د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- انضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 8,678
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.هذا مبحث لطيف أقدمه على رأس سلسلة من المباحث المتعلقة بالإجماع والشذوذ:
تحرير الإجماع عند الشافعي.
تحرير الإجماع عند ابن عبد البر.
تحرير الإجماع عند ابن حزم.
تحرير الإجماع عند ابن تيمية.
تحرير الإجماع عند ابن رجب.
===============================
هل ينعقد الإجماع بقول الأكثر؟
كثير من مواد هذا البحث مستفاد من كتاب الشيخ سعد الشثري "قوادح الاستدلال بالإجماع" وطعمته بما ذكره بدر الدين الزركشي في كتابه البحر المحيط، وأفدت أيضا من كتاب الدكتور عدنان السرميني"حجية الإجماع"، ومن كتاب "الإجماع" للشيخ يعقوب الباحسين
والبحث في صورته الحالية لا يزال مسودة ، ولن يكتمل إلا بتكامل الأبحاث التي سبق سردها، يسر الله ذلك وأعان بحوله وقوته.
وأرحب بالإضافة والإفادة والتعقب والاستدراك.
===============================
هل ينعقد الإجماع بقول الأكثر؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال نمهِّد بأن هناك قولين لأهل العلم في حجية قول الأكثر:
القول الأول: ليس بحجة [وهو قول الجمهور]
القول الثاني: حجة [وهو قول جماعة من أهل العلم]
أصحاب القول الثاني، وهم القائلون بحجيته على مسلكين اثنين:
المسلك الأول: أنه حجة وبه ينعقد الإجماع.
المسلك الثاني: أنه حجة وإن لم يكن إجماعاً.
وأصحاب القول الثاني القائلين بحجيته سواء اعتبروه إجماعا أم لم يعتبروه اختلفوا في حد القلة التي لا تمنع الحجية:
1- فحده بعضهم بمخالفة الواحد والاثنين.
2- وحده بعضهم بأن يكون عدد الأقل لا يبلغ حد التواتر.
3- وحده بعضهم بالنظر إلى مذهب المخالف هل سوغت الجماعة الاعتداد بخلافه، فإن سوغت اعتد بخلافه وإلا فلا.
4- وحده بعضهم بالنظر إلى مخالفة النص، فلا يعتد بمخالفة من خالف النص.
هذه خطوط المسألة بإيجاز، والآن نعرض المسألة بالأقوال والأدلة:
الأقوال:
اختلف أهل العلم في حجية قول الأكثر إلى قولين رئيسين:
القول الأول:
أنه ليس بحجة ولا إجماع وإليه ذهب جماهير العلماء.([1])
القول الثاني:
أنه حجة، وافترق هؤلاءعلى مسلكين اثنين:
المسلك الأول: أنه حجة وبه ينعقد الإجماع. [أومأ إليه أحمد واختاره بعض أصحابه، وذهب إليه ابن جرير وابن خويز منداد من المالكية وأبي بكر الرازي [370هـ.] وإليه يميل كلام الشيخ أبي محمد الجويني، وقال به بعض المعتزلة: أبو الحسين الخياط [ت. حوالي 300هـ]، والقاضي عبد الوهاب، وابن الأخشاد من أصحاب الجبائي([2])]
المسلك الثاني: أنه حجة وإن لم يكن إجماعاً. [بعض الأصوليين من المالكية والشافعية والحنابلة.]
الأدلة:
أدلة القول الأول، وهو أنه ليس بإجماع ولا حجة:
1- أن الأدلة إنما تفيد حجية الإجماع لا الأكثر، والعصمة إنما تثبت للأمة بأجمعها.
2- اتفاق الصحابة على تسويغ مخالفة الواحد والاثنين وما وجد من إنكار فإنما هو في المأخذ لا في مخالفة الإجماع، كمخالفة ابن عباس وابن مسعود (ت 33هـ) في مسائل عديدة، كما وقعت المخالفة من زيد بن أرقم (ت68) في مسألة العينة، ومن أبي موسى الأشعري (ت44هـ) في أن النوم لا ينقض الوضوء، وخلاف أبي طلحة في أكل البرد وهو صائم، وخلاف حذيفة في وقت السحور.
3- أن أبا بكر خالف الصحابة في قتال الردة، ثم تبين أن الحق معه.
وأجيب: بأن هذا ليس في محال الخلاف فإن المجتهد ما دام في مهلة النظر لا يكون قول غيره حجة عليه.([4])
3- أن الحق قد يكون مع القليل كما دلت عليه النصوص، وكما أصاب عمر في أسرى بدر.
4- أن قول الأكثر لم يثبت في حجيته دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس أو دليل من الأدلة المعتبرة.
5- أن المخالف اعتبر خلاف الثلاثة، والثلاثة إذا نسبوا إلى ثلاثة آلاف كالواحد إذا نسب إلى الألف.
أدلة أصحاب المسلك الأول من القول الثاني:
أدلة من قال بانعقاد الإجماع بقول الأكثر، وعدم الاعتداد بمخالفة الواحد والاثنين:
1)أن هذه المخالفة يعترضها أمور:
1- قد لا تثبت نسبتها إلى المخالف.
2- قد لا يكون قول المخالف معتبرا في الإجماع.
3- قد يكون قول المخالف نازلاً على مسألة أخرى.
4- قد يكون ما ورد عن المخالف له تأويل سائغ.
5- قد يكون الإجماع منعقداً قبل خلاف المخالف.
2) أن لفظ المؤمنين والأمة يطلق على الأكثر مع خروج الواحد والاثنين منهم كما يقال بقرة سوداء وإن كان فيها شعرات بيضاء.
وأجيب:
بأن هذا مجاز، والأصل استعمال الحقيقة.
3) حديث "عليكم بالسواد الأعظم"، وحديث "عليكم بالجماعة".
4) حديث "من شذ شذ في النار"، فالواحد شاذ في النار فقوله خطأ، وقد ارتكب النهي فلا اعتبار بمخالفته.
وأجيب:
أ- بأن الشذوذ المنهي عنه هو الشاق لعصا المسلمين، لا في أحكام الاجتهاد.
ب- كما أنه لا يلزم من كون قول الواحد شاذا أن يكون قول غيره إجماعاً.
ت- ثم إن المقصود بالشذوذ هو بعد انعقاد الإجماع لا قبله.
واعتبر الأستاذ أبو إسحاق:
أن ابن جرير بهذا القول قد شذ عن الجماعة في هذه المسألة فينبغي أن لا يعتبر خلافه، ويكون مخالفا للإجماع بعين ما ذكر. ([5])
5) أن خلافة أبي بكر انعقدت بقول الأكثر إذ خالف علي وسعد بن عبادة فلم يعتد الصحابة بخلافهم.
وأجيب:
بأن البيعة يكفي فيها بيعة الأكثر بخلاف الإجماع، وأن عليا لم يبايع لأنه لم يحضر فلما حضر بايع، وسعد لم يبايع لأنه ظن أن الأمر له فلما روي له حديث "الأئمة من قريش" سلم الأمر لهم، أو أن مخالفته لم تكن عن اجتهاد فلم يعتد بها.
6) أن أهل العصر لو نقلوا كلهم خبرا إلا واحدا لحصل العلم بخبرهم فكذا الإجماع لأن قول المجتهدين إخبار عن الشرع.
وأجيب:
أ- بأن الجمع الكثير يتنزهون عن الكذب دون الخطأ.
ب- وأن الأخبار تقف على غلبة الظن والظن يقوى بالكثرة، والإجماع إنما يقع عن العصمة.
7) أنه لو اعتبرت مخالفة الواحد والاثنين لما انعقد إجماع أصلا لأنه ما من إجماع إلا ويمكن فيه مخالفة الواحد والاثنين سرا أو علانية.
يقول أبو محمد الجويني في كتابه المحيط:
"والشرط أن يجمع جمهور تلك الصنعة ووجوههم ومعظمهم ولسنا نشترط قول جميعهم، وكيف نشترط ذلك وربما يكون في أقطار الأرض من المجتهدين من لم يسمع به فإن السلف الصالح كانوا يعلمون ويستسرون بالعلم، فربما كان الرجل أخذ الفقه الكثير ولا يعلم ذلك جاره. ([6])
وقد استدل أصحاب المسلك الثاني من القول الثاني القائلين بحجية قول الأكثر دون اعتباره إجماعا:
بأن الظاهر يدل على وجود راجح أو قاطع لأنه لو قدر كون ما يتمسك به المخالف النادر راجحا، والكثيرون لم يطلعوا عليه أو اطلعوا عليه أو خالفوه غلطا أو عمدا لكان في غاية البعد.([7])
سبق أن القائلين بحجية قول الأكثر اختلفوا في حد القول غير المعتبر:
وكان مما ذكر من هذه الحدود:
هو النظر إلى قول المخالف فإن سوغت الجماعة الاجتهاد في مذهبه كان خلافه معتدا، ولم إن تسوغ مذهبه لم يكن خلافه معتداً.
وبهذا النظر فرَّق أبو عبد الله الجرجاني (ت258هـ)
وضربوا مثالاً على الخلاف المعتد به لتسويغ الجماعة له:
وهو خلاف ابن عباس في مسألة العول.
كما ضربوا مثالاً على الخلاف غير المعتد به لعدم تسويغ الجماعة:
وهو خلاف ابن عباس في المتعة وربا الفضل فلا اعتداد بخلافه.([8])
ومن الحدود كذلك:
أن خلاف الواحد إن كان يدفعه نص لم يعتد بخلافه:
كخلاف ابن مسعود للصحابة في الفاتحة والمعوذتين، ولم يجعلها من القرآن فلم يعتدوا بخلافه لوجود النص.
وإن كان لا يدفع قول مخالفه نص كان خلافه مانعا من انعقاد الإجماع سواء كان من أكابر العصر أو من أصاغرهم سنا:
كخلاف ابن عباس لجميع الصحابة في العول فصار خلافه خلافا.
وجزم بهذا التفصيل: الروياني في البحر في كتاب القضاء.([9])
الأمثلة التطبيقية:
1) توريث المطلقة في مرض الموت
2) وصية الصبي.
3) ضمان ما أتلفه أهل البغي.
4) انفساخ النكاح بالعيب في المرأة.
5) نكاح المتعة.
6) بيع أمهات الأولاد.
7) نكاح المجوسية الحرة.
المثال الأول:
إذا طلق الرجل زوجته حين مرضه ثلاثا ثم توفي عنها فإنها ترثه
ويدل على ذلك:
الإجماع فإن عثمان ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان قد طلقها أثناء مرضه تطليقة لم يكن له بقي عليه من الطلاق غيرها، وكان عبد الرحمن يوم طلقها مريضاً، فورثها عثمان منه بعد انقضاء العدة.
وانتشر ذلك فلم يكن إجماعاً.
ويقول المعترض:
لا أسلم الإجماع فقد خالف ابن الزبير فقال: أما أنا فلا أرى أن ترث المبتوتة. ([10])
======================================
المثال الثاني: وصية الصبي:
الصبي إذا جاوز عشر سنين فوصيته جائزة إذا وافق الحق، فقد أجاز عمر وصية غلام من غسان لم يحتلم عمره عشر سنوات فانتشرت القصة فلم تنكر
ونوزع:
بخلاف ابن عباس فإنه قال: لا يجوز عتق الصبي ولا وصيته ولا بيعه ولا شراؤه ولا طلاقه
وأجيب:
بأن هذا فيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس كثير الخطأ فلا يلتفت إليه.
======================================
المثال الثالث: ضمان ما أتلفه أهل البغي:
استدل من قال بأنه ليس على أهل البغي ولا على أهل العدل ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس ولا مال يدل عليه الإجماع قال الزهري: كانت الحرب العظمى بين الناس وفيهم البدريون فأجمعوا على أن لا يقام حد على رجل ارتكب فرجا حراما بتأويل القرآن ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن.
ونوزع:
بمخالفة أبي بكر فإنه قال لأهل الردة: تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم.
وأجيب:
بأن قول أبي بكر في مسألة أخرى وهي الردة، ونحن في قتال أهل البغي، والمرتدون كفار لا تأويل لهم، والبغاة طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ.
======================================
المثال الرابع: انفساخ النكاح بالعيب في المرأة:
استدل بعضهم على أن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه في الجملة بذلك قال عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وانتشر فلم ينكر فكان إجماعاً.
ونوزع:
بخلاف ابن مسعود فإنه قال: لا ترد الحرة من عيب.
وأجيب:
بأن المراد بقول ابن مسعود أن الحرة لا ترد بالعيوب التي يرد بها الرقيق، ولا تجري في ذلك مجرى الرقيق الذي يرد بسائر العيوب، فالإجماع قائم على حاله، فهذا جواب بتأويل قول المخالف.
======================================
المثال الخامس: نكاح المتعة:
استدل على تحريم نكاح المتعة بإجماع الصحابة.
ونوزع:
بخلاف ابن عباس.
وأجيب:
برجوع ابن عباس إلى القول بالتحريم.
======================================
المثال السادس: بيع أمهات الأولاد:
استدل على عدم جواز بيع أمهات الأولاد بإجماع الصحابة وقد عمل به عمر وعثمان.
ونوزع:
بمخالفة علي رضي الله عنه .
وأجيب:
بأن المخالفة إنما كانت بعد الإجماع فلا اعتبار بها، والمخالفة للإجماع لا تضر لأن الإجماع مظنون وهو حجة ، فيجوز أن تقع المخالفة للإجماع كما يجوز أن تقع مخالفة النصوص.
======================================
المثال السابع: نكاح المجوسية الحرة:
استدل على تحريم نكاحها بالإجماع
ونوزع:
بخلاف أبو ثور.
وأجيب:
بأن خلاف الواحد لا يضر.
======================================
الترجيح:
يقول الشيخ يعقوب الباحسين:
وعند النظر في هذه الأقوال لا نجد فيها أمرا قاطعا، والتمسك بظواهر الألفاظ المفيدة للاستغراق لا يرفعها إلى درجة القطعية إذا هي تحتمل ذلك مع احتمال التخصيص وهو احتمال قوي فضلا عن أن الواقع العملي يجعل من الاطلاع على اتفاق كل المجتهدين أمرا في غاية الصعوبة إن لم يكن متعذرا فالظاهر أنه ليس بإجماع، ولكنه مما يحتج به؛ إذ الحاجة تدعو إلى مثل ذلك الاستدلال، لكنه حجة ظنية لأنه لا يلزم منه خطأ المخالف لاحتمال وقوعه على الصواب والله أعلم. ([11])
قلت:
يبدو لي أن الممارسة العملية لهذه المسائل تبرز بعض المحددات التي توضح معالم هذه المسألة:
1- دقة ما ذكره الشيخ يعقوب الباحسين.
2- أن الغالب أن الصواب يكون في قول جماعة الأمة وإن لم يجمعوا عليه.
3- هذه الأغلبية تورث الظن بالصواب فيجوز للمجتهد وغيره أن يركن إليها، ولكن لا يجوز له الإنكار على غيره إلا بحجة من الأثر أو النظر، ويصلح أن يكون قول الأكثر مرجحاً لما يذكر.
4- أن الانفراد يكون في الغالب فلتة:
إما عن فوات نص أو فوات معرفة انعقاد إجماع، أو تأويل سائغ، أو عدم صحة نسبة هذا القول إليه إما أصالة وإما تفصيلا فقد يكون مراده مسألة أخرى أو بقيد لا يكون به مخالفاً للإجماع.
5- القول المستقر يكون مانعاً من انعقاد الإجماع، ولاستقرار القول علامات:
أ- أن يكون صادراً عن اجتهاد بدليلٍ له حظه من النظر.
ب- ألا يكون قول الأكثر مشتملاً على ما يفيد حسم المسألة.
ت- ألا تهمل الأمة هذا القول.
=======================================
([1]) قوادح الاستدلال بالإجماع ص240
([2]) البحر المحيط ص476
([3]) الإجماع للباحسين ص120
([4]) البحر المحيط ص476
([5]) البحر المحيط ص477
([6]) البحر المحيط ص476
([7]) الإجماع للباحسين ص122
([8]) الإجماع للباحسين ص118 وما بعده.
([9]) البحر المحيط ص478
([10]) قوادح الاستدلال بالإجماع ص238
([11]) الإجماع للباحسين ص122
التعديل الأخير: