محمد بن عبدالله بن محمد
:: قيم الملتقى الشافعي ::
- إنضم
- 15 مايو 2008
- المشاركات
- 1,245
- الإقامة
- المملكة العربية السعودية
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو منذر
- التخصص
- اللغة العربية
- الدولة
- المملكة العربية السعودية
- المدينة
- الشرقية
- المذهب الفقهي
- الشافعي
من المسائل المؤرقة للمسلمين ممن يسكن البلاد الشمالية التي لا تغيب عنهم الشمس في بعض أيام السنة، أو لا تظهر لهم علامات أوقات الصلوات، فيسألون عن الصيام والفطر، وعن الصلوات
قرأت في ذلك كثيرا من اجتهادات المعاصرين، وآراء المتقدمين، فلم أر أكثر تفصيلا كما ذكر العلامة الكشميري في العرف الشذي - (3 / 363): لكن حال الصلاة وحال رمضان عليهم كيف يكون حكمه ولم يتوجه إلى هذا أحد إلا الشوافع.
فأحببت أن ألخص كلام الأئمة الشافعية في هذا المسألة:
القاعدة الأولى: إذا ظهرت علامة الوقت: وجب الالتزام بها، كما هو صريح عبارات الأئمة، ولا يجوز غير ذلك، وإن قصر زمنها بما يسعها.
القاعدة الثانية: إذا ضاق الوقت عن فعل الصلاة: فقد اضطرب كلام المتأخرين، فتارة يجعلونه كالعدم فيعتبر بأقرب البلاد إليه، وهو الذي جرى عليه ابن حجر وابن قاسم والشبراملسي، وتارة يعبرون بوجوب القضاء، وربما عبر به ابن حجر -وكأنه ليس مرادا كما نبه على ذلك ابن قاسم-، وبينهما فرق، ومنه: تَرَتُّب الصيام.
القاعدة الثالثة: إذا انعدمت علامة وقتٍ من الأوقات: فكلام الأصحاب: اعتبار أقرب البلاد إليه، وعند ابن حجر: على التقدير إن أمكن، وإلا فالنسبة، وتبعه جمهور المحشين.
وجرى الرمليانِ على التقدير مُطلقًا، ولم أر مِنَ المُحَشِّين مَن تَبِعهما، وسيأتي بيانهما.
القاعدة الرابعة: أحكام الصيام مترتبة على الأوقات.
ملاحظات مهمة:
1) قال النووي في المجموع: (قيل: ما بين المغرب والعشاء نصف سدس الليل؛ فإن طال الليل طال نصف السدس، وإن قصر قصر)، وفيه نظر ذكره ابن حجر في الإيعاب.
2) قال النووي في الروضة: (وقال إمام الحرمين: يدخل وقتها –أي العشاء- بزوال الحمرة والصفرة ... وبين غروب الشمس إلى زوال الصفرة كما بين الصبح الصادق وطلوع قرن الشمس. وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض قريب مما بين الصبح الصادق والكاذب. هذا قول إمام الحرمين).
3) ذهب الزركشي وابن العماد في الصور (ا – 4) الآتية في جميع احتمالاتها إلى أنه يعتبر أقرب البلاد إليهم، قال الزركشي: (وعلى هذا يحكم لهم في رمضان؛ بأنهم يأكلون بالنهار إلى طلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم، ثم يُمسكون، ويفطرون .. كذلك قبل غروب الشمس إذا غربت عند غيرهم)، وقاسه على أيام الدجال، ووافقه ابن العماد، ونظر فيه ابن حجر بأنه إذا ظهرت علامات الأوقات لا وجه للقول بهذا.
4) الْعِبْرَةُ فِي القرب: بِاتِّحَادِ الْمَطْلَعِ لَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ.
ومعنى اخْتِلَافِ الْمَطْالَعِ واتحادها ما ذكره القليوبي بقوله: (وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ طُلُوعُ الشَّمْسِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ غُرُوبُ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ مُتَقَدِّمًا عَلَى مِثْلِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَتَتَأَخَّرُ رُؤْيَتُهُ فِي بَلَدٍ عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ . وَذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَنْ اخْتِلَافِ عُرُوضِ الْبِلَادِ أَيْ بُعْدِهَا عَلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَأَطْوَالِهَا أَيْ بُعْدِهَا عَنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ فَمَتَى تَسَاوَى طُولُ بَلَدَيْنِ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ , وَإِنْ اخْتَلَفَ عَرْضُهُمَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ شُهُورٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ وَالْآخَرُ فِي أَقْصَى الشَّمَالِ . وَمَتَى اخْتَلَفَ طُولُهُمَا بِمَا سَيَأْتِي امْتَنَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَلَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ الْعَكْسِ . كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ , لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ .
وَمَا ذَكَرَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ . وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ : وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمُطَالِعِ مَسَافَةُ قَصْرٍ وَنِصْفُهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ بَاطِلٌ .
وَكَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ إنَّهَا تَحْدِيدٌ كَمَا عَلِمْت .
تَنْبِيهٌ : اعْتِبَارُ الْمَسَافَةِ وَاخْتِلَافُ الْمُطَالِعِ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ كُلِّ بَلَدٍ وَأُخْرَى بَعِيدَةٍ عَنْهَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَثَلًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَلْزَمُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُطَالِعِ دُخُولُ الْبَلَدِ الْقَرِيبِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ وَخُرُوجُ الْبَعِيدِ عَنْهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ).
5) قال الشبراملسي: (لو استوى في القرب إليهم بلدان، ثم كان الشفق يغيب في إحداهما قبل الأخرى، فهل يعتبر الأول أو الثاني؟، فيه نظر، والأقرب الثاني؛ لئلا يؤدي إلى فعل العشاء قبل دخول وقتها على احتمالٍ).
6) معنى قولهم: أقرب البلاد إليهم: هل تَقْتَضِي عبارتهم أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ بَعْدَ فَجْرِهِمْ أَمْ لَا؟:
والجواب للشهاب الرملي ونقله عنه ابنه: أن قَوْلَ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورَ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الشِّقَّيْنِ.
لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي - أي أنهم لا يصلون بعد فجرهم بل قبله -، والعلة في ذلك:
أ) أنهم ذكروا هذه المسألة فِي بَيَانِ دُخُولِ وَقْتِ أَدَائِهَا.
ب) وَلَمْ يَسْتَثْنُوا أَيْضًا مِنْ أَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ إلَّا وَقْتَ الْعِشَاءِ; إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَزِمَ مِنْهُ اتِّحَادُ [أَوّل] وَقْتَيْ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوا أَيْضًا أَنَّ وَقْتَ صُبْحِهِمْ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِمُضِيِّ قَدْرِ مَا يَطْلُعُ فِيهِ فَجْرُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ.
ج) وَأَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لَيْلِيَّةٌ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ نَهَارِيَّةً فِي حَقِّهِمْ.
وذكر الرشيدي حاصل كلامهما فقال: (وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ وَالِدَهُ سُئِلَ عَنْ قَضِيَّةِ مَا قَدَّمَهُ هُوَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَا عِشَاءَ عِنْدَهُمْ إلَخْ هَلْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ فَرْضَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ فِي الشَّفَقِ الثَّانِي: أَيْ بِأَنْ يَفْضُلَ بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي يَغِيبُ الشَّفَقُ فِيهِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ زَمَنٌ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يُمْكِنُ إيقَاعُ الْعِشَاءِ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضُ كَلَامِهِمْ ذَلِكَ لِلدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُحْتَمِلًا لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ أَيْضًا: أَعْنِي كَوْنَهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمْ).
وفرَّع الشهاب الرملي وتبعه ابنه على ذلك بأنه: (إِنْ اتَّفَقَ وُجُودُ الشفق الْأَوَّلِ -الأحمر- عِنْدَهُمْ بِأَنْ طَلَعَ فَجْرُهُمْ بِمُضِيِّ قَدْرِ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ صَلَّوْا الْعِشَاءَ حِينَئِذٍ أَدَاءً، وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ صُبْحِهِمْ إلَّا بِمُضِيِّ مَا مَرَّ).
وفهم الرَّشِيدي من هذه العبارة الأخيرة: بِأَنّ مَن (لَمْ يَمْضِ زَمَنُ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ إلَّا وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ عِنْدَهُمْ فَحُكْمُهُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ حِينَئِذٍ: أَيْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ وَتَقَعُ لَهُمْ أَدَاءً.
فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ حِينَئِذٍ.
وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَ الشِّهَابُ حَجّ الْأَخْذَ بِالنِّسْبَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ)، واعتمد ما اعتمده ابن حجر المحشين كالزيادي والحلبي وغيرهم.
وعبارة ابن حجر: (وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ هَؤُلَاءِ بِأَنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَمَغِيبِ الشَّفَقِ عِنْدَهُمْ بِقَدْرِ لَيْلِ هَؤُلَاءِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَغِيبِ الشَّفَقِ؛ لِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَئِذٍ.
وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ أُولَئِكَ إلَى لَيْلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ السُّدُسُ مَثَلًا[SUP]([1])[/SUP] جَعَلْنَا لَيْلَ هَؤُلَاءِ: سُدُسُهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَبَقِيَّتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَإِنْ قَصُرَ جِدًّا[SUP]([2])[/SUP].
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي صُورَتِنَا هَذِهِ: اعْتِبَارَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ بِالْأَقْرَبِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى طُلُوعِ فَجْرِ هَؤُلَاءِ، فَلَا يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الصُّبْحِ عِنْدَهُمْ، بَلْ يَعْتَبِرُونَ أَيْضًا بِفَجْرِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ إذْ مَعَ وُجُودِ فَجْرٍ لَهُمْ حِسِّيٍّ كَيْفَ يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ وَيُعْتَبَرُ فَجْرُ الْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ؟!.
وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَيْرِ: إنَّمَا يَكُونُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِيمَنْ انْعَدَمَ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ مَا إذَا وُجِدَ، فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ).
بعض الصور المحتملة، وأحكامها على رأي ابن حجر والرملي:
1) إذَا كَانَ لِقَوْمٍ نَهَارٌ وَآخَرُونَ لَا نَهَارَ لَهُمْ فَيُلْحَقُ مَنْ لَا نَهَارَ لَهُمْ بِمَنْ لَهُمْ نَهَارٌ فِي تَقْدِيرِ زَمَنِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَجْلِ دُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا.
2) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ لَيْلٌ وَآخَرُونَ لَا لَيْلَ لَهُمْ فَيُلْحَقُ مَنْ لَا لَيْلَ لَهُمْ بِمَنْ لَهُمْ لَيْلٌ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ بِأَنْ يُحْكَمَ بِغُرُوبِهَا عِنْدَهُمْ.
3) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ: غروب شمس، يتلوه طلوعها، فبغروبها يدخل وقت المغرب، فتجب، لكن لا توجد علامة دخولٍ لا للعشاء ولا للفجر، بل ظهرت علامة خروج الفجر،
وأفتى معاصري البرهان الفزاري بسقوط العشاء في هذه الصورة، لعدم وجود وقتٍ لها، لا في دخولها، ولا في خروجها، وجرى المتأخرون على ما أفتى به البرهان الفزاري بوجوب قضاء العشاء. قال ابن حجر: (ومقتضاه أن لا صوم عليهم لأنه على التقديرِ. والأخذُ بالنسبةِ لا يكون صلاة المغرب والعشاء بعد الفجر قضاء).
وعلق على مسألة الفزاري ابن قاسم فقال: (لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ صَوْمِ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ؟
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَالِي الصَّوْمِ الْقَاتِلِ، أَوْ الْمُضِرِّ إضْرَارًا لَا يُحْتَمَلُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْغُرُوبِ زَمَنًا يَسَعُ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالْحُكْمِ بِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، بَلْ قِيَاسُ اعْتِبَارِ قَدْرِ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ بَقَاءُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَوُقُوعُهَا أَدَاءً فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ مَا نَحْنُ فِيهِ).
ويحتمل أمورا:
قصر الليل بما لا يسع صلاة، أو لا يسع أكل الصائم: فقد ذكر في الإيعاب أنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم، ويحتمل القول بوجوب القضاء.
قصر الليل بما لا يسع إلا صلاة المغرب أو أكل الصائم: فيقدم أكله؛ لأنه تعارض عليه واجبان؛ لأن الفطر واجب فراراً من الوصال فيُقَدّم الأهم، ويقضي المغرب. لكن ذكر في الإيعاب والشبراملسي في نحوه أنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم.
قصر الليل بما لا يسع إلا المغرب: لم أجد لهم في هذا شيئا، وهل يقال بوجوب القضاء، أم يقال: إنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
قصر الليل بما لا يسع إلا المغرب وصلاة أخرى: لم أجد لهم في هذا شيئا، والظاهر: يصلي أحدهما، وهل تقدم العشاء أم الفجر؟!، والأقرب: العشاء، وهل يقال بوجوب قضاء الفجر، أم يقال: إنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
يسع الليلُ الفروضَ الثلاثة فقط: يصليها.
يسع الليل الفروض الثلاثة وغيرها: فيعتبر بأقرب البلاد إليهم.
4) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ: غروب شمس، يتلوه طلوع الفجر، فبغروبها: يدخل وقتُ المغرب، وبطلوع الفجر: يدخل وقت الفجر، فتجبان، لكن لا توجد علامة دخولٍ للعشاء، بل ظهرت علامة خروج العشاء، فيحتمل أمورا منها:
قصر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: بما لا يسع صلاة: فيجب قضاء المغرب والعشاء، لكن مر في نظائرها احتمالية القول بأنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
قصر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: بما لا يسع إلا المغرب: فيجب قضاء العشاء، لكن قال الشبراملسي: يعتبر بأقرب البلاد إليهم، وهو نظير كلام الإيعاب السابق: أنه كالعدم.
يسع ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: المغرب والعشاء فقط: يصليهما.
يسع ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: المغرب والعشاء وغيرها: فيعتبر بأقرب البلاد إليهم.
5) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ: غروب شمس، ثم غروب الشفق الأحمر، يتلوه طلوع الفجر، فبغروبها: يدخل وقتُ المغرب، وبغروب الشفق: يدخل وقت العشاء، وبطلوع الفجر: يدخل وقت الفجر، فيحتمل أمورا منها:
قصر ما بين غروب الشفق وطلوع الفجر: بما لا يسع العشاء: وهل يقال بوجوب القضاء، أم يقال: إنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
يسع ما بين غروب الشفق وطلوع الفجر: العشاء: يصليها.
([1]) عبارة ح ل: (أي ما لم يلزم عليه -أي على اعتبار غيبوبة شفق أقرب البلاد إليهم- طلوع الفجر عند هؤلاء؛ لما يلزم على ذلك أن يصلوا العشاء بعد الفجر، وحينئذ ينبغي أن يؤخذ بالنسبة، فإذا كان وقت المغرب سدس ليل أولئك -أي أهل أقرب البلاد إليهم- جعلنا ليلَ هؤلاءِ: سدسُه وقتُ الغروب، وبقيتُه وقتُ العشاء.
فإذا كان ليلُ أقرب البلاد إليهم مائةً وعشرين درجة، وليلُ هؤلاء عشرين: كان وقتُ العشاء سدسَها).
وكتب أيضا: (وهذا ظاهر إذا كان لا يلزم على ذلك طلوع الفجر، وإلا بأن كان اعتبار ذلك يؤدي إلى طلوع فجرهم فلا؛ إذ يلزمه أن يصلوا العشاء بعد الفجر، وحينئذ ينبغي أن ينسب وقت المغرب عند أولئك إلى ليلهم، فإن كان السدس مثلا جعلنا ليل هؤلاء سدسه وقت المغرب، وبقيته وقت العشاء، وإن قصر جدا.
وبعضهم اعتبر الأقرب، وإن لزم عليه ما تقدم من صلاة العشاء بعد الفجر، قال: ولا يدخل وقت الصبح عند هؤلاء بالفجر، بل يعتبر بفجر الأقرب أيضًا، قال حج: وهذا بعيد جدا؛ إذ مع وجود فجرٍ لهم حَسي كيف يمكن إلغاؤه ويعتبر فجر الأقرب، والاعتبار بالغير إنما يكون فيمن انعدم لا فيما وجد).
قال الحلبي على المنهج : (محل اعتبار النسبة إذا كان اعتبار مغيب شفق أقرب البلاد إليهم يؤدي إلى طلوع الفجر عندهم ، وإِلا فلا تعتبر بالنسبة، بل يصبرون بقدر مغيب شفق أقرب البلاد إليهم.
فقول الشارح لا أنهم يصبرون بقدر ما يمضي ليس مسلماً على إطلاقه.
ولو عدم وقت العشاء كأن طلع الفجر لما غربت وجب قضاؤها على الأوجه من اختلاف فيه بين المتأخرين زي .
ولو لم يسع أي الليل عندهم صلاة المغرب وأكل الصائم بأن كان بين الغروب وطلوع الفجر ما لا يسع إِلا قدر المغرب ، أو أكل الصائم قدم أكله لأنه تعارض عليه واجبان ، لأن الفطر واجب فراراً من الوصال فيقدم الأهم م د على التحرير). قال البجيرمي: (قوله : "يصبرون" أي عن فعل العشاء).
قال القليوبي والبرماوي والعبارة للأخير: (قوله يغيب فيه شفق أقرب البلاد إليهم أي قدر ذلك كعادة القوت المجزئ في الفطرة ببلده.
وبمضي ذلك يصلون العشاء ويخرج وقت المغرب مع بقاء شفقهم.
والمراد قدر ذلك بالنسبة الجزئية إلى ليل البلد الأقرب مثال ذلك ما لو كان البلد الأقرب ما بين غروب شمسه وطلوعها مائة درجة وشفقهم عشرون منها فهو خمس ليلهم فخمس ليل الآخرين هو حصة شفقهم وهكذا طلوع فجرهم وقياس ذلك أنا نعتبر للصبح بعد هذا الزمن زمنا يطلع فيه الفجر في أقرب البلاد إليهم).
عبارة الأجهوري: (مثاله إذا كان من يغيب شفقهم أو من لا شفق لهم ليلهم عشرون درجة مثلاً وليل أقرب البلاد إليهم الذين لهم شفق يغيب ثمانون درجة مثلاً وشفقهم يغيب بعد مضي عشرين ، فإذا نسب عشرون إلى ثمانين كانت ربعاً فيعتبر لمن لا يغيب شفقهم مضي ربع ليلهم ، وهو من مثالنا خمس درج فنقول لهم : إذا مضي من ليلكم خمس درج دخل وقت العشاء).
عبارة الأجهوري والباجوري واللفظ للأول: (مثاله: إذا كان من لا يغيب شفقهم أو لا شفق لهم، ليلهم عشرون درجة مثلا وليل أقرب البلاد إليهم الذين لهم شفق يغيب ثمانون درجة مثلا وشفقهم يغيب بعد مضي عشرين درجة فإذا نسب عشرون إلى ثمانين كانت ربعا فيعتبر لمن لا يغيب شفقهم مضي ربع ليلهم وهو في مثالنا خمس درج فنقول لهم إذا مضى من ليلكم خمس درج دخل وقت عشائكم).
قال المناوي على التحرير: (أي بقدر ما يغيب، وظاهره اعتبار مضيّ ذلك الزمن وإن تأخر عن طلوع شمسهم، وقياسه أن وقت صبحهم يحصل بمضيّ زمن يطلع فيه فجر أقرب بلد إليهم).
([2]) حواشي الشرواني والعبادي - (1 / 424): قوله: (وإن قصر جدا) فإن لم يسع إلا واحدة من المغرب والعشاء قضى العشاء وإن لم يسع واحدة منهما قضاهما كما يأتي ما يفيده.
قرأت في ذلك كثيرا من اجتهادات المعاصرين، وآراء المتقدمين، فلم أر أكثر تفصيلا كما ذكر العلامة الكشميري في العرف الشذي - (3 / 363): لكن حال الصلاة وحال رمضان عليهم كيف يكون حكمه ولم يتوجه إلى هذا أحد إلا الشوافع.
فأحببت أن ألخص كلام الأئمة الشافعية في هذا المسألة:
الأحكام المترتبة على انعدام وقت الصلاة:
القاعدة الأولى: إذا ظهرت علامة الوقت: وجب الالتزام بها، كما هو صريح عبارات الأئمة، ولا يجوز غير ذلك، وإن قصر زمنها بما يسعها.
القاعدة الثانية: إذا ضاق الوقت عن فعل الصلاة: فقد اضطرب كلام المتأخرين، فتارة يجعلونه كالعدم فيعتبر بأقرب البلاد إليه، وهو الذي جرى عليه ابن حجر وابن قاسم والشبراملسي، وتارة يعبرون بوجوب القضاء، وربما عبر به ابن حجر -وكأنه ليس مرادا كما نبه على ذلك ابن قاسم-، وبينهما فرق، ومنه: تَرَتُّب الصيام.
القاعدة الثالثة: إذا انعدمت علامة وقتٍ من الأوقات: فكلام الأصحاب: اعتبار أقرب البلاد إليه، وعند ابن حجر: على التقدير إن أمكن، وإلا فالنسبة، وتبعه جمهور المحشين.
وجرى الرمليانِ على التقدير مُطلقًا، ولم أر مِنَ المُحَشِّين مَن تَبِعهما، وسيأتي بيانهما.
القاعدة الرابعة: أحكام الصيام مترتبة على الأوقات.
ملاحظات مهمة:
1) قال النووي في المجموع: (قيل: ما بين المغرب والعشاء نصف سدس الليل؛ فإن طال الليل طال نصف السدس، وإن قصر قصر)، وفيه نظر ذكره ابن حجر في الإيعاب.
2) قال النووي في الروضة: (وقال إمام الحرمين: يدخل وقتها –أي العشاء- بزوال الحمرة والصفرة ... وبين غروب الشمس إلى زوال الصفرة كما بين الصبح الصادق وطلوع قرن الشمس. وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض قريب مما بين الصبح الصادق والكاذب. هذا قول إمام الحرمين).
3) ذهب الزركشي وابن العماد في الصور (ا – 4) الآتية في جميع احتمالاتها إلى أنه يعتبر أقرب البلاد إليهم، قال الزركشي: (وعلى هذا يحكم لهم في رمضان؛ بأنهم يأكلون بالنهار إلى طلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم، ثم يُمسكون، ويفطرون .. كذلك قبل غروب الشمس إذا غربت عند غيرهم)، وقاسه على أيام الدجال، ووافقه ابن العماد، ونظر فيه ابن حجر بأنه إذا ظهرت علامات الأوقات لا وجه للقول بهذا.
4) الْعِبْرَةُ فِي القرب: بِاتِّحَادِ الْمَطْلَعِ لَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ.
ومعنى اخْتِلَافِ الْمَطْالَعِ واتحادها ما ذكره القليوبي بقوله: (وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ طُلُوعُ الشَّمْسِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ غُرُوبُ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ مُتَقَدِّمًا عَلَى مِثْلِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَتَتَأَخَّرُ رُؤْيَتُهُ فِي بَلَدٍ عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ . وَذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَنْ اخْتِلَافِ عُرُوضِ الْبِلَادِ أَيْ بُعْدِهَا عَلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَأَطْوَالِهَا أَيْ بُعْدِهَا عَنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ فَمَتَى تَسَاوَى طُولُ بَلَدَيْنِ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ , وَإِنْ اخْتَلَفَ عَرْضُهُمَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ شُهُورٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ وَالْآخَرُ فِي أَقْصَى الشَّمَالِ . وَمَتَى اخْتَلَفَ طُولُهُمَا بِمَا سَيَأْتِي امْتَنَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَلَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ الْعَكْسِ . كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ , لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ .
وَمَا ذَكَرَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ . وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ : وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمُطَالِعِ مَسَافَةُ قَصْرٍ وَنِصْفُهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ بَاطِلٌ .
وَكَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ إنَّهَا تَحْدِيدٌ كَمَا عَلِمْت .
تَنْبِيهٌ : اعْتِبَارُ الْمَسَافَةِ وَاخْتِلَافُ الْمُطَالِعِ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ كُلِّ بَلَدٍ وَأُخْرَى بَعِيدَةٍ عَنْهَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَثَلًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَلْزَمُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُطَالِعِ دُخُولُ الْبَلَدِ الْقَرِيبِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ وَخُرُوجُ الْبَعِيدِ عَنْهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ).
5) قال الشبراملسي: (لو استوى في القرب إليهم بلدان، ثم كان الشفق يغيب في إحداهما قبل الأخرى، فهل يعتبر الأول أو الثاني؟، فيه نظر، والأقرب الثاني؛ لئلا يؤدي إلى فعل العشاء قبل دخول وقتها على احتمالٍ).
6) معنى قولهم: أقرب البلاد إليهم: هل تَقْتَضِي عبارتهم أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ بَعْدَ فَجْرِهِمْ أَمْ لَا؟:
والجواب للشهاب الرملي ونقله عنه ابنه: أن قَوْلَ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورَ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الشِّقَّيْنِ.
لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي - أي أنهم لا يصلون بعد فجرهم بل قبله -، والعلة في ذلك:
أ) أنهم ذكروا هذه المسألة فِي بَيَانِ دُخُولِ وَقْتِ أَدَائِهَا.
ب) وَلَمْ يَسْتَثْنُوا أَيْضًا مِنْ أَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ إلَّا وَقْتَ الْعِشَاءِ; إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَزِمَ مِنْهُ اتِّحَادُ [أَوّل] وَقْتَيْ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوا أَيْضًا أَنَّ وَقْتَ صُبْحِهِمْ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِمُضِيِّ قَدْرِ مَا يَطْلُعُ فِيهِ فَجْرُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ.
ج) وَأَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لَيْلِيَّةٌ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ نَهَارِيَّةً فِي حَقِّهِمْ.
وذكر الرشيدي حاصل كلامهما فقال: (وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ وَالِدَهُ سُئِلَ عَنْ قَضِيَّةِ مَا قَدَّمَهُ هُوَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَا عِشَاءَ عِنْدَهُمْ إلَخْ هَلْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ فَرْضَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ فِي الشَّفَقِ الثَّانِي: أَيْ بِأَنْ يَفْضُلَ بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي يَغِيبُ الشَّفَقُ فِيهِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ زَمَنٌ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يُمْكِنُ إيقَاعُ الْعِشَاءِ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضُ كَلَامِهِمْ ذَلِكَ لِلدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُحْتَمِلًا لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ أَيْضًا: أَعْنِي كَوْنَهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمْ).
وفرَّع الشهاب الرملي وتبعه ابنه على ذلك بأنه: (إِنْ اتَّفَقَ وُجُودُ الشفق الْأَوَّلِ -الأحمر- عِنْدَهُمْ بِأَنْ طَلَعَ فَجْرُهُمْ بِمُضِيِّ قَدْرِ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ صَلَّوْا الْعِشَاءَ حِينَئِذٍ أَدَاءً، وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ صُبْحِهِمْ إلَّا بِمُضِيِّ مَا مَرَّ).
وفهم الرَّشِيدي من هذه العبارة الأخيرة: بِأَنّ مَن (لَمْ يَمْضِ زَمَنُ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ إلَّا وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ عِنْدَهُمْ فَحُكْمُهُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ حِينَئِذٍ: أَيْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ وَتَقَعُ لَهُمْ أَدَاءً.
فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ حِينَئِذٍ.
وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَ الشِّهَابُ حَجّ الْأَخْذَ بِالنِّسْبَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ)، واعتمد ما اعتمده ابن حجر المحشين كالزيادي والحلبي وغيرهم.
وعبارة ابن حجر: (وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ هَؤُلَاءِ بِأَنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَمَغِيبِ الشَّفَقِ عِنْدَهُمْ بِقَدْرِ لَيْلِ هَؤُلَاءِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَغِيبِ الشَّفَقِ؛ لِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَئِذٍ.
وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ أُولَئِكَ إلَى لَيْلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ السُّدُسُ مَثَلًا[SUP]([1])[/SUP] جَعَلْنَا لَيْلَ هَؤُلَاءِ: سُدُسُهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَبَقِيَّتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَإِنْ قَصُرَ جِدًّا[SUP]([2])[/SUP].
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي صُورَتِنَا هَذِهِ: اعْتِبَارَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ بِالْأَقْرَبِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى طُلُوعِ فَجْرِ هَؤُلَاءِ، فَلَا يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الصُّبْحِ عِنْدَهُمْ، بَلْ يَعْتَبِرُونَ أَيْضًا بِفَجْرِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ إذْ مَعَ وُجُودِ فَجْرٍ لَهُمْ حِسِّيٍّ كَيْفَ يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ وَيُعْتَبَرُ فَجْرُ الْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ؟!.
وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَيْرِ: إنَّمَا يَكُونُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِيمَنْ انْعَدَمَ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ مَا إذَا وُجِدَ، فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ).
بعض الصور المحتملة، وأحكامها على رأي ابن حجر والرملي:
1) إذَا كَانَ لِقَوْمٍ نَهَارٌ وَآخَرُونَ لَا نَهَارَ لَهُمْ فَيُلْحَقُ مَنْ لَا نَهَارَ لَهُمْ بِمَنْ لَهُمْ نَهَارٌ فِي تَقْدِيرِ زَمَنِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَجْلِ دُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا.
2) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ لَيْلٌ وَآخَرُونَ لَا لَيْلَ لَهُمْ فَيُلْحَقُ مَنْ لَا لَيْلَ لَهُمْ بِمَنْ لَهُمْ لَيْلٌ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ بِأَنْ يُحْكَمَ بِغُرُوبِهَا عِنْدَهُمْ.
3) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ: غروب شمس، يتلوه طلوعها، فبغروبها يدخل وقت المغرب، فتجب، لكن لا توجد علامة دخولٍ لا للعشاء ولا للفجر، بل ظهرت علامة خروج الفجر،
وأفتى معاصري البرهان الفزاري بسقوط العشاء في هذه الصورة، لعدم وجود وقتٍ لها، لا في دخولها، ولا في خروجها، وجرى المتأخرون على ما أفتى به البرهان الفزاري بوجوب قضاء العشاء. قال ابن حجر: (ومقتضاه أن لا صوم عليهم لأنه على التقديرِ. والأخذُ بالنسبةِ لا يكون صلاة المغرب والعشاء بعد الفجر قضاء).
وعلق على مسألة الفزاري ابن قاسم فقال: (لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ صَوْمِ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ؟
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَالِي الصَّوْمِ الْقَاتِلِ، أَوْ الْمُضِرِّ إضْرَارًا لَا يُحْتَمَلُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْغُرُوبِ زَمَنًا يَسَعُ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالْحُكْمِ بِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، بَلْ قِيَاسُ اعْتِبَارِ قَدْرِ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ بَقَاءُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَوُقُوعُهَا أَدَاءً فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ مَا نَحْنُ فِيهِ).
ويحتمل أمورا:
قصر الليل بما لا يسع صلاة، أو لا يسع أكل الصائم: فقد ذكر في الإيعاب أنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم، ويحتمل القول بوجوب القضاء.
قصر الليل بما لا يسع إلا صلاة المغرب أو أكل الصائم: فيقدم أكله؛ لأنه تعارض عليه واجبان؛ لأن الفطر واجب فراراً من الوصال فيُقَدّم الأهم، ويقضي المغرب. لكن ذكر في الإيعاب والشبراملسي في نحوه أنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم.
قصر الليل بما لا يسع إلا المغرب: لم أجد لهم في هذا شيئا، وهل يقال بوجوب القضاء، أم يقال: إنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
قصر الليل بما لا يسع إلا المغرب وصلاة أخرى: لم أجد لهم في هذا شيئا، والظاهر: يصلي أحدهما، وهل تقدم العشاء أم الفجر؟!، والأقرب: العشاء، وهل يقال بوجوب قضاء الفجر، أم يقال: إنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
يسع الليلُ الفروضَ الثلاثة فقط: يصليها.
يسع الليل الفروض الثلاثة وغيرها: فيعتبر بأقرب البلاد إليهم.
4) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ: غروب شمس، يتلوه طلوع الفجر، فبغروبها: يدخل وقتُ المغرب، وبطلوع الفجر: يدخل وقت الفجر، فتجبان، لكن لا توجد علامة دخولٍ للعشاء، بل ظهرت علامة خروج العشاء، فيحتمل أمورا منها:
قصر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: بما لا يسع صلاة: فيجب قضاء المغرب والعشاء، لكن مر في نظائرها احتمالية القول بأنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
قصر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: بما لا يسع إلا المغرب: فيجب قضاء العشاء، لكن قال الشبراملسي: يعتبر بأقرب البلاد إليهم، وهو نظير كلام الإيعاب السابق: أنه كالعدم.
يسع ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: المغرب والعشاء فقط: يصليهما.
يسع ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر: المغرب والعشاء وغيرها: فيعتبر بأقرب البلاد إليهم.
5) وإذَا كَانَ لِقَوْمٍ: غروب شمس، ثم غروب الشفق الأحمر، يتلوه طلوع الفجر، فبغروبها: يدخل وقتُ المغرب، وبغروب الشفق: يدخل وقت العشاء، وبطلوع الفجر: يدخل وقت الفجر، فيحتمل أمورا منها:
قصر ما بين غروب الشفق وطلوع الفجر: بما لا يسع العشاء: وهل يقال بوجوب القضاء، أم يقال: إنه كالعدم، فيعتبر بأقرب البلاد إليهم؟.
يسع ما بين غروب الشفق وطلوع الفجر: العشاء: يصليها.
([1]) عبارة ح ل: (أي ما لم يلزم عليه -أي على اعتبار غيبوبة شفق أقرب البلاد إليهم- طلوع الفجر عند هؤلاء؛ لما يلزم على ذلك أن يصلوا العشاء بعد الفجر، وحينئذ ينبغي أن يؤخذ بالنسبة، فإذا كان وقت المغرب سدس ليل أولئك -أي أهل أقرب البلاد إليهم- جعلنا ليلَ هؤلاءِ: سدسُه وقتُ الغروب، وبقيتُه وقتُ العشاء.
فإذا كان ليلُ أقرب البلاد إليهم مائةً وعشرين درجة، وليلُ هؤلاء عشرين: كان وقتُ العشاء سدسَها).
وكتب أيضا: (وهذا ظاهر إذا كان لا يلزم على ذلك طلوع الفجر، وإلا بأن كان اعتبار ذلك يؤدي إلى طلوع فجرهم فلا؛ إذ يلزمه أن يصلوا العشاء بعد الفجر، وحينئذ ينبغي أن ينسب وقت المغرب عند أولئك إلى ليلهم، فإن كان السدس مثلا جعلنا ليل هؤلاء سدسه وقت المغرب، وبقيته وقت العشاء، وإن قصر جدا.
وبعضهم اعتبر الأقرب، وإن لزم عليه ما تقدم من صلاة العشاء بعد الفجر، قال: ولا يدخل وقت الصبح عند هؤلاء بالفجر، بل يعتبر بفجر الأقرب أيضًا، قال حج: وهذا بعيد جدا؛ إذ مع وجود فجرٍ لهم حَسي كيف يمكن إلغاؤه ويعتبر فجر الأقرب، والاعتبار بالغير إنما يكون فيمن انعدم لا فيما وجد).
قال الحلبي على المنهج : (محل اعتبار النسبة إذا كان اعتبار مغيب شفق أقرب البلاد إليهم يؤدي إلى طلوع الفجر عندهم ، وإِلا فلا تعتبر بالنسبة، بل يصبرون بقدر مغيب شفق أقرب البلاد إليهم.
فقول الشارح لا أنهم يصبرون بقدر ما يمضي ليس مسلماً على إطلاقه.
ولو عدم وقت العشاء كأن طلع الفجر لما غربت وجب قضاؤها على الأوجه من اختلاف فيه بين المتأخرين زي .
ولو لم يسع أي الليل عندهم صلاة المغرب وأكل الصائم بأن كان بين الغروب وطلوع الفجر ما لا يسع إِلا قدر المغرب ، أو أكل الصائم قدم أكله لأنه تعارض عليه واجبان ، لأن الفطر واجب فراراً من الوصال فيقدم الأهم م د على التحرير). قال البجيرمي: (قوله : "يصبرون" أي عن فعل العشاء).
قال القليوبي والبرماوي والعبارة للأخير: (قوله يغيب فيه شفق أقرب البلاد إليهم أي قدر ذلك كعادة القوت المجزئ في الفطرة ببلده.
وبمضي ذلك يصلون العشاء ويخرج وقت المغرب مع بقاء شفقهم.
والمراد قدر ذلك بالنسبة الجزئية إلى ليل البلد الأقرب مثال ذلك ما لو كان البلد الأقرب ما بين غروب شمسه وطلوعها مائة درجة وشفقهم عشرون منها فهو خمس ليلهم فخمس ليل الآخرين هو حصة شفقهم وهكذا طلوع فجرهم وقياس ذلك أنا نعتبر للصبح بعد هذا الزمن زمنا يطلع فيه الفجر في أقرب البلاد إليهم).
عبارة الأجهوري: (مثاله إذا كان من يغيب شفقهم أو من لا شفق لهم ليلهم عشرون درجة مثلاً وليل أقرب البلاد إليهم الذين لهم شفق يغيب ثمانون درجة مثلاً وشفقهم يغيب بعد مضي عشرين ، فإذا نسب عشرون إلى ثمانين كانت ربعاً فيعتبر لمن لا يغيب شفقهم مضي ربع ليلهم ، وهو من مثالنا خمس درج فنقول لهم : إذا مضي من ليلكم خمس درج دخل وقت العشاء).
عبارة الأجهوري والباجوري واللفظ للأول: (مثاله: إذا كان من لا يغيب شفقهم أو لا شفق لهم، ليلهم عشرون درجة مثلا وليل أقرب البلاد إليهم الذين لهم شفق يغيب ثمانون درجة مثلا وشفقهم يغيب بعد مضي عشرين درجة فإذا نسب عشرون إلى ثمانين كانت ربعا فيعتبر لمن لا يغيب شفقهم مضي ربع ليلهم وهو في مثالنا خمس درج فنقول لهم إذا مضى من ليلكم خمس درج دخل وقت عشائكم).
قال المناوي على التحرير: (أي بقدر ما يغيب، وظاهره اعتبار مضيّ ذلك الزمن وإن تأخر عن طلوع شمسهم، وقياسه أن وقت صبحهم يحصل بمضيّ زمن يطلع فيه فجر أقرب بلد إليهم).
([2]) حواشي الشرواني والعبادي - (1 / 424): قوله: (وإن قصر جدا) فإن لم يسع إلا واحدة من المغرب والعشاء قضى العشاء وإن لم يسع واحدة منهما قضاهما كما يأتي ما يفيده.