العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علة تحريم الخمر ووجوب الحد بشربها عند الشافعية

إنضم
5 يونيو 2008
المشاركات
76
الكنية
أبو صلاح الدين
التخصص
شريعة
المدينة
...........
المذهب الفقهي
شافعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مشاركة لى في علة تحريم الخمر عند أئمتنا الشافعية , والتي من خلالها يستنبط المجتهد الحكم على غيرها - إن صحت -
نرجو من المشايخ الأفاضل إبداء رأيهم في الكلام المذكور

علة تحريم الخمر ووجوب الحد بشربها عند الشافعية

- العلة في كون الشيء مسكرا يستوجب الحد هو تغطية العقل مع الشدة المطربة[SUP]([/SUP][SUP][SUP][1][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]؛ وعليه فلا فرق في ذلك بين مائع وجامد.
لكن الشدة المطربة (في الأصل) من خصائص المسكر المائع[SUP]([/SUP][SUP][SUP][2][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP].
- الأصل في الخمر النجاسة للنص القرآني, والأصل في الجامدات المسكرة الطهارة؛ لأنه الأصل, لكن إن أميعت وصارت فيها شدة مطربة [FONT=&quot]كالخمر؛ صارت مثله[/FONT] في الحد وتحريم القليل منها, أما النجاسة ففي المذهب قولين:
- الأول: أنها صارت نجسة, وهو قول الجمهور.
- الثاني: أنها على الأصل.
- هناك فرق بين المسكر والمخدر:
فالمسكر هو تغطية العقل مع نشوة وطرب.
والمخدر هو تغطية العقل من غير نشوة وطرب.
فمن شأن المسكر أنه يتولد عنه النشوة والطرب والعربدة والغضب والحمية.
ومن شأن المخدر أن يتولد عنه أضداد ذلك من تخدير البدن وفتوره ومن طول السكوت والنوم وعدم الحمية.
- والفرق بينهما في الأحكام: هو الحد والنجاسة وتحريم القليل منها والكثير.
فالمخدرات لا يحد متعاطيها, ولا تبطل صلاة بحملها فيها, ويجوز استعمال القليل منها الغير مسكر.
* أقوال علماء المذهب فيما ذكرت:
- الدليل على أن علة تحريم الخمر والحد بها كونها تغطى العقل مع شدة مطربة:
قال الماوردي في الحاوي الكبير:
والخمر هو عصير العنب إذا صار مسكرا بحدوث الشدة المطربة فيه فيصير خمرا بشرطين: الشدة والسكر.
وقال الجوينى في نهاية المطلب في دراية المذهب:
والمسكر ما يخبل العقل ويطرب.
وقال ابن حجر في تحفة المحتاج في شرح المنهاج:
(كل مسكر) أي صالح للإسكار فدخلت القطرة من المسكر وأريد به هنا مطلق المغطي للعقل لا ذو الشدة المطربة وإلا لم يحتج لقولهم (مائع).
وقال في موضع آخر:
وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت على ما مر أول النجاسة بل التعزير لانتفاء الشدة المطربة عنها ككثير البنح والزعفران والعنبر والجوزة والحشيشة المعروفة.
قال القليوبي في حاشيته تعليقا على كلام النووي (كل شراب أسكر كثيره حرم قليله):
قوله: (أسكر) أي بأن كان فيه شدة مطربة في ذاته لا ما فيه تخدير كالبنج والحشيش كما يأتي.
وقال في موضع آخر:
كما لا يحد بالحشيش والبنج ونحوهما، ولو مذابة نظرا لأصلها ما لم تصل إلى الشدة المطربة.
وقال في تعليقه على قول المحلي (واحترز هنا بمائع المزيد على المحرر عن البنج وغيره من الحشيش المسكر):
وما ذكره الشارح مبني على ما فهمه المصنف عن الرافعي من أن المراد بالمسكر ما يغطي العقل، وليس كذلك بل إنما هو ذو الشدة المطربة سواء الجامد والمائع، فلا حاجة إلى احتراز وجواب إذ كل ما هو كذلك نجس ولو من كشك أو بوظة أو غير ذلك، قاله شيخنا الرملي.
وقال الحلبي كما نقله عنه الجمل في حاشيته على شرح المنهج:
والحاصل أن ما فيه شدة مطربة نجس سواء كان مائعا أو جامدا؛ فالكشك الجامد لو صار فيه شدة مطربة كان نجسا.
- والدليل على أن الشدة المطربة من خصائص المائعات.
قال الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج على قول ابن حجر ((كل مسكر) أي صالح للإسكار فدخلت القطرة من المسكر وأريد به هنا مطلق المغطي للعقل لا ذو الشدة المطربة وإلا لم يحتج لقولهم (مائع)):
(قوله لم يحتج لقولهم إلخ) أي لأن ما فيه شدة مطربة لا يكون إلا مائعا.


- والدليل على كون الجامدات المذكورة (البنج والأفيون والحشيش) من المخدرات[SUP]([/SUP][SUP][SUP][3][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP].
قال ابن حجر في تحفة المحتاج:
وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش والأفيون وجوزة الطيب وكثير العنبر والزعفران فهذه كلها مسكرة لكنها جامدة فكانت طاهرة والمراد بالإسكار هنا الذي وقع في عبارة المصنف وغيره في نحو الحشيش مجرد تغييب العقل فلا منافاة بينه وبين تعبير غيره بأنها مخدرة خلافا لمن وهم فيه.
وقال القليوبي كما نقله عنه البجيرمي في حاشيته على الخطيب:
قوله: (مسكر مائع) لو سكت عن لفظ مائع لطابق الدليل المدعى لأن حقيقة المسكر ما فيه إزالة العقل وهو نجس ولو جامدا، ولا يحترز به عن نحو الحشيش لأنه مخدر لا مسكر فهو طاهر ولو مائعا. ق ل.
وقال زكريا الأنصاري في الغرر البهية:
وخرج بالمسكر البنج والحشيشة فإنهما مخدران لا مسكران كذا جزم به جمع من شراح الحاوي لكن قيد المنهاج المسكر بالمائع.
قال في دقائقه: ليخرج البنج والحشيشة المسكران, فإن ذلك حرام ليس بنجس وصرح في مجموعه أيضا بأنهما مسكران.
لكن اعترضه النشائي فقال بعد أن قرر أن المسكر شامل للمائع والجامد: وتقييد المنهاج بالمائع لا وجه له فإن ما احترز عنه وهو النبات الذي ليس له شدة مطربة كالبنج والحشيش خرج بقولهم المسكر فإنه مخدر لا مسكر عرفا.
قال القليوبي في تعليقه على قول المحلي (واحترز هنا بمائع المزيد على المحرر عن البنج وغيره من الحشيش المسكر فإنه حرام ليس بنجس):
قوله: (عن البنج) ونحوه من كل ما فيه تخدير وتغطية للعقل فهو طاهر وإن حرم تناوله.
وقال الحلبي تعليقا على قول النووي (كل مسكر مائع):
فإسقاط (مائع) متعين إن أريد بالمسكر ما فيه شدة مطربة لا المغطي للعقل اهـ.
أي لو قصد النووي بالمسكر ما فيه شدة مطربة فلا فائدة إذن من وضع قيد المائع؛ لأن الجامد ليس من صفاته شدة الطرب, بخلاف لو قصد بالإسكار تغطية العقل مطلقا, فحينئذ يدخل فيها المسكر والمخدر؛ فوجب التقييد.
- والدليل على أن المخدرات من الجامدات إن أميعت وصارت فيها شدة مطربة؛ أخذت حكم الخمر.
قال الشرواني نقلا عن ابن قاسم العبادي في تعليقه على قول ابن حجر في التحفة (ولا حد بمذابها أي الجامدات- الذي ليس فيه شدة مطربة):
(قوله ولا حد بمُذابها) أي: المذكورات محله ما لم تشتد بحيث تقذف بالزبد وتطرب وإلا صارت كالخمر في النجاسة والحد كالخبز إذا أذيب وصار كذلك بل أولى أي: الخبز. وفاقا للطبلاوي وللرملي ثانيا, سم على المنهج اهـ.
وقال الشرواني أيضا في حاشيته على التحفة:
وقوله (والحشيش) لو صار في الحشيش المذاب شدة مطربة اتجه النجاسة كالمسكر المائع المتخذ من خبز ونحوه وفاقا لشيخنا الطبلاوي وخالف م ر ثم جزم بالموافقة.
وفي الإيعاب[SUP]([/SUP][SUP][SUP][4][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] لو انتفت الشدة المطربة عن الخمر لجمودها ووجدت في الحشيشة لذوبها فالذي يظهر بقاء الخمر على نجاستها؛ لأنها لا تطهر إلا بالتخليل ولم يوجد, ونجاسة نحو الحشيشة إذ غايتها أنها صارت كماء خبز وجدت فيه الشدة المطربة. ع ش.
وقال الزيادي كما نقله عنه البجيرمى في حاشيته على الخطيب:
قوله: ولا ترد الخمرة المنعقدة فإنها جامدة وهي نجسة، والحشيشة المذابة فإنها طاهرة؛ لأن الخمرة المنعقدة مائعة في الأصل بخلاف الحشيشة المذابة أي: فإنها جامدة في الأصل وهي طاهرة أي: إن لم يحصل منها شدة مطربة اهـ.
- والدليل على التفرقة بين المسكر والمخدر:
قال ابن حجر في الفتاوى الفقهية الكبرى:
الإسكار يطلق ويراد به مطلق تغطية العقل, وهذا إطلاق أعم, ويطلق ويراد به تغطية العقل مع نشوة وطرب, وهذا إطلاق أخص وهو المراد من الإسكار حيث أطلق.
فعلى الإطلاق الأول بين المسكر والمخدر عموم مطلق؛ إذ كل مخدر مسكر وليس كل مسكر مخدرا.
فإطلاق الإسكار على الحشيشة والجوزة ونحوهما المراد منه التخدير ومن نفاه عن ذلك أراد به معناه الأخص.
وتحقيقه أن من شأن السكر بنحو الخمر أنه يتولد عنه النشأة والطرب والعربدة والغضب والحمية.
ومن شأن السكر بنحو الحشيشة والجوزة أنه يتولد عنه أضداد ذلك من تخدير البدن وفتوره ومن طول السكوت والنوم وعدم الحمية.
وبقولي من شأن فيهما يعلم رد ما أورده الزركشي على القرافي من أن بعض شربة الخمر يوجد فيه ما ذكر في نحو الحشيشة وبعض أكلة نحو الحشيشة يوجد فيه ما ذكر من الخمر.
ووجه الرد: أن ما نيط بالمظنة لا يؤثر فيه خروج بعض الأفراد كما أن القصر في السفر لما نيط بمظنة المشقة جاز وإن لم توجد المشقة في كثير من جزئياته فاتضح بذلك أنه لا خلاف بين من عبر في نحو الحشيشة بالإسكار ومن عبر بالتخدير والإفساد والمراد به إفساد خاص هو ما سبق.
- والدليل على جواز استعمال القليل من الجامدات (الغير مغيب للعقل) [SUP]([/SUP][SUP][SUP][5][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP].
قال ابن حجر في المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية صـ (52):
أما الجامد فطاهر ومنه الحشيشة والأفيون وجوز الطيب والعنبر والزعفران فيحرم تناول القدر المسكر من كل ما ذكر كما صرحوا به.
قال الرملى في حاشيته على أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/52):
قوله: (وضرر البقية) فعلى هذا لا يحرم أكل قليل الحشيش والبنج والأفيون وجوز الطيب لأنه طاهر لا ضرر فيه وقد صرح بجواز أكل قليل هذه الأشياء القرافي في القواعد وصرح النووي في شرح المهذب بجواز أكل قليل الحشيش ونقله عن المتولي.
وقال شيخ الاسلام زكريا الأنصاري في شرح المنهج (1/23):
وخرج بالمائع غيره كبنج وحشيش مسكر فليس بنجس وإن كان كثيره حراما.
وقال الشرواني في حاشيته على التحفة:
قوله: (وكثير العنبر إلخ) انظر التقييد بالكثير هنا وتركه فيما قبل. سم.
عبارة السيد البصري: هذا الصنيع مشعر بحرمة القليل مما قبله, لكن يخالفه قوله الآتي في الأشربة "وخرج بالشراب ما حرم من الجمادات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت على ما مر أول النجاسة بل التعزير لانتفاء الشدة المطربة عنها ككثير البنج والزعفران والعنبر والجوزة والحشيشة المعروفة".
فهذا كما ترى دال على حل القليل الذي لم يصل إلى حد الإسكار كما صرح به غيره اهـ
وعبارة الكردي على الأول: قوله: (القدر المسكر إلخ) أما القدر الذي لا يسكر فلا يحرم؛ لأنه طاهر غير مضر ولا مستقذر اهـ.


([1]) ومن الشافعية من عبر عنها بقوله: (يلذ ويطرب، ويدعو قليله إلى كثيره). قاله الرافعي في الشرح الكبير وبعده الدَّمِيري, والمقري اليمني وزكريا الأنصاري ثم الخطيب الشربيني.

([2]) المخدرات من القلق إلى الاستبعاد صـ (5), نقلا عن مجلة البحوث الإسلامية (32/223).

([3]) خلافا للشمس الرملى, فإنه قال في نهاية المحتاج: (وقد صرح في المجموع بأن البنج والحشيش طاهران مسكران).
قال الشبراملسي في الحاشية: (قوله: وقد صرح إلخ) أشار به إلى جواب اعتراض وارد على المتن تقريره أن البنج والحشيشة مخدران لا مسكران، فلا يحتاج إلى زيادة مائع ليخرج به البنج والحشيشة لأنهما خارجان بقيد الإسكار، فأجاب بأنه صرح في شرح المهذب بأنهما مسكران لا مخدران.

([4]) الايعاب شرح العباب لابن حجر الهيتمى.

([5]) من الشافعية من كره استعمال القليل لغير حاجة التداوى, قال المليباري الهندي في فتح المعين بشرح قرة العين: " ويكره أكل يسير منها من غير قصد المداومة ويباح لحاجة التداوي".
قال الدمياطي في حاشيته عليه: قوله: (ويكره أكل يسير منها) أي من هذه الثلاثة، والمراد باليسير أن لا يؤثر في العقل، ولو تخديرا وفتورا، وبالكثير ما يؤثر فيه كذلك، فيجوز تعاطي القليل مع الكراهة، ولا يحرم، ولكن يجب كتمه على العوام لئلا يتعاطوا كثيره ويعتقدوا أنه قليل، وقوله من غير قصد المداومة: مفهومه أنه إذا تعاطاه مع قصدها حرم. فانظره.
(قوله: ويباح) أي أكل ما ذكر من الثلاثة (قوله: لحاجة التداوي) مطلقا سواء كان كثيرا أم قليلا وإن كان ظاهر عبارته أنه مختص بالقليل.
 
أعلى