العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم العين الموقوفة وهل تنتقل إلى ملك الموقوف عليه أم إلى ملك الله تعالى أم تبقى على ملك الواقف ؟

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وبعد ..
هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على آراء ، وسأقوم في هذا البحث المقتضب بذكر هذه الآراء وأدلة كل رأي والمناقشة إن وجدت ، والرأي الأظهر في ذلك ، ولعل ذلك يكون على أربع حلقات بإذن الله تعالى ، حتى لا يتطرق الملل إلى القارئ الكريم .

وقد جعلت هذه المسألة في هذا القسم للتناسب حيث أن الفقهاء ــ وأقصد الحنابلة ـ يتعرضون لذلك بعد كتاب البيوع مع الوصايا والفرائض

وسأتعرض للمسألة كما يلي :
(1) عرض الآراء في المسألة .
(2) أدلة الرأي الأول ومناقشتها.
(3) أدلة الرأي الثاني ومناقشتها.
(4) أدلة الرأي الثالث ومناقشتها ، والقول الأظهر في المسألة.

آراء الفقهاء في هذه المسألة ( 1 )

الرأي الأول : أن العين الموقوفة تنتقل إلى ملك الله جل وعلا ، فلا يباع ولا يورث ولا يوهب وهو رأي الصاحبين من الحنفية(1) ، ورأي الشافعية ولكنهم قالوا إن منافعه ملك للموقوف عليه(2) ، وهو رأيٌ عند أبي حنيفة ومحمد من الحنفية إذا كان الوقف على مسجد لكن بشرط التسليم بأن يأذن للناس في الصلاة فيه وأبو يوسف لا يشترط شيئا(3)، وهذا القول رأيٌ عند الحنابلة إن كان الموقوف عليه مسجدا، وإن كان غير مسجد فلا ، وعن أحمد أنه ينتقل ملكه لله تعالى(4).

الرأي الثاني : أن العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف ، فتورث بعد وفاته ، وهذا رأي أبو حنيفة وقال إلا أن يحكم به حاكم(5)، والمالكية إذا لم يحيزه فإذا حيز لزم الوقف ولم يورث(6).

الرأي الثالث : أن العين الموقوفة تنتقل إلى ملك الموقوف عليه إن كان الموقوف عليه معينا آدميا كزيد ، أو وقف محصور كأولاده ، وهو رأي الحنابلة(7) ، قال ابن قدامة : " وهو ظاهر المذهب قال أحمد : إذا وقف داره على ولد أخيه صارت لهم "(8).

وللحديث بقية =
----------------------------

(1) ينظر في ذلك بدائع الصنائع 6/218و219 ، تحفة الفقهاء 3/374 و376 ، حاشية ابن عابدين 4/339 فتح القدير 14/61 ، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 1/572 ، الفتاوى الهندية 2/351
(2) ينظر مغني المحتاج 2/389 ، الحاوي الكبير 7/1279 ، 1283،1284
(3) بدائع الصنائع 6/218 ، تحفة الفقهاء 3/375 ، حاشية ابن عابدين 4/356 وفتح القدير 14/133 ، مجمع الأنهر 1/593
(4) كشاف القناع 4/248 ، مطالب أولي النهى 4/272 ، الكافي 2/249 ، المغني 6/200
(5)بدائع الصنائع 6/218 ، حاشية ابن عابدين 14/61و62 ، تحفة الفقهاء 3/374 ، مجمع الأنهر شرح ملتقى البحر 1/570 ن الفتاوى الهندية 2/352
(6) حاشية الدسوقي 4/78 ، الكافي في فقه أهل المدينة 2/1012 ، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 9/142 ، مواهب الجليل شرح مختصر خليل 7/668
(7) كشاف القناع 4/247 ، منار السبيل 2/9 ، الروض المربع 1/294، الكافي 2/250
(8) المغني 6/211
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيك ونفعنا بك، واصل وصلك الله بطاعته.
 

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي

= يتبع
أدلة الرأي الأول (2) :
وهم القائلون بأن العين الموقوفة تنتقل إلى ملك الله جل وعلا ، فلا يباع ولا يورث ولا يوهب .

الدليل الأول

استدلوا بفعل الرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عليهم أَجْمَعِينَ .
فإنه رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَفَ وَوَقَفَ سَيِّدُنَا أبو بَكْرٍ وَسَيِّدُنَا عُمَرُ وَسَيِّدُنَا عُثْمَانُ وَسَيِّدُنَا عَلِيٌّ وَغَيْرُهُمْ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَقَفُوا(1) .

وقد نوقش هذا الاستدلال من وجهين :

الوجه الأول : أن الوقف فيه حبس عن فرائض الله تعالى ، ووقف رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس فيه حبس عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لأن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال : إنا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ.
الوجه الثاني : أن أَوْقَافُ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ ما كان منها في زَمَنِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اُحْتُمِلَ أنها كانت قبل نُزُولِ سُورَةِ النِّسَاءِ فلم تَقَعْ حَبْسًا عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وما كان بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاحْتُمِلَ أَنَّ وَرَثَتَهُمْ أَمْضَوْهَا بِالْإِجَازَةِ وَهَذَا هو الظَّاهِرُ وَلَا كَلَامَ فيه (2).

الدليل الثاني
قالوا : وَلِأَنَّ الْوَقْفَ ليس إلَّا إزَالَةَ الْمِلْكِ عن الْمَوْقُوفِ وَجَعْلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ وَجَعَلَ الْأَرْضَ أو الدَّارَ مَسْجِدًا(3).

الدليل الثالث
قالوا : أَنَّ الوقف كما يَصِحُّ مُضَافًا إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ فكذلك يصح مُنَجَّزًا .
ونوقش هذا الدليل
قالوا : َإِنَّمَا جَازَ مُضَافًا إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ فَيَجُوزُ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وجَوَازُهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يَدُلُّ على جَوَازِهِ بغير ذلك ، قالوا : أَلَا تَرَى لو أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ على الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ(4).

الدليل الرابع
قالوا : إنه نقل عن جابر أنه قال :" ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف وقفا " ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه في القديم بلغني أن ثمانين صحابيا من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات(5).

الدليل الخامس
قالوا: إن الشافعي احتج بحديث عمر عند قول النبي صلى الله عليه وسلم له (حَبِّسِ الْأَصْلَ وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ ) وقال إن ذلك من وجوه :
الوجه الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَجَازَ أَنْ يُحْبَسَ أَصْلُ الْمَالِ وَتُسْبَلَ الثَّمَرَةُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِخْرَاجِهِ الْأَصْلَ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا لَا يَمْلِكُ مَنْ سَبَلَ عَلَيْهِ ثَمَرَهُ بَيْعَ أَصْلِهِ ، كما إن عمر ذكر حكمها وقال : لا تباع ولا تورث ولا توهب(6).
الوجه الثاني : و لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْمُصَدِّقُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَمْ يَزَلْ يَلِي صَدَقَتَهُ فِيمَا بَلَغَنَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلِي صَدَقَتَهُ حَتَى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَمْ تَزَلْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَلِي صَدَقَتَهَا حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ(7).

الدليل السادس
قالوا : والدليل َمِنَ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَلْزَمُ بِالْوَصِيَّةِ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ(8) .
وللحديث بقية =
-------------------
(1) انظر بدائع الصنائع 6/219
(2) انظر فتح القدير14/61
(3) بدائع الصنائع 6/220؛219
(4) بدائع الصنائع 6/2219 ، فتح القدير 14/61
(5) مغني المحتاج 2/376
(6) الحاوي الكبير 7/1282
(7) نفس المرجع السابق 7/1278، 1279
(8) الحاوي 7/1283
 

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
= يتبع

أدلة الرأي الثاني (3)
وهم القائلون بأن العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف ، فتورث بعد وفاته.
الدليل الأول
ما روى عن عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ وَفُرِضَتْ فيها الْفَرَائِضُ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا حَبْسَ عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ لَا مَالَ يُحْبَسُ بعد مَوْتِ صَاحِبِهِ عن الْقِسْمَةِ بين وَرَثَتِهِ وَالْوَقْفُ حَبْسٌ عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى عز شَأْنُهُ فَكَانَ مَنْفِيًّا شَرْعًا.
وقد أجيب عن هذا الحديث من وجهين :
الوجه الأول : من رد على هذا الحديث قال(1) : " أَنَّهُ أَرَادَ حَبْسَ الزَّانِيَةِ ، وَذَلِكَ - قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا"(2).
الوجه الثاني : قالوا وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ به ما جاء في آخره وَهُوَ قَوْلُهُ : إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ قالوا : كأنه قال : لا يحبس عن وارث شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ(3).
الدليل الثاني
قالوا روي وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال جاء مُحَمَّدٌ عليه السلام بِبَيْعِ الْحَبِيسِ أو إطلاق الحبس .
قالوا : وَهَذَا منه رِوَايَة عن النبي عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّ الْحَبِيسَ هو الْمَوْقُوف فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ، وهذا يدل على أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الرَّقَبَةِ عن مِلْكِ الْوَاقِفِ(4) .
وقد نوقش ذلك من وجهين :
الأول : أن هذا مرسل ، لأن شريحاً تابعي ، ولا نقول بذلك .
الثاني : أننا لو أخذنا به فإننا نقول إنما أراد بِذَلِكَ الْأَحْبَاسَ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَلُهَا الْجَاهِلِيَّةُ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ : مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ(5) .
الدليل الثالث
قالوا إنه رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ صَاحِبَ الْأَذَانِ جَعَلَ حَائِطًا لَهُ صَدَقَةً ، وَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} - فَأَتَى أَبَوَاهُ النَّبِيَّ - {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} - فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَمْ يَكُنْ لَنَا عَيْشٌ إِلَّا هَذَا الْحَائِطَ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} – ثُمَّ مَاتَا فَوَرِثَهُمَا فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ وَقْفَهُ إِيَّاهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ عَلَى أَبَوَيْهِ(6).
وقد نوقش هذا الدليل بأَنَّ ذَلِكَ الْحَائِطَ إِنَّمَا كَانَ لِأَبَوَيْهِ ولم يكن له بِدَلِيلِ أَنَّهُ رُوِيَ في الْخَبَرِ أنهما لما مَاتَا ورثهما(7) .
كما يقال أيضاً إن الحديث نفسه فيه: (وجعل الأمر فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فمعناه أنه جعل إمضاء ذلك مشروطاً بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رُفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعله لا دقة ولا وقفاً؛ لأنه معلق على رضاه، وحينما اشتكى له والداه صرفه عليه الصلاة والسلام إلى والديه، ولذلك وُرث البستان من بعد ذلك.
الدليل الرابع
قالوا إن الوقف يختلف عن الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ جُعِلَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ، ومحل البحث هنا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى(8) .
الدليل الخامس
قالوا: وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا وَلَا تَصَدُّقَ عَنْهُ إلَّا بِالْبَقَاءِ عَلَى مِلْكِهِ(9).
ويناقش هذا الدليل بأننا لو قلنا بذلك لكان الوقف الحاصل بحكم حاكم أو غيره سواء(10).

وللحديث بقية =
---------------------
(1) انظر الحاوي 7/1283
(2) النِّسَاءِ : 15
(3) الحاوي الكبير 7/1284
(4) فتح القدير 14/61
(5) الحاوي الكبير 7/1284
(6) نفس المرجع السابق 7/1281
(7) انظر الحاوي الكبير 7/1284
(8) انظر بدائع الصنائع 6/219
(9) نفس المرجع السابق
(10) الحاوي الكبير 7/1284

=
 

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
يتبع ماسبق

أدلة الرأي الثالث(4)
وهم القائلون بأن العين الموقوفة تنتقل إلى ملك الموقوف عليه إن كان الموقوف عليه معينا.
وأصحاب هذا القول كما سبق قالوا : إن خبر «حبّس الأصل وسبل الثمرة» المراد به أن يكون محبوساً لا يباع ولا يوهب ولا يورث. وينتقل الملك عندهم في الوقف إلى الله تعالى إن كان الوقف على مسجد ونحوه ، وينتقل الملك في العين الموقوفة إلى الموقوف عليه إن كان آدمياً معيناً.
ويستدلون لذلك بقولهم
بأن الوقف سبب يزيل التصرف في الرقبة فمَلَكه المنتقل إليه كالهبة(1) .
كما قالوا لو أننا قلنا بأن الموقوف عليه لا يملك إلا المنفعة المجردة فقط دون ملكيته للعين الموقوفة لما كان لازما لأنه يشبه العارية حينئذ(2) .
وقد نوقش هذا الرأي
بأنه لا يصح القياس هنا ؛ لأن بين الوقف والهبة والعارية فروقا معلومة.
الرأي الراجح في المسألة
وبعد النظر والتأمل في أدلة الأقوال في هذه المسألة ، فالذي يظهر ــ والله تعالى أعلم ــ هو رجحان القول الأول وهو أن الوقف ينتقل إلى ملك الله تعالى لقوة أدلته ، والعمدة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمر : " ..إن شئت حبّست أصلها , غير أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث "(3)، ولأن الموقوف عليه لا يملك التصرف فيها ولا تورث عنه كسائر ماله فدل على أنها ليست ملكاً له ، كما أن مقتضى الوقف أنه لا يورث عن الواقف ما وقفه ؛ لأنه لازم .
والموقوف عليه يملك منفعته لا أصله ؛ لما سبق ذكره .

هذا ما تيسر الوقوف عليه في المسألة ، والحمد لله رب العالمين
-----------------------
(1) انظر في ذلك المغني 6/211 ، كشاف القناع 4/255 ، الكافي 2/250
(2) المغني 6/211
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 10/153 برقم 2772 ، ومسلم في صحيحه 5/73 برقم 4311
 
أعلى