د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
التسمية في الوضوء ... نظرة في تاريخ المسألة
(الأهمية، ترتيب المسألة، خلاصة البحث)
أولا: أهمية المسألة:
تأتي أهمية المسألة بسبب تعلقها بفرض من فرائض الصلاة، وهو الوضوء: إضافة إلى ذلك فإن لهذه المسألة تعلقا بالمنهجية العلمية في دراسة المسألة الفقهية، وهذا هو المقصود من بحث المسألة، ولذا جعلنا العنوان تحت إطار: (نظرة في تاريخ المسألة).
ومن هنا فقد حاولت هذه الأوراق: أن تستكشف جذورها، وأن تستشرف مآلاتها، بداية من نصوص الوحي، ثم الوقوف عند عبارات الأئمة وقفة متأمل، ومرورا بالمذاهب الفقهية، وسيتبين لك عيانا الاختلاف العريض في تناول المسألة، وستقف على فقه المتقدمين، وستعرف زمنيا متى انحرف مسار المسألة، ثم كيف تطور، وما آل إليه حال المسألة بين المعاصرين.
--------------
ثانيا: ترتيب بحث المسألة:
1- تقدمة:
- الأهمية.
- ترتيب البحث.
2- القرآن: (آية الوضوء).
3- السنة:
- نصوص صفة الوضوء.
- نصوص التسمية في الوضوء.
4- الأثر: (تسمية عمر في الاغتسال).
5- الإجماع: (مشروعية التسمية).
6- الأقوال: (المذاهب، المتقدمون، فقهاء الحديث).
7- البدعية: النشأة، وتحرير رأي الإمام مالك.
8- الوجوب والشرطية: النشأة، تحرير مذاهب أحمد وإسحاق والظاهرية. 9- قاعدة المشروعية.
10- خلاصة المسألة.
------
ثالثا: خلاصة المسألة:
بالتأمل: في المواقع التي شرعت فيها التسمية باسم الله، نجد أن منها ما هو في العبادات: مثل الصلاة والطواف [وإن كانا بلفظ التكبير]، وقراءة القرآن، والذبح، وجملة من الأذكار والأدعية، كما هو الحال في بعض أذكار الصباح والمساء، والدخول والخروج من المنزل، وعندما يوضع الميت في قبره، ومنها ما هو في الأمور الاعتيادية، مثل الأكل والشرب، والجماع، وركوب الدابة، وغيرها كثير.
نلاحظ ما يلي:
1- كثرة الجزئيات في الشريعة بذكر اسم الله في أوائل الأمور: كثرة توجب كليتها [أي كونها كلية شرعية]، وهو صورة من العمل بمقتضى آية سورة الأنعام: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162].
2- تنوع صورها بين التعبد، والعادي، والمتردد.
3- علو منزلتها، فهي أول أمر نزل به الوحي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وهي الآية المستفتح بها القرآن، والمستفتح بها كل سورة، وهي الآية التي تصدر بها الرسائل والكتب، وهي سنة الأنبياء بداية من أول الأنبياء نوح عليه السلام {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا }، إلى سليمان عليه السلام {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وانتهاء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
ويمكن الجزم: أن التسمية في بداية الأمور ثقافة أصيلة في منظومة السلوك الإسلامي، مثلها مثل السلام.
فنخلص مما سبق:
- أن التسمية تشرع عند بداية كل عمل عبادي أو عادي، وأن أدلة ذلك قريبة من القطع، فهو ذكر للاستعانة بالله، والتبرك باسمه، وإن كان لا يقال عن ذلك أنه سنة خاصة إلا بدليل خاص.
- ما شرع له ذكر خاص كالصلاة والطواف بالتكبير، فيقتصر على ما شرعه الله.
- الوضوء عبادة لم يشرع لها ذكر خاص عند بدايته، فكان الاستفتاح بها باسم الله مناسبا، ولذا جاء عن عمر رضي الله عنه التسمية في الاغتسال، والاغتسال هو الطهارة الكبرى، وهو الجنس الأعلى الذي يندرج الوضوء فيه، إما مطلقا وإما بينة.
- لا فرق بين الوضوء والغسل و التيمم في مشروعية التسمية، وعلى هذا دأب الفقهاء، وإن كان الذين يقتصرون على النظر الإسنادي للحديث من المعاصرين، يرون أن ذلك بدعة في التيمم والغسل، وأنه لا يقاس على الوضوء في حال ثبوته عندهم، ولذا تجد منهم من يلفق قولا غريبا، فيقول بشرطية التسمية في الوضوء، فلا تصح بدونها، وببدعية التسمية في الغسل والتيمم.
- لا حاجة إلى دليل خاص لثبوت التسمية في الوضوء، فهو أظهر من أن يحتاج فيه إلى مستند خاص، ولذا ذهب الفقهاء إلى مشروعية التسمية، وإن كان الثابت في الباب عندهم ضعيفا، وذلك لأن مشروعية التسمية تقوم على أدلة كبرى، هي أقوى من الدليل الخاص، ولذا لم تكن هذه المسألة مشكلة أو موضع تردد عندهم.
- أشكلت المسألة عند المعاصرين بالذات، فشاع بينهم القول بالوجوب إذا صح الحديث، أو بالبدعية إذا لم يصح، وذلك لسببين:
السبب الأول: نزعة ظاهرية، أوجبت توهم أن المشروعية قائمة على ثبوت الحديث الخاص، علما أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول.
السبب الثاني: توسع في اعتبار البدعة، وتراخي في اعتبار العموميات والكليات، فإنه لا يشترط في الدليل أن يكون نصا في عين المسألة، فإنه يجوز أن يكون عاما أو قياسا عند من يثبته.
- جاء عن عمر رضي الله عنه التسمية في الاغتسال، وعن ابنه عبد الله، التسمية عند بدء الطواف، ولا يحفظ في ذلك دليل خاص، وذهب فقهاء الحديث من فقهاء المدينة والكوفة، وفقهاء بغداد، كلهم إلى مشروعية التسمية في الوضوء.
- يغلب على ظني أن التسمية في الوضوء من الإجماع العملي أو قريب منه، ولا يشوش على ذلك إلا ما جاء عن الإمام مالك أنه لا يعرفه، لكن يخفف من هذا الإيراد أن الإمام مالكا نفسه يرى مشروعيتها، فهو إجماع عملي على مشروعيتها في الوضوء، لا على أنها سنة خاصة من سنن الوضوء، وهذا الإجماع يكشف سبب عدم كون المسألة مثارا للخلاف بين المتقدمين، وذلك لأنها لم تكن أصلا موضع خلاف.
- إذا حققنا المنقول عن الإمام مالك، وأنه لا يعني بدعيتها بحال، وأنه خلاف نصه، وما شهَّره عنه أصحابه، فإني لا أعرف القول ببدعية التسمية في الوضوء عن علماء الأمة إلا ما شاع بين المعاصرين.
- لم تأت التسمية في آية الوضوء ولم تصح في حديث، وهذا يدل على عدم وجوبها، لا على عدم مشروعيتها، إذ قد ثبتت بطرق أخرى.
- أول لحظة زمانية ارتفعت فيها رتبة المسألة، هي لحظة أجوبة الإمامين: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، أما إسحاق، فهو يقول بالإعادة عند عدم التسمية احتياطا، لكن هذا الاحتياط هل هو على اللزوم أو على الندب، هذا موضع متردد من كلام إسحاق، المهم أنه لم يتحقق عنه القول بالإعادة مطلقا، وإن كانت رتبة المسألة ارتفعت عنده.
- أما المروي عن الإمام أحمد، فنصوصه صريحة في الاستحباب، إضافة إلى نصوصه بعدم ثبوت أحاديث وجوب التسمية، ولذا نص الخلال أن ذلك ما استقرت عليه رواياته، واستظهر ذلك شيخ المذهب ابن قدامة، ولا أدري ما الذي أوجب عند أكثر أصحابه، أنه يقول بالوجوب، حتى صار هو المذهب المستقر عندهم؟
- إذا كان المذهب ينبني على روايات الإمام، وثبت أن المنقول عن الإمام أحمد هو خلاف ما استقر عليه المذهب، ألا يستدعي ذلك تصحيح المذهب؟ ألا رجل حنبلي في تصميم عمر، ينفض عن المذهب غبار الجمود، ويشق الطريق الصعب، ويفتح طريق النقد، ويعيده إلى مساره الأول من التصحيح والتطور؟ بدل هذا السكون الذي طال أمده.
- هذا المذهب الاصطلاحي المبني على الرواية المرجوحة لا يقوى على خرق الإجماع القديم في المسألة في حال ثبوته، فالمذهب شخصية اعتبارية، تعتبر في الإجماع أو في خرقه، إذا كانت ممثلة لأحد من تتوفر فيه أهلية الإجماع، أما إذا كان هذا المذهب، محصَّلا بطريقة الخطأ، أو أنه مضطرب مشكوك فيه، فإنه حينئذ لا يقوى على اعتبار القول قولا في المسألة، فضلا أن يكون كافيا في خرق الإجماع، وكذلك يقال في الروايات المتعددة إذا كان أحدها مخالفا لإجماع مدعى، فإنه لا يقال بأنها تخرمه إلا إذا تحقق أنها قوله.
- ثم نسب القول بالوجوب إلى داود، وقوم من أهل الظاهر، وهذه النسبة غير محققة، أول من ذكرها ابن القصار المتوفى في بداية القرن الخامس، إضافة إلى أن ابن حزم نص على الاستحباب، ولم يشر إلى القول بالوجوب أصلا، فضلا أن يكون قول أصحابه، والظاهر أنه نسب إليهم توهما أنه قولهم لأنه مقتضى ظاهر الحديث.
- ثم شاع القول بالوجوب بين المعاصرين، الذين صححوا الحديث بمجموع طرقه، ورأوا أنه ظاهر الحديث، والأمر كما عرفتَ فإن الحديث لم يثبت، وهو قول حادث غير معروف عند الأولين فيما أعلم، والله أعلم. - على من يثبت الحديث أن يقول بظاهره، وهو عدم صحة الوضوء بدون التسمية، وأنها لا تسقط بالنسيان، بل يستأنفها، وأكثرهم لا يقول بذلك، وهذا وجه ظاهر في نكارة متن الحديث، فلو كانت التسمية شرطا في الوضوء لذكرت في الآية، ولما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في إحالة الأعرابي إليها، ولوجب أن تكون شرطا، ولذا اشتغل القائلون بثبوته بذكر وجوه من التأويل المتكلف.
- وأيضا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية نفى أن يكون في الشريعة نفي الاسم لأجل الاستحباب، وأنه لا ينفى إلا لانتفاء بعض ما يجب فيه، وتقدم نص كلامه في البحث.
لمتابعة أصل البحث:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=2228120&posted=1#post2228120
التعديل الأخير: