رد: حكم الدعاء في الصلاة بغير اللغة العربية
المطلب السابع عشر : الدعاء بغيـر لفظ العربية :
هل يجوز للمصلي أن يدعو بغير العربية بما سواها من اللغات كالفارسية والتركية ونحو ذلك؟
تحرير محل النزاع :
أما ترجمة الدعاء غير المأثور ؛ بأن يخترع دعوة غير مأثورة ويأتي بها بالأعجمية ، فلا خلاف في عدم جوازه ، وتبطل بها الصلاة .وأما ترجمة الدعاء المأثور ، فهذه محل الخلاف[SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]) .
اختلفوا في حكم ترجمة الدعاء المأثور على أربعة أقوال :
القول الأول : يحرم الدعاء في الصلاة بغير العربية ، وتبطل صلاته .
وهذا قول الحنفية [SUP]([SUP][2][/SUP][/SUP]) ، وقول عند المالكية [SUP]([SUP][3][/SUP][/SUP]) ، ووجه عند الشافعية [SUP]([SUP][4][/SUP][/SUP]) ، وقول عندالحنابلة [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قولـه تعالى لنوح – عليه السلام - [SUP]:[/SUP](قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )
وقولـه حكاية عن نوح –عليه السلام- : (
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ )
معناه : أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم ) ، فدل ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال ، فما لا يعلم جوازه لا يجوز سؤاله ، وأكد الله تعالى ذلك بقولـه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) » ، واللفظ العجمي غير معلوم الجواز ، فيكون السؤال به غير جائز [SUP][/SUP]) .
2 – لما ورد عن عمر – رضي الله عنه – أنه نهى عن رطانة الأعاجم وقال : إنها خب[SUP][/SUP]) .
3 – ولاحتمال اشتمالها على ما ينافي جلال الربوبية [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]) .
4 – ولأن الله لا يحب غير العربية ، ولهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الإجابة، فلا يقع غيرها من الألسن في الرضا والمحبة لها موقع كلام العرب [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]) .
5 – ولأن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي يتميزون بها [SUP]([SUP][2][/SUP][/SUP]) .
6 – ولعدم الضرورة إليه [SUP]([SUP][3][/SUP][/SUP]) .
7 – ولأنها تنافي جلال الله [SUP]([SUP][4][/SUP][/SUP]) .
القول الثاني: يكره الدعاء بغير العربية للقادر عليها ، ويجوز للعاجز عنها .
وهذا مذهب الحنفية [SUP]([SUP][5][/SUP][/SUP]) ، والمالكية [SUP]([SUP][6][/SUP][/SUP]) ، وقول الإمام أحمد [SUP]([SUP][7][/SUP][/SUP]) .
واستدلوا :
بمثل أدلة القول الأول وحملوها على الكراهة .
وأجابوا على نهي عمر – رضي الله عنه – من وجهين :
1 – أن ذلك مكروه في المسجد خاصة ، لما ورد أنه نهى عنها في المسجد [SUP]([SUP][8][/SUP][/SUP]) .
2 – بأنه كان بحضرة من لا يفهمها،فنهى عنه لما فيه من تناجي اثنين دون ثالث[SUP]([SUP][9][/SUP][/SUP]).
القول الثالث: يجوز الدعاء بغير العربية للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر فإن فعل بطلت صلاته.
وهذا قول أبي يوسف ومحمد من الحنفية [SUP]([SUP][10][/SUP][/SUP])، وقول بعض المالكية [SUP]([11]) [/SUP]والصحيح من مذهب الشافعية [SUP](
[SUP][1][/SUP][/SUP]) ، وقول الحنابلة [SUP](
[SUP][2][/SUP][/SUP]) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله تعالى: (
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
2- وقوله: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)3- وقوله × : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ) .
وعليه ... يترجم عن الدعاء المأثور الواجب ، وجوباً ، وندباً في المندوب المأثور بأي لغة شاء لعذره ، ويجب في الواجب تعلم عربيته إن قدر عليه ، ولو بالسفر [SUP][/SUP]) .
القول الرابع : يجوز الدعاء بغير العربية في الصلاة ، سواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها .
وهذا قول أبي حنيفة [SUP](
[SUP][3][/SUP][/SUP]) ، وقول عند المالكية [SUP](
[SUP][4][/SUP][/SUP]) ، ووجه عند الشافعية [SUP](
[SUP][5][/SUP][/SUP]) .
واستدلوا بما يلي :
1- قوله تعالى: (
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
2- وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
. أي بلغة قومه ما كانت [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]) .
3- ولأنه لفظ أعجمي معلوم المعنى ، فلا يخشى اشتماله على ما ينافي التعظيم [SUP]([SUP][2][/SUP][/SUP]) .
4- ولقيام غير العربية مقامها في أداء المعنى إذ لا إعجاز فيه [SUP]([SUP][3][/SUP][/SUP]) .
يمكن أن يجاب عن أدلتهم :
بما استدل به أصحاب القول الأول القائلون بالتحريم .
الترجيح :
الذي يترجح – والله أعلم – هو القول بجواز الدعاء بغير العربية للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر لكونه وسطاً بين الأقوال ، وبه تجتمع الأدلة ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء [SUP]([SUP][4][/SUP][/SUP]) .