رد: القواعد السبع الكافية في الرد على المشككين في السنة النبوية
السلام عليكم (أعتذر على المقاطعة ابتداءًا)
بارك الله فيكم على هذا الموضوع دفاعًا عن السنة النبوية الشريفة.
لكن حبّذا لو لم يتم التعريض بالدكتور عدنان إبراهيم، فبالرغم من أنه أخطأ في عدد من المسائل، إلا أن له جهود دعوية في بلدته، وكذلك له جهود علمية في مختلف المجالات، ويبقى من القلة المسلمين المفكرين الذين يحاولون التجميع بين الأمة والرد على شبهات أعداءها. وأنا شخصيًّا اعتبره عالمًا مع اختلافي معه في الكثير من المسائل! .. منهجه بالنسبة لي ليس تشكيكيًّا وإنما هو تحقيقي، من باب إحسان الظن به، وقد رجع في كثير من آراءه عندما يترجح له غيرها. فإبعاده عن المنهج العلمي وتصنيفه من "الجهلاْ" أراه تعصّبًا من غير مبرر صراحة.
القواعد السبع الكافية
في الرد على عدنان إبراهيم في منهجه التشكيكي للسنة النبوية
لا أدري لماذا لم يتم طرح القواعد "السبع الكافية" بشكل موضوعي على الأقل، أو يتم وضعها في الملتقى المفتوح بدلًا من وضعها في قسم القواعد والضوابط الفقهية.
وقد ترددت كثيرًا قبل وضع هذا الرد، فلا أريد أن أظهر في مظهر المدافع عن أشخاص! .. ولكن لا أرى هذا الموضوع -ولا غيره- منصفًا في حق الرجل ولا موفّقًا للرد عليه، واسمحوا لي بالتعقيب على بعض جزئيات الموضوع:
في القاعدة الأولى قلتم:
وما أكثر ما يجزم عدنان إبراهيم مع وجود الاحتمال القوي مثل جزمه بأن أحاديث رجم الزاني المحصن منسوخة، ولم يأت بدليل مقبول على جزمه هذا، مع أن احتمال كونه غير منسوخ هو الظاهر وهو الأصل وهو اليقين والإجماع!!
وفي المقابل إذا نحن راجعنا كلامه -وبالرغم من خطأه- يظهر لنا أن هناك قرائن ظهرت له دفعته إلى هذا القول! .. فلماذا طعنه بأنه من المشككين في السنة والجهال؟!!
https://www.youtube.com/watch?v=63Sa55JS7qc
وفي القاعدة الثانية قلتم:
وما أكثر ما يرد عدنان إبراهيم كثيرا من الأحاديث الصحاح لأدنى شبهة تعرض له مثل أحاديث نزول عيسى بن مريم آخر الزمان، وأحاديث الشفاعة وخروج الموحدين من النار برحمة الله الواسعة، فهو يُكذِّبها ويكفر بها ويجحدها مع أنه لو أنصف لوجد أن احتمال صدقها قوي جدا والشبهة في ردها ضعيفة جدا!!
أولًا: اعترض على هذه الطريقة النقدية، فوصف الرأي بالشبهة لا يتفق مع النقد الموضوعي المتجرّد، بل هو أقرب للتصنيف والتوصيف.
ثانيًا: ما يدريكم أن رأيه "ألذي هو شبهة" ظهر له راجحًا لعديد من القرائن؟ .. خاصة وأن كلامه مبني على مقارنة للأديان، انطلاقًا من إنكاره لعقيدة المسيح المنتظر في مختلف الشرائع والأديان.
مسلّمات العقيدة الإسلامية محدودة جدًّا، (وتكاد) تنحصر في ستة أركان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وفروعها. وكثير مما يعتقده الناس مسلّمات في العقيدة ليس كذلك!
وسأتعرّض لمثال واحد من المذكور كمثال خشية الإطالة:
مسألة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، مسألة خلافية! .. ومبنية على أصول.
ذكر الدكتور أحمد حجازي السّقّا في كتابه "معكرة هرمجدون ونزول عيسى والمهدي المنتظر - بين النفي والإثبات في التوراة والإنجيل والقرآن" (ط. مكتبة النافذة) (ص 8): "أن الأستاذ الشيخ محمدا لغزالي صرح برأي خلاصته:
أن السنة النبوية تنقسم إلى أربعة أقسام:
1- سنة موافقة للقرآن في المعنى.
2- وسنة مفسرة للقرآن.
3- وسنة معارضة للقرآن في المعنى.
4- وسنة منشئِة حكمًا عقائديًا، أو فقهيًا. ليس له في القرآن من ذكْر!.
ويجب على المسلمين أن يأخذوا منا لسنة كلها بـ:
1- السنة الموافقة.
2- والسنة المفسرة. في العقائد وفي الفقه.
وذلك لأن الله في القرآن يقول: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم) ويقول: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) والبيان: تفسير لا معارضة، ولا إنشاء، ولأن في الأحاديث النبوية: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتج على آرائها بقولها: (حسبكم كتاب الله).
يقول: "وعندي: أن ذلك المسلك الذي سلكته أما لمؤمنين عائشة رضي الله عنها هو الأساس لمحاكمة الصحاح؛ إلى نصوص الكتاب الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه...".
وقضية عرض السنة على الكتاب مشهورة عندا لحنفية والمالكية.
ببساطة هذا منهج "عدنان إبراهيم" .. ولا يخفى عليكم الخلاف المشهور بين حجية خبر الآحاد في العقائد!.
فكلامه إذن ليس بدعًا منا لقول، وإن كان خاطئًا عندا لبعض، فينبغي التعبير عنه بأنه مرجوح، لا أنه جهلًا ومخالف للمنهج العلمي!!
يقول شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت في كتاب ((الفتاوى)) (ص 67): "إن العلميات التي ترد بطريق قطعي، أو وردت ولكن لابسها احتمال في الدلالة، فاختلف فيها العلماء، ليست منا لعقائد التي يكلفنا بها الدين، والتي تعتبر حدًّا فاصلًا بين الذين يؤمنون، والذين لا يؤمنون".
ثم قال: "إن عيسى عليه السلام مات موتًا طبيعيًّا، ودفن في الأرض، كسائر البشر، ولم يُرفع إلى السماء بروحه وجسده. كما يقول النصارى فيه.. ولن ينزل إلى الأرض في نهاية الحياة الدنيا، ولن يكون نزوله من علامات الساعة. إن نزل. فالساعة تأتي بغتة".
فهذا استدلال عقلي صريح له! ..
وعلاوة على ذلك هذه الطائفة ذهبت إلى تأويل معتبر للآيتين المشهورتين في الأمر.
أما دعوى الإجماع فباطلة! .. لن أتعرض للمسألة من الناحية الأصولية، ولكن أقول بأن الخلاف قائم في هذه المسألة، قديمًا وحديثًا! ..
أما قديمًا: فقد نص على ذلك ابن حزم في كتابه ((مراتب الإجماع)) حيث يقول: "واتفقوا على أنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبدًا. إلا أنهم اختلفوا في عيسى عليه السلام: أيأتي قبل يوم القيامة أو لا؟". كما نص عليه أيضًا القاضي عياض في شرح مسلم، والسعد في شرح المقاصد، وعباراته واضحة جلية في أن المسألة ظنية في ورودها ودلالتها.
وأما حديثًا: فقد قرر ذلك كل من الأساتذة: الشيخ محمد عبده، والسيد رشيد رضا، والأستاذ الشيخ المراغي، (وغيرهم)!.
وأدلتهم قوية ومعتبرة، يقررون بها قديمًا وحديثًا: أن مسألة عيسى مسألة خلافية، وتفصيل ذلك يطول.
ناهيكم أن بعض المسلمين يجزمون -بل ويدعون الإجماع أحيانًا- في مسائل الخلاف فيها ظاهر! .. مثل مسألة فناء النار مثلًا.
وأبعد من ذلك، أولئك الذين يتصدرون باسم الدين لإنكار مسائل علمية صريحة، كقضية دوران الأرض، أو نظرية التطور.
هناك كتاب لطيف يقع في خمسمائة صفحة تقريبًا، بعنوان "القانون في عقائد الفرق والمذاهب الإسلامية - منهاج وحدة ومنهاج عمل" للدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي، أنصح الجميع بالإطلاع عليه.
في القاعدة الثالثة قلتم:
وخبر المتخصصين في علمٍ ما لا يصح أن يرده الجاهلون بذلك العلم بالظن.
وقد أشرنا سابقًا إلى أن الاحتجاج بخبر الآحاد في العقائد، وأن عرض السنة على الكتاب من المسائل الخلافية المشهورة، فلا ينبغي محاكمة الرجل طبقًا لمنهج المحدّثين فحسب! .. لا أرى هذا إنصافًا أبدًا، ولو أنصفكم المقام واطّلعتم على مناهج غير المحدّثين، لتبيّن لكم أن المسألة خلافية وتحتمل.
وأما في القاعدة الرابعة فقلتم:
فإن لم يُعرف المتقدم من المتأخر يُرجح بينهما، والمرجحات عند العلماء أكثر من 100 مرجح لا يعلم منها المشككون في السنة إلا أن يُقدم القرآن على السنة أو المتواتر على الآحاد!!
وفي الحقيقة الشيخ له دروسًا مطوّلة في أصول الفقه، يتبين من خلالها افتراء تصنيفه من "المشككين في السنة" ومن "الجهال" الذين لا يفقهون في أمر دينهم شيئًا!!!! .. هذا التصنيف في حدّ ذاته يبعدكم عن المنهجية النفيدة في ردكم، فتأملوا!.
ولم نقل: هذا من الإسرائيليات كما هو منهج المهندس عدنان إبراهيم!!
أتعجب من هذا التهكّم على الرجل! .. كأنكم تقولون أنه لا يؤمن بالمعجزات مثلًا، والله سمعت له دروسًا في فيزياء الأبعاد وكان كلامه يخالف هذه الافتراءات! .. اتّقوا الله في هذا الرجل الذي هو من أمتكم!.
وكأني بالإمام أبي محمد بن قتيبة رحمه الله المتوفى سنة 276هـ يرد على عدنان إبراهيم وأشباهه
يعني بدلًا من أن نستر طعن السلف في بعضهم البعض، بتنا ننقل أقوالهم للطعن في بعضنا البعض! .. دائمًا هذا حالنا، لا نتعلم من دروس التاريخ ونقع في نفس الأخطاء! .. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قضى الله أن يكون بأسنا بيننا، وكثير منّا غافلون عن هذه الحقيقة.
فكونوا يا عباد الله من الصدِّيقين ولا تكونوا من المرتابين!!
هل هذه دعوى مبرّرة للتجمّد الفقهي، والانغلاق التفكيري مثلًا؟!!!
بدأت اقتنع بالفعل أن البعض يرفض منهج المفكرين، ويرفضون التدبر، ولو أن هؤلاء القوم عاشوا في زمان المتكلمين لاتهموهم في دينهم، كما حصل مع أهل الرأي وأهل الحديث في مختلف الأزمان، وكأن من تفكّر في دينه لم يكن "صدِّيقًا" ومن لم يتفكّر أصبح "صدِّقًا"!! .. على هذا يكون فضل العابد أعلى مقامًا من فضل العالم، ولكن العكس هو الصحيح.
القواعد: الخامسة والسادسة والسابعة، لم أرَ قطّ عدنان إبراهيم يخالفها! .. فهو لا يستغني بالعقل وحده عن النقل، ولا يقدم العقل المجرد على النقل. بصراحة هذا افتراء آخر على الرجل.
لا أنكر أنه أخطأ في كثير من الأمور -كما أشرت سابقًا- لكن لا ينبغي الطعن فيه بأنه "صاحب ضلالة وبدعة" وإخراجه من أهل السنة والجماعة، ووصف منهجه التفكيري بأنه منهج تشكيكي!! .. فهذا يتطلب منكم تكفير كثير من "العلماء" المتأخرين والمعاصرين ممن قال بقولهم في أكثر مسائله!.
لا أودّ التعرّض إلى كثير من المسائل العقدية في الملتقى احترامًا لسياسة توجهه، ولكن من باب التنبيه، مصطلح "أهل السنة والجماعة" لا ينحصر في أهل الحديث والأثر! .. بل هو يشمل الأشاعرة والماتريدية.
يقول الإمام عبد الباقي المواهبي الحنبلي في كتابه العين والأثر (ص 52): "طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة وحنابلة وماتريدية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة!!".
ويقول الإمام محمد السفاريني الحنبلي صاحب العقيدة السفارينية في كتابه لوامع الأنوار شرح عقيدته (1/ 73): "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق : الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه .. والأشعرية وإمامهم أبوالحسن الأشعري .. والماتردية وإمامهم أبو منصور الماتريدي".
وقال (1/ 76): "قال بعض العلماء: هم -يعني الفرقة الناجية- أهل الحديث. يعني الأثرية والأشعرية والماتريدية".
ويقول العلّامة ابن السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: "اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف: الأولى : أهل الحديث، ومعتقد مباديهم الأدلة السمعية - الكتاب والسنة والإجماع .. الثانية: أهل النظر العقلي وهم الأشعرية والحنفية (الماتريدية) وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي. وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادئ السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسائل .. الثالثة: أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية والكشف والإلهام في النهاية".
قال الإمام ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري (ص 163): "ولم تزل الحنابلة ببغداد في قديم الدهر على ممر الأوقات تعتضد بالأشعرية على أصحاب البدع لأنهم المتكلمون من أهل الإثبات فمن تكلم منهم في الرد على مبتدع فبلسان الأشعرية يتكلم ومن حقق منهم في الأصول في مسألة فمنهم يتعلم فلم يزالوا كذلك حتى حدث الاختلاف في زمن أبي نصر القشيري".
وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 17): "قال أبو القاسم بن عساكر: ما زالت الحنابلة والأشاعرة في قديم الدهر متفقين غير مفترقين حتى حدثت فتنة ابن القشيري".
وجاء في مجموع الفتاوى أيضًا (6/ 53): "والأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرع على الحنبلية كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس العقلي فرع عليهم وإنما وقعت الفرقة بسبب فتنة القشيرى".
وفي مجموع الفتاوى أيضًا (3/ 227): "والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة وأنا كنت من أعظم الناس تأليفا لقلوب المسلمين وطلبا لاتفاق كلمتهم واتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة".
وفي مجموع الفتاوى أيضا (3/ 229): "ولما أظهرت كلام الأشعرى ورآه الحنبلية قالوا هذا خير من كلام الشيخ الموفق وفرح المسلمون باتفاق الكلمة وأظهرت ما ذكره ابن عساكر في مناقبه أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن القشيري فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة".
وفي مجموع الفتاوى أيضاً (3/ 269): "ولهذا اصطلحت الحنبلية والأشعرية واتفق الناس كلهم ولما رأى الحنبلية كلام أبي الحسن الأشعري قالوا هذا خير من كلام الشيخ الموفق وزال ما كان في القلوب من الأضغان وصار الفقهاء من الشافعية وغيرهم يقولون الحمد لله على اتفاق كلمة المسلمين".
قال الإمام الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة الإمام أبي نعيم الأصبهاني الأشعري (17/ 459): "وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة وقيل وقال وصداع طويل فقام إليه [أي قام إلى أبي نعيم] أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل . قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث بل فجرة جهلة أبعد الله شرهم".
وأذكر أنه كان لدي تعليق بخصوص هذا في أحد المواضيع:
قال الإمام محمد السفاريني (الحنبلي) في ((لوامع الأنوار البهية)) (1/ 73): "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي" وقال (1/ 76) عن الفرقة الناجية: "قال بعض العلماء: هم -يعني الفرقة الناجية- أهل الحديث يعني الأثرية والأشعرية والماتريدية"، وقال عبدالباقي المواهبي (الحنبلي): "طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة وحنابلة وماتريدية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة"، وشيخ الإسلام ابن تيمية (وهو من الحنابلة) يقول: "والأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرعٌ على الحنبلية، كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس العقلي فرعٌ عليهم، وإنما وقعت الفتنة بسبب فتنة القشيري" ثم نقل كلام الحافظ ابن عساكر حيث يقول: "ما زالت الحنابلة والأشاعرة في قديم الدهر متفقين غير مفترقين حتى حدثت فتنة ابن القشيري" وقال شيخ الإسلام أيضًا: "والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنتُ من أعظم الناس تأليفًا لقلوب المسلمين وطلبًا لاتفاق كلمتهم واتباعًا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلتُ عامة ما كان في النفوس من الوحشة"، وهذا الحافظ الذهبي يقول -في سير أعلام النبلاء/ لدى ترجمته لأبي نُعيم الأصبهاني (وهو من الأشاعرة)-: "وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة وقيل وقال وصراع طويل، فقام إليه -أي إلى أبي نعيم- أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يُقتل. قلتُ (أي الذهبي): ما هولاء بأصحاب الحديث؛ بل فجرة جهلة أبعد الله شرهم".
بل وهذا ابن السُّبكي نفسه (وهو من الأشاعرة) يقول في شرح عقيدة ابن الحاجب: "اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف: _الأولى/ أهل الحديث، ومعتقد مباديهم الأدلة السمعية - الكتاب والسنة والإجماع . _الثانية/ أهل النظر العقلي وهم الأشعرية والحنفية (الماتريدية) وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية (الماتريدية) أبو منصور الماتريدي. وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادئ السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسائل. _الثالثة/ أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية والكشف والإلهام في النهاية"، والتفصيل في ذلك يطول .
بيدَ أننا نقول (خلاصة لخشية الإطالة، على أن ما يعنينا من هذا الجزء من النقل هي -النقطة الثالثة- الآتية!): أنه بالرغم من مخالفة الأشاعرة والماتريدية لأهل الحديث (وأحسبُ نفسي منهم) في بعض المسائل -كتأويل الصفات مثلًا-؛ إلا أنهم من أهل السنة والجماعة وليسوا من الفرق الضالة
هذا، والله أعلى وأعلم.