العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا، قلنا إن المجاز يعرف بعدم لزوم الاطراد في اللفظ الذي يدل على المعنى المجازي.

هل نريد بوجود الاطراد في اللفظ أن كل لفظ فيه ذلك المعنى المجازي يجوز استعماله بدل ذلك اللفظ الذي استعملناه؟ كالبساط ففيه معنى القرية إذ هو جزء منها والباب ونحو ذلك، فيجوز - إن قلنا بأن هناك اطراداً - أن نقصد أهل القرية بـ: واسأل البساط، واسأل الباب؟

وعدم الاطراد في اللفظ أن يختص ذلك اللفظ بذلك المعنى دون ما سواه مما فيه معناه؟

وأخيراً: كيف يكون في البساط معنى القرية؟ أليست القرية تشمل كل ما في القرية ومنه البساط ولا يشمل البساط القرية؟

الله يجزيكم خيراً.
المقصود بعدم لزوم الاطراد أن اللفظ المجازي قد يختص ولا يصح التعميم نحو واسأل القرية أي أهلها لا يصح أن نقيس ونقول واسأل البساط أي صاحبه، وليس المقصود هو أن القرية تشتمل على أهلها فلذا صح المجاز بل المقصود بالقرية هو البناء وبالأهل هم البشر فهما متباينان ولكن لوجود علاقة بينهما صح التجوز.
 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثاني والثلاثون- مباحث الكتاب

الأمر بالشيء نهي عن ضده- تكرر الأمر


أولا: الأمر بشيء ما هل هو نهي عن فعل ضده أو لا ؟
بداية ما هو المقصود بالضد هنا ؟
والجواب: تارة يراد بالضد هو ترك ذلك الفعل وهذا هو الضد العدمي، فضد الصلاة هو تركها، وضد الحج هو تركه. وتارة يراد بالضد كل فعل ينافي الأركان والشرائط المعتبرة فيه، فيكون للفعل الواحد أضداد كثيرة جدا وهذا هو الضد الوجودي، فمن أضداد الصلاة مثلا: المشي، والنوم، والأكل، والكلام، وغير ذلك.
فالأمر بالشيء نهي عن تركه قطعا. هذا هو الضد بالمعنى الأول.
وأما الضد بالمعنى الثاني فوقع الخلاف فيه بين العلماء والكلام فيه في مقامين:
1- الأمر النفسي- على القول به- وفيه أقوال:
أ- الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، فمثلا إذا أراد السيد أن يأمر غلامه بالكتابة فطلبه الكتابة هو عين طلبه الكف عن النوم والمشي ونحوهما، بمعنى أنهما حصلا بطلب واحد لا بطلبين، فطلب فعل الشيء هو نفسه طلب ترك أضداده.
ب- الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده، إذْ أَن طلب هذا غير طلب الكف عن ذاك كما هو ظاهر، ولكنه يستلزمه فطلب الكتابة يستلزم الكف عن أضدادها.
ج- الأمر بالشيء لا هو عين النهي عن ضده ولا يستلزمه، لأنه قد لا يخطر بقلب الآمِر ضده أصلا فكيف يكون قاصدا للنهي عن ضده!.
2- الأمر اللفظي، كأن يقول السيد: اكتب، فهذا قطعا ليس هو عين لا تنم ولا تمش ونحوهما؛ فإن الأمر اللفظي غير النهي اللفظي ولكن قيل:
أ- هو يستلزمه، بمعنى أنه إذا قيل اكتب فكأنه قيل: لا تنم، لا تمش؛ لأنه لا تتحقق الكتابة بدون الكف عن النوم والمشي.
ب- هو لا يستلزمه، لأنه وإن توقف تحقق الكتابة على الكف عن أضدادها إلا أنها قد لا تخطر ببال الآمر.
واعلم أن القائل بهذا القول أعني عدم الاستلزام يسلم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن الضد تركه واجب لتحقيق الأمر الواجب ولكن يقول تسميته نهيا يقتضي أن الناهي قاصد لتوجيه النهي عن تلك الأشياء وكيف ينهى عن شيء وهو لم يخطر بباله.
ومثل ما قيل في الأمر يقال في النهي بقسميه النفسي واللفظي.
فقد قيل إن النهي عن شيء هو أمر بفعل ضده، كالنهي عن الزنا أمر بالزواج أو التعفف، وقيل هو يستلزمه، وقيل ليس نهيا عن ضده ولا يستلزمه؛ لأن تلك الأضداد قد لا تخطر ببال الناهي.
ثم إنه في الأمر بفعل شيء لا بد من ترك جميع الأضداد، أما في النهي عن فعل شيء فيكفي فعل واحد من الأضداد.
ثانيا: إذا ورد أمر بعد أمر- كأن قيل: اكتبْ الدرسَ اكتبْ الدرسَ- وجب أن ننظر فيما يلي:
1- هل ورد الأمران متعاقبينِ أي ورد أحدهما بعد الآخر مباشرة، أو غير متعاقبين، أي ورد أحدهما بعد الآخر بمهلة؟
2- هل كان الأمران بشيئين متماثلين، كتكرار الأمر بالصلاة مثلا، أو بشيئين متخالفين، كالأمر بالصلاة والأمر بالصدقة؟
3- هل ورد الثاني معطوفا على الأول نحو: صلّ ركعتين وصل ركعتين، أو لا نحو: صلّ ركعتين صلّ ركعتين.
4- هل هناك مانع من حمل المعنى على التكرار وتعدد الفعل والمانع قد يكون عقليا مثل: اقتلْ زيدًا اقتل زيدًا، فإن إزهاق الروح شيء واحد فإزهاقه ثانيا لا يمكن لأنه تحصيل للحاصل، وقد يكون شرعيا مثل: اعتقْ عبدَك اعتقْ عبدَك، فإن الاعتاق إذا حصل أول مرة لم يتأت حصوله مرة أخرى، وقد يكون عاديا مثل: اسقني ماءً اسقني ماءً، فإن العادة جرت باندفاع الحاجة وهي العطش بأول شربة فلا حاجة للتكرار، أو لا يكون هنالك مانع مثل: صلّ ركعتين صل ركعتين فأي مانع من أن يراد منه أن يصلي أربع ركعات.
فإذا تقرر هذا فإليك الأحكام:
1- إذا ورد الأمران غير متعاقبين فهما متغايران فيجب العمل بهما، سواء كانا متماثلين كأن يقال لك: صلّ ركعتين، وبعد مهلة يقال: صلّ ركعتين، فيجب أن تصلي أربع ركعات، أم كانا متخالفين مثل: صلّ ركعتين، تصدّق بدرهم، فيجب أن تصلي وتتصدق.
2- إذا ورد الأمران متعاقبين فهنا أحوال:
أ- أن يكونا متخالفين فهما متغايران فيجب العمل بهما، سواء كانا متعاطفين نحو: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو غير متعاطفين نحو: اضربْ زيدًا أعطه درهما.
ب- أن يكونا متماثلين ولم يمنع من التكرار مانع فهما متغايران أيضا فيجب العمل بهما، سواء كانا متعاطفين نحو: صلّ ركعين وصلّ ركعتين، فيلزمه أربع ركعات، أو غير متعاطفين نحو: صلّ ركعتين صلّ ركعتين.
ج- أن يكونا متماثلين ومنع مانع عادي من التكرار وكانا متعاطفين فيتوقف حينئذ فيهما، مثل: اسقني ماءً واسقني ماءً، فهنا مانع عادي من التكرار فالحمل على التوكيد - أي بأن يراد بالأمر الثاني تقوية الأمر الأول لا تحصيل الفعل مرتين- هو الظاهر، وهذا الظاهر عارضه أمر آخر وهو العطف فإن العطف يقتضي المغايرة فحينئذ يتوقف في الأمر فلا ندري أيراد بالأمر الثاني هو التوكيد أو التأسيس بأن يراد تحصيل الفعل مرتين.
د- أن يكونا متماثلين ومنع مانع عقلي أو شرعي، أو عادي ولم يعارضه عطف، فالأمر الثاني للتوكيد.
مثال المانع العقلي: اقتل زيدًا اقتل زيدًا بدون عطف أو مع عطف فالحكم واحد وهو أن الأمر الثاني للتوكيد لاستحالة الذهاب للتأسيس.
ومثال المانع الشرعي: اعتق عبدك اعتق عبدك بدون عطف أو مع عطف فالحكم واحد وهو أن الأمر الثاني للتوكيد لامتناع الذهاب للتأسيس.
ومثال المانع العادي الذي لم يعارضه عطف: اسقني ماءً اسقني ماءً، فالأمر الثاني يراد به التوكيد.

( شرح النص )​

مسألةٌ
المختارُ أَنَّ الأمرَ النفسيَّ بمُعَيَّنٍ ليسَ نهيًا عن ضِدِّهِ ولا يستلزِمُهُ، وأَنَّ النهيَ كالأمرِ.
مسألةٌ​
الأمرانِ إنْ لم يتعاقَبَا، أو تعاقَبَا بغيرِ متماثلينِ فغيرانِ، وكذا بمتماثلينِ ولا مانعَ مِنَ التَّكرارِ في الأَصحِّ، فإنْ كانَ مانعٌ عاديُّ وعارضَهُ عطفٌ فالوقفُ، وإلَّا فالثاني تأكيدٌ.

..........................................................................................................
هذه ( مسألةٌ ) في أن الأمر بالشيء نهي عن ضده أو لا، القول ( المختارُ ) تبعا لإمام الحرمين والإمام الغزالي والنووي وغيرهم رحمهم الله ( أَنَّ الأمرَ النفسيَّ ) وهو طلب الفعل القائم في النفس ( بـ ) شيء ( مُعَيَّنٍ ) إيجابا أو ندبا ( ليسَ نهيًا عن ضِدِّهِ ولا يستلزِمُهُ ) لجواز أن لا يخطر الضد بالبال حال الأمر، سواء كان الضد واحدا كضد السكون وهو الحركة، أو متعددا كضد القيام وهو القعود والاضطجاع، فالأمر بالسكون مثلا ليس نهيا عن ضده وهو التحرك ولا يستلزمه على المختار أي أن طلب السكون ليس هو نفس الكف عن التحرك ولا مستلزما له، وقيل: نهي عن ضده، وقيل: يستلزمه، وخرج بالأمر النفسي الأمر اللفظي فليس هو عين النهي اللفظي قطعا بلا خلاف، ولا يستلزمه أيضا على الأصح، وقيل: يستلزمه ( و ) المختار ( أَنَّ النهيَ ) النفسي عن شيء معين تحريما أو كراهة ( كالأمرِ ) فيما ذكر فيه فالنهي عن فعل ليس أمرا بضده ولا يستلزمه، وقيل: عينه، وقيل: يستلزمه، والنهي اللفظي كالأمر اللفظي فليس هو عين الأمر اللفظي قطعا، ولا يستلزمه على الأصح، وقيل: يستلزمه، هذه ( مسألةٌ ) في تكرر الأمر ( الأمرانِ إنْ لم يتعاقَبَا ) بأن تأخر ورود الثاني عن الأول، سواء أكانا متماثلين كالأمر بالصلاة أو متخالفين كالأمر بالصلاة والزكاة ( أو تعاقَبَا ) لكن ( بغيرِ متماثلينِ ) أي بمتخالفين سواء أكانا متعاطفين كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو غير متعاطفين كاضربْ زيدًا أعطِه درهما ( فغيرانِ ) أي فالأمران غيران يجب العمل بهما ( وكذا ) إن تعاقبا ( بمتماثلينِ ولا مانعَ مِنَ التَّكرارِ ) من عقل أو شرع أو عادة، فهما غيران ( في الأَصحِّ ) من الأقوال سواء مع العطف نحو صلّ ركعتين وصل ركعتين أو بدونه كصل ركعتين صل ركعتين، وقيل: الأمر الثاني للتوكيد ( فإنْ كانَ ) ثَمَّ ( مانعٌ عاديُّ ) من التكرار ( وعارضَهُ عطفٌ ) مثل: اسقني ماء واسقني ماء ( فـ ) حكم الأمر الثاني هو ( الوقفُ ) عن التأسيس بأن يراد تكرار الفعل وعن التوكيد، لأن وجود المانع العادي يقتضي التوكيد، ووجود العطف يقتضي التأسيس فتعارضا فتوقف فيهما حيث لا مرجح فإن وجد مرجح فيصار إليه ( وإلَّا ) بأن كان ثَمّ مانع عقلي نحو اقتل زيدا اقتل زيدا أو شرعي نحو اعتق عبدك اعتق عبدك، أو كان ثَمَّ مانع عادي ولكن لم يعارضه عطف نحو اسقني ماء اسقني ماء ( فـ ) الأمر ( الثاني تأكيدٌ ) للأمر الأول.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثالث والثلاثون- مباحث الكتاب

النهي


أولا: حد النهي هو: اللفظ الدال على طلب كف عن فعل لا بلفظ كُفَّ ونحوه.
فدخل في الحد نهي التحريم ونهي الكراهة، وخرج بقوله: طلب كفّ عن فعل، طلب فعل غير كف نحو: أقيموا الصلاة.
وخرج بقوله: لا بلفظ كفّ ونحوه، نحو: كُفَّ عن المعصية، اتركْ شربَ الخمر، دعِ السرقةَ، ذروا ظاهرَ الإثمِ وباطنه، فإنها أوامر وليست بنهي كما سبق إيضاحه في الأمر.
ثانيا: النهي كالأمر لا يعتبر فيه علو ولا استعلاء على الأصح.
وإذا ورد نهي عن فعل شيء فهو نهي عنه دائما. هذا في النهي المطلق. أما المقيد فيلزم منه الدوام مدة القيد فقط، مثل: لا تسافر اليومَ.
ثالثا: ترد صيغة النهي لا تفعل لمعان منها:
1- التحريم، مثل: لا تقربوا الزنا.
2- الكراهة، مثل: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقونَ، أي لا تعمدوا إلى الخبيث أي الرديء كالخبز اليابس الذي تعافه النفس فتتصدقوا به إذْ المطلوب أن يتصدق الإنسان بما يستحسنه لنفسه كما قال تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
3- الإرشاد، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الشراب. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، فالمقصود هو الإرشاد إلى ترك النفخ في الطعام مخافة أن يقع فيه شيء من ريقه فيتقذره الآكل منه.
والفرق بين الكراهة والإرشاد أن المفسدة المطلوب درؤها في الكراهة دينية وفي الإرشاد دنيوية.
4- الدعاء، مثل: ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذْ هَدَيتَنا.
5- بيان العاقبة، مثل: ولا تحسبَنَّ الذين قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا، أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت.
6- التقليل، مثل: ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم، أي فهو قليل بخلاف ما عند الله.
7- الاحتقار، مثل: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، أي فأنتم أحقر شأنا من أن يسمع لكم.
والفرق بين التقليل والاحتقار أن الأول متعلق بالمنهي عنه وهو في المثال مد العينين إلى متاع الدنيا، والثاني متعلق بالمنهي أي المخاطب بالنهي كالكفار في آية لا تعتذروا.
8- التأييس: مثل: لا تعتذروا اليومَ.
ثالثا: لا يشترط في النهي إرادة الطلب بأن يكون الطالب قد قصد بلفظه توجيه الطلب للشخص فقد قيل إذا لم يقصد الطلب لم يكن نهيا لأنه يستعمل في غير الطلب كبيان العاقبة، وأجيب بأن النهي متى ما خرج لغير الطلب عدّ مجازا، وتعريفنا المتقدم للنهي هو تعريف لحقيقة النهي لا لمجازه فلا حاجة لاعتبار قيد إرادة الطلب في حد النهي.
رابعا: ذهب الجمهور إلى أن التحريم هو المعنى الحقيقي لصيغة لا تفعل وبقية المعاني مجازية تحتاج لقرينة، وهل التحريم مستفاد من الصيغة لغة أو شرعا أو عقلا ؟ أقوال: فقال بعضهم: إن التحريم مستفاد من اللغة بدليل أن أهل اللغة يحكمون بالمخالفة على من قال له أبوه مثلا: لا تفعل كذا، ففعل، وقال بعضهم: إن النهي مستفاد من الشرع لأن استحقاق العقاب على العاصي إنما هو بحكم الشرع به، وقال بعضهم: إن النهي مستفاد من العقل بدليل أنها لو لم تكن للتحريم لكان معناها لا تفعل إن شئت.
خامسا: النهي قد يكون عن فعل شيء واحد نحو لا تنم عن واجبك وهو الغالب، وقد يكون عن أكثر من واحد.
وما نهي فيه عن أكثر من واحد قد يكون المنهي هو الجمع بينهما وهو الحرام المخيّر نحو لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما فالمحرم فعل الجميع لا فعل أحدهما فقط.
وقد يكون المنهي هو التفريق بينهما بأن يفعل أحدهما فقط فالواجب فعلهما معا أو تركهما معا ولا يفرّق، ومثال هذا ما ورد في الصحيحين من النهي عن المشي بنعل واحدة، فالواجب إما لبسهما معا أو نزعهما معا.
وقد يكون المنهي هو الجميع فيحرم فعل الجميع نحو: لا تزنِ ولا تسرق، فكل منهما منهي عنه.

( شرح النص )​

مسألةٌ
النَّهيُ: اقتضاءُ كفٍّ عن فعلٍ لا بنحوِ كُفَّ، وقضيتُهُ الدَّوامُ ما لم يُقَيَّدْ بغيرِهِ في الأصحِّ، وترِدُ صيغتُهُ للتَّحريمِ، وللكراهةِ، وللإرشادِ، وللدُّعاءِ، ولبيانِ العاقبةِ، وللتقليلِ، وللاحتقارِ، ولليأسِ، وفي الإرادةِ والتحريمِ ما في الأمرِ، وقد يكونُ عن واحدٍ، وعن متعدِّدٍ جَمعًا كالحرامِ المُخَيَّرِ، وفَرْقًا كالنَّعلينِ تُلبسانِ أَو تُنزعانِ ولا يُفَرِّقُ بينهما، وجميعًا كالزِّنا والسَّرِقَةِ.
..........................................................................................................
لما فرغ من الأمر شرع في النهي فقال: ( مسألةٌ النَّهيُ ) النفسي ( اقتضاءُ ) أي طلب ( كفٍّ عن فعلٍ لا بنحوِ كُفَّ ) ودع واترك وذر فإنها أوامر، وأما النهي اللفظي فهو اللفظ الدال على طلب كف عن فعل لا بنحو كُفّ، ولا يشترط في النهي علو ولا استعلاء في الأصح كالأمر ( وقضيتُهُ الدَّوامُ ) أي لازم معناه وهو المنع الدوام على الكف ( ما لم يُقَيَّدْ بغيرِهِ ) أي بغير الدوام بأن يقيد بمدة كأن يقال: لا تسافر اليوم، فيكون قضيته حينئذ هو الكف عن السفر ذلك اليوم فقط ( في الأصحِّ ) وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغير الداوم يصرفه عن قضيته الموضوع هو لها فيكون مجازًا، بخلافه على الأصح فإنه يكون حقيقة متى قيد بمدة ( وترِدُ صيغتُهُ ) أي النهي وهي لا تفعل ( للتَّحريمِ ) نحو: ولا تقربوا الزنا ( وللكراهةِ ) نحو: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، والخبيث هنا هو الرديء لا الحرام ( وللإرشادِ ) كالنهي عن النفخ في الشراب ( وللدُّعاءِ ) نحو: ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذْ هَدَيتَنا ( ولبيانِ العاقبةِ ) نحو: ولا تحسبَنَّ الذين قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا، أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت ( وللتقليلِ ) نحو: ولا تمدنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم، أي فهو قليل بخلاف ما عند الله ( وللاحتقارِ ) نحو: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، أي فأنتم أحقر شأنا من أن يسمع لكم، والفرق بين التقليل والاحتقار أن الأول متعلق بالمنهي عنه، والثاني متعلق بالمنهي أي المخاطب بالنهي ( ولليأسِ ) أي إيقاع اليأس في نفوسهم ولو عبر بالإياس أو التأييس لكان أولى، نحو: لا تعتذروا اليومَ ( وفي الإرادةِ والتحريمِ ما في الأمرِ ) من الخلاف فقيل لا تدل صيغة لا تفعل على الطلب إلا إذا أريد بها الطلب، والأصح أن الصيغة تدل على الطلب بلا إرادة، وأنها حقيقة في التحريم لغة وقيل شرعا وقيل عقلا ( وقد يكونُ ) النهي ( عن ) شيء ( واحدٍ ) نحو: لا تزنِ ( وعن متعدِّدٍ جَمعًا كالحرامِ المُخَيَّرِ ) نحو: لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما فالمحرم فعلهما لا فعل أحدهما فقط ( وفَرْقًا كالنَّعلينِ تُلبسانِ أَو تُنزعانِ ولا يُفَرِّقُ بينهما ) بلبس أو نزع إحداهما فقط فإنه منهي عنه أخذا من خبر الصحيحين: لايمشين أحدكم فى نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا. فهما منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة التفريق بينهما فى ذلك ( وجميعًا كالزِّنا والسَّرِقَةِ ) فكل منهما منهي عنه فبالنظر اليهما معا يصدق أن النهي عن متعدد، وإن صدق بالنظر إلى كل واحد منهما أن النهي عن واحد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الرابع والثلاثون- مباحث الكتاب

اقتضاء النهي الفساد


أولا: النهي قد يكون مقيدا وقد يكون مطلقا، فالمقيّد هو الذي قيّد بما يدل على فساد أو صحة كأن يقال: لا تفعل كذا وإلا بطل عملك، أو لا تفعل كذا فإن فعلت أجزأك، فهذا حكمه معلوم وهو أنه ما دل على فساده الدليل فهو فاسد وما دل على صحته فهو صحيح، من ذلك النهي عن الطلاق في الحيض مع أمره صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة زوجته لمّا طلقها وهي حائض. رواه الشيخان. فإن الأمر بمراجعتها دليل على انتفاء الفساد إذْ لو لم يصح لما احتيج إلى مراجعتها فيقع الطلاق في الحيض.
وأما النهي المطلق فهو الذي لم يقيّد بما يدل على فساد أو صحة.
ثانيا: النهي المطلق عن شيء إن رجع النهي فيه إلى عينه أو جزئه أو لازمه المساوي أو جهل مرجعه فهو مقتض للفساد، وإن رجع إلى أمر خارج عنه فهو غير مقتض للفساد. توضيحه:
إن الشيء إنما ينهى عنه لمفسدة فيه فتلك المفسدة هي علة النهي، فمعنى رجوع النهي إلى شيء كون ذلك الشيء هو علة وسبب النهي عنه أي أن مرجع النهي علته فإذا كانت علة النهي عن فعل شيء ما هي نفسه وعينه قيل إن النهي يرجع إلى عينه أو كانت علة النهي جزءًا من ذلك الفعل قيل إن النهي يرجع إلى جزئه أو كانت العلة هي لازمة لذلك الشيء قيل إن النهي يرجع إلى لازمه أو كانت العلة غير لازمة قيل إن النهي يرجع إلى أمر خارج.
وبعبارة مختصرة إن علة النهي إما أن تتعلق بذات الشيء أو بخارج عنه فما كان لذات الشيء يشمل العين والجزء وما كان لخارج عنه يشمل اللازم له وغير اللازم.
مثال ما رجع النهي فيه إلى عينه: الزنا فهو قبيح لذاته فنفس الزنا هو قبيح لم يشرع أصلا في أي حال من الأحوال.
ومثال ما رجع النهي فيه إلى جزئه: ما فقد فيه ركن أو شرط من شروطه كالصلاة بلا ركوع أو طهارة، ومثل: النهي عن بيع الملاقيح أي الأجنة في بطون الأمهات رواه البزار وفيه مقال. فهنا النهي لانعدام المبيع وهو ركن من أركان البيع.
ومثال ما رجع النهي فيه إلى أمر خارج لكنه لازم له: صوم العيدين فإن الصوم في أصله مشروع ولا يوجد خلل في أركان أو شروطه ولكن اقترن به في ذلك الزمان وصف هو الإعراض عن ضيافة الرحمن سبحانه هو علة النهي عنه، وهذا الوصف خارج عن حقيقة الصوم ولكنه لازم له فكلما وجد الصيام في العيدين وجد الإعراض، وكلما وجد الإعراض عن ضيافة الرحمن وجد الصوم في العيدين فهو لازم مساو لتحققه من الطرفين.
ومثال ما رجع النهي فيه لأمر خارج: البيع في وقت النداء فإن النهي فيه لمخافة تفويت الجمعة وهو أمر ليس بلازم لجواز العقد على بيع شيء وهو في طريقه إلى الجمعة ولا تفوته، وكذا لو كان النهي لأمر لازم ولكنه لازم أعم مثل النهي عن الصلاة في المكان المغصوب للغصب فكلما صلى في المكان المغصوب فقد تحقق الغصب وشغل حيز الغير ظلما ولكن هذا اللازم ليس مساويا بل هو أعم؛ لأن الغصب كما يتحقق بالصلاة في الأرض المغصوبة يتحقق بغير الصلاة كمن ينام ويجلس في أرض مغصوبة فليس كلما وجد الغصب وجدت الصلاة بل قد يتحقق الغصب مع الصلاة ومع غيرها فيكون لازما أعم فلا يقتضي فساد المنهي عنه أي تصح الصلاة في المكان المغصوب لأن النهي لم يتوجه للصلاة بل إلى الغصب بأي صورة كان، فظهر أن النهي لأمر خارج يشمل صورتين ما ليس بلازم أصلا وما كان لازما أعم.
فإن جهل مرجع النهي هل هو راجع إلى ذاته أو لخارج عنه غير لازم فيقتضي الفساد أيضا تغليبا لجانب الفساد على ما لا يقتضيه احتياطا مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه رواه الشيخان أي أن يشتري شخص طعاما وقبل أن يقبضه إليه يعقد صفقة أخرى ويبيعه لشخص آخر فيحتمل أن النهي لأمر داخل فيه إن كان الركن هو المبيع المقبوض ويحتمل أن يعود إلى خارج عنه إن كان الركن هو ذات المبيع فيكون القبض وصفا خارجا عن ذات المنهي عنه فهنا حكموا بفساد البيع تغليبا لجانب الفساد.
ثالثا: لا فرق في اقتضاء النهي الفساد بين كون النهي عن الشيء نهي تحريم أو نهي كراهة؛ لأن كون الشيء مكروها لا إثم فيه إنْ فعلَ لا يمنع من فساد ما فعل وعدم الاعتداد به كالنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة فقد قيل إن النهي للتحريم وهو الأصح وقيل للكراهة وعلى القولين لا تصح الصلاة في تلك الأوقات.
رابعا: الفساد المذكور هو من حيث الشرع؛ إذْ لا يفهم ذلك إلا من حيث الشرع. وقيل: من حيث اللغة؛ لأن أهل اللغة يفهمون فساده من مجرد اللفظ. وقيل من حيث العقل؛ لأن الشيء إنما ينهي عنه بسبب ما اشتمل عليه مما يقتضي فساده لو وقع.
خامسا: ما نفي القبول فيه عن شيء فقيل: دليل على صحته لو وقع؛ لأن الظاهر أن المقصود هو نفي الثواب دون الاعتداد. وقيل: دليل على فساده؛ لأن نفي قبوله يدل على عدم الاعتداد به.
مثال الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: مَن أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. رواه مسلم. والظاهر أن نفي القبول في هذا الحديث ونحوه لنفي الثواب لا لنفي الاعتداد به.
ومثال الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. متفق عليه.
والظاهر هو عدم الترجيح لأن نفي القبول ورد تارة بالمعنى الاول وورد تارة بالمعنى الثاني.
أما إذا نفي الإجزاء عن فعل فحكمه حكم نفي القبول فيما تقدم من الخلاف وقيل بل هو أولى بالفساد لتبادر عدم الاعتداد بالفعل الذي حكم بأنه غير مجزئ.
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأمّ القرآن. رواه الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وصححه ابن قَطَّان.

( شرح النص )​

والأصحُّ أَنَّ مطلقَ النهيِ ولو تنزيهًا للفسادِ شرعًا في المنهيّ عنه إنْ رجعَ النهيُ إليهِ أو إلى جزئِه أو لازمِه أو جُهِلَ مَرْجِعُهُ.
أمَّا نفيُ القبولِ فقيلَ: دليلُ الصحةِ، وقيلَ: الفسادِ، ومثلُهُ نفيُ الإجزاءِ، وقيلَ أولى بالفسادِ
.
.......................................................................................................
( والأصحُّ أَنَّ مطلقَ النهيِ ) احتراز عن النهي المقيد بما يدل على فساد المنهي عنه أو صحته فإن حكمه معلوم ( ولو تنزيها ) أي كان النهي للكراهة وليس للتحريم ( للفسادِ ) أي مقتض لعدم الاعتداد في المنهي عنه ( شرعًا ) أي يفهم ذلك من الشرع، وقيل لغة لفهم أهلها ذلك من مجرد اللفظ، وقيل عقلا وهو أن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده ( في المنهيّ عنهُ ) مطلقا من عبادة أو معاملة ( إنْ رجعَ النهيُ إليهِ ) أي إلى عين المنهي عنه كالنهي عن الزنا ( أو إلى جزئِهِ ) كالنهي عن بيع الملاقيح أي الأجنة في بطون الأمهات لانعدام المبيع وهو ركن في البيع ( أو ) إلى ( لازمِهِ ) كالنهي عن صوم العيدين للاعراض عن ضيافة الرحمن، واعلم أن المقصود باللازم في هذا الموضوع هو اللازم المساوي الذي يتحقق من الطرفين كاللزوم بين الشمس والنهار، أما اللازم الأعم كلزوم الزوجية للأربعة وغيرها فهو مندرج في ما كان النهي فيه إلى أمر خارج فتنبه ( أو جُهِلَ مَرْجِعُهُ ) فلم يدر أهو يعود إلى داخل فيه فيقتضي الفساد أو خارج عنه فلا يقتضي الفساد وذلك من باب الاحتياط لأن الأصل في النهي هو الفساد ولا يخرج عنه إلا لدليل بأن كان النهي غير لازم له أصلا كالنهي عن البيع بعد النداء أو هو لازم أعم كالنهي عن الصلاة المغصوبة، مثال ما جهل مرجعه النهي عن بيع الطعام قبل قبضه فيحتمل أن النهي لأمر داخل فيه إن كان الركن هو المبيع المقبوض ويحتمل أن يعود إلى خارج عنه إن كان الركن هو ذات المبيع فيكون القبض وصفا خارجا عن ذات المنهي عنه فنحكم عليه بالفساد ( أمَّا نفيُ القبولِ ) عن شيء ( فقيلَ دليلُ الصحةِ ) له لظهور النفي في عدم الثواب دون الاعتداد كما حمل عليه نحو خبر مسلم: مَن أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. والظاهر أن نفي القبول في هذا الحديث ونحوه لنفي الثواب لا لنفي الاعتداد به ( وقيلَ ) دليل ( الفسادِ ) لظهور النفي في عدم الاعتداد ولأن القبول والصحة متلازمان فإذا نفي أحدهما نفي الآخر كما حمل عليه خبر الصحيحين: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، قال العلامة البرماوي: فهذان القولان متكافئان لا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ لأن نفي القبول ورد تارة في الشرع بمعنى نفي الصحة، وأخرى بمعنى نفي القبول مع وجود الصحة. اهـ نقلا عن حاشية العطار ( ومثلُهُ ) أي نفي القبول ( نفيُ الإجزاءِ ) في أنه دليل الصحة أو الفساد قولان ( وقيلَ ) هو ( أولى بالفسادِ ) من نفي القبول لتبادر عدم الاعتداد منه إلى الذهن كخبر الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وصححه ابن قَطَّان: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأمّ القرآن.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

كانت علة النهي جزءا من ذلك الفعل
بل قد يتحقق الغصب مع الصلاة ومع غيرها فيكون لا زما أعم
النهي المطلق عن شيء إن رجع النهي فيه إلى عينه أو جزئه أو لازمه المساوي
والظاهر أن نفي القبول في هذه الحديث
والظاهر هو عدم الترجيح لأن نفي القبول وردة تارة بالمعنى الاول
وهو أن الشيء إنما ينهي عنه إذا اشتمل
أي الأجنه في بطون الإمهات
أو جُهِلَ مَرْجَعُهُ
فيكون القبض وصفا خارجا عن ذات المنهي عنه فنحكم
رواه الدار قطني وابن خزيمة
.
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الكريم، قلتم في دلالة «لو» إنها على القول الضعيف لمجرد الربط وما يستفاد من الانتفاء هو مستفاد من خصوص الأمثلة وليس من أصل وضع «لو». هل المراد أن دلالتها على الانتفاء إنما تعرف من السياق لا من معنى «لو» نفسه؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الكريم، قلتم في دلالة «لو» إنها على القول الضعيف لمجرد الربط وما يستفاد من الانتفاء هو مستفاد من خصوص الأمثلة وليس من أصل وضع «لو». هل المراد أن دلالتها على الانتفاء إنما تعرف من السياق لا من معنى «لو» نفسه؟
نعم.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الخامس والثلاثون- مباحث الكتاب

العام


أولا: حد العام هو: لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر.
مثل قوله تعالى: قدْ أفلحَ المؤمنونَ، فالمؤمنونَ لفظ عام يشمل جميع أفراد المؤمنين.
قولنا: ( يستغرق الصالح له ) أي يتناول المعنى الذي يصلح له دفعة واحدة، بخلاف المطلق كالنكرة في سياق الإثبات نحو: أكرمْ رجلًا، فإنه لا يشمل جميع أفراد الرجال دفعة واحدة، بل على البدل أي أكرمْ هذا أو ذاك فلا يسمى عاما.
وقولنا: ( بلا حصر ) خرج به اسم العدد كعشرة نحو أكرم عشرة رجال فإنها تستغرق الأفراد العشرة ولكن مع حصر فشرط العام أن لا يكون اللفظ محصورا بمقدار معين.
ثانيا: هل يتناول العام الصورة النادرة وغير المقصودة أَوْ لا ؟ الأصح أنه يتناولهما.
مثال الصورة النادرة: ما ورد في حديث أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن القَطَّان: لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ أَو حَافِرٍ أو نَصْلٍ. أي لا مسابقة بمال إلا فيما ذكر من الحيوانات ذوات الأخفاف كالإبل، أو ذوات الحافر كالخيل أو بالرمي بالسهام.
والفيل من ذوات الأخفاف فالصحيح دخوله في عموم ذوات الأخفاف وإن كان السباق فيه نادرًا فيصح السَبَقُ فيه.
ومثال الصورة غير المقصودة للمتكلم: ما لو وكّل زيد شخصا بشراء عبيد فلان وفيهم مَن يعتق على زيد لزوما من أقربائه كأولاده وأولاد أولاده ولم يعلم بكونهم عبيدا عند فلان فإذا اشتراه الوكيل فإنه يعتق على زيد وإن لم يقصده بالشراء.
ثالثا: العام كما يكون في الحقيقة كالمؤمنين في الآية السابقة يكون في المجاز أيضا نحو: جاءني الأسودُ الرماةُ.
رابعا: العموم من عوارض الألفاظ أي توصف به الألفاظ حقيقة فيقال هذا لفظ عام وهذا محل اتفاق ولكنهم اختلفوا هل توصف المعاني بالعموم أيضا فيقال هذا المعنى عام ؟
ذهب بعضهم إلى أن العموم يعرض للمعاني أيضا، وذهب بعضهم إلى أنه يعرض للألفاظ فقط ووصف المعاني به مجاز.
كالإنسان فكما يقال لفظ الإنسان عام يتناول جميع أفراده كزيد وعمرو وهند، هل يقال معناه وهو الحيوان الناطق عام ؟
خامسا: إذا وقع العام في جملة محكوما عليه بحكم ما فإن الحكم يتعلق بكل فرد من أفراده على وجه المطابقة.
مثال: جاءَ المؤمنونَ، فهنا اللفظ العام المؤمنونَ وقع في الجملة محكوما عليه بالمجيء فيتعلق الحكم بكل أفراده مطابقة أي تكون عندنا قضايا كثيرة بعدد الأفراد أي جاءَ زيدٌ، وجاءَ عمرٌو، وجاءَ بكرٌ.. فقولنا: جاءَ المؤمنونَ، قضيةٌ كلية موجبة.
مثال: لنْ يفلحَ الكفّارُ، أي لن يفلح هذا الكافر، ولن يفلح ذاك الكافر.. فقولنا: لن يفلح الكفّارُ، قضية كلية سالبة.
سادسا: دلالة العام على أصل معناه دلالة قطعية وعلى كل فرد ظنيّة.
أي أن اللفظ العام كالرجال مثلا يدل على كل فرد من أفراد الرجال دلالة ظنية؛ لاحتمال أن يكون قد خصص بمخصص وإن لم يظهر لنا لكثرة التخصيص في العام. أما دلالته على أصل معناه أي على أقل الجمع وهو ثلاثة أفراد فهو دلالة قطعية.
فإذا قيل: أكرمْ رجال القرية، فشمول الحكم لجميع الأفراد هو الظاهر المعمول به لكن تبقى دلالته على إكرام الجميع ظنية لاحتمال وجود مخصص للمتكلم استثنى فيه المتكلم زيدًا مثلا من الإكرام. ولكن التخصيص لا يمكن أن ينتهي إلى حد لا يستوعب ثلاثة من الرجال وإلا كان نسخا لا تخصيصا.
وذهب الحنفية إلى أن دلالته على كل فرد قطعية كدلالته على أصل معناه.
ومن المتفق عليه أنه إذا قام دليل على انتفاء التخصيص في قضية ما فالدلالة قطعية، كدلالة العقل والنقل على انتفاء التخصيص في قوله تعالى: ( والله بكل شيء عليم ).
سابعا: عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة.
أي أن ثبوت الحكم في العام على كل شخص- كما سبق- يستلزم أن يكون الحكم على أية حال وفي أي مكان أو زمان، فقوله تعالى: ( ولا تقربوا الزنا ) يعني لا يقربه أي أحد في أي وقت وفي أي زمان وعلى أية حال.

( شرح النص )

العَامُّ
لفظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لهُ بِلا حَصْرٍ، والأصحُّ دخولُ النَّادِرَةِ وغيرِ المقصودةِ فيهِ، وأَنَّهُ قدْ يكونُ مجازًا، وأَنَّهُ مِن عوارضِ الألفاظِ فَقَطْ، ويقالُ للمعنى: أَعمُّ، ولِلَّفظِ: عامٌّ، ومَدلولهُ كُليّةٌ أي محكومٌ فيه على كلِّ فردٍ مطابقةً إثباتًا أو سلبًا، ودلالتُهُ على أصلِ المعنى قطعيَّةٌ، وعلى كلِّ فردٍ ظَنِّيَّةٌ في الأصحِّ، وعمومُ الأشخاصِ يستلزمُ عمومَ الأحوالِ والأزمنةِ والأمكنةِ على المختارِ.
..........................................................................................................
لا زال الكلام في مباحث الأقوال وقد فرغ من الأمر والنهي وشرع في العام فقال: ( العَامُّ ) أي هذا مبحث العام، وهو ( لفظٌ يَسْتَغْرِقُ ) المعنى ( الصَّالِحَ لهُ ) معنى استغراق اللفظ هو تناوله لمعناه الموضوع له دفعة واحدة فتخرج النكرة في الإثبات نحو: أكرمْ رجلا، فإنه لا يشمل كل رجل دفعة بل المقصود أكرم رجلا على البدل أي هذا أو ذاك ( بِلا حَصْرٍ ) يخرج اسم العدد نحو: أكرم عشرة رجال، فإنها تستغرق الأفراد العشرة ولكن مع حصر ( والأصحُّ دخولُ ) الصورة ( النَّادِرَةِ وغيرِ المقصودةِ ) للمتكلم ( فيهِ ) أي في العام فيشملهما حكمه نظرًا لعموم اللفظ، وقيل: لا يدخلان فيه نظرًا للمقصود عادة في مثل ذلك فإنه لم تجر العادة بقصد الصورة النادرة، مثال الصورة النادرة : حديث: لا سبَق إلا في خُف أو حافر أو نصل، فيدخل السبق على الفيل لأنه من ذوي الخف وإن كانت المسابقة فيه نادرة، ومثال الصورة غير المقصودة للمتكلم: ما لو وكّل زيد شخصا بشراء عبيد فلان وفيهم مَن يعتق على زيد ولم يعلم به فإذا اشتراه الوكيل فإنه يعتق على زيد وإن لم يقصده بالشراء ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي العام ( قدْ يكونُ مجازًا ) بأن يستعمل اللفظ العام في المعنى المجازي نحو: جاءني الأسودُ الرماةُ، وقيل: لا يكون العام مجازًا إلا بقرينة كما لو قيل: جاءني الأسود الرماة إلا زيدًا، فإن الاستثناء دليل على إرادة العموم ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي العموم ( مِن عوارضِ الألفاظِ فَقَطْ ) أي دون المعاني، وقيل: من عوارض الألفاظ والمعاني معا ( ويقالُ ) اصطلاحا ( للمعنى: أَعمُّ ) وأخص ( ولِلَّفظِ: عامٌّ ) وخاص، وهذا اصطلاح أصولي فرقوا فيه بين اللفظ فخصوه بالعام والمعنى فخصوه بأفعل التفضيل فقالوا أعم فيقال للفظ المؤمنين عام ولمعناه أعم، فإن قيل فيلزم على هذا أن يكون المعنى يوصف بالعموم وقد صحح المصنف أن العموم من عوارض الألفاظ؟ قلنا إن المراد بالعموم هنا هو الشمول لمتعدد ولا شك أن المعنى الكلي يصدق على متعدد، بخلافه عند قولهم إن العموم من عوارض الألفاظ فالمراد به العموم الاصطلاحي فتأمل ( ومَدلولهُ ) أي العام إذا وقع في التركيب من حيث الحكم عليه ( كُليّةٌ أي محكومٌ فيه على كلِّ فردٍ مطابقةً إثباتًا أو سلبًا ) فقولنا: جاءَ أولادي، في قوة قولنا: جاءَ زيد وعمرو وسعيد، وقولنا: لم يجئ أولادي، في قوة قولنا: لم يجئ زيد ولا عمرو ولا سعيد، وفي ذلك رد على قول العلامة القرافي إن دلالة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدلالات الثلاث: المطابقة والتضمن والالتزام؛ لأنها مندرجة في دلالة المطابقة ( ودلالتُهُ ) أي العام ( على أصلِ المعنى ) أي أصل معنى اللفظ بدون عموم فقولنا: أكرم العالم، إذا أريد بأل فيه الاستغراق كان المعنى أكرم كل عالم، فأصل المعنى هو العالم الواحد، وقولنا: أكرم العلماء، أصل المعنى هو أقل الجمع وهو ثلاثة ( قطعيَّةٌ ) اتفاقا ( و ) دلالته ( على كلِّ فردٍ ) منه بخصوصه ( ظَنِّيَّةٌ في الأصحِّ ) لاحتماله التخصيص وإن لم يظهر مخصص لكثرة التخصيص في العمومات، وقيل: قطعية فيشمل كل فرد قطعا حتى يظهر خلافه من مخصص للعام ( وعمومُ الأشخاصِ يستلزمُ عمومَ الأحوالِ والأزمنةِ والأمكنةِ على المختارِ ) أي أن عموم العام لجميع أفراده يدل بالإلتزام لا بالمطابقة على عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة لأنه لا غنى للأشخاص عنها فقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، أي على أي حال من طول أو قصر وبياض أو سواد وغير ذلك من الأحوال وفي أي زمان كان وفي أي مكان كان، وخصّ منه المحصن فيرجم أي خرج المحصن من عموم الأحوال لكل زان، وقيل: إن العموم هو في الأفراد فقط ويكون مطلقا في الأحوال والأزمنة والأمكنة لانتفاء صيغة العموم فيها، فقوله تعالى في الآية السابقة يعم كل زانية وزان لكن لا يعم الأحوال حتى يجلد في حال الإحصان وعدمه ولا يعم الأمكنة حتى يعم الزنا في كل بقاع الأرض ولا الأزمنة حتى يعم جميع الأيام، فالدليل المبين لخروج المحصن مخصص للعام على القول الأول، مبين للمطلق على القول الثاني فإن الزاني مطلق من حيث الإحصان وعدمه فإذا دل دليل على خروج المحصن حمل الزاني في الآية على غير المحصن فلا يوجد تخصيص من أصله.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس والثلاثون- مباحث الكتاب

صيغ العموم


أولا: صيغ العموم هي:
1- كل، كقوله تعالى: ( كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ). والعموم فيها إنما هو عموم ماتضاف إليه. وتقدمت في مبحث الحروف.
2-3- الذي والتي، نحو: أكرمْ الذي يأتيكَ، والتي تأتيكَ.
4- 5- أيّ وما الشرطيتان، والاستفهاميتان، والموصولتان.
مثال الشرطيتين: ( أيما الأجلينِ قضيتُ فلا عدوانَ عليّ )، ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ).
ومثال الاستفهاميتين: ( أيهم زادته إيمانا )، ( قال: فما خطبكم ).
ومثال الموصوليتين: ( لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا )، ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ).
6- متى الشرطية والاستفهامية، نحو: متى تجيئني ؟، ومتى جئتني أكرمتك.
7- أين الشرطية والاستفهامية، نحو: ( أينما تكونوا يدرككم الموت )، وأينَ كنتَ؟
8- حيثما الشرطية، نحو: حيثما كنت آتِكَ.
9- الجمع المعرّف باللام أو الإضافة، نحو: ( والله يحب المحسنين ) أي كل المحسنين، ( يوصيكم الله في أولادكم ) أي في كل أولادكم، وذلك بشرط أن لا يتحقق عهد أي لا تكون أل أو الإضافة لشيء معهود فيصرف إليه. بيانه:
إن أل ومثلها الإضافة تكون للاستغراق والعهد والجنس.
مثال الاستغراق: أكرم العلماء المسلمين أي كلهم، وأكرم علماء المسلمين.
ومثال العهد: جاءَ القضاةُ أي قضاة معينون يعرفهم المخاطب، وجاءَ قضاةُ البلد، تريد طائفة معينة منهم.
ومثال الجنس: تزوجْ من العفيفات، أي من هذا الجنس الصادق بأي عفيفة، وتزوجْ من عفيفاتِ النساءِ.
فإذا علم هذا فإن أل والإضافة تحمل على الاستغراق ما لم يقم دليل على إرادة العهد أو الجنس.
10- المفرد المعرف باللام أو الإضافة، نحو: ( وأحلَّ الله البيعَ ) أي كل بيع، ( فليحذر الذين يخالفونَ عن أمره ) أي عن كل أمر من أوامره صلى الله عليه وسلم، وذلك ما لم يتحقق عهد أيضا.
11- النكرة في سياق النفي، مثل: ماجاءَ رجلٌ. وإفادة العموم تكون إما نصا أو ظاهرا.
فالنص إذا وقعت النكرة اسما للا النافية للجنس مثل: لا رجلَ في الدارِ.
والظاهر في غير ذلك مثل: لا رجلٌ حاضرًا، وما في الدارِ رجلٌ؛ إلا إذا زيدت فيها مِنْ فتكون نصا نحو: ( ما مِنْ إلهٍ إلا الله ).
ومثل النفي النهي والاستفهام الإنكاري نحو: ( ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدًا )، ( هل تعلمُ له سَمِيًّا ).
12- النكرة في سياق الشرط، نحو: ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا ).
ثانيا: قد يستفاد العموم من اللفظ لا بطريق الوضع بل من طريق العرف أو العقل.
مثال العموم العرفي: مفهوم الموافقة على رأي بعض العلماء فقد ذكرنا -سابقا- أنه قد اختلف في مفهوم الموافقة على قولين: الأول أنه مستفاد بطريق القياس أي أن الدلالة ليست من المنطوق ولا من المفهوم، والثاني أنه مستفاد من مفهوم اللفظ والدلالة عليه مفهومية وهذا القول هو الذي اختاره المصنف، وثمة قول ثالث وهو أن الدلالة عليه ليست مأخوذة من المفهوم بل من المنطوق بأن نقلَ العرفُ اللفظَ للدلالة على معنى أعم، وعليه فتكون الدلالة عليه من المنطوق.
فقوله تعالى: ( فلا تقل لهما أفٍّ ) دلالة التأفيف على تحريم الضرب من مفهوم الموافقة الأولى على المختار، وقيل بل دلالته عليه قياسية فلا هي من المنطوق ولا هي من المفهوم، وقيل: بل دلالته عليه دلالة لفظية لأن المراد من التأفيف ليس خصوص ذلك القول الذي يقوله المرء عند الضجر بل نقل إلى معنى أعم وهو المنع من الإيذاء بأي شكل كان وعليه فالدلالة منطوقية. فإذا علم هذا فعلى هذا القول الثالث يكون اللفظ قد عمّم بطريق العرف، فهذا نوع آخر من أنواع العموم غير العموم المستفاد من وضع الألفاظ نحو كل والذي والتي.
ومثله قوله تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) دلالة الأكل على تحريم حرق الأموال وسائر أنواع الإتلاف من مفهوم الموافقة المساوي على المختار، وقيل: بل دلالته عليه قياسية، وقيل بل لفظية منطوقية بأن نقل العرف لفظ الأكل إلى معنى أعم فلم يرد به خصوص أكل الطعام بل المراد به كل أنواع الإتلاف.
فالتمثيل بالعموم العرفي إنما يتأتى على القول الثالث.
وكذا قوله تعالى: ( حرمت عليكم أمهاتكم ) فهذه الآية من دلالة الاقتضاء وفي الآية حذف والأصل حرم عليكم نكاح أمهاتكم على قول، وقيل: بل هو من باب العموم العرفي حيث نقل العرف اللفظ من تحريم العين إلى تحريم جميع الاستمتاعات المقصودة من النساء من الوطء وغيره.
ومثال العموم العقلي: دلالة التنبيه والإيماء كقوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) فإنه يعم كل سارق وسارقة لأن ترتيب الحكم وهو القطع على وصف وهو السرقة يفيد أن الوصف علة الحكم، وكلما وجدت العلة وجد الحكم، فهذا مثال التعميم العقلي.
وكذا مفهوم المخالفة على قول، فقد تقدم أن دلالة المخالفة حجة بطريق اللغة، وقيل بل الدلالة عليه من الشرع أي يعرف من تتبع موارد الشرع، وقيل بل الدلالة عليه عقلية وهو أنه لو لم ينف المذكور الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة، فمثلا: في الغنم السائمة زكاة، المختار أن الدلالة على عدم الزكاة في الغنم غير السائمة مأخوذة من اللغة، وقيل من الشرع، وقيل من العقل.
وعليه فإن المفهوم هو أن كل غنم غير سائمة لا زكاة فيها أخذ من حكم العقل بذلك فيكون هذا مثال العموم العقلي على القول الثالث.

( شرح النص )​

مَسْأَلَةٌ
كلٌّ والذي والتي وأيٌّ وما ومتى وأينَ وحيثما ونحوُها للعمومِ حقيقةً في الأصحِّ، كالجمعِ المعرَّفِ باللامِ أوِ الإضافةِ ما لم يتحقَّقْ عهدٌ، والمفردُ كذلكَ.
والنكرةُ في سياقِ النَّفيِ للعمومِ وضعًا في الأصحِّ نَصًّا إنْ بُنيتْ على الفتحِ، وظاهرًا إنْ لم تُبْنَ، وقدْ يَعُمُّ اللفظُ عرفًا كالموافقةِ على قولٍ مرَّ، وحُرِّمَتْ عليكم أُمَّهَاتُكُمْ، أَو معنىً كترتيبِ حكمٍ على وصفٍ كالمخالفةِ على قولٍ مرَّ، والخلافُ في أَنَّ المفهومَ لا عمومَ لهُ لفظِيٌّ.

..........................................................................................................
هذه ( مَسْأَلَةٌ ) في صيغ العموم ( كلٌّ ) وتقدمت في مبحث الحروف ( والذي والتي ) نحو: أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك ( وأيٌّ وما ) الشرطيتان والاستفهاميتان والموصولتان وتقدمتا ( ومتى ) للزمان المبهم استفهامية أو شرطية نحو: متى تجيئني؟ ومتى جئتني أكرمتك ( وأينَ وحيثما ) للمكان شرطيتين نحو: أين أو حيثما كنت آتك، وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت؟ ( ونحوُها ) مما يدل على العموم لغة كجميع، وكالذين واللاتي، وكمَن الاستفهامية والشرطية والموصولة وتقدمت، وكل من المذكورات ( للعمومِ حقيقةً في الأصحِّ ) لتبادره إلى الذهن، وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد في المفرد، وللاثنين في المثنى، وللثلاثة في الجمع، لأنه المتيقن واستعماله في العموم مجاز، فإذا قيل مثلا: أكرمْ الذي يزورك أي شخصا واحدًا وإذا قيل أكرم الذينِ يزورانِكَ أي شخصين فقط وإذا قيل أكرم الذي يزورونكَ أي ثلاثة أشخاص، ولا يخفى بعده ( كالجمعِ المعرَّفِ باللامِ ) نحو: قد أفلح المؤمنون ( أوِ الإضافةِ ) نحو: يوصيكم الله في أولادكم أي فيهم كلهم فإنه للعموم حقيقة في الأصح ( ما لم يتحقَّقْ عهدٌ ) أي ما لم يقم دليل على أن أل يراد بها العهد فإن تحقق ذلك حمل عليه، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في تزوجت النساء ( والمفردُ كذلكَ ) أي المفرد المعرف باللام أو الإضافة كالجمع في أنه للعموم حقيقة ما لم يتحقق عهد نحو: أحل الله البيع، أي كل بيع وخص منه البيع الفاسد كالربا، ونحو: فليحذر الذين يخالفون عن أمره، أي كل أمر له وخص منه أمر الندب، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق بالبعض كما في لبست الثوب، ولبست ثوب الناس، لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا، فإن الاستثناء قرينة على العموم ( والنكرةُ في سياقِ النَّفيِ ) وفي معناه النهي والاستفهام الإنكاري ( للعمومِ وضعًا في الأصحِّ ) بأن تدل عليه بالمطابقة كما مر من أن الحكم في العام على كل فرد مطابقة، وقيل للعموم لزوما نظرا إلى أن النفي أوّلًا للماهية، ويلزمه نفي كل فرد، وعموم النكرة يكون ( نَصًّا إنْ بُنيتْ على الفتحِ ) نحو: لا رجلَ في الدار ( وظاهرًا إنْ لم تُبْنَ ) نحو ما في الدار رجلٌ، لاحتماله نفي الواحد فقط، فإن زيد فيها مِنْ كانت نصا أيضا كما مر في الحروف، والنكرة في سياق الامتنان للعموم نحو: وأنزلنا من السماء ماء طهورًا، قاله القاضي أبو الطيب، وفي سياق الشرط للعموم نحو: وإن أحد من المشركين استجارك، أي كل واحد منهم ( وقدْ يَعُمُّ اللفظُ ) إما ( عُرفًا كـ ) اللفظ الدال على مفهوم ( الموافقةِ ) بقسميه الأولى والمساوي ( على قولٍ مرّ ) في مبحث المفهوم كقوله تعالى: فلا تقل لهما أفّ، إن الذين يأكلون أموال اليتامى.. الآية قيل نقلهما العرف إلى تحريم جميع الإيذاءات والإتلافات ( وَ ) نحو: حرمت عليكم أمهاتكم، نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع التمتعات المقصودة من النساء، وسيأتي قول إنه مجمل، وقيل العموم فيه من باب الاقتضاء لاستحالة تحريم الأعيان فيضمر ما يصح به الكلام ( أَو معنىً ) أي عقلا ( كترتيبِ حكمٍ على وصفٍ ) فإنه يفيد علية الوصف للحكم كما يأتي في القياس، فيفيد العموم بالمعنى بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول نحو: الزانية والزاني فاجلدوا.. الآية، و( كـ ) اللفظ الدال على مفهوم ( المخالفةِ على قولٍ مرَّ ) في مبحث المفهوم وهو أن دلالة مفهوم المخالفة بالعقل لا باللفظ لأنه لو لم ينف الحكم عما عداه لم يكن لذكره فائدة كما في خبر الصحيحين: مطل الغني ظلم. أي بخلاف مطل غيره ( والخلافُ في أنَّ المفهومَ لا عمومَ له لفظيٌّ ) أي عائد إلى اللفظ والتسمية أي هل يسمى عاما أو لا بناء على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني أو الألفاظ فقط، وأما من جهة المعنى فهو شامل لجميع الصور فمثلا في آية التأفيف من المتفق عليه أن كل صور إيذاء الوالدين محرمة وإن اختلفوا في أن هذا الشمول يسمى عاما أو لا.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

ما مِنْ إلهٌ إلا الله
نحو: متى تجئني؟
للعمومِ حقيقةٌ في الأصحِّ
فإذا قيل مثلا: أكرمْ الذي يزورك أي شخصا واحدا
.
 

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

أليس الصحيح: ما مِنْ إلهِِ إلا اللهُ
نعم شكر الله لأبي عبد الرحمن ولكم، تم التصحيح.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا أثابكم الله
لم يظهر لي عامل الجزم في هذه الجملة
الفعل تجيئني مرفوع بالضمة لا يوجد جزم هو سهو مني تم التعديل وشكرا على المتابعة.
 

ثابت على قيمي

:: متابع ::
إنضم
2 ديسمبر 2013
المشاركات
18
الكنية
أبو عبيدة
التخصص
شريعة
المدينة
إدلب
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا معك أبو عبيدة الحموي من سوريا
أنا بحاجة أتواصل معكم عالواتس
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.


بخلاف المطلق كالنكرة في سياق الإثبات نحو: أكرمْ رجلًا، فإنه لا يشمل جميع أفراد الرجال دفعة واحدة، بل على البدل أي أكرمْ هذا أو ذاك فلا يسمى عاما.


1 - هل العام لا يكون إلا معرفة ؟

2 - هل المطلق والنكرة مترادفان ؟
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

هل هناك فرق بين " أكرم الرجال " و " أكرم كل الرجال " ؟
 
أعلى