العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الصراط المسنفيم [2]

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمدلله وحده وبعد ..
قال الله تعالى في وصيته للمؤمنين : [ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به ]الآية[1]، وروى ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، فقال هذا سبيل الله ثم خطَّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال‏:‏ ‏"‏وهذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" [2] .
البدعة في الدين كما عرفها الشاطبي : طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه [3] ، فهي بهذا القيد طريقة خارجة عما رسمه الشارع ، وقد حذر العلماء من البدع وأهلها ـ على حد سواء ـ على مر العصور والأزمنة ، فكلما ضعف الدين تنازعت الأهواء الناس َ ـ مع قلة الناصح ـ إلى طرق عدة يرمون بذلك القرب [ ما نعبدهم إلا ليقربونا ] الآية [4]، فضلّ من ضلّ منهم ؛ إما على جهل بأحكام الدين ، أو متبع لهوى ، أو متعصب لآراء الرجال ، ومتى ابتعد الناس عن العلماء الربانيين ضلوا ، فإن البدع لا يبينها ولا يقاومها إلا العلماء ، ومتى اتبع الناس أهل الأهواء أضلوهم ، جاء في الحديث في الأئمة المضلين [اتخذ الناس رؤوساً جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا [5] ومع قلة الناصحين وانشغال أهل الحق عنه ، وإهمال بيانه ، وتمحيصه مما يشوبه ، تنتشر البدع وينشط أهلها ويتعلق الناس بالأهواء، وقد قال تعالى [ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ] الآية [6] ، وأما التعصب لآراء الرجال فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا‏}الآية [7] ، وقال ابن مسعود :" إنكم أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستحدثون، ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة، فعليكم بالهدي الأول "[8] ، وقال الإمام الأوزاعي :" عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإيّاك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول "[9]. ولذا كان واجبا على أهل العلم بيان الحق على نهج صحيح ، والتحذير من الباطل وأهله ، فالله جل وعلا حذر من مجالسة أهل الزيغ والضلال فقال سبحانه : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "الآية[10] ، وقد يستفاد لذلك بماورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الدجال وذكر ما يأتي به من الشبهات ، فقال عليه الصلاة والسلام : (من سمع به فلينأ عنه ، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات". "[11] كما حذر من ذلك العلماء ، فكانت عبارات السلف شديدة في هذا الباب ، يقول الفضيل بن عياض عن أهل البدع : من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة [12] ، وقال رجل لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة. قال: فرأيته يشير بيده ويقول: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة، وعن ابن سيرين أنّه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه حتى يقوم من مجلسه، وقال الإمام أحمد " أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم[13]وقال البربهاري في شرح السنة وإذا رأيت الرجلَ جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى [14] ، ويتبع ذلك ضرورة الحذر والتحذير من القراءة في كتبهم ممن لم يصلب عوده في أساسيات العلم ؛ بل ولا يوصى بها مع وجود الغنية في غيرها ، ومن هذا الطريق اختلف الناس ، فكلما بعد السالك إلى الله عن هدي من بُعث بالحق عليه الصلاة والسلام ، كلما ابتعد عن الحق وحصل النزاع والاختلاف ، ولابد من الإشارة إلى أن هناك فرقا بين اختلاف الفقهاء في الأحكام وفضائل السنن ــ مما يسوغ فيه الخلاف مما يندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم «إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ, وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِد"[15] ، وبين الاختلاف المذموم ، ـــ وطريقة أهل الحق في الاختلاف الأول معلومة " ما بال أقوام " [16] ، وقد أشار ابن بطة في كتابة الإبانة إلى ذلك حيث جعل الاختلاف على قسمين وذكر النوع الأول فقال رحمه الله : [ .. اخْتِلَافٌ : الإقرار بِهِ إِيمَانٌ وَرَحْمَةٌ وَصَوَابٌ , وهو الاختلاف المحمود الذي نطق به الكتاب , ومضت به السنة , ورضيت به الأمة , وذلك في الفروع والأحكام التي أصولها ترجع إلى الإجماع والائتلاف. وَاخْتِلَافٌ : هُوَ كفرٌ وفرقة ، وسخطة وعذاب ، يؤول بِأَهْلِهِ إِلَى الشتات والتضاغن والتباين والعداوة واستحلال الدم والمال , وهو اختلاف أهل الزيغ في الأصول والاعتقاد والديانة ] أ.هـ[17] ، وقال في موضع آخر من نفس الكتاب (.. وَإِنْ تأول متأول مِنَ الفقهاء مذهبا فِي مسألة مِنَ الأحكام خالف فيها الإجماع , وقعد عنه فيها الاتباع , كان منتهى القول بالعتب عليه: أخطأت لا يقال له : كفرت , ولا جحدت ولا ألحدت , لأن أصله موافق للشريعة , وغير خارج عن الجماعة في الديانة ) [18]أ.هـ ، ثم قال كلاما نفيسا يحكي الحال السائد في زمانه : ( ... فطرقات الحق خالية مقفرة موحشة قد عُدم سالكوها واندفنت محاجّها , وتهدمت صواياها وأعلامُها , وفُقد أدلاؤها وهُداتها , قد وقفت شياطين الإنس والجن على فجاجها ، وسبُلها تتخطف الناسَ عنها , فالله المستعان , فليس يعرف هذا الأمر وَيُهِمُّهُ إلا رجل عاقل مميز , قد أدّبه العلم وشرح الله صدره بالإيمان ..) [19]أ.هـ . وبعد بيان الفرق بين الاختلافين ـ فإننا حينما نقرأ كلام الإمام الشاطبي في ذم البدع ، نجد أنه أشار إلى أن ذم البدعة عام لا يختص ببدعة دون غيرها ، وبيّن وجهَ ذمها ، ومما ذكره رحمه الله : قال ( إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك ، وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها ، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية ، فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت ، فدل على أن كل بدعة ليست بحق ، بل هي من الباطل )أ.هـ [20] ، ومما قاله رحمه الله أن الذم لا يقتصر على البدعة فحسب ؛ بل يتعدى الذم إلى المبتدع ، فصاحبها مذموم آثم[21]، وقد قال تعالى:"
ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " الآية[22] ، وقوله عليه السلام : " أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ... "[23] وقال سبحانه " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " الآية[24] فأثبت لهم الزيغ أولا ، ثم اتباع المتشابه ، وقال :" ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " الآية[25] ، فنسب إليه الضلالة . وقال سبحانه : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " الآية [26] ، فنسب إليه الغفلة ، والسلف ــ كما أشرت أعلاه ــ كثيرا ما كانوا يحذرون من البدع وأهلها ، ويبينون خطأها وخطرها ، ولو تعدى ذلك إلى من تلبس بها متى ما كان داعية لها ، أو خشي اغترار العامة به ، وكان من يقوم على ذلك الأئمة الأعلام ممن يوثق بغيرتهم على الدين وبعدهم عن الهوى والضغينة ، ولذا فعندما أجاز أهل العلم تجريح من جرَّحوا ـ ممن عرفوا بالعلم والغيرة على الدين ــ إنما كان ذلك لأجل حفظ الشريعة ، مع تحذيرهم الشديد من الخوض في عرض المسلم فيما ليس له غرض صحيح ، أو من يتكلم من غير حجة ولا برهان ، فتشديد السلف مما هو من أصول الدين ومنهاج السنة ، لا مما يسوغ فيه الخلاف مما سبق ذكره ، فالأمر لا بد فيه من الموازنة ، ولذا فإننا نجد الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين يعنون بابا فيما يباح من الغيبة وذكر ست حالات ، والرابعة منها : تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم ، وذَكَرَ وجوهاَ لذلك منها : جرح المجروحين من الرواة ، وما إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع . يقول ابن دقيق العيد رحمه الله :" أعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدِّثون والحكام [القضاة ] " [27] ثم بين رحمه الله النجاة من ذلك بأن يكون النقدُ بعلم، فلا يتتبع قيل وقال ، ولشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كلاما نفيسا في ذلك بعد ذكره لبعض الوقائع مستدلا بها على جوازه ، ومما جاء فيه قوله رحمه الله :" وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله ، لا لهوى الشخص مع الانسان .. ، فهو من عمل الشيطان وإنما الأعمال بالنيات " أ.هـ [28] قلت : ويتضح مما سبق ، أن الأولوية والمنهج الحق ، هو في محاربة الأفكار ورد الشبه دون النظر لقائلها ، ولو جعل هذا الأمر لمن عرف بالعلم والورع والتقوى لكان أسلم وأبلغ في النصح ، وهي عادة السلف ، يذبون عن دين الله ، ولا يسرفون في أعراض الناس ، والحمد لله رب العالمين ..
-----

1. الأنعام [ 153 ]
2. الحديث ‏"‏‏‏رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم ، وصححه الألباني
3. الاعتصام [1/50]
4. الزمر [3]
5. البخاري رقم[100] ، ومسلم رقم [2673 ]
6. القصص [50]
7. البقرة [170]
8. انظر سنن الدارمي [ 169]
9. انظر الشريعة للآجري [123]
10. الأنعام [ 68 ]
11. رواه أبو داوود . قال الألباني: وإسناده صحيح [ صحيح أبي داود ]
12. انظر السنة اللالكائي [ 263 ]
13. الابانة لابن بطة [2/472، 473 ، 475]
14. السنة للبربهاري [171]
15. البخاري رقم [ 2352 ] ومسلم رقم [1717 ]
16. البخاري رقم [717]
17. الإبانة (2/ 557)
18. المرجع السابق (2/565)
19. نفسه (2/571)
20. الاعتصام [1/188]
21. الاعتصام [186-187]
22. آل عمران [105]
23. مسلم رقم [249]
24. ال عمران [7]
25. سورة ص [26]
26. الكهف [28]
27. الاقتراح في بيان الإصلاح [1/61]
28. الفتاوى [28/221] ذكرته بتصرف



 
أعلى