العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جدلية (الدليل - الترجيح – التنزيل )

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
جدلية (الدليل - الترجيح – التنزيل )
· من جدل الدليل، إلى جدل الترجيح، إلى جدل التنزيل: هذه ثلاثة مقامات، لكل مقام منازله ودرجاته ومراتبه.

· جدلية الدليل: هي مرتبة وضع الدليل، وذكر الاستدلال منه، وبحث سلامته وما ورد عليه من الاعتراض، هذه مرتبة شريفة من العلم تستدعي نظرا أصوليا، ومادة فقهية، وملكة جدلية، وهذه المرتبة وإن كان لا يحسنها المتمذهب كما ينبغي، إلا أنه بدربة البحث، يتدرج في مراقيها شيئا فشيئا، حتى يصير حاذقا بها من جهة الاستدلال، ومن جهة الإيراد والاعتراض.

· جدلية الترجيح: هذه المرتبة فوق المرتبة السابقة (جدل الدليل)، فجدل الدليل هو نقاش جزئي في حيز الاستدلال من الدليل سلامة أو اعتلالا، أما جدل الترجيح، فهو نقاش كلي من مجموع الأدلة، من حيث بحث أي الأقوال كان أكثر سلامة، أو كان أقل تشويشا، ولذا يكثر أن يقف الناظر حائرا لتساوي المرجحات عنده، أو أنه يميل إلى أحدهما بدون جزم.

· وهنا تكثر العثرات عند الباحثين:
وأشهر ذلك: القفز من الجدل في الدليل إلى الجدل في الترجيح، فهو يحسم صراعا في جزئية خاصة في أحد الأدلة، ثم يحسم به النتيجة في الثواني الأولى من الجولة الاستفتاحية!

فمثلا
: حديث: «يكفيك الماء ولا يضرك أثره»، قد يقول قائل: هذا الحديث عندي ضعيف، ثم يرتب على ضعفه لهذا الحديث حكما، وهو أن أثر النجاسة يضر بعد غسله بالماء، والجواب بكل يسر، أن كون الحديث ضعيفا، لا يعني أن ترتب عليه أثرا عكسيا على متنه، فضعف الحديث، يعني العدم، وفي تحقيق حكم المسألة نبحث عن الأدلة الأخرى، هل يضر الأثر أو لا يضر.
وهذه الطريقة الخطأ: شائعة في الاستدلال، وربما سببها أن بنية المستدل محدودة في الآثار صحة وضعفا، فإذا لم يصح الحديث عنده قلب حكمه، ولاعتقاد بعضهم استيعاب النصوص لصور الوقائع، كما هي طريقة أهل الظاهر.

مثال آخر:
قد يقول: لا تجب صلاة الجماعة لأن النص جاء بتفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، والتفضيل يقتضي فضلا للمفضول.
وهذا الاستدلال، قد ينازع بأنه ليس نصا وإنما ظاهرا؛ لأن ذلك هو الأصل، وقد يجرد من الأفضلية، وقد ورد ذلك في القرآن في غير ما موضع.
وعلى افتراض: صحة هذا الاستدلال؛ فإنه لا يقتضي ترتيب الحكم؛ لأن ثمة أدلة أخرى على وجوب صلاة الجماعة، فهل أجبت عنها؟ وهل هذا الظاهر أقوى منها؟
نعم، قد أسلم لك بصحة استدلالك؛ لكن لا تجرني إلى حكم يقتضي النظر في مجموعة من الاستدلالات.

وترى آخر
:
يذكر إيرادا وجيها على دليل القول الآخر، ثم لا تراه إلا واضعا ذلك برهانا ساطعا على صحة قوله!
فمثلا: قد يقول: الإجماع المنقول غير صحيح!
سلمتُ بصحة نقضك لهذا الإجماع؛ فهل يلزم من كون قولهم غير مجمع عليه، أن قولك هو الحق المبين؟!
متى كان الهدم بناء؟ وما الذي يجعل من فساد دليل من أدلة مخالفك: برهانا على أرجحية قولك؟ ولم كان ذلك دليلا على صحة قولك، ولم يكن دليلا على صحة القول الثالث أو الرابع؟

وترى آخر
: يرجح أحد الأقوال في المسالة، ويبرهن على ذلك بقوة أدلته وضعف أدلة الأقوال الأخرى، وهذا شائع في الرسائل الأكاديمية، فالباحث في حالة بؤس! ويريد أن يقفل حسابات المسألة!
لكنها تسربت وشاعت بين الباحثين حتى زكمت منها الأنوف!!
ونحن – القراء - نتفهم ذلك لو كان رأيا قلده، وما لنا عليه من سلطان، لكن كيف نقبل قوله في الترجيح بناء على قناعته الشخصية اعتباطا!
فهو الآن في مرتبة الترجيح، وليس لديه ما يضيفه سوى أوصاف الجمال والكمال والدلال على فريق دون آخر! واعتباطا بلا سبب!

وترى آخر
: يرى أن في المسألة نصا لا محيص عنه، فالمسألة محسومة! وهذا يكثر في الأثريين، والمنتسبين إلى الحديث.
ويقبل منه ذلك في حال ما إذا بين الدلالة النصية الحاسمة بحسب النظر الأصولي، وتهافت الإيرادات.
وإلا لم يكن قوله بالنصية إلا دعوى مجردة، تجعله في مقام المساءلة.

وترى آخر
: يقضي أمر المسألة برواية من روايات الحديث!
وهذه الرواية مزاحمة بروايات أخر، وربما زاحمت أصل الحديث من حيث المعنى.
فقد تكون شاذة سندا ومعنى، ومع ذلك يراها كافية في حسم المسألة برمتها.

وترى آخر:
يحيل المسألة إلى النظر المقاصدي وقواعد الشرع بالنسبة إلى واقعه، وهذا قفز من المقام الثاني في جدلية الترجيح، إلى المقام الثالث في جدلية التنزيل، فمهلا!

· جدلية التنزيل: وهو ما يسمى عند الأصوليين بتحقيق المناط، وتنزيل الأحكام على الواقع، ومنهم من سماه بذلك: الفقه التنزيلي.
· ورد في جملة النصوص: بعض الأحكام التي أشكلت على بعض العلماء لكونها واردة على خلاف النص، أو واردة على خلاف القياس (مجموعة من النصوص المعنوية)، فيتناولها العلماء بالبحث، فمنهم من يقول إنها قضية عين! لأسباب لابست الواقعة، فأفتى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإن كان القياس والأصل في المسألة على خلاف ذلك، فهي فتوى لسبب، أو فعل لظرف طارئ، ومن العلماء من يجيب عن ذلك بأنها قياس أخص من القياس العام، ومنهم من يجمد على الصورة ويعتبرها حكما خاصا، ولا يفسر تدافعها مع القياس العام.

· يهمنا في البحث السابق: طريقة بعض العلماء في تناول النص، وأنه خرجها على كونها فتوى وليست حكما عاما، ومن ذلك طريقة بعض العلماء في النظر الاجتهادي للإمام بحسب المصلحة، كالتنفيل في الحرب، ومن ذلك أيضا إجابة العلماء عن بعض الروايات المشكلة، بأنه يحتمل أن الرجل كان جاهلا، أو أن الحاجة كانت ماسة، ونحو ذلك، بما يخرج النص من الحكم العام إلى الفتوى الخاصة.

· الشاهد: أن ذلك يدل على وجود الفرق في النصوص نفسها في عصر الوحي والرسالة: بين الحكم العام البات، وبين الفتوى النازلة على حالة معينة، وأن بين المقامين فرقا لائحا.

· وكذا يقال: ثمة فرق بين الفقه التنزيلي، وبين الترجيح، فلا يلزم من ترجيح قول في مسألة، استصحاب ذلك الحكم في المسألة النازلة، فقد يفتي المجتهد بخلاف ذلك لسبب، كالتدرج في الدعوة لقوم، أو أن النازلة مركبة من عدة مسائل، والمسألة الترجيحية هي جزء من النازلة، أو أن النازلة اعتراها بعض الأوصاف فاستحالت به إلى مسألة أخرى تختلف كلية عن المسألة الترجيحية.

· وفي النهاية: فإننا لا بد أن نميز بين الجدلية في الدليل، وبين الجدلية في الترجيح، وبين الجدلية في التنزيل، وأن لكل مقام مقامه.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: جدلية (الدليل - الترجيح – التنزيل )

أتمنى حذف المشاركة الأصلية، ووضع المشاركة الأخرى مكانها؛ لأني أضفت بعض الأمثلة لطلب بعض الأخوة ذلك
وأظن أن الإخوة والأخوات هنا لديهم الكثير من الإضافات الثرية...
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: جدلية (الدليل - الترجيح – التنزيل )

أتمنى حذف المشاركة الأصلية، ووضع المشاركة الأخرى مكانها؛
تم الحذف والاستبدال
وجزاكم الله خيراً على الموضوع المهم الشيّق
وبانتظار إثراء الإخوة والأخوات
 
إنضم
1 أكتوبر 2012
المشاركات
35
الكنية
ابوبكر
التخصص
هندسة
المدينة
رفاعة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: جدلية (الدليل - الترجيح – التنزيل )

موضوع جيد و مفيد واتمنى ان اجد وقتا للتعليق
و جزاكم الله خير
 
أعلى