخرين _حالهم هو من يضر بالمجتمع الإسلامي_ كالفساق المجاهرين بمعصيتهم، فينبغي اعتبار التفرقة هاهُنا قبل تنزيل القاعدة بهذه العجلة.
ثالثًا: قُلنا سابقًا..
وقاعدة (الضرر لا يزال بالضرر) [ومعناها: أن الضرر لا يزال بمثله ولا بأكثر منه بالأولى، بل يشترط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن، وإلا فبالأخف منه

وقول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلَا بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ )؛ رواه البخاري والترمذي وأحمد وهو: صحيح ..
للأسف أخي أنت تتكلم في وادٍ آخر تمامًا لا علاقة له بما أسلفتُه! ..
أنا هُنا لا أدافع عن مرتكب كبيرة شرب الخمر مثلاً! .. كلامي عن شخص أدمن _وانتهى_ وهو معرض للهلاك؛ فهل يشرب أم لا؟!
هذا محلّ كلامنا، فتنبه نفع الله بك.

أما بالنسبة للحاجة والضرورة؛ فهناك فرقٌ بينهما، من ناحية اللغة ابتداءً ثم من الجانب المقرر في القواعد الفقهية، وقاعدة (الحاجة تنزل منزلة الضرورة) هي على تفصيل عندهم وليست على إطلاقها.
كذلك الإكراه يفترق عن الحاجة والضرورة من غير وجه - وقد أشرنا لذلك سابقًا.

تقول:
مع مراعاة القاعدة القائلة: الضرر لا يزول بمثله؛ أو القاعدة: الضرر لا يزول يالضرر ..
وقد راعينا تلك القاعدة أيها الفاضل، تجدني قلتُ:
وقاعدة (الضرر لا يزال بالضرر) [ومعناها: أن الضرر لا يزال بمثله ولا بأكثر منه بالأولى، بل يشترط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن، وإلا فبالأخف منه
وهي لا تعارض ما نقول به! .. فلماذا يا أخي تكرر ما سبق ولا تُجيب على ما أسلفناه؟!!

أما الفرق بين الضرورة الأصلية والمكتسبة، أن الأصلية هي اضطرارية تدخل في الإجبار أو الإكراه الملجئ، لأنها مغروزة بفطرة الإنسان، لا ذنب له في ضرورته الملحة، ولن يكلفه الله فوق استطاعته ..
أما المكتسبة فهي اختيارية، على صاحب القرار فيها أن يتحمل مغبات مشقة قراره، من ألم الحد الشرعي، ومعانات الإدمان، وعذاب الآخرة ..
أولاً: لم تُجب عن سؤالي بهذا؛ هذا سؤالي..
تقول: "الأصل بالضرورات ما كان مدعاته بالفطرة والعزيزة المتأصلة عند الإنسان".. والسؤال: من قال بهذا، أو ما دليلك على هذا؟! (أريد تفصيل لنُكمل!).
وكلامي الذي بعد هذا لم تُجب عليه! ..
ثانيًا: فلم تأتيني بهذا بقول من قال بهذا التقسيم لنعتبره، ولا بدليله! ..
ثالثًا: للمرة الثانية على التوالي تخلط بين "الضرورة" و((الإكراه)) الإكراه _بنوعيه_ ليس هو قسم من أقسام الضرورة أبدًا! .. السؤال مرة ثالثة: من أين لك بهذا التقسيم؟!!
رابعًا: ليس هناك شيء يُدعى ضرورة اختيارية، اسمح لي أخي (مع احترامي لك)؛ فهذا كلام تُغني حكايته عن رده أصلاً! ..

لذا أعذرني إن انسحبت، فأنا لا أستطيع إكمال النقاش بهذا الشكل _كما ترى_ ، على أن وقتي في هذه الفترة ضيق أساسًا.

فالله المستعان، وعليه التكلان.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

إن كان جلب المصلحة هو معالجته من الإدمان وعودته إنسان سوي متزن مفيد، فهي هنا طبعاً مقدمة على درء المفسدة بموت المدمن على إدمانه ..
لأنه بصلاحه منفعة للمجتمع إن حسنت توبته، وخير لآخرته، وهذا أفضل من هلاكه بكثير ..
أحسنت.. إذن فلا بأس أن نُشْرِبَهُ _في بداية مرحلة التعافي والعلاج_ عدة مرات لفترات متقطعة حتى يُمكن لنا معالجته! ..
قِس على ذلك حال من يتعاطون المخدرات! .. فهؤلاء معرّضين للموت والهلاك الحقيقي إذا قُطعت عنهم المادة المخدرة بشكل فوري! .. فلنكن واقعيين قليلاً.
العلاج الخاص بإدمان أي شيء يحتاج للتدرج (في البداية على الأقل وبشكل مؤقت)، وبدائل (عمومًا)، وهذه وسيلة ناجحة للعلاج غير وهمية، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا.
وهذه الوسيلة لا تُعارض ثوابت الدين، ولا مقاصد الشريعة، ولا تعارض النقل، ولا العقل، بل تتفق مع القواعد الفقهية.

أما حال المدمن ولو كان مستور لا ينقص خطراً، عن الفساق والفجار، بل أن خطره قد يكون مفاجئ ودون ترقب وحرص لفعله مقابل غير المستور ..
يا أخي ركز قليلاً قبل الجواب بارك الله فيك، كلامي عن التفرقة فقط، فهناك فرقٌ واضح بين حال الشخص العاصي المستور، وبين حال الشخص العاصي الفاسق المجاهر بمعصيته ((بالنسبة للمجتمع الإسلامي)) الكلام واضح! ..

وقد أجبتك عن سؤالك حول الاضرار العريزي، ومصدر بذلك مأخوذ مما حصره كثير من الأصوليين في أسباب الضرورة والتي هي: إما بإكراه من ظالم، أو بجوع في مخمصة؛ إنظر في "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي [ج2/ص: 225] ..
لا، بل لم تُجب! .. لم تأتِ بدليل، ولا بقول عالم قال بما تقوله من تقسيم..
تقول: "أسباب الضرورة والتي هي: إما بإكراه من ظالم، أو بجوع في مخمصة".. هذا لا علاقة له بما ذكرتَه من تقسيم! .. فأين بالله دليل تقسيمك الذي أتيتنا به من أن هناك ضرورة اختيارية وغريزية؟!!! صدقني هذا لا أصل له، بل لا معنى له! .. ولم يقله عالم قطّ، وكلام القرطبي الذي عزوتنا إليه ليس فيه كلمة "ضرورة اختيارية وغريزية" ولا ما في معناهما أساسًا! .. وأتحدّاك أن تنقله عن قول عالم معتبر بشكل صريح! ..

استباطاً من قوله تعالى: { مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النحل : 106]
هذا إكراه،
{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة : 173]
وهذا اضطرار،
السؤال: فأين دليل تقسيمك "الضرورة لاختيارية وغريزية"؟!!
ما وجه الاستنباط من هذه الآيات _بل وغيرها_؟!!

مع التنبيه: على أننا نتكلم في أمر واقع طارئ معترض غير ثابت! ..

وأقول لك أيها الفاضل، وجهات نظر أحترمها، ولكن لست مضطر للتسليم بصحتها، وأرجو منك ترك الهمز واللمز ..
يا أخي أنصف أصلحك الله وهدانا وإياك، كونك لا تسلم بصحتها لا يلزمك أن تأتينا بوجهة نظر "شخصية" جديدة لم يقل بها أحدٌ ولا قام عليها دليل، هذا ليس بمنهج علمي، بل لو فتحنا الباب لمثل هذا سيضيع الدين! فهذا لا يقتنع بتفاسير أهل العلم للآية الفلانية فيأتي بتفسير جديد، وآخر لا يُقنعه تفسيره الجديد فيأتي بآخر، وبهذا يضيع ديننا! ..

ولكن سبحان الله! .. تركتَ كل شيء وذهبتَ لشخصنة الحوار، يا أخي بالله عليك أين الجواب على ما سبق؟!!
ثم تُريدني أن آتيك بتفاصيل القواعد الفقهية الواردة في ذلك؟!!
لا والله سأوفر وقتي لما هو أهم! .. مع احترامي لك.

والسلام عليكم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

الأخ/ حسام

مشاركتي التالية ليست موجّهة لك قطعًا للجدال معك، فأنت لم تُجب على شيء واحد مما سبق، وهذا لا يمتّ للأسلوب الحواري العلمي بصلة.

فلي عودة إن شاء الله لتفصيل بعض النقاط التالي للإخوة القراء الأكارم.

والله المستعان.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

السلام عليكم

تركتُ الجدال والمراء.

وبقيَ أن أشير لعدة نقاط مُختَصِرًا للإخوة المتابعين القراء الأفاضل،،

1- هناك فرقٌ بين الحاجة والضرورة، وقاعدة (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة) لا تُعارض هذا بل تؤيّده! ..
إذ معناها "أن الحاجة: ما دون الضرورة، والضرورة: هي الحالة الملجئة إلى ما لا بد منه، والفرق بين الحاجة والضرورة أن حكم الأولى مستمر، وحكم الثانية مؤقت بمدة قيام الضرورة، إذ أن الضرورة تقدر بقدرها" - القواعد الفقهية للزرقا (ص 209) .
وجاء في القواعد الفقهية للدكتور عزّام (ص 158 - وما بعدها): "مراتب التناول: ذكر العلماء أن إباحة الممنوع سواء كانت على وجه التحريم أو على غير وجه التحريم كالكراهة يأتي على خمس مراتب:
الأول/ الضرورات. [والضرورات: جمع ضرورة، مأخوذة من الاضطرار، وهو الحاجة الشديدة، فهو بهذا يختلف عن أصل الحاجة على ظاهر معناها الحقيقي].
وهي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا للجماعة والأفراد، بحيث لا يستقيم النظام باختلالها.. فإذا وصل الإنسان إلى الحد الذي يجعله إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب ففي هذه الحالة يُباح له تناول الحرام كالخمر والميتة والنطق بكلمة الكفر! .
الثاني/ الحاجة.
وهي كل ما تحتاج إليه الأمة والأفراد من حيث التوسعة ورفع الحرج وانتظام الأمور بحيث إذا لم تراع دخل على المكلفين الحرج والمشقة من غير أن يبلغ مبلغ الفساد المتوقع لكنه على حالة غير منتظمة ومثل ذلك الجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة وهذا لا يبيح الحرام ويبيح له الفطر في الصوم، فالمشقات تبيح الرخص، ولا تبيح المحرمات - القواعد للزركشي (2/ 319).
الثالث/ المنفعة.
... إلى آخر كلامه".
ثم ذكر بعدُ "مراتب دفع الحاجة" فليُراجعها من شاء لمزيد من الإفادة.
أما الإكراه فهو أمرٌ آخر؛ قد يُعدّ ضرورة إذا كان مُلجئًا في الغالب، لكنه في الأصل أمر مستقل، ويُعدّ من عوارض الأهلية..
فالإكراه ينقسم إلى قسمين: إكراه مُلجئ، وإكراه غير ملجئ. اتّفق أهل العلم من الفقهاء على هذا التقسيم، واختلفوا في صور الإكراه غير الملجئ، وهو محلّ النزاع عندهم في ذلك، ومحلّ الاتّفاق على اعتبار الإكراه الملجئ عمومًا.
وللحنفية تعريفٌ للإكراه المُلجئ؛ وهو أنه "ما يعدم الرضا ويفسد الاختيار" وهو الإكراه التام.
وأما الإكراه غير الملجئ: فهو الذي يعدم الرضا ولا يذهب الاختيار. وهو الإكراه الناقص.
ويتبين لك من هذا الفرق بين الحاجة والضرورة والإكراه!! .. ويتبين لك غلط من قال بأن هناك قسم للضرورة الاختيارية! فهذا لا معنى له ولا أصل، ويتبين لك أيها القارئ الكريم أن هذا الكلام لا يتأتى إلا من خلط واضح وعدم التفرقة بين الضرورة والإكراه.
فتنبه لهذه النكتة المفيدة؛ حتى لا تقع في خلط كما حال البعض.

2- الحُكم في مثل هذه المسائل ليس حكمًا مُطردًا عامًّا يُحكم به مُطلقًا في كل الأحوال _كما يستعجله البعض_، وإنما يُحكم بالحُكم المناسب على حسب كل حالة، وحالتنا هذه أبحنا له شرب الخمر تدرجًا في العلاج لفترة قصيرة مؤقتة وبقدر محدود.
الدليل: قاعدة
(ما أُبيح للضرورة يقدر بقدرها).. وبيان هذا يأتي (رقم 6).
فهذه القاعدة معناها "أن الشيء الذي يُباح بناء على الضرورة يكون بالقدر الكافي لإزالة الضرورة فقط، ولا يجوز استباحة ما هو أكثر مما تزول به الضرورة" - درر الحكام (34).
قال
الدكتور عزّام في القواعد الفقهية (151): "وقد وضعتُ هذه القاعدة للتنبيه على أن المحظورات إنما يرخص منها بالقدر الذي تندفع به الضرورة، فإذا اضطر الإنسان لمحظور فليس له أن يتوسع في المحظور، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط". اهـ.
ثم قال: "
والضرورة هي العذر الذي يجوز بسببه فعل الشيء الممنوع _درر الحكام (ص 34)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 93)_، والمحظور هو ارتكاب ما نهى الله عنه في الظروف العادية". [والمعنى العام للمحظورات: هو المنهي عن فعله شرعًا].
والقاعدة لها أدلة منها؛ قوله تعالى:
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وقوله تعالى: (فَمَنُ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

3- يحسن بنا أن نقف هاهُنا على جُزئية هامة فيما يخص (الضرر).
قال
الأستاذ الدكتور جاد الرب في بيان معنى قاعدة (الضرر لا يزال بالضرر): "والضرر من المعاني الوجدانية، فليس لها حد معين، ولا يقوى عليه أفصح البلغاء!". انتهى [من محاضرات في قواعد الفقه (ص 22)].
قلتُ: فالضرر إذن أمرٌ نسبي لا يُحكم فيه بإطراد وإطلاق وإنما يُحكم فيه على حسب كل حالة.

4- فيما يخص قاعدة (الضرر لا يزال بالضرر).
ذكرنا فيما سبق أن معناها "
أن الضرر لا يزال بمثله ولا بأكثر منه بالأولى، بل يشترط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن، وإلا فبالأخف منه" - الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 95).
ونحن في هذه الحالة لا نقول أننا سنُزيل ضرر إدمانه بتقديم الخمر إليه مثلاً! .. وإنما نقول بإباحة شرب القليل _بالنسبة له ولحاله خاصة_ بشكل مؤقت في بداية فترة علاجه فقط، والفارق واضح، فلا تصدق علينا القاعدة، لأننا لا نُزيل الضرر بالضرر، ولأن الضرر لن يكون موجودًا بعد فترة العلاج! .. وفروع هذه القاعدة تشهد لمعناها ومفهومها الصحيح.
ومما يشهد على صحة ما نقول به؛ قاعدة (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) .. وهذا يتماشى مع ما نقوله بالنسبة لهذه الحالة.

5- بخصوص قاعدة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح).
أو: (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة)..
فالتنزيل الصحيح لهذه القاعدة بأن يُقال: أن درء مفسدة "هلاك الشخص وموته" مقدم على جلب مصلحة "إقلاعه عن إدمان الشرب أو التعاطي".
وجه ذلك: أن هذه القاعدة مثل قاعدة: (إذا تعارض المانع والمقتضى قدم المانع إلا إذا كان المقتضى أعظم) - قواعد الزركشي المادة (46)، والمدخل الفقهي العام للزرقا فقرة (595)، وأشباه السيوطي (ص 74).
قلتُ: فلا شكّ أن هلاك نفس أو موت إنسان مانعٌ أعظم من مقتضى جعله يُقلع عن إدمان شيئًا أيًّا كان! ..
فإن قال قائل: أن دفع المفسدة مقدم في الغالب إلا أن تكون المفسدة مغلوبة، لأن اعتنار الشرع بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات، لما يترتب على المناهي من الضرر المنافي لحكمة الشارع في النهي.
قلنا: أن هذه المفسدة غير مغلوبة، وإنما غالبة، وهي لا تعارض مقصد الشرع من اعتنائه بترك المنهيات؛ لسببين:
الأول/ أن المفسدة مؤقتة غير دائمة.
الثاني/ أن بتقديم هذه المفسدة الصغيرة (الشرب لفترة مؤقتة في بداية فترة العلاج) تحصل السلامة من المفسدة الكبيرة (الإدمان العام الدائم!)، ففي ذلك إعمال لقاعدة (إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما). وسيأتي الكلام عن هذه القاعدة في النقطة التالية.

6- بالنسبة لقاعدة (إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما).
ومعنى القاعدة؛ "أن الأمر المتردد بين ضررين إذا كان أحدهما أشد من الآخر، فإنه يتحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، ومراعاة أعظمهما تكون بإزالته، لأن المفاسد تراعى نفيًا، كما أن المصالح تراعي إثباتًا" - شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص 201).
قلتُ: فمن ابتُلي بذلك _التعارض_ فواجبه أن يختار أهون الشرين، وأخف الضررين [بالنسبة له].
وهذا ينطبق على تلك الحالة، لأن هلاك الشخص -المدمن- (المفسدة الأعظم) يتعارض مع: إدمانه الخمر (المفسدة الأخفّ _يعني بالنسبة لموته_) .. فنُراعي الأعظم ضررًا (هلاك الشخص وموته) بارتكاب الأخف ضررًا (كإباحة شرب القليل له في بداية فترة علاجه مثلاً).
ووسيلة العلاج كما أسلفنا حقيقة فعليّة وليست وهمية كما يدعيه البعض.
قال
الدكتور عزّام في القواعد الفقهية (ص 160): "وإذا علمنا ذلك؛ فهل قاعدة: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، هي عين قاعدة: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما؟
من الممكن أن يقال هذا ولكن الأولى من ذلك
تخصيص الأُولى بالضرر الواقع وأمكن إزالته بالأخف (كحالة صاحبنا هذا) .. وتخصيص قاعدتنا هذه بما إذا تعارض الضرران ولم يقع واحدٌ منهما، وهذا أقوى من دعوى التكرار، لأن التأسيس أولى من التأكيد إذا أمكن وإلى هذا التخصيص يُشير إليه التعبير في القاعدة الأولى (الضرر يزال) وفي الثانية بقوله (إذا تعارضت) للتفريق بينهما". انتهى.
قلتُ:
والهلاك في حالتنا هذه مُحتمل غير واقع في الحال، فتنطبق عليه القاعدتين! .. أما القاعدة الأولى (الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف) فقد أسلفنا وجه الاستدلال بها في (النقطة 4 ، و5). وأما الثانية فقد أسلفنا وجه انطباقها على هذه الحالة في هذه النقطة (6).
يتبين لك من هذه النقاط الثلاث الأخيرة؛
خطأ فهم قاعدة (الضرر لا يُزال بالضرر) على إطلاقها، وإنما فيها تفصيل ولها ضوابط، وليس كما زعم البعض واهمًا! ..

7، 8- يُضاف لما سبق: قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها)، وقاعدة (المشقة تجلب التيسير)، مع عدّة فوائد.
وهذه القاعدة أصولية فقهية، وهي تؤيد كلامنا، فمعناها أن الممنوع (المحظور) شرعًا يباح عند الضرورة [وقد أسلفنا بيان معنى "الضرورة" في النقطة (رقم 1)، ومعنى "المحظور" في النقطة (رقم 2)]، وهي شدة الجوع _مثلاً_
بحيث إذا لم يتناول الممنوع هلك، ففي هذه الحالة يجوز الأكل من الميتة، وكذلك في حال العطش الشديد بحيث يهلك الشخص إذا لم يتعاطى الممنوع، فيُباح له شرب الخمر، ويكون بقدر سد الرمق؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها _كما أسلفناه في النقطة (رقم 2)_.
دليل هذه القاعدة: قوله تعالى:
(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ).
ووجه الدِلالة من الآية الكريمة "أنها دلّت على أن الأصل في الأشياء والأطعمة الإباحة، وأنه إذا لم يرد الشرع بتحريم شيء منها فإنه باق على الإباحة [قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة)] فما سكت عنه فهو حلال، لأن الحرام قد فصله الله، فما لم يفصله الله، فليس بحرام، ومع ذلك فالحرام الذي قد فصله الله وأوضحه، قد أباحه عند الضرورة والمخمصة" - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبدالرحمن ناصر السعدي (2/ 463، 464).
وهذه القاعدة تتعلق بالرخص الشرعية، وهذه الرخص ثلاثة أنواع:
النوع الأول (واقتصر عليه لانطباقه على حالتنا هذه)/
يُفيد إباحة ما حرمه الله حالة الضرورة، كأكل الميتة للمضطر بقدر دفع الهلاك عند المجاعة، وأكل لحم الخنزير، وإساغة اللقمة بالخمر عند الغصة أو عند الإكراه التام بقتل أو قطع عضو، لأن الاضطرار كما يتحقق بالمجاعة، يتحقق بالإكراه التام (المُلجئ).
فهذه المحرمات ونحوها تباح عند الاضطرار لقوله تعالى:
(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلِيْهِ) أي دعتكم شدة المجاعة لأكلها، والاستثناء من التحريم إباحة، وأيضًا يتحقق الاضطرار بالإكراه التام -كما أسلفنا الإشارة لذلك في النقطة (رقم 1)-، فيُباح التناول ويحرم الامتناع، فلو امتنع من الأكل من هذه المحرمات حتى مات أو قتل كان آثمًا، لأنه بالامتناع صار ملقيًا بنفسه إلى التهلكة، وقد نهى عن ذلك.
وعلى هذا،
فالضرورة في النوع الأول ترفع حكم الفعل من المؤاخذة. ويُراجع في ذلك لمزيد من التفصيل والفائدة: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 84).
*وهذه القاعدة يندرج تحتها فروع عدة، فمن فروع هذه القاعدة:
-إساغة اللقمة بالخمر:
فلو أن رجلاً وقفت لقمة في بلعومه، ولم يجد ماءً ووجد خمرًا فعليه لزامًا أن يسارع بشرب الخمر بقدر إساغة اللقمة دون أن يتجاوز الشرب مختارًا بعد الإساغة،
فلو لم نبح له شرب الخمر لهلك، وهذا ضرر، والضرر يزال.
فائدة: هذه القاعدة ليس لها مستثنيات! ..
قال
الدكتور عزّام في كتابه: القواعد الفقهية، (ص 147، 148): "فالضرورة هنا وجود الغصة، والمحظور هو إساغة اللقمة بالخمر وهو حرام وإنما أُبيح للضرورة، ولا يلزم أن يُفضي الأمر لهلاكه، بل يكفي أن يغلب على ظنه حدوث ضرر في نفسه أو ماله لا يحتمل".
إذن.. فالأكل من الميتة وشرب الخمر كلاهما محظور في الأصل، ولكن
إبقاء مهجة الإنسان عند المخمصة ضرورة أقوى من المحظور فيُباح المحظور لأجل الضرورة، فيجب الأكل أو الشرب لإبقاء روح المضطر، قلتُ: ويُقاس على ذلك حال هذا الشخص، إذ لو لم تبح الضرورات لما تحقق (الضرر يزال)! فبان ارتباط هذه القاعدة بقاعدة: الضرر يزال، وقاعدة: المشقة تجلب التيسير.
وعلى ذكر قاعدة
(المشقة تجلب التيسير) يحسن بنا أن نقف على تفصيلها، لكن بعد جُزئية هامة وهي:
القواعد:
(الضرر لا يزال بالضرر)،
و
(يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)،
و
(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)،
و
(ما أبيح للضرورة يقدر بقدره)،
و
(إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما)،
و
(الحاجة تنزل منزلة الضرورة)،
من القواعد المتفرعة عن قاعدة
(الضرر يُزال)،
يُضاف إليها:
|-قاعدة
(الضرورات تبيح المحظورات)،
|-وهي من القواعد المندرجة كذلك تحت قاعدة
(المشقة تجلب التيسير)،
ويندرج تحت هذه القاعدة عدّة قواعد أُخرى:
قاعدة
(إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع الأمر ضاق)،
و
(الضرر يزال).
علمًا بأن: قاعدة
(المشقة تجلب التيسير) من القواعد الكلية الفقهية الكبرى الخمسة المشهورة، وهي من أمهات القواعد، وفروعها تنتشر في أبواب الفقه،
وجميعها تؤيّد كلامنا هاهُنا كما ترى! فتأمل.
نأتي الآن لتفصيل قاعدة
(المشقة تجلب التيسير)..
هذه القاعدة معناها "أن
الصعوبة متى وجدت في أمر من الأمور كانت سببًا شرعيًا صحيحًا للتسهيل والتخفيف ورفع المعاناة عن المكلفين عند تنفيذ الأحكام بوجه من الوجوه المقررة شرعًا" - المجلة العدلية، شرح سليم رستم باز (ص 27) بتصرف.
فالمشقة في اللغة معناها: "الجهد والتعب والشدة والعناء" - النهاية في غريب الحديث والأثر،
لابن الأثير (2/ 491) طبعة عيسى الحلبي بالقاهرة بدون تاريخ.
فالصعوبة والعناء إذا وجدت "كانت سببًا للستهيل" - شرح المجلة، للأتاسي (ص 49).
هذا بالنسبة للمعنى اللغوي، والمعنى الشرعي الذي تفيده قاعدة المشقة "أن الأحكام التي ينشأ عنها حرج ومشقة على المكلف في نفسه أو ماله
فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج".
وهذه القاعدة تصلح أن تكون
مقاصدية كذلك.
_أدلة رفع الحرج في الشريعة:
قامت الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة من الكتاب والسنة والإجماع وصار ذلك مقطوعًا به في الدين الإسلامي الحنيف، وعمومات الشريعة النافية للحرج، ومشروعية الرخص كلها تشير إلى أن الله تعالى شرَّع الأحكام ميسرة سهلة مبنية على اليسر والسماحة، وأن هذا أصل من أصول الشريعة، فإذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق - الأشباه والنظائر
للسيوطي (ص 92)، والموافقات للشاطبي (1/ 231). وهذا قول الإمام الشافعي.
وقال
الشاطبي: "إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع".
وكل ما تجاوز عن حده انقلب إلى ضده كما قال
الإمام الغزالي في الإحياء.
فقاعدة
(المشقة تجلب التيسير)، قاعدة أصولية فقهية، صارت أصلاً مقطوعًا به لتوافر الأدلة عليها من الكتاب والسنة والإجماع ومشروعية الرخص.
فقد دلَّ على هذه القاعدة كثير من آيات الله في الكتاب المبين، فقال تعالى:
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)، وقال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)، وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
فقد دلَّت هذه الآيات على أن الله شرع الأحكام سهلة ميسرة على العباد فما من عمل من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهو في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه، ودلت كذلك على أن الحرج مرفوع عن هذه الأمة، في كل ما يلحق ضيقًا بالمكلف في نفسه أو جسمه أو بهما معًا في الدنيا والآخرة، حتى لا يؤدى التكليف بما هو شاق إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه وعن العبادات الأخرى وعن المصالح الأخرى الدنيوية أو إلى وقوع خلل في عقل الإنسان وجسمه أو الإخلال بالواجبات والالتزامات تجاه أولاده وزوجته ومجتمعه.
وقامت الأدلة من السنة على يسر التكاليف الشرعية وأن الله تعالى رفع الحرج والمشقة عن العباد.
ومن ذلك ما روى عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بعثت بالحنيفية السمحة) _ فتح الباري على صحيح البخاري (2/ 86) الطبعة الأولى_ وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) _جامع الأصول (1/ 214)_ وروى الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (إنما بعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسّرين) _البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة_ وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا: (إن الله شرع الدين فجعله سهلاً واسعًا ولم يجعله ضيقًا) _متفق عليه من حديث عائشة_ وقال صلى الله عليه وسلم: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا) _رواه الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس وصححه (2/ 198)_.
قال ابن حجر العسقلاني: "وسمى الدين يُسْرًا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله وضع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأدلة على أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم" - وانظر: القواعد الفقهية، للشيخ علي الندوي (ص 307).
وقام الإجماع على عدم التكليف بالشاق، وذلك أن الإجماع انعقد بين علماء الأمة على عدم وقوع المشقة غير المألوفة في أمور الدين، ولو كان ذلك واقعًا لحصل التناقض والاختلاف في الشريعة وذلك منفي عنها، لأن الأدلة على سماحة الشريعة أكثر من أن تحصر، فأحكام الشريعة كلها مبنية على التيسير.
وثبت ذلك أيضًا من مشروعية الرخص، فهذا أمر مقطوع به ومما علم من دين الأمة بالضرورة كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في حالات الاضطرار، فإن هذا نمط يدل قطعًا على مطلق رفع الحرج والمشقة أو التيسير والتسهيل على الناس.
_والرخصة: لغة/ السهولة واليسر في الأمر والتسهيل فيه، أو هي الانتقال من أمرٍ صعب إلى أمر سهل، أو هي: ما شرعت بسبب قيام مسوغ لتخفيف الحكم الأصلي.
وشرعًا/ ما ثبت على خلاف الأصل بدليل شرعي راجح. حاشية النجدي على الروض المربع (1/ 213).
فالشريعة وضعت رحمة بالمكلف، تخفف هذه الأحكام وتبدلها بما يقع تحت قدرة المكلف تيسيرًا عليه ودفعًا للإحراج.
وعلى هذا الأساس؛ نجد أن مظاهر التخفيف في الشريعة كثيرة، منها ما هو في العبادات، ومنها ما هو في المعاملات، ومنها ما هو في العقوبات، وما يتصل بها، وقد ذكر السيوطي أن تخفيفات الشرع قد استوعبت ذلك كله.
-ويندرج تحت هذه القاعدة عدة قواعد:
أ- قاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع الأمر ضاق)،
ومعناها: أنه كلما ظهرت مشقة في أمر، فيرخص فيه ويوسع، فإذا زالت المشقة عاد الأمر إلى ما كان.
فإذا حصلت ضرورة عارضة للشخص أو للجماعة، أو طرأ ظرف استثنائي أصبح معه الحكم الأصلي للحالات العادية محرجًا للمكلفين مرهقًا لهم بحيث يجعلهم في ضيق عند التطبيق، فإنه يخفف عنهم ويوسع عليهم حتى يسهل ما دامت تلك الضرورة قائمة، فإذا انفرجت الضرورة وزالت؛ عاد الحكم إلى أصله، وهذا معنى: إذا اتسع الأمر ضاق.
وهو يُؤيّد كلامنا في هذه الحالة، من أننا نُبيح لهذا الشخص المدمن شرب قليل الخمر في بداية العلاج، حتى إذا تحسّن حاله ولم تكن رغبته ملحّة منعناها عنه ليُكمل فترة علاجه، وعاد الحُكم لأصله.
والأدلة على هذه القاعدة من الكتاب والسنة كثيرة، وأمثلتها عديدة، نعزو القارئ الكريم لمُراجعتها من الكتب التالية:
شرح القواعد الفقهية، للزرقا (ص 163، 164)، والمجلة، شرح الأتاسي (ص 51، 52)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 83)، والأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 85)، والقواعد الفقهية للدكتور عبدالعزيز محمد عزّام (ص 121، 122) _وقد ذكر أيضًا فروعًا لتلك القاعدة_.
ب- قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)،
وقد أسلفنا التفصيل فيها أعلاه.
جـ- قاعدة (الضرر يزال)،
وقد أشرنا إليها سابقًا أيضًا، وأوضحنا القواعد المندرجة تحتها.
والمعنى العام لهذه القاعدة أن الضرر تجب إزالته، لأن الضرر ظلم والواجب عدم إيقاعه، لأن الأضرار مرفوعة ومزالة، ولا يحق أن تقع أصلاً.
ولها أدلة كثيرة أيضًا من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، نعزو القارئ الفاضل لمُراجعة التفصيل فيها من الكتب التالية:
المدخل الفقهي للزرقا (ص 978، 979، 980)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 92)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 85)، والقواعد الفقهية للدكتور عزام (ص 126-138) _وقد ذكر فروعًا لتلك القاعدة كذلك واستفاض في ذلك_.

9- ترجيح:
يتبين لك جليًّا مما سبق أن ما ذهب إليه الأخ عبدالحكيم؛ مذهب راجحٌ لا مرجوح.
http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=18543&p=129569&viewfull=1#post129569
لا قياس على الصلاة في هذا الموضع فهذا قياس مع فارق : القدرة و عدم وجود الضرر.

عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي من رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم: أخبر بذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم. حسنه الألباني ، سنن أبي داود و مسند الإمام أحمد.

أما قولهم أن الأحاديث تمنع شرب الخمر البتة فهذا غير صحيح إذ الحديث فيه نهي عن صناعة الدواء بها و ليس فيه منع شربها عند الضرورة فالحديث عام تخصصه نصوص كثيرة منها لبس الحرير و اتخاذ الأنف من الذهب.

قال الإمام ابن حزم : بل أصحابنا والمالكيون يبيحون للمختنق شرب الخمر إذا لم يجد ما يسيغ أكله به غيرها ، والحنفيون والشافعيون يبيحونها عند شدة العطش . وأما حديث الدواء الخبيث فنعم وما أباحه الله تعالى عند الضرورة فليس في تلك الحال خبيثا ، بل هو حلال طيب ؛ لأن الحلال ليس خبيثا ، فصح أن الدواء الخبيث هو القتال المخوف ، على أن يونس بن أبي إسحاق الذي انفرد به ليس بالقوي اهــ

أما عن سؤال أختنا الكريمة ( و وددت أن لا أتكلم فيه لولا بعض الأجوبة هنا الذي قد تؤدي بالرجل إلى الهلاك) فالأمر يعود للطبيب فحفظ النفس مقدم على حفظ الدين في هذا الموضع ثم شرب الخمر مباح عند خوف الهلاك فليرجع لهذه المسألة لعدد من الأطبة الثقات و لا يكتفى بواحد وليسأل أكثر من طبيب هل يمكن تعويض الخمر بدواء أخف كي يزال عنه الضرر فإن كان ولابد منها لكي لا يهلك فليسأل عن أقل مقدار وأقل كمية يومية كي لا يهلك و كيفية التدرج كي يقلع هذا الرجل عليها وهل يمكن خلطها بالماء حتى لا تذهب عقله و هلم جرا حتى يكتفى منها بما يحفظ نفس الرجل على أن ينصح و يذكر بعذاب الله و أن يذكر بما هو فيه هداه الله وهدانا أجمعين إلى صراطه المستقيم والله أعلم.

هذا، والله أعلم وهو المستعان.

والسلام عليكم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل يجوز تقديم الخمر لمدمنٍ خوفاً عليه من الهلاك؟

الأخ حسام أيها الإخوة لم يُجب على شيء مما سبق، لذلك فباب التعليق عندي بالنسبة له مرفوض (مع احترامنا وتقديرنا له! ) ..
ومع ذلك نقول بأن أهل العلم من الفقهاء اتفقوا على إباحة الخمر عند الضرورة وهذا يتفق مع النقل والعقل والقياس بل والإجماع قائم على ذلك! .. وقد أسلفنا التفصيل في ذلك من ناحية "القواعد الفقهية" فليُراجعه من شاء.

هذا، والله المستعان.
 
أعلى