د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
مقدمة شرح الإلمام لابن دقيق العيد
هذه مقدمة لفارس الأصول القائل: "أصول الفقه يقضي ولا يقضى عليه" أعني به ابن دقيق العيد، وإن شئت فقل: ابن وهب القشيري، أسفر فيها عن خطته في شرح كتاب الإلمام وليتها تكون أنموذجاً للمشتغلين، وقد اختار الأدفوي في الطالع السعيد هذه المقدمة للدلالة على أنَّ لمترجمه وهو ابن دقيق العيد "نثر أحسن من الدرر، ونظم أبهج من عقود الجوهر، ولو لم يكن له إلا ما تضمنته خطبة شرح الإلمام لشهد له من الأدب بأوفر الأقسام"([1])، ثم ساق هذه الخطبة.
وساقها أيضا تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (9/231).
وهي مطبوعة مع ما طبع من الجزء الأول من شرح الإلمام:
وإليكم المقدمة:
قال الشيخ الإمام تقي الدين أبو الفتح محمد بن أبي الحسن علي بن وهب القشيري رضي الله عنه وأرضاه:
الحمد لله شارح الصدور بلطفه....
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ....
وبعد:
فإن التفقه في الدين منزلة لا يخفى شرفها وعلاها، ولا يحتجب عن العقل طوالعها وأضواءها.
وأرفعها بعد فهم كتاب الله المنزل، البحث
البحث عن معاني حديث نبيه المرسل إذ بذاك تثبت القواعد ويستقر الأساس
وعنه يقوم الإجماع ويصدر القياس وما تعين شرعا تعين تقديمه شروعا وما يكون محمولا على الرأس لا يحسن أن يجعل موضوعا لكن شرط ذلك عندنا أن يحفظ هذا النظام ويجعل الرأي هو المأموم والنص هو الإمام وترد المذاهب إليه وترد الآراء المنتشرة حتى تقف بين يديه.
وأما أن يجعل الفرع أصلا ويرد النص إليه بالتكلف والتحيل ويحمل على أبعد المحامل بلطافة الوهم وسعة التخيل ويرتكب في تقرير الآراء الصعب والذلول ويحتمل من التأويلات ما تنفر منه النفوس وتستنكره العقول فلذلك عندنا من أردإ مذهب وأسوإ طريقة ولا تعتقد أنه يحصل معه النصيحة للدين على الحقيقة.
وكيف يقع أمر مع رجحان منافيه وأنى يصح الوزن بميزان مال أحد الجانبين فيه ومتى ينصف حاكم ملكته غضبية العصبية وأين يقع الحق من خاطر أخذته العزة بالحمية.
وأنى يحكم بالعدل عند تعاد الطرفين ، ويظهر الجور عند تقابل المتحرفين.
هذا ولما خرج ما أخرجته من كتاب الإمام في معرفة أحاديث الأحكام وكان وضعه مقتضيا للاتساع، ومقصوده موجبا لامتداد الباع، عدل قوم عن استحسان إطابته إلى استخشان إطالته، ونظروا إلى المعنى الحامل عليه فلم يفضوا بمناسبته ولا إخالته، فأخذت في الإعراض عنهم بالرأي الأحزم، وقلت عند سماع قولهم: شِنشنة أعرفهم من أخزم، ولم يكن ذلك مانعا لي من وصل ماضيه بالمستقبل ولا موجبا لأن أقطع ما أمر الله به أن يوصل ، فما الكَرَج الدنيا، ولا الناس قاسم([2])، و والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة والأمة الشريفة لا بد لها من سالك إلى الحق على واضح المحجة إلى أن يأتي أمر الله في أشراط الساعة الكبرى وبتتابع بعده ما بقي معه إلى قدوم الأخرى.([3])
غير أن ذلك الكتابَ كتابُ مطالعة ومراجعة عند الحاجة إليه، لا كتاب حفظ ودرس يعتكف في التكرار عليه، فصنفت مختصرا لتحفظ الدارسين، وجمعت رأس مال لإنفاق المدرسين ، وسميته بـ "الإمام بأحاديث الإحكام" وهذا التعليق الذي نشرع فيه الآن – بعون الله – فنشرح ما فيه من السنن على وجوه نقصدها، ومقاصد نعتمدها:
الأول: التعريف بمن ذكر من رواه الحديث والمخرجين له والتكلم فيما يتعلق به على وجه الاختصار.
الثاني: التعريف بوجه صحته إما على وجه الاتفاق أو الاختلاف على وجه الإيجاز أيضا.
الثالث: الإشارة أحيانا إلى بعض المقاصد في الاختيار لِـمَ الاختيار عليه.
الرابع:الكلام على تفسير شيء من مفردات ألفاظه إذا تعلق بذلك فائدة إما لغربته عن استعمال العادي أو لفائدة لا تظهر عند أكثر المستعملين
الخامس: إيراد شي من علم الإعراب إذا احتيج إليه أحيانا
السادس: في علم البيان في بغض الأماكن
السابع: الكلام على المعاني التركيبيه والفوائد المستنبطة والأحكام المستخرجة وهذا هو المقصود الأعظم.
الثامن:اعتماد ما تقدمت الإشارة إليه من عدم الميل والتعصب في ذلك لمذهب معين على سبيل العسف فنذكر ما بلغنا مما استدل به أصحاب المذاهب لمذاهبهم أو يمكن أن يستدل به لهم فإن كان وجه الدليل ظاهرا و إلا بدأنا ببيانه ثم نتبع ذلك بما عساه يذكر في الاعتذار عن مخالفه ظاهره لمن خالفه إن تيسر ذلك
التاسع: الإعراض عما فعله كثير من الشارحين من إيراد مسائل لا تستنبط من ألفاظ الحديث كمن يأتي إلى حديث يدل على جواز المسح على الخفين أو الاستنشاق أو الظهار أو الإيلاد مثلا فيأتي بمسائل ذلك الباب من غير أن تكون مستنبطه من الحديث الذي يتكلم عليه وإن أمكن فبطريق مستعبد.
العاشر: ترك ما فعله قوم من أبناء الزمان ومن يعد فيهم من الأعيان فأكثروا من ذكر الوجوه في معرض الاستنباط واسترسلوا في ذلك استرسال غير متحرز ولا محتاط فتحلوا وتحيلوا وأطالوا وما تطولوا وابدوا وجوها ليس في صفحاتها نور وذكروا أوهاما لا تميل إليها العقول الراجحة ولا تصور حتى نقل عن بعضهم انه ادعى الاستدلال على جميع مسائل مذهبه الذي تقلده من الكتاب العزيز.
الحادي عشر: تهذيب كثير مما ذكر الشارحون للحديث وتلخيصه والتحقيق فيه والمواخذة والتحقيق فيه والمؤاخذة فيما عساه يؤخذ على قائله.
الثاني عشر: جلب الفوائد المتبددة من كتب الأحكام التي تقع مجموعة في كلام الشارحين للأحاديث فيما علمناه على حسب ما تيسر.
إلى غير هذه الوجوه من أمور تعرض، وفوائد تتصدى للفكر فتعترض، ولا تعرض.
والله تعالى يحسن العون في إتمامه، ويوفقنا لنية صالحة فيه تعلى منازلنا في دار الكرامة."([4])
([1]) الطالع السعيد ص587.
([2]) الكَرَج: مدينة بالجبل بين أصبهان وهمذان، وهي حصن أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي. وتمام البيت:
دعيني أجوب الأرض في فلواتها....فما الكرج الدنيا، ولا الناس قاسم. المصدر: مقدمة محقق شرح الإلمام، ومحقق "الطالع السعيد."
([3]) يقول الزركشي في البحر 6/208 في شرح هذه الجملة: ومراده: بالأشراط الكبرى طلوع الشمس من مغربها مثلا وله وجه حسن وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية.
([4]) شرح الإلمام 1/21-26