العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التسمية في الوضوء ... نظرة في تاريخ المسألة

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
التسمية في الوضوء ... نظرة في تاريخ المسألة

(الأهمية، ترتيب المسألة، خلاصة البحث)


أولا: أهمية المسألة:
تأتي أهمية المسألة بسبب تعلقها بفرض من فرائض الصلاة، وهو الوضوء: إضافة إلى ذلك فإن لهذه المسألة تعلقا بالمنهجية العلمية في دراسة المسألة الفقهية، وهذا هو المقصود من بحث المسألة، ولذا جعلنا العنوان تحت إطار: (نظرة في تاريخ المسألة).
ومن هنا فقد حاولت هذه الأوراق: أن تستكشف جذورها، وأن تستشرف مآلاتها، بداية من نصوص الوحي، ثم الوقوف عند عبارات الأئمة وقفة متأمل، ومرورا بالمذاهب الفقهية، وسيتبين لك عيانا الاختلاف العريض في تناول المسألة، وستقف على فقه المتقدمين، وستعرف زمنيا متى انحرف مسار المسألة، ثم كيف تطور، وما آل إليه حال المسألة بين المعاصرين.
--------------
ثانيا: ترتيب بحث المسألة:
1- تقدمة:
- الأهمية.
- ترتيب البحث.
2- القرآن: (آية الوضوء).
3- السنة:
- نصوص صفة الوضوء.
- نصوص التسمية في الوضوء.
4- الأثر: (تسمية عمر في الاغتسال).
5- الإجماع: (مشروعية التسمية).
6- الأقوال: (المذاهب، المتقدمون، فقهاء الحديث).
7- البدعية: النشأة، وتحرير رأي الإمام مالك.
8- الوجوب والشرطية: النشأة، تحرير مذاهب أحمد وإسحاق والظاهرية. 9- قاعدة المشروعية.
10- خلاصة المسألة.
------

ثالثا: خلاصة المسألة:

بالتأمل: في المواقع التي شرعت فيها التسمية باسم الله، نجد أن منها ما هو في العبادات: مثل الصلاة والطواف [وإن كانا بلفظ التكبير]، وقراءة القرآن، والذبح، وجملة من الأذكار والأدعية، كما هو الحال في بعض أذكار الصباح والمساء، والدخول والخروج من المنزل، وعندما يوضع الميت في قبره، ومنها ما هو في الأمور الاعتيادية، مثل الأكل والشرب، والجماع، وركوب الدابة، وغيرها كثير.

نلاحظ ما يلي:
1- كثرة الجزئيات في الشريعة بذكر اسم الله في أوائل الأمور: كثرة توجب كليتها [أي كونها كلية شرعية]، وهو صورة من العمل بمقتضى آية سورة الأنعام: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162].
2- تنوع صورها بين التعبد، والعادي، والمتردد.
3- علو منزلتها، فهي أول أمر نزل به الوحي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وهي الآية المستفتح بها القرآن، والمستفتح بها كل سورة، وهي الآية التي تصدر بها الرسائل والكتب، وهي سنة الأنبياء بداية من أول الأنبياء نوح عليه السلام {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا }، إلى سليمان عليه السلام {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وانتهاء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

ويمكن الجزم: أن التسمية في بداية الأمور ثقافة أصيلة في منظومة السلوك الإسلامي، مثلها مثل السلام.

فنخلص مما سبق:
- أن التسمية تشرع عند بداية كل عمل عبادي أو عادي، وأن أدلة ذلك قريبة من القطع، فهو ذكر للاستعانة بالله، والتبرك باسمه، وإن كان لا يقال عن ذلك أنه سنة خاصة إلا بدليل خاص.
- ما شرع له ذكر خاص كالصلاة والطواف بالتكبير، فيقتصر على ما شرعه الله.
- الوضوء عبادة لم يشرع لها ذكر خاص عند بدايته، فكان الاستفتاح بها باسم الله مناسبا، ولذا جاء عن عمر رضي الله عنه التسمية في الاغتسال، والاغتسال هو الطهارة الكبرى، وهو الجنس الأعلى الذي يندرج الوضوء فيه، إما مطلقا وإما بينة.
- لا فرق بين الوضوء والغسل و التيمم في مشروعية التسمية، وعلى هذا دأب الفقهاء، وإن كان الذين يقتصرون على النظر الإسنادي للحديث من المعاصرين، يرون أن ذلك بدعة في التيمم والغسل، وأنه لا يقاس على الوضوء في حال ثبوته عندهم، ولذا تجد منهم من يلفق قولا غريبا، فيقول بشرطية التسمية في الوضوء، فلا تصح بدونها، وببدعية التسمية في الغسل والتيمم.
- لا حاجة إلى دليل خاص لثبوت التسمية في الوضوء، فهو أظهر من أن يحتاج فيه إلى مستند خاص، ولذا ذهب الفقهاء إلى مشروعية التسمية، وإن كان الثابت في الباب عندهم ضعيفا، وذلك لأن مشروعية التسمية تقوم على أدلة كبرى، هي أقوى من الدليل الخاص، ولذا لم تكن هذه المسألة مشكلة أو موضع تردد عندهم.

-
أشكلت المسألة عند المعاصرين بالذات، فشاع بينهم القول بالوجوب إذا صح الحديث، أو بالبدعية إذا لم يصح، وذلك لسببين:
السبب الأول
: نزعة ظاهرية، أوجبت توهم أن المشروعية قائمة على ثبوت الحديث الخاص، علما أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول.
السبب الثاني: توسع في اعتبار البدعة، وتراخي في اعتبار العموميات والكليات، فإنه لا يشترط في الدليل أن يكون نصا في عين المسألة، فإنه يجوز أن يكون عاما أو قياسا عند من يثبته.
- جاء عن عمر رضي الله عنه التسمية في الاغتسال، وعن ابنه عبد الله، التسمية عند بدء الطواف، ولا يحفظ في ذلك دليل خاص، وذهب فقهاء الحديث من فقهاء المدينة والكوفة، وفقهاء بغداد، كلهم إلى مشروعية التسمية في الوضوء.
-
يغلب على ظني أن التسمية في الوضوء من الإجماع العملي أو قريب منه، ولا يشوش على ذلك إلا ما جاء عن الإمام مالك أنه لا يعرفه، لكن يخفف من هذا الإيراد أن الإمام مالكا نفسه يرى مشروعيتها، فهو إجماع عملي على مشروعيتها في الوضوء، لا على أنها سنة خاصة من سنن الوضوء، وهذا الإجماع يكشف سبب عدم كون المسألة مثارا للخلاف بين المتقدمين، وذلك لأنها لم تكن أصلا موضع خلاف.
- إذا حققنا المنقول عن الإمام مالك، وأنه لا يعني بدعيتها بحال، وأنه خلاف نصه، وما شهَّره عنه أصحابه، فإني لا أعرف القول ببدعية التسمية في الوضوء عن علماء الأمة إلا ما شاع بين المعاصرين.
-
لم تأت التسمية في آية الوضوء ولم تصح في حديث، وهذا يدل على عدم وجوبها، لا على عدم مشروعيتها، إذ قد ثبتت بطرق أخرى.
- أول لحظة زمانية ارتفعت فيها رتبة المسألة، هي لحظة أجوبة الإمامين: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، أما إسحاق، فهو يقول بالإعادة عند عدم التسمية احتياطا، لكن هذا الاحتياط هل هو على اللزوم أو على الندب، هذا موضع متردد من كلام إسحاق، المهم أنه لم يتحقق عنه القول بالإعادة مطلقا، وإن كانت رتبة المسألة ارتفعت عنده.
- أما المروي عن الإمام أحمد، فنصوصه صريحة في الاستحباب، إضافة إلى نصوصه بعدم ثبوت أحاديث وجوب التسمية، ولذا نص الخلال أن ذلك ما استقرت عليه رواياته، واستظهر ذلك شيخ المذهب ابن قدامة، ولا أدري ما الذي أوجب عند أكثر أصحابه، أنه يقول بالوجوب، حتى صار هو المذهب المستقر عندهم؟
- إذا كان المذهب ينبني على روايات الإمام، وثبت أن المنقول عن الإمام أحمد هو خلاف ما استقر عليه المذهب، ألا يستدعي ذلك تصحيح المذهب؟ ألا رجل حنبلي في تصميم عمر، ينفض عن المذهب غبار الجمود، ويشق الطريق الصعب، ويفتح طريق النقد، ويعيده إلى مساره الأول من التصحيح والتطور؟ بدل هذا السكون الذي طال أمده.
-
هذا المذهب الاصطلاحي المبني على الرواية المرجوحة لا يقوى على خرق الإجماع القديم في المسألة في حال ثبوته، فالمذهب شخصية اعتبارية، تعتبر في الإجماع أو في خرقه، إذا كانت ممثلة لأحد من تتوفر فيه أهلية الإجماع، أما إذا كان هذا المذهب، محصَّلا بطريقة الخطأ، أو أنه مضطرب مشكوك فيه، فإنه حينئذ لا يقوى على اعتبار القول قولا في المسألة، فضلا أن يكون كافيا في خرق الإجماع، وكذلك يقال في الروايات المتعددة إذا كان أحدها مخالفا لإجماع مدعى، فإنه لا يقال بأنها تخرمه إلا إذا تحقق أنها قوله.
-
ثم نسب القول بالوجوب إلى داود، وقوم من أهل الظاهر، وهذه النسبة غير محققة، أول من ذكرها ابن القصار المتوفى في بداية القرن الخامس، إضافة إلى أن ابن حزم نص على الاستحباب، ولم يشر إلى القول بالوجوب أصلا، فضلا أن يكون قول أصحابه، والظاهر أنه نسب إليهم توهما أنه قولهم لأنه مقتضى ظاهر الحديث.
-
ثم شاع القول بالوجوب بين المعاصرين، الذين صححوا الحديث بمجموع طرقه، ورأوا أنه ظاهر الحديث، والأمر كما عرفتَ فإن الحديث لم يثبت، وهو قول حادث غير معروف عند الأولين فيما أعلم، والله أعلم. - على من يثبت الحديث أن يقول بظاهره، وهو عدم صحة الوضوء بدون التسمية، وأنها لا تسقط بالنسيان، بل يستأنفها، وأكثرهم لا يقول بذلك، وهذا وجه ظاهر في نكارة متن الحديث، فلو كانت التسمية شرطا في الوضوء لذكرت في الآية، ولما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في إحالة الأعرابي إليها، ولوجب أن تكون شرطا، ولذا اشتغل القائلون بثبوته بذكر وجوه من التأويل المتكلف.
-
وأيضا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية نفى أن يكون في الشريعة نفي الاسم لأجل الاستحباب، وأنه لا ينفى إلا لانتفاء بعض ما يجب فيه، وتقدم نص كلامه في البحث.

لمتابعة أصل البحث:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=2228120&posted=1#post2228120
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: التسمية في الوضوء ... نظرة في تاريخ المسألة

بارك الله فيكم
بحث قيم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: التسمية في الوضوء ... نظرة في تاريخ المسألة

[FONT=&quot]إضافة:[/FONT]
[FONT=&quot]نعم، هناك روايات فيها اشارة الى تشديد الإمام أحمد في التسمية، ولذا ذكرت أن المسألة ارتفعت رتبتها في أجوبته وأجوبة الإمام إسحاق.[/FONT]
[FONT=&quot]لكن الروايات عن الإمام أحمد صريحة على الاستحباب ومدللة بعدم الثبوت، وبعدم ورودها في الآية.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وما كان صريحا ومدللا لا يقوى على معارضته، الاستدلال المحتمل، فالتعبير بالإجزاء سائغ استعماله في الاستحباب، بل وفي النصوص ما يفيد هذا الاستعمال الشائع عند العرب.[/FONT]
[FONT=&quot]أما العناد، فلا مانع في استعماله فيمن ترك التسمية عشر سنين؟؟ ولو كان مستحبا.[/FONT]
[FONT=&quot]والذي يعرف أجوبة الأئمة وخصوصا الإمام أحمد يعرف تشديداتهم في ترك المؤكدات ومن ذلك قولهم في الوتر.
ولو أردت أن تجمع بحثا في تشديدات الامام أحمد في المستحبات لكان ذلك ميسورا.
ولذا الإمام أحمد لما عبر بالعناد لمن ترك التسمية عشر سنين، قال له السائل: يعيد؟
قال: دع عنك هذه الأشياء.
هذا هو فقه الإمام، وهو صاحب عمل وسلوك وليس مجرد فتوى الوجوب.[/FONT]
[FONT=&quot]وأيضا: فيغلب على ظني أن أسئلة تلامذته حول الإعادة لكان بسبب قول قرينه إسحاق، في الإعادة احتياطا، ودائما يسأل أحدهما عما يشكل من قول الآخر.

[/FONT]

[FONT=&quot]وهذه روايات الإمام أحمد، المفيدة للاستحباب، تفهم في قول عامة العلماء وكافة الفقهاء، ولا يؤخذ المحتمل ضد الصريح الموافق لقول العامة:[/FONT]
[FONT=&quot]1-ابنه أبو الفضل صالح: (سألت أبي عن الرجل يتوضأ ولا يسمي؟ قال: يسمي أعجب إليَّ، وإن لم يسمِّ أجزأه).[/FONT]
[FONT=&quot]2- وقال ابنه عبد الله: (سألت أبي عن حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، قال أبي: لم يثبت عندي هذا ولكن يعجبني أن يقوله).[/FONT]
[FONT=&quot]3- وقال ابنه عبد الله أيضا: (قلت لأبي: الرجل يتوضأ فينسى التسمية، قال: يتعاهد ذلك، فإن نسي رجوت أن يجزيه).[/FONT]
[FONT=&quot]4- وقال إسحاق بن منصور الكوسج: (قلت: إذا توضأ ولم يسم؟ قال: لا أعلم فيه حديثاً له إسناد جيد).[/FONT]
[FONT=&quot]5- وفي رواية حرب: (قيل لأحمد: الرجل يتوضَّأ فيَنسَى التَّسمِية؟ قال: «يَتَعاهَد ذلك، فإن نَسِي؛ أرجو أن يُجزِئه وضوؤه».[/FONT]
[FONT=&quot]6- وقال ابن هانئ:
- سألت أبا عبدالله عن التسمية في الوضوء؟ فقال: لا يثبت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – فيه.[/FONT]
[FONT=&quot]- وسألته عن الذي ينسى التسمية عند الوضوء؟ قال أبو عبدالله: يجزئه ذلك، حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في التسمية ليس إسناده بقوي).[/FONT]
[FONT=&quot]- وسئل عن رجل يترك التسمية عمدًا عشر سنين؟ قال: هذا معاند، ولكن لو كان ناسيًا كان أسهل، ولكن العمد أشد. قيل له: فترى أن يعيد؟ قال: دع هذه الأشياء.[/FONT]
[FONT=&quot]7- وقال أبو داود السجستاني: (التسمية في الوضوء سمعت أحمد، يقول: (إذا بدأ يتوضأ، يقول: بسم الله)، قلت لأحمد: إذا نسي التسمية في الوضوء؟ قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء، ولا يعجبني أن يتركه خطأ ولا عمدا، وليس فيه إسناد، يعني: لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء لمن لم يسم»).[/FONT]
[FONT=&quot]8- عن أبي زرعة الدمشقي أنه سأله عن التسمية على الوضوء فقال: فيها أحاديث ليست بذاك، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) الآية فلا أوجبه عليه).

[/FONT]

[FONT=&quot]وأخيرا: [/FONT][FONT=&quot]لا أظن أن أحدا من الأئمة دون عنه مثل هذا الفقه المتين للتسمية في الوضوء، أيسوغ بعد ذلك أن يجعل قوله خلاف قول الكافة والعامة، وهو يصرح بما يوافقهم، ويزيد عليهم بأنه لم يثبت في الباب شيء؟ في كلمة لا تجدها قبل الإمام أحمد.[/FONT]
 

كريم أحمد حلمي

:: متابع ::
إنضم
19 فبراير 2011
المشاركات
2
الكنية
أبو تميم
التخصص
-
المدينة
الزقازيق
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: التسمية في الوضوء ... نظرة في تاريخ المسألة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث رائع مهيب!
وأستشعر الجهد العظيم الذي بذلتموه ..
أحسن الله إليك يا شيخنا ..

وأرجو أن تأذن لي بطرح بعض الأمور فيما يتعلق بنقدكم معتمد متأخري الحنابلة، لعلها - على الأقل - تساهم في بناء منظومة تفسيرية لهذا الاختيار، وأذكرها على عجالة للأسف ..

1. المعتمد عند (متأخري!) الحنابلة هو أن التسمية ليست من (فروض) الوضوء، جريًا على اصطلاحهم، فوجوبها دون وجوب الفرائض، ولا ينتظمان في سلك واحد، فالتسمية عندهم واجبٌ يسقط بالسهو، أشبه واجبات الصلاة في اصطلاحهم، دون الفرائض أو الأركان.
وهذا الضابط (سقوط بالوجوب بالسهو) هامٌ جدًا في فهم تعامل الحنابلة مع نصوص الإمام.

-------------

2. ذُكر عن غير واحد أن مذهب الحسن البصري هو وجوب التسمية مع سقوطها سهوًا أو جهلًا، كما هو معتمد (متأخري!) المذهب، وهذا يحتاج إلى تحرير، وأما قول الحسن رضي الله عنه: "يسمى إذا توضأ، فإن لم يفعل أجزأه" فهو يتماشى جدًا مع قولهم، ومع نظرتهم للأقوال في هذا المسألة، وعلى هذا بنوا القول بسقوطها سهوًا أو جهلًا، في مقارنة استدلالية مع مسألة التسمية عند الذبح!
وثبوت هذا القول للحسن يتماشى مع طريقة الإمام أحمد وأصحابه، وإسحاق منهم، بعدم القول في المسألة بغير سلف فيها.
وعمومًا .. لو سلّمنا بنسبة القول للحسن، فهذا ينفي مسألة (أول لحظة زمانية ..)، وينفي اقتصار الأمر على إسحاق وأحمد، ويؤيد بدرجةٍ ما نفي ما قد ينسب لأصحاب أحمد من سوء فهم مذهبه.

-------------

3. أما النظر في أقوال أحمد رضي الله عنه فيكون من جهات ثلاث:
أولًا: القوة الدلالية لنصوص رواية الاستحباب [أو التخفيف]
ثانيًا: القوة الدلالية لنصوص رواية الإيجاب [أو التشديد]
ثالثًا: المقارنة الدلالية لمجموع ذلك

فأول ذلك: القوة الدلالية لتصوص رواية التخفيف:
وإذا تأملنا الدلالات نجدها ترجع - باختصار مخلّ! - إلى ثلاثة أمور:
أ. الدعوة إلى التسمية، والأمر بتعاهدها، وكراهة تركها عمدًا أو خطأ.
ب. التصريح بالإجزاء عند عدم التسمية، ويرتبط الإجزاء - أحيانًا - بالنسيان.
ج. عدم ثبوت إسناد جيد في الباب.
وإذا نظرنا إلى هذه الدلالة بعدسة أصحاب الإمام أحمد رأيناها - على الأقل - لا تتعارض مع ما رجّحوه تعارضًا بينًا، فهم يرون الأمر بها، ويرون أن من لم يسم أجزأه ذلك، ولكن يقيّدون ذلك بعدم التعمّد، وتبقى الرواية غير مضادة لقولهم مبدأيًا.
ويعضد ذلك عندهم فهم إسحاق، وهو من هو، لكلام الإمام رضي الله عنه، ففي مسائل الكوسج، سئل: إذا توضّأ، أيسمي؟ ، قال: إي، لعمري، قيل: فإن نسي ولم يذكر اسم الله؟، قال: لا أعلم فيه حديثًا يثبت .. قال إسحاق: كما قال، إذا نسي أجزأه، وإذا تعمّد أعاد، لما صحّ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ..
فدعنا مما قد يظن مخالفة من إسحاق للدلالة الكلية لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشاهد هو ما يعرفه إسحاق من مذهب أحمد، وأن دلالة الدعوة للتسمية (إي لعمري) عنده هي الإيجاب.

أما القول بأنه لا يوجد إسناد جيّد، فليس يقطع بدلالة حاسمة أيضًا، بعيدًا عن التعليلات التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله، والتي نقلها أصلًا عن أبي الخطاب في الانتصار، ولكن لأن ضعف الأسانيد على طريقة المحدثين تعني عندهم ضعف الدليل لا انتفاء أثره، فحكم الإمام أحمد كان على أسانيد أو أحاديث بما يختص بكل واحدٍ منها، وليس على الدلالة العامة لمجموعها، أعنى مسألة التعضيد، وصرّح بتعضدها جماعة من الكبار أشرتم إليهم جزاكم الله خيرًا، وغير ذلك، فمعروف من طريقة الإمام أنه قد يضعّف الأحاديث في الباب ويعمل بمقتضاها، ولا يترك الضعيف ودلالته، ومن يقارن سؤالاته الحديثية والفقهية في بعض المسائل = قد يتوهم تناقضًا، وليس كذلك، إنما يحكم على الأحاديث بطريقة المحدثين، وينسج دلالاتها على طريقة الفقهاء.
أما ضعف الدليل، فهذا احتج به أصحابه على عدم وصول المسألة لرتبة الركنية أو الفرضية، وأن التسمية واجب، يسقط بالسهو، والإمام قد علل سقوطها بالسهو في مسائل بضعف الأحاديث، بغير ذكر للتعمّد، وهذا (قد) يكون مرجّحًا لنظرتهم.

أما أثر أبي زرعة رحمه الله عنه = فيحتمل - وبلا تكلّف - وجود المساحة لإيجاب لا يكون من طبقة دلالة الإيجاب القرآنية في الآية، لأن الأحاديث ليست بذاك، فلا يكون من جنس المذكور في الآية.

وأما تعليقكم على كلامه في سؤالات ابن هانئ، ودلالة قوله (دع [عنك] هذه الأشياء)، فكلمة [عنك] قد زادت منكم سهوًا عند مناقشة الدلالة، وهي مؤكدة لدلالة رد القول فعلًا، لكنها غير موجودة، وإنما مقالة أحمد رضي الله عنه: (دع هذه الأشياء) .. وقد يُقال أن الأشبه والأقرب لطريقة الإمام رضي الله عنه أن هذا من باب كراهته للمسائل المفترضة، وضجره منها، أو أن هذا شبيه بمقالته المتكررة (دعها، دعه، دع هذه المسألة) ..

ويبقى فضاء الاحتمالات واسعًا نوعًا فيما بتعلق بتلك الدلالة .. على الأقل يمكننا أن نسلّم للحنابلة بذلك ..

وأما ثاني ذلك، فهو القوة الدلالية لرواية التشديد:
وتتخلّص في دلالة قطعية لإمام كبير من أصحاب أحمد، وهو أبي الحارث الصائغ رحمه الله تعالى، فروى عنه: إذا [ترك] التسمية = أعاد الوضوء، وهذه ذكرها القاضي في الروايتين، وأبو الخطاب في الانتصار، وغيرهما ..
بالإضافة إلى تأويل يمكن تأويله من فضاء الاحتمالات الواسع المذكور مسبقًا ..

وأما ثالث: ذلك، فهو النظر إلى مجموع هذه الأقوال، والذي يمكن أن [نتسامح جدًا] مع من يرى تقديم الدلالة القطعية لرواية أبي الحارث على ما سواها من الروايات التي يدخلها الاحتمال! ...

أما مقالة الخلّال أن الذي استقرت عليه روايات المذهب هو أنه لا بأس به، فأغلب أصحاب الإمام رضي الله عنه متفقون أن لا بأس به، ولكن هل يُقيّد ذلك بالسهو والجهل أم لا؟، كما قلنا في المنصوص عنه ..
ومما يسترعي الانتباه أن المرداوي ثبت عنده - ولا نعلم مورده - أن اختيار الخلال نفسه هو القول بالوجوب!، وعلى كلّ، فلو كان ذلك قول الخلال رحمه الله فقد خالفه غيره!

-------------

4. أما نقض القول بعيدًا عن روايات أحمد، فقد يكدّره أشياء، منها:
أ. عدم التسليم بنفي ثبوت الحديث، أو ثبوت دلالته من مجموع الطرق؛ لأن ذلك مذكور عن أئمة ثقات، وهذا يكفي في المحاجّة، وقد ذكرتم طرفًا من ذلك، وهناك فوائد زائدة وجمع في رسالة قديمة للشيخ الحويني شفاه الله وعافاه بعنوان (كشف المخبوء في ثبوت حديث التسمية في الوضوء)، يعيدًا عن منهج التصحيح أو دراسة الحديث، وإنما أردت النقولات، وحتى لو تقاصرت الأحاديث إلى درجة الضعف فلا نسلم بترك الاعتبار الفقهي به، ولهذا نظائر في كافة المذاهب المتبوعة.
ب. أن الاحتجاج بعدم ذكرها في الآية يرده تقرير أن التسمية ليست من أركان الوضوء وفرائضه، ولكن لها حكمٌ خاص ليس من جنس حكم الأركان، وثبت بدليل مستقل.
ج. أن الاحتجاج بعدم ذكر رواة صفة الوضوء لها يرده نفس المعنى، ويدخله الاحتمال، فيحتمل لكونه خارجًا عن ماهية الوضوء، ولأنها مشتهرة معروفة، ولذلك لم يذكروا النيّة ولم يذكروا الموالاة مثلًا مع كونهما في نفس مرتبة الوجوب على مذهب أحمد وغيره، وشبيه ببعض ذلك مسألة الاقتصار على الأركان في حديث المسئ في صلاته، وما لذلك من دلالات فقهية في المذهب.
ويمكن مراجعة احتجاجات الكلوذاني في الانتصار والتي نقل الشيخ طرفًا منها في شرح العمدة ..
أعلم أن هذا كله يقبل الرد عليه، والرد يقبل الرد، والمراد إثبات وجاهة الخلاف، لا أكثر ..

-------------

5. وهذا ما دفعّني للتعليق على بحثكم البديع الذي لا تسمح هيبته لمثلي أن يشارك، ولكن انقبض صدري للكلام عن الجمود! والغبار! وجناية المتأخرين بسد باب النظر!، ثم الكلام عن جنايتهم - أي المتأخرين! - في فهم كلام الإمام بمعزل عن أقوال فقهاء الأمصار!!!! (!! بعدد أهل الأمصار) ..
المسألة واسعة، وتحتمل القبول والرد، لا غضاضة في ذلك .. لكن لا أدري لم يدفع دائمًا - أو غالبًا - متأخرو أئمة المذهب ضريبة عدم الرضا بقولٍ من الأقوال أو عدم فهمه (لا أعنيكم بهذا طبعًا) أو قبول حجته؟!!
اعتماد هذا القول وترجيحه قديم قدم المذهب ومدوناته، قبل عصر ما يوسم بالجمود أو التقليد!
بل العجيب أن هذه الرواية هي اختيار أبعد أئمة المذهب عن التقليد والجمود، وأشدهم نزعةً للاجتهاد والنظر في الخلاف، والمحاججة والجدل!!، فضلًا عن الاطلاع على أقوال فقهاء الأمصار وحججهم!
مثل الإمام غلام الخلال، وابن شاقلا!، والقاضي! (صاحب التعليقة في الخلاف، والمطبوع منها يشي بعلم باهر واجتهاد عظيم)، وأبي الخطاب! (صاحب الانتصار، والغلبة في مناظرة الشافعية مثل الكيا وغيره)، وابن عقيل!!، والمجد ابن تيمية!، وغيرهم .. بل أكثر الحنابلة على ما قال الشيخ، فهل أكثر الحنابلة - ومنهم المذكورون - جامدون مقلدون، مشغولون بتشريح أقوال الإمام عن فقه أقوال فقهاء الأمصار؟! .. لا أظن ذلك في حدود علمي القاصر بهم ..

ثم إن الحنابلة لم يغلقوا بابًا للنظر ولم يئدوا الرواية الأخرى، ولا يعدون اعتمادات المتأخرين (أو المرداوي على وجه التحديد) شيئًا مقدسًا، ويخالفه من بعده، ويخالفهم من بعدهم !
ولا يضيرهم أنهم يرون أن هذا هو الأقرب للحق ..
وهذا لا يعني - بلا شك - عدم وجود تقليد وجمود وتساهل في عصرنا الحالي خصوصًا ..

شكر الله لك يا شيخنا الحبيب، ولجميع المشايخ الكرام الذي أثروا الموضوع بالتعليق، وأعتذر للإطالة ..
 
أعلى