سهير علي
:: نشيط ::
- انضم
- 17 يوليو 2010
- المشاركات
- 774
- الجنس
- أنثى
- الكنية
- أم معاذ
- التخصص
- شريعة
- الدولة
- بريطانيا
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعية
بسم الله الرحمن الرحيم
ضحكة مع سبق الإصرار والترصد
 
ضحكة مع سبق الإصرار والترصد
ماذا تشعر مع نفسك؛ عندما ترى بين يديك غاليا عليك كان ملء السمع والبصر؛ تجهزه للقاء ربه؟! سبحان الله الذي قدر الثبات!
أتذكر عندما كنت في سن 18 عاما نائمة مع أختي في حجرة أمي(رحمها الله تعالى)، وكانت وأمي نائمة في حجرتي لسعتها من أجل وضع بعض الأجهزة التي نقلولها لها من المستشفى بعدما رجعت منها، كان وجهها كأنه عندها 100 سنة، وهي التي لم تناهز الـ 45 عاما، مريضا عليلا مكدرا مصفرا كالكركم.
والغريب أنها ليلة وفاتها (رحمها الله) كانت في غيبوبة منذ ثلاثة أيام، بعدما تدهورت حالتها بسرعة كبيرة، وكان زوج أختي الكبيرة طبيبا هو من يعلق لها المحاليل.
ووالله والله والله كانت وهي في الغيبوبة تستعجل أحدا أمامها لم نراه وتريد أن تمسك به، وربي شاهد علي، وتقول تردد بصوت مرتفع (أريد الرحيل الآن) أبي يرد عليها: رحيل لأين أنت في بيتك، وظلت تردد (ياله بقى عوزه أروح)، وكنا نعمل نوبات مرافقة لها، فتركتها ودخلت نمت قرابة الساعة 2 بعد منتصف الليل يوم الخميس، فتوفيت وقت الفجر، بعدما قالت الشهادة (رحمها الله تعالى)؛ والفضل لله والمنة.
أفقت أنا وأختي على صوت حماة أختي الثالثة تقول: قوموا يا بنات البقاء لله.
قفزت أجري إلى حجرتي، فماذا وجدت؟ والله على ما أقول شهيد، وشاهد ووكيل؛ شاهدت وجه مشرقا ضاحكا، تضحك لدرجة أن أسنانها العليا والسفلى تظهر من الضحك، والله وهي منذ شهر تعيش على المحاليل ولا تأكل، كان بصراحة شكلها صعبا جد قبل وفاتها، لم أنسه وأتذكره كأنه أمامي الآن، ولكن عندما شاهدتها بعد وفاتها تبدل كل شيء، ومن رابع المستحيلات أن تقول أنها توفيت منذ ساعتين، مستحيل أن تقول أن هذا الجسد المزجى فارقته الروح.
رجعت أمي (رحمها الله تعالى) لسن الثلاثين عاما، والله كان لها صورة وهي في الثلاثين طبق الأصل من صورتها وهي متوفاه، شكلها إنسانة نائمة وسعيدة، تضحك وكلها سكينة وأمن وطمأنينة، من وقتها وأنا عرفت أن للموت وجه آخر.
فلا تنزعجوا يوجد بعد الدنيا أمل الراحة والسعادة التي ليس فيها كدرا أو فراقا أو مرضا أو حاجة للناس، فقط يا رب يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والإخلاص، ويرزقنا حسن الخاتمة.
أعدوا كل شيء لتغسيلها، فقلت لهم سأغسلها معكم، خافوا علي وقالوا لن تستطعي، قلت مستحيل سأغلسها معكم ولن يمنعني أي أحد.
بالفعل وقفت معهم أصب على أمي(رحمها الله تعالى) الماء وكأنها كانت نائمة، وصديقتها مع خالتي يغسلانها.، ومن يومها ووجهها الضاحك يطاردني، فأقول لنفسي ماذا قدمتي لتحصلي على موتة كهذا!؟
ما رأيت جمالا ووجه منيرا ضاحكا ضحكة كبيرة ليس ابتسام، أو اشتباه في الضحك، بل كان الوضع وربي على ما أقول شهيد: وجه يضحك ضحكة كبيرة مع سبق الإصرار والترصد.
كان هذا لأول مرة في حياتي أرى منظرا كهذا، فجلست أفكر في كلام الناس عندما يكون أحد مريضا أسمع يقولون له: (مال وجهك تعبان مثل وجه الميتين)، أو (ما لك كأنك بتموت) (شكلك كأنك طالع من قبر).
وظل سؤال يردد في ذهني لسنوات طوال: كيف أحصل على وجه ضاحكا كهذا؟ ولكن الآن تحول السؤال إلى: إلى أي حد كان توفيق الله تعالى لأمي (رحمها الله تعالى) في الإخلاص؟
فيا سعدها ولكني سأقص عليكم ماذا كانت تفعل والنيات يعلمها الله وحده.
أولا: ارتدت الحجاب وهي ذات 30 عاما أو اكبر قليلا، ولكنها بعدما أرتدت الحجاب كانت:
1. تتوضأ وتنتظر دخول الوقت، فتصلي الفرض حاضرا وما كانت تترك نوافل الصلاة.
2. تصوم اثنين وخميس، والأيام البيض، والستة من شوال وعرفة، وكل أول شهر عربي.
3. ما سمعتها تشتكي: أن أحد فعل هذا أو شخص قال هذا.
4. كنت أسمع بعض النساء القريبات يخضن في سير الناس وكنت صغيرة، ولكنك والله ما كنت تجدها (رحمها الله تعالى) معهم أبدا.
5. كانت تفعل الخير (رحمها الله تعالى) للناس وقبل وفاتها بشهر أخذتني معها وقالت لي: أنا أفعل كذا وأحضر كذا لهؤلاء وإذا مت تكوني مكاني، وربي شاهد.
6. كانت لا تشاهد التلفاز، وقتها كله للعمل في البيت، وتنام باكرا وتستيقظ الفجر ولا تنام بعده.
7. هي (رحمها الله تعالى) لم تكمل تعليمها، ولكنها كانت تمسك بالقرآن وتتعتع ولا تتركه.
8. كان أبي رحمه الله يكفي طلبات بيته بالكاد، وبتوفيق الله تعالى عملت معه بيدها وهي حامل وهي مرضع وهي تربي أولادها إلى أن فتح الله بركات على أبي كبيرة جدا، فتملك البيوت والأراضي، وسبحان الله بعد وفاتها وزاوجه من أخرى تبدل الحال معه، ولكن ظل بخير والحمد لله، وكأن الله سبحانه فتح عليه أسباب الخير الكثيرة بسببها، رحمهما الله تعالى.
9. تزوج عليها أبي وهذا شيء كبير على المرأة المصرية، تعبت هي قليلا، ولكن بعدما استقر الوضع كانت تشتري لزوجته الذهب وترسله لها.
10. ما سمعتُ أمي أو أبي (رحمهما الله تعالى) أن قالا ساعدنا فلان، أو ساعدنا هذا ولم يحفظ الجميل. والله كنا نشاهد فعلهما الخير دون أن ينطقا، ولا يحكيا لمخلوق، وكم من ناكري الجميل قابلت أمي ولكنها والله ما سمعتها عمري تحكي عنهم.
ما سمعتها مرة لغت أو أشتكت من أي مخلوق، امرأة تعمل في مصنع زوجها وتحتضن البنات العاملات بحب ورحمة، وأبي يشتري أتواب القماش وهي تعطي العاملا ملابس الصيف وملابس الشتاء، وكل مناسبة -عيد - رمضان - عاشورا- تعمل سندوتشات الأرز باللحم وتوزعها عليهن وعلى الفقراء.
في العزاء عندما جاءت والدة أمي -جدتي- تبكي ابنتها (رحمها الله تعالى) ومعها بعض النساء يريدن العويل؛ قال أبي رحمه الله: (من تريد أن تولول عليها فتخرج من بيتي ولتولول على نفسها، روحوا اعملوا اللي كانت بتعمله زوجتي كانت بمائة رجل).!
فجزاها الله عني كل خير ورحمها الله رحمة واسعة، جعلتني لا أخاف الموت، وأريد أن أضحك عند وفاتي مع سبق الإصرار والترصد؛ هذا ما يكدر علي حياتي، آنَ لي بهذا؟.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا طيب يكون إلا بإذنه سبحانه، ولا توفيق ولا إخلاص ولا قبول إلا بالاستعانة به وهو الموفق وعليه الاتكال.
فقد أردت أن أقول أن للموت وجه آخر فاللهم احسن خاتمتنا وارزقنا توفيقك ورضاك، اللهم آمين وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه واتبع هداه إلى يوم الدين.
سهير علي
اعتذر لعدم دخولي المنتدى والمشاركة لظروف خارجة عن الإرادة، ولكن وفاة ابنة أختي في الله ومعلمتي للقرآن ندى وصديقتي الغالية؛ أثارت جراحات فراق ما اندملت لأنه الفراق كان لأم ولكنها ليست كأي أم، والله أعلم بها.
رحمها الله تعالى وكل موتانا وموتى المسلمين.
اللهم ادخلنا الجنة دون سابقة حساب او عذاب واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم آمين
 
	 
				
