العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد نظرات في إصلاح الفكر الديني عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور : اللمعي

إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي
نظرات في إصلاح الفكر الديني عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور
المقدمة

الحمد لله على ما شرعَ من سُننه وأحكامه ، وقيّض للفقه في الدين من جهابذة أعلامه ، وكشف لهم مشكل المعاني مسفراً عن لثامه ، والصلاة والسلام على رسوله غيث الكون المخمد لقتامه ، والمقرب دين الفطرة على أطراف تمامه، وعلى آله وأصحابه الواقفين عند حدوده ، المتّسمين باتّسامه
أما بعد :
إذا كانت كل أحداث الكون ، سينتهي بها الأمر بين دفتي كتاب ، فإن ما يمكن إضافته بأن كل ما في الكتاب سينتهي به الأمر بين دفتي عقل الإنسان ، فيكون تالياً ، أحد أهم عوامل ودوافع سلوكه . أو أهمها على الإطلاق .
إن إصلاح الفكر الديني للفرد والجماعة من الموضوعات الكبرى التي اهتم بها العلماء قديماً وحديثاً . وقد كان الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله تعالى) أحد كبار رجال الإصلاح في القرن الماضي ، وقد ترك لنا مدونة علمية متكاملة في جميع الاختصاصات العلمية ، وكانت الصفة الغالبة على تراثه هي القضايا الإصلاحية .
ومن أهم الكتب التي ألفها في هذا السياق هما : أصول النظام الاجتماعي ، و أليس الصبح بقريب ، فقد كان لكل كتاب منهجيته الخاصة بالإصلاح ، فالأول اعتنى بجوانب الإصلاح العملي ، والثاني اعتنى بالإصلاح النظري من خلال إصلاح العلوم التي هي الأساس في إصلاح العمل .
وقد اعتنى الإمام بجوانب إصلاح الفكر الديني للفرد والجماعة ، فقد وضع جملة من الوسائل والمقاصد للإصلاح ، وقد بين الأسباب التي أدت إلى تراجع الفكر الديني ودخول الفساد في طريقه عرضه ، وطريقة التفكير .
وقد كان هذا البحث عبارة عن نظرات في إصلاح الفكر الديني ، فقضية إصلاح الفكر الديني تحتاج إلى أطروحة كاملة لكي يتم الحديث عن جميع جزئياتها.
وقد قسمت البحث إلى أربعة مباحث ومقدمة :
المبحث الأول: التعريف بالمصطلحات
المبحث الثاني : إصلاح الاعتقاد
المبحث الثالث : إصلاح التفكير
المبحث الرابع : إصلاح العمل
الخاتمة
المصادر











تمهيد بالتعريف بالإمام الأكبر
نسبه: هو محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن محمد الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور([1])
وظائفه :إن الذي ينظر إلى المناصب التي تقلدها الإمام الأكبر ، بعين منصف يحكم عليه بأنه يستحق أكثر من تلك المناصب ، إذ يكفي المنصب شرفاً أن يتقلده مثل هذا الإمام ، إذ قام بالدور المنشود من تلك المناصب وأعطاها حقها
وقد أحصى هذه المناصب تلميذه الشيخ ابن الخوجة في موسوعته العاشورية سأذكر بعضها([2]): في سنة (1904م) بدأ التدريس بالمدرسة الصادقية.وفي سنة (1905م) نجح في مناظرة التدريس من الطبقة الأولى وفي شباط (1907م) سمي نائباً عن الدولة لدى النظارة العلمية بالجامع الأعظم . وفي سنة (1913م) سمي قاضياً مالكياً للجماعة . وفي سنة (1923م) عين مفتياً مالكيا. وفي سنة (1927م) أصبح كبيرأهل الشورى المالكية ، وهو أعلى منصب يتولاه السادة المالكية ، قبل احداث مشيخة الإسلام المالكية . وفي (23 محرم 1351هـ)، ( 28 آيار 1932م) سمي شيخ الإسلام المالكي ، وهو أول من تولى هذه المنصب من المالكية . وفي هذه السنة أيضاً سلمت إليه مقاليد إدارة جامعة الزيتونة ، وبقي فيها سنة ثم أقيل . وفي سنة (1945م) أعيد إلى مشيخة جامع الزيتونة ، وبقي فيها إلى أن اعتزل ذلك خلال سنة (1951م) . ولما جاء الإستقلال سمي عميداً للجامعة الزيتونية في سنة (1956م) . وكان الشيخ منذ عام (1955م) عضواً مراسلاً بمجمعي اللغة في القاهرة ودمشق . وبقي على رأس الزيتونة إلى سنة (1962م) حين ألغيت الجامعة الزيتونية ، وأصبحت كلية ضمن الجامعة التونسية ، وتسمى الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين ، وعين ابنه محمد الفاضل عميداً لها ، ثم تفرغ للكتابة والتأليف . أحرز الجائزة التقديرية للرئيس بورقيبة سنة (1968م) ([3])
آثاره : ابن عاشور شخصية فريدة من نوعها ، قد فاق أقرانه ولم نسمع عن معاصريه أنه امتاز بكثرة المؤلفات الرصينة ، فهو حوى العلوم وما كتب في اختصاص إلا ووصل به لكمال الفتوة . لذلك يقول الغالي : ( إن تونس لم تعرف في عصره رجلاً عالماً أوفر انتاجاً ، وأغزر فائدة للمجتمع في مجال الثقافة منه ، كما تدل على ذلك آثاره العلمية )([4])
وقد قسمت مؤلفاته على قسمين منها مؤلفات في العلوم الإسلامية ، وأخرى في العربية وآدابها ، سأذكر بعضها : العلوم الإسلامية : التحرير والتنوير . مقاصد الشريعة الإسلامية . أصول النظام الاجتماعي في الإسلام . أليس الصبح بقريب . الوقف وآثاره في الإسلام .كشف المعطي من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ ..حواشٍ على التنقيح لشهاب الدين القرافي في أصول الفقه . التوضيح والتصحيح في أصول الفقه . النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح .
اللغة العربية وآدابها : أصول الإنشاء والخطابة . موجز البلاغة . شرح قصيدة الأعشى . تحقيق ديوان بشار . الواضح في مشكلات المتنبي . سرقات المتنبي . شرح ديوان الحماسة لأبي تمام . تحقيق مقدمة في النحو لخلف الأحمد . تحقيق كتاب ( الاقتضاب ) للبطليوسي مع شرح كتاب أدب الكاتب . شرح معلقة امرئ القيس . تحقيق لشرح القرشي على ديوان المتنبي .
ثناء العلماء عليه إن الإمام الأكبر كسب شعبية كبيرة جداً من خلال التركة العلمية التي تركها لعموم الأمة الإسلامية ، فشاع ذكره ، وعلا قوله ، وتميزت حجته .
لذلك سأذكر بعض أقوال العلماء الذين أثنوا عليه بما هو فيه ، فيقول صديقه الشيخ محمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر قوله : ( وللأستاذ فصاحة منطق ، وبراعة بيان ، ويضيف إلى غزارة العلم وقوة النظر ، صفاء الذوق ، وسعة الإطلاع في آداب اللغة ... كنت أرى فيه لساناً لهجته الصدق ، وسريرة نقية من كل خاطر سيء ، وهمة طماحة للمعالي ، وجداً في العمل لا يمسه كلل ، ومحافظ على واجبات الدين وآدابه ... وبالإجمال ليس إعجابي بوضاءة أخلاقه وسماحة آدابه بأقل من إعجابي بعبقريته في العلم )([5])
ويقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي :( عَلَمْ من الأعلام الذين يعدّهم التاريخ الحاضر من ذخائره ، فهو إمام متبحر في العلوم الإسلامية ، مستقل في الاستدلال ، واسع الثراء من كنوزها فسح الذرع يتحملها ، ناقد البصيرة في معقولها ، وافر الإطلاع على المنقول منها ، أقرأ وأفاد وتخرجت عليه طبقات ممتازة في التحقيق العلمي )([6])
وقال عنه الشيخ محمد الغزالي : ( هو رجل القرآن الكريم وإمام الثقافة الإسلامية المعاصرة ... الرجل بدأ يتكلم عن اللغة ، ويتكلم بها أديباً ... اقرأ كلماته في التحرير والتنوير فاستغرب؛ لأنه وطأ كلمات مستغربة وجعلها مألوفة ، وحرر الجملة العربية من بعض الخبات الذي أصابها في أيام انحدار الأدب في عصوره الخيرة ، ولكن الرجل لم يلق حظه ... ابن عاشور لا يمثل صورة من اللحم والدم ، إنما يمثل تراثاً أدبياً علمياً عقادياً اخلاقياً )([7])
ويقول العلامة أحمد الريسوني : ( منذ أن تعرفت على التراث العلمي للعلامة محمد الطاهر بن عاشور ، واستوعبت قيمته وأهميته ، وأنا أعرب عن أسفي لمّا أصابه من حيف وإهمال ...)([8])
وقال عنه سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر أحمد بن عبد الله المري حين تقديمه لكتاب ابن الخوجة فيقول : (وقد يكون من الأمور الجديرة بالذكر في هذه العجالة إن الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور كان فقيه ميدان ، لم يكن يعيش بعيداً عن وعي الواقع ، منصرفاً إلى أوراقه وبحوثه النظرية ، والاكتفاء بالحديث عن خلود القيم الإسلامية ) ([9])
ويقول الراشد : ( ومما مكن القرضاوي من شرح مذهب الوسطية : تمهيدات شارك فيها عدد من أئمة التجديد الفقهي الحديث ، ومن أظهرهم : فقيه تونس : محمد الطاهر بن عاشور ، وهو يختار اصطلاح (السماحة) لهذا المعنى الوسطي ...)([10])
وفاته : بعد عمر حفل بالجهود العلمية النافعة ، والمؤلفات الرصية ،ذهب الإمام الأكبر إلى مثواه الأخير في مقبرة آل عاشور ، التي ازدحمت بالمشيعين الذين احسوا بفقد علامة بلادهم ، ووفاءاُ له والتماساً للأجر من السير خلفه . ( وكانت وفاته بالمرسى عن 94 سنة ، يوم الأحد 13 رجب 1394 / 12 أغسطس 197 ووري رحمه الله التراب في مقبرة الزلاج من مدينة تونس )([11])
وقد نعته الأوساط الثقافية في العالم الإسلامي : ففي حوليات الجامعة التونسية كتب الأستاذ علي الشنوفي مقالا افتتاحياً استعرض فيه حياته وأبرز مؤلفاته ونشاطاته العلمية قائلا : ( ونحن إذا استذكرنا الاتجاهات الثقافية للفقيد سماحة العلامة محمد الطاهر بن عاشور لا مناص من استحضار تاريخ جامع الزيتونة ، في بحر قرن كامل )([12])
كما نعته مجلة مجمع اللغة العربية مشيدة بمساهماته في مجال اللغة والأدب([13])



المبحث الأول : التعريف بالمصطلحات
المطلب الأول : معنى النظرات
النظرات في اللغة :( نَظَرَ) النون والظاء والراء أصل صحيح يرجع فروعه إلى معنى واحد ، وهو تأمل الشيء ومعاينته ، ثم يُستعار ، ويتسع فيه "([14]) .
وترجع هذه المادة إلى جانب معنوي وحسي : ( والنظر أيضاً تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يُراد به التأمل والفحص ، وقد يُراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ... واستعمال النظر في البصر أكثر استعمالاً عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة )([15]).
فالنظر تدور مادته على معنيين الأول : حسي وهو الذي يُطلقه العامة على الأشياء التي تُدرك بحاسة البصر (العين) . وهذا ما حمله بعض أهل اللغة كالجوهري : (النظر : تأمل الشيء بالعين )([16])
والثاني : معنوي وهو ما يُطلقه أهل العلم على القضايا التي تحتاج إلى تأمل وفحص وتقليب البصيرة ليصل إلى حكم علمي . والمعنى الثاني هو الذي نقصده بهذه الدراسة ، لأن الدراسة البحثية العلمية تعنى بالقضايا التي تحتاج إلى طول فكر وتأمل وتقليب بصيرة .
النظرات في الاصطلاح :وقد جمع الدكتور قطب سانو ما تدل عليه كلمة (النظر) في الكتب الأصولية وقد أرجعها إلى ثلاثة معان هي :
الأول : الفكر الموصل إلى علم أو غلبة الظن . الثاني : ترتيب التصديقات في الذهن ليتوصل بها إلى تصديقات أخرى، فان كانت التصديقات مطابقة لمتعلقاتها ، سميت نظراً صحيحاً وان لم تكن مطابقة لها سميت نظراً فاسداً الثالث : اسم من أسماء العلة الشرعية ([17]) .
ويعرفه الإمام محمد الطاهر بن عاشور "رحمه الله تعالى " ، ( النظر ... هو الفكر في تحصيل علم أو ظن ...)([18]) .
فالنظرات المقصودة في هذا البحث : هي البحث بتقليب الفكر في أبواب خاصة للوصول إلى علم قطعي أو للوصول إلى مسائل ظنية القريبة للعلم أو القطع، وذلك من خلال تقليب النظر في جوانب متعددة وليس دراسة متكاملة ، بحيث نصل إلى درجة القطع أو قريبة منه.
المطلب الثاني : تعريف الإصلاح
الإصلاح في اللغة : يقول ابن فارس : (صلح) الصاد ، واللام ، والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد يقال: صَلُحَ الشيء يصلح صلاحاً ، ويقال : صلَح بفتح اللام ) ([19])
ويقول الجوهري : ( الصلاح ضد الفساد ... والمصلحة واحدة المصالح ، والاستصلاح نقيض الاستفساد )([20]) وجاء في المصباح المنير: ( وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير ) ([21]) . فالمادة تدور في بيان أن الإصلاح هو الشيء الذي يقابل الفساد ، وقد غلب على مادة (صلح) مصطلح (المصلحة) ، لذلك كانت التعريفات تخص هذا المصطلح.
الإصلاح في الاصطلاح : وكما بينت أن مصطلح (صلح) غلب في الاستعمال عليه مصطلح (المصلحة) لذلك نجد الإمام الأكبر يعرفها بقوله : (وصف للفعل يحصل به الصلاح ، أي: النفع منه دائماً أو غالباً ، للجمهور أو للآحاد... )([22]).
فالمصلحة هي الخير والصلاح الذي يتم به تحقيق مراد الشارع بتحقيق مقصده ، والشارع لا يأمر إلا بالخير والصلاح والنفع لعباده عموماً ، وهذا الأمر مبثوث في كل نصوصه وهذا تعريف بالنتيجة.
ولو بحثنا في تراث الإمام الأكبر سنجده يفرق بين معنى (الصلاح / والاصلاح) فيقول :
معنى الصلاح : ( الصلاح تمام الاستقامة في دين الحق )([23]) ، أي الاستقامة وفق منهج الدين الصحيح ، وعرف الاستقامة بأنها : ( العمل بكمال الشريعة بحيث لا ينحرف عنها قيد شبر) ([24])وقد عرف العمل الصالح بقوله : 0(العمل الذي يصلح عامله في دينه ودنياه صلاحاً لا يشوبه فساد ، وذلك العمل الجاري على وفق ما جاء به الدين )([25]).فالمعيار لقبول العمل ووصفه بالصلاح موافقته للدين الحق.
فمن مجموع هذه التعريفات للصلاح ، والاستقامة ، والعمل الصالح ، يمكن استنتاج تعريف جامع للصلاح هو : الصلاح الاستقامة التامة وفق منهج الشريعة في الظاهر والباطن لتحصيل الراحة في الدنيا والسعادة في الآخرة .
معنى الإصلاح : فقد عرفه الإمام ابن عاشور بقوله : ( الإصلاح ضد الفساد ، أي جعل الشيء صالحاً ، والصلاح ضدّ الفساد ، يقال : صَلُحَ بعد ان كان فاسداً ، ويقال صَلُحَ بمعنى وجوده من اوّل وهلة صالحاً ، فهو موضوع للقدر المشترك )([26]) .
فالإصلاح حسب فلسفة الإمام الأكبر ذو مجالين فهو : إما جعل الشيء صالحاً من أول وجوده ، أو جعل ما كان فاسداً صالحاً ، فعلى هذا تكون مهمة المصلحين هو إعادة الإصلاح لكل ما فسد وخرج على أصله بحيث كان صالحاً واعترته جوانب الفساد ، وكذلك إصلاح الفاسد ومحاولة تغييره وتسييره حسب منهج الشريعة ، وهذا يعنى كذلك بالأخلاق والسلوك التي تكون دخيلة على امتنا وهي فاسدة بنظر الشرع ، فعلى علماء الأمة تقع مسؤولية الترشيد .
فالإصلاح هو : حركة فعلية مضادة للفساد والإفساد تحاول استرجاع الفروع إلى أصولها ، ومحاولة تغيير الفساد بكل الوسائل حتى تفيء إلى أمر الله .
وإذا كنا نريد أن نسلط الأضواء على إصلاح الفكر الديني ، فلنا أن نتساءل منذ البداية حسب ما سبق : فهل العقل البشري هو مصدر الفساد على الفكر الديني ؟ أم أن العقل ضحية لوسائل فساد قد تأتي من مصادر أخرى ؟ فالصفحات القادمة سوف تجيب عن ذلك .


المطلب الثالث : تعريف التجديد
التجديد في اللغة :إن مصطلح التجديد له علاقة كبيرة بمصطلح الإصلاح ، إما بينهما عموم وخصوص ، وإما التباين أو الترادف ؛ لأن الإصلاح كمصطلح عملي هو يعنى بجوانب التجديد في وسائل الإصلاح . يقول الراغب الأصفهاني : ( جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح ، وثوب جديد : أصله المقطوع ، ثم جُعل لكل ما أحدث إنشاؤه ، قال تعالى : بل هم في لبس من خلق جديد ([27])، إشارة إلى النشأة الثانية ...)([28]).
التجديد عند الإمام الأكبر : فيقول عن مصطلح التجديد الديني ، فقد عرف التجديد مع الضميمة([29]) : (فالتجديد الديني يلزم أن يعود عمله بإصلاح الناس في الدنيا : إما من جهة التفكير الديني الراجع إلى إدراك حقائق الدين كما هي ، وإما من جهة العمل الديني الراجع إلى إصلاح الأعمال ، وإما من جهة تأييد سلطانه )([30]).
ويعرف الدين المرتبط بالتجديد بقوله : ( ودين هذه الأمة الإسلام لا محالة ، وهو اعتقاد وقول وعمل وشريعة جامعة ، فتجديده إرجاع هذه الأمور أو بعضها إلى شبابه وقوته وجدته ، وإزالة ما عسى أن يكون قد أدخل عليه من الوهن )([31]).وقد بين الإمام نواحي العمل مع النصوص من أجل إصلاح الفكر الديني ، وذلك ببيان أوجه حفظ الدين الذي يقع على عاتق الأمة فيقول : ( إن هذه الشريعة إرشاد صرف ، وإن للفضائل والصالحات تضاؤلاً وتخلقاً بكرور الأزمان ، وإن لدأب النفوس في المسير حنفاً وانحرافاً إذا امتد الميدان.من أجل ذلك ضمن الله لهذا الدين حفظه فقال : إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون ([32])وإن لحفظه ثلاثة مقامات :
أولها : مقام الرجوع إلى أصل التشريع عند الإشكال، وهو مقام العمل بآية فإن تنازعتم في شيء فردون الى الله ([33])
ثانيها : مقام تجديد ما رث([34])من أصول الدعوة ، وهو مقام العمل بآية : ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير([35]).
ثالثها : مقام الذب عنه وحمايته ، وهو مقامياايها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ([36]). وكلا المقامين الأولين لا يفقهه إلا الفقيه في الدين وهو المجتهد العارف بالطرق الموصلة إلى الغايات من التشريع الإسلامي ، بحيث تصير معرفة الشريعة وسائلها ومقاصدها ملكة له ، أي علماً راسخاً في نفسه ، لا تشذ عند مراعاته والإصابة فيه عند جولان فكره في أمور التشريع ) ([37])
إن الإصلاح الذي نريد بيانه ، ليس إصلاحاً للدين ـ حاشا لله ـ وإنما هو طريق للنظر في جوانب إصلاح المنهجية التي عُرض فيها الدين ، وللطريقة التي يفهم فيها الدين .
فالإمام الأكبر يشير إلى الترابط بين الفكر والعمل ، فلا يمكن إصلاح جانب وترك الآخر ؛ لأنهما كجناحي الطائر لا يمكن تجديد ما رث في أحدهما وترك الجانب الآخر .
المبحث الثاني : إصلاح الاعتقاد
تمهيد : علاقة إصلاح التفكير الديني بالعلوم :
بما أن التفكير هو تقليب الأفكار في العقل البشري ، من خلال مجموعة من المخزون الفكر الديني التي وصلت إليه من خلال الوحي أو التلقي ، كان لا بد من النظر في التعليم ، الذي يمثل أفضل وسيلة للمعلومات .
ولكي نكون أكثر وضوحاً ، فإننا نجد من خلال اطلاعنا على تراث الإمام ابن عاشور (رحمه الله تعالى) أنه يشير بطرف خفي للقضية من زاويتين :
الأولى : وهي إصلاح التفكير ، وهذا معناه أنه يحاول تصحيح طريقة التفكير التي عند الإنسان ويجعلها على الطريقة الإسلامية الصحيحة . الثانية : وهي إصلاح العلوم التي يُراد إدخالها في مخزن الأفكار (العقل البشري) . فهذا يعني نحن أمام نوعين من الإصلاح التجديدي، فهل الأزمة للتفكير الديني هي بسبب طريقة عرض الدين نفسه أم هي من خلال طريقة التفكير؟
ونبدأ بإصلاح التفكير : وخير من يجيب عليه هو الإمام ابن عاشور (رحمه الله تعالى) فيقول : ( قال الحكيم : "الإنسان عقل تخدمه أعضائه" فإصلاح المخدوم هو ملاك إصلاح خادمه ، فإصلاح عقل الإنسان هو إصلاح جميع خصاله ، ويجيء بعده الاشتغالُ بإصلاح أعماله ، وعلى هذين الاصلاحين مدار قوانين المجتمع الإسلامي )([38]).
قد بين الإمام المكان المهم في جسم الإنسان الذي لا بد من وضع وسائل لإصلاحه ، وذلك لأجل أن نضمن أن أعماله التي ستصدر عنه تكون صالحه .
ويؤصل (رحمه الله تعالى) للقسمين باستشهاده بقوله (r) لأبي عمره الثقفي أنه قال : (قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ، قال : قل آمنت بالله ثم استقم)([39]) فجمع له في قوله : (قل آمنت بالله) معاني صلاح الاعتقاد ، وفي قوله (استقم) معاني صلاح العمل([40]).
ولكي نستطيع أن نعرف قيمة إصلاح العقل في الشريعة ، فلابد من النظر إلى موقعة في ميزان الشريعة الإسلامية ، لذلك يقول الإمام الأكبر : ( ومعنى حفظ العقل حفظ عقول الناس من أن يدخل عليها خلل ؛ لان دخول الخلل على العقل يؤد إلى فساد عظيم من عدم انضباط التصرف ، فدخول الخلل على عقل الفرد مفض إلى فساد جزئي ودخوله على عقول الجماعات وعموم الأمة أعظم ، ولذلك يجب منع الشخص من السكر ومنع الأمة من تفشي السكر بين أفرادها ، وكذلك تفشي المفسدات مثل الحشيشة والأفيون والمورفين ، والكوكايين , والهروين ونحوها مما كثر تناولها في القرن الرابع عشر الهجري)([41]).
قد تناول الإمام الحديث عن المفسدات الحسية التي تصيب الأفراد فتفضي إلى فساد جزئي ، وكذلك تفضي إلى فساد كلي إن أصابت عموم الأمة ، وترك الحديث عن المفسدات المعنوية إلى مواطنها
مما سبق يتبين أن العقل هو معيار توازن فكر الإنسان وتصرفاته ، فإذا حافظنا على عقول الأفراد والجماعات ومنعنا كل وسائل الإفساد والخلل ، تخلص الأفراد والمجتمعات عن أي إفساد يلحق بالفرد وبمجتمعه .
وإذا لم تسد الأبواب أمام المفسدات وأمام أصحاب الأهواء ، أصبح المجتمع محاط بالفساد وأهله ، وسيكثر الفساد وتعم الفوضى ويكثر المرضى بسبب تعاطيهم المخدرات ، وتهدر الأموال وتنتهك الأعراض ... وهلم جراً ([42]).
وقبل الانتقال إلى وسائل الإصلاح يحضرني كلام للدكتور أحمد الريسوني حيث يقول : ( وأرى ـ والله اعلم ـ أن من تزكية الإنسان تزكية عقله ، بتنميته وترشيده وتشغيله ، وهذا ما فعله الشرع حيث عمل على تحريك العقول وإطلاقها من قيودها ، ورفع عنها ما كان يعطلها من أوهام وخرافات وطعَّمها بقيمه وأحكامه ، ثم ترك لها المجال واسعاً لتعمل وتتزكى ، وهذا وجه آخر من وجوه حفظ العقل ، فحفظ الشريعة للعقل ليس منحصراً في تحريم المسكرات والمعاقبة عليها ، فكم من عقول ضائعة وهي لم تر ولم تعرف مسكراً قط ، ولكن أسكرها الجهل والخمول ، والتعطيل ، والتقليد )([43]).
وسائل إصلاح التفكير الديني :
قد ذكرنا فيما سبق أن الوسائل ثلاثة ، وهي : إصلاح الاعتقاد ، والتفكير ، والعمل ، ولكن لو نظرنا إلى القسمين الأولين لوجدناهما يصبان في نهر واحد ، ولكون كل منهما له طريقه في الإصلاح ميزهما الإمام بقسم مستقل . ولكي نعطي صورة واضحة عن جوانب الإصلاح في الفكر الديني ، فلابد من عرض جوانب الإصلاح على مرحلتين ، الأول مرحلة إصلاح العلم ، والثانية إصلاح طريقة التفكير ، إذ الخلل قد اعتراهما جميعاً . فإن الإمام ابن عاشور كان صاحب منهجية فريدة في عصره ، إذ كان هم الإصلاح لديه شمل كل قضايا الحياة ، والعلمية منها بالخصوص ، فقد كانت لها حصة الأسد كما يقال .
ولكي نوضح جوانب الإصلاح التي تبناها الإمام لعقيدة المسلم فلابد من النظر إلى جانبين : الأول : جوانب الإصلاح في علم العقيدة ، والثاني الجوانب الإصلاحية لممارسة الاعتقاد .
المطلب الأول : إصلاح الاعتقاد : جوانب الإصلاح في علم العقيدة :
قبل بيان جوانب الإصلاح فلابد من النظر إلى الجوانب التي أضعفت علم العقيدة ، من مجادلات وأفكار دخيلة وغيرها .
وقبل بيان أسباب تأخر العلم يقدم الإمام ابن عاشور موضوعه بتعريف علم العقيدة بقوله هو : ( العلم الذي يُعرف به إثبات العقائد الإسلامية بإثبات الحجج ودفع الشبه ...)([44]) .
وقد تكلم الإمام بعد ذلك على دخول العلوم الفلسفية واتصالها بعلم الكلام ، حتى تقسم الناس إلى طرائق قدداً ، لا يتفقون في كثير من القضايا . وقد نتج عن هذا الخلاف حسب تعبير الإمام إلى خمسة أسباب أخرت العلم وجعلته غير محبوب لدى كثير من العلماء ([45]).
السبب الأول : الخلاف في الاصطلاحات والصفات وتعديدها وكثرة الخلاف اللفظي ، مثل مسألة هل يضل السعيد أو لا نظراً لما عند الله ولما في الواقع ؟ وهل القرآن مخلوق ؟ ومن الحق أن لا ينبني على هذا خلاف معنوي. السبب الثاني : الغلو في التنزيه وقد ظنوا به تعظيم الله تعالى بما لم يصف به نفسه ، فمن ذلك قولهم بجواز إثابة العاصي وتعذيب المطيع وتكليف المحال . السبب الثالث : قول ما لا يعقل واعتقاده ، وعندهم أن رؤيتنا الله في الآخرة بالعين لكن بلا جهة ولا كيف . السبب الرابع : التنابز وإلزام لوازم المذاهب وذلك أوجب إبانة الرجوع إلى الحق إذ في طبع الإنسان كراهية الرجوع إلى من يجترئ عليه .السبب الخامس : إدخال أشياء في التوحيد ليست منه([46]).
فهذه الأسباب التي ذكرها الإمام هي التي أودت بالعلم إلى ضعف الإقبال عليه وتعلمه وتعليمه ، ولكي يرجع إلى موقعه الحقيقي فلابد من عرضة للناس كما ورد في القرآن إيمان بالله خالص وبرسله وكتبه ... بعيداً عن الخلافات والخرافات ، والتشويه للعلم وتعقيد لعلم الكلام .
ويستنبط العلامة ابن الخوجة من كلام شيخه بقوله : ( إن هذه المعركة الكلامية تنطفئ معها أصول العقيدة السمحة ، وتكاد تنمحي بسبب غلبة الجدل والمناقشات الفكرية التي سندها طُرقُ البحث والنظر الشائعة يومئذ . وفي هذا يكمن تدلّي علم الكلام واحتياج الأمر فيه إلى التنبيه على جملة أسباب يتأكد الانصراف عنها وتحاشيها لرجوع العلم إلى حقيقته بين المسلمين ، وقيامه بوظيفته لديهم ، فمن ذلك الاختلاف في المصطلحات والصفات وتعددها ، والغلو في التنزيه ، والقول بما لا يعقل واعتقاده ، والتنابز وإلزام لوازم المذهب ، وإدخال أشياء في التوحيد ليست منه ) ([47]). فالعلم لكي يستطيع العلماء أن يقوموا بدورهم في إصلاحه ، لابد من تخليصه من هذه الأسباب التي أوصلته للمكانة التي فيها
ولذلك قال الإمام محمد عبده في درسه الذي ألقاه بتونس : ( أما الذي يعلم علم الكلام على طريقة تكفل له الانتفاع به في الوصول إلى اليقين والإيمان الذي يملأ القلب خشية من الله فإنما يكون بإطلاق النظر في الأكوان حتى يصل إلى الغاية...)([48]).
المطلب الثاني : إصلاح الاعتقاد : الجوانب الإصلاحية لممارسة الاعتقاد
بدأ الإمام حديثة عن الجوانب الإصلاحية للممارسة الاعتقاد ، بكون الإنسان بفطرته يبحث عن أصل تكوينه ، والوسائل كلها بين يديه لكي يصل إلى الاطمئنان النفسي([49])
وقد وضع الشارع الحكيم جملة من الوسائل التي تُعين الإنسان على اكتشاف خالقه سبحانه وتعالى ، ومن تلك الوسائل ، إرسال الرسل (عليهم السلام) وإنزال الكتب وإقامة الحجة بأيديهم مؤيدين بمعجزات خارقة للعادة . وقد كان التوحيد دين الناس منذ آدم (u) ثم طرأت على الناس من بعدهم حوادث جعلت الناس يتركون عبادة الإله الواحد ، والبحث عن آلهة من صنع أيديهم وغيرها .
وقد حصر الإمام ابن عاشور المفاسد التي دخلت على العقيدة بثلاثة أسباب :
الشرك : هو الأقرب إلى الفطرة ، فهو فيه اعتراف ضمني من المشرك بوجود الخالق ، فليس الإشراك إلا خطأ في أعظم صفة لله وهي الوحدانية . التعطيل : هو إثبات صفات لا تليق بالله تعالى تستلزم نفي أضدادها التي هي كمالات ، وأن إثبات إله متصف بغير صفات الإله نفي ذلك الموصوف . الخطأ في الصفات : وقد أخذ فساداً من الحالتين السابقتين : وهو ما يعرض للعقائد الدينية التي صحت أصولها ، وأهلها وإن كانوا قد آمنوا بوجود الله وتقديسه هم خلطوا ذلك بإثبات صفات لله لا تناسب قدسيته ، فهم يأخذون من الإشراك بنصيب([50]) . وقد وضعت الشريعة الإسلامية للاعتقاد البشري جملة من الإصلاحات ، التي تعصم الفكر من الانزلاق خلف التيارات الإلحادية ، التي إن تمكنت من المجتمعات جعلتهم كالبهائم لا معنى لحياتهم ولا غاية يرتجون منها ، ولا منهم غاية ترتجى .
وقد أحاط الإمام الأكبر بفكره الثاقب وإلمامه الواسع ، إلى وسائل إصلاح الاعتقاد التي وضعتها الشريعة الإسلامية ، وحصرها بأمرين عظيمين : هما وسيلة التفصيل ، ووسيلة التعليل .
فأما وسيلة التفصيل : فقد قامت على ثلاثة أمور : الأول : الإيضاح الشامل لقضايا الاعتقاد ، بتحديد معانيها ، والحرص على تلقيها وإقامة الدلائل عليها . ثانياً : بيان مفاسد النحل الضالة ، ثالثاً : سد ذريعة الأفكار التي ظاهرها الصلاح وباطنها الشرك ، كعدم اتخاذ التماثيل في البيوت ، وعدم اتخاذ القبور مساجد([51]).
وأما التعليل : فقد وهب الله سبحانه وتعالى للإنسان عقلاً قادراً على إدراك المصالح والمفاسد ، وقد سهل الله تعالى لعباده معرفة وجوده من خلال نصبه أمارات حين التمعن بها يدرك الإنسان الحقائق كقوله تعالى :قل انظروا ماذا في السموات([52])، وقال : وفي أنفسكم أفلا تبصرون([53]). لا جرم أن العقيدة أساس التفكير ، وهي الفكرة الأولى للإنسان فيما هو خارج عن حاجته . فإذا رُبِّيَ العقلُ على صحة الاعتقاد تنزه عن مخامرة الأوهام الضالة ، فشب على سبر الحقائق والمدركات الصحيحة فنبا عن الباطل وتهيأ لقبول التعاليم الصالحة والعمل للحق ، وإن أمةً ينشأ اعتقاد دينها على هذه الأصول تنشأ لا محالة على عزة النفس ، والاهتمام بالاعتماد على استجلاب الأشياء من أسبابها ، ورجاء الإعانة والبركة من الخالق ، وذلك يدرب على قوة الإرادة والشعور بالرفعة عن التضليل والأوهام ([54]) .
فالإصلاح التجديدي الذي يحمل لوائه الإمام الأكبر يدعو كافة المؤسسات التعليمية الدينية بكل مراحلها ، إلى إعادة النظر في مناهج تعليمها ومحاولة تخليصها من الشوائب التي ساهمت بتراجع الإقبال عليها ، وكذلك ساهمت بنفرة الكثير عنها ، وكذلك سوء فهم الشريعة .فالمؤلفات المدونة تحمل بالدرجة الأولى أفكار مؤلفها ، وفلسفة نظرته للفكر الديني ، ومعيار قبولها ورفضها مرتبط بمدى قربه من المنهج الإسلامي الإصلاحي الوسطي ، فعلى الأمة أن تراجع تراثها الفكر لتظمن التقدم .
المبحث الثالث : إصلاح التفكير
من خلال تراث الإمام الأكبر يتبين أن المقصود بإصلاح التفكير هو :
أولاً : نقصد بإصلاح التفكير هو : إصلاح طريقة التفكير ، وذلك من خلال الأدوات والمناهج .
ثانياً : ونقصد بإصلاح التفكير هو : نوعية الأفكار التي يمتلئ بها عقل الإنسان ، وذلك من خلال إعادة صياغة مناهج التفكير للوصول إلى مجتمع فيه كل مقومات الإصلاح .
وتأسيساً على ما سبق فقد قام الإمام ابن عاشور ببيان سبب فصل موضوع إصلاح التفكير عن موضوع إصلاح الاعتقاد وإن كان الأخير من التفكير، وبهذا يكون جانب التفكير أوسع من جانب الاعتقاد . وتعود الأسباب حسب رأيه بأن العقيدة امتازت عن جانب التفكير بكونها تفكيراً مقدساً ، وتُتلقى مبادئه بصورة تشبه التقليد ، وذلك بالتسليم بما جاءت به الرسل (عليهم السلام) تصديقاً مصحوباً بالتقليد في بداية الأمر ، ومن ثم تُقام الأدلة والبراهين على صحة ما جاءت به الرسل ([55]).
أما جانب إصلاح التفكير ، فهو يرجع إلى النظر في التصرفات التي تكون في الحياة الدنيا ، ليُعرف ثمرتها في العاجل ، من خلال إعمال العقل لكي يسلم صاحبه من الوقوع في المهاوي التي تضره في العاجلة ؛ لأن أعماله جارية في الصلاح والفساد حسب تفكيره ([56]).
ويستنبط الإمام من خلال الاستقراء جملة من المصالح التي يتضمنها إصلاح التفكير بقوله : ( بهذا نستدل على أن إصلاح التفكير من أهم ما قصدته الشريعة في إقامة نظام الاجتماع من طريق صلاح الأفراد ، وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن باستدعاء العقول للنظر والتذكر والتعقل والعلم والاعتبار ، وإن ذلك جرى على هذا المقصد فأنبأنا الاستقراء عن اهتمامه به والإفصاح عنه بكلام رسوله ) ([57]). ومن هذا الأصل نستطيع أن ننزله على حالة إصلاح التفكير ، فعقول الأمة متفاوتة في مستوى الاستقبال والتفكير ([58])، فإذا حافظنا على إصلاح التفكير الفردي للأفراد الأمة ، فنحن بلا شك نسير نحو إصلاح اجتماعي عام يشمل الأمة جميعها ، رجالها ونسائها ، صغارها وكبارها . وقد استقرأ الإمام الأكبر نواحي التفكير ومدى إيجاد الوسائل في إصلاحها ، فانتهى إلى ثمانية نواح تودي إلى نجاح الفرد والجماعة في المجتمع:
الأول : التفكير في تلقي العقيدة :يقول الإمام : ( العقيدة هي أصل الإسلام ، فالدعاء إلى تصحيح التفكير فيها تأصيلٌ للتفكير عند المسلم في أول تلقيه للإسلام )([59]).
وقد استرسل الإمام في بيان وسائل إصلاح التفكير في تلقي العقيدة ، وذلك ببيان فساد الاعتقادات التي انتحلتها الأمم التي استحقت العقاب ، وبين بطلان آرائهم ، وما أوصلتهم به من الخراب والخسران للدنيا والآخرة . ثم بين منهج القرآن في إصلاح تلقي العقيدة بقوله([60]): ( ثم إن الإسلام لم يسلم بالمسلمين في دعوته مسلك الأمر الملجئ ، بل دعاهم إلى صحة الاعتقاد وإلى دليله ، فكرَّه إليهم طريقة المخطئين بقوله في فتحة الكتاب اهدنا الصراط المستقيم ([61])فهذا مقام التخلية والتحلية ، ثم إنه نبه عقول المسلمين إلى الدلائل بصفة تخالف صفة تنبيه المعاندين ؛ إذ ساق لهم الأدلة مساقها للمسترشدالمستهدي،كقوله تعالى:ان في خلق السموات والارض لايات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ([62])، وقوله : ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار ([63])
الثاني : التفكير في تلقي الشريعة : إن خطاب الشريعة للمسلمين بالتفكير في تلقي الشريعة لا تبلغ مبلغ ما لها في الدعوة إلى التفكير في مجال الاعتقاد ، وقد بين الإمام ذلك بقوله : ( ووجه ذلك أن دلائل الأمور الاعتقادية أدخلُ في الفطرة وأوضح في الدلالة ، فكانت دعوة عامة الأمة إليها متيسرة بخلاف دلائل التشريع فإنها تخالف دلائل الاعتقاد )([64]).
وقبل بيان الاختلاف بين التفكير في مجال العقيدة والشريعة ، فلا بد من بيان معنى الشريعة عند الإمام الأكبر ، وقد أجاب الإمام عن هذا المصطلح بقوله : ( فمصطلحي إذا أطلقت لفظ التشريع أني أريد به ما هو قانون للأمة ، ولا أريد به مطلق الشيء المشروع ، فالمندوب والمكروه ليسا بمرادين لي . كما أرى أن أحكام العبادات جديرة بأن تسمى بالديانة ، ولها أسرار أخرى تتعلق بسياسة النفس ، وإصلاح الفرد الذي يلتئم منه المجتمع ، لذلك قد اصطلحنا على تسميتها بنظام المجتمع الإسلامي ...)([65])
فقد بين الإمام مصطلح التشريع بأنه قانون عام للأمة فيشمل كل جزئيات الحياة العامة ، للأفراد والجماعات .وإن السبب في عدم جعل تلقي الشريعة عاماً لكل المكلفين ، وتخصيصه لأهل العلم خاصة هي الأسباب الثلاثة الآتية : أولاً : أنها أخفى دلالة وأدق مسلكاً إلى الفطرة ، فلا تتأهل لإدراكها جميع العقول ([66]). ثانياً : أن المقصد من مخاطبة الأمة بالشريعة وامتثالهم إليها أن يكون علمهم بها كاملة ، وهذا المقصد لا يناسبه وضع الشريعة للاستدلال بالنسبة لعموم الأمة . ثالثاً : أن المخاطبين بالشريعة هم الذين استجابوا للإيمان وصدقوا الرسل ، فالاستغناء معهم عن التصدي للإقناع أدل على الثقة بإيمانهم والشهادة لهم بالإخلاص فيه.
قال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ([67])، فجعل انتفاء الحرج من أحكام الرسول غاية لحصول إيمانهم وتشريعه الذي يبلغه إليهم هو من أحكامه ، فدلنا هذا على أن الطريق الموصل إلى إيمانهم طريق استدلال ، والطريق المساير لهم بعد إيمانهم طريق تسليم وامتثال([68]). رابعا ً : ويمكن أن نضيف سببا آخر للأسباب التي ذكرها الإمام ، وهو : أن خطاب التشريع ليس كخطاب الاعتقاد ، فالثاني الإيمان به والتصديق واجب وذلك لوروده قطعي الدلالة والورود فلا يمكن الاختلاف في وحدانية الله وصفاته كما مر ، ولكن يمكن الاختلاف في أركان الصلاة وشروطها وسننها وهلم جراً ، وذلك لطبيعة أساليب الخطاب فيها فمنه الواضح الدلالة ومنه الخفي ، ومنه المشار إليه بعبارة النص والآخر بايمائة والآخر بمقتضاه ... والخ
فتلقي الشريعة لا يكون لكل الأمة ، وإنما هو لأهل العلم خاصة ، وذلك لاشتمال النصوص التشريعية إلى مواطن يصعب إدراك عِلَلِها ، ولا يستطيع المكلف إدراك تلك العلل . وإصلاح التفكير في تلقي الشريعة هو حسب إشارة الإمام الأكبر ، هو ترك المجال لأهله ، فهم أعرف به ، والأجدر على استنباط تعليلاته ، وهذا المقام لا يستطيع كل دارس أن يصل إليه .
ويشير الدكتور أحمد الريسوني([69]) إلى هذه القضية بقوله : ( إن تفسير الدين ، فضلاً عن الاجتهاد به ، يحتاج إلى علم ومعرفة وخبرة ، وإنما يحق للشخص أن يمارس ذلك ، وأن يتمادى فيه قليلاً أو كثيراً بقدر ماله من العلم والمعرفة والخبرة ... فمن يتكلم في الطب والعلاج بغير علم ومن دون تمكن يُعد مشعوذاً ...ومن يتكلم في السياسة بلا علم يعد مهرجاً وانتهازياً وديماغوجياً([70])... فهل يعقل ويقبل أن يكون الدين وحده ـ بأصوله وفروعه وقواعده ـ مجالاً مباحاً يقول فيه من شاء ما شاء ، بدعوى حرية الفكر وعدم احتكار الحقيقة ؟! فهلا عُدّ الدين ـ على الأقل ـ مجالاً علمياً كسائر المجالات العلمية الأخرى ، يحتاج المتكلم فيه إلى مستوى علمي معين وإلى شروط علمية متعارف عليها ، حتى يسمع له ويقبل منه أن يقول ويفسر ويؤول ويجتهد )([71]).
ويختم الإمام وسيلة الإصلاح لتلقي الشريعة ، وذلك بتمييز القضايا بين ما يرجع فيه للمجتهدين ، وهذا مقام عال لا يمكن للعوام أن يدخلوا فيه ، وإنما يكون دورهم ( بتوخي استفتاء تقليد عالم عرف بالأهلية لذلك ممن شهد له علماء الأمة بأصالة الاجتهاد ومن انتصب للفتوى ، فأقبل على الأخذ عنه حذاقُ المتفقهين واهتم الناس باستفتائه ) ([72]).
الثالث : التفكير في العبادة : ويبني الإمام وجه الإصلاح في جعل العبد مقبلاً على ربه بقلبه ، وذلك بتبيين أن العبادات كلها تعود على الأفراد بالخير عاجلاً وآجلاً ، ولا تعود على المعبود بنفع ولا ضرر([73]) .
وإذا كان الإمام الأكبر قد وجه للإمام الشاطبي أكثر من نقد ، فقد بين بمقدمته منهجه بقوله ( فأنا أقفي آثاره ، ولا أهمل مهماته ، ولكن لا أقصد نقله ولا اختصاره)([74]).
فإذا كان هذا هو المنهج ، فهل وافق الإمام الأكبر الإمام الشاطبي بقضية تعليل العبادات ؟.
فالشاطبي يعتبر العبادات القصد منها الامتثال وعدم التعليل ، لذلك يبين العلامة أحمد الريسوني موقف الإمام الشاطبي من تعليل العبادات بقوله : ( فأول دليل له عليه الاستقراء أيضا ، بحيث إن الكثير جدِّا من أحكام العبادات ، في كيفياتها ومقاديرها ومواقيتها وشروطها ، لا يمكن تعليله تعليلا عقليِّا ، وتحديد وجه المصلحة فيه ؛ كما في موجبات الطهارة ... والتيمم يقوم مقام الطهارة المائية ، ولا معنى لذلك لولا التعبد ... ومثل هذا يجري في كثير من أحكام العبادات ، فالتعليل والمناسبة فيها استثناء)([75]).
أما الإمام ابن عاشور فكان له توجيه مصلحي إصلاحي دقيق في هذه المسألة فيقول : ( واعلم أن المصالح التي تشتمل عليها الأعمالُ قد تكون مصلحة ً لغير العامل كمصلحة الزكاة والصدقة ، وقد تكون مصلحة ً للعامل كمصلحة الطهارة والصوم . وقد ظن بعضُ العلماء([76]) أن عدم التأمل في مصالح الأعمال أليق ُ بقصد الامتثال بناءً على أن التأمل في ذلك يجعل العمل مراداً منه حظُّ النفس في الدنيا ، وليس كذلك على ما اختاره المحققون([77]) فإن أدلة الشريعة َ مُتضافرة ٌ على أن قصد الامتثال مع اعتقاد فائدة العمل في الدنيا([78]) أعونُ على الامتثال وأدخلُ في شكر الله تعالى على ما شرع لنا في هذا الدين الشريف لا سيّما إذا كانت تلك الحظوظ ُ داخلية ً فيما يدعو إليه الشرع )([79]).
ويمكن التمثيل بمسألة الوضوء ، بكونها إحدى العبادات الوسيلية لأداء الصلاة : قال تعالى : ) ياأيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق (([80])
إن الإمام الأكبر ذكر مقاصد كثيرة للوضوء ، لكنها تنحصر باتجاهين :
الإتجاه الأول : ويتمثل بضبط أسباب الوضوء : كقوله : (حكمة الوضوء وهي النقاء والوضاءة والتنظف والتأهب لمناجاة الله تعالى تقتضي أن يبالغ في غسل ما هو أشد تعرضا للوسخ ...)([81]) والإمام الأكبر حين فسر قوله ( r ) ( لا يقبل الله الصلاة بغير طهور )([82]) أشار إلى أن الشريعة لم تجعل معرفة أسباب الطهارة تحتاج إلى جُهد ولا إلى اجتهاد بل أناطتها بأمور ظاهره ومنضبطة ، لكي ترفع الحرج عن الناس ، ولا تجعل قلوبها مثقلة بعملية الطهارة .
ويشير إلى ذلك بقوله: (جعلت الشريعة أسبابا لتجديد الطهارة لا تخفى عن المتلبِّس بها فلا تقبل تشكيكاً ولا تأخيرا ... وجعلت الطهارة طهارتين : كبرى : لجميع الجسد لإزالة ما عليه من مفرزات طبيعية وما يَرِد إليه من أوساخ خارجية. وصغرى : لأعضاء ومنافذ يكثر الإفراز والورود عليها . وجعلت أسباب تجديد كلتا الطهارتين أسباباً من شأنها التكرر ... ومن بدائع التشريع أنَّنا نجد مناسبة بين الأسباب التي يعبِّر عن أكثرها الفقهاءُ بالأحداث وهي مفرزات جسدية . وبين سبب مشروعية الطهارة الكبرى والصغرى وهو النظافة ، فان تلك الأسباب تكثر وتقلُّ في آحاد الناس تبعاً لقَّوة عضلات البدن وضعفها . وإذا كان الوسخ من جملة المفرزات الجسدية كانت تلك الأسباب الظاهرة مقارنة في الواقع للسبب الخفي ، فانيطت سببية الطهارة بالظاهر ، لأنه مقارن للخفي ومعرف به كشأن الأسباب الشرعية ...)([83]) .
الإتجاه الثاني : ويتمثل بضبط أداء الوضوء : فالإمام الأكبر نظر إلى مقاصد الشريعة من أداء الوضوء ، بضبط فوائده وإظهارها ، ولكي يكون المسلم متصفاً بالنظافة في اغلب أوقات يومه ، وهذا يتطلب حرصا منهم على أداء ما فُرض عليه ( فجاء الإسلام يأمرهم بما يكمل ما في الفطرة من حبِّ التطهر ، وذلك بجعله الطهارة شرطاَ في أهم أركانه، وبيان فضائلها ، وبتجديد مواقيت إيقاعها بحسب ما يناسب حاجة كل أحد حتَّى لا يُعرِّضها الناس للإضاعة بذريعتين : إحداهما : النسيان عنها ، الثانية : اختلاف النفوس في الشعور بحالة لزومها ، وهاتان الذريعتان هما ذريعة التفريط في الفضائل كلها . فأما النسيان فتراخى المرء عن الأمر الحسن في وقته الحاصل فيه ، فإذا تذكَّره بعد فوات وقته ، يتثاقل عن تداركه فينقلب نسيانه إلى تهاون واستخفاف .
وأمَّا اختلاف الشعور بالحاجة إلى العمل النافع : فيُغر المرءَ بأنَّه في غنى عنه فيتركه في حال تلبُّسه بما يقتضي عمله ، فيفوت الانتفاع بالمنافع كثيرِّا من الناس في أوقات كثيرة ....فلِسدِّ هاتين الذريعتين جعل الإسلام الطهارة واجبة ...)([84])
وهذا الاتجاه الإصلاحي الذي تبناه الإمام ابن عاشور ، هو بسبب القضايا التي لحقت بالفقه الإسلامي ، وجعلته يتأخر عن موقعه المنشود له .
وقد ذكر الإمام الأكبر أسباب تأخر هذا العلم بثمانية أسباب([85]):
الأول : التعصب للمذاهب والعكوف على كلام إمام المذهب واستنباط الحكم منه بالالتزام أو نحوه ، ... بل صار قصاراهم نقل الفروع وجمع الغرائب المخالفة للقياس ونقل الخلاف ، وأبوا التراجع ورفع الخلاف الذي هو الغرض من التفقه .
ومن الفروع التي وقع فيها سوء فهم ، وقد تلقاها المتأخرون بالتسليم لها ولم يجتهدوا باستنباط مناطها ، وقد غلب عليهم التقليد والعكوف على كلام السابقين ، مسألة لعن الواصلة والواشمة ... الخ
لذلك نجد الإمام ابن عاشور يحل الإشكال ويوضح النص بقوله : (ومن معنى حمل القبية على عوائدها في التشريع إذا روعي في تلك العوائد شيءٌ يقتضي الإيجاب أو التحريم ، يتضح لنا دفعُ حيرةٍ وإشكال ٍ عظيم ٍ يعرضان للعلماء في فهم كثير من نهي الشريعة عن أشياء لا تجد فيها وجه المفسدة بحال ، مثل تحريم وصل الشعر للمرأة وتفليج الأسنان والوشم ... فإن الفهم يكادُ يضل في هذا ، إذ يرى ذلك صنفاً من أصناف التزيُّن الأذون في جنسه للمرأة كالتحمير والخلوق والسواك فيتعجب من النهي الغليظ عنه .ووجهُهُ عندي الذي لم أر من أفصح عنه ، أنَّ تلك الأحوال كانت عند العرب أماراتٍ على ضعف حصانة المرأة ، فالنهيُ عنها نهيٌ عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك الأعراض بسببها)([86]).
ويعلق الشيخ محمود شمّام في تراجمه بقوله : ( فالشيخ ابن عاشور يفتي هنا بحلية لبس الباروكة وما شابهها، وتزجيج الحواجب ، وتكحيل العيون ، تفهما لمعنى الأثر والمورد الذي ورد فيه ، ولأن هذه الأمور يقصد بها الآن الزينة لا تغيير خلق الله ولا تبديله ، وما ورد من نهي على فرض صحته وصحة سنده ، فالمقصود به نساء في ذلك العصر اتصفن برقّة في العفاف وضعف في الدين وسوء سيرة ، ولا يشمل كافة النساء ولا كافة العصور ... وهكذا انحل هذا المشكل الذي تعثرت الأقلام في تفسيره ، وعجزت الأفكار عن حله ، حتّى أفتى به بالرأي السّديد والفهم الرشيد أستاذنا الجليل رحمه الله )([87]).
وتأييداً للوجه الذي ذكره الإمام ، لا بد من ذكر أن الإمام عالم بالعربية ، وعالم بأساليب العرب وقد خطت يداه آثاراً كثيرة في هذا السياق ، من ذلك كتب مقالة في حصر وتحديد طريقة شعراء العرب في توجيه الخطاب للمرأة وقد حصرها بخمسة أغراض([88]).
إذ أن هذا الأمر ليوحي إلى البعد الفكري الذي يمتلكه الإمام ، إذ كانت له استقراءات لطريقة الشعراء الجاهليين في توجيه الخطابات للمرأة ، فإذا كان كذلك ، وهو كذلك ، فالإمام له دراية بتاريخ العرب وأساليب العرب ومعهود الخطاب في ذلك العصر .
فالإمام له دراية بمعهود الخطاب التشريعي كذلك ، فمعهود الخطاب زمن الرسالة يعرف الإمام أبعاده وأغراضه ، كيف كان يتُلَقى ، وكيف كان يتنزل على حقائق الأشياء لما كان القرآن يتنزل على سيدنا محمد (r) ؛ لأن الشارع كان يصف ظواهر ويحكم عليها ، فهذه الظواهر ماهي ؟ فلا بد اذاً من معرفة تاريخ العرب .
اذاً لابد من النظر إلى الأحكام على أساس دقيق ، ومعرفة عوائد الأمم والشعوب على سبيل العموم ، وعلى سبيل الخصوص بالنظر إلى الواقعة في الأفراد من حيث انطباقها عليه أم لا... ([89])
الثاني : إبطال النظر في الترجيح والتعليل ورمي من يسلك ذلك بأنه يريد إحداث مذهب جديد ، ويبين الإمام مفاسد هذا الاتجاه بقوله : ( وفي الحقيقة أن غلق باب النظر هو المانع من تقليل الخلاف أو توحيد المذهب ... ولا شك أن منع ذلك يفضي إلى التوقف في أحكام محدثات كثيرة ، فإن المستنبطات الاجتهادية قد راعى فيها أيمة المذاهب المصالح والمفاسد ، ومقاصد الشريعة ، وحاجات الأمة ، وعوائدها ، ودفع المشقات ، ونحو ذلك . ولهذا نرى العلماء اليوم يتحيرون في أمرهم مهما حدث شيء لم يعلموا حكمه ...)([90]).
وهذا كله بسبب النظر في الفروع ، وعدم السماح للعلماء أن يجيلوا النظر في التراث القديم ، لكي يستخرجوا من تلك المدونات الراجح منها ، وبعد الفراغ من ذلك التصدي للنوازل المعاصرة ، بدل البحث في زوايا الحواشي والتقريرات عن رأي لم يمحص ولم يدقق فيه النظر .
السبب الثالث : عد العناية بجمع النظائر والقواعد للفروع المتحدة بذكر الحكم الجامع بينها حتى يستغنى عن كثرة التفريع ، وحتى تكون الفروع كالأمثلة للقواعد . السبب الرابع : إهمال النظر إلى مقاصد الشريعة من أحكامها ... فإن تتبع تصاريف الأحكام يرشد الفقيه إلى مقاصدها .السبب الخامس : ضعف الفقهاء في علوم يؤثر الضعف فيها قصوراً عند الاستنباط ، كضعفهم في الحديث ، واللغة ، وأصول الفقه ، وعلوم الاجتماع وحاجات الأمة .السبب السادس : الإعراض عن التآليف المفيدة المهذبة الواضحة العبارة ، مثل مختصر ابن الحاجب ، والالتجاء إلى ما فيه كثرة الترددات من ضيق عبارت المختصرات ، كعبارات خليل واحتمالات شراحه واستظهاراتهم([91]).
السبب السابع : الاختلاف في أصول الاستنباط فتجد لكل مذهب أصولاً خاصة ، وهذا الذي تعسر معه المراجعة ، فيجب توحيد الأصول ونبذ الخلاف منها
إن هذا الرأي من أفضل الآراء التي يجب أن تتبناه المؤسسات العلمية ، وذلك بتكليف نخبة من الأساتذة الكبار من كل المدارس الفقهية للبحث في استخلاص أصول قطعية ، لكي يقل الخلاف بين أفراد الأمة حين التفريع ، ولكي نعطي صورة واضحة عن المنهج الإسلامي في الاستنباط للمسائل المسكوت عنها في الشريعة ، أي منطقة الفراغ التشريعي . فالنازلة المعاصرة ـ أو الفراغ التشريعي ـ التي لا نص في تبيين حكمها ، فإلى أي أصل من أصول المذاهب نرجعها ، لكي نعطي للسائلين حكم الله فيها ؟ وهذا المنهج من أهم قضايا العصر التي تندرج في منهج الإصلاح للأفراد والجماعات ، فعلى عاتق أهل العلم تقع المسؤلية ، كعبد الملك السعدي ، والزلمي ، والقرضاوي ،والإمام الأكبر عبد الله بن بيه ، والريسوني ، والخادمي ، والشاهد البوشيخي وهلم جراً .
ويمكن التمثيل بعملية الإلحاق القياسي : فإن عملية القياس لكي تتم ، فلا بد لها من مرحلتين أساسيتين اتفق العلماء جميعاً عليهما ، وإن لم نجد لهم فيها تصريحاً واضحاً لهذا التقسيم .
المرحلة الأولى : عملية تحديد العلة ، وهي عملية النظر الاجتهادي لتحديد الوصف بكونه علة من بين الأوصاف الكثيرة التي تلوح للمجتهد ، فعلية تحديد الوصف المناسب للحكم .
المرحلة الثانية : عملية تحقق العلة في الفرع ، ومعرفتها ، ومرتبتها بالنسبة لعلة الأصل ، لأننا نجد أن العلة تتفاوت مرتبتها ، فهناك القياس المسمى بالأولى ، وهناك المساوي ، وهلم جراً .
فمثلاً : قياس الأولى واختلاف العلماء فيه بين إلحاقه بمباحث القياس أو إلحاقه بمفهوم الموافقة ، على مذاهب وطرق ، وساق كل مذهب آرائه ، وسبب الخلاف عدم وجود أدلة قطعية تحسم الخلاف
فعلى هذا تختلف وجهات النظر الاجتهادي في كلا المرحلتين ، وأهم أسباب الاختلاف ظنية الدليل ، أو الأدوات المعتمدة في عملية الاجتهاد.
والسبب الرئيس في الاختلاف في عملية الإلحاق القياسي الجزئي ، هي المرجعية المذهبية ، واختلاف الأصول لكل مذهب ، فلكل مذهب طرق في استخدام مسالك التعليل فينتج عنه اختلاف في التعليل والتحقيق .
السبب الثامن : صرفهم جل هممهم إلى فقه العبادات ، وتقصيرهم في فقه المعاملات من النوازل والأقضية فتركوه محتاجاً إلى أصول وكليات تجعل للعارف به معرفة بأحوال الزمان .
ونشير أخيراً : بأن الإمام ابن عاشور " رحمه الله تعالى" يبين بأن الإصلاح المنشود للأفراد والجماعات يتم عبر مراحل : أولاً إصلاح التفكير في الإقدام على العبادة وذلك من خلال الترغيب فيها وبفضائلها الحسية والمعنوية ، وثانياً :إصلاح التفكير في الدفاع عنها وضبط مدلولاتها وشروطها وضوابطها ، من خلال إصلاح العلوم المرتبطة بها ، والتي من خلالها تتم الديمومة لها .
الرابع : التفكير لتحصيل النجاة في الحياة الآخرة([92]) : لم يجعل الإسلام سعادة المرء في الحياة الآخرة منوطة بالبخت أو بقبيلة أو نسب أو عصر أو بلد ، وإنما ناطها بمقدار ما يقدمه المسلم في حياته الدنيا من الأعمال الصالحة قلباً وبدناً ، ولذلك قيل الدنيا مطية الآخرة ، وقال الله تعالى : وان ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى ([93])، وقد كانت ملاحظة هذا المعنى من أكبر أسباب فلاح المسلمين الأولين ، حتى إذا احترفوا الكلام وتعلقوا بالأوهام ، وتطلبوا المسببات من غير أسبابها ، وأتوا البيوت من ظهورها لا من أبوابها صاروا إلى ما ترى
فإصلاح التفكير في هذا الجانب : يعتمد على نصب العلامات والإشارات المعقولة والمنقولة للمسلم لكي يزيد إيمانه بآخرته ، ولكي نكون قد أدينا الأمانة التي حملها الإنسان .
الخامس : الحزم([94]):إن الأخذ بالحزم ناحية من نواحي التفكير الصحيح ؛ لأنه يقي المرءَ الوقوع في الارزاء التي قد يتعسر دفعها أو يضيع في دفعها وقت ثمين ، فالحزم ملاك النجاح ، والحزم نوع ضعيف من سوء الظن ، لكنه لا يرتب عليه صاحبه معاملة المظنون به على حسب ما ظن به ، بل يرتب العذر مما عسى أن يأتيه المظنون به . وفي الحديث الصحيح : ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) ([95])، فأسند حكم النفي إلى المؤمن ليشير إلى أن وصف الإيمان لا يقتضي إهمال الحذر ، فلذلك لم يحسن منه أن يقع في ضر مرة ثانية بعد أن وقع في نظيره ابتداء ... وقد حذر الله المؤمنين في الحرب فقال : ﭽ ﮊ ﮋ ﭼ ([96]).
السادس : التفكير في المعاملة : ينبني التفكير في المعاملة بين الناس على الشعور بما لأجله احتاج المرء إلى المعاملة مع الناس ، وعلى الإنصاف من النفس. وأشار إلى الأول:قوله تعالى :يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ([97]) فإذا كانت الحكمة من تكوين القبائل والشعوب حصول التعارف وجب أن يسعى الإنسان إلى ما به يدوم التعارف([98]). ولذلك يشير الإمام بقوله : (وجعلت علة جعل الله إياه شعوبا وقبائل. وحكمته من هذا الجعل أن يتعارف الناس، أي يعرف بعضهم بعضا.والتعارف يحصل طبقة بعد طبقة متدرجا إلى الأعلى ، فالعائلة الواحدة متعارفون ، والعشيرة متعارفون من عائلات إذ لا يخلون عن انتساب ومصاهرة ، وهكذا تتعارف العشائر مع البطون والبطون مع العشائر، والعشائر مع القبائل، والقبائل مع الشعوب لأن كل درجة تأتلف من مجموع الدرجات التي دونها.فكان هذا التقسيم الذي ألهمهم الله إياه نظاما محكما لربط أو إصرهم دون مشقة ولا تعذر فإن تسهيل حصول العمل بين عدد واسع الانتشار يكون بتجزئة تحصيله بين العدد القليل ثم ببث عمله بين طوائف من ذلك العدد القليل ثم بينه وبين جماعات أكثر. وهكذا حتى يعم أمة أو يعم الناس كلهم وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم )([99])
وأشار إلى الثاني : بقول النبي (r) : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)([100]) أي لا يكون مؤمناً كاملاً إذا لم يبلغ هذه الغاية ، فنفي الإيمان هنا بمعنى نفي الكامل من نوعه على طريقة المبالغة ([101]).
السابع : التفكير في الأحوال العامة للعالم :وقد وصفه الإمام بأنه أهم المواقف ؛ لأنه يشمل كل قضايا التفكير التي سبقت بشكل عام ، وله ضرر على مستوى الأفراد والجماعات ، فيقول : ( وهذا من أهم مواقف التفكير الصحيح ؛ لأن تصور الحالة العامة على خلاف ما هي عليه يوقع في مصائب ذاتية بالنسبة إلى تصرف المرء في ذاته ، وفي مصائب متجاوزة غلى الجماعة أو البلد أو الأمة ، بالنسبة إلى ما يتصرف فيه المفكر في شؤون الناس من ملك أو وزير أو قائد جيش أو سفير...)([102]).
لذلك بين الإمام أن الله تعالى بين في كتابه وسائل إصلاحية لتعين على التفكير لتجنب العواقب ، وذلك بالاتعاظ بأحوال الأمم الغابرة لتجنب أسباب الهلاك ... ولأجل هذا التفكير وعائدته على الأمة أكثر الله تعالى في كتابه قصص الأولين ومواضع العبرة بهم ([103])، قال تعالى : ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما اغنت عنهم الهتم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك ([104]).

الثامن : التفكير في مصادقة الحقيقة في العلوم :العلوم كثيرة ومتنوعة ، ولها غايات متعددة ، فالضابط للعلوم التي تنفع المسلم هي التي تهتم (بإصلاح التفكير والمقدم في نظر الشرع ، هو العلوم الشرعية بأقسامها الراجعة إلى ما فيه صلاح الأمة ، وهذا الصنف قد دعت الشريعة إلى التهمم به دعاءً حثيثاً بأقوال وتحريضات تتجاوز العد ... فإن العلم الصحيح عبارة عن إظهار الحقائق في صورة جامعة لها وتسهيل إدراكها لمريده بما يُمكن من السير في المزاولة ...)([105]) .
وذكر الإمام جملة من الوسائل التي تكون مذموم التعامل بها وهي : ( التكلف ، وترك الجادة وإتباع بينات الطريق ، وتعسف السبل المنحرفة ، وأن ملاك الصواب هو ترك التكلف ، ولذلك أرى ملاك آداب العلم ، قوله تعالى : وما أنا من المتكلفين([106]). ويختم الإمام حديثه عن إصلاح التفكير بقوله : ( هذا ما عنَّ لي من النواحي التي دعا الإسلامُ إلى صحة التفكير فيها ، وإنها لمن أهم النواحي وأجمعها ، وما عسى أن أكون قد ذهلتُ عنه فبصر المطالع لهذا المقدار في مثله حديد ، وزمام تسخيره بيده لا يحوجه إلى ارتياض جديد . وإنك لتوقن بأنَّ أمة يزجي بها دينها إلى صحة التفكير في كل النواحي العرضة في الحياة العقلية والعلمية لهي جديرة بما نالته من سيادة العالم أيام كانت أخلاقها الدينية غير مشوبة بخليط الخطأ في فهمه حق فهمه ، ولتوقن بأن تراجعها القهقري له مزيد اتصال بنبذ هذا الأصل عندهم إلى الوراء )([107]).
المبحث الرابع : إصلاح العمل
يبدأ الإمام حديثه عن إصلاح العمل ، وذلك بكونه نتيجة عن الاعتقاد والأفكار ، فهي التي تُسير الإنسان إلى الخير أو الشر فيقول : ( أعمال العاملين تجري على حسب معتقداتهم وأفكارهم ، فجدير بمن صلحت عقائده وأفكاره أن تصدر عنه الأعمال الصالحة ...)([108]).
ويعرف الإمام صلاح العمل بقوله : ( وحاصل معنى الإصلاح في العمل ألا يكون مفضياً إلى مفسدة أو إضاعة مصلحة ، سواء حصلت منه مصلحة قوية أو ضعيفة ، أم لم يحصل منه مصلحة أو مفسدة ...)([109]).
من الملاحظ أن في الشريعة الإسلامية أعمال فيها نوع من المشقة ويعبر عنها بالمفسدة ، فلا يخلو أمر في الشريعة من المشقة ؛ لكنه داخل في مقدرة الإنسان وكلفته ، وهذه الأفعال المأمور بها لا بد من إتيانها على الوجه التي أراده الله تعالى ؛ لأن جانب المصلحة فيها أقوى .
ويمكن أن نلاحظ على تعريف الإمام الأكبر لإصلاح العمل ، بأنه لا يقصد الأعمال المنصوص على صلاحها أو فسادها في الكتاب والسنة ، إذ أن هذه الأنواع لا يمكن الاجتهاد في صلاحها وفسادها ـ أي من حيث التطبيق ـ ولكن يمكن إدراك المصالح التي قصدها الشارع من تشريع الحكم .
ولكنه يقصد بالأعمال المستحدثة ـ التي لا نص فيها ـ فهذه الأنواع من الأعمال التي ينظر إلى جانب الأثر المترتب عليها من الصلاح والفساد ، وهنا ينظر إلى الجهة التغليبية في الفعل .
ويوضح العلامة الريسوني الموضوع بقوله : ( ومعنى ذلك أن المصلحة تعتبر مصلحة باعتبار غلبة الصلاح والنفع فيها ، وان المفسدة تعتبر مفسدة باعتبار غلبة الفساد والضرر فيها ، وهذا مطرد في معظم المصالح ، بل من العلماء من يميل إلى طرده من جميع المصالح والمفاسد )([110]).
ويبين الإمام ابن عاشور أن هذا الأمر دقيق فلا ينهض له إلا المجتهدين مع انه ليس بعسير عليهم فيقول : ( وتحقيق الحد الذي نعتبر فيه الوصف مصلحة أم مفسدة أمر دقيق في العبارة ولكنه ليس عسيراً في الاعتبار والملاحظة ؛ لان النفع الخالص والضر الخالص ، وان كانا موجودين، إلا أنهما بالنسبة للنفع والضر المشوبين يعتبران عزيزين )([111]).
من خلال ما سبق يتبين أن الإمام يرى المصلحة الخالصة في الأوامر والنواهي قليل جداً في الشريعة ، إذا قارناه بالأوامر والنواهي التي يكونان مشوبتان بالمصلحة والمفسدة ، ولا ينهض للتبين جهة التغليب إلا المجتهدين .
وقد وضع الشيخ ابن عاشور ضوابط لمعرفة الفساد والصلاح فيقول : أولاً : أن يكون النفع والضر محققاً مطرداً ، وقد مثل للنفع المحقق الاستنشاق للهواء والانتفاع بنور الشمس ومثل للضر المحقق مثل: حرق زرع لقصد إتلاف من غير معرفة صاحبة . ثانياً : أن يكون النفع والضر غالباً واضحاً ووصفه بأنه أكثر أنواع المصالح والمفاسد . ثالثاً : أن لا يكن الاجترار عنه بغيره في تحصيل الصلاح وحصول الفساد مثل شرب الخمر . رابعاً : أن يكون احد الأمرين من النفع أو الضر مع كونه مساوياً لضره لكن احدهما معضوداً بمرجح من جنسه ، مثل: تغريم الذي يتلف مالاً ، فان في التغريم نفعاً للمتلف عليه وضرراً للمتلف ، وهما متساويان ولكن النفع رجح بما يعضده من العدل والإنصاف . خامساً : أن يكون احدهما منضبطاً محققاً والآخر مضطرباً ، مثل: الضر الذي يحصل من خطبة المسلم على أخيه ومن سومه على سومه ، فان ما يحصل من ذلك عند مجرد الخطبة والتساوم قبل الرضا ضرر مضطرب لا ينضبط ، ولو أعملنا ظاهر الأحاديث أصبح النهي فقط حين تبدأ الخطبة ويبدأ التساوم وهذا فساد للمرأة ولصاحب السلعة ، وفساد يحصل بالناس الراغبين في تحصيل ذلك([112]).
ويمكن التمثيل لهذا بقول الريسوني : ( ومن النصوص القرآنية التي تشهد لما نحن فيه ، ما جاء في سياق التعقيب على حادثة الإفك ، وهي الحادثة التي كان فيها إيذاء بليغ لرسول الله (r) ولزوجته المطهرة الصديقة بنت الصديق ولجماعة المؤمنين عموماً ، وأثارت بينهم فتنة ، وأوقعت في صفهم هزة ، ومع ذلك كله جاء القرآن الكريم يصفها بأنها خير وأنها ليست شراً قال تعالى : ) ان الذي جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم(([113])إن هذا التعقيب القرآني الحكيم يبدو مثيراً للاستغراب والتعجب ، ذلك أن ما حصل كان فيه شر كثير ، وضرر بليغ سواء على الرسول وعائشة زوجه ، أو على مجتمع المسلمين عموماً وهذا لا يجهله أحد ، ولا يقبل الشك ولا التشكيك بل إن القران نفسه قال فيه )وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم (([114])ولكن هذا الاستغراب يزول عندما نعلم أن الحكم بالخيرية والشرية ، وبالصلاح والفساد ، إنما يعتبر فيه الأغلب والأكثر )([115]).
إذاً من المعايير المهمة لتقدير المصالح هو معيار الكثرة والقلة ، وكذلك المعيار الزمني ، فما كان مفسده في أول وقتها ، قد تأول في آخرها إلى مصلحة ، وهذا هو الذي حدث في حادثة الإفك ، وأن تقدير الصلاح والفساد من قبل الشرع عندما يعجز الناس عن إدراك ذلك ، وهذا لا يعني نفي معرفة حسن الأفعال من ضرها ، لكن هناك أمور يغلب ظاهرها على باطنها ، أو يغلب حاضرها على غائبها فتُقدر المصلحة أو المفسدة خلاف الأصل([116]).
يقول ابن العربي:( حقيقة الخير ما زاد نفعه على ضره ، وحقيقة الشر ما زاد ضره على نفعه ، وإن خيراً لا شر فيه هو الجنة ، وشراً لا خير فيه هو جهنم ، فنبه الله تعالى عائشة ومن ماثلها ممن ناله هم من هذا الحديث ، أنه ما أصابهم منه شر ، بل هو خير على ما وضع الله الشر والخير عليه في هذه الدنيا من المقابلة بين الضر والنفع ، ورجحان النفع في جانب الخير ورجحان الضر في جانب الشر )([117]).
وقد نبه الشيخ ابن عاشور على بعض ما استفاده المسلمون من حادثة الإفك بالنظر إلى مآلها فذكر من ذلك الفوائد التالية :

  • مزيداً من التميز للمؤمنين ، وللمنافقين
  • براءة فضلاء المؤمنين وارتفاع منزلتهم
  • خيبة المنافقين وغيظهم ومما يزيدهم حقارة وعزلة
  • نزول أحكام تشريعية جديدة كان المسلمون بحاجة إليها
  • ظهور معجزات جديدة للنبي (r)([118])...
أقسام الأعمال البشرية : الأعمال البشرية قسمان : نفسية وبدنية .
المطلب الأول الأعمال النفسية
الأعمال النفسية هي : الانفعالات النفسانية التي تترتب عليها آثارٌ حسنة أو قبيحة ، وأكثر الأعمال النفسية نجده باعثاً ودافعاً إلى أعمال بدنية .
وقبل بيان جوانب الفساد والإصلاح للأعمال البدنية كلاً على حده ، فقد استنبط الإمام الأكبر وسيلة لإصلاح الأعمال كلها بمقامين :
المقام الأول : التحذير مما يفيت المصالح الأكيدة ، أو يجلب المفاسد للعامل أو لغيره ، ويسمى مقام التقوى .
المقام الثاني : التحريض على الاستكثار من جلب المصالح ومن إبطال المفاسد للعامل ولغيره ، ويسمى مقام التقديس([119]).
ويمكن القول : إن آيات الترغيب بفعل الخير والتقرب بالعمل الصالح تندرج تحت مقام التقديس ، وآيات الترهيب من فعل الشر والمفضية إلى المفاسد تندرج ضمن مقام التقوى .
وسائل إصلاح الأعمال النفسية :
فالأعمال النفسية هي من قسم الأخلاق والضمائر لذلك نجد الإمام يذكر الأمراض التي تلحق بأعمال الإنسان النفسية فيقول : ( وإصلاح الضمائر يظهر في النهي عن الكبر ، والعجب ، والغضب ، والحقد ، والحسد ، وفي الأمر بالإخلاص ، وحسن النية ، والإحسان والصبر ، والمنهي عنه من هذه الأدواء القلبية كله حائلٌ دون الكمال موجبٌ لدوام النقص أو زيادته ، إذ حصول الكمال يكون باعتقاد الحاجة إليه والكبر والعجب حائلان دون ذلك الاعتقاد )([120]).
ولأجل الاختصار سأقتصر في الحديث عن نوع واحد من هذه الأنواع ، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتب الإمام ابن عاشور (رحمه الله تعالى ) وبالأخص كتابه (أصول النظام الاجتماعي) .
يقول الإمام الأكبر عن الصبر بأنه ملاك ذلك كله ؛ لأنه : (([121]) التدرب عليه هو وسيلة النجاح ؛ لأن جلائل الأعمال كلها يعترضها ضعف المقدرة وتنشيط الكسل وإنكار الجهال ولوم اللوام ، فلا تُفَلُّ حدةُ ذلك كله إلا بالصبر، وحسبك من مزية الصبر أن جمع الله فيه معاني التقوى في قوله : وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ([122]).
ويشير للجانب التطبيقي للتربية النفسية للصبر ، من خلال فريضة الصيام فإنه قد استنبط عدة مصالح إصلاحية للصبر من خلال الصيام .
يثمر عن المجال النفساني فوائد كثيرة هي :

  • التخلق بخلق الإرادة على ترك المحبوب واقتحام مصاعب الأمور
  • التخلق بخلق الصبر على أشد اللذات تعلقا بالنفس الإنسانية ، وهي لذات البطن والفرج
  • تذكير النفس بحال الفقراء .
  • تقوية الجانب الروحاني في الإنسان لتصدر عنه أفعال الخير
  • تقوية ملكات إدراك نعم الله تعالى ([123]).
ويثمر عن المجال الجسماني ما يأتي من المقاصد

  • تعويد المكلف على تغيير أنظمة المعاش ، حتى يقتدر على التأقلم في زمن الجهاد أو الاغتراب أو الأسفار .
  • إراحة الجهاز الهضمي مما قد يغشاه من صلصال الإفراز([124]).
فكل هذه المصالح التي في الصوم وغيرها ، ولا يزال ينادي المنادون بعدم فوائد الصوم ، بل هو مصدر الانحطاط الاقتصادي ، كما زعم الزعيم التونسي " بورقيبة " الذي حاول استصدار فتوى من الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور تبيح الفطر في رمضان ، لأنه سيُضعف الإنتاج الاقتصادي([125]).
ويختم الإصلاح النفساني لخلق الصبر من خلال فريضة الصوم قائلاً : ( وقد رأيت أن معظم العبادات الإسلامية مشتملة على التخلق بخلق الصبر والعزيمة ولا سيّما الصوم ، فالذي ظهر لي في سره وحكمته وشرحته منذ زمن أنه مقصود به الدربة على العزيمة بالصبر على أحب اللذات البشرية ، ولذلك كان حظ الإنسان منه روحياً محضاً لا يُتَفَطَّنُ إليه بخلاف بقية العبادات ...فإنه عبادة عدمية محضة ، وهذا الذي أفسر به قوله في الحديث القدسي : " كل عمل ابن آدم له إلاَّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به "
فمعنى كونه لله أنه ليس فيه حظ ظاهر ينتفع به الصائم ، وليس معناه أن فائدته لله لأن الله غني عنا ، فإن فسر بأنه امتثال لله فجميع العبادات كذلك...)([126]).
المطلب الثاني : الأعمال البدنية :
والأعمال البدنية هي : الأفعال الصادرة من الأعضاء والجوارح لتحصيل مقصود دفع إليه العقل ، فتخرج الأفعال المجردة كالمشي لغير قصد([127]). قد أشارت آيات كثيرة إلى إصلاح العمل ، وقد خوطب بها الرسل والمؤمنون ، كقوله تعالى : ياايها الرسل كلوا من الطيبات ([128])، وكقوله تعالى :ياايها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون ([129])
وسائل إصلاح الأعمال البدنية
وقد حصرها الإمام بـ : النظام ، والتوقيت ، والدوام ، ترك الكلفة ، والمبادرة والإتقان([130]).
وسأتحدث عن وسيلة التوقيت التي تعين على إصلاح الأعمال البدنية ، فيقول الإمام : ( فالتوقيت أصل عظيم للمحافظة على القيام بالعمل وعدم الغفلة عنه ، وقد وقت الإسلام لعباداته أوقاتاً وحددها في الصلوات والصيام والحج والزكاة ) ([131])
ومن مقاصد توقيت الصلاة لإصلاح الأعمال البدنية : فالقصد الشرعي من الأمر بإقامة الصلاة هنا هو أن تكون الصلاة أول أعمال المسلم إذا أصبح ، وهي صلاة الفجر ، ويكون آخر يومه إذا أمسى يختمه بصلاة العشاء ، كل ذلك من أجل أن تكون السيئات الواقعة بين الصلاتين ؛ صلاة الصبح وصلاة العشاء ممحوة بالحسنات الحافة والمحيطة بها([132]).
ومن مقاصد توقيت الحج في إصلاح الأعمال البدنية قول الإمام : (واحتياج الحج للتوقيت ضروري؛ إذ لو لم يوقت لجاء الناس للحج متخالفين فلم يحصل المقصود من اجتماعهم ولم يجدوا ما يحتاجون إليه في أسفارهم وحلولهم بمكة وأسواقها؛ بخلاف الصلاة فبينت موقتة بالأهلة، وبخلاف الصوم فإن توقيته بالهلال تكميلي له؛ لأنه عبادة مقصورة على الذات فلو جاء بها المنفرد لحمل المقصد الشرعي ولكن شرع فيه توحيد الوقت ليكون أخف على المكلفين فإن الصعب يخف بالاجتماع وليكون حالهم في تلك المدة مماثلا فلا يشق أحد على آخر في اختلاف الأكل والنوم ونحوهما)([133]).




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المصلحين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن هذا البحث قد حاول أن يرصد جملة من القضايا المهمة في الجانب الإصلاحي ، لدى إمام المصلحين المعاصرين ، الذي كانت لديه آراء إصلاحية نظرية ، حاول أن يطبقها على جامعة الزيتونة ، فتم بعضها ، وحالت السياسات الاستعمارية والحداثية من تطبيق أكثرها ، وقد استفادت أخيراً الثورة التونسية المباركة من تطبيق كثير من أفكار الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله تعالى) ، على يد أحد تلامذة الزيتونة ، وهو : معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور نور الدين الخادمي
وقبل بيان النتائج للدراسة ، فقد كان البحث مجرد نظرات في جوانب الإصلاح لدى الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله تعالى) ، وأتمنى أن تُعد رسالة كاملة بهذا العنوان .
وقد توصلتُ في هذا البحث إلى عدة نتائج منها :

  1. إن إصلاح الفكر الديني ، ليس إصلاحاً للدين ـ حاشا لله ـ وإنما هو محاولة للنظر في جوانب إصلاح المنهجية التي عُرض فيها الدين ، وللطريقة التي يفهم فيها الدين ، وإما من جهة العمل الديني الراجع إلى إصلاح الأعمال .
  2. تنوع الخطاب الإصلاحي المقاصدي لدى الإمام الأكبر ، فنجده يوجه خطابه الإصلاحي للعلماء ، وللأفراد والجماعة .
  3. الربط بين الأفكار الدعوية الإصلاحية التطبيقية ، وبين التنظير الأصولي المقاصدي في أغلب المباحث المدروسة ، فإن الإصلاح المنهجي الأصولي يقع في الرتبة الأولى على طاولة المراجعات التجديدية لديه .
  4. محاولة تجاوز المعوقات التي كبلت أيدي المصلحين ، وذلك من خلال إعادة قراءة التراث بأعين النقد التقويمي ، لتجاوز مرحلة التقليد الأعمى التي أخرت المسلمين كثيراً .
  5. شمول الجانب الإصلاحي ، لأهم قضايا الأمة ، كإصلاح العلوم الإسلامية ، فبما أن العلوم هي أهم مصادر الفكر المعرفي فلا بد من النظر إليها بأكثر من جانب :

  • جانب المراجعة للعلوم من حيث المنهجية التي عُرض فيها .
  • جانب التقويم للعلوم ومحاولة إزالة بعض جوانب الفساد .
  • جانب التجديد فأغلب العلوم تحتاج إلى إعادة تجديد وإعادة نظر في أصولها وفروعها ، وقد ترك لنا الإمام الأكبر كتابه أليس الصبح بقريب ، مادة نقدية إصلاحية لأغلب العلوم الشرعية والانسانية والاجتماعية ، فهي أول مادة تجديدية على طاولة المدونات النقدية الإصلاحية المعاصرة .

  1. تنوع الخطاب الإصلاحي ، إلى خطاب إصلاحي دعوي ، وعبادي ، وعقائدي ، واجتماعي ، ومنهجي .
  2. التلازم بين النظريات الإصلاحية والواقع ، فلإمام كانت آرائه متناسبة مع الواقع الذي يريد تنزيل الآراء عليه .
  3. محاولة إثبات معقولية الشريعة ، لتقوية إيمان المكلف حين الإقبال على العبادة ، فكانت هذه إحدى وسائل الترغيب الإصلاحي .
  4. تنوع الجوانب الإصلاحية في فكر الإمام إلى مقاصد ووسائل ، فقد جعل مقاصد إصلاح الأفراد والجماعة يتم من خلال إصلاح الاعتقاد ، وإصلاح التفكير ، وإصلاح العمل ، ويتم ذلك عبر وسائل متعددة ذكرها الإمام من خلال ممارسته للجانب الإصلاحي ، حيث كانت لرئاسة جامعة الزيتونة الأثر الكبير في رسوخ الفكر الإصلاحي لدية ونضجه .
  5. تعدد جوانب ـ التأصيل والتفريع ـ للفكر الإصلاحي لديه ، وذلك لكونه تحدث عن الجوانب الإصلاحي في أكثر مؤلفاته ففي تفسيره ، بين أن مقاصد القرآن ثمانية بحسب ما بلغ استقراؤه : وهي : إصلاح الاعتقاد ، وتهذيب الأخلاق ، والتشريع ، وسياسة الأمة ، والقصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم ، والتعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين ، والمواعظ والإنذار ، والإعجاز بالقرآن([134]). وهذه المقاصد هي أهم جوانب الاصلاح التي دعى اليها كتاب الله عز وجل .
التوصيات :

  1. الاهتمام بالعلوم وإصلاحها ؛ لأنها مناط الإصلاح الديني في مجالي : الاعتقاد والعمل .
  2. الاهتمام بإصلاح الخطاب الديني ، الذي يمثل الأداة الفعالة في ترسيخ الفكر الديني ، ومحاولة تنزيله في الواقع العملي لإحياء التدين في ربوع العالم الإسلامي .
  3. الاستفادة من كتب الإمام ابن عاشور (رحمه الله تعالى ) الإصلاحية ، وذلك بتشكيل لجنة لتدرس كتابه : أليس الصبح بقريب ، لإخراج الآراء الإصلاحية .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .








[1] الخضر حسين : تونس وجامع الزيتونة ، محمد الخضر حسين ، جمع وتحقيق علي رضى التونسي ، الدار التونيسة للنشر. (125) ؛ الغالي : د بلقاسم ، شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور حياته وآثاره ، ط(1) ، دار ابن حزم ـ بيروت (1417هـ/1996م) (35) ؛ الزمرلي : الصادق ،أعلام تونسيون ، تقديم وتعريب ، حمادي الساحلي ط (1) ، دار الغرب الإسلامي بيروت (1986م) (361) . كحالة : عمر رضا ، معجم المؤلفين ، مطبعة الترقي (5/33)، مخلوف : محمد ، شجرة النور الزكية ، دار الكتاب العربي – بيروت(392) ؛ الضياف : أحمد ، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملا تونس وعهد الأمان ، ط (2) الدار التونسية للنشر ، دار القلم تونس . (8/167) ؛ هيا العلي : د هيا ثامر مفتاح ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ومنهجه في تفسيره التحرير والتنوير ، دار الثقافة ـ قطر الدوحة (1994م) . (24) ، الحسني: إسماعيل ، نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور ، ط(1) المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، سلسلة الرسائل الجامعية (15) ( المنهجية الإسلامية ) ، (1416هـ/1995م) (75) .

[2] المرجع نفسه .

[3] الغالي : شيخ الجامع الأعظم (66).

[4] ينظر: الغالي : شيخ الجامع الأعظم (68ـ71)؛ ابن الخوجة : محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ، (1/316 ـ 704).

[5] الخضر حسين : تونس وجامع الزيتونة ،( 125،126) .

[6] الإبراهيمي : د أحمد طالب ، آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي ، جمع وتقديم نجله ، ط (1) عيون البصائر ، دار الغرب الإسلامي (1997م) (3/549) .

[7] مجلة الوعي الإسلامي ، عدد 2، السنة الحادي عشر ابريل 1986م . (44) .

[8] الريسوني : د أحمد عبد السلام ، البحث في مقاصد الشريعة ، نشأته وتطوره ومستقبله ، بحث مقدم لندوة مقاصد الشريعة التي نظمتها مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن من 1ـ5 ، مارس (2005م) (18)

[9] ابن الخوجة : محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ،(1/15).

[10] الراشد : محمد أحمد ، أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة الإسلامية ، دار المحراب (2/158)

[11] ابن الخوجة : محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ، (1/169). الزمرلي : أعلام تونسيون ،(361) .

[12] الشنوفي : علي التونسي ، حوليات الجامعة التونسية ، العدد 10 ، تونس ، (7) .

[13] مجلة اللغة العربية ، العدد 31 ، القاهرة ، سنة 1973 ، (8/273 ).

[14] معجم مقاييس اللغة ، مادة (نظر) ، 5/444 .

[15] تاج العروس من جواهر القاموس ، مادة (نظر) ، 14/245 .

[16] الصحح تاج اللغة وصحاح العربية ، مادة (نظر) ، 2/830 ؛ وينظر : مختار الصحاح ، ص (313) .

[17] سانو : أ . د . قطب مصطفى : معجم مصطلحات أصول الفقه ، ط(1) دارالفكردمشق (1420هـ/2000م) (ص 460) .

[18] ابن عاشور : الشيخ محمد الطاهر ( تـ 1394هـ) . حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، مطبعة النهضة ، نهج الجزيرة ، عدد 11 ، تونس ، (1341هـ ) ،( 2/201 ).

[19] ابن فارس : معجم مقاييس اللغة ، مادة (صلح) ، ( 2/303) .

[20] الجوهري : الصحاح في اللغة ، مادة (صلح) ، (1/393) ، الرازي : مختار الصحاح . مادة (صلح) (375) ، ابن منظور : لسان العرب مادة (صلح) ،(2/516).

[21] الحموي : المصباح المنير مادة (صلح) ، (5/246) .

[22] ابن عاشور : محمد الطاهر ، مقاصد الشريعة الإسلامية ، تحقيق : محمد الطاهر الميساوي ، ط (2) دار النفائس عمان (1421 هـ /2001م) (278 ).

[23] التحرير والتنوير ، (14/317) .

[24] التحرير والتنوير ، (12/176) .

[25] المصدر نفسه ، (24/229) .

[26] المصدر نفسه ، (1/285) .

[27] سورة ق : ١٥ .

[28] الأصفهاني : الراغب ، المفردات في غريب القرآن ، تحقيق : صفوان عدنان الداودي ، ط (1) ، دار القلم الشامية ـ دمشق /بيروت (1412هـ) . (188) .

[29] يقول سيدي الشاهد البوشيخي : ( الضمائم وتتضمن : كل مركب مصطلحي (ضميمة) مكون من لفظ المصطلح المدروس ، مضموماً إلى غيره ، أو مضموماً إليه غيره ، لتفيد الضميمة المركب في النهاية مفهوماً جديداً خاصاً مقيداً ، ضمن المفهوم العام المطلق ، للمصطلح المدروس ، فكأن المصطلح بضمائمه ينمو ويتشعب مفهومياً من داخله . وأبرز أشكال الضمائم :

  • ضمائم الإضافة : سواء أضيف المصطلح إلى غيره ، أو أضيف غيره إليه .
  • ضمائم الوصف : وقد يكون فيها المصطلح واصفاً أو موصوفاً ، ينظر :البوشيخي : الشاهد ، دراسات مصطلحية ، ط (1) ، دار السلام (1433هـ/2012م) (34).

[30] ابن عاشور : محمد الطاهر ، تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة ، ط (2) دار السلام ، (1429هـ/2008م) .(116) .

[31] ابن عاشور : تحقيقات وأنظار ، (114) .

[32] سورة الحجر: ٩ .

[33] سورة النساء: ٥٩ .

[34] يقول الإمام الأكبر : (الرثاثة) : انحلال أجزاء الشيء وإشرافه على الاضمحلال ، ابن عاشور : تحقيقات وأنظار ، (115)

[35] سورة آل عمران: ١٠٤ .

[36] سورة محمد: ٧ .

[37] ابن عاشور : تحقيقات وأنظار ، (112) .

[38] ابن عاشور : محمد الطاهر ، أصول النظام الاجتماعي ، خرج أحاديثه : محمد الطاهر الميساوي ط(1) دار النفائس عمان (1421 هـ/ 2001م)(79) .

[39] صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، (1/65) ، رقم الحديث (62) .

[40] ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (79) .

[41] ابن عاشور : مقاصد الشريعة الإسلامية (303 /304) .

[42] ينظر : اللمعي : إيهاب محمد ، الاستنباط المصلحي من النصوص عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور (1394هـ /1973م) ـ دراسة أُصولية ـ رسالة مقدمة إلى مجلس كلية الإمام الأعظم ؛ وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في أُصول الفقه من الباحث بإشراف الدكتور: محمد جمعة احمد السامرائي(1433هـ / 2012م)، (109) .

[43] الريسوني: د أحمد عبد السلام ، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ، ط (2) دار الكلمة (1421هـ/2010م) (263) .

[44] ابن عاشور : محمد الطاهر ، أليس الصبح بقريب، ط(1) ، دار سحنون ، تونس (1427هـ/2006م) (178) .

[45] قال الزعفراني : سمعت الشافعي يقول : " حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا على الإبل منكَّسين ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ بالكلام " ينظر : الرازي : محمد بن عمر ، مناقب الإمام الشافعي ، المكتبة العلامية ، مصر (99) .

[46] ينظر : ابن عاشور : أليس الصبح بقريب ، (181/182) .

[47] ابن الخوجة : شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور ، (1/265) .

[48] ينظر : ابن عاشور : أليس الصبح بقريب ، (183) .

[49] ينظر : ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (81) .

[50] ينظر : ابن عاشور : المصدر نفسه ، (81 ، 83 ،84 ) .

[51] ينظر : ابن عاشور : المصدر نفسه ، (86) .

[52] سورة يونس : ١٠١ .

[53] سورة الذاريات : ٢١ .

[54] ينظر : ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (88) .

[55] ينظر : ابن عاشور : المصدر نفسه ، (89) .

[56] ينظر : ابن عاشور : المصدر نفسه ، (89) .

[57] ينظر : ابن عاشور : المصدر نفسه ، (90) .

[58] يقول الإمام ابن عاشور : (لأنك تجد كل أحد مشتملاً على حالتين من التفكير : حال الاستقلال بالفكر فيما يبلغ إليه فكره ، وحال التلقي والاسترشاد فيما يتجاوز حد تفكيره ) . ابن عاشور : المصدر نفسه ، (92)

[59] ابن عاشور : المصدر نفسه ، (92) .

[60] ابن عاشور : المصدر نفسه ، (94 /95) .

[61] سورة الفاتحة: ٦ - ٧

[62] سورة آل عمران: ١٩٠ – ١٩١ .

[63] سورة البقرة: ١٦٤ .

[64] ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (95) .

[65] ابن عاشور : مقاصد الشريعة الإسلامية ، (175) .

[66] يقول الإمام : ( إن للتفكير درجات متصاعدة تصاعداً مناسباً لمقادير أفهام المفكرين ومقادير احتياجهم إلى التفكير ، وفي الناس عالم ومتعلم وعامي ، وفي كل صنف من هؤلاء مراتب متفاوتة في وصفه . وجماع القول فيها أن كل فرد مأمور بصحة التفكير في دائرة ما يحتاجه من العمال تفكيراً يعصمه من الوقوع في مهاوي الأخطاء ، سواء كان ذلك فيما يصدر عنه من الأعمال على اختلافها ، ابتداءً من أعمال الملك إلى أعمال حملة الأمتعة وأضرابهم من أهل الأعمال الضعيفة...) ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (91) .

[67] سورة النساء : ٦٥

[68] ينظر : ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (95/96) .

[69] وهنا لدي كلمة أخيرة : إذا كان الريسوني يحاول أن يجعل للمتخصصين بالشريعة الاستقلالية الكاملة في تفسير الدين ، فإني أقول إن الفوضى السائدة لدى المتخصصين بالشريعة هي التي أفسحت المجال لغيرهم لكي يدلون بدلوهم . فلو ألقينا نظر إلى الخطاب المنبري سندرك تلك الفوضى بأدنى تأمل : إن الناظر إلى المؤسسة الدينية فإنه يجدها أكثر المؤسسات الموجودة والمسجلة في الدوائر الحكومية ، وذلك لأن كل مسجد يُعد مؤسسة حكومية ، و لو كلف أحد منا نفسه لإحصاء المساجد الموجودة في محلته وبلدته ، فإنها ستفوق عدد المدارس والثانويات ، وذلك باعتبار أن كليهما معنيتان بنشر الفكر العلمي للنهضة العمرانية والأخلاقية ...وهلم جراً .وليس من المعقول أن تكون كل مؤسسات الدولة لها برامجها الخاصة ومنهجها المخصص لها من قبل المؤسسة الكبرى ـ الدولة ـ وتبقى مساجد الدولة بلا منهج واضح نابع من المؤسسة التابعة لها ، وإنما يُترك الأمر لفكر إمام المسجد وخطيبها ، فما هي علاقته بالمرجعية المؤسسية (الأوقاف) . فلا بد من منهجية لكل المساجد ، باعتبارها تابعة لمؤسسة حكومية ، وهذه المركزية التي نرى ضرورتها ، لا بد من جهة يتفق عليها جميع الخطباء باعتبارهم الناطقين بالفكر الإصلاحي ، وهي المرجعية الفكرية الحكومية التي لا تريد فقط الاستحواذ والاستيلاء على منابر الجُمع فقط ، ولكن لا بد أن يكون منهجها هو توحيد الخطاب الديني بقدر ما . أعطي مثالاً : ففي كل مسجد إمام له مرجعية ثقافية تدعوه لكي ينصرها بكل وسيلة ،وفي مناسبات متعددة ، حتى أصبح داخل المؤسسة عبارة عن تيارات فكرية متعددة ، لا يجمعهم إلا الارتباط الظاهري ، الذي يصل في بعض الأحيان ـ بل في أغلبها ـ إلى أوهن من خيط العنكبوت . والناس المتلقون للخطاب مجبرون للاستماع لهذه الأفكار رغماً عنهم ، وذلك دفعاً للفساد الذي قد ينجم من جراء الخلاف الذي سيقع من جراء الاختلاف . فالمستمع كالأرض تريد من يبذر فيها البذرة النافعة والصالحة ، فكيف والحال أن البذور متنوعة ومختلفة ، وليس فيها رجاء للتوحد ، فما سيكون الناتج ؟ فلا يعقل أن يبقى المنبر سجين الاتجاهات الفكرية المتناحرة ، فلا بد من مؤسسة حكومية تضبط هذه الاختلافات وتقللها وتوجد جو من الوحدة في الخطاب الديني .فالحال اليوم : أن لكل خطيب فكره الذي يراه بأنه الحق ؛ فهذا المسجد الغالب عليه الطابع الصوفي ، وذلك لأن خطيب المسجد فكره صوفي من الطريقة الفلانية ، والآخر من الطريقة الأخرى ...وهلم جراً ، والآخر سلفي ، والآخر إخواني ، ولم نسمع بوجود خطيب مؤسسي . فلا يعقل أن تبقى هذه الفوضى الفكرية في الخطاب الديني : فلا بد للمؤسسة التي ترجع إليها المساجد أن تضبط المساجد وتجعلها مؤسسات حكومية بحق . وأنا لا أقصد إلغاء المرجعية الفكرية للخطيب ، وإنما أدعو ا إلى عدم تغليبها على الخطاب المؤسسي الذي تدعوا إليه المؤسسة الدينية . وقد سررت قبل أسابيع لخطاب سيدي نور الدين الخادمي ومبادرته المؤسسية من وضع برنامج لأكثر من (200) مسجد ، وإدخاله تحت برامج الوزارة ، التي قد يراها البعض فيها من المفاسد ، ولكن لو نظرنا إلى المصالح اللاحقة فسوف نغير كثير من آرائنا ، فمآلها والله أعلم خير . فتوحيد الخطاب الديني ضرورة عصرية ، فلأجل الوقوف أمام التيارات الفكرية الهدامة نحتاج أن نقف صفاً واحد أمامهم في الأجساد والفكر والخطاب ونتغاضى عن بعض المفاسد التي يحملها هذا الإجراء ، ولكن مصالحه والله أعلم أكثر . وهل يعقل بأن المؤسسة الحكومية ـــ دائرة الوقف ــ تتابع موظفيها من خلال الحضور والغياب فقط ، وتاركة الأمر المهم جانباً ، لا يُلتفت إيه إلا بالسياق التبعي والنادر .الأمر الحقيقي والمهم هو متابعة الخطاب المنبري والوعظي ، الذين يمثلان مقصد جزئي تريد المؤسسة الحكومية الوصول إليه ، في سياق مقاصد عامة للوقف تريد تحقيقها على المستوى البعيد . أما الواقع الآن فيشير إلى ضبابية في الوسائل والمقاصد التي تسعى الدائرة في تحقيقها من إنشاء المساجد وتعيين موظفيها ، فالحق أن نبدأ من حيث انتهى الآخرين . بتوحيد الخطاب الديني وتجديده ، وذلك من خلال تجديد طرق عرضه بأي وسيلة متوفرة .فعلينا أن نراجع الخطاب الديني ونوحده تحت منهجية فكرية وسطية تحاول إنشاء جيل متفق الأفكار وإن تباعدت الأجساد ، لكي نظمن بالمحصلة شعباً واحداً أرضاً وسماءً، وهذا الأمر يقع الجزء الأكبر منه على عاتق الخطاب المنبري والوعظي ، وكذلك على عاتق المؤسسة الدينية عموماً .

[70] الديماغوجية (سياسة تملق الجماهير) Demagogy ، اصطلاح سياسي يقصد به الاتجاه الانتهازي للحكام للسيطرة على جماهير الشعب غير المثقفة ، فيتحدث من يتجهون هذا الاتجاه عن المشروعات الاقتصادية والاجتماعية على أساس كاذب وينتهزون فرصة القلاقل الاجتماعية والبؤس والالتجاء إلى التحيز والتحامل . ينظر : فهرست كتاب : الاجتهاد النص الواقع المصلحة ، حوارات لقرن جديد بين ، الدكتور أحمد الريسوني ، والأستاذ محمد جمال باروت ، ط (1) دار الفكر المعاصر بيروت (1422هـ/2000م) ، (196) .

[71] ينظر : الريسوني الاجتهاد النص الواقع المصلحة ، (17/18) .

[72] ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي ، (100) .

[73] ينظر : ابن عاشور : المصدر نفسه ، (100) .

[74] ابن عاشور مقاصد الشريعة الإسلامية (174).

[75] الريسوني : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ( 209 /210 ).

[76] منهم الإمام الغزالي ، ابن عاشور : أصول النظام الاجتماعي هامش رقم (3) (132).

[77] منهم الإمام أبو بكر بن العربي ، ابن عاشور: المصدر نفسه هامش رقم (4) .

[78] احتراز من مراعاة فائدة العمل وهي حصول الثواب ودخول الجنة ورفع الدرجة ، فإن ذلك مقصود لا محالة . ولذلك عُد قول بعض الصوفية ما عبدناك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك إغراقاً في التصوف وبعداً عن مقصد الشرع في وضع الوعد والوعيد ؛ ابن عاشور: المصدر نفسه ، هامش رقم (1) (133)

[79] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (132 /133).

[80] سورة المائدة :6 .

[81] ابن عاشور: محمد الطاهر، التحرير والتنوير ، الدار التونسية ، (1884م) ، (6/130) .

[82] الموطأ ، كتاب الجنائز ، باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء ، (2/105) رقم الحديث (3)

[83] ابن عاشور: محمد الطاهر، كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ ، ضبط ونصه وعلق عليه وخرج أحاديثه ، د طه بن علي بوسريح التونسي)ط(2) طبعة مشتركه بين\، دار سحنون تونس ، دار السلام القاهرة (1428هـ/2007م) ، (73).

[84] ابن عاشور: كشف المغطى (71 ،72) .

[85] ينظر : ابن عاشور: أليس الصبح بقريب ، (171 /175) .

[86] ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية ، (323).

[87] شمام : محمود : اعلام من الزيتونة ، (256، 257) ط(2) المطابع الموحدة بتونس (1996م)

[88]ينظر : ابن الخوجة : محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ( 1/520 ومابعدها) .

[89] ينظر : اللمعي : الاستنباط المصلحي ، (196 ، 197) .

[90] ابن عاشور: أليس الصبح بقريب (172/173) .

[91] لذلك نجد أن الأستاذ عبد الله دراز يصف كتاب جمع الجوامع الذي ظل سنين يُدرس بالأزهر بأنه : أقلها غناء ، وأكثرها عناءً . ينظر: الشاطبي : لأبي اسحاق ، الموافقات في أصول الشريعة ، خرج أحاديثه : أحمد السيد سيد أحمد علي ، شرح التعليقات فضيلة الشيخ عبد الله دراز ، المكتبة التوفيقية ، (1/11) .

[92] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (102) .

[93] سورة النجم: ٣٩ – ٤٠ .

[94] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (102/103) .

[95] صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، (4/7) ، رقم الحديث (6133) .

[96] سورة النساء: ١٠٢

[97] سورة الحجرات : ١٣ .

[98] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (103/104)

[99] ابن عاشور: التحرير والتنوير (26/259 ،260).

[100] صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، (1/11) ، رقم الحديث (13) .

[101] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (104) .

[102] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (104) .

[103] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (105) .

[104] سورة هود : ١٠٠ – ١٠١ .

[105] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (105) .

[106] سورة ص : ٨٦ .

[107] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (108) .

[108] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (108) .

[109] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (115) .

[110] الريسوني : د أحمد عبد السلام ، نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية ، ط (1) دار الكلمة ، مصر ( 1421هـ/2011م) ، (317).

[111] ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية (281).

[112] بنظر : ابن عاشور: المصدر نفسه (283-286) .

[113] سورة النور آية : 11

[114] سورة النور آية : 15

[115] الريسوني : نظرية التقريب والتغليب ، (319 ، 320) .

[116] ينظر : اللمعي : الاستنباط المصلحي ، (92) .

[117] ابن العربي : القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله ، أحكام القرآن، تحقيق : علي البجاوي ، ط(1) مطبعة عيسى البابي الحلبي ، مصر، (1376هـ)، ( 3/1353/1354) .

[118] بنظر : ابن عاشور: التحرير والتنوير (18/172) .

[119] ينظر : ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (116) .

[120] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (119) .

[121] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (120/121) .

[122] سورة العصر: ٣ .

[123] ينظر: ابن عاشور: كشف المغطى (161)

[124] ابن عاشور: كشف المغطى ، ( 161، 162).

[125] ينظر : الغالي : شيخ الجامع الأعظم (146).

[126] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي (121 /122).

[127] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (115) .

[128] سورة المؤمنون : ٥١ .

[129] سورة البقرة : ١٧٢ .

[130] ابن عاشور: أصول النظام الاجتماعي ، (129) .

[131] ابن عاشور: المصدر نفسه ، (130) .

[132] ينظر : ابن عاشور: التحرير والتنوير ، (12/179).

[133] ابن عاشور: المصدر نفسه.(2/196) .

[134] ينظر : التحرير والتنوير ، المقدمة الرابعة (1/40) .






المصادر

  • القرآن الكريم
  • الإبراهيمي : د أحمد طالب :

  1. آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي ، جمع وتقديم نجله ط (1) عيون البصائر ، دار الغرب الإسلامي (1997م) .

  • ابن الخوجة : الشيخ محمد الحبيب

  1. محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ، شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور ، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، دولة قطر (1425هـ /2004م)

  • ابن العربي : القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله :

  1. أحكام القرآن، تحقيق : علي البجاوي ، ط(1) مطبعة عيسى البابي الحلبي ، مصر، (1376هـ)

  • ابن حجر العسقلاني : أحمد بن علي :

  1. الجامع الصحيح للإمام أبي محمد بن إسماعيل البخاري، مع شرحه فتح الباري ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الطبعة السلفية

  • ابن عاشور (1879هـ/1973م) : سماحة الأستاذ الإمام الأكبر سيدي محمد الطاهر :

  1. أصول النظام الاجتماعي ، خرج أحاديثه : محمد الطاهر الميساوي ط (1) دار النفائس عمان (1421 هـ/ 2001م) .
  2. أليس الصبح بقريب،ط(1) ، دار سحنون ، تونس (1427هـ/2006م) .
  3. التحرير والتنوير ، الدار التونسية ، (1884م).
  4. تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة ، ط (2) دار السلام ، (1429هـ/2008م) .
  5. حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، مطبعة النهضة ، نهج الجزيرة ، عدد 11 ، تونس ، (1341هـ ) .
  6. كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ ، ضبط ونصه وعلق عليه وخرج أحاديثه ، د طه بن علي بوسريح التونسي) ط(2) طبعة مشتركه بين دار سحنون تونس ، و دار السلام القاهرة (1428هـ/2007م) .
  7. مقاصد الشريعة الإسلامية ، تحقيق : محمد الطاهر الميساوي ، ط (2) دار النفائس عمان (1421 هـ /2001م)

  • ابن فارس : أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا :

  1. معجم مقاييس اللغة، ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر ،( 1399هـ/ 1979م) .

  • ابن منظور : محمد بن مكرم :

  1. لسان العرب ، ط(1) دار صادر بيروت.

  • البوشيخي : الشاهد :

  1. دراسات مصطلحية ، ط (1) ، دار السلام (1433هـ/2012م) .

  • الجوهري : إسماعيل بن حماد:

  1. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار،ط(4) دار العلم للملايين بيروت(1407 ه‍ـ/ 1987م) .

  • الحسني : إسماعيل :

  1. نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور ، ط(1) المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، سلسلة الرسائل الجامعية (15) ( المنهجية الإسلامية ) ، (1416هـ/1995م)

  • الحموي (تـ :770هـ) : أحمد بن محمد بن علي :

  1. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، المكتبة العلمية ، بيروت .

  • الخضر حسين : محمد :

  1. تونس وجامع الزيتونة ، محمد الخضر حسين ، جمع وتحقيق علي رضى التونسي ، الدار التونيسة للنشر.

  • الرازي : محمد بن أبي بكر بن عبد القادر :

  1. مختار الصحاح ، تحقيق : محمود خاطر، طبعة جديدة ، مكتبة لبنان ناشرون بيروت (1415 – 1995 م).

  • الرازي : محمد بن عمر :

  1. مناقب الإمام الشافعي ، المكتبة العلامية ، مصر .

  • الراشد : محمد أحمد :

  1. أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة الإسلامية ، دار المحراب .

  • الراغب الأصفهاني (تـ502هـ) : أبو القاسم الحسين بن محمد:

  1. المفردات في غريب القرآن ، ، تحقيق : صفوان عدنان الداودي ، ط (1) ، دار القلم الشامية ـ دمشق /بيروت (1412هـ) .

  • الريسوني : د أحمد عبد السلام :

  1. الاجتهاد النص الواقع المصلحة ، حوارات لقرن جديد بين ، الدكتور أحمد الريسوني ، والأستاذ محمد جمال باروت ، ط (1) دار الفكر المعاصر بيروت (1422هـ/2000م) .
  2. البحث في مقاصد الشريعة ، نشأته وتطوره ومستقبله ، بحث مقدم لندوة مقاصد الشريعة التي نظمتها مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن من 1ـ5 ، مارس (2005م) .
  3. نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية ، ط (1) دار الكلمة للنشر _مصر ( 1421ه-2011م) .
  4. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ، ط (2) دار الكلمة (1421هـ/2010م) .

  • الزمرلي : الصادق :

  1. أعلام تونسيون ، تقديم وتعريب : حمادي الساحلي ، د،ط، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ، د، ت.

  • سانو : أ . د . قطب مصطفى :

  1. معجم مصطلحات أصول الفقه ، ط(1) دار الفكر دمشق (1420هـ/2000م) .

  • الشاطبي (790هـ) : لأبي إسحاق :

  1. الموافقات في أصول الشريعة ، خرج أحاديثه : أحمد السيد سيد أحمد علي ، شرح التعليقات فضيلة الشيخ عبد الله دراز ، المكتبة التوفيقية .

  • الشنوفي : علي التونسي:

  1. حوليات الجامعة التونسية ، العدد 10 ، تونس.

  • الضياف : أحمد :

  1. إتحاف أهل الزمان بأخبار ملا تونس وعهد الأمان ، ط (2) الدار التونسية للنشر ، دار القلم تونس .

  • الغالي : د.بلقاسم :

  1. شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور حياته وآثاره ، ط(1) ، دار ابن حزم ـ بيروت (1417هـ/1996م) .

  • كحالة : عمر رضا :

  1. معجم المؤلفين ، مطبعة الترقي .

  • اللمعي : إيهاب محمد :

  1. الاستنباط المصلحي من النصوص عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور (1394هـ /1973م) ـ دراسة أُصولية ـ رسالة مقدمة إلى مجلس كلية الإمام الأعظم ؛ وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في أُصول الفقه من الباحث : إيهاب محمد جاسم السامرائي بإشراف الدكتور: محمد جمعة احمد السامرائي (1433هـ / 2012م) .

  • الليثي : يحيى :

  1. موطأ الإمام مالك ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي – مصر .

  • مجلة اللغة العربية :

  1. العدد 31 ، القاهرة ، سنة 1973 .

  • مجلة الوعي الإسلامي :

  1. عدد 2، السنة الحادي عشر ابريل 1986م .

  • مخلوف : محمد :

  1. شجرة النور الزكية ، دار الكتاب العربي – بيروت .

  • مسلم بن الحجاج :

  1. صحيح مسلم ، ط(1) دار ابن حزم ، بيروت، ( 1416ه‍)

  • هيا العلي : هيا ثامر مفتاح :

  1. الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ومنهجه في تفسيره التحرير والتنوير ،دار الثقافة ـ قطر الدوحة (1994م) .
 

أنس محسن حسن

:: متابع ::
إنضم
26 سبتمبر 2014
المشاركات
6
الكنية
أبو أنس
التخصص
الشريعة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: نظرات في إصلاح الفكر الديني عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور : اللمعي

جزاكم الله خيرا.
 
إنضم
17 فبراير 2011
المشاركات
48
الكنية
السليماني
التخصص
الشريعة
المدينة
الرباط
المذهب الفقهي
المالكي
رد: نظرات في إصلاح الفكر الديني عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور : اللمعي

جميل
شكرا جزيلا
 
أعلى