العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

نقد أُصول الأشقر

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
كتاب الواضح في أُصول الفِقه ، لمحمد سليمان الأشقر رحمه الله تعالى ، من الكتب التربوية النافعة المناسبة لتأسيس علم الأُصول في أذهان الطُّلاب . وقد صنَّف المؤلِّفُ هذا الكِتاب في الكويت قبل ثلاثِ وأربعين سنة ، فقد حرَّر مُقدِّمته سنة (1395) هجرية .

وقد قام بتدريسه على الطُّلاب في الكويت وعَمَّان ، وقد طبعته دار النفائس في الُأردن سبع مرات ،ولقي قُبولاً واسعاً من الطُّلاب والمُتعطِّشين لتلقِّي هذا الفنِّ .
وقبل سنوات قرأ بعضُ الطلبة الكتابَ عليَّ وأمليتُ عليهم تعليقاتٍ يسيرةٍ لتحريرها في الكُرَّاس ، لإصلاح بعض الهفوات وإستدراك بعض الملاحظات وزيادة بعض العبارات ، ليستقيم المعنى ويزول الإلتباس . ولم أكن أرغب في نشرها إلا بعد إلحاح من بعض كِرام الناس . نسأل الله الإخلاص والسداد في الأقوال والأعمال .


1-سمَّى المؤلِّف رحمه الله تعالى كتابه ” الواضح في أصول الفقه ” ، وهو نَفس تسمية كتاب الإمام علي بن عقيل الحنبلي المتوفى سنة ( 513هـ ) . فلعله أراد من هذه التسمية أنه على خُطى الحنابلة ، وهو كذلك إن شاء الله ، لكن ذكر في المُقدِّمة أنه في غالب المسائل يوافق الجمهور أو الأحناف . فبجب التنبُّه لهذا عند النظر في المسائل .


2-يؤخذ على المؤلِّف -رحمه الله تعالى – في مُقدِّمته وتمهيده ، عدم التنبيه على مسائل التعريفات أو ما يُسمِّيه الأُصوليون الحدود . وهي مُهمة نبَّه عليها الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ ) في ” فتاويه ” ، وأبو يعلى (ت: 458هـ )في ” العُدَّة ” وابن فورك (ت: 406هـ )في ” الحدود في الُأصول ” والباقلاني (ت: 403هـ )في ” التقريب والارشاد” رحمهم الله تعالى. وأفضل تعريف للحدِّ هو تعريف الإمام الباجي (ت: 474هـ )رحمه الله تعالى : ” اللفظ الجامع المانع ” . وقد ذكر شروط الحدِّ الإمام الغزالي(ت: 505هـ) رحمه الله تعالى بأنه المنعكس المُطرِّد كما في كتابه ” المستصفى ” . وللحدود تفصيل واسع ينظر في كتاب البحر المحيط للزركشي ( ت: 794هـ )رحمه الله تعالى.


3-لم يُنبِّه المؤلِّف – رحمه الله تعالى – على أهم المُهمَّات في تعلُّم الأصول رواية ودراية ، وهو البحث عن دليل المسألة وتخريجها الفقهي ، ومن وقف على هذا الأصل فقد حاز قصب السبق ، ونال الغنيمة الباردة بلا ريب .وهناك مسائل تكثر في كتب الأصول وقد نشأت بسبب المشاحنات الكلامية بين المعتزلة والأشاعرة ، ولا يترتب عليها كثيرُ عمل ، كمسألة تعلُّق الأمر بالمعدوم ، فلا ينبغي الإشتغال بها ولا الإلتفات إليها . وهذه النصيحة مهمة جداً، لأن كثيراً من المبتدئين يستحسنون الغرائب ويتلذَّذون بمذاكرتها ولا يلتفتون للدليل ولا للأثر الفقهي .
ومسألة تعلُّق الأمر بالمعدوم نبَّه عليها الإمام الجويني(ت: 478هـ) في كتابه ” البرهان ” والإمام ابن تيمية (ت: 728ه) ـ في ” فتاويه ” ، وابن النجار(ت: 972 ه) في ” شرح الكوكب المنير ” رحمهم الله تعالى ، واستدلوا لها بقول الله تعالى : ” وأُوحي إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بَلغ ” ( الأنعام: 19) . وبحديث : ” لا تقوم الساعة حتى تُقاتلوا اليهود ” أخرجه البخاري .
ومن المسائل الُأصولية الكلامية مسألة : هل القدرة التي تُناط بها التكليف تكون قبل الفعل أو معه ؟ وهي من مسائل الأشاعرة والمعتزلة التي تنازعوا فيها ، وقد أقحموا بها علم الأصول ، وليست منه . ويُردُّ عليهم بحديث : ” صَلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا … ” أخرجه البخاري.


4-في مسائل التكليف لم يستدرك كعادته رحمه الله تعالى على أصحاب الفِرق من أهل الأصول ، فعند مسألة تكليف المريض لم يستدرك على الأشاعرة في قولهم : ( إن المسافر يجب عليه الصوم دون الحائض والمريض والمغمى عليه ، فلا يخاطبون حال قيام العذر ، وإنما يخاطبون بالقضاء إذا زالت أعذارهم ) . أهـ .
والصحيح أن المكلف مخاطب بالأحكام في وقتها . ولهذه المسألة فروع فقهية ذكرها ابن عابدين (ت: 1252هـ) في “حاشيته “و” الشيرازي(ت: 476هـ) ” في “شرح الُّلمع “وابن عقيل (ت: 513هـ) في “الواضح ” رحمهم الله تعالى .


5-عند شرح الأحكام الوضعية ، وعند ذكر السبب تحديداً لم يبُيِّن حكم تأثير الأسباب عند العلماء وهي ثلاثة : لا تأثير لها ، وهو قول الأشاعرة ، والسبب عندهم عبارة عما حصل الحكم عنده لا به. وقد ردَّ عليهم الإمام ابن حزم (ت: 456هـ) رحمه الله تعالى في كتابه الفِصل . وقول المعتزلة وهو أن الأسباب مُؤثِّرة في الحكم وموجبة لها . ولهذا قالوا إن المعصية ليست بمشيئة الله .والقول الثالث لأهل السنة حيث قالوا إن الله خلق الأسباب وجَعلها سبباً لمسبباتها .


6-عند الكلام حول الواجب المُخيَّر لم يذكر حَدَّه ولم يُبيِّن آثاره الفقهية . والواجب المُخيَّر ما طلبه الشارع لا بعينه بل ضمن ُأمورٍ معينة . مثل : جزاء الصيد للمحرم وفدية الأذى لمن فعل محظوراً من محظورات الاحرام ، والتخيير بين غسل الرِّجلين في الوضوء للابس الخُفِّ أو المسح عليه .


7-عند الكلام عن الدلالات وأثرها في الحكم الشرعي لم يُحرِّر أقسام الدلالات وهي نوعان : دلالة لفظية ودلالة غير لفظية . وتنقسم هذه الأخيرة إلى ثلاثة أقسام : دلالة طبيعية ودلالة عقلية ودلالة وضعية. وهناك الدلالات الثلاث المشهورة : دلالة المطابقة ودلالة التضمُّن ودلالة الالتزام .
وهذه الدلالات الثلاث لم يَذكر المؤلف الأشقر ما يترتب عليها من الآثار الفقهية . مثل لو قال قائل : هذه الناقة أمانة عندي لفلان ، فلازم إقراره أن نتاجها أمانة ، فيردَّها ويرد ولدها معها ، لأن ولدها لازم لها . ولو طاف سبعة أشواط واخترق الحجر ولم يطف خلفه فإنه يلزمه الإعادة لأن الحجر من البيت . ولو حلف لا يطأ أرض مِصر فإنه يحنث بمجرد دخوله أي مدينة فيها . ولو حلف ليهدمن بيته فلا يحنث إلا بهدم جميع البيت.


8-في مسائل الأمر فَاته – رحمه الله تعالى – أن يُنبِّه على تنبيهات مهمة مثل : الأمر والنهي أساس التكليف ، لأن معظم الإبتلاء بهما وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام الشرعية ويتميز الحلال عن الحرام ،كما أفاده الإمام السرخسي (ت: 490هـ) رحمه الله تعالى في كتابه “تمهيد الفصول في الأصول “. وكذلك القيام بحقوق الأمر والنهي تُورث حياة القلب كما قال الله تعالى : ” استجيبوا لله وللرسولِ إذا دعاكم لما يُحييكم ” ( الأنفال : 24) .


9-ذكَر – رحمه الله تعالى – في مسائل الأمر ما يُردِّده بعضُ الُأصوليين نقلاً عن البلاغييِّن والمناطِقة ، وهو أن الأمر إن كان مُوجَّهاً من المساوي إلى المساوي فهو إلتماس ، وإن كان من الأدنى إلى الأعلى سُمِّي دعاءاً أو سؤالًا . وهذا مردود في القول الراجح ، لقول الله تعالى : ” يُريدُ أن يُخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ” ( الأعراف : 110) فَسمَّى كلامهم لفرعون أمراً ، مع أنهم أدنى منه مَنزلة ، فإنهم كانوا يعتقدون فيه الألوهية .


10-عند الحديث عن قواعد الأمر لم يُشِر إلى الأثر الفقهي للأمر عند مَن حلف لا يتكلم فحدَّث نفسه بشيٍ دون أن ينطق بلسانه ، فالصحيح أنه لا يَحنث وإن نطق حنث ، فلو كان الكلام غير الملفوظ يُسمَّى كلاماً لحنث بحديث نفسه . وفائدة هذه القاعدة الردُّ على القائلين بالكلام النفسي من الأشاعرة وغيرهم . فهذا مُهم جداً فافهمه .


11-في قواعد الأمر فاته التنبيه على قاعدة الأمر المؤقَّت لا يَسقط بفوات وقته ، وهي مهمة جداً لتعلُّقها بالسفر والحضر ولا يوجد مسلم يستغني عنها . وصورتها: لو نسي صلاة في الحضر ثم ذكرها في السفر فهل يصليها أربعاً أم ركعتان ؟
وهذه المسألة الخلاف فيها قوي ،والراجح والله أعلم أنه يُصلِّيها أربعاً، بلا قصر . وينظر في الاستطراد حولها : “مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ” للتلمساني (ت: 771هـ ) و” العُدَّة ” للقاضي أبي يعلى (ت: 458هـ )رحمهما الله تعالى .


12-من الغرائب للمؤلِّف رحمه الله تعالى أنه عند الحديث عن الاستصحاب لم يستدل له ، فلعله سهى عنه ، ولم يُنبِّهه عليه أحد ! . ودليله من السنة حديث عَدي ابن حاتم مرفوعاً : ” إن وجَدته غريقاً فلا تأكله ، فإنك لا تدري الماء قتله أو كَلبك ” متفق عليه . ولم يُنبِّه رحمه الله تعالى إلى أن الأحناف لا يرون حُجيته ، كما في “الإحكام ” للآمدي .


13-عند الحديث عن المصالح المرسلة أفاض في مباحثها ولم يذكر تعريفاً وحَدَّاً لها . وهي : ترتب الحكم الشرعي فيما لا نص ولا إجماع مراعاة للمصالح العامة التي قصدها الشرع . ولم يستدل لها . ودليلها قول الرسول صلى الله عليه وسلم :”لا ضَرر ولا ضِرار ” أخرجه الإمام أحمد بإسنادٍ حسن . ولم يذكر أن الجمهور منعوا الاستدلال بها ، بينما أجازها المالكية . فَليُستدرك في موضعه من الكتاب .


14-عند شرح مباحث الإستقراء لم يذكر أنه قسمان : تامٌّ وناقص ، فليُحرَّر في موضعه. وقد وضَّحها الإمام الشاطبي(ت: 790هـ ) رحمه الله تعالى في ” الموافقات ” ، فلتُراجع .


15-عند شرح مسألة الطريق العملي للوصول إلى الحُكم ، لم يذكر قاعدة وجوب العمل بالظنِّ الراجح ، وقد عمل بها الرسول صلى الله عليه وسلم عند إفتقار الدليل اليقيني . وقد جاء في المرفوع : ” لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأحسبُ أنه صَدق ، فأقضي له بذلك ” متفق عليه .


16-عند شرح مباحث الإستحسان لم يستدل له . ودليله قول الله تعالى : ” الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسَنه ” ( الزمر:18) . وبقول ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه : ” ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ” .


17-عند شرح مباحث أخطاء المجتهدين ذَكر الأدلة والأمثلة بكلامٍ جيد . لكن يُستدرك عليه أن مسألة : هل كُّل مجتهد مصيب ؟ من المسائل المشتركة بين أصول الدِّين وأصول الفقه . وأن الحكم لا يمكن أن يكون حلالًا وحراماً في وقتٍ واحد ، كما وضَّحه أبو يعلى القاضي رحمه الله تعالى في كتابه ” العَُّدة ” .


18-عند شرح مسألة الفُتيا والتقليد لم يذكر قاعدة مراعاة الخِلاف عند إرادة الفتوى ، ودليلها حديث :”أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ( ثلاثاً ) ، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها ” أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .


19- في مسائل الإجماع ذكر الشيخ الأشقر أن الإمام الشوكاني أنكر حجية الإجماع ، وهذا وهمٌ منه وعزوٌ غير دقيق. وهذا نص كلام الشوكاني في إرشاد الفحول : “إجماع الصحابة حُجة بلا خلاف ، ونقل القاضي عبد الوهاب عن قومٍ من المبتدعة أن إجماعهم ليس بحجة” ، وقال أيضا : ” فإن قيل فما تقولون في إجماع من بعدهم ؟ قلنا : هذا لا يجوز لأمرين : أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أنبأ عن ذلك فقال : ” لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين”. والثاني أن سَعة أقطار الأرض وكثرة العدد لا تُمكِّن من ضبط أقوالهم ، ومن ادَّعى هذا لا يخفى كذبه ” اهـ .
قلت فيكون تقريره موافق لمعنى كلام الإمام أحمد (ت: 241هـ ) رحمه الله تعالى أن من أدَّعى الإجماع فقد كذب .


20- يؤخذ على الكتاب رغم سهولته وعذوبة ألفاظه عدم إكثاره من التطبيقات والأمثلة الأُصولية ، بإستثناء أمثلة النصوص الشرعية ، وعدم تخريج الفروع على الأصول ،وعدم العناية بالمصطلحات الأصولية . ولعله تعمَّد ذلك ليتدرَّب الطالب على المناقشة والتطبيق الذاتي. ولا ريب أن تقوية الملكة الأصولية لها ثلاث طرق : معرفة الإستدلال ، ومعرفة الإستنباط ، ومعرفة تخريج الفروع على الأصول. فاحفظ هذا فإنه نفيس .

هذا ما تيسر تحريره . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
 
أعلى